مستند الشّيعة - ج ١٨

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٨

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-204-0
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٤٥

وبهما تقيّد المطلقات ، بل يمكن حملها عليه (١) أيضاً بدعوى ورودها مورد الغالب ، من أنّ المكذب نفسه يكون تائباً غالباً.

ثم ظاهر الصحيح والمرسل المتقدّمين اعتبار كون الإكذاب عند الحاكم ، كما عن العماني (٢) وجماعة (٣) ، بل يظهر من الإيضاح والتنقيح والصيمري عدم الخلاف في اعتبار ذلك (٤) ، وهو الصحيح ؛ لما ذكر.

بل يعتبر كونه عند جماعة من المسلمين أيضاً كما صرّح به العماني ؛ للصحيح المذكور ، وموثّقة سماعة المتقدّمة.

وهل يُشتَرط في القبول بعد الإكذاب والتوبة أمر آخر ، أم لا؟

ظاهر الإيضاح : الاتّفاق على اشتراط الاستمرار على التوبة ولو ساعة ، قال : وإنّما الخلاف في الزائد عليه ، وهو إصلاح العمل (٥).

ويظهر من بعضهم : أنّ الأكثر اكتفوا بالاستمرار ؛ لتفسيرهم إصلاح العمل به (٦).

ومنهم من اعتبر إصلاح العمل في الكاذب دون الصادق (٧).

والظاهر اعتباره مطلقاً ؛ للآية المقيّدة للإطلاقات ، وقوله في رواية القاسم : « ولا يعلم منه إلاّ خيراً ». والله العالم.

المسألة الرابعة : يحرم الغناء ، وتزول به العدالة.

__________________

(١) أي : على الإكذاب.

(٢) حكاه عنه في المختلف : ٧١٧.

(٣) انظر الرياض ٢ : ٤٣٢.

(٤) الإيضاح ٤ : ٤٢٤ ، التنقيح ٤ : ٢٩٤.

(٥) الإيضاح ٤ : ٤٢٤.

(٦) انظر الرياض ٢ : ٤٣٢.

(٧) انظر المبسوط ٨ : ١٧٩.

١٨١

والكلام فيه تارةً في بيان ماهيّته ، وأُخرى في إثبات حرمته ومواردها.

أمّا الأول : فبيانه أنّ كلمات العلماء من اللغويين والأُدباء والفقهاء مختلفة في تفسير الغناء.

ففسّره بعضهم بالصوت المطرب.

وآخر بالصوت المشتمل على الترجيع.

وثالث بالصوت المشتمل على الترجيع والإطراب معاً (١).

ورابع بالترجيع.

وخامس بالتطريب.

وسادس بالترجيع مع التطريب.

وسابع برفع الصوت مع الترجيع.

وثامن بمدّ الصوت.

وتاسع بمدّه مع أحد الوصفين أو كليهما (٢).

وعاشر بتحسين الصوت.

وحادي عشر بمدّ الصوت وموالاته.

وثاني عشر وهو الغزالي بالصوت الموزون المفهم المحرّك للقلب (٣).

ولا دليل تامّاً على تعيين أحد هذه المعاني أصلاً.

نعم ، يكون القدر المتيقّن من الجميع المتّفق عليه في الصدق وهو مدّ الصوت ، المشتمل على الترجيع المطرب ، الأعمّ من السارّ والمحزن ،

__________________

(١) كما في الحدائق ١٨ : ١٠١.

(٢) انظر الشرائع ٤ : ١٢٨ ، والتحرير ٢ : ٢٠٩.

(٣) احياء علوم الدين ٢ : ٢٧٠.

١٨٢

المفهم لمعنى غناءً قطعاً عند جميع أرباب هذه الأقوال ، فلو لم يكن هناك قول آخر يكون هذا القدر المتّفق عليه غناءً قطعاً.

إلاّ أنّ بعض أهل اللغة فسّره بما يقال له بالفارسيّة : سرود أيضاً.

وحكي عن صاحب الصحاح : أنّه قال : الغناء ما يسمّيه العجم « دو بيتى ».

وقال بعض الفقهاء : إنّه يجب الرجوع في تعيين معناه إلى العرف (١).

ولا يخفى ما في المعنيين الأولين من الخفاء ، فإنّ « سرود » و « دو بيتى » ليسا بذلك الاشتهار في هذه الأعصار بحيث يتّضح المراد منهما ، ويمكن أن يكونا متّحدين مع أحد المعاني المتقدّمة.

ويحتمل قريباً أن يكون للّحن وكيفيّة الترجيع مدخليّة في صدقهما ، ويشعر به ما في رواية ابن سنان الآتية ، الفارقة بين لحن العرب ولحن أرباب الفسوق والكبائر.

ويؤيّده أيضاً ما قد يفسّر به « سرود » من أنّه ما يقال له بالفارسيّة : « خوانندگى » وقد يفسّر الغناء بذلك أيضاً ، فإنّ التعبير بـ : « خوانندگى » في الأغلب إنّما يكون بواسطة الألحان والنغمات.

وكذا الثالث ، فإنّ فيه خفاءً أيضاً ، فإنّه لا عرف لأهل العجم في لفظ الغناء ، ومرادفه من لغة الفرس غير معلوم ، وعرف العرب فيه غير منضبط.

وقد يعبّر عنه أيضاً بـ : « خوانندگى » ، وهو غير ثابت أيضاً.

ولأجل هذه الاختلافات يحصل الإجمال ، غايته في معنى الغناء ، ولكن الظاهر أنّ القدر المتيقّن المذكور من المعاني الاثني عشريّة سيّما إذا‌

__________________

(١) كما في التنقيح ٢ : ١١ ، والمسالك ٢ : ٤٠٣ ، الحدائق ١٨ : ١٠١.

١٨٣

ضمّ معه : أن يكون معه اللحن الخاصّ المعهود ، الذي يستعمله أرباب الملاهي ويتداول عندهم ، ويعبّر عنه الآن عند العوامّ بـ « خوانندگى » يكون غناء قطعاً ، سواء كان في القرآن والدعاء والمراثي وغيرها.

ولعلّ لاعتبار هذا اللحن في مفهومه قال صاحب الوافي : لا وجه لتخصيص الجواز بزفّ العرائس ، ولا سيّما وقد وردت الرخصة في غيره ، إلاّ أن يقال : إنّ هذه الأفعال لا تليق بذوي المروّات وإن كانت مباحة (١). انتهى.

فإنّ غير اللاّئق للمروّة هو هذه الألحان المعهودة.

وأمّا الثاني : فلا خلاف في حرمة ما ذكرنا أنّه غناء قطعاً في الجملة ـ وهو مدّ الصوت المفهم ، المشتمل على الترجيع والإطراب ، سيّما مع الضميمة المذكورة ـ ونقل عدم الخلاف بل الإجماع عليه مستفيض (٢) ، بل هو إجماع محقّق قطعاً ، بل ضرورة دينيّة.

وإنّما الكلام في أنّه هل هو حرام مطلقاً من غير استثناء فرد منه ، أو يحرم في الجملة؟ يعني : أنّه يحرم بعض أفراده ، إمّا لاستثناء بعض آخر بدليل ، أو لاختصاص تحريم الغناء ببعض أفراده.

والمستفاد من كلام الشيخ في الاستبصار : الثاني ، حيث قال بعد نقل أخبار حرمة الغناء وكسب المغنيّة ـ : الوجه في هذه الأخبار الرخصة فيمن لا تتكلّم بالأباطيل ، ولا تلعب بالملاهي والعيدان وأشباهها ، ولا بالقصب وغيره ، بل كانت ممّن تزفّ العروس وتتكلّم عندها بإنشاء الشعر والقول البعيد عن الفحش والأباطيل ، وأمّا ما عدا هؤلاء ممّن يتغنين‌

__________________

(١) الوافي ١٧ : ٢٢٠.

(٢) انظر الخلاف ٢ : ٦٢٦ ، والكفاية : ٢٨٠.

١٨٤

بسائر أنواع الملاهي فلا يجوز على حال ، سواء كان في العرائس أو غيرها (١). انتهى.

وهو ظاهر الكليني ، حيث ذكر كثيراً من أخبار الغناء في أبواب الأشربة ؛ لاشتماله على الملاهي وشرب المسكر (٢).

ويظهر من كلام صاحب الكفاية أيضاً أنّ صاحب الكافي لا يحرّم الغناء في القرآن (٣).

وهو أيضاً محتمل الصدوق كما يظهر من تفسيره للمرسلة الآتية (٤) بل والده في الرسالة ، حيث عبّر فيها بما عبّر في الرضوي الآتي (٥).

بل ذكر صاحب الكفاية في كتاب التجارة بعد نقل كلام عن الشيخ أبي علي الطبرسي في مجمع البيان ـ : أنّ هذا يدلّ على أنّ تحسين الصوت بالقرآن والتغنّي به مستحبّ عنده ، وأنّ خلاف ذلك لم يكن معروفاً عند القدماء (٦).

أقول : وتوهّم أنّ الطبرسي لم يذكر إلاّ تحسين اللفظ وتزيين الصوت وتحزينه وهو غير الغناء ، مردودٌ بأنّه بعد ذكر الرواية الآمرة بالتغنّي بالقرآن (٧) ذكر تأويل بعضهم بأنّ المراد منه الاستغناء بالقرآن ، ثم قال‌

__________________

(١) الاستبصار ٣ : ٦٢.

(٢) الكافي ٦ : ٤٣١.

(٣) الكفاية : ٨٦.

(٤) في ص ١٨٩.

(٥) في ص ١٨٧.

(٦) الكفاية : ٨٦.

(٧) سنن ابن ماجه ١ : ٤٢٤ ح ١٣٣٧ ، جامع الأخبار : ١٣١ ، ٢٦٥ ، ١٦ ، مستدرك الوسائل ٤ : ٢٧٣ أبواب قراءة القرآن ب ٢٠ ح ٧.

١٨٥

وأكثر العلماء على أنّه تزيين الصوت وتحسينه (١). يعني : أنّ المراد بالغناء هو ما يحصل به تزيين الصوت وتحزينه ، فهو في بيان معنى التغنّي ، وأنّه ليس المراد منه إلاّ ما يحصل به الغناء في الصوت.

ثم قال صاحب الكفاية : وكلام السيّد المرتضى في الغرر والدرر لا يخلو عن إشعار (٢) واضح بذلك.

أقول : ويشعر به كلام الفاضل في المنتهى أيضاً ، حيث يذكر في أثناء ذكر المسألة عبارة الإستبصار المتقدّمة الظاهرة في التخصيص شاهداً لحكمه بحرمة الغناء (٣).

وكذا هو المستفاد من كلام طائفة من متأخّري أصحابنا ، منهم : المحقّق الأردبيلي رحمه‌الله حيث جعل في باب الشهادات من شرح الإرشاد الاجتناب عن الغناء في مراثي الحسين أحوط (٤).

ومنهم : صاحب الكفاية ، حيث قال في كتاب التجارة : وفي عدّة من الأخبار الدالّة على حرمة الغناء إشعار بكونه لهواً باطلاً ، وصدق ذلك في القرآن والدعوات والأذكار المقروءة بالأصوات الطيّبة المذكّرة للآخرة المهيّجة للأشواق إلى العالم الأعلى محلّ تأمّل.

إلى أن قال : فإذن لا ريب في تحريم الغناء على سبيل اللهو والاقتران بالملاهي ونحوها ، ثم إن ثبت إجماع في غيره كان متّبعاً ، وإلاّ بقي حكمه على أصل الإباحة (٥).

__________________

(١) مجمع البيان ١ : ١٦ ، وفيه : وتحزينه ، بدل : وتحسينه.

(٢) في المصدر : إشكال ..

(٣) المنتهى ٢ : ١٠١٢.

(٤) مجمع الفائدة ١٢ : ٣٣٨.

(٥) الكفاية : ٨٦.

١٨٦

وقال في كتاب الشهادات : واستثنى بعضهم مراثي الحسين إلى أن قال : وهو غير بعيد (١).

ومنهم : صاحب الوافي ، قال في باب ترتيل القرآن : ولعلّه كان نحواً من التغنّي مذموماً في شرعنا (٢).

وقال في باب كسب المغنّية وشرائها : لا بأس بسماع التغنّي بالأشعار المتضمّنة ذكر الجنّة والنار ، والتشويق إلى دار القرار ، ووصف نِعم الله الملك الجبّار ، وذكر العبادات ، والترغيب في الخيرات والزهد في الفانيات ، ونحو ذلك (٣).

وقال في المفاتيح ما ملخّصه : والذي يظهر لي من مجموع الأخبار الواردة في الغناء ويقتضيه التوفيق بينها اختصاص حرمته وحرمة ما يتعلّق به بما كان على النحو المتعارف في زمن بني أُميّة ، من دخول الرجال عليهنّ واستماعهم لقولهن ، وتكلّمهنّ بالأباطيل ولعبهنّ بالملاهي ؛ وبالجملة : ما اشتمل على فعل محرّم ، دون ما سوى ذلك (٤). انتهى.

والمشهور بين المتأخّرين كما في الكفاية الأول (٥).

ولا بدّ أولاً من بيان أدلّة حرمة الغناء ، ثم بيان ما يستفاد من المجموع ، ثم ملاحظة أنّه هل استثني من ذلك شي‌ء ثبتت من أدلّة الغناء حرمته؟

فنقول : الدليل عليها هو الإجماع القطعي ، بل هي ضرورة دينيّة ،

__________________

(١) الكفاية : ٢٨١.

(٢) الوافي ٩ : ١٧٤٣.

(٣) الوافي ١٧ : ٢٢١.

(٤) المفاتيح ٢ : ٢١.

(٥) الكفاية : ٢٨١.

١٨٧

ويدلّ عليها الكتاب والسنّة.

أمّا الإجماع فظاهر.

وأمّا الكتاب : فأربع آيات ، بضميمة الأخبار المفسّرة لها.

الاولى : قوله سبحانه ( فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ) (١).

بضميمة رواية أبي بصير : عن قول الله سبحانه وتعالى ( وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ) قال : « هو الغناء » (٢).

ورواية الشحّام (٣) ، ومرسلة ابن ابي عمير (٤) ، وفيهما بعد السؤال عن الآية : « وقول الزور : الغناء ».

والثانية : قوله عزّ شأنه ( وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ ) (٥).

بضميمة ما في تفسير القمّي عن الباقر عليه‌السلام أنّه : « الغناء وشرب الخمر وجميع الملاهي » (٦).

والمرويّ في معاني الأخبار عن جعفر بن محمّد عليهما‌السلام : عن قول الله عزّ وجلّ ( وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ ) قال : « الغناء » (٧).

__________________

(١) الحج : ٣٠.

(٢) الكافي ٦ : ٤٣١ ، ١ ، الوسائل ١٧ : ٣٠٥ أبواب ما يكتسب به ب ٩٩ ح ٩.

(٣) الكافي ٦ : ٤٣٥ ، ٢ ، الوسائل ١٧ : ٣٠٣ أبواب ما يكتسب به ب ٩٩ ح ٢.

(٤) الكافي ٦ : ٤٣٦ ، ٧ ، الوسائل ١٧ : ٣٠٥ أبواب ما يكتسب به ب ٩٩ ح ٨.

(٥) لقمان : ٦.

(٦) تفسير القمّي ٢ : ١٦١.

(٧) معاني الأخبار : ٣٤٩ ، ١ ، الوسائل ١٧ : ٣٠٨ أبواب ما يكتسب به ب ٩٩ ح ٢٠ ، بتفاوت.

١٨٨

وفي صحيحة محمّد : « الغناء ممّا قال الله تعالى ( وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي ) » الحديث (١) ، وقريبة منها رواية مهران بن محمّد (٢).

ورواية الوشّاء : عن الغناء ، قال : « هو قول الله عزّ وجلّ ( وَمِنَ النّاسِ ) » الآية (٣).

ورواية الحسن بن هارون : « الغناء مجلسٌ لا ينظر الله إلى أهله ، وهو ممّا قال الله عزّ وجلّ ( وَمِنَ النّاسِ ) » الآية (٤).

وفي الصافي عن الكافي ، عن الباقر عليه‌السلام : « الغناء ممّا أوعد الله عليه النار » وتلا هذه الآية (٥).

وفي الرضوي : « الغناء ممّا أوعد الله عليه النار في قوله ( وَمِنَ النّاسِ ) » الآية (٦).

الثالثة : قوله سبحانه ( وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ) (٧).

بضميمة ما في تفسير القمّي عن الصادق عليه‌السلام : « ( وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ) : الغناء والملاهي » (٨).

والرابعة : قوله عزّ جاره ( وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ) (٩).

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٣١ ، ٤ ، الوسائل ١٧ : ٣٠٤ أبواب ما يكتسب به ب ٩٩ ح ٦ ، بتفاوت.

(٢) الكافي ٦ : ٤٣١ ، ٥ ، الوسائل ١٧ : ٣٠٥ أبواب ما يكتسب به ب ٩٩ ح ٧.

(٣) الكافي ٦ : ٤٣٢ ، ٨ ، الوسائل ١٧ : ٣٠٦ أبواب ما يكتسب به ب ٩٩ ح ١١.

(٤) الكافي ٦ : ٤٣٣ ، ١٦ ، الوسائل ١٧ : ٣٠٧ أبواب ما يكتسب به ب ٩٩ ح ١٦.

(٥) تفسير الصافي ٤ : ١٤٠.

(٦) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٨١ ، مستدرك الوسائل ١٣ : ٢١٣ أبواب ما يكتسب به ب ٧٨ ح ٩.

(٧) المؤمنون : ٣.

(٨) تفسير القمّي ٢ : ٨٨.

(٩) الفرقان : ٧٢.

١٨٩

بضميمة صحيحة محمّد والكناني : في قول الله عزّ وجلّ ( وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ) قال : « هو الغناء » (١).

وأمّا السنّة فكثيرة جدّاً ، كصحيحة الشحّام : « بيت الغناء لا تؤمن فيه الفجيعة ، ولا تجاب فيه الدعوة ، ولا يدخله الملك » (٢).

وروايته : « الغناء عشّ النفاق » (٣).

ورواية يونس : إنّ العباسي ذكر أنّك ترخّص في الغناء ، فقال : « كذب الزنديق ، ما هكذا قلت له ، سألني عن الغناء ، فقلت له : إنّ رجلاً أتى أبا جعفر عليه‌السلام ، فسأله عن الغناء ، فقال : يا فلان ، إذا ميّز الله بين الحقّ والباطل فأين يكون الغناء؟ فقال : مع الباطل ، فقال : قد حكمت » (٤).

وفي جامع الأخبار عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يحشر صاحب الغناء من قبره أعمى وأخرس وأبكم » وفيه عنه عليه‌السلام : « ما رفع أحد صوته بغناء إلاّ بعث الله شيطانين على منكبه ، يضربان بأعقابهما على صدره حتى يمسك » (٥).

وفي الخصال عن الصادق عليه‌السلام : « الغناء يورث النفاق ، ويعقّب الفقر » (٦).

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٣١ ، ٦ ، الوسائل ١٧ : ٣٠٤ أبواب ما يكتسب به ب ٩٩ ح ٥.

(٢) الكافي ٦ : ٤٣٣ ، ١٥ ، الوسائل ١٧ : ٣٠٣ أبواب ما يكتسب به ب ٩٩ ح ١.

(٣) الكافي ٦ : ٤٣١ ، ٢ ، الوسائل ١٧ : ٣٠٥ أبواب ما يكتسب به ب ٩٩ ح ١٠.

(٤) الكافي ٦ : ٤٣٥ ، ٢٥ ، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٤ ، ٣٢ ، الوسائل ١٧ : ٣٠٦ أبواب ما يكتسب به ب ٩٩ ح ١٣.

(٥) جامع الأخبار : ٤٣٣ ، ١٢١١ و ١٢١٣ ، مستدرك الوسائل ١٣ : ٢١٩ أبواب ما يكتسب به ب ٧٩ ح ١٧ وص : ٢١٤ ب ٧٨ ح ١٥.

(٦) الخصال ١ : ٢٤ ، ٨٤ ، الوسائل ١٧ : ٣٠٩ أبواب ما يكتسب به ب ٩٩ ح ٢٣.

١٩٠

ومرسلة الفقيه : سأل رجلٌ عليَّ بن الحسين عليهما‌السلام عن شراء جارية لها صوت؟ فقال : « ما عليك لو اشتريتها فذكّرَتك الجنّة يعني بقراءة القرآن والزهد والفضائل التي ليست بغناء ، وأمّا الغناء فمحظور » (١).

وتدلّ عليه المستفيضة ، المانعة عن بيع المغنّيات وشرائهنّ وتعليمهن ، كرواية الطاطري : عن بيع الجواري المغنّيات ، فقال : « بيعُهنّ وشراؤهنّ حرام ، وتعليمهنّ كفر ، واستماعهنّ نفاق » (٢) ، وقريبة منها رواية ابن أبي البلاد (٣).

ويستفاد من الأخيرتين حرمة استماع الغناء أيضاً ، كما هو مجمع عليه قطعاً.

وإطلاق المنع عن الاستماع منهنّ حتى من المحارم يأبى عن كون المنع لحرمة استماع صوت الأجانب ، مضافاً إلى ظهور العطف على « تعليمهن » والتعليق على الوصف في إرادة استماع الغناء ؛ وتدلّ على حرمة استماعه الآية الأُولى أيضاً.

ويدلّ على حرمة الغناء واستماعه أيضاً المرويّ في المجمع عن طريق العامّة ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من مَلأ مسامعه من غناء لم يؤذن له أن يسمع صوت الروحانيّين يوم القيامة » قيل : وما الروحانيّون يا رسول الله؟ قال : « قرّاء أهل الجنّة » (٤).

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٤٢ ، ١٣٩ ، الوسائل ١٧ : ١٢٢ أبواب ما يكتسب به ب ١٦ ح ٢.

(٢) الكافي ٥ : ١٢٠ ، ٥ ، التهذيب ٦ : ٣٥٦ ، ١٠١٨ ، الإستبصار ٣ : ٦١ ، ٢٠١ ، الوسائل ١٧ : ١٢٤ أبواب ما يكتسب به ب ١٦ ح ٧.

(٣) الكافي ٥ : ١٢٠ ، ٧ ، التهذيب ٦ : ٣٥٧ ، ١٠٢١ ، الإستبصار ٣ : ٦١ ، ٢٠٤ ، الوسائل ١٧ : ١٢٣ أبواب ما يكتسب به ب ١٦ ح ٥.

(٤) مجمع البيان ٤ : ٣١٤.

١٩١

ورواية عنبسة : « استماع الغناء واللهو ينبت النفاق في القلب » (١).

ومرسلة المدني : سُئل عن الغناء وأنا حاضر ، فقال : « لا تدخلوا بيوتاً الله معرض عن أهلها » (٢).

وقد يستدلّ عليهما برواية مسعدة بن زياد : إنّني أدخل كنيفاً لي ، ولي جيران عندهم جوارٍ يتغنين ويضربن بالعود ، فربّما أطلت الجلوس استماعاً منّي لهن؟ فقال : « لا تفعل » فقال الرجل : والله ما أتيتهن ، وإنّما هو سماع أسمعه بأُذني ، فقال عليه‌السلام : « لله أنت ، أما سمعت الله يقول ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً ) (٣) »؟.

فقال : بلى والله ، كأنّي لم أسمع بهذه الآية إلى أن قال : « قم فاغتسل وصلّ ما بدا لك ، فإنّك كنت مقيماً على أمر عظيم ، ما كان أسوأ حالك لو متّ على ذلك؟! » الحديث (٤).

أقول : هذه أدلّة حرمة الغناء ، وظاهر أنّ الإجماع منها لا يثبت منه إلاّ حرمة الغناء في الجملة ، ولا يفيد شيئاً في موضع الخلاف.

وأمّا الكتاب ، فظاهر أنّه لا دلالة للآيتين الأخيرتين على الحرمة أصلاً ، مضافاً إلى ما يظهر من بعض الأخبار المعتبرة من تفسير اللغو بغير الغناء ممّا يباينه أو يعمّه.

وأمّا الآية الثانية ، فلا شكّ أنّه لا دلالة للأخبار المفسّرة لها بنفسها‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٣٤ ، ٢٣ ، الوسائل ١٧ : ٣١٦ أبواب ما يكتسب به ب ١٠١ ح ١ ، بتفاوت.

(٢) الكافي ٦ : ٤٣٤ ، ١٨ ، الوسائل ١٧ : ٣٠٦ أبواب ما يكتسب به ب ٩٩ ح ١٢.

(٣) الإسراء : ٣٦.

(٤) الفقيه ١ : ٤٥ ، ١٧٧ ، التهذيب ١ : ١١٦ ، ٣٠٤ ، الوسائل ٣ : ٣٣١ أبواب الأغسال المندوبة ب ١٨ ح ١ ، بتفاوت.

١٩٢

على الحرمة ، بل الدالّ عليها إنّما هو الآية بضميمة التفسير ، فيكون معنى الآية : ومن الناس من يشتري الغناء ليضلّ عن سبيل الله ويتّخذها هُزُواً أُولئك لهم عذابٌ مهين ، فيدلّ على حرمة الغناء الذي يُشترى ؛ لما في الآية ، وهو ممّا لا شكّ فيه ، ولا يدلّ على حرمة غير ذلك ممّا يتّخذ لترقيق القلب لتذكّر الجنّة ، وتهييج الشوق إلى العالم الأعلى ، ولتأثير القرآن والدعاء في القلوب ، بل في قوله ( لَهْوَ الْحَدِيثِ ) إشعار بذلك أيضاً.

مع أنّ رواية الوشّاء محتملة لأن يكون تفسيراً للغناء بلهو الحديث لا بياناً لحكمه ، فلا يكون شاملاً لما لا يصدق عليه لهو الحديث لغةً وعرفاً.

مضافاً إلى معارضة هذه الأخبار مع ما روي في مجمع البيان عن الصادق عليه‌السلام : « إنّ لهو الحديث في هذه الآية الطعن في الحقّ والاستهزاء به » (١).

ورواية أبي بصير : عن كسب المغنّيات ، فقال : « التي يدخل عليها الرجال حرام ، والتي تُدعى إلى الأعراس ليس به بأس ، وهو قول الله عزّ وجلّ ( وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي ) الآية (٢) ، فإنّها تدلّ على أنّ لهو الحديث هو غناء المغنّيات اللاّتي يدخل عليهنّ الرجال لا مطلقاً.

وإلى أنّ الظاهر من رواية الحسن بن هارون (٣) : أنّ الغناء الذي أُريد من لهو الحديث مجلس ، وهو ظاهر في محافل المغنّيات.

وإلى أنّ مدلول سائر الأخبار المعتبرة أنّ الغناء هو فرد من لهو‌

__________________

(١) مجمع البيان ٤ : ٣١٣.

(٢) الكافي ٥ : ١١٩ ، ١ ، التهذيب ٦ : ٣٥٨ ، ١٠٢٤ ، الإستبصار ٣ : ٦٢ ، ٢٠٧ ، الوسائل ١٧ : ١٢٠ أبواب ما يكتسب به ب ١٥ ح ١.

(٣) الكافي ٦ : ٤٣٣ ، ١٦ ، الوسائل ١٧ : ٣٠٧ أبواب ما يكتسب به ب ٩٩ ح ١٦.

١٩٣

الحديث ، وأنّه بعض ما قال الله سبحانه ، فيشعر بأنّ المراد من لهو الحديث معناه اللغوي والعرفي الذي فرد منه الغناء ، وهو لا يصدق إلاّ على الأقوال الباطلة والملهية لا مطلقاً.

فلم يبق من الآيات الكريمة إلاّ الأُولى ، وسيجي‌ء الكلام فيها.

وأمّا الأخبار ، فظاهر أنّ الروايات المانعة عن بيع المغنّيات وشرائهنّ والاستماع منهنّ (١) لا دلالة لها على حرمة المطلق ؛ إذ لا شكّ أنّ المراد منهنّ ليس مَن من شأنها أنّ تتغنّى وتقدر على الغناء ؛ لعدم حرمة بيعها وشرائها قطعاً ، بل المراد الجواري اللاّتي أخذن ذلك كسباً وحرفة ، كما هو ظاهر الاخبار المانعة عن كسبهنّ وأجرهن (٢).

وعلى هذا ، فتكون إرادتهنّ من المغنّيات الموضوعة لغةً لمن تغنّي مطلقاً ، إمّا مع بقاء المبدأ أو مطلقاً مجازاً ، فيمكن أن يكون المراد بهنّ اللاّتي كنّ في تلك الأزمنة وهنّ اللاّتي أخذنه كسباً وحرفة في محافل الرجال والأعراس بل الظاهر أنّه لم تكن تكسب بغيرهما ؛ وفي رواية أبي بصير المتقدّمة المقسّمة لهنّ إلى اللاّتي يدخل عليهنّ الرجال ، واللاّتي تزفّ العرائس دلالة على ذلك.

وأمّا سائر الروايات ، فبكثرتها وتعدّدها خالية عن الدلالة على الحرمة جدّاً ؛ إذ لا دلالة لعدم الأمن من الفجيعة ، وعدم إجابة الدعوة ، وعدم دخول الملك ، وكونه عشّ النفاق ، أو مورثه ، أو منبته ، أو كونه من الباطل ، أو الحشر أعمى وأصمّ وأبكم ، أو بعث الشيطان للضرب على الصدر ، أو تعقيب الفقر ، أو عدم سماع صوت الروحانيّين ، أو أعراض الله عن أهله‌

__________________

(١) كما في الوسائل ١٧ : ١٢٢ أبواب ما يكتسب به ب ١٦.

(٢) انظر الوسائل ١٧ : ١٢٠ أبواب ما يكتسب به ب ١٥.

١٩٤

على إثبات الحرمة ؛ لورود أمثال ذلك في المكروهات كثيراً. مع أنّه لا حجّية في روايتي المجمع والجامع (١) عن طريق العامّة أصلاً.

وأمّا مرسلة الفقيه (٢) ، فإنّما تفيد الحرمة لو كان التفسير عن الإمام ، وهو غير معلوم ، بل خلاف الظاهر ؛ لأنّ الظاهر أنّه من الصدوق. مع أنّه لو كان من الإمام أيضاً إنّما يفيد حرمة المطلق لو كان قوله : « التي ليست بغناء » وصفاً احترازيّاً للقراءة ، وهو أيضاً غير معلوم.

وأمّا رواية مسعدة (٣) ، فمع اختصاصها بغناء الجواري المغنّية ، مشتملة على ضرب العود أيضاً ، فلعلّ المعصية كانت لأجله.

فإن قيل : إنّ تكذيبه عليه‌السلام لمن نسب إليه الرخصة في الغناء (٤) يدلّ على انتفاء الرخصة ، فيكون حراماً.

قلنا : التكذيب في نسبة الرخصة لا يستلزم المنع ، فإنّ عدم ترخيص الإمام أعمّ من المنع ، بل كلامه عليه‌السلام : ما هكذا قلت بل قلت كذا ، صريح في أنّ التكذيب ليس للمنع ، بل لذكره خلاف الواقع ؛ مع أنّه يمكن أن يكون التكذيب لأجل أنّه نسب الرخصة في المطلق.

ولا يتوهّم دلالة كونه مع الباطل على الحرمة ؛ لعدم معلوميّة أنّ المراد بالباطل ما يختصّ بالحرام ، ولذا يصحّ أن يقال : التكلّم بما لا يعني يكون من الباطل.

__________________

(١) المتقدّمتين في ص ١٨٨ و ١٨٩.

(٢) المتقدّمة في ص ١٨٩.

(٣) المتقدّمة في ص ١٩٠.

(٤) انظر رواية يونس المتقدّمة في ص ١٨٨.

١٩٥

مضافاً إلى أنّ في تصريح السائل بـ : « كونه مع الباطل » بحيث يدلّ على شدّة ظهور كونه معه عنده إشعاراً ظاهراً بأنّ المراد منه ما كان مع التكلّم بالأباطيل.

فإن قيل : هذه الأخبار وإن لم تثبت التحريم إلاّ أنّ الروايتين المذكورتين في تفسير الآية الثانية المتضمّنتين لقوله : « إنّ الغناء ممّا أوعد الله عليه النار » (١) تدلاّن على حرمته ، بل كونه من الكبائر.

قلنا : لا دلالة لهما إلاّ على حرمة بعض أفراد الغناء ، وهو الذي يُشترى به ليضلّ به عن سبيل الله ويتّخذها هُزُواً ، ألا ترى أنّه لو قال أحد : أمَرَ الأمير بضرب البصري ، قال : اضرب زيداً البصري. أو في قوله : اضرب زيداً البصري ، يفهم أنّه مراده من البصري دون المطلق.

ولو أبيت الفهم فلا شكّ أنّه ممّا يصلح قرينة لإرادة هذا الفرد من المطلق ، ومعه لا تجري فيه أصالة إرادة الحقيقة ، التي هي الإطلاق.

فلم يبق دليل على حرمة مطلق الغناء ، سوى قوله سبحانه ( وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ) (٢) بضميمة تفسيره في الأخبار المتقدّمة بالغناء.

إلاّ أنّه يخدشه أنّه يعارض تلك الأخبار المفسّرة ما رواه الصدوق في معاني الأخبار عن الصادق عليه‌السلام : قال : سألته عن قول الزور ، قال : « منه قول الرجل للّذي يغنّي : أحسنت » (٣).

فإنّ الأخبار المتقدّمة باعتبار الحمل تدلّ على أنّ معناه الغناء ، وذلك يدلّ على أنّه غيره ، أو ما هو أعمّ منه ، بل فيه إشعار بأنّ المراد من‌

__________________

(١) راجع ص ١٨٧.

(٢) الحج : ٣٠.

(٣) معاني الأخبار : ٣٤٩ ، ٢ ، الوسائل ١٧ : ٣٠٩ أبواب ما يكتسب به ب ٩٩ ح ٢١.

١٩٦

الزور هو معناه اللغوي والعرفي ، أي الباطل والكذب والتهمة ، كما في النهاية الأثيريّة (١). وعدم صدق شي‌ء من ذلك على مثل القرآن والأدعية والمواعظ والمراثي واضحٌ وإن ضمّ معه نوع ترجيع.

بل يعارضها ما رواه في الصافي عن المجمع ، قال : وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه عدلت شهادة الزور بالشرك بالله ، ثم قرأ هذه الآية (٢) ، فإنّه يدلّ على أنّ المراد بقول الزور شهادة الزور.

وبملاحظة هذين المعارضين المعتبرين المعتضدين بظاهر اللفظ ، وباشتهار تفسيره بين المفسّرين بشهادة الزور ، أو مطلق القول الباطل توهن دلالة تلك الآية أيضاً جدّاً على حرمة المطلق.

مضافاً إلى معارضتها مع ما يدلّ على أنّ الغناء على قسمين : حرام وحلال ، كالمرويّ في قرب الإسناد للحميري بإسناد لا يبعد إلحاقه بالصحاح كما في الكفاية عن عليّ بن جعفر ، عن أخيه عليه‌السلام : قال : سألته عن الغناء هل يصلح في الفطر والأضحى والفرح؟ قال : « لا بأس ، ما لم يعص به » (٣).

والمرويّ في تفسير الإمام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث طويل ، فيه ذكر شجرة طوبى وشجرة الزقّوم ، والمتعلّقين بأغصان كلّ واحدة منهما ـ : « ومن تغنّى بغناء حرام يبعث فيه على المعاصي فقد تعلّق بغصن منه » أي من الزقّوم.

__________________

(١) النهاية الأثيرية ٢ : ٣١٨.

(٢) مجمع البيان ٤ : ٨٢.

(٣) قرب الاسناد : ٢٩٤ ، ١١٥٨ ، الوسائل ١٧ : ١٢٢ أبواب ما يكتسب به ب ١٥ ح ٥.

١٩٧

فإنّ الأول صريح في أنّ من الغناء ما لا يعصى به.

والثاني ظاهر في أنّ الغناء على قسمين : حلال وحرام.

وصحيحة أبي بصير : « أجر المغنّية التي تزف العرائس ليس به بأس ، ليست بالتي يدخل عليها الرجال » (١).

فإنّها ظاهرة في أنّه لا حرمة في غناء المغنيّة التي لا يدخل عليها الرجال ، المؤيّدة بروايته الأُخرى المتقدّمة (٢) ، المقسّمة للمغنّيات على قسمين : ما يدخل عليهنّ الرجال ، وما تزفّ العرائس. والحكم بحرمة الاولى ، ونفي البأس عن الثانية.

ويتعدّى الحكم إلى المغنّي بالإجماع المركّب ، وبأنّ الظاهر اشتهار هذا التقسيم عند أهل الصدر الأول ، كما يظهر من كلام الطبرسي (٣).

وعلى هذا ، فنقول : إنّ المراد بالغناء المحرّم أو الذي يعصى به إمّا هو ما يُتكلّم بالباطل ويقترن بالملاهي ونحوهما ، وحينئذٍ فعدم حرمة المطلق واضح.

أو يكون غيره ، ويكون المراد غناءٌ نهى عنه الشارع ، ولعدم كونه معلوماً يحصل فيه الإجمال ، وتكون الآية مخصَّصة بالمجمل ، والمخصَّص بالمجمل ليس بحجّة.

ويؤكّد اختصاص الغناء المحرّم بنوع خاصّ ما يتضمّنه كثير من الأخبار المذكورة من نحو قوله : « الغناء مجلس » أو : « بيت الغناء » أو‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٢٠ ، ٣ ، الفقيه ٣ : ٩٨ ، ٣٧٦ ، التهذيب ٦ : ٣٥٧ ، ١٠٢٢ ، الإستبصار ٣ : ٦٢ ، ٢٠٥ ، الوسائل ١٧ : ١٢١ أبواب ما يكتسب به ب ١٥ ح ٣ ، بتفاوتٍ يسير.

(٢) في ص ١٩١.

(٣) راجع ص ١٨٣ و ١٨٤ ، وهو في مجمع البيان ١ : ١٦.

١٩٨

« صاحب الغناء » أو : « لا تدخلوا بيوتاً » بعد السؤال عن مطلق الغناء (١).

ومن جميع ذلك يظهر الحال في رواية نصر بن قابوس ومرسلة الفقيه ، الآتيتين في آخر المسألة (٢) ، المتضمّنتين للعن المغنّية وكسبها مطلقاً ، وكون أجر المغنّي والمغنّية سحتاً كذلك.

وقد ظهر من جميع ذلك أنّ القدر الثابت من الأدلّة هو حرمة الغناء بالمعنى المتيقّن كونه غناءً لغويّاً ، وهو ترجيع الصوت المفهم مع الإطراب في الجملة ، ولا دليل على حرمته كلّية ، فاللاّزم فيه هو الاقتصار على القدر المعلوم حرمته بالإجماع.

ومنه يظهر عدم حرمة ما استثنوه ، وهو أُمور :

منها : غناء المغنّية في زفّ العرائس ، استثناه في النهاية والنافع والمختلف والتحرير والقاضي (٣) وجمع آخر (٤).

ولكنّه ليس لما ذكر من عدم الدليل ؛ لوجوده في غناء المغنّيات كما مرّ.

بل للأخبار المقيّدة لهذه المطلقات المتقدّمة ، كصحيحة أبي بصير وروايته ، وروايته الأُخرى : « المغنيّة التي تزفّ العرائس لا بأس بكسبها » (٥).

خلافاً للمفيد والحلبي والحلّي والديلمي والتذكرة والإرشاد ، فلم يستثنوه (٦).

__________________

(١) راجع ص : ١٨٧ ١٩٠.

(٢) انظر ص ٢٠٤.

(٣) النهاية : ٣٦٧ ، النافع : ١١٦ ، المختلف : ٣٤٢ ، التحرير ١ : ١٦٠ ، القاضي في المهذّب ١ : ٣٤٦.

(٤) كالسبزواري في الكفاية : ٨٦ ، وصاحب الحدائق ١٨ : ١١٦.

(٥) الكافي ٥ : ١٢٠ ، ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٥٧ ، ١٠٢٣ ، الإستبصار ٣ : ٦٢ ، ٢٠٦ ، الوسائل ١٧ : ١٢١ أبواب ما يكتسب به ب ١٥ ح ٢.

(٦) المفيد في المقنعة : ٥٨٨ ، الحلبي في الكافي : ٤٣٥ ، الحلي في السرائر ٢ : ١٢٠ ، الديلمي في المراسم : ١٧٠ ، التذكرة ٢ : ٥٨١ إرشاد الأذهان ١ : ٣٥٧.

١٩٩

إمّا لمعارضة هذه الأخبار مع الروايات المحرّمة للغناء وكسبه ، أو لشراء المغنيّات وبيعهن ؛ حيث إنّه لو كانت له جهة إباحة لم يحرم البيع والشراء.

أو لضعف سندها.

أو دلالتها ؛ إذ غايتها نفي البأس عن الأُجرة ، وهو غير ملازم لنفي الحرمة.

ويمكن الجواب : بأنّ المعارض بقسميه مطلق ، فيحمل على المقيّد.

وضعف السند غير ضائر ، مع أنّ فيها الصحيح.

والملازمة ثابتة ؛ لعدم القول بالفرق ، مع أنّ المنفيّ عنه البأس في روايتي أبي بصير هو نفس الكسب ، وحمله على المكتسب يجوز.

هذا ، ثم إنّه يشترط في الحلّيّة عدم دخول الرجال عليهن ، وإلاّ يحرم وإن كانوا محارم ، كما احتمله المحقّق الثاني (١) ؛ للإطلاق.

وقد يقال باشتراط عدم التكلّم بالأباطيل ، وعدم استماع الرجال الأجانب ، وعدم العمل بالملاهي.

وفيه : أنّ هذه الأُمور وإن كانت محرّمة ولكن تحريمها من حيث هي هي غير ما نحن فيه من تحريم الغناء ، فيؤاخذ بهذه الأُمور دون الغناء.

وهل يتعدّى إلى غير المغنّي وإلى غير الزفاف؟

الظاهر : نعم ؛ لعموم العلّة المنصوصة بقوله : « ليست بالتي يدخل عليها الرجال ».

ولا يضرّ في العلّية عدم الجواز في بعض صور عدم الدخول أيضاً ؛

__________________

(١) جامع المقاصد ٤ : ٢٤.

٢٠٠