مستند الشّيعة - ج ٨

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٨

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-83-3
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٣٤٨

١
٢

٣
٤

لباب الثاني :

في صلاة الجماعة‌

والكلام إمّا في فضلها ، أو فيما فيه الجماعة من الصلوات ، أو فيما به الجماعة أي تتحقّق الجماعة به ، أو في شرائطها وآدابها ولوازمها ، أو في أحكامها.

فهاهنا مقدّمة وفصول.

٥
٦

المقدمة :

في فضل صلاة الجماعة.

اعلم أنّ فضلها عظيم وثوابها جسيم ، قال الله سبحانه ( وَارْكَعُوا مَعَ الرّاكِعِينَ ) (١).

وقد ورد في فضلها وذمّ تاركها ضروب من التأكيدات ما كاد يلحقها بالواجبات.

فمن الأوّل صحيحة ابن سنان : « الصلاة في جماعة تفضل على صلاة الفذّ بأربع وعشرين درجة » (٢).

والفذّ بالفاء والذال المعجمة والتشديد : الفرد.

وحسنة زرارة : ما يروي الناس أنّ الصلاة في جماعة أفضل من صلاة الرجل وحده بخمسة وعشرين صلاة؟ فقال : « صدقوا » فقلت : الرجلان يكونان جماعة؟ فقال : « نعم » (٣).

ورواية محمّد بن عمّار : عن الرجل يصلّي المكتوبة وحده في مسجد الكوفة أفضل أو صلاته في جماعة؟ فقال : « الصلاة في جماعة أفضل » (٤).

هذا ، مع ما ورد : « أنّ الصلاة المكتوبة في مسجد الكوفة لتعدل بألف صلاة ، وأنّ النافلة فيه لتعدل بخمسمائة صلاة ، وأنّ الجلوس فيه بغير تلاوة ولا‌

__________________

(١) البقرة : ٤٣.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٥ ـ ٨٥ ، ثواب الأعمال : ٣٧ ، الوسائل ٨ : ٢٨٥ أبواب صلاة الجماعة ب ١ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٣٧١ الصلاة ب ٥٤ ح ١ ، التهذيب ٣ : ٢٤ ـ ٨٢ ، الوسائل ٨ : ٢٨٦ أبواب صلاة الجماعة ب ١ ح ٣.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٥ ـ ٨٨ ، الوسائل ٥ : ٢٤٠ أبواب أحكام المساجد ب ٣٣ ح ٤.

٧

ذكر لعبادة » (١).

ومرسلة الفقيه : « من صلّى الغداة والعشاء الآخرة في جماعة فهو في ذمّة الله عزّ وجلّ » (٢).

والمروي في روض الجنان عن كتاب الإمام والمأموم للشيخ أبي محمّد جعفر ابن أحمد القمي ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أتاني جبرئيل مع سبعين ألف ملك بعد صلاة الظهر ، فقال : يا محمّد ، إنّ ربك يقرئك السلام وأهدى إليك هديّتين. قلت : ما تلك الهديّتان؟ قال : الوتر ثلاث ركعات والصلاة الخمس في جماعة. قلت : يا جبرئيل ، ما لأمّتي في الجماعة؟ قال : يا محمّد ، إذا كانا اثنين كتب الله لكلّ واحد بكلّ ركعة مائة وخمسين صلاة ، وإذا كانوا ثلاثة كتب الله لكلّ واحد بكلّ ركعة ستّمائة صلاة ، وإذا كانوا أربعة كتب الله لكلّ واحد بكلّ ركعة ألفا ومائتي صلاة ، وإذا كانوا خمسة كتب الله لكلّ واحد منهم بكلّ ركعة ألفين وأربعمائة صلاة ، وإذا كانوا ستّة كتب الله لكلّ واحد منهم بكلّ ركعة أربعة آلاف وثمانمائة صلاة ، وإذا كانوا سبعة كتب الله لكلّ واحد منهم بكلّ ركعة تسعة آلاف وستّمائة صلاة ، وإذا كانوا ثمانية كتب الله لكلّ واحد منهم بكلّ ركعة تسعة عشر ألفا ، ومائتي صلاة ، وإذا كانوا تسعة كتب الله لكلّ واحد منهم بكلّ ركعة ستّة وثلاثين ألفا وأربعمائة صلاة ، وإذا كانوا عشرة كتب الله لكلّ واحد منهم بكلّ ركعة سبعين ألفا وألفين وثمانمائة صلاة ، فإن زادوا على العشرة فلو صارت السماوات كلّها مدادا والأشجار أقلاما والثقلان مع الملائكة كتّابا لم يقدروا أن يكتبوا ثواب ركعة. يا محمّد ، تكبيرة يدركها المؤمن مع الإمام خير من ستّين ألف حجّة وعمرة وخير من الدنيا وما فيها بسبعين ألف مرّة ، وركعة يصلّيها المؤمن مع الإمام خير من مائة ألف دينار يتصدّق بها على المساكين ، وسجدة يسجدها‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٩٠ الصلاة ب ١٠٧ ح ١ ، التهذيب ٣ : ٢٥٠ ـ ٦٨٨ ، المحاسن : ٥٦ ـ ٨٦ ، الوسائل ٥ : ٢٥٢ أبواب أحكام المساجد ب ٤٤ ح ٣ ؛ بتفاوت يسير.

(٢) الفقيه ١ : ٢٤٦ ـ ١٠٩٨ ، الوسائل ٨ : ٢٩٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٣ ح ٢.

٨

المؤمن مع الإمام في جماعة خير من مائة عتق رقبة » (١).

والمروي في النفليّة عن الصادق عليه‌السلام : « الصلاة خلف العالم بألف ركعة وخلف القرشي بمائة » (٢) إلى غير ذلك.

ولا يخفى أنّه إذا اجتمعت الجماعة ـ التي هي بنفسها تجعل الواحدة خمسا وعشرين ـ مع العالم تصير خمسا وعشرين ألفا ، ثمَّ إذا كانت في مسجد السوق الذي الصلاة فيه باثنتي عشرة صلاة تصير ثلثمائة ألف صلاة ، وإذا كانت في مسجد القبيلة الذي الصلاة فيه بخمسة وعشرين تصير ستّمائة وخمسة وعشرين ألف صلاة ، وإذا كانت في المسجد الأعظم في بلدة أو قرية أي ما هو مجتمع القبائل الذي تعدل الصلاة فيه مائة صلاة تصير اثنتي ألف ألف صلاة وخمس مائة ألف صلاة ، على الروايات المشهورة من أنّ الصلاة الواحدة في الجماعة بخمس وعشرين صلاة (٣).

وأمّا على الرواية الطويلة المصرّحة بأنّ ركعة منها تعدل مائة وخمسين صلاة حتّى تكون صلاة واحدة رباعية ستّمائة صلاة ، تصير مع العالم ستّمائة ألف ، ومعه في المسجد الأعظم ستّين ألف ألف ، وإذا كان الإمام مع ذلك قرشيا تصير ستّ ألف ألف ألف. هذا كلّه إذا كان المأموم واحدا ، وإذا زاد زاد بزيادته الثواب إلى ما لا يبلغه الحساب.

ومن الثاني صحيحة زرارة والفضيل : الصلاة في جماعة فريضة هي؟ قال : « الصلاة فريضة وليس الاجتماع بمفروض في الصلاة كلّها ، ولكنّها سنّة من تركها رغبة عنها وعن جماعة المؤمنين من غير علّة فلا صلاة له » (٤).

__________________

(١) روض الجنان : ٣٦٢ ، المستدرك ٦ : ٤٤٣ أبواب صلاة الجماعة ب ١ ح ٣.

(٢) النفلية : ٣٩.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٨٥ أبواب صلاة الجماعة ب ١.

(٤) الكافي ٣ : ٣٧٢ الصلاة ب ٥٤ ح ٦ ، التهذيب ٣ : ٢٤ ـ ٨٣ ، الوسائل ٨ : ٢٨٥ أبواب صلاة الجماعة ب ١ ح ٢.

٩

وصحيحة محمّد : « لا صلاة لمن لا يشهد الصلاة من جيران المسجد إلاّ مريض أو مشغول » (١).

ورواية ابن أبي يعفور : « همّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإحراق قوم في منازلهم كانوا يصلّون في منازلهم ولا يصلّون الجماعة ، فأتاه رجل أعمى فقال : يا رسول الله إنّي ضرير البصر وربما أسمع النداء ولا أجد من يقودني إلى الجماعة والصلاة معك ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : شدّ من منزلك إلى المسجد حبلا واحضر الجماعة » (٢).

ومرسلة الفقيه : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقوم : « لتحضرنّ المسجد أو لأحرقنّ عليكم منازلكم » (٣).

وصحيحة ابن سنان : « إنّ أناسا كانوا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبطؤوا عن الصلاة في المسجد فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ليوشك قوم يدعون الصلاة في المسجد أن نأمر بحطب يوضع على أبوابهم فتوقد عليهم نار فتحرق بيوتهم » (٤).

ومشهورة ابن أبي يعفور وفيها : « لا صلاة لمن لا يصلّي في المسجد مع المسلمين إلاّ من علّة ، ولا غيبة لمن صلّى في بيته ورغب عن جماعتنا ، ومن رغب عن جماعة المسلمين وجبت على المسلمين غيبته ، وسقطت بينهم عدالته ، ووجب هجرانه ، وإذا دفع إلى إمام المسلمين أنذره وحذّره ، فإن حضر جماعة المسلمين وإلاّ أحرق عليه بيته » (٥).

والمروي في مجالس الصدوق ومحاسن البرقي وثواب الأعمال : « قال رسول‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٤٥ ـ ١٠٩١ ، الوسائل ٨ : ٢٩١ أبواب صلاة الجماعة ب ٢ ح ٣.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٦٦ ـ ٧٥٣ ، الوسائل ٨ : ٢٩٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٢ ح ٩.

(٣) الفقيه ١ : ٢٤٥ ـ ١٠٩٢ ، الوسائل ٨ : ٢٩١ أبواب صلاة الجماعة ب ٢ ح ٤.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٥ ـ ٨٧ ، الوسائل ٨ : ٢٩٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٢ ح ١٠.

(٥) التهذيب ٦ : ٢٤١ ـ ٥٩٦ ، الاستبصار ٣ : ١٢ ـ ٣٣ ، الوسائل ٢٧ : ٣٩٢ أبواب الشهادات ب ٤١ ح ٢.

١٠

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لينتهينّ أقوام لا يشهدون الصلاة أو لآمرنّ مؤذّنا يؤذّن ، ثمَّ آمر رجلا من أهل بيتي ـ وهو عليّ ـ فليحرقنّ على أقوام بيوتهم لأنّهم لا يأتون الصلاة » (١).

وفي مجالس الشيخ : « رفع إلى أمير المؤمنين أنّ قوما من جيران المسجد لا يشهدون الصلاة جماعة في المسجد ، فقال : ليحضرنّ معنا صلاتنا جماعة أو ليحولنّ عنا ولا يجاورونا ولا نجاورهم » (٢).

وفيه أيضا : « إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام بلغه أنّ قوما لا يحضرون الصلاة في المسجد ، فخطب فقال : إنّ قوما لا يحضرون الصلاة معنا في مساجدنا فلا يؤاكلونا ولا يشاربونا ولا يشاورونا ولا يناكحونا أو يحضروا معنا صلاتنا جماعة ، وإنّي لأوشك [ أن آمرهم ] بنار تشعل في دورهم فأحرقها عليهم أو ينتهون. قال : فامتنع المسلمون من مؤاكلتهم ومشاربتهم ومناكحتهم حتّى حضروا لجماعة المسلمين » (٣) إلى غير ذلك.

ثمَّ المستفاد من كثير من هذه الأخبار وإن كان وجوبها وحرمة تركها كما عن أكثر العامة فإنّ منهم من فرضها على الأعيان (٤) ، ومنهم من قال إنّها فرض كفاية في الصلوات الخمس (٥) ، إلاّ أنّه لم يقل به أحد من علمائنا وأجمعوا على عدم وجوبها وبه صرفت تلك الأخبار عن ظواهرها.

مضافا إلى التصريح به في صحيحة زرارة والفضيل المتقدّمة. ولا يمكن حمل السنّة فيها على ما لم يثبت من الكتاب ؛ لثبوت الجماعة به أيضا كما مرّ.

__________________

(١) مجالس الصدوق : ٣٩٢ ـ ١٤ ، المحاسن : ٨٤ ـ ٢٠ ، ثواب الأعمال : ٢٧٦ ـ ٢ ؛ الوسائل ٨ : ٢٩٢ أبواب صلاة الجماعة ب ٢ ح ٦.

(٢) مجالس الشيخ : ٧٠٥ ، الوسائل ٥ : ١٩٥ أبواب أحكام المساجد ب ٢ ح ٧.

(٣) مجالس الشيخ : ٧٠٥ ، الوسائل ٥ : ١٩٦ أبواب أحكام المساجد ب ٢ ح ٩. وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٤) انظر بداية المجتهد ١ : ١٤١ ، وبدائع الصنائع ١ : ١٥٥.

(٥) انظر نيل الأوطار ٣ : ١٥١.

١١

وكذا في صحيحة محمّد السابقة حيث جعل الشغل عذرا ، ولا يترك الواجب بالشغل.

فالأخبار المذكورة محمولة على تأكّد الاستحباب وشدّته ، أو على من تركها استخفافا كما يشعر به التقييد بالرغبة عنه في جملة منها.

وتحمل تارة أيضا على الجماعة الواجبة ، واخرى على الحضور مع المعصوم ، وثالثة بأنّها لعلّها كانت واجبة فنسخت ، ولم أر قائلا بهما.

وكيف كان ، فطريقة الإيمان عدم الترك من غير عذر سيّما مع الاستمرار عليه ، فإنّه ـ كما ورد ـ لا يمنع الشيطان من شي‌ء من العبادات منعها (١) ، ويعرض عليهم الشبهات من جهة العدالة ونحوها حيث لا يمكنهم إنكارها ، لأنّ فضلها من ضروريّات ديننا.

__________________

(١) لم نعثر على رواية بهذا المضمون ، والظاهر أنه من كلام المجلسي (ره) في البحار ٨٥ : ١٦.

١٢

الفصل الأوّل

فيما فيه الجماعة

وفيه ثلاث مسائل‌

الأولى : تجب الجماعة في الجمعة والعيدين مع الشرائط المتقدّمة‌ لوجوبهما في بحثهما كما مرّ مفصّلا فيه.

وعلى جاهل القراءة مع ضيق الوقت عن التعلّم كما مرّ أيضا.

ولا تجب في غيرهما بالإجماع كما مرّ ؛ لأصالة عدم وجوب متابعة شخص في الأفعال ، وعدم سقوط ما ثبت وجوبه من الأعمال. وما دلّ بظاهره على حرمة الترك مطلقا أو في اليومية مؤوّلة ، كما مرّ.

الثانية : تستحبّ في الفرائض كلّها‌ ، ذهب إليه علماؤنا أجمع كما عن المنتهى (١) ، بل قيل : إنّه من الضروريّات الدينيّة (٢).

ومقتضى إطلاقهما دعوى الإجماع والضرورة في جميع الفرائض ، بل في الأخير : ولا سيّما في الفرائض اليوميّة. وهو كالصريح في التعميم للجميع حتّى المنذورة وصلاة الاحتياط وركعتي الطواف أداء أو قضاء. وبالتعميم للمنذورة والقضاء صرّح في روض الجنان والذكرى (٣) ، بل يفهم من الأخير كونه إجماعيّا بيننا ، وهذا القدر كاف في إثبات التعميم لكون المقام مقام الاستحباب.

ولا يضرّ استلزامه سقوط الواجب الغير الثابت فيه المسامحة ؛ لأنّه من اللوازم والاعتبار في ذلك بالملزوم ، كما تثبت النافلة بالتسامح مع استلزامه حرمة‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٣٦٣.

(٢) كما في المفاتيح ١ : ١٥٩.

(٣) روض الجنان : ٣٦٣ ، الذكرى : ٢٦٥.

١٣

القطع على القول بها ، والوضوء والغسل المستحبان به مع سقوط الواجب منهما بهما.

ولا احتمال التحريم ؛ لعموم أدلّة التسامح.

مضافا إلى شمول إطلاق كثير من الأخبار ، منها صحيحة ابن سنان وحسنة زرارة المتقدّمتين (١) ، وصحيحة سليم الآتية في المسألة الآتية ، للجميع. بل يشمله عموم مثل قوله : لا صلاة لمن لم يشهد الجماعة كما في صحيحة محمّد ورواية ابن أبي يعفور السالفتين (٢).

فالإشكال في التعميم مطلقا أو في خصوص صلاة الاحتياط وركعتي الطواف ـ كما في المدارك والذخيرة والحدائق (٣) ـ غير جيّد.

ثمَّ إنّه يتأكّد الاستحباب في الفرائض الخمس اليومية بالإجماع والأخبار (٤) ، ومنها في الغداة والعشاء كما يظهر من بعض الروايات (٥).

الثالثة : لا تجوز الجماعة في غير ما ثبت استثناؤه من النوافل‌ ، بالإجماع المحقّق والمحكي عن المنتهى والتذكرة وكنز العرفان (٦) ، له ، وللأصل المتقدم ذكره ، والمستفيضة من النصوص ، منها : صحيحة سليم بن قيس في خطبة مولانا أمير المؤمنين : « وأمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلاّ في فريضة ، وأعلمتهم أنّ اجتماعهم في النوافل بدعة » (٧).

ورواية سماعة بن مهران وإسحاق بن عمّار : « إنّ هذه الصلاة نافلة ولن يجتمع للنافلة ، فليصلّ كلّ رجل منكم وحده وليقل ما علّمه الله [ من ] كتابه ،

__________________

(١) في ص ٧.

(٢) في ص ١٠.

(٣) المدارك ٤ : ٣١٠ ، الذخيرة : ٣٨٩ ، الحدائق ١١ : ٨٣.

(٤) الوسائل ٨ : ٢٨٥ أبواب صلاة الجماعة ب ١.

(٥) الوسائل ٨ : ٢٩٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٣.

(٦) المنتهى ١ : ٣٦٤ ، التذكرة ١ : ١٧٠ ، كنز العرفان : ١٩٤.

(٧) الكافي ٨ : ٦٢ ـ ٢١ ، الوسائل ٨ : ٣٠٩ أبواب صلاة الجماعة ب ١٠ ح ٤.

١٤

واعلموا أنّه لا جماعة في نافلة » (١).

والمروي في الخصال : « ولا يصلّى التطوع في جماعة ، لأنّ ذلك بدعة ، وكلّ بدعة ضلالة ، وكلّ ضلالة في النار » (٢).

وفي العيون : « لا جماعة في نافلة » (٣).

وضعف سند بعضها ـ لو كان ـ بما مرّ مجبور.

والنصوص المستفيضة المانعة عن الاجتماع في النافلة بالليل في شهر رمضان مطلقا الشاملة لكلّ النوافل ، منها : صحيحة الفضلاء : « إنّ الصلاة بالليل في شهر رمضان النافلة في جماعة بدعة » (٤).

وأخصيّتها عن المدّعى تجبر بعدم القول بالفصل ، فإنّ التجويز لو كان لكان إمّا في مطلق النوافل سوى التراويح ، أو في مجرّد الاستسقاء والغدير. وأمّا المنع في النوافل الليلية من رمضان والتجويز في البواقي فإحداث قول ثالث.

خلافا للمحكي عن الحلبي بل المفيد واللمعة والمحقّق الثاني (٥) ، وبعض متأخّري المتأخرّين في رسالته الصلاتية (٦) ، فجوّزوها في نافلة الغدير ، ونفى عنه البعد المحقّق الأردبيلي (٧).

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٦٤ ـ ٢١٧ ، الاستبصار ١ : ٤٦٤ ـ ١٨٠١ ، الوسائل ٨ : ٣٢ أبواب نافلة شهر رمضان ب ٧ ح ٦. بدل ما بين المعقوفين في النسخ : في ، وما أثبتناه موافق للمصادر.

(٢) الخصال : ٦٠٦ ، الوسائل ٨ : ٣٣٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٠ ح ٥.

(٣) لم نجده في العيون ، وهو موجود في التهذيب والاستبصار في ضمن حديث طويل ، راجع التهذيب ٣ : ٦٤ ـ ٢١٧ ، والاستبصار ١ : ٤٦٤ ـ ١٨٠١.

(٤) الفقيه ٢ : ٨٧ ـ ٣٩٤ ، التهذيب ٣ : ٦٩ ـ ٢٦٦ ، الاستبصار ١ : ٤٦٧ ـ ١٨٠٧ ، الوسائل ٨ : ٤٥ أبواب نافلة شهر رمضان ب ١٠ ح ١.

(٥) الحلبي في الكافي : ١٦٠ ، المفيد في المقنعة : ٢٠٤ ، اللمعة ( الروضة ١ ) : ٣٧٧ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٥٠٢ ، وفيه : وفي الغدير خلاف.

(٦) حكاه صاحب الحدائق ١١ : ٨٧ عن شيخه أبي الحسن في رسالته في الصلاة ، والظاهر ممّا ذكره في الحدائق ١٠ : ١٧ أنّه الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني.

(٧) مجمع الفائدة ٣ : ٢٤٣.

١٥

لما يظهر من الأوّل في كافيه أنّ به رواية ، وما علّله به في الروضة من ثبوت الشرعية في صلاة العيد وهو عيد (١) ، وما ذكره الأخير من انحصار دليل المنع بالإجماع وهو في المقام مفقود.

والرواية لنا غير معلومة فلعلّها غير تامّة الدلالة ، بل انفهام ورودها من عبارته ( الّتي فهموه منها ) (٢) غير معلومة.

قال : ومن وكيد السنن الاقتداء برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في يوم الغدير بالخروج إلى ظاهر المصر عند الصلاة .. إلى آخره.

ويمكن أن يكون نظره في ذلك إلى ما ورد من حكاية الرسول في غدير خم دون رواية أخرى ، بل هو الظاهر من آخر كلامه حيث قال : وليصعد المنبر قبل الصلاة ، ويخطب خطبة مقصورة على حمد الله والثناء عليه والصلاة على محمّد وآله والتنبيه على عظم حرمة يومه وما أوجب الله فيه من إمامة أمير المؤمنين ـ إلى أن قال ـ : فإذا انقضت الخطبة تصافحوا وتهانئوا وتفرّقوا (٣).

وشرعيّة الجماعة في مطلق صلاة العيد ممنوعة ، مع أنّ العيد في عهدهم إلى اليومين منصرف.

وانحصار المانع بالإجماع غير مسلّم كما مرّ.

إلاّ أنّ المقام مقام المسامحة ، فالاكتفاء فيه بفتوى هؤلاء ممكن. ولكن العدول عن ظاهر الإجماع وعمومات التحريم بذلك جدّا مشكل.

وللمحكي في المفاتيح (٤) عن بعضهم ، فجوّزها في النافلة مطلقا ، وربما استفيد وجود القول به عن الشرائع بل الذكرى (٥). وصريح الذخيرة وظاهر‌

__________________

(١) الروضة ١ : ٣٧٨.

(٢) ما بين القوسين غير موجود في « ق » و « ه‍ ».

(٣) الكافي في الفقه : ١٦٠ ، وقوله : تهانئوا ، غير موجود فيه ، وقد ورد بدله في المختلف : ١٢٨ : تعانقوا.

(٤) المفاتيح ١ : ١٥٩.

(٥) الشرائع ١ : ١٢٣ ، وراجع الذكرى : ٢٦٦.

١٦

المدارك (١) التوقف.

لإطلاق بعض الروايات باستحباب الجماعة في الصلاة من غير تقييد بالفريضة.

وخصوص صحيحة هشام : عن المرأة تؤمّ النساء؟ فقال : « تؤمّهنّ في النافلة ، فأمّا في المكتوبة فلا » (٢).

والبصري : « صلّ بأهلك في رمضان الفريضة والنافلة ، فإنّي أفعله » (٣).

وأجيب عن الأوّل : بمنع الإطلاق بالنسبة إلى النافلة ؛ لاختصاصه ـ بحكم التبادر والغلبة ـ بالفريضة ، مع أنّه منساق لإثبات أصل استحبابها في الجملة من دون نظر إلى شخص ، فيكون بالنسبة إلى الأفراد كالقضيّة المهملة يكفي في صدقها الثبوت في فرد (٤).

وفيه : منع الغلبة بالنسبة إلى الفريضة ، كيف؟! والأمر بالعكس جدّا. بل وكذا التبادر سيّما مع شيوع الجماعة في النافلة في تلك الأعصار. واختصاص الانسياق المذكور ـ لو كان ـ بالمطلقات ، وفي الأخبار المرغّبة عمومات كما مرّ ، فلا يجري فيها ذلك.

فالصواب أن يجاب عن الإطلاق : بوجوب التقييد بما مرّ.

وعن الصحيحين : بعدم صلاحيّتهما للمقاومة مع ما مرّ ؛ للشذوذ ، ومرجوحيّتهما عنه بالموافقة القطعيّة للعامّة (٥) ، كيف؟! مع أنّهم بعد منع الأمير عليه‌السلام عنها رفعوا أصواتهم بوا عمراه ووا رمضاناه وضجّوا وقالوا : يا أهل الإسلام‌

__________________

(١) الذخيرة : ٣٨٩ ، المدارك ٤ : ٣١٦.

(٢) الفقيه ١ : ٢٥٩ ـ ١١٧٦ ، التهذيب ٣ : ٢٠٥ ـ ٤٨٧ ، الوسائل ٨ : ٣٣٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٠ ح ١.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٦٧ ـ ٧٦٢ ، الوسائل ٨ : ٣٣٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٠ ح ١٣.

(٤) الرياض ١ : ٢٢٩.

(٥) انظر المغني ١ : ٨١١ ، والأم ١ : ١٤٢.

١٧

غيّرت سنّة عمر (١).

مضافا إلى أنّهما غير دالّتين على ذلك أصلا :

أمّا الأولى : فلعدم دلالتها إلاّ على جواز إمامتها في النافلة لا على جوازها في مطلق النافلة ، فيحتمل إرادة النافلة المشروع فيها الجماعة.

وأمّا الثانية : فلاحتمال كون المراد من الصلاة بالأهل الصلاة معهم أو فيهم أي في البيت لا في الخارج ، فإنّ الصلاة بالأهل ليست حقيقة ولا ظاهرة في الايتمام لهم. وحينئذ يكون الأمر بذلك لأجل ردع الراوي عن الابتلاء بالدخول في البدعة حيث إنّ الصلاة في الخارج في شهر رمضان جماعة في الفريضة والنافلة كانت توجب البدعة ، وفي الفريضة خاصّة توجب البليّة. ويؤكّده التخصيص برمضان الذي هو زمان البدعة ، وذكر الفريضة مع أنّها في المسجد تتضمّن ما لا يحصى من الفضيلة.

مع أنّه يرد عليهما ما أورده بعض المجوّزين على الأخبار الناهية عن الاجتماع بالنوافل في ليل شهر رمضان من الأخصّية من المدّعى ؛ فإنّ الأولى منهما مخصوصة بالنساء ، والثانية برمضان. والدفع بالإجماع المركّب مشترك كما مرّ. والترجيح مع الناهية بوجوه عديدة.

__________________

(١) الكافي ٨ : ٥٨ ـ ٢١ ، الوسائل ج ٨ : ٤٦ أبواب نافلة شهر رمضان ب ١٠ ح ٤.

١٨

الفصل الثاني :

فيما به الجماعة أي في شرط تحقّق الجماعة

وهو اثنان :

الأوّل : العدد. وأقلّ ما تنعقد به الجماعة في غير العيدين والجمعة اثنان‌ ، أحدهما الإمام ، بلا خلاف كما قيل (١). وتدلّ عليه النصوص المستفيضة المشتملة على الصحاح (٢).

وأمّا ما في بعض المعتبرة من أنّه : إن لم يحضر المسجد أحد فالمؤمن وحده جماعة (٣) ، ونحو ذلك.

فلعلّ المراد أنّه إذا طلب الجماعة ولم يجدها تكون صلاته مع الانفراد مساوية لصلاة الجماعة تفضّلا منه تعالى ومعاملة له بمقتضى نيّته.

وفي بعضها : فأبقى أنا وحدي فأؤذّن وأقيم أفجماعة أنا؟ قال : « نعم » (٤).

وعلّله في الفقيه بأنّه متى أذّن وأقام ، صلّى خلفه صفّان من الملائكة ، ومتى أقام ولم يؤذّن صلّى خلفه صفّ من الملائكة (٥).

والظاهر حصول الجماعة بالصبي المميّز الّذي كلّف بالصلاة تمرينا ؛

__________________

(١) الرياض ١ : ٢٢٩.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٩٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٤.

(٣) الفقيه ١ : ٢٤٦ ـ ١٠٩٥ ؛ لم نعثر عليه في الوسائل ، ولعلّه من كلام الصدوق.

(٤) الكافي ٣ : ٣٧١ الصلاة ب ٥٤ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٦٥ ـ ٧٤٩ ، الوسائل ٨ : ٢٩٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٤ ح ٢.

(٥) الفقيه ١ : ٢٤٦ ـ ١٠٩٥.

١٩

لإطلاق الأخبار ، وظاهر خبر الجهني (١) ، وخصوص رواية أبي البختري (٢).

الثاني : نيّة الاقتداء‌ ، بالإجماع ، كما عن المعتبر والمنتهى والنهاية والذكرى (٣) ؛ لأنّ الأعمال بالنيّات ، ولكلّ امرئ ما نوى (٤) ، ولا عمل إلاّ بنية (٥).

فإنّ ترك نيّة الاقتداء فإن نوى الانفراد وأتى بجميع ما يجب عليه صحّت صلاته وإن تابع أحدا صورة ؛ للأصل. إلاّ أن يوجب منافيا آخر كسكوت طويل ونحوه.

وكذا إن لم ينو الانفراد أيضا لعدم الالتفات إليه فتنصرف صلاته إليه ؛ لعدم احتياجه إلى النية بخلاف الجماعة ، ولذا لا يوجبون قصد الانفراد. ولأصالة صحّة الصلاة ، وعدم وجوب المتابعة ، وعدم سقوط ما يسقط بالجماعة بدون قصدها.

ومنه يظهر الصحة والانصراف إلى الانفراد لو دخل في الصلاة متردّدا بين الانفراد والجماعة.

ولو شكّ في أنّه نوى الانفراد أو الجماعة بعد التكبيرة بنى على ما قام إليه إن علمه ؛ إذ لا عبرة بالشك فيه بعد الانتقال عن المحلّ كما مرّ. وإن لم يعلمه بنى على الانفراد ، للأصول المذكورة ، مع أصالة عدم نية الايتمام وجواز نية الانفراد لو نوى الايتمام.

ويجب أن يكون المنويّ كونه إماما واحدا ؛ للإجماع ، ولأنّه المتبادر من الأخبار والمعهود من الشرع ، واحتمال المخالفة ، ولو قرّرا على الموافقة فنيته إن كانت على المتابعة على فرض التوافق فهو ترديد في نيّة الاقتداء وتعليق ، وإن كان‌

__________________

(١) راجع رقم (٤) من ص ١٩.

(٢) التهذيب ٣ : ٥٦ ـ ١٩٣ ، قرب الإسناد ١٥٦ ـ ٥٧٥ ، الوسائل ٨ : ٢٩٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٤ ح ٨.

(٣) المعتبر ٢ : ٤٢٣ ، المنتهى ١ : ٣٦٥ ، النهاية ٢ : ١٢٥ ، الذكرى : ٢٧١.

(٤) الوسائل ١ : ٤٨ أبواب مقدمة العبادات ب ٥ ح ١٠.

(٥) الوسائل ١ : ٤٦ أبواب مقدمة العبادات ب ٥ ح ١.

٢٠