مستند الشّيعة - ج ١٨

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٨

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-204-0
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٤٥

ويمكن أن يكون تعبيرهم بالشجاج والجراح أنّه هو العمل الصادر المشهود به والمحسوس غالباً ، وأمّا زهوق الروح المتحقّق به القتل فهو مسبّبٌ به ، لا يدركه الصبي غالباً.

وبالجملة : بعد ما ذكرنا تعلم وقوع الخلاف في القتل أيضاً ، فلا مناص عن الأخذ بالرواية الدالّة عليه.

نعم ، يشكل الأمر في الشجاج والجراح اللذين لم يترتّب عليهما القتل. والحقّ عدم القبول فيهما ؛ اقتصاراً فيما يخالف الأصل على موضع النصّ ، وعدم ثبوت الإجماع المركّب ، ولا يفيد الاستدلال بإطلاق رواية طلحة المنجبر ضعفها لو كان في المقام بالإجماع المنقول ، خرج غير الشجاج والجراح بالدليل فيبقى الباقي ؛ لخروجهما أيضاً بروايتي ابن حمران وجميل غاية الأمر تعارضهما بالعموم من وجه والرجوع إلى الأصل.

المسألة الرابعة : الصبي البالغ عشراً إلى أن يبلغ كالمميّز الذي له دون العشر على الأقوى ، فلا تقبل شهادته في غير الجنايات ، وتقبل فيها.

أمّا الأول : فهو الأشهر ، بل عليه غير من شذّ وندر ، ويستفاد من جماعةٍ الإجماع عليه (١).

ويدلّ عليه الأصل ، والإجماع ، والأخبار المتقدّمة الخالية عن المعارض ، سوى روايتي إسماعيل وطلحة (٢) ، المعارضتين لها بالعموم من وجه ، المرجوحتين بالشذوذ وغيره ، مضافاً إلى عدم حجّية أُوليهما كما مرّ ، بل الثانية أيضاً ؛ للشذوذ.

__________________

(١) كما في الإيضاح ٤ : ٤١٧ ، الرياض ٢ : ٤٢٤.

(٢) المتقدمتين في ص : ١١.

٢١

خلافاً لشاذّ نَقَله جماعةٌ من الأصحاب قائلاً أكثرهم بشذوذه (١) ، بل عن عميد الرؤساء أنّه قال : إلى الآن لم نظفر بهذا القول (٢).

وأمّا الثاني : فهو في الجملة إجماعي ، كما يظهر من الانتصار والمهذّب والغنية وشرح الشرائع للصيمري والتنقيح وكلام التقي والمسالك والروضة (٣) ، وغيرها (٤).

والخلاف إنّما هو فيما يقبل فيه منها ، فمنهم من صرّح بقبوله في الجراح والقصاص ، كالمفيد والشيخ في النهاية والحلّي (٥) وجمعٍ آخر (٦) ، بل الأكثر كما في المسالك (٧) وغيره (٨).

ومنهم من ذكر الجراح خاصّة ، كالفاضلين وابن زهرة والخلاف والشهيد (٩) ، وفي الدروس خصّ الجراح بما لم يبلغ النفس (١٠).

فإن قلنا بإرادتهم من الجراح ما يشمل القتل أيضاً كما هو المستفاد‌

__________________

(١) كما في المختصر : ٢٨٦ ، الرياض ٢ : ٤٢٤.

(٢) حكاه عنه في الرياض ٢ : ٤٢٦.

(٣) الانتصار : ٢٥٠ ، المهذب البارع ٤ : ٥٠٨ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٥ ، التنقيح ٤ : ٢٨٥ ، نقله عن التقي في التنقيح ٤ : ٢٨٦ ، المسالك ٢ : ٤٠٠ ، الروضة ٣ : ١٢٥.

(٤) كالخلاف ٢ : ٦١٣.

(٥) المفيد في المقنعة : ٧٢٧ ، النهاية : ٣٣١ ، الحلّي في السرائر ٢ : ١٣٦.

(٦) كالسيّد في الانتصار : ٢٥٠ ، والعلاّمة في التحرير ٢ : ٢٠٧.

(٧) المسالك ٢ : ٤٠٠.

(٨) كالرياض ٢ : ٤٢٤.

(٩) المحقّق في الشرائع ٤ : ١٢٥ ، العلاّمة في القواعد ٢ : ٢٣٦ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٥ ، الخلاف ٢ : ٦١٣ ، الشهيد في اللمعة ( الروضة البهية ٣ ) : ١٢٥.

(١٠) الدروس ٢ : ١٢٣.

٢٢

من سياق كلام السيّدين ، حيث استندا بحديث الغلمان (١) ، وهو ظاهر المهذّب ، واحتمله في المسالك كما مرّ فيكون الاختلاف في مجرّد التعبير ، كما يستفاد من كلام بعضهم ، وجُعِلَ ذلك وجه نسبة المحقّق الاختلاف إلى عبارات الأصحاب (٢) ، ولكنه لا يتمّ في كلام الدروس.

وإن قلنا بإرادتهم ما يقابل القتل فيكون الاختلاف في ما تقبل به الشهادة.

ونقل في شرح المفاتيح التعبير بالقتل خاصّة أيضاً ، ونسبه إلى المشهور بين الأصحاب ، وإنّا لم نظفر به.

وكيف كان ، فلا ينبغي الريب في قبول شهادته في القتل ؛ للخبرين المتقدّمين (٣) ، المعتضدين بالخبرين الآخرين ، وبفتوى جمعٍ من عظماء الطائفة.

والقول بضعف الروايتين ضعيف ؛ لأنّ رواية جميل صحيحةٌ على المختار ـ وإن كان فيها إبراهيم بن هاشم ، وحسنته حجّةٌ كالصحيحة عند جماعة (٤) ؛ مع أنّ القبول في القتل مذهب الأكثر كما ذكره في المسالك وجمعٌ ممّن تأخّر عنه (٥).

ومن القائلين بقبوله الحلّي (٦) الذي لا يعمل بالآحاد ، إلاّ بعد احتفافها بالقرائن القطعيّة.

وأمّا الجراح الغير البالغ حدّا القتل فالقول فيه وإن لم يكن مستفاداً من‌

__________________

(١) انظر الانتصار : ٢٥١ ، والغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٥.

(٢) الشرائع ٤ : ١٢٥.

(٣) وهما رواية جميل ورواية محمّد بن حمران ، المتقدمتين في ص ١٠.

(٤) منهم صاحب الرياض ٢ : ٤٢٥.

(٥) انظر الرياض ٢ : ٤٢٤.

(٦) السرائر ٢ : ١٣٦.

٢٣

النصوص ، إلاّ أنّ ظاهرهم الإجماع عليه ، فالظاهر أنّه أيضاً كالقتل.

وخالف فيه فخر المحقّقين ، فاختار عدم القبول فيه (١) ، ونسبه المحقّق الأردبيلي إلى غيره أيضاً.

لقوله سبحانه ( وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ ) (٢).

ولحديث رفع القلم (٣) الدالّ على أنّه لا عبرة بأقواله وعدم الوثوق به ؛ لعلمه بعدم المؤاخذة ، وعدم قبول إقراره على نفسه.

واشتراط العدالة الغير المتحقّقة في الصبي.

والكلّ ضعيف ؛ لاختصاص الأول بغير الجنايات ، مع كون الأمر في الآية للإرشاد ، فلا يثبت الاختصاص.

وعدم دلالة رفع القلم على عدم العبرة ، وعدم توقّف حصول الاطمئنان بعلمه بالمؤاخذة ، وكون الأخير قياساً.

ومنع عدم تحقّق العدالة في الصبي كما ذكره المحقّق الأردبيلي ومنع « عموم اشتراطها لو لم يتحقّق فيه.

وهل يشترط في القبول عدم تفرّقهم إذا كانوا مجتمعين حذراً أن يُلَقَّنوا؟ كما نقله في المهذّب عن الخلاف وفي التنقيح عن التقي والمحقّق في الشرائع وحكي [ عن (٤) ] الفاضل في جملة من كتبه وعن الدروس واللّمعتين (٥).

__________________

(١) الإيضاح ٤ : ٤١٧.

(٢) البقرة : ٢٨٢.

(٣) الخصال : ٩٣ / ٤٠ ، الوسائل ٨ : ٢٤٩ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ٢.

(٤) ما بين المعقوفين ليس في « ح » و « ق » ، أضفناه لاستقامة المعنى.

(٥) الخلاف ٢ : ٦١٣ ، التنقيح ٤ : ٢٨٦ ، الشرائع ٤ : ١٢٥ ، الفاضل في التحرير ٢ : ٢٠٧ ، القواعد ٢ : ٢٣٦ ، الدروس ٢ : ١٢٣ ، اللمعة والروضة البهية ٣ : ١٢٥.

٢٤

الظاهر : نعم ؛ لمفهوم رواية طلحة (١) ، وهو وإن كان معارضاً لإطلاق الخبرين بالعموم من وجه ، إلاّ أنّه يوجب الرجوع إلى الأصل المانع عن القبول.

وأمّا اشتراط كونهم مجتمعين على أمرٍ مباح إذا كانوا مجتمعين كما ذكره جماعةٌ أيضاً (٢) فلا دليل له في القتل ، وأمّا الجراح فلمّا كان دليله الإجماع المخصوص بما تحقّق فيه ذلك الشرط يكون الموافق للدليل فيه الاشتراط ، إلاّ أنّ ثبوت الإطلاق في القتل وعدم الفصل بينه وبين الجراح في ذلك يرجّح العدم.

ولو اختلف كلامهم في الشهادة يؤخذ بالأول دون الآخر كما صرّح به الأكثر ، منهم : المفيد والسيّد والشيخ والتقي والمحقّق (٣) ؛ لخبري جميل ومحمّد بن حمران (٤) ، بلا معارضٍ لهما.

وهل يشترط في قبول شهادته تحقّق غير البلوغ من الشرائط الممكنة تحقّقها في غير البالغ ، أم لا؟

صرّح في المهذّب بالاشتراط.

أقول : الوجه : الرجوع في كلّ شرطٍ إلى دليله ، فيلاحظ أنّه هل يشمل الصبي أم لا ، ويفتى بمقتضاه.

ولا تلحق الصبيّة بالصبي كما صرّح به جماعة ، كالحلّي في السرائر‌

__________________

(١) المتقدّمة في ص ١١.

(٢) منهم المحقّق في الشرائع ٤ : ١٢٥ ، العلاّمة في القواعد ٢ : ٢٣٦ ، الشهيد في اللمعة ( الروضة البهية ٣ ) : ١٢٥.

(٣) المفيد في المقنعة : ٧٢٧ ، السيد في الانتصار : ٢٥٠ ، الشيخ في النهاية : ٣٣١ ، التقي في الكافي في الفقه : ٤٣٦ ، المحقق في النافع : ٢٨٦.

(٤) المتقدمين في ص ١٠.

٢٥

والفاضل في التحرير وشيخنا الشهيد الثاني في الروضة (١) اقتصاراً فيما يخالف الأصل على موضع الدليل.

الثاني من الشرائط : كمال العقل.

فلا تقبل شهادة المجنون بلا خلاف كما صرّح به كثير (٢) ، بل إجماعاً محقّقاً ومنقولاً (٣) ؛ وهو الحجّة فيه.

مضافاً إلى ما يدلّ على اشتراط العدالة كتاباً وسنّة ، وتحقّقها في غير العاقل غير معقول ، وتعارضه مع بعض العمومات لا يفيد ؛ إذ يرجع حينئذٍ إلى الأصل ، وإلى ما سيأتي في عدم قبول شهادة المغفّل ونحوه.

وقد يستدلّ (٤) بقوله تعالى ( مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ ) (٥) ، والمجنون ليس منه.

مع أنّ في تفسير الإمام : عن مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام في قوله تعالى ( مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ ) قال : « ممّن ترضون دينه ، وأمانته ، وصلاحه ، وعفّته ، وتيقّظه فيما يشهد به ، وتحصيله ، وتمييزه ، فما كلّ صالحٍ مميّزاً ولا محصّلاً ، ولا كلّ محصّلٍ مميّزٍ صالح » (٦).

وفيه : أنّه إنّما يفيد لو كانت في الآية دلالةٌ ، على عدم قبول شهادة‌

__________________

(١) السرائر ٢ : ١٣٦ ، التحرير ٢ : ٢٠٧ ، الروضة ٣ : ١٢٥.

(٢) منهم السبزواري في الكفاية : ٢٧٩ ، الكاشاني في المفاتيح ٣ : ٢٧٧.

(٣) كما في الشرائع ٤ : ١٢٦ ، وكشف اللثام ٢ : ١٨٩ ، والرياض ٢ : ٤٢٥.

(٤) كما في المسالك ٢ : ٤٠١ ، والرياض ٢ : ٤٢٥.

(٥) البقرة : ٢٨٢.

(٦) تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : ٦٧٢ / ٣٧٥ ، الوسائل ٢٧ : ٣٩٩ أبواب الشهادات ب ٤١ ح ٢٣.

٢٦

غير من ترضون ، ولا دلالة لها عليه ؛ إذ قد عرفت أنّ قوله ( فَاسْتَشْهِدُوا ) مقدّماً عليه للإرشاد.

وقد يستدلّ (١) أيضاً بقوله في صحيحة محمّد المتقدّمة : « إن عَقَلَه حين يدرك أنّه حقّ » (٢). وفيه تأمّل.

ومقتضى اشتراط العدالة في المجنون عدم القبول ولو وثق الحاكم بكونه معتاداً بالصدق ومطابقة الواقع في خبره كوثوقه بالعاقل.

وإن كان في بعض أفعاله كالمجانين دون بعض كالخائف بلا سبب ، أو الضاحك بلا عجب ، أو المتحرّك بلا داع فهو ليس مجنوناً ، ولكنّه مريض.

وذو الأدوار تقبل شهادته حال إفاقته مع الوثوق باستكمال فطنة ، بلا خلافٍ فيه أيضاً يوجد ؛ لزوال المانع ، وعموم الأدلّة.

وصرّح المتأخّرون من غير خلافٍ بينهم يعلم كما صرّح به بعضهم (٣) أنّ في حكم المجنون : المُغَفَّل كالمُعَطَّل وهو الذي لا يحفظ ولا يضبط ، ويدخل فيه التزوير والغلط. وهو البله كما صرّح به جماعة (٤) وكذا من يكثر غلطه ونسيانه ، ومن لم يتنبّه لمزايا الأُمور وتفاصيلها ، إلاّ أن يظهر إلى الحاكم عدم غفلته في خصوص ما يشهد به.

وتدلّ عليه العلّة المذكورة في موثّقة محمّد المتقدّمة (٥).

__________________

(١) كما في الرياض ٢ : ١٠.

(٢) راجع ص ١١.

(٣) انظر الرياض ٢ : ٤٢٥.

(٤) منهم المحقّق في الشرائع ٤ : ١٢٦ ، الشهيد في الدروس ٢ : ١٢٤ ، الفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٣٦٩.

(٥) في ص ٢٢٣٥.

٢٧

وقوله عليه‌السلام في مرسلة يونس : « فإذا كان ظاهره ظاهراً مأموناً جازت شهادته ولا يسأل عن باطنه » (١) ، فإنّ المراد بالمأمون إمّا المأمون من جميع الحيثيّات ، أو من جهة الشهادة ، وعلى التقديرين لا يشمل مثل المُغَفَّل.

ولو قيل باحتمال كونه مأموناً من الكذب ، قلنا : لا شكّ أنّه لا يتعيّن ذلك المعنى ، فلو احتمل يدخل الإجمال ، ويبطل بالعمومات الاستدلال ، ويبقى أصل عدم القبول.

وموثّقة سماعة : عمّا يردّ من الشهود ، فقال : « المريب ، والخصم ، والشريك » (٢) ، ولا شكّ أنّ المغفّل ونحوه مريب أي مُوقِع في الريب أو شكيك ، أي مورث للشكّ.

ورواية السكوني : « إنّ شهادة الأخ لأخيه تجوز إذا كان مرضيّاً ومعه شاهدٌ آخر » (٣).

والمرويّ في تفسير الإمام عليه‌السلام عند تفسير قوله تعالى ( مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ ) قال : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحكم بين الناس بالبيّنات والايمان » إلى أن قال : « فإن أقام بيّنةً يرضاها ويعرفها أنفذ الحكم » الحديث (٤).

فإنّ المراد بالمرضيّ أو يرضاها إمّا المختار في الشهادة ، أو من جميع‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤٣١ / ١٥ ، الفقيه ٣ : ٩ / ٢٩ ، التهذيب ٦ : ٢٨٣ / ٧٨١ ، الإستبصار ٣ : ١٣ / ٣٥ ، الوسائل ٢٧ : ٣٩٢ أبواب الشهادات ب ٤١ ح ٣ وفيه بتفاوتٍ يسير.

(٢) التهذيب ٦ : ٢٤٢ / ٥٩٩ ، الإستبصار ٣ : ١٤ / ٣٨ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧٨ أبواب الشهادات ب ٣٢ ح ٣.

(٣) التهذيب ٦ : ٢٨٦ / ٧٩٠ ، الوسائل ٢٧ : ٣٦٨ أبواب الشهادات ب ٢٦ ح ٥.

(٤) تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : ٦٧٣ / ٣٧٥ ٣٧٦ ، الوسائل ٢٧ : ٢٣٩ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٦ ح ١.

٢٨

الوجوه ، أو ما فسّره الإمام في تفسيره في الخبر الأول ، وعلى كلّ تقدير لا يشمل نحو المغفّل. واحتمال المعنى الآخر لو كان أيضاً يوجب الإجمال المسقط للاستدلال بالعمومات.

الثالث : الإسلام.

فلا تقبل شهادة الكافر مطلقاً.

لا لصدق الفاسق والظالم المنهيّ عن الركون إليه ؛ لاحتمال المناقشة فيهما بمنع الصدق في الأول ، وكونه ركوناً في الثاني.

ولا للإجماع ؛ لأنّه لا يثبت إلاّ في الجملة ، فلا يفيد في المطلق.

بل للأصل المتقدّم ، والأخبار ، كروايتي السكوني :

أُولاهما : « إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام كان لا يقبل شهادة فحّاش ، ولا ذي مخزيةٍ في الدين » (١).

والأُخرى : « لا تُقبَلُ شهادة ذي شحناء ، أو ذي مخزيةٍ في الدين » (٢).

والمرويّ في مجالس الصدوق : أخبِرني عمّن تقبل شهادته ومن لم تقبل ، فقال : « يا علقمة ، كلّ من كان على فطرة الإسلام جازت شهادته » الحديث (٣).

والأخبار الدالّة على أنّ مقبول الشهادة إنّما هو من ولد على الفطرة (٤).

بضميمة صحيحة ابن سنان : عن قول الله تعالى ( فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٩٦ / ٧ ، التهذيب ٦ : ٢٤٣ / ٦٠٣ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧٧ أبواب الشهادات ب ٣٢ ح ١.

(٢) الفقيه ٣ : ٢٧ / ٧٣ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧٨ أبواب الشهادات ب ٣٢ ح ٥.

(٣) الأمالي : ٩١ / ٣ ، الوسائل ٢٧ : ٣٩٥ أبواب الشهادات ب ٤١ ح ١٣.

(٤) الوسائل ٢٧ : ٣٩١ أبواب الشهادات ب ٤١.

٢٩

فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها ) (١) ما تلك الفطرة؟ قال : « هي الإسلام ، فطرهم حين أخذ ميثاقهم على التوحيد ، قال ( أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ) (٢) وفيهم المؤمن والكافر » (٣).

ومفهوم الشرط في رواية السكوني ، وفيها : « وكذلك اليهود والنصارى إذا أسلموا جازت شهادتهم » (٤).

والأُخرى : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : اليهودي والنصراني إذا شهدوا ثم أسلموا جازت شهادتهم » (٥).

وأخبار اشتراط العدالة والصلاح (٦) إن قلنا بعدم تحقّقهما في غير المسلم.

ولكن التحقيق : أنّ هذه الأخبار تعارض أخباراً أُخر مطلقة أو عامّة ـ مرّ شطرٌ منها ، ومنها ما يتضمّن قبول شهادة الضيف والأجير ونحوها (٧) ، ومنها ما يتضمّن قبول شهادة العدول (٨) إن قلنا بتحقّق العدالة في غير المسلم بالعموم من وجه ، الموجب للرجوع إلى الأصل أيضاً ، فهو الدليل على عدم القبول مطلقاً دون غيره.

مضافاً في عدم قبول شهادة الكافر على المسلم إلى الإجماع المحقّق ، وصحيحة الحذّاء : « تجوز شهادة المسلمين على جميع أهل‌

__________________

(١) الروم : ٣٠.

(٢) الأعراف : ١٧٢.

(٣) الكافي ٢ : ١٢ / ٢.

(٤) الفقيه ٣ : ٢٨ / ٨٠ ، التهذيب ٦ : ٢٥٠ / ٦٤٣ ، الوسائل ٢٧ : ٣٨٩ أبواب الشهادات ب ٣٩ ح ٨.

(٥) الكافي ٧ : ٣٩٨ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٢٥٣ / ٦٥٨ ، الوسائل ٢٧ : ٣٨٨ أبواب الشهادات ب ٣٩ ح ٥.

(٦) الوسائل ٢٧ : ٣٩١ أبواب الشهادات ب ٤١.

(٧) الوسائل ٢٧ : ٣٧١ أبواب الشهادات ب ٢٩.

(٨) الوسائل ٢٧ : ٣٩١ أبواب الشهادات ب ٤١.

٣٠

الملل ، ولا تجوز شهادة أهل الملل على المسلمين » (١).

وموثّقة سماعة : عن شهادة أهل الملّة ، قال : « لا تجوز إلاّ على أهل ملّتهم ، فإن لم يوجد غيرهم جازت شهادتهم على الوصيّة ؛ لأنّه لا يصلح ذهاب حقّ أحد » (٢).

وصحيحة ضريس : عن شهادة أهل ملّةٍ هل تجوز على رجلٍ من غير أهل ملّتهم؟ فقال : « لا ، إلاّ أن لا يوجد في تلك الحال غيرهم ، فإن لم يوجد غيرهم جازت شهادتهم في الوصيّة ؛ لأنّه لا يصلح ذهاب حق امرئٍ مسلم ، ولا تبطل وصيّته » (٣).

وأمّا غير هذه الصورة فلا دليل عليه سوى الأصل المذكور ، حتى في الشهادة للمسلمين ؛ لاختصاص الأخبار المخصوصة بالشهادة عليهم ، وكذا الإجماع ؛ لأنّ المذكور في عبارات الأصحاب هو ذلك ، ولا يعلم أنّ مرادهم المطلق ؛ لاحتمال الاختصاص ، بل يظهر من بعض كلماتهم ذلك ، قال في السرائر : لا يجوز قبول شهادة من خالف الإسلام على المسلمين إلى أن قال ـ : وتجوز شهادة المسلمين عليهم ولهم (٤). انتهى.

فإنّ ذكر القسمين في الأخير وأحدهما في الأول ظاهرٌ في الاختصاص ، فالمناط فيه هو الأصل أيضاً.

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٩٨ ، ١ ، التهذيب ٦ : ٢٥٢ ، ٦٥١ ، الوسائل ٢٧ : ٣٨٦ أبواب الشهادات ب ٣٨ ح ١.

(٢) الكافي ٧ : ٣٩٨ ، ٢ ، التهذيب ٦ : ٢٥٢ ، ٦٥٢ ، الوسائل ٢٧ : ٣٨٦ أبواب الشهادات ب ٣٨ ح ٢ وفيه صدر الحديث.

(٣) الكافي ٧ : ٣٩٩ ، ٧ ، التهذيب ٦ : ٢٥٣ ، ٦٥٤ ، الوسائل ١٩ : ٣٠٩ أبواب أحكام الوصايا ب ٢٠ ح ١ ، بتفاوت.

(٤) السرائر ٢ : ١٣٩.

٣١

وعلى هذا ، فيجب ترك الأصل فيما كان على خلافه دليل ، كما في شهادة الكافر على أهل ملّته ، كما اختاره الإسكافي والشيخ في النهاية والخلاف (١) ، ونسبه في الأخير إلى بعض أصحابنا ، وهو ظاهر الفاضل في المختلف بل صريحه (٢) ، ومال إليه في التنقيح والكفاية (٣).

وقد جعل بعض مشايخنا المعاصرين قول الخلاف والمختلف والتنقيح قولاً آخر غير ذلك ، بل جعله رجوعاً من الشيخ عن ذلك (٤) ، حيث قال بعد اختياره ذلك القول ـ : والوجه فيه إذا اختاروا الترافع إلينا ، فأمّا إذا لم يختاروا فلا يلزمهم ذلك (٥).

والظاهر أنّه ليس قولاً آخر ، بل هو بيانٌ لذلك القول ، يعني : أنّ عدم القبول مع اختلاف الملّة إذا ترافعوا إلينا ، فلا تقبل شهادة غير ملّتهم أو المسلم. وأمّا إذا لم يختاروا الترافع إلينا فلا يلزمهم إشهاد الموافق أو المسلم ، ولا يشترط في إجراء أحكامهم عليه ذلك ، بل يحكم بإجراء أحكامهم عليهم ، كسائر الأحكام من الحلف والطلاق وغيره.

وليس هذا التفصيل مختصّاً بالخلاف ، بل حكمه في النهاية أيضاً كذلك ، وكذا كلّ من يجوّز شهادة بعضهم لبعضٍ من أهل ملّتهم ، ولا يجوز مع الاختلاف.

وزاد في المختلف والتنقيح على قوله : إذا ترافعوا إلينا ، قوله : وعدّلوا‌

__________________

(١) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٧٢٢ ، النهاية : ٣٣٤ ، الخلاف ٢ : ٦١٤.

(٢) المختلف : ٧٢٢.

(٣) التنقيح ٤ : ٢٨٨ ، الكفاية : ٢٧٩.

(٤) الرياض ٢ : ٤٢٧.

(٥) الخلاف ٢ : ٦١٤.

٣٢

الشهود عندهم (١).

وغرضه بيان اشتراط العدالة في دينهم في قبول الشهادة أي كونه عادلاً بحسب دينهم كما ذكره أصحابنا في الشهادة على الوصيّة أيضاً. وليس قيداً زائداً في ذلك القول ، كما توهّمه في التنقيح (٢) ، وحمله على أنّ المراد تعديل الشهود عليه أيضاً ، كما يظهر من استدلاله له بموثّقة سماعة المتقدّمة ، الخالية عن المعارض رأساً.

واستدلّ في التنقيح أيضاً : بأنّ بعد تعديل الشهود عندهم يكون قضاءً بالإقرار ؛ لما تقدّم من أنّه إذا أقرّ الخصم بعدالة الشاهدين حكم عليه (٣).

وفيه أولاً : أنّ المراد من تعديل الشهود عندهم : كونهم عدولاً في ملّتهم ، لا عدولاً بإقرار الخصم.

وثانياً : أنّ الحكم على المشهود عليه بإقراره بالعدالة لأجل تحقّق تمام السبب من الشاهد العادل ، لا لأجل إقراره بالحقّ ، وإلاّ لزم الحكم لو أقرّ بعدالة الشاهد الواحد أيضاً ، وتمام السبب هنا فرع قبوله شهادة الكافر لمثله.

وثالثاً : أنّ حكم الحاكم بالشاهد العادل باعتراف الخصم إنّما هو إذا لم يعرف الحاكم فسقه ، والمفروض هنا عنده أنّ الحاكم يعلم فسقه.

نعم ، قيّد في الكفاية بقوله : وكونه مقبول الشهادة باعتقاد المدّعى عليه (٤).

ويمكن أن يكون مراده أيضاً أن يكون كذلك بحسب دينه وما يعتقده‌

__________________

(١) المختلف : ٧٢٢ ، التنقيح ٤ : ٢٨٨.

(٢) التنقيح ٤ : ٢٨٨.

(٣) التنقيح ٤ : ٢٨٨.

(٤) الكفاية : ٢٧٩.

٣٣

من الدين.

وزاد الإسكافي جواز شهادته على أهل سائر الملل غير المسلمين (١) ، وظاهر الخلاف أنّه أيضاً مذهب جماعة (٢).

ولعلّ دليله : صحيحة الحلبي ومحمّد : وهل تجوز شهادة أهل ملّةٍ على غير أهل ملّتهم؟ قال : « نعم ، إذا لم يجد من أهل ملّتهم جازت شهادة غيرهم ، إنّه لا يصلح ذهاب حقّ أحد » (٣).

وجوابها : أنّها معارضةٌ مع صحيحة ضريس وموثّقة سماعة (٤) ، فيرجع إلى الأصل ؛ مع أنّهما أخصّ مطلقاً منها ؛ لدلالتها على قبول الشهادة مع عدم الغير مطلقاً ، ودلالتهما بمعونة قطع الشركة بالتفصيل على اختصاص ذلك بالوصيّة.

هذا ، مع أنّه إن جعل مرجع ضمير : « ملّتهم » الثانية وضمير : « غيرهم » أهل الذمّة يفسد المعنى إن أُريدت ملّةٌ خاصّة ؛ إذ يصير المعنى : أنّه تجوز شهادة اليهودي ـ مثلاً على النصراني إن لم يوجد اليهودي.

وكذا إن ارجع ضمير « ملّتهم » إلى ما ذكر ، وضمير : « غيرهم » إلى غير أهل ملّتهم مع كونه خلاف الظاهر ؛ إذ يصير المعنى : أنّه إن لم يوجد اليهودي تجوز شهادة النصراني على النصراني.

وإن أُريد مطلق الذمّي يكون المعنى : إن لم يوجد الذمّي تقبل شهادة غير الذمّي ، أي الحربي أو المسلم.

والأول خلاف الإجماع منطوقاً.

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف : ٧٢٢.

(٢) الخلاف ٢ : ٦١٤.

(٣) الكافي ٧ : ٤ ، ٢ ، الفقيه ٣ : ٢٩ ، ٨٤ وفيه : عن عبيد الله بن علي الحلبي ، التهذيب ٩ : ١٨٠ ، ٧٢٤ ، الوسائل ١٩ : ٣١٠ أبواب أحكام الوصايا ب ٢٠ ح ٣ ، بتفاوت.

(٤) المتقدّمتين في ص ٢٩.

٣٤

والثاني مفهوماً ؛ إذ يدلّ على عدم قبول شهادة المسلم إن وجد اليهودي.

وإن جُعِلَ المرجعان : الغير ، حتى يكون المعنى : تجوز شهادة اليهودي ـ مثلا على النصراني إذا لم يوجد نصراني ، يصير مخالفاً للإجماع ؛ إذ لم يقل أحدٌ بذلك.

وظهر ممّا ذكرنا أنّه لم تخرج من الأصل إلا صورة واحدة ، وهي شهادة أهل كلّ ملّةٍ على أهل ملّته خاصّة.

وهل تقبل له؟

الظاهر : لا ؛ للأصل ، إلاّ إذا كانت عليه أيضاً فتسمع ؛ لأنّ قبول الشهادة عليه بالدليل ، وعدم قبولها له بالأصل ، والدليل مقدّمٌ على الأصل. ومنه يعلم قبول شهادة الكافر للمسلم وغيره على أهل ملّته أيضاً ؛ لما ذكر.

فروع :

أ : لا يختصّ قبول شهادة الكافر على أهل ملّته بالذمّي ، بل يعمّ جميع الكفّار ، كما هو ظاهر كلام الإسكافي والقاضي والسرائر والمسالك (١) وغيرها (٢) ، حيث عبّر بعضهم بأهل الملّة ، وبعضهم بالكافر ، وبعضهم بمن خالف الإسلام.

نعم ، عبّر بعضهم بأهل الذمّة ، وصرّح أيضاً في الإيضاح بالإجماع على عدم قبول شهادة الحربي مطلقاً (٣) ، ولكنّه إجماعٌ منقول ليس بحجّة.

__________________

(١) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٧٢٢ ، القاضي في المهذّب ٢ : ٥٥٧ ، وانظر السرائر ٢ : ١٣٩ ، المسالك ٢ : ٤٠١.

(٢) كالنهاية : ٣٣٤.

(٣) الإيضاح ٤ : ٤١٨.

٣٥

نعم ، لو قلنا باختصاص أهل الملّة الواردة في الأخبار المتقدّمة (١) بغير الحربي يختصّ بالذمّي ، ولكن فيه تأمّل.

ب : الكافر المنتحل إلى الإسلام كالمنكر لضروريّ الدين وكالمجبّرة والمجسّمة على القول بكفرهم ، لا تقبل شهادتهم ؛ للأصل المذكور ، ولكونهم ذوي مخزيةٍ في الدين. ولا تقبل لمثلهم أيضاً ؛ لعدم صدق الملّة عرفاً على طريقتهم.

ج : قد خرج من الأصل المذكور أيضاً : شهادة الذمّي للمسلم وعليه في الوصيّة بشروطٍ خاصّة تذكر ، بلا خلافٍ يظهر ، بل بالإجماع المحقّق والمنقول ، نقله ابن زهرة وفخر المحقّقين والصيمري (٢) ؛ لذلك ، ولقوله سبحانه ( أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ ) الآية (٣) ، على بعض تفاسيرها.

وقال في الخلاف ( مِنْكُمْ ) أي من أقاربكم ، و ( مِنْ غَيْرِكُمْ ) من الأجانب إن وقع الموت في السفر ولم يكن معكم أحدٌ من عشيرتكم فاستشهدوا أجنبيين على الوصيّة (٤).

والأول : هو المدلول عليه بالأخبار.

والثاني : مخالف للأصل والظاهر ، مع أنّه يثبت المطلوب بالإطلاق.

وللنصوص المستفيضة التي مرّ بعضها ، ويأتي بعضٌ آخر.

__________________

(١) راجع ص : ٢٩ و ٣٢.

(٢) ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٥ ، فخر المحققين في الإيضاح ٢ : ٦٣٥.

(٣) المائدة : ١٠٦.

(٤) الخلاف ٢ : ٦١٤ ، وفيه .. ذوا عدلٍ منكم » يعني من المسلمين « أو آخران من غيركم » يعني من أهل الذمّة.

٣٦

لا يقال : ليست هذه الأخبار مخصوصة بالمسلم ، بل هي عامّة ، فتعارض ما يدلّ على عدم قبول شهادة الكافر على المسلم كصحيحة الحذّاء (١) بالعموم من وجه ، فيرجع إلى الأصل.

ولا يتوهّم خصوصيّة صحيحة ضريس لقوله : « لا يصلح ذهاب حقّ امرئٍ مسلم » (٢) ؛ لأنّ هذا المسلم إمّا الموصي أو الموصى له ، والمشهود عليه هو الوارث ، ولم يصرّح بكونه مسلماً. ومنه يظهر عدم خصوصيّة رواية حمزة الآتية المتضمّنة لقوله : « إذا مات الرجل المسلم ».

لأنّا نقول : بعد كون الموصي مسلماً يكون وارثه أيضاً كذلك ؛ لعدم إرث الكافر من المسلم ، فتكون رواية حمزة أخصّ مطلقاً.

ولو سلّم العموم من وجه لكان الترجيح أيضاً لأخبار القبول ؛ للموافقة لعموم الكتاب ، بل خصوصه بالتقريب المذكور ؛ حيث إنّ الموصي فيه مسلمٌ قطعاً ، كما هو مقتضى الخطاب فيه.

ويشترط في قبولها أُمور :

منها : عدم وجود مسلم ، والظاهر كونه إجماعيّاً أيضاً ؛ وتدلّ عليه صحيحة ضريس وموثّقة سماعة المتقدّمتين (٣) ، وصحيحة هشام : في قول الله تعالى ( أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ ) قال : « إذا كان الرجل في أرض غربة لا يوجد فيها مسلم جازت شهادة من ليس بمسلم على الوصيّة » (٤).

ولرواية يحيى بن محمّد : عن قول الله تعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ

__________________

(١) المتقدّمة في ص ٢٨.

(٢) راجع ص ٢٩.

(٣) في ص ٢٩.

(٤) الكافي ٧ : ٣٩٨ ، ٦ ، التهذيب ٦ : ٢٥٢ ، ٦٥٣ ، الوسائل ٢٧ : ٣٩٠ أبواب الشهادات ب ٤٠ ح ٣.

٣٧

آمَنُوا ) الآية ، قال : « اللذان منكم مسلمان ، واللذان من غيركم من أهل الكتاب ، فإن لم تجدوا من أهل الكتاب فمن المجوس » إلى أن قال : « وذلك إذا مات الرجل في أرض غربة فلم يجد مسلمَين أشهدَ رجلين من أهل الكتاب يحبسان بعد العصر ، فيقسمان بالله » إلى أن قال : « وذلك إن ارتاب وليّ الميّت في شهادتهما » الحديث (١).

ورواية حمزة بن حمران : عن قول الله عزّ وجلّ ( ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ ) قال : فقال : « اللذان منكم مسلمان ، واللذان من غيركم من أهل الكتاب » فقال : « إنّما ذلك إذا مات الرجل المسلم في أرض غربة ، وطلب رجلين مسلمين ليشهدهما على وصيّته ، فلم يجد مسلمين ، فليشهد على وصيّته رجلين ذمّيّين من أهل الكتاب ، مرضيّين عند أصحابهما » (٢).

وصحيحة أحمد بن عمر ، وفيها : « اللذان منكم مسلمان واللذان من غيركم من أهل الكتاب ، فإن لم يجد من أهل الكتاب فمن المجوس » إلى أن قال : « وذلك إذا مات الرجل بأرض غربة فلم يجد مسلمَين يشهدهما فرجلان من أهل الكتاب » (٣).

ومرفوعة عليّ بن إبراهيم ، وهي طويلة ، وفيها : « فأطلق الله تعالى شهادة أهل الكتاب على الوصيّة فقط إذا كان في سفرٍ ولم يجد المسلمَين » (٤) ، وبها يقيّد إطلاق الآية.

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤ ، ٦ ، الفقيه ٤ : ١٤٢ ، ٤٨٧ ، التهذيب ٩ : ١٧٨ ، ٧١٥ ، الوسائل ١٩ : ٣١١ أبواب أحكام الوصايا ب ٢٠ ح ٦.

(٢) الكافي ٧ : ٣٩٩ ، ٨ ، التهذيب ٦ : ٢٥٣ ، ٦٥٥ ، الوسائل ١٩ : ٣١٢ أبواب أحكام الوصايا ب ٢٠ ح ٧.

(٣) الفقيه ٣ : ٢٩ ، ٨٥ ، الوسائل ٢٧ : ٣٩٠ أبواب الشهادات ب ٤٠ ح ٢.

(٤) الكافي ٧ : ٥ ، ٧ ، تفسير القمي ١ : ١٨٩ ، المحكم والمتشابه : ٧٦ ، الوسائل ١٩ : ٣١٤ أبواب أحكام الوصايا ب ٢١ ح ١.

٣٨

وهل الشرط عدم وجود مسلم عدل مطلقاً ولو امرأة ، أو عدم رجل مسلم كذلك ، أو عدم رجلين مسلمين كذلك ، أو عدم عدلين مسلمين؟

اختلفت في التعبير في هذا المقام كلمات الأصحاب ، فبين مشترطٍ لعدم المسلم الشامل للواحد والمتعدّد الفاسق والعادل ، كالنافع والمبسوط (١).

وأظهر منه كلام الشيخ في النهاية في باب الوصايا ، قال : ولا تجوز شهادة من ليس على ظاهر الإسلام في الوصيّة ، إلاّ عند الضرورة وفقد المسلم ، بأن يكون الموصي في موضعٍ لا يجد فيه أحداً من المسلمين ليشهده على وصيّته ، فإنّه يجوز والحال هذه أن يشهد نفسين من أهل الذمّة ممّن ظاهره الأمانة عند أهل ملّته ، ولا تجوز شهادة غير أهل الذمّة على حال (٢). انتهى.

وهو الظاهر ممّا نقل في المختلف عن المقنعة والعماني والديلمي والحلّي والقاضي (٣).

ولعدم المسلمَين كالإسكافي (٤).

والحلبي يشملُ العدلَ المسلم (٥) كالشرائع ، قال : إذا لم يوجد من عدول المسلمين من يشهد بها (٦).

ولعدم عدول المسلمين ، كما في القواعد والإيضاح والمسالك (٧).

ولعدم المسلمَين العدلَين ، كبعض شرّاح المفاتيح.

__________________

(١) النافع : ٢٨٧ ، المبسوط ٨ : ١٨٧.

(٢) النهاية : ٦١٢.

(٣) المختلف : ٧٢٢.

(٤) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٧٢٢.

(٥) الكافي في الفقه : ٤٣٦.

(٦) الشرائع ٤ : ١٢٦.

(٧) القواعد ٢ : ٢٣٦ ، الإيضاح ٤ : ٤١٨ ، المسالك ٢ : ٤٠١.

٣٩

ولا يخفى أن مقتضى إطلاق الروايتين الأُوليين (١) أنّ الشرط فقد المسلم مطلقاً ولو كان واحداً أُنثى ، إلاّ أنّ مقتضى ما بعدهما من الأخبار المعبّرة بالمسلم الذي هو حقيقة في الذكر فتخرج الأُنثى.

والمستفاد من الأربعة الأخيرة اشتراط فقد رجلين مسلمين ، ولكونها أخصّ مطلقاً من الطائفة الأُولى يجب تخصيصها بها ، فتقبل مع وجود رجلٍ مسلمٍ ولو عدل.

وأمّا اشتراط فقد العدلين من المسلمين ، فتقبل مع وجود المسلمين الفاسقين أيضاً ، أم لا فلا تقبل مع وجودهما؟

ظاهر إطلاق أكثر الأخبار : عدم الاشتراط ، وليست في الآية دلالةٌ على الاشتراط ، إلاّ أنّ ظاهر قوله : « ليشهدهما » في رواية حمزة ، و : « يشهدهما » في صحيحة أحمد بن عمر الاشتراط ؛ لأنّ العدلَين هما اللذان يشهدان فتؤثّر شهادتهما.

وحمل الإشهاد على الإحضار وسماع الشهادة سواء قُبِلَت أم لا خلاف الظاهر المتبادر ، وكذلك ظاهر التعليل في الروايتين الأُوليين ؛ إذ لو لم تقبل شهادة الكافر مع وجود مسلمَين فاسقَين والمفروض عدم كفاية شهادة الفاسقين أيضاً يذهب الحقّ.

فإن قيل : فلتقبل حينئذٍ شهادة الفاسقَين دون الكافرَين.

قلنا : الظاهر أنّه خلاف الإجماع ، ولكن المنقول عن التذكرة تقديم المسلمَين المجهولَين ، بل الفاسقان المتحرّزان عن الكذب (٢). واحتمله الأردبيلي (٣).

__________________

(١) أي موثقة سماعة وصحيحة ضريس المتقدّم نصّهما في ص ٢٩.

(٢) التذكرة ٢ : ٥٢٢.

(٣) زبدة البيان : ٤٧٤.

٤٠