مستند الشّيعة - ج ١٨

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٨

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-204-0
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٤٥

لأنّ غايته تخصيص عموم العلّة ، وهو لا يخرجه عن الحجّية في غير موضع التخصيص.

ومنها : الحداء وهو سَوق الإبل بالغناء واشتهر فيه الاستثناء ، وتوقّف فيه جماعة (٢) ، بل صرّح جمع بعدم الحلّية (٣) ؛ لعدم العثور على دليل عليها ، سوى نبوي عامّي (٤) لا يصلح للحجّية ، وهو كذلك ، إلاّ أنّ الأصل وعدم ثبوت الحرمة كلّيةً يكفي للحلّية.

ومنها : الغناء في مراثي الحسين عليه‌السلام وغيره من الحجج وأصحابهم ؛ للأصل المذكور المعتمد ، ولأنّه معين على البكاء ، فهو إعانة على البرّ.

فإن قيل : كون الغناء معيناً على البكاء ممنوع ، وإن سلّم إعانة الصوت عليه ولكنّه غير الغناء.

ولو سلّم فكونه معيناً على البكاء على شخص معيّن غير مسلّم ، فإنّه إنّما يكون باعتبار تذكّر أحواله ، ولا دخل للغناء فيه.

ولو سلّم فعموم رجحان الإعانة على البرّ ولو بالحرام غير ثابت.

ولو سلّم فتعارض أدلّته أدلّة حرمة الغناء ، والترجيح للثانية ؛ لأظهريّة العموم أو الأكثريّة ، أو لأجل ترجيح الحرمة على الجواز مع التعارض.

قلنا : أمّا منع كون الغناء معيناً فيخالف الوجد ان ؛ لأنّ من البيّن أنّ لنفس الترجيع أيضاً أثراً في القلب ، كما يدلّ عليه ما في كلماتهم من توصيف الترجيع بالطرب ؛ مع تفسيرهم للإطراب بما يشمل الأحزان أيضاً ، فإنّ حزن القلب من معدّات البكاء ؛ مع أنّه لو قيل : إنّ الغناء هو الصوت‌

__________________

(٢) منهم صاحب الحدائق ١٨ : ١١٦.

(٣) منهم صاحب الرياض ١ : ٥٠٢.

(٤) صحيح مسلم ٣ : ١٤٢٧ ، ١٢٣ ، صحيح البخاري ٥ : ١٦٦.

٢٠١

المشتمل على الترجيع دون نفس الترجيع ، فيكون هو أيضاً من أفراد الصوت.

وأمّا منع كونه معيناً على البكاء على شخص وإنّما هو يحصل بتذكّر أحواله ، فهو أيضاً ممّا يخالف الوجدان ، فإنّا نشاهد من أنفسنا تأثير الألفاظ والأصوات والألحان ، فنرى أنّه يعبَّر عن واقعة واحدة بألفاظ مختلفة ، يحصل من بعضها البكاء الشديد ، ولا يؤثّر بعضها أصلاً ؛ ونرى أنّه يذكر بعضهم واقعة ولا يؤثّر في قلب ، ويذكر غيره بل هذا الشخص بلحن آخر هذه الواقعة بعينها وتحصل منه غاية الرقّة والبكاء ، بل ربّما يبقى التأثير بعد تمام تعزيته ، بحيث تسيل الدموع بتذكّر ما ذكره في مدّة طويلة.

والتحقيق : أنّ الصوت واللفظ واللحن من الأُمور المرقّقة للقلب المعدّة للتأثير ، وبترقيقها وإعدادها يحصل البكاء بتذكّر الأحوال.

وأمّا منع رجحان هذه الإعانة لكونها بالحرام ، ففيه : أنّ المستدِلّ لا يجوّز إعانة البرّ بالحرام ، بل يمنع الحرمة حين كون الغناء معيناً على البكاء ؛ استناداً إلى تعارض عمومات الحرمة مع عمومات الإعانة.

وأمّا ترجيح عمومات الحرمة ، فبعد ما ذكرنا من حال أدلّتها ، فيظهر لك فساده ، كيف؟! مع أنّ عموم رجحان الإعانة بالبرّ مطلقاً أمر ثابت كتاباً وسنّة ، ورجحانها مجمع عليه.

ومع ذلك ، فالأحاديث الواردة في أنّ من أبكى أحداً على الحسين عليه‌السلام كان له كذا وكذا بلغت حدّ الاستفاضة ، بل التواتر ، وكثيرة منها مذكورة في ثواب الأعمال (١).

وأمّا ترجيح جانب الحرمة على الجواز بعد التعارض فهو عندنا غير‌

__________________

(١) ثواب الأعمال : ٨٣ ، الوسائل ١٤ : ٥٠٠ أبواب المزار وما يناسبه ب ٦٦.

٢٠٢

ثابت إلاّ على وجه الأولويّة ، وهو أمر آخر.

ومنها : في قراءة القرآن ؛ ويدلّ على جواز الغناء ( بعد التعارض ) (١) فيها ما مرّ من الأصل ، المعتضد بالمعتبرة الآمرة بقراءة القرآن بالحزن وبالصوت الحسن ، منها مرسلة ابن أبي عمير ، وفيها : « إنّ القرآن نزل بالحزن فاقرءوه بالحزن » (٢).

والمستفيضة الدالّة على حُسن الصوت الحَسن مطلقاً ، كالروايات الأربع لابن سنان (٣) ، والسبع : لأبي بصير (٤) وحفص (٥) وعبد الله التميمي (٦) ودارم بن قبيصة (٧) وسماعة والنميري وصحيحة ابن عمّار (٨) ، وغيرها (٩).

بل لو قلنا بتماميّة روايات حرمة الغناء دلالةً تُعارَضُ مع هذه الروايات بالعموم من وجه ، فيرجع إلى الأصل أيضاً.

ومَنعُ التعارض ؛ لأنّ الغناء هو الترجيع ، وهو وصف عارض للصوت الحسن ، يوجد بإيجادٍ آخر مغاير للصوت.

يردّه منع كون الغناء هو الترجيع ، بل هو الصوت المشتمل على‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « ق ».

(٢) الكافي ٢ : ٦١٤ ، ٢ ، الوسائل ٦ : ٢٠٨ أبواب قراءة القرآن ب ٢٢ ح ١.

(٣) الاولى : الكافي ٢ : ٦١٥ ، ٩ ، الوسائل ٦ : ٢١١ أبواب قراءة القرآن ب ٢٤ ح ٣.

الثانية : الكافي ٢ : ٦١٥ ، ٦ ، الوسائل ٦ : ٢٠٨ أبواب قراءة القرآن ب ٢٢ ح ٢.

الثالثة : الكافي ٢ : ٦١٥ ، ٧.

الرابعة : الكافي ٢ : ٦١٤ ، ٣ ، الوسائل ٦ : ٢١٠ أبواب قراءة القرآن ب ٢٤ ح ١.

(٤) الكافي ٢ : ٦١٦ ، ١٣ ، الوسائل ٦ : ٢١١ أبواب قراءة القرآن ب ٢٤ ح ٥.

(٥) الكافي ٢ : ٦٠٦ ، ١٠ ، الوسائل ٦ : ٢٠٨ أبواب قراءة القرآن ب ٢٢ ح ٣.

(٦) الوسائل ٦ : ٢١٢ أبواب قراءة القرآن ب ٢٤ ح ٦.

(٧) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٦٩ ، ٣٢٢ ، الوسائل ٦ : ٢١٢ أبواب قراءة القرآن ب ٢٤ ح ٧.

(٨) مستطرفات السرائر : ٩٧ ، ١٧ ، الوسائل ٦ : ٢٠٩ أبواب قراءة القرآن ب ٢٣ ح ٢.

(٩) انظر الوسائل ١٧ : ٣٠٣ أبواب ما يكتسب به ب ٩٩.

٢٠٣

الترجيع ؛ مع أنّ الوارد في بعض الأخبار المذكورة الأمر بالقراءة بالحزن أو بصوت حزين ، وفي بعضها تحسين الصوت ، ولا شكّ أنّ الترجيع أحد أفراد القراءة بالحزن ، والتحسين أيضاً.

وتدلّ على الجواز أيضاً رواية أبي بصير الصحيحة عن السرّاد ـ المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه وفيها : « ورجّع بالقرآن صوتك ؛ فإنّ الله يحبّ الصوت الحسن يرجَّع به ترجيعاً » (١).

والعامّي المرويّ في المجمع : « فإذا قرأتموه » أي القرآن « فابكوا ، فإن لم تبكوا فتباكوا وتغنّوا به ، فمن لم يتغنّ بالقرآن فليس منّا » (٢).

ورُدّا بمعارضتهما مع رواية ابن سنان : « اقرءوا القرآن بألحان العرب وأصواتها ، وإيّاكم ولحون أهل الفسق والكبائر ، فإنّه سيجي‌ء بعدي أقوام يرجّعون القرآن ترجيع الغناء والنوح والرهبانيّة ، لا يجوز تراقيهم ، قلوبهم مقلوبة ، وقلوب من يعجبه شأنهم » (٣).

مضافاً إلى ما في الاولى من منع كون مطلق الترجيع غناء ، ولا يفيد انضمام الحزن المأمور به معه أيضاً في حصول الغناء ؛ لأنّ المأمور به هو حزن القارئ ، والمعتبر في الغناء هو حزن السامع.

وما في الثانية من احتمال كون المراد طلب الغناء ودفع الفقر.

وفيه : أنّ الرواية ليست معارضة لما ذكر ، بل معاضدة له ؛ للأمر بالقراءة بألحان العرب ، واللحن هو التطريب والترجيع.

__________________

(١) الكافي ٢ : ٦١٦ ، ١٣ ، الوسائل ٦ : ٢١١ أبواب قراءة القرآن ب ٢٤ ح ٥.

(٢) مجمع البيان ١ : ١٦ ، مستدرك الوسائل ٤ : ٢٧٣ أبواب القراءة في غير الصلاة ب ٢٠ ح ٧ ، إلاّ أنّه نقله عن جامع الأخبار.

(٣) الكافي ٢ : ٦١٤ ، ٣ ، مجمع البيان ١ : ١٦ ، الوسائل ٦ : ٢١٠ أبواب قراءة القرآن ب ٢٤ ح ١.

٢٠٤

قال في النهاية الأثيريّة : اللحون والألحان : جمع اللحن ، وهو التطريب وترجيع الصوت وتحسين القراءة والشعر والغناء (١).

وقال في الصحاح : ومنه الحديث : « اقرءوا القرآن بلحون العرب » ، وقد لحن في القراءة : إذا طرّب وغرّد ؛ وهو ألحن الناس إذا كان أحسنهم قراءةً وغناءً (٢).

وقال أيضاً : الغرد بالتحريك : التطريب في الصوت والغناء (٣).

وأمّا ما في الرواية من النهي عن لحون أهل الفسق والكبائر وذمّ أقوام يرجّعون القرآن ترجيع الغناء والنوح والرهبانيّة فلا يدلّ إلاّ على ذمّ نوع خاصّ من الترجيع ؛ ولعدم معلوميّته يجب العمل في كلّ ما لم يعلم بالأصل.

وليس فيها تخصيص بالمجمل ، بل دلّت على أنّ المجوّز هو ترجيع العرب ، والمنهيّ عنه هو ترجيع أهل الفسوق والكبائر ، ولا يعلم تعيين أحدهما ، وليس ذلك تخصيصاً بالمجمل ، فتأمّل.

وأمّا منع كون مطلق الترجيع غناءً ، ففيه : أنّ بعد ضمّ تحسين الصوت المرغّب فيه وتحزينه لا يمكن الخلوّ عن نوع من الإطراب ، فيكون غناءً ، وتحزين القارئ سيّما مع تحسين الصوت والترجيع يستلزم تحزين السامع غالباً.

وأمّا تأويل قوله : « تغنّوا » بطلب الغناء فهو ممّا يستبعد عن سياق الكلام غاية الاستبعاد.

__________________

(١) النهاية الأثيرية ٤ : ٢٤٢.

(٢) الصحاح ٦ : ٢١٩٣.

(٣) الصحاح ٢ : ٥١٦.

٢٠٥

ومنها : الغناء في الأدعية ، وذكر الفضائل ، والثناء ، والمناجاة ، وأمثالها ؛ ويدلّ على جواز الغناء فيها ما ذكر من الأصل السالم عن المعارض بالمرّة ، مضافاً إلى مرسلة الفقيه المتقدّمة (١) ، المتضمّنة لتجويز شراء المغنّية لأن يتذكّر بصوتها الجنّة ، فإنّ إطلاقها يشمل الغناء أيضاً ؛ مع أنّ الظاهر أنّ السؤال كان عن غنائها ، إذ كان عدم حرمة غيره ظاهراً.

هذا ، ثم إنّه كلّما يحرم الغناء يحرم استماعه أيضاً ؛ بالإجماع والروايات المتقدّمة كما مرّ.

وكذا يحرم التكسّب بالمحرّم منه والأُجرة عليه ، بلا خلاف أجده ، وظاهر المفيد أنّه إجماع المسلمين (٢) ، وفي المنتهى : تعلّم الغناء والأجر عليه حرام عندنا بلا خلاف (٣).

وتدلّ عليه روايات أبي بصير والطاطري وابن أبي البلاد ، المتقدّمة جميعاً (٤).

ورواية نصر بن قابوس : « المغنيّة ملعونة ، ملعون من أكل كسبها » (٥).

ومرسلة الفقيه : « أجر المغنّي والمغنّية سحت » (٦).

وقد يستدلّ عليه أيضاً بالأصل ؛ إذ الأصل عدم صحّة المعاملة ، وهو ضعيفٌ غايته ؛ لأنّ غايته عدم اللزوم دون الحرمة إن رضي به المالك ، والله الموفّق.

__________________

(١) في ص ١٨٩.

(٢) المقنعة : ٥٨٨.

(٣) المنتهى ٢ : ١٠١٢.

(٤) في ص ١٨٩ و ١٩١.

(٥) الكافي ٥ : ١٢٠ ، ٦ ، التهذيب ٦ : ٣٥٧ ، ١٠٢٠ ، الإستبصار ٣ : ٦١ ، ٢٠٣ ، الوسائل ١٧ : ١٢١ أبواب ما يكتسب به ب ١٥ ح ٤.

(٦) الفقيه ٣ : ١٠٥ ، ٤٣٦ ، الوسائل ١٧ : ٣٠٧ أبواب ما يكتسب به ب ٩٩ ح ١٧.

٢٠٦

البحث الرابع

في بعض ما يتعلّق بالبحث عن عدالة الشاهد‌

وقد ثبت فيما تقدّم اشتراط عدالة الشاهد في الحكم بشهادته ، واشتراط معرفتها.

وأنّه لا يكتفى في ثبوتها بظاهر الإسلام ، ولا بجميع مراتب حسن الظاهر.

وأنّه إذا عرف الحاكم عدالتهما يحكم بشهادتهما ، وإن عرف فسقهما يسقط شهادتهما ، إلاّ أن يثبت الخصم الفسق في الأول والعدالة في الثاني.

وأنّه إذا جهل حالهما يبحث عنها.

فالمقصود هنا بيان حال البحث وكيفيّته ، وفيه مسائل :

المسألة الأُولى : بحث الحاكم وفحصه عن حال الشاهد المجهول حاله واجبٌ عليه ؛

للإجماع المركّب ، فإنّ كلّ من يقول بعدم كفاية ظاهر الإسلام في الشاهد يقول بوجوب الفحص ؛ ولأنّه لولا الفحص فإمّا يترك الحكم ، أو يحكم للمشهود له بدون ثبوت عدالة الشاهد أو عليه بدون الفحص ، والكلّ باطل.

ويدلّ عليه عمل النبيّ المرويّ في تفسير الإمام أيضاً (١) ؛ حيث إنّه كان يبحث عن حال الشهود ، ومع عدم الظهور يصلح أو يحلف.

المسألة الثانية : تثبت عدالة الشاهدين الغير المعروفين للحاكم‌

__________________

(١) تفسير العسكري عليه‌السلام: ٦٧٣ ، ٣٧٦ ، الوسائل ٢٧ : ٢٣٩ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٦ ح ١.

٢٠٧

بالشياع المفيد للعلم ، وبشهادة العدلين إجماعاً.

ويدلّ على الأخير أيضاً ما أشرنا إليه وأثبتناه في موضعه من أصالة حجّية شهادة العدلين ، والرواية الطويلة المروية في تفسير الإمام ، المتضمّنة لمحاكمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّه إذا كان لا يعرف الشهود بخير ولا شرّ أرسل رجلين من خيار أصحابه إلى قبائل الشهود لتفتيش أحوالهم من قومهم ، فإذا أتيا بخير أنفذ شهادتهم ، وإذا أتيا بخبر سيّ‌ء لم ينفذ.

ولا ينافيه ما في الرواية من أنّ بعد رجوع الرجلين وإخبارهما كان يحضر قوم الشهود ويسأل عنهم.

لأنّ السؤال إنّما هو عن معرفة أشخاص الشهود ، هل أنّهم هذه الأشخاص أم لا؟ المعرفة عدالة الشهود ، وإلاّ لم يحتج إلى إنفاذ رجلين ولا من الخيار ، ولذا اكتفى في صورة رجوعهما بخبر سيّئ بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أهما هما »؟

ومرسلة يونس المصرّحة بأنّ استخراج الحقوق بأربعة وجوه ، وعدّ منها شهادة رجلين عدلين (١). فإنّ الاستخراج أعمّ ممّا كان بواسطة أو بلا واسطة.

وعمومات : « البيّنة على المدّعى » (٢) إذا ادّعى المشهود له عدالة الشاهدين.

وهل تثبت بشهادة العدل الواحد ، أم لا؟

الأكثر على الثاني ، بل عن الإيضاح الإجماع عليه (٣) ، وهو الحقّ ؛

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤١٦ ، ٣ ، التهذيب ٦ : ٢٣١ ، ٥٦٢ ، الوسائل ٢٧ : ٢٤١ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٧ ح ٤.

(٢) الوسائل ٢٧ : ٢٣٣ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٣.

(٣) الإيضاح ٤ : ٤٣١.

٢٠٨

للأصل.

وصرّح بعض مشايخنا المعاصرين بوجود القول بثبوتها بشهادة الواحد أيضاً ، وربّما يشعر بالثبوت بها كلام المحقّق الأردبيلي (١). ولا أرى عليه دليلاً ، إلاّ بعض ما يذكرونه دليلاً على حجّية مطلق خبر العدل ، وقد ذكرناه في العوائد مع ضعفه (٢).

وقد يستدلّ له أيضاً بأنّ حصول العلم بالعدالة إمّا متعذّر أو متعسّر ـ ولو بالمعاشرة والشياع فلا مناص فيه عن العمل بالظنّ ، وشهادة العدل الواحد مفيدة له أيضاً.

وفيه : أنّ الثابت منه لو سلّم كفاية الظنّ في الجملة لا مطلق الظنّ ، فيجب الاقتصار فيه على القدر المجمع عليه ، فإنّ الضرورة تقدّر بقدرها.

ومنه يظهر عدم كفاية الشياع المفيد للظنّ ، ولا المعاشرة المفيدة له ، بل لا بدّ من إفادتهما العلم.

وبعد ما ذكرنا في بيان العدالة وتحقيقها ووصولك إلى حقيقته ، لا يختلج ببالك أنّ حصول العلم بوجود العدالة لشخص بالمعاشرة أو الشياع متعذّر ، فلا بدّ من الاكتفاء بالظنّ ؛ إذ قد عرفت أنّ المناط في الحكم بعدالة شخص شرعاً هو كونه حسن الظاهر ، ومتّصفاً بأوصاف يسهل تحصيل العلم بها بالمعاشرة أو الشياع ، بل قد يحصل العلم بها بإخبار العدل الواحد المحفوف بالقرائن المفيدة للعلم ، فتثبت به حينئذٍ أيضاً.

والحاصل : أنّ العدالة وإن كانت ملكة نفسانيّة أو صفات وحالات منبعثة عن الملكة النفسانيّة ، والعلم بها في غاية الصعوبة إلاّ أنّه قد عرفت‌

__________________

(١) مجمع الفائدة ١٢ : ٣٢٥.

(٢) عوائد الأيام : ٢٧٧.

٢٠٩

أنّ الشارع قد جعل حسن الظاهر على الوجه المتقدّم ذكره معرِّفاً لها ، قائماً مقام العلم ، فالمناط : العلم بحسن الظاهر المذكور ، وهو ليس متعذّراً ، بل سهل غالباً ، فالمراد المعاشرة المخبرة عن ذلك الحسن ، أو الشياع المخبر عنه.

نعم ، لو لم تثبت دلالة حسن الظاهر عليها ومعرّفيّته لها ، فمعرفتها بالمعاشرة والشياع علماً كان صعباً ، وللإجماع على المعرفة بهما يتمّ أن يقال : تكفي المعرفة الظنيّة ، ولكن يشكل معرّفية المناط حينئذٍ ؛ لسعة دائرة المعاشرة والشياع ، وكثرة مراتب الظنّ ، وعدم تعيين المجمع عليه منها.

المسألة الثالثة : لو صرّح المشهود عليه بعدالة الشاهدين تقبل شهادتهما عليه ويحكم بها ، وفاقاً للتحرير والدروس والقواعد (١) مع الاستشكال في الأخير ـ وللمحكيّ عن الإسكافي والتنقيح والإرشاد والإيضاح (٢) ، وقوّاه بعض مشايخنا المعاصرين (٣).

لا لما ذكره في الإيضاح من أنّه أقرّ بوجود شرط الحكم ، وكل من أقرّ على نفسه بشي‌ء نفذ عليه.

لمنع كون الإقرار بوجود الشرط إقراراً على نفسه ؛ لأنّه لا يلزم من وجوده الوجود ؛ ولأنّ كونه إقراراً على نفسه موقوف على كونه مقبولاً عند الحاكم ، وقبوله موقوف على كونه إقراراً على نفسه ، وهو دور.

بل للمرويّ في تفسير الإمام المشار إليه متكرّراً ، وفيه : « فإذا كان‌

__________________

(١) التحرير ٢ : ١٨٤ ، الدروس ٢ : ٧٩ ، القواعد ٢ : ٢٠٦.

(٢) حكاه عن الإسكافي في الرياض ٢ : ٣٩٠ ، التنقيح ٤ : ٢٤٣ ، الإرشاد ٢ : ١٦٥ ، الإيضاح ٤ : ٣١٥.

(٣) انظر الرياض ٢ : ٣٩٠.

٢١٠

الشهود من أخلاط الناس لا يُعرَفون ، ولا قبيلة لهما ولا سوق ولا دار ، أقبل على المدّعى عليه وقال : ما تقول فيهما؟ فإن قال : ما عرفت إلاّ خيراً غير أنّهما قد غلطا فيما شهدا عليّ ، أنفذ عليه شهادتهما ، وإن جرح عليهما وطعن في شهادتهما أصلح بين الخصم وخصمه ، أو حلّف المدّعى عليه ، وقطع الخصومة بينهما صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (١).

وكون قوله : « ما عرفت إلاّ خيراً » أعمّ من التعديل لشموله لصورة عدم معاشرة معهما إلاّ في أيّام قلائل جدّاً ، ومثله لا يفيد إجماعاً غير ضائر ؛ لأنّ خروج بعض صور المطلق بدليل لا يضرّ في الباقي ، ويختصّ القبول حينئذٍ بحقّ ذلك الشخص المعدِّل ، فلا يثبت تعديله في حقّ غيره.

وهل يختصّ في حقّ ذلك الشخص بهذه الواقعة المخصوصة ، أو يتعدّى إلى غيرها أيضاً؟

الظاهر : الثاني (٢) ؛ اقتصاراً فيما يخالف الأصل على مورد النصّ.

ولا يشترط في بيان المدّعى عليه لفظ الرواية أي « ما عرفت إلاّ خيراً » بل يكفي : ما عرفته إلاّ عدلاً ، أو هو عادل بعد كونه عارفاً بمعنى العدالة أو ذكر ما يفيد معنى العدالة ؛ للإجماع المركّب.

وكذا لو ضمّ معه ذنباً لا ينافي العدالة ، كأن يقول : ما عرفت إلاّ خيراً إلاّ أنّه قد لا يردّ السلام ، أو : لم يردّ سلامي ، أو : رأيته يسمع الغيبة نادراً ؛ لما ذكر من الإجماع المركّب.

__________________

(١) تفسير العسكري عليه‌السلام: ٦٧٣ ، ٣٧٦ ، الوسائل ٢٧ : ٢٣٩ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٦ ح ١ ، بتفاوت يسير.

(٢) كذا ، ولعلّ الصحيح : الأول. أو أنّ في الكلام سقطاً من قبيل : والأحوط الأول اقتصاراً ..

٢١١

ولو قال : ما عرفته إلاّ صدوقاً ، أو : هو صادق ، أو : ثقة ، أو : خير ، إلاّ أنّه قد غلط هنا أو نحوه ممّا لا يفيد العدالة ولا يطابق الرواية لا يفيد ؛ لعدم ثبوت الإجماع المركّب فيه.

ولا يقبل اعتراف وكيل المدّعى عليه أو وليّه بالعدالة ؛ للأصل ، وظهور المدّعى عليه في الرواية في الخصم نفسه. ولا يوجب عدم سماع الدعوى منهما أيضاً ؛ لما ذكر.

نعم ، يكون كلّ منهما شاهداً واحداً على التعديل إن كان مقبول الشهادة.

ثم إنّ قبول تعديل المدّعى عليه إنّما هو إذا لم يعرفهما الحاكم بالفسق كما هو مورد الرواية وإلاّ فيردّ شهادتهما البتّة ؛ للأصل.

ولو جرحهما المدّعى عليه بما هو فسق عنده لا عند الحاكم ؛ لاختلاف مذهبهما فيه فلا يضرّ أيضاً ؛ لما ذكر ، ولخروجه عن مورد الرواية.

ولو جرح المدّعى شاهدي نفسه إمّا للجهل بأنّه جرح ، أو بأنّ الجرح يردّ الشهادة ، أو لبيان الواقع ، كأن يقول : لي شاهدان ان فلان وفلان وإن كانا فاسقين ، أو غير مقبولي الشهادة فعلى تماميّة الاستدلال بكونه إقراراً على نفسه تردّ شهادتهما ، وعلى عدم تماميّته كما هو الوجه فلا ؛ لخروجه عن مورد الرواية ، وعدم ثبوت الجرح بقوله فقط ، فلو عرف الحاكم عدالتهما له الحكمُ بها.

المسألة الرابعة : يعتبر في كلّ من المعدِّل والجارح مع ما يعتبر في الشاهدين من العدالة والتعدّد وعدم التهمة ـ أن يعرف شرائط الجرح والتعديل وأسبابهما ، ووجهه ظاهر.

٢١٢

وقالوا : يعتبر في المزكّي المعاشرة الباطنيّة المتقادمة (١) ، المخبرة عن باطن حاله ، بحيث يعلم وجود العدالة (٢).

قيل : والظاهر كفاية الظنّ.

وقد عرفت جليّة الحال في ذلك ، وأنّ المناط : علم المزكّي بحسن الظاهر الذي جعله الشارع مناطاً ، وهو يحصل بالمعاشرة والاستفاضة من غير صعوبة ، ولا دليل على الاكتفاء بالظنّ ، ولا على اشتراط المعاشرة المخبرة عن الباطن ، ولا العلم الواقعي بوجود صفة العدالة.

نعم ، لو أردنا معرفة نفس العدالة من غير توسيط حسن الظاهر ينبغي اعتبار المعاشرة المخبرة عن الباطن ، والاكتفاء فيها بمرتبة من الظنّ لصعوبة العلم بالباطن.

وعلى أيّ حال ، فلا تعتبر المعاشرة في الجارح ، إذ الجارح يكفيه الاطّلاع على موجب للفسق بالرؤية أو السماع على وجه يوجب العلم بالفسق.

المسألة الخامسة : المشهور بين الأصحاب كما صرّح به جماعة (٣) كفاية الإطلاق في شهادة التعديل ، دون الجرح ، فيشترط في سماعه التفصيل.

استناداً إلى أنّ التعديل بذكر السبب يتوقّف على ذكر جميع أسبابه ، وهي كثيرة يعسر ضبطها وعدّها ، فلو توقّف على التفصيل لانسدّ باب‌

__________________

(١) في « ق » : المتقاربة ..

(٢) انظر القواعد ٢ : ٢٠٥ ، والتحرير ٢ : ١٨٤ ، والدروس ٢ : ٨٠.

(٣) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٣٦٣ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٦٤ ، وصاحب الرياض ٢ : ٣٩٢.

٢١٣

التعديل إلاّ نادراً ، وهو خلاف المعلوم من سيرة الأصحاب ؛ لكثرة وقوع التعديل منهم وعندهم ، بل أصل التفصيل فيه خلاف المعلوم من سيرتهم.

بخلاف الجرح ، فإنّه يثبت بسبب واحد.

والحاصل : أنّ مقتضى الأصل التوقّف على التفصيل فيهما ؛ لما في أسبابهما من الاختلاف ، خرج عنه في التعديل بالدليل ، وبقي في الجرح. وهذا مراد من استدلّ في الأول بالتعسّر ، وفي الثاني بأنّ الخطأ في مبنى الجرح لوقوع الاختلاف في أسبابه محتمل.

وممّا ذكرنا ظهر ضعف ما يردّ به الثاني من اشتراك سبب الاختلاف ؛ لوجوب التفصيل.

وأمّا جعل احتمال الخطأ سنداً ثانياً للتفصيل كبعضهم (١) فظاهر الوهن جدّاً ؛ لظهور الاشتراك.

ثم إنّه يرد عليهم : أنّه إن أُريد أنّ نفس التعسّر يوجب رفع اليد عن التفصيل.

ففساده ظاهر ؛ إذ بتعسّر وجود الشرط لا يجوز الحكم بوجود المشروط بدونه.

وإن أُريد أنّ سيرة الأصحاب وإجماعهم دلاّ على كفاية الإطلاق على النحو الذي أشرنا إليه.

ففيه : أنّه إن أُريد أنّ الثابت من تعسّر التفصيل في التعديل وندرته جريان سيرتهم على قبول الإطلاق فيه مطلقاً يعني حتى من الجاهل بالأسباب ، أو من لم يعلم حاله ، وحتى من غير من يعلم موافقته مع‌

__________________

(١) انظر الرياض ٢ : ٣٩٢.

٢١٤

المعدّل له فممنوع.

وإن أُريد في الجملة فغير مفيد.

وأيضاً إن أُريد جريانها على الاكتفاء بمطلق التعديل من غير تفصيل أصلاً ـ فممنوع.

وإن أُريد جريانها على عدم التوقّف على ذكر جميع تفاصيل الأسباب ، فغير مفيد لهم ، فلعلّهم يكتفون بالميسور من التفصيل ، كقول المعدِّل : فلان مجتنب عن الكبائر غير مصرّ على الصغائر ، أو أزيد من ذلك ممّا يخبر عن حسن الظاهر ، وإن لم يفصّلوا في تعداد الكبائر والصغائر ومعنى الإصرار ونحو ذلك.

وعن الفاضل القول بعكس المشهور (١) ، فيوجب التفصيل في التعديل دون الجرح ؛ ولعلّه لكون العلم بالفسق سهلاً لكلّ أحد ؛ لحصوله بفعل واحد ، فالخطأ فيه نادر لا يلتفت إليه ، بخلاف التعديل.

وفيه : أنّ العلم بالفسق وإن كان أسهل من التعديل ولكنّه أيضاً محلّ اختلاف كثير ؛ للاختلاف في عدد الكبائر وفي معنى الإصرار ، ولإمكان الخطأ في سبب ارتكاب ما يزعمه فسقاً ؛ لجواز وجود عذر فيه.

وعن بعضهم : كفاية الإطلاق فيهما (٢) ؛ لأجل أنّ العادل لا يخبر عن وجود أمر منوط بأسباب مختلف فيها إلاّ مع العلم بوجود المتّفق عليه ، أو ما هو مناط عند المخبر له.

وفيه : أنّه يصحّ بالنسبة إلى العالم بالاختلاف في جميع الأسباب ، والبعيد عن الخطأ والاشتباه في درك المناط.

__________________

(١) انظر المختلف : ٧٠٦.

(٢) حكاه عن الخلاف في الشرائع ٤ : ٧٧.

٢١٥

وعن آخر التفصيل بكفاية الإطلاق عن العالم بالأسباب دون غيره (١) ؛ ووجهه ظاهر.

وفيه : أنّ مجرّد العلم بالأسباب دون العلم بالاختلاف فيها غير كاف ؛ لجواز بنائه على ما علمه أسباباً من غير اطّلاع على الخلاف فيه.

وذهب جماعة منهم : والدي العلاّمة طاب ثراه في المعتمد ، وبعض مشايخنا المعاصرين (٢) إلى كفاية الإطلاق إن علم المزكّي والجارح بالأسباب وموافقة مذهبه للحاكم في أسبابهما تقليداً له أو اجتهاداً وعدم الكفاية في غيره ؛ لأنّ مثله لا يشهد على الإطلاق إلاّ مع ثبوت الموجب عند الحاكم ، وإلاّ لم يكن عادلاً.

وفيه : أنّ العدالة إن كانت مانعة عن الشهادة على الإطلاق إلاّ مع ثبوت الموجب لكانت كذلك مع العلم بالأسباب والخلاف فيها أيضاً ، وإن لم يكن مذهبه موافقاً لمذهب الحاكم ، وإلاّ لم يفد مع الموافقة أيضاً.

وبالجملة : لا يظهر لاشتراط الموافقة وجه.

نعم ، لو قيل : يشترط في كفاية الإطلاق علمه بالأسباب والاختلاف ، أو موافقته للحاكم في العدالة والجرح ، لكان صحيحاً.

ومنه يظهر ضعف قول آخر محكيّ عن الإسكافي من اعتبار التفصيل فيهما (٣) ؛ للاختلاف المذكور ، فإنّ الكلام فيمن يعرف طريقتهما ، فإن لم يقبل قوله بعدالته كيف يقبل قوله في التفصيل؟! فالأقوى كفاية الإطلاق من العالم بالأسباب وبالاختلاف فيها ، أو من‌

__________________

(١) حكاه عن العلاّمة في كشف اللثام ٢ : ٣٣٢.

(٢) انظر الرياض ٢ : ٣٩٢.

(٣) حكاه عنه في المختلف : ٧٠٦.

٢١٦

الموافق للحاكم ولو بالتقليد ، وعدم كفايته من غيرهما.

ثم في الأخير أيضاً يختلف القدر المحتاج إليه من التفصيل بالنسبة إلى الأشخاص ، فمنهم من يعلم أنّه يعرف الواجبات والمحرمات ، وإن لم يعلم أنّه يعرف الكبائر من الصغائر ، والإصرار من عدمه ، فلو قال : عاشرت معه مدّة طويلة واطّلعت على بواطنه ، ورأيته مواظباً على جميع الواجبات تاركاً للمحرّمات ، لكفى.

ومثل ذلك لو قال : رأيته مجتنباً عن الكبائر غير مصرّ على الصغائر ، لم يكف.

ومن علم معرفته الكبائر والإصرار ، والاختلاف فيها ، أو علم موافقته للحاكم فيها ، يكفي ذلك عنه ، وهكذا في غير ذلك.

هذا ، واعلم أنّه لا فرق فيما ذكر بين القول بكفاية الشهادة العلميّة أو اشتراط كونها مستندة إلى الحسّ ، إلاّ أنّه على الأخير يزاد الاستناد إلى الحسّ ، فعلى كفاية الإطلاق يقول : عاشرت معه مدّة كذا فرأيته عدلاً ، أو حسن الظاهر. وعلى كفاية العلميّة يقول : هو عدل ، أو حسن الظاهر.

ثم إنّه حيث يكتفى في التعديل بالإطلاق إمّا مطلقاً كما هو المشهور ، أو على أحد التفاصيل المتقدّمة فهو يحصل بكلّ ما يفيد التعديل ، كقوله : هو عدل ، أو : مقبول الشهادة ، أو نحوهما ، ولا يحتاج إلى ضمّ غيره ، وفاقاً لوالدي العلاّمة رحمه‌الله والمحقّق الأردبيلي ؛ للأصل.

وظاهر بعضهم كالشيخ في المبسوط (١) اعتبار لفظ « عدل ».

ويحتمل أن يكون المراد ما يفيد معناه ، فيتّحد مع الأول.

__________________

(١) المبسوط ٨ : ١١٠.

٢١٧

وفي التحرير : اعتبار ضمّ أحد الأمرين من قوله : لي وعليّ ، أو : مقبول الشهادة ، إلى قوله : هو عدل (١).

وحكاه في المسالك عن أكثر المتأخّرين ؛ واحتجّ له بأنّ العدل قد لا تقبل شهادته لغفلته (٢).

وفيه : أنّ المقام مقام التعديل دون قبول الشهادة ، فقد يكون شريكاً للمدّعي أو عدوّاً له ، وعلى هذا فقد يكون ضمّ « لي وعليّ » مخلاًّ ؛ إذ قد يكون عدلاً ولا تقبل شهادته للمزكّي لشركة أو عداوة.

ومن ذلك تظهر سائر الأقوال في المقام أيضاً من غير اعتبار ضمّ « لي وعليّ » خاصّة أو « مقبول الشهادة » كذلك.

ثم إنّه لو بيّن سبب الجرح بما يكون قذفاً في غير محلّ التزكية لا يكون قاذفاً هنا ، كما صرّح به في التحرير والقواعد والدروس (٣) ؛ لمحلّ الحاجة وإذن الشريعة.

المسألة السادسة : إذا تعارض الجرح والتعديل ، فإن لم يتكاذبا ـ كأن شهد المزكّي بالعدالة مطلقاً أو مفصّلاً ، لكن من غير ضبط وقت معيّن ، وشهد الجارح بأنّة فعل ما يوجب الجرح في وقت معيّن قدّم الجرح ؛ لحصول الشهادتين من غير تعارض بينهما أصلاً.

ومنه ما إذا كانا مطلقين.

وإن تكاذبا بأن شهد المعدِّل : بأنّه كان في ذلك الوقت الذي شهد الجارح بفعل المعصية فيه في غير المكان الذي عيّنه للمعصية فالوجه التوقّف ،

__________________

(١) التحرير ٢ : ١٨٤.

(٢) المسالك ٢ : ٣٦٣.

(٣) التحرير ٢ : ١٨٤ ، القواعد ٢ : ٢٠٦ ، الدروس ٢ : ٨٠.

٢١٨

كما ذهب إليه الشيخ في الخلاف (١) ، ومرجعه إلى التساقط. ورجوع الدعوى إلى الخلوّ عن البيّنة فدليله ظاهر.

وقد يصار إلى الترجيح بالأكثريّة والأعدليّة والأضبطيّة. ولا أرى عليه دليلاً.

والقول بالقرعة كان ممكناً لو كان بها قائل ؛ لكونها لكلّ أمر مشكل ، ولبعض أخبار تعارض الشهود المتضمّن للقرعة ، إلاّ أنّه متضمّن لليمين المنتفية هنا إجماعاً.

وقد يرجّح التعديل فيما إذا شهد المعدِّل بالتوبة عن الجرح الذي شهد به الجارح.

وفي المسألة أقوال أُخر موهونة ، ذكرناها في مناهج الأحكام.

المسألة السابعة : لا تجوز شهادة المزكّي والجارح بهما على سبيل الإطلاق بشهادة العدلين عندهما وإن كانت حجّة ؛ لأنّها ظاهرة في العلم الواقعي ، وهو لا يحصل بقول العدلين.

وعلى اشتراط كون الشهادة حسّية يكون الوجه أظهر.

وعليه يظهر عدم جواز الإطلاق باستصحاب العدالة ، بل يشترط بيان حقيقة الحال.

المسألة الثامنة : قالوا : ينبغي أن يكون السؤال عن التزكية سرّاً ؛ لأنّه أقرب إلى صدق المعدِّل والجارح ، وأبعد من التهمة.

قال في التحرير : لجواز أن يتوسّل الشاهد إلى الاستمالة والتعرّف إلى المزكّي بحسن الحال (٢).

__________________

(١) الخلاف ٢ : ٥٩٢.

(٢) التحرير ٢ : ١٨٤.

٢١٩

مضافاً إلى إمكان حياء المزكّي عن بيان ما عنده من الجرح.

أقول : هذا إنّما يفيد إذا كان المراد من السرّ خفاء الشاهدين ، وقال والدي العلاّمة رحمه‌الله : لا بمحضر من الناس. ومقتضاه الخفاء عن الناس ؛ ويدلّ عليه أنّه ربّما كان عند المزكّي الجرح ، ولا دليل على جواز إظهاره عند غير الحاكم ؛ لأنّه من الغيبة المحرّمة.

وأمّا الاستخفاء عن المتداعيين فلم أقف على مصرّح به ، ولا دليل على رجحانه ، بل قد يرجّح خلافه ؛ لأنّه أبعد من اتّهام الحاكم.

وقد يحمل على ذلك ما قال في التحرير من قوله : وإذا عدّله المزّكون فللقاضي التوقف إذا انفرد بتسامع الفسق ، لانه محل الريبة (١) بحمل التعديل على بيان الحال ولو كان فسقاً ، وحمل التوقف على التوقف حين (٢) يسمعه المتداعيان.

وهو خلاف الظاهر جدّاً ، بل الظاهر أن مراده : أنّه إذا شهد المزكّون بعدالته ، وعلم الحاكم بالفسق ، فله ان يتوقف عن الحكم احترازا عن الريبة.

وفيه : انّ التوقّف حينئذٍ أيضاً محلّ الريبة ، فلا يفيد ، بل له الحكم بمقتضى علمه كما في سائر معلوماته إذا لم تكن مفسدة في الريبة.

المسألة التاسعة : قيل : ينبغي للقاضي أن يعرّف المزكّي الخصمين‌ لتجويز معرفته بعداوة بينهما أو شركة (٣).

وفيه : أنّ الكلام في الجرح والتعديل دون غيرهما.

__________________

(١) التحرير ٢ : ١٨٤.

(٢) في « ح » : حتى ..

(٣) انظر التحرير ٢ : ١٨٤.

٢٢٠