مستند الشّيعة - ج ١٨

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٨

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-204-0
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٤٥

لا يمنع من القبول.

وإن كان قبلها ، فقال المحقّق الأردبيلي ما ملخّصه : إنّه قيل : تبطل وتطرح ؛ لأنّ شهادة الفرع فرع الأصل ، وهي ليست مقبولة حينئذ ، ولأنّ قبولها يوجب الحكم بشهادة الفاسق والكافر ، ولأنّ شهادة الفرع شهادة ناشئة عن فاسق حين الشهادة.

وفيه تأمّل ؛ إذ ما ذُكر وجوهٌ ومناسبات ، فلو وُجِدَ دليل آخر من عقل أو نقل على ذلك ، وإلاّ فليس بتامّ ؛ لأنّ الفرعيّة لا يستلزم بطلانها بفسق الأصل ، فإنّا لا نجد مانعاً لسماع شهادة الفرع على أصل كان عند إشهاده عدلاً ، فإنّ المدار في قبول الشهادة عند الأداء.

ولا نسلّم أنّ الحكم بشهادة الأصل ، بالفرع ، على التسليم فإنّه وقت الإشهاد كان عدلاً ، فهو بمنزلة من شهد عند الحاكم ثم صار فاسقاً ، وقد مرّ أنّ قبول شهادته قويّ ، مع أنّ ذلك منقوض بما إذا جنّ الأصل ، بل مات أو عمي.

وبالجملة : لو كان لهم دليل على ذلك من نصّ أو إجماع فهو متّبع ، وإلاّ فالحكم محلّ التأمّل (١). انتهى.

وهو جيّد جدّاً ، بل الظاهر أنّه لا تأمّل في عدم المانعيّة.

المسألة الثامنة : لو شهد الفرع فأنكر الأصل ما شهد به فمقتضى القواعد أنّه إن كان بعد الحكم لم يلتفت إلى الأصل ؛ لمضيّ الحكم ، واستصحابه.

وإن كان قبله ، فإن كان إنكاره بحضوره عند الحاكم والتلقّي بالإنكار‌

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ١٢ : ٤٨٢ ٤٨٣.

٤٠١

لم يلتفت إلى شهادة الفرع ؛ لما مرّ من أنّ سماعها مشروط بتعذّر حضور الأصل.

وإن كان مع تعذّر حضوره بإنفاذ خبر محفوف بالقرينة ، أو إشهاد عدلين آخرين ، أُجيزت شهادة الفرع أيضاً ؛ لثبوت الأصل بشهادتهما بمقتضى الأخبار المتقدّمة ، وعدم دليل على قبول الإنكار.

إلاّ أنّ ها هنا صحيحتين منافيتين لبعض ما ذكر :

إحداهما للبصري : في رجل شهد على شهادة رجل ، فجاء الرجل فقال : لم أشهد ، فقال : « تجوز شهادة أعدلهما ، وإن كانت عدالتهما واحدة لم تجز شهادته » (١).

والأُخرى لابن سنان (٢) ، وهي أيضاً كالأُولى.

وبمضمونهما أفتى الصدوقان والشيخ في النهاية والقاضي ابن البرّاج (٣) ، وكذا ابن حمزة ، ولكنّه فيما إذا أنكر بعد الحكم ، وأمّا قبله فيطرح الفرع (٤) ، وقريب منه الفاضل في المختلف (٥) ، وإن كان صريح الإيضاح أنّه موافق للمتأخّرين (٦).

أقول : أمّا الأولون فكلامهم مطلق ، فإن أرادوا قبل الحكم كما هو‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٤١ ، ١٣٧ ، الوسائل ٢٧ : ٤٠٥ أبواب الشهادات ب ٤٦ ح ١.

(٢) الكافي ٧ : ٣٩٩ ، ١ ، التهذيب ٦ : ٢٥٦ ، ٦٧٠ ، الوسائل ٢٧ : ٤٠٥ أبواب الشهادات ب ٤٦ ح ٣.

(٣) حكاه عن والد الصدوق في المختلف : ٧٢٣ ، الصدوق في المقنع : ١٣٣ ، النهاية : ٣٢٩ ، القاضي في المهذّب ٢ : ٥٦١.

(٤) الوسيلة : ٢٣٤.

(٥) المختلف : ٧٢٣.

(٦) الإيضاح ٤ : ٤٤٩.

٤٠٢

الظاهر ففتواهم موافقة لقواعد الاستدلال ؛ لأنّ الصحيحين واردان في حضور الأصل ، فحكمهم بعدم سماع الفرع مع التساوي في العدالة ومع أعدليّة الأصل يوافق الصحيحين وصحيحة محمّد (١) المتضمّنة لاشتراط سماع الفرع بعدم حضور الأصل. وأمّا سماع الفرع مع أعدليّته ، فلتعارض الصحيحين مع مفهوم الصحيحة ، وكون الصحيحين أخصّين مطلقاً فيقدّمان على الصحيحة.

وكذا إن أرادوا قبل الحكم وبعده ؛ لأنّ نفوذ حكمه إنّما هو بالاستصحاب المندفع بالصحيحين.

وأمّا الآخران فلا يوافق قولهما في صورة أعدليّة الفرع لقواعد الاستدلال ؛ لإيجابه طرح الصحيحين الخاصّين بلا موجب.

إلاّ ما قيل من اشتمالهما على شهادة الفرع الواحد وسماعها ، وهو مخالف للإجماع (٢) أو من مخالفتهما للشهرة المتأخّرة ، وأكثريّة أدلّة ردّ الفرع مع الحضور.

ويضعّف الأول : بوضوح أنّ المراد سماع الواحد بقدر الواحد ، وهو هنا نصف شهادة ، أو ذكر الرجل على سبيل التمثيل والمراد شاهد الفرع.

والثاني : بعدم تأثير الشهرة المتأخّرة في حجّية الصحيحين ، مع عمل جمع من القدماء الذين هو بنو عذرة الحديث بهما. ولا أكثريّة لأدلّة رد الفرع مع حضور الأصل

ومن ذلك يظهر أنّ الترجيح لقول الصدوقين والنهاية ، ولا حاجة إلى‌

__________________

(١) المتقدمة في ص ٣٨٣ و ٣٨٤.

(٢) انظر الرياض ٢ : ٤٥٦.

٤٠٣

ارتكاب بعض المحامل البعيدة ، كما ارتكب كلاًّ منها طائفة (١).

المسألة التاسعة : يشترط في سماع شهادة الفرع أن يسمّي الأصل ، ويعرّفه شخصه حين شهادته عند الحاكم.

ولا يكفي أن يقول : أشهدني شخص أو عدل ؛ لأنّه قد يكون الذي أشهده معلوم الفسق عند الحاكم أو المدّعى عليه ، أو كان فيه موجب لردّ الشهادة.

ولا يشترط فيه تعديل الفرع للأصل ، ولا اعترافه بصدقه في الشهادة ؛ للأصل.

المسألة العاشرة : لا تُقبَل شهادة على شهادة على شهادة ـ وهي الشهادة الثالثة مطلقاً ، بالإجماع المحقّق ، والمحكيّ مستفيضاً (٢) ؛ له ، وللأصل ، ولرواية عمرو بن جميع ، المنجبر ضعفها لو كان بما ذكر ، وفيها : « ولا تجوز شهادة على شهادة على شهادة » (٣).

__________________

(١) انظر المختلف : ٧٢٣ ، الإيضاح ٤ : ٤٤٩ ، الرياض ٢ : ٤٥٦.

(٢) كما في المسالك ٢ : ٤١٥ ، مفاتيح الشرائع ٣ : ٢٩٢ ، الرياض ٢ : ٤٥٦.

(٣) الفقيه ٣ : ٤٢ ، ١٤٢ ، الوسائل ٢٧ : ٤٠٤ أبواب الشهادات ب ٤٤ ح ٦.

٤٠٤

الفصل الخامس

في توافق الدعوى والشهادة وتوارد الشهود‌

وفيه مسائل :

المسألة الأُولى : يشترط في قبول الشهادة مطابقتها للدعوى ، فإن خالفت الشهادة للدعوى كلاًّ أو بعضاً طرحهما ، كأن يدّعي عشرة ثمن المبيع ، وشهدا بعشرة اجرة الدار.

ولا تضرّ الزيادة أو النقصان ما لم يخالف الدعوى ، فلو ادّعى عشرة ثمن المبيع ، وشهدا بالعشرة أو بالعكس ، لم يطرح.

المسألة الثانية : يشترط توارد الشاهدين على معنى واحد ولو اختلف اللفظان ، ولو اختلفا لم يضرّ ما لم يختلف المعنى. فلو شهد أحدهما : أنّه غصب ، والآخر : أنّه أخذ ظلماً ، ثبت الغصب. وكذا لو شهد أحدهما بالعربيّة ، والآخر بالعجميّة.

المسألة الثالثة : لا يشترط في قبول الشهادة بيان جميع مشخّصاته ـ من الزمان والمكان والأوصاف إجماعاً ، فلو شهدا بمشاهدتهما بيعه الدار الفلانيّة بالثمن الفلاني يكفي ، ولو لم يعيّنا زماناً ولا مكاناً ، ولا كيفيّة الصيغة ، ولا النقد أو النسيئة ، أو غير ذلك ما لم تتضمّن الدعوى قيداً يحتاج إلى بيان لثبوته للإجماع ، والأصل ، وإطلاق الأخبار.

وكذا لو شهدا بإقراره بشي‌ء أو وصيّة أو وصايته أو توكيله أو نحو ذلك ، فلا يشترط بيان وقته ، ولا زمانه ، ولا لغته ، ولا لفظه.

وكذا لو شهدا بمشاهدة موت زيد ، أو تزويجه امرأة.

٤٠٥

نعم ، قد يحتاج إلى ذلك في تفريق الشهود.

ولو شهدا بطلاق امرأته بعد إنكار الزوج فهل يحتاج إلى ذكر العدلين وبيانهما ، أم لا؟

الظاهر : نعم ؛ إذ لا يتحقّق الطلاق ما لم يكن في محضر العدلين ، وقد يكون من يعلمه الشاهد عدلاً فاسقاً عند الحاكم.

ويمكن أن يقال : إنّ الدعوى والإنكار إن كانا على أصل الطلاق لا يحتاج في ثبوته إلى ضمّ العدلين ، وإن كانا على صحّته وفساده احتاج ، وعلى هذا فلو ادّعت الزوجة الطلاق ، وأنكره الزوج ، وشهدا بمجرّد الطلاق يثبت ، ولكن لا يحكم الحاكم بالبينونة ؛ لعدم ثبوت صحّته. ويحتمل الحكم بها أيضاً ؛ إذ لم يدّع الزوج الفساد ، والظاهر الصحّة.

والوجه : أنّه لا دليل تامّاً على الظهور ، ولا على حجّيته لو سلّم ، فلا يحكم إلاّ بنفس الطلاق ، ولكن ليس على الحاكم تتبّع الصحّة والفساد ما لم يكن مدّع له ؛ للأصل ، فيحكم بالطلاق فقط ، ويخلّيهما ونفسهما ، إلاّ إذا ادّعى أحدهما الفساد.

المسألة الرابعة : يشترط في قبول الشهادتين عدم تكاذبهما ـ أي لم يناقض أحدهما الآخر ، وأمكن اجتماعهما فلو تكاذبا لم تقبل الشهادتان ، فلو شهد أحدهما : أنّه قتل زيداً يوم الخميس أو في السوق ، والآخر : أنّه قتله يوم الجمعة أو في البيت ، لم تقبل.

إلاّ أن يدّعي المدّعى أحدهما معيّناً ، وشهد آخر موافقاً لدعواه أيضاً ، أو ضمّ اليمين مع أحد شاهديه ، إذا كان ممّا يثبت بالشاهد واليمين.

ويتحقّق التكاذب فيما لم يحتمل التكرّر ، فلو احتمله لم يتكاذبا ، ولكن يتوقّف ثبوت ما ادّعاه المدّعى على ضمّ شاهد آخر أو يمين مع‌

٤٠٦

أحدهما ، كأن يشهد أحدهما : أنّه سرق الشي‌ء الفلاني يوم الخميس ، والآخر : أنّه سرقه يوم الجمعة ، مع إمكان السرقة أولاً وإعادته ثم السرقة ثانياً.

وكذا لو شهد أحدهما ببيعه بدينار ، والآخر بدينارين ، مع إمكان إقالة الأول ، ثم البيع ثانياً.

المسألة الخامسة : يشترط في قبولهما ورودهما على فعل واحد ، فلو ورد كلّ منهما على فعل غير الآخر لم يثبت شي‌ء ، إلاّ مع إحدى الضميمتين مع واحد من الشاهدين.

وفرّعوا عليه فروعاً كثيرة :

منها : أن يشهد أحدهما بالبيع ، والآخر بالإقرار بالبيع ، فقالوا : لم تتمّ الشهادة.

ومنها : أن يشهد على فعل ، واختلفا في زمانه أو مكانه أو وصفه الذي يدلّ على تغاير الفعلين ، كأن يشهد أحدهما : أنّه غصبه ديناراً يوم السبت أو في الدار ، والآخر : أنّه غصبه يوم الجمعة أو في السوق ، أو يشهد أحدهما : أنّه غصبه ديناراً مصريّاً ، والآخر : بغداديّاً ، فلا تتمّ ؛ لأنّ الفعلين متغايران ، ولم يشهد بكلّ منهما إلاّ شاهد واحد.

ومنها : أن يشهد أحدهما : أنّه سرق ديناراً ، والآخر : أنّه سرق درهماً.

ومنها : أن يشهد أحدهما : أنّه باع هذا الثوب منه أمس ، والآخر : أنّه باعه اليوم ، أو أحدهما : أنّه طلّقها أو تزوّجها أمس ، والآخر : أنّه طلّقها أو تزوّجها اليوم ، فلا يثبت شي‌ء من البيع أو الطلاق والتزويج.

وقال في التحرير : ويحتمل القبول ؛ لأنّ المشهود به شي‌ء واحد‌

٤٠٧

يجوز أن يعاد مرّة بعد اخرى ، فيكون واحداً ، واختلافهما في الوقت ليس باختلاف فيه. قال : والأول أقرب (١).

ومنها : أن يشهد أحدهما : أنّه أقرّ أنّه غصب ثوباً ، والآخر : أنّه أقرّ أنّه غصب ديناراً.

ومنها : أن يشهد أحدهما : أنّه قذف غدوة ، والآخر : أنّه قذف عشية أو قال أحدهما : إنّه قذفه بالعربيّة ، والآخر : إنّه قذفه بالعجميّة.

إلى غير ذلك من الفروع.

ثم قالوا : لو شهد أحدهما : أنّه أقرّ بقتل أو دين أو غصب ببغداد أو يوم الخميس أو بالعربيّة ، والآخر : أنّه أقرّ بذلك بعينه بالكوفة أو يوم السبت أو بالعجميّة ، ثبت المقرّبة ؛ لأنّه إخبار عن شي‌ء واحد ، والمقرّ به واحد شهد اثنان بالإقرار به ، فإنّ جمع الشهود لسماع الشهادة متعذّر.

ولو شهد أحدهما بالإقرار بألف ، والآخر بألفين ، ثبت الألف بهما ، والآخر بانضمام اليمين.

ولو شهد أحدهما : أنّه سرق ثوباً قيمته دينار ، والآخر : أنّه سرق ثوباً قيمته ديناران ، ثبت الدينار بشهادتهما.

أقول : لو شهد أحدهما : أنّه أوصى لزيد بمائة يوم الخميس أو في المرض الفلاني أو في مكان كذا وبوصايته على صغيره كذا ، والآخر : بأنّه أوصى به يوم الجمعة أو في المرض الآخر أو في مكان كذا ، لم أعثر فيه على تصريح منهم على أنّه من قبيل الأول أو الثاني ، إلاّ أنّ ظاهرهم أنّهم بعده يقبلونه.

__________________

(١) التحرير ٢ : ٢١٤.

٤٠٨

ثم أقول : إنّه قد يستشكل في الفرق بين كثير من فروع الأول وفروع الثاني ، فإنّ المعتبر عندهم إن كان اتّحاد نفس الفعل المدلول عليه بالشهادة مطابقةً المشهود به ، فظاهرٌ أنّه لم يتحقّق فيما ذكروه للفروع الثانية ؛ لظهور تغاير الإقرارين والمسروقين والوصيّتين.

وإن كفى اتّحاد لوازمه ومتضمّناته فهو أيضاً يتحقّق في كثير من فروع الأول ، فإنّ لازم كلّ من البيع والإقرار به كون المبيع ملكاً للمشهود له.

ويستلزم أو يتضمّن كلّ من غصب الأمس ديناراً وفي الدار واليوم وفي البيت لغصب الدينار ، وكذا البيع.

ويستلزم أو يتضمّن كلّ من قذف الغداة والعشي وبالعربيّة والعجميّة للقذف.

فيتحقّق في هذه الفروع أيضاً المشهود به الواحد.

وحلّه أن يقال : إنّه يكفي اتّحاد الأجزاء واللوازم أيضاً ، لأنّها أيضاً مشهود بها ؛ لأنّ الإخبار عن الملزوم والكلّ إخبار عن اللازم والجزء ، فتصدق شهادة العدلين على هذا الشي‌ء الواحد ، ولكن لما يشترط في سماع الشهادة والحكم بها كون المشهود به أمراً موجوداً واحداً في الشهادتين ، فلا تسمع الشهادة على أمر غير ممكن الوجود كالجنس بلا فصل ، أو النوع بلا تشخّص أو على أمر موجود في كلّ شهادة بوجود غير وجوده في الأُخرى ، كما إذا كان في إحداهما هو الحيوان الناطق ، وفي الأُخرى الصاهل.

وعلى هذا ، فلو شهد أحدهما بالفرس والآخر بالإبل ، لا يحكم بالحيوان المطلق ؛ لعدم إمكان وجوده الخارجي ، ولا بأحدهما ؛ لأنّه غير الآخر.

٤٠٩

وعلى هذا ، فإن كان التغاير المفروض في الملزوم أو الكلّ المشهود به مسرياً ومتعدّياً إلى اللازم والجزء ، وبدونه لم يتحقّق أحدهما ، لم تسمع الشهادة على أحدهما ؛ لأنّه إمّا غير متحقّق الوجود أو غير متّحدين كمثال الغصب والقذف والبيع ، المذكورات في فروع الأول لأنّه إن أُخذ المشهود به جنس هذه الامور بلا فصل لم يمكن وجوده خارجاً وإن اتّحد في الشهادتين. وإن أُخذ الجنس مع الفصل وإن أمكن وجوده ولكن فصله المشهود به ليس أمراً واحداً ، وغير المشهود به لا وجه لإثباته.

وإن كان التغاير في الملزوم خاصّة من غير التعدّي إلى اللازم ، وكان اللازم ممكن التحقّق في الخارج ، تسمع الشهادة عليه ويثبت ، كمثال الإقرار والوصيّة في الفروع الثانية ، فإنّ الملزوم الذي هو الإقرار وإن تغاير في الشهادتين وقتاً أو قدراً ، ولكن لازمهما الذي هو تعلّق حقّ المقرّ له بالمقرّ به ، أو القدر الناقص ، أو استحقاق الموصى له للموصى به بعد موته أمر واحد ممكن الوجود في الخارج ، والمشخّصان المذكوران في الشهادة ليسا مشخّصين للاّزم أصلاً ، فيكون اللازم مشهوداً به ، غاية الأمر عدم بيان بعض مشخّصاته ، وهو غير مضرّ ـ كما مرّ في المسألة الثالثة وليس من قبيل الشهادة بالفرس والإبل المتعدّي فيها تغاير المشخّصين إلى اللازم أيضاً.

نعم ، يشترط في ثبوت المقرّ به في الشهادة على الإقرارين : العلم باتّحاد المقرّبة فيهما ، فلو احتمل التغاير لم يثبت ، كما إذا شهد أحدهما : أنّه أقرّ لزيد بدينار في العام الماضي ، والآخر : أنّه أقرّ له به أمس ، ولم يعلم من الخارج اتّحاد المقرّ به.

ولا يفيد ضمّ الاستصحاب بالأُولى إلى الأمس حتى يتّحدا ؛ لأنّ‌

٤١٠

الاستصحاب فرع الثبوت ، ولذا لا تثبت بشهادة واحد بملكيّة زيد في شي‌ء في العام الماضي ، وأُخرى بملكيّته اليوم ملكيّة اليوميّة ، بخلاف ما لو شهدا معاً بالملكيّة في الماضي ، فإنّها تثبت على ما ذكرنا في موضعه من جواز استصحاب الحاكم.

فإن قيل : فعلى هذا يلزم ثبوت ملكيّة المشهود له للمشهود به في الفرع الأول من الفروع الاولى وهو ما إذا شهد أحدهما بالبيع والآخر بالإقرار به لأنّ لازم كلّ منهما ملكيّة المشهود له للمبيع ، وهو أمر واحد ممكن الوجود.

قلنا : نعم ، يلزم ذلك ، ولو قلنا به ما أتينا بمنكر من القول وزوراً ؛ إذ لم يدلّ دليل عقليّ ولا نقليّ على خلافه ، ولم يثبت إجماع على بطلانه وإن ذكره الفاضلان (١) وغيرهما (٢) ، وتبعهم جمع ممّن لحقهم (٣).

__________________

(١) المحقق في الشرائع ٤ : ١٤١ ، العلاّمة في التحرير ٢ : ٢١٣.

(٢) كالشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٤١٨.

(٣) كالسبزواري في الكفاية : ٢٨٧.

٤١١

الفصل السادس

في الطوارئ‌ من موت الشهود وفسقهم ورجوعهم عن الشهادة

في العقوبات ، أو البضع ، أو الأموال ، وحكم شهادة الزور.

وفيه مسائل :

المسألة الاولى : لو شهد عدلان على أمر عند الحاكم ، فطرأ فسقهما بعده ، فإن كان بعد الحكم لم يضرّ ، ولا ينقض إجماعاً ؛ له ، وللاستصحاب.

وإن كان قبله ، فإن كان المشهود به من حقوق الله فيطرح الشهادة إجماعاً محقّقاً ومحكيّاً (١) ؛ له ، ولدرء الحدود بالشبهة ، ولا شكّ أنّ مثل ذلك يسمّى شبهة.

وإن كان من حقوق الناس ففيه خلاف ، فذهب الشيخ في الخلاف وموضع من المبسوط والحلّي والمحقّق والفاضل في التحرير والقواعد وموضع من الإرشاد إلى عدم القدح (٢) ؛ لأنّ المعتبر فيهما هو العدالة حال الأداء.

وفي موضع آخر من المبسوط والفاضل في المختلف وموضع من الإرشاد والشهيد في الدروس إلى القدح (٣).

لكونهما فاسقين حال الحكم ، فيلزم الحكم بشهادة الفاسقين.

__________________

(١) كما في الكفاية : ٢٨٧ ، الرياض ٢ : ٤٥٧.

(٢) الخلاف ٢ : ٦٣٢ ، المبسوط ٨ : ٢٤٤ ، الحلّي في السرائر ٢ : ١٧٩ ، المحقق في الشرائع ٤ : ١٤٢ ، التحرير ٢ : ٢١٣ ، القواعد ٢ : ٢٤٧ ، الإرشاد ٢ : ١٦٨.

(٣) المبسوط ٨ : ٢٣٣ ، المختلف : ٧٢٨ ، الإرشاد ٢ : ١٦٥ ، الدروس ٢ : ١٣٢.

٤١٢

وللقياس على رجوعهما قبل الحكم ، وموت المشهود له قبله ، ولأنّ طروّ الفسق يضعف ظنّ العدالة.

وأمّا جعل المدار على العدالة حال الأداء كما هو دليل القول الأول فهو عين النزاع ، ومصادرة على المطلوب.

ويضعّف الأوّل : بأنّ المسلّم أنّ الممنوع هو الحكم بشهادة الفاسق إنّما هو مع الفسق وقت الأداء لا مطلقاً.

والثاني : بأنّ القياس باطل ، مع أنّه مع الفارق ؛ لأنّ الرجوع دلّ على عدم جزمهم ، واستناد الحكم يكون إليه.

وموت المشهود له يوجب فقد طالب الحكم وصاحبه ؛ مع أنّه ينازع فيه لو لم يكن مجمعاً عليه ، ومعه لا يقاس.

وحصول الضعف في ظنّ العدالة ممنوع جدّاً.

وأمّا جعل دليل الأولين مصادرة فدفعه : أنّ المراد أنّه لم يثبت تخصيص عمومات قبول الشهادة بأزيد من اشتراط عدالة الشاهد حال الأداء ؛ لأنّه المجمع عليه ، والزائد ممنوع.

ومن ذلك ظهر أنّ الحقّ هو القول الأول.

المسألة الثانية : لو مات الشاهدان قبل الحكم أو قبل تزكيتهما ، أو جنّا ، أو عميا ، أو أُغمي عليهما ، لم تبطل الشهادة ، فيحكم بها ؛ لاستناده إلى الشهادة المستجمعة للشرائط حين الأداء ، ولم يعلم توقّفه على شي‌ء آخر ، والأصل عدمه على ما مرّ في المسألة الأُولى.

المسألة الثالثة : لو شهدا لمن يرثانه ، فمات قبل الحكم ، فانتقل المشهود به إليهما ، قالوا : لم يحكم بشهادتهما ، وعن الشهيد الثاني إسناده‌

٤١٣

إلى الجميع (١) ، ونفى عنه الخلاف في المفاتيح (٢) وشرحه ؛ لاستلزامه اتّحاد المدّعى والشاهد حال الحكم.

واستشكل فيه في الكفاية (٣) ، وخدش فيه المحقّق الأردبيلي (٤) ؛ لأنّ المال ينتقل إلى المورّث فهو المدّعى ، والشاهد إنّما هو شاهد حال الأداء دون الحكم.

وهما في محلّهما ، إلاّ أن يثبت الإجماع على القدح.

ولو كان لهما في الميراث المشهود به شريك ، فهل تثبت حصّة الشريك بشهادتهما ، أم لا؟

اختار في الدروس : الأول ؛ لأنّ المانع المذكور في حقّهما مفقود.

ورجّح في القواعد : الثاني (٥) ؛ لأنّ الشهادة لا تتبعّض.

والتحقيق : أنّه إن كان شهادة في حقّ نفسه في حصّته لا تقبل في الجميع ؛ لما سبق من عدم قبول شهادة من له في المشهود به نفع ونصيب ، وإلاّ فتقبل. والحقّ هو الثاني ؛ لما مرّ من عدم ثبوت كونه شهادة لنفسه ، وكان سبب الإشكال في حصّته خوف الإجماع ، وهو هنا مفقود.

ومنه يظهر الحال فيما إذا كانت هناك وصية أو دين ، سيّما المستوعب منه.

المسألة الرابعة : لو شهد عدلان بأنّه أوصى خالد لزيد بمال ، ثم عدلان وارثان بأنّه رجع عن تلك الوصيّة إلى الوصيّة لعمرو ، فقال في‌

__________________

(١) المسالك ٢ : ٤١٩.

(٢) المفاتيح ٣ : ٢٩٦.

(٣) الكفاية : ٢٨٧.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان ١٢ : ٥٢٤.

(٥) القواعد ٢ : ٢٤٧.

٤١٤

الإرشاد بعدم قبول شهادة الوارثين (١) ؛ لأنّ المال يؤخذ من يدهم ، فهما بمنزلة المدّعى عليه. وتنظّر فيه في القواعد (٢) ، واستشكله في الشرائع (٣).

ونقل عن المبسوط قبولها (٤) ، ورجّحه المحقّق الأردبيلي (٥) ، وهو الظاهر ؛ لعموم أدلّة قبول الشهادة ، ومنع كونهما بمنزلة المدعى عليه.

ومنه يظهر قبول شهادة العدلين من الورثة بدَين أو وصيّة مطلقاً ، ولا يختصّ بقدر حصّتهم من المشهود به.

المسألة الخامسة : لو رجع الشهود عن شهادتهم على ما توجب عقوبة من قصاص نفس ، أو طرف ، أو قطع ، أو حدّ لله ، أو لآدمي فإمّا يكون الرجوع قبل الحكم أو بعده ، قبل الاستيفاء أو بعده ، وعلى التقادير : إمّا يكون الرجوع بالإقرار بالتعمّد ، أو الخطأ ، أو بالتشكيك.

فإن كان قبل الحكم فتلغو الشهادة ، ويوقف الحكم مطلقاً بالإجماع.

له ، ولمرسلة جميل الصحيحة عن ابن أبي عمير : في الشهود إذا شهدوا على رجل ، ثم رجعوا عن شهادتهم ، وقد قضي على الرجل « ضمنوا ما شهدوا به ، وغرموا ، وإن لم يكن قضي طرحت شهادتهم ، ولم [ يغرم ] الشهود شيئاً » (٦).

__________________

(١) الإرشاد ٢ : ١٦٨.

(٢) القواعد ٢ : ٢٣٠.

(٣) الشرائع ٤ : ١٤٥.

(٤) المبسوط ٨ : ٢٥٣.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان ١٢ : ٥٢٦.

(٦) الكافي ٧ : ٣٨٣ ، ١ ، الفقيه ٣ : ٣٧ ، ١٢٤ ، التهذيب ٦ : ٢٥٩ ، ٦٨٥ ، الوسائل ٢٧ : ٣٢٦ أبواب الشهادات ب ١٠ ح ١ ؛ بدل ما بين المعقوفين في « ح » و « ق » : يغرموا ، وما أثبتناه من المصادر.

٤١٥

مضافاً إلى الأصل ؛ لاختصاص ما دلّ على وجوب الحكم بالبيّنة ـ بحكم التبادر بصورة عدم الرجوع قطعاً.

وأمّا رواية السكوني : « من شهد عندنا ، ثم غيّر ، أخذنا بالأُولى ، وطرحنا الأُخرى » (١).

فهي غير ظاهرة في الرجوع ، ولو سلّم فلا تقاوم المرسلة التي هي كالصحيحة ، ولعمل كلّ الأصحاب مطابقة ، ولو سلّم فيرجع إلى الأصل الذي هو مع المرسلة.

وحينئذ ، فإن كان المشهود به الزنا جرى على الراجع حكم القذف ، فيجب عليه الحدّ إن كان موجباً له ، أو التعزير إن كان موجباً له ، إن اعترف بالتعمّد وإن قال : أخطأت أو تردّدت ، ففي وجوب الحدّ وجهان.

وإن كان بعد الحكم قبل الاستيفاء ، نقض الحكم ، وتبطل الشهادة ، سواء كان المشهود به حقّا لله تعالى مثل : الزنا واللواط أو لآدمي كقطع السارق وحدّ القاذف بلا خلاف ظاهر ، إلاّ ما حكي عن المحقّق والفاضل في بعض كتبه وولده من التردّد (٢). وليس في موقعه ؛ لوجوب درء الحدود بالشبهات ، وهذا شبهة وأيّ شبهة؟! وبه يدفع استصحاب مقتضى الحكم.

وإن كان بعد الاستيفاء ، فعليهم مثل ما على المباشر للقتل أو الجرح أو الضرب بعينه ، فإن قالوا : تعمّدنا ، ثبت لأولياء المقتول أو المجروح أو المضروب المشهود عليه القصاص في موضع القصاص على المباشر ،

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢٧ ، ٧٤ ، التهذيب ٦ : ٢٨٢ ، ٧٧٥ ، الوسائل ٢٧ : ٣٢٨ أبواب الشهادات ب ١١ ح ٤ ، بتفاوت يسير.

(٢) المحقق في الشرائع ٤ : ١٤٣ ، والفاضل في القواعد ٢ : ٢٤٣ ، وولده في الإيضاح ٤ : ٤٥١.

٤١٦

والدية في موضع الدية على المتعمّد ، على التفصيل المبيّن في أحكام القصاص والديات ، على المقطوع في كلام الأصحاب ، كما في الكفاية (١).

فإن شاء في الرجم قتل واحداً من الأربعة ، وادّى الثلاثة الأُخر ثلاثة أرباع الدية [ إلى (٢) ] ورثة الشاهد المقتول ، وإن شاء قتل الجميع وادّى نفسه ثلاث ديات إلى ورثة الأربعة.

وفي القتل إن شاء قتل الاثنين ، وادّى دية واحد إلى وارثهما ، وإن شاء قتل واحداً ، وردّ الآخر نصف الدية إلى وارثه.

وكذا الحكم في الجراحات.

ويظهر الحكم أيضاً فيما إذا أراد وليّ المرجوم قتل اثنين أو ثلاثة منهم.

وإن قالوا : قد أخطأنا في الشهادة ، أو شككنا فيها ، فعليهم الدية خاصّة ، كما في القاتل والجارح خطأً.

وإن قال بعض الشهود : تعمّدنا ، وبعضهم : أخطأنا ، فعلى العامد القود ، وعلى الخاطئ الدية ، بعد اعتبار التوزيع المفصّل في باب الاشتراك.

وبالجملة : يفعل بالشهود ما يفعل بالمباشر من غير فرق ، بلا خلاف في شي‌ء من ذلك كما صرّح به جماعة (٣) بل الظاهر أنّه إجماعي ؛ والأصل فيه معه ومع حديث : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (٤) الروايات المستفيضة :

__________________

(١) الكفاية : ٢٨٨.

(٢) أضفناها لاقتضاء السياق.

(٣) منهم صاحب الرياض ٢ : ٤٥٧.

(٤) الوسائل ٢٣ : ١٨٤ كتاب الإقرار ب ٣ ح ٢ ؛ ورواه ابن أبي جمهور في غوالي اللئالئ ٣ : ٤٤٢ ، ٥.

٤١٧

كرواية الجرجاني : في أربعة شهدوا على رجل أنّه زنى فرجم ، ثم رجعوا وقالوا : قد وهمنا ، « يلزمون الدية ، فإن قالوا : تعمّدنا ، قتل أيّ الأربعة شاء وليُّ المقتول ، وردّ الثلاثة ثلاثة أرباع الدية إلى أولياء المقتول الثاني ، ويجلد الثلاثة كلّ واحد منهم ثمانين جلدة ، وإن شاء وليّ المقتول أن يقتلهم ردّ ثلاث ديات على أولياء الشهود الأربعة ، ويجلدون ثمانين كلّ واحد منهم ، ثم يقتلهم الإمام » وقال في رجلين شهدا على رجل أنّه سرق فقطع ، ثم رجع واحد منهما ، وقال : وهمت في هذا ولكن كان غيره : « يلزمه نصف دية اليد ، [ ولا تقبل شهادته في الآخر ، فإن رجعا جميعاً وقالا : وهمنا ، بل كان السارق فلاناً ، يلزمان دية اليد ، ] ولا تقبل شهادتهما في الآخر ، وإن قالا : تعمّدنا ، قطع يد أحدهما بيد المقطوع ، ويردّ (١) الذي لم يقطع ربع دية الرِّجل على أولياء المقطوع اليد ، فإن قال المقطوع الأول : لا أرضى أو تقطع أيديهما معاً ، ردّ دية يد ، فتقسم بينهما ، وتقطع أيديهما » (٢).

وصحيحة الأزدي : عن أربعة شهدوا على رجل بالزنا ، فلما قتل رجع أحدهم عن شهادته ، قال : « يقتل الراجع ، ويؤدّي الثلاثة إلى أهله ثلاثة أرباع الدية » (٣).

ورواية مسمع : في أربعة شهدوا على رجل بالزنا ، ثم رجم ، فرجع أحدهم ، فقال : شككت في شهادتي ، قال : « عليه الدية » قال : قلت : فإنّه‌

__________________

(١) في « ق » والكافي : ويؤدّي ..

(٢) الكافي ٧ : ٣٦٦ ، ٤ ، التهذيب ١٠ : ٣١١ ، ١١٦١ ، وأورد ذيلها في الوسائل ٢٩ : ١٨١ أبواب قصاص الطرف ب ١٨ ح ١ ؛ وما بين المعقوفين أثبتناه من المصادر.

(٣) الكافي ٧ : ٣٨٤ ، ٥ ، التهذيب ٦ : ٢٦٠ ، ٦٩٠ ، الوسائل ٢٧ : ٣٢٩ أبواب الشهادات ب ١٢ ح ٢.

٤١٨

قال : شهدت عليه متعمّداً ، قال : « يقتل » (١).

ومرسلة السرّاد : في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزنا ، ثم رجع أحدهم بعد ما قتل الرجل ، قال : « إن قال الرابع : أوهمت ، ضرب الحدّ وغرم الدية ، وإن قال : تعمّدت ، قتل » (٢).

ورواية اخرى لمسمع : قضى في أربعة شهدوا على رجل أنّهم رأوه مع امرأة يجامعها ، فرجم ، ثم رجع واحد منهم ، قال : « يغرم ربع الدية إذا قال : شبّه عليَّ ، فإن رجع اثنان وقالا : شبّه علينا ، غرما نصف الدية ، وإن رجعوا جميعاً وقالوا : شبّه علينا ، غرموا الدية ، وإن قالوا : شهدنا بالزور ، قتلوا جميعاً » (٣).

ورواية السكوني : في رجلين شهدا على رجل أنّه سرق ، فقطعت يده ، ثم رجع أحدهما وقال : شبّه علينا : « غرما دية اليد من أموالهما خاصّة » (٤).

وروايته الأُخرى : « أنّ رجلين شهدا على رجل عند عليّ عليه‌السلام أنّه سرق ، فقطع يده ، ثم جاءا برجل آخر فقالا : أخطأنا ، هو هذا ، فلم يقبل شهادتهما ، وغرمهما دية الأول » (٥) وقريبة منها رواية محمّد بن قيس (٦).

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٣٠ ، ٩٠ ، الوسائل ٢٧ : ٣٢٩ أبواب الشهادات ب ١٢ ح ٣.

(٢) الكافي ٧ : ٣٨٤ ، ٤ ، التهذيب ٦ : ٢٦٠ ، ٦٩١ ، الوسائل ٢٧ : ٣٢٨ أبواب الشهادات ب ١٢ ح ١.

(٣) الكافي ٧ : ٣٦٦ ، ١ ، التهذيب ١٠ : ٣١٢ ، ١١٦٣ ، الوسائل ٢٩ : ١٢٩ أبواب القصاص في النفس ب ٦٤ ح ١.

(٤) التهذيب ٦ : ٢٨٥ ، ٧٨٨ ، الوسائل ٢٧ : ٣٣٢ أبواب الشهادات ب ١٤ ح ٢.

(٥) التهذيب ١٠ : ١٥٣ ، ٦١٣ ، الوسائل ٢٧ : ٣٣٢ أبواب الشهادات ب ١٤ ح ٣.

(٦) الكافي ٧ : ٣٨٤ ، ٨ ، التهذيب ٦ : ٢٦١ ، ٦٩٢ ، الوسائل ٢٧ : ٣٣٢ أبواب الشهادات ب ١٤ ح ١.

٤١٩

والرضوي : فإن شهد أربعة عدول على رجل بالزنا ، أو شهد رجلان على رجل بقتل رجل أو سرقة ، فرجم الذي شهدا عليه بالزنا ، وقتل الذي شهدوا عليه بالقتل ، وقطع الذي شهدوا عليه بالسرقة ، ثم رجعا عن شهادتهما وقالا : غلطنا في هذا الذي شهدنا ، وأتيا برجل وقالا : هذا الذي قتل ، وهذا الذي سرق ، وهذا الذي زنى ، قال : « تجب عليهما دية المقتول الذي قتل ، ودية يد الذي قطع بشهادتهما ، ولم تقبل لشهادتهما على الثاني الذي شهدوا عليه ، وإن قالوا : تعمّدنا ، قُطعا في السرقة ، وكلّ من شهد شهادة الزور في مال أو قتل لزمه دية المقتول بشهادتهما ، ولم تقبل شهادتهما بعد ذلك » الحديث (١).

ولو رجع بعض الشهود خاصّة بعد القتل أو القطع أو الجرح لم يمض إقرار من رجع إلاّ على نفسه ؛ لاختصاص حكم الإقرار بالمقِرّ ، وعدم إلزام أحد بإقرار غيره ، فإن كانت الشهادة على القتل فَلِوليّ المقتول قتل الراجع في موضع القصاص بعد أن يردّ عليه نصف ديته ، وإن أخذ الدية في موضعها فليس له إلاّ أخذ نصف الدية.

وإن كان القتل في الرجم يردّ الوليّ ثلاثة أرباع دية المقتول إن قتله ، وأخذ منه ربع الدية إن أراد الدية. وعلى هذا لو رجع منهم اثنان أو ثلاثة.

وأمّا رواية السكوني الأُولى (٢) الدالّة على تغريم الشاهدين دية اليد مع رجوع أحدهما فمع مخالفتها للأُصول وفتوى الأصحاب كلاًّ ، معارضة مع ذيل رواية الجرجاني (٣) الموافقة لعلم الأصحاب ، فطرحها لازم.

__________________

(١) فقه الرضا « عليه‌السلام » : ٢٦٣ بتفاوت ، مستدرك الوسائل ١٧ : ٤٢٠ أبواب الشهادات ب ١١ ح ٤.

(٢) المتقدّمة في ص ٤١٧.

(٣) المقدمة في ص ٤١٥.

٤٢٠