مستند الشّيعة - ج ١٩

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٩

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-211-3
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٨٢

١
٢

٣
٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وبه نستعين‌

كتاب الفرائض والمواريث‌

وفيه خمس مقدّمات ، وثلاثة مقاصد‌ :

٥
٦

المقدّمة الاولى

في بيان معناهما ، والأصل في ثبوتهما

أما المعنى : فالفرائض جمع فريضة ، من الفرض ، وهو لغةً : التوقيت ، والتقدير ، والقطع ، والبيان ، والوجوب ، والثبوت ، والعطيّة الموسومة (١).

وفي العرف العام لفقهائنا مرادفٌ للواجب. وفي الخاص : ما يستحقّه الإنسان من السهام المقدّرة في كتاب الله بموت آخر بينهما نسب أو سبب.

والمواريث جمع ميراث ، من الإرث ، وهو في اللغة : الأصل ، والبقية ، والأمر القديم ، والرماد (٢).

وفي الاصطلاح : حقّ منتقل من ميّت حقيقة أو حكماً إلى حيّ كذلك ابتداءً.

فدخل في الحدّ الحقّ المالي وغيره كالحدّ. ودخل بقولنا « حكماً » في الموضعين : المرتدّ الفطري وإن لم يقتل ، والمفقود ، والحمل ، والغريق ،

__________________

(١) لاحظ النهاية. لابن الأثير ٣ : ٤٣٢ ، والقاموس ٢ : ٣٥٢ ، والصحاح ٣ : ١٠٩٧ وقال : ويسمى العلم بقسمة المواريث فرائض ، والمصباح المنير : ٤٦٩ ، والمغرب ٢ : ٩٢ ، وقال : قيل لانصباء المواريث : الفرائض لأنها مقدرة لأصحابها ، ثم قيل للعلم بمسائل الميراث علم الفرائض ، ولسان العرب ٧ : ٢٠٢ ، مجمع البحرين ٤ : ٢٢٠ ، وزاد بعضهم معاني أُخرى منها : ما أعطيت من غير قرض ، والحزّ في الشي‌ء ، والسنة ، والتُّرس ، وما فرضته على نفسك فوهبته أو جُدت به لغير ثواب ، والهبة.

(٢) كما في لسان العرب ٢ : ١١١.

٧

ونحوه. وبالابتداء خرج الوقف المرتب والوصايا.

ولو أُبدل الأخير بقولنا : « بنسب أو سبب » لأفاد ما يفيد.

وهو أعم من الفريضة ، لشموله للحقوق المالية وغيرها واختصاصها بالأُولى ، ولاعتبار التقدير فيها وعدم اعتباره فيه.

وقد يقال بتساويهما بإرادة ما يشمل غير المقدّر من الفرائض ولو بالتغليب. وهذا إنّما يفيد لو أُريد منها ما يشمل غير المالية أيضاً ، وإطلاقها عليه غير متعارف.

وأما الأصل في ثبوتهما سوى الضرورة الدينية والإجماع القطعي الآيات المتكاثرة :

قال الله سبحانه ( لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ ) (١).

وقال سبحانه ( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ ) (٢) الآيتين.

وقال ( إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ ) (٣) الآية.

والأخبار المتضافرة التي يأتي ذكرها في طيّ بيان تفاصيل الأحكام.

وروى في المبسوط ، عن ابن مسعود ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « تعلّموا الفرائض ، وعلّموها الناس ، فإنّي امرؤ مقبوض ، والعلم سيقبض ، وتظهر الفتن حتّى يختلف اثنان في الفريضة ، فلا يجدان من يفصل بينهما » (٤).

__________________

(١) النساء : ٧.

(٢) النساء : ١١.

(٣) النساء : ١٧٦.

(٤) المبسوط ٤ : ٦٧.

٨

قيل : وذلك لابتناء مسائل الفرائض على أُصول غير عقلية وعدم اشتمال القرآن على جميعها (١).

وروى فيه أيضاً عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « تعلّموا الفرائض ، فإنّها من دينكم ، وإنّه نصف العلم ، وإنه أوّل ما ينتزع من أُمتي » (٢).

ومصداق ما ذكره بقوله : « وإنّه أوّل ما ينتزع » ما شاع وذاع من قصة غصب فدك ، وخيبر ، ووضع حديث لا نورث.

ويمكن إرجاع الضمير إلى العلم. وكونه أوّل ما ينتزع ، لكونه الخلافة التي يوجب انتزاعها انتزاع العلم والتعليم.

وتوجيه كون العلم بالفرائض نصف العلم باختصاصه بإحدى حالتي الإنسان من الحياة والممات ، أو بكونه أحد سببي الملك من الاضطراري والأعمّ ، أو أحد قسمي العلم مما يكون المقصود بالذات فيه التعليم والتعلم والعمل تابع وعكسه ، أو باعتبار ثوابه ، أو لإيجابه وضع الإمامة (٣) في موضعها الموجب لتمامية العلم ، أو لتوقّفه على مشقّة عظيمة.

تكلّف (٤) لا تقبله الأذهان السليمة ، وإن كان أخيرها أولاها.

ويمكن أن يراد بالفرائض ما يجب فعله ، فيكون إشارة إلى الحكمة العملية التي هي أحد قسمي العلم ، والتخصيص بالفرائض لكونها أهم.

__________________

(١) انظر الرياض ٢ : ٣٣٤.

(٢) المبسوط ٤ : ٦٧ ، بتفاوت.

(٣) في « ق » : الأمانة.

(٤) قوله « تكلف » خبرٌ لقوله « وتوجيه » المتقدم.

٩

المقدّمة الثانية

في موجبات الإرث وأسبابه

وهي اثنان بالاستقراء والضرورة من الدين : النسب والسبب.

والمراد بالنسب عرفاً : اتّصال بين شخصين عرفاً بالولادة شرعاً.

فخرج بقولنا عرفاً من يتّصل بالآخر اتّصالاً بعيداً عرفاً (١) ، كاتّصالهما بالولادة من آدم أو النبي أو غيرهما. وبقولنا بالولادة اتّصال أحدهما بالآخر بزوجيّة أو إخاء أو ولاء أو نحوها. وبقولنا شرعاً ولد الزنا ، ودخل به من ألحقه الشارع ولو لم تعلم الولادة.

وبالسبب : اتّصال أحدهما بالآخر بزوجية أو ولاء مخصوص.

ولا يلزم خروج المطلّقة رجعية مع ارتفاع الزوجيّة وثبوت التوارث ؛ لأنّ الزوجيّة وإن كانت مرتفعة إلاّ أنّها سبب لنوع اتّصال بينهما يمكن معه الرجوع ، فالاتّصال الحاصل بينهما إنّما هو بسببها.

ثم للنسب عمود وحاشية ؛ وعموده الآباء وإن صعدوا ، والأبناء وإن نزلوا ، والبواقي حاشيته.

والفقهاء جعلوه على طبقات ومراتب ، باعتبار الاجتماع والافتراق في الإرث ، والتباين والتناسب في جهة النسبة.

وبيان ذلك : أنّهم لمّا تتّبعوا تفاصيل الأدلّة رأوا أنّ جميع الأنسباء لا يجتمعون في الإرث بل يمنع بعضهم بعضاً.

ثم رأوا أنّ بعض من يمنع بعضاً يجامع آخر أيضاً ، وأنّ البعض الذي‌

__________________

(١) في « ق » : عادةً.

١٠

يمنعه هذا البعض على قسمين (١) : قسم لا يمنعه البعض الذي يجامع الأوّل ويمنع سائر من يمنعه ، وقسم يمنعه أيضاً.

وأيضاً رأوا أنّهم إمّا متحدون في جهة النسبة ، أو متباينون ؛ والأوّل إمّا لا يجامع بعضه من يمنعه البعض الآخر ، أو يجامع.

فجعلوا كل نسيبين متباينين في جهة النسبة يجامعان في الإرث منضمّاً مع من يجامع أحدهما ويمنع سائر من يمنعانه وإن لم يجامع الآخر ، أو متّحدين فيها غير مجتمع (٢) أحدهما مع من يمنعه الآخر وإن لم يجتمعا في الإرث في طبقة واحدة.

وبتقرير آخر : الأنسباء إمّا متناسبون في جهة النسبة ، أو متباينون ؛ والأوّلون إمّا يجامع بعضهم بعض من لا يجامع الآخر أو لا ؛ والآخرون إمّا يجتمعون في الإرث أولا.

فجعلوا كل نسيبين متناسبين لا يجتمع أحدهما مع من يمنعه الآخر ، أو متباينين مجتمعين في الإرث في طبقة واحدة.

ولأجل ذلك حصل للنسب طبقات ثلاث.

الأُولى : الأبوان من غير ارتفاع ، والأولاد وإن نزلوا.

الثانية : الإخوة والأخوات لأب أو لُام أو لهما ، وأولادهم وإن نزلوا ، والأجداد والجدات لأب أو لُام أو لهما وإن علوا.

الثالثة : الأخوال والخالات والأعمام والعمات وإن علوا ، وأولادهم‌

__________________

(١) فالقسم الأول كأولاد الأولاد الذين يمنعهم الأولاد ، فإنه لا يمنعهم الأبوين اللذين يجامعان الأولاد ، ويمنعون سائر من يمنعه الأولاد ، والقسم الثاني كالأجداد « منه قدس‌سره ».

(٢) هذا القيد لتصحيح جعلهم الجد والأب في طبقتين مع اتحادهما في جهة النسبة ( منه قدس‌سره ).

١١

وإن سفلوا.

ثمّ لمّا كان في كلّ طبقة أنسباء متفرقين باعتبار النسبة جعلوا كل طائفة متحدة فيها صنفاً واحداً ، وباعتبار ذلك حصل له خمسة أصناف. تشتمل الاولى على صنفين : أصل محصور وهو الأبوان ، وفرع غير محصور وهو الأولاد. وكذلك الثانية ، وصنفاها غير محصورين عروجاً ونزولاً ، وهما الإخوة والأجداد. ولا تشمل الثالثة إلاّ على واحد غير محصور.

ولمّا كان أنسباء كل صنف متفاوتة باعتبار القرب والبعد إلى الميت جعلوا كلّ طائفة متساوية قرباً وبعداً درجة واحدة ، فحصل له درجات ، وهي غير محصورة إلاّ أنّ للصنف الأوّل من الأُولى درجة واحدة.

وقد تجعل (١) الطبقات أكثر بجعل الأعمام والأخوال وأولادهم طبقة ثالثة ، وأعمام كل من الأبوين وأخواله وأولادهم رابعة ، وأعمام كل من الجدين وأخواله وأولادهم خامسة ، وهكذا فتتصاعد طبقات إلى غير النهاية. ولا بأس به.

وهذه الطبقات مترتّبة في الإرث ، فلا يرث أحد من اللاحقة مع وجود واحد من سابقتها خالٍ من الموانع وإن كان أُنثى. كما أنّ درجات كل طبقة كذلك أيضاً ، فلا ترث الثانية مع وجود واحدٍ من الاولى وهكذا. ولكن لا يمنع أحدٌ من صنفٍ وإن كان أقرب أحداً من صنف آخر في طبقته وإن كان أبعد.

وأمّا السبب فقسمان : زوجيّة وولاء (٢).

وللولاء ثلاث مراتب : ولاء العتق ، وولاء تضمّن الجريرة ، وولاء الإمامة.

وأوّل قسميه يجامع النسب ، فيرث من له الزوجيّة مع كل من‌

__________________

(١) جعلها صاحب المفاتيح أكثر ( منه رحمه‌الله ).

(٢) الولاء بالفتح والمد وهو في اللغة القرب ( منه رحمه‌الله ).

١٢

الأنسباء ، وإن كان في أوّل الدرجات من الطبقة الأُولى. دون ثانيهما ، فلا يرث أحدٌمنه وإن كان في أوّل المراتب مع واحدٍ منه وإن كان في آخر الطبقات.

ولا ممانعة بين قسمي السبب ، فيجامع من له الولاء من له الزوجيّة ، إلاّ من كان له ولاء الإمامة ففيه خلاف يأتي.

ومراتب الولاء مرتّبة ، فيقدّم العتق على ضمان الجريرة المقدّم على الإمامة.

فوائد :

الأُولى : كل وارث مناسب أو مسابب إمّا سمّى الله تعالى له في كتابه سهماً معيناً أو لا ، والأوّل يسمّى ذا فرض ، والثاني قرابة. والأوّل إمّا سمّى له في جميع حالاته ، أو في حالة دون اخرى. فالوارث ثلاثة :

الأوّل : ذو فرض لا غير إلاّ على الردّ ، وهو ثلاثة أصناف : الأُم ، قال الله تعالى ( وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ) (١).

سمّى لها في جميع حالاتها سهماً معيناً.

والزوجان ، قال الله سبحانه ( وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ ) (٢).

وقال ( وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ ) (٣).

وكلالة الام ، اتّحدت أم تعدّدت ، قال عزّ شأنه ( وَإِنْ كانَ رَجُلٌ

__________________

(١) النساء : ١١.

(٢) النساء : ١٢.

(٣) النساء : ١٢.

١٣

يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ ) (١).

الثاني : ذو فرض تارة وقرابة اخرى ، وهو أيضاً ثلاثة أصناف : الأب ، فيرث بالفرض إذا اجتمع مع الولد ، قال تعالى ( وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ ) (٢).

وبالقرابة إذا انفرد ، قال ( فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ) (٣).

فرض للُام على تقديري وجود الولد وعدمه ، ولم يجعل للأب على الأخير فرضاً فيرث حينئذٍ بالقرابة.

والبنت والبنات ، فيرثن بالقرابة إذا دخل عليهن الذكر ، قال عزّ من قائل ( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) (٤).

فلم يجعل لهن حينئذٍ فرضاً.

وبالفرض إذا انفردن ، قال سبحانه ( فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ). (٥)

والأُخت من قبل الأبوين أو الأب ، اتّحدث أم تعدّدت ، فيرثن بالقرابة إذا دخل عليهن ذكر من الأب ، قال سبحانه ( وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) (٦).

وبالفرض إذا انفردن أو دخلت عليهن كلالة الأُم ، قال عزّ شأنه ( إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ ) (٧).

__________________

(١) النساء : ١٢.

(٢) النساء : ١١.

(٣) النساء : ١١.

(٤) النساء : ١١.

(٥) النساء : ١١.

(٦) النساء : ١٧٦.

(٧) النساء : ١٧٦.

١٤

الثالث : ذو قرابة لا غير ، وهم الباقون.

ثم إنّ ما ذكرنا من التقسيم هو الموافق للدروس (١) ، وهو أحسن ما ذكر في هذا المقام ، ولكنّه يصحّ إذا لم يجعل الردّ داخلاً في القرابة ، أو قطع النظر عنه ، وهو بعيد ، بل خلاف مدلول كلمات القوم.

ولذا قسّمه (٢) بعضهم بأنّه إمّا ذو فرض أو قرابة ، والأوّل إمّا ذو فرض دائماً ، أو في حالة دون أُخرى ، أو ذو فرض وقرابة معاً كما في صورة الرد.

وهذا وإن كان أتم من الأوّل إلاّ أنّه يخرج منه قسم رابع : وهو من يرث بالفرض في حالة ، وبالقرابة في أُخرى ، وبهما معاً في ثالثة ، كالأب يرث بالفرض مع مجامعة الذكر من الولد ، وبالقرابة إذا انفرد أو جامع الام ، وبهما معاً مع مجامعة البنت أو البنات.

وبالجملة ما عثرت في عباراتهم في هذا المقام على كلام خالٍ عن القصور والخلل ، إما استقصاءً ، أو تعبيراً ، أو تمثيلاً ، أو معنى. وأكثرها خللاً كلام المسالك (٣) ، كما لا يخفى على المتدبر فيه.

والأولى في التقسيم أن يقال : الوارث إمّا يرث بالفرض أو بالقرابة ؛ وعلى الأوّل إمّا يكون كذلك دائماً ، أو في حال دون حال ؛ وعلى الأوّل إمّا لا يرث إلاّ بالفرض ، أو لا يرث إلاّ به وبالقرابة معاً ، أو يرث به في حال وبهما في أُخرى ، وكذلك على الثاني فيما يرث به.

وهذه الأقسام وإن جرت فيمن يرث بالقرابة أيضاً ، إلاّ أنّ غير واحد من أقسامها يرجع إلى أقسام ذي الفرض.

__________________

(١) الدروس ٢ : ٣٣٣ ، ٣٣٤.

(٢) أي الوارث ( منه قدس‌سره ).

(٣) المسالك ٢ : ٣٠٩.

١٥

أو يقال : إنّ الوارث إما ذو فرض دائماً أو قرابة كذلك ، أو ذو فرض في حالة وقرابة في أُخرى ؛ فالأوّل إمّا ذو فرض محض دائماً ، أو مع القرابة كذلك ، أو محض في حال ومعها في أُخرى ؛ والثاني أيضاً إمّا قرابة محضة دائماً أو مع الفرض كذلك ، أو محضة في حال ومعه في أُخرى.

وإن شئت أمثلة هذه الأقسام فارجع إلى هذين الجدولين (١).

الثانية : الوارث إن لم يكن ذا فرض فالمال له ، اتّحد أم تعدّد ، وإن كان ذا فرض أخذ فرضه كذلك ، فإن فضل شي‌ء يردّ عليه على التفصيل الآتي. وفي الردّ على الزوجين خلاف يأتي.

ولو نقصت الفريضة عن ذوي الفروض دخل النقص على بعضهم على ما سيجي‌ء.

ولا تعصيب عندنا في الأوّل ، كما لا عول كذلك في الثاني ، كما يأتي.

الثالثة : إذا اجتمع لوارث موجبان نسبيان أو سببيان ، أو نسبي وسببي أو أكثر يرث بالجميع إذا لم يكن هناك من هو أقرب منه فيهما أو في أحدهما ، ولم يكن أحدهما مانعاً من الآخر ، فإن كان هناك أقرب منه فيهما فلا يرث بشي‌ء منهما ، أو في أحدهما فلا يرث به وحده ، أو كان أحدهما مانعاً فلا يرث بالممنوع.

ثم الموجبان إما يوجبان بالفرض ، أو بالقرابة ، أو بعض بالفرض وبعض بالقرابة ، وفي جميع الصور لكلٍّ حكمه. ولا يمنع ذو الموجبين من هو في طبقته من ذوي الموجب الواحد.

ولمّا كانت الصور المتصورة ثمانية وأربعين ، الحاصلة بضرب ثمانية صور اجتماع الموجبين أو أكثر ، في اثنين المانع أحدهما عن الآخر وغيره ، ثمّ‌

__________________

(١) الجدولان غير مثبتين في النسخ التي بأيدينا ، وذكر في هامش النسخة الحجرية أن هذين الجدولين غير مرقومين في نسخة الأصل.

١٦

ضرب الستّة عشر في الثلاثة كونهما موجبين بالفرض أو بالقرابة أو بعض بالفرض وبعض بالقرابة ، وكان بعض هذه الصور ممكن الوقوع وبعضها ممتنع الوقوع ، فرسمنا هذا الجدول لبيان ما يمكن وقوعه ومثالهُ وما يمتنع : ثمّ الصور وإن تصاعدت بضربها في الثلاثة : وجود من هو أقرب فيهما ، أو في أحدهما ، وعدم الأقرب مطلقاً ، ولكن تركنا بيانها لوضوحها عند من أحاط بالصور الثمانية والأربعين.

١٧

المقدّمة الثالثة

في بيان موانع الإرث ولواحقها‌

وهي أُمور :

الأوّل : الكفر.

والمراد به كل ما يُخرج معتقده عن الإسلام ، سواء كان حربياً أو ذميّاً أو مرتدّا أو منتحلاً للإسلام كالخوارج والغلاة.

وفيه مسائل :

المسألة الأُولى : الكافر بأنواعه لا يرث المسلم ولا من في حكمه وإن قرب‌ ، كافراً كان المسلم في الأصل أو لا ، خلّف وارثاً غيره أم لا.

للإجماع المحقّق والمحكي في المسالك والتنقيح وظاهر الكفاية والمفاتيح (١).

والروايات المستفيضة المعتضدة بعمل الأصحاب ، كصحيحة أبي بصير وفي آخرها : « وإن لم يسلم من قرابته أحد فإنّ ميراثه للإمام » (٢).

وصحيحة أبي ولاّد (٣) : « المسلم يرث امرأته الذمّية ولا ترثه » (٤).

__________________

(١) المسالك ٢ : ٣١١ ، التنقيح ٤ : ١٣٢ ، كفاية الأحكام : ٢٨٩ ، المفاتيح ٣ : ٣١١.

(٢) الكافي ٧ : ١٤٤ ، ٢ ، الفقيه ٤ : ٢٤٤ ، ٧٨٧ ، التهذيب ٩ : ٣٦٩ ، ١٣١٦ ، الوسائل ٢٦ : ٢٠ أبواب موانع الإرث ب ٣ ح ١.

(٣) وكون رواية أبي ولاّد صحيحة إنما هو على طريق الفقيه ، حيث إنه روى عن السّراد ، وطريقه إليه صحيح ( منه قدس‌سره ).

(٤) الكافي ٧ : ١٤٣ ، ٦ ، الفقيه ٤ : ٢٤٤ ، ٧٨٤ ، التهذيب ٩ : ٣٦٦ ، ١٣٠٦ ، الإستبصار ٤ : ١٩٠ ، ٧١٠ ، الوسائل ٢٦ : ١١ أبواب موانع الإرث ب ١ ح ١.

١٨

وموثّقة سماعة : عن المسلم هل يرث المشرك؟ فقال : « نعم ، فأما المشرك فلا يرث المسلم » (١) وقريبة منها موثقته الأُخرى (٢).

وحسنة جميل وهشام : فيما روى الناس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « لا يتوارث أهل ملتين » فقال : « نرثهم ولا يرثونا ، إنّ الإسلام لم يزده إلاّ عزّاً في حقه » (٣).

وفي الكافي : « لم يزده في حقه إلاّ شدة » (٤).

وحسنة محمد بن قيس قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : « لا يرث اليهودي والنصراني المسلم ، ويرث المسلم اليهودي والنصراني » (٥).

ورواية الحسن بن صالح : « المسلم يحجب الكافر ويرثه ، والكافر لا يحجب المؤمن ولا يرثه » (٦).

ورواية أبي العباس : « لا يتوارث أهل ملتين ، يرث هذا هذا ، وهذا هذا ، إلاّ أنّ المسلم يرث الكافر ، والكافر لا يرث المسلم » (٧).

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٢٤٤ ، ٧٨١ ، الوسائل ٢٦ : ١٣ أبواب موانع الإرث ب ١ ح ٥.

(٢) الكافي ٧ : ١٤٣ ، ٣ ، التهذيب ٩ : ٣٦٦ ، ١٣٠٤ ، الإستبصار ٤ : ١٩٠ ، ٧٠٨ ، الوسائل ٢٦ : ١٣ أبواب موانع الإرث ب ١ ح ٥.

(٣) التهذيب ٩ : ٣٦٥ ، ١٣٠٢ ، الإستبصار ٤ : ١٨٩ ، ٧٠٦ ، الوسائل ٢٦ : ١٥ أبواب موانع الإرث ب ١ ح ١٤.

(٤) الكافي ٧ : ١٤٢ ، ١.

(٥) الكافي ٧ : ١٤٣ ، ٢ ، الفقيه ٤ : ٢٤٤ ، ٧٨٦ ، التهذيب ٩ : ٣٦٦ ، ١٣٠٣ ، الإستبصار ٤ : ١٩٠ ، ٧٠٧ ، الوسائل ٢٦ : ١٣ أبواب موانع الإرث ب ١ ح ٧.

(٦) الكافي ٧ : ١٤٣ ، ٥ ، الفقيه ٤ : ٢٤٤ ، ٧٨٣ ، التهذيب ٩ : ٣٦٦ ، ١٣٠٧ ، الإستبصار ٤ : ١٩٠ ، ٧١١ ، الوسائل ٢٦ : ١١ أبواب موانع الإرث ب ١ ح ٢.

(٧) التهذيب ٩ : ٣٦٧ ، ١٣١٣ ، الإستبصار ٤ : ١٩١ ، ٧١٧ ، الوسائل ٢٦ : ١٥ أبواب موانع الإرث ب ١ ح ١٥.

١٩

وقول الباقر والصادق عليهما‌السلام في روايتي ابني أعين (١) بعد سؤالهما عن النصراني يموت وله ابن مسلم ، أيرثه؟ : « نعم ، إنّ الله لم يزده بالإسلام إلاّ عزّاً ، فنحن نرثهم ولا يرثونا » (٢).

وقريب منه قول الأوّل في رواية أُخرى (٣) لأحدهما (٤).

وروايته عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا يتوارث أهل ملّتين ، نحن نرثهم ولا يرثونا ، إنّ الإسلام لم يزده في ميراثه إلاّ شدة » (٥).

وقريب منه روايته الأُخرى (٦).

ورواية أبي خديجة (٧) : « لا يرث الكافر المسلم ، وللمسلم أن يرث الكافر » (٨).

__________________

(١) عبد الله بن أعين وعبد الرحمن بن أعين ، والأول روى عن الباقر والثاني عن الصادق عليهما‌السلام ( منه قدس‌سره ).

(٢) الموجود في المصادر قول الباقر عليه‌السلام فقط في كلتي الروايتين : رواية عبد الله بن أعين في الكافي ٧ : ١٤٣ ، ٤ ، والتهذيب ٩ : ٣٦٦ ، ١٣٠٥ ، رواية عبد الرحمن بن أعين في الفقيه ٤ : ٢٤٣ ، ٧٨٠ ، والاستبصار ٤ : ١٩٠ ، ٧٠٩ ، ورواهما في الوسائل ٢٦ : ١٢ أبواب موانع الإرث ب ١ ح ٤.

(٣) وهو قول أبي جعفر عليه‌السلام لعبد الرحمن بن أعين ، التهذيب ٩ : ٣٧٠ ، ١٣٢١ ، الإستبصار ٤ : ١٩٢ ، ٧١٩ ، الوسائل ٢٦ : ١٦ أبواب موانع الإرث ب ١ ح ١٩.

(٤) أي أحد ابني أعين وهو عبد الرحمن ( منه قدس‌سره ).

(٥) الفقيه ٤ : ٢٤٤ ، ٧٨٢ ، الوسائل ٢٦ : ١٣ أبواب موانع الإرث ب ١ ح ٦. وفيهما « عزّاً » بدل « شدّة ».

(٦) التهذيب ٩ : ٣٦٧ ، ١٣١٢ ، الإستبصار ٤ : ١٩١ ، ٧١٦ ، الوسائل ٢٦ : ١٥ أبواب موانع الإرث ب ١ ح ١٧.

(٧) أبي خديجة هذا هو سالم بن مكرم ، ولا يبعد توثيقه فتكون الرواية صحيحة ، إذ ليس في رجاله من يتوقف في شأنه دونه ( منه قدس‌سره ).

(٨) الفقيه ٤ : ٢٤٤ ، ٧٨٥ ، التهذيب ٩ : ٣٧٢ ، ١٣٢٩ ، الوسائل ٢٦ : ١٢ أبواب موانع الإرث ب ١ ح ٣.

٢٠