مستمسك العروة الوثقى - ج ٨

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٨

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٤

الذي اقتضاه الأصل ، إباحة أو حرمة [١].

( مسألة ٣٧ ) إذا كانت الغاية المحرمة في أثناء الطريق لكن كان السفر إليها مستلزماً لقطع مقدار آخر من المسافة ، فالظاهر أن المجموع يعد من سفر المعصية [٢] ، بخلاف ما إذا لم يستلزم.

______________________________________________________

[١] أما إباحة فظاهر ، فانا وإن لم نقل بثبوت حكم ظاهري في قبال الحكم الواقعي ، لكن لا بد لنا من القول بالترخيص الشرعي في فعل الحرام ، إذا كان الأصل يقتضي الحل. وحينئذ يكون السفر سائغاً ومرخصاً فيه شرعاً حقيقة. وأما حرمة فينبغي ابتناؤه على ما سبق من القول بحرمة التجري وعدمها. إذ على الأول يكون السفر محرماً شرعاً بعنوان التحري ، وإن كان حلالا بالعنوان الواقعي الأولي. وعلى الثاني يكون حلالا لا غير ، فيجب فيه القصر واقعاً. فإجراء أصل الإباحة وأصل الحرمة على نحو واحد ـ كما في المتن ـ غير ظاهر.

هذا ويمكن أن يقال : إن مورد النصوص ، والمستفاد منها : كون الموضوع هو الحرام الواقعي ، لا ما يشمل الحرام من جهة التجري. وغاية ما يدعى : انصرافه إلى صورة تنجز ذلك الحرام على المكلف. وهذا هو الأقرب. ولا سيما وأن البناء على حرمة التجري شرعاً بعيد جداً ، إذ غاية ما يمكن الالتزام به هو إيجابه لاستحقاق العقاب ، كالمعصية الحقيقية. فتأمل جيدا. والله العالم.

[٢] هذا إذا كان الاستلزام من جهة المقدمية ، كما إذا كان مرسى السفن ـ التي تركب في طريق الغاية المحرمة ـ واقعاً في مكان أبعد من الغاية بميل ونحوه مثلا. أما إذا لم يكن للمقدمية ، بل لتلازم القطعتين من السفر لتلازم غايتهما ، فلا وجه لعده جزءاً من سفر المعصية. ولعل المراد الصورة الأولى.

٦١

( مسألة ٣٨ ) : السفر بقصد مجرد التنزه ليس بحرام ، ولا يوجب التمام [١].

( مسألة ٣٩ ) : إذا نذر أن يتم الصلاة في يوم معين ، أو يصوم يوماً معيناً وجب عليه الإقامة ولو سافر وجب عليه القصر ، على ما مر [٢] : من أن السفر المستلزم لترك واجب لا يوجب التمام ، إلا إذا كان بقصد التوصل إلى ترك الواجب والأحوط الجمع.

______________________________________________________

[١] يظهر من المقدس البغدادي ، والجواهر ، وغيرهما الإجماع عليه. واستدل عليه في الجواهر : بالأصل ، والسيرة القطعية.

[٢] يعني : في المسألة السابعة والعشرين. وفيه : أن ذلك إنما كان في الاستلزام الناشئ من التضاد الذاتي بين فعل الواجب والسفر ، لا الناشئ من مقدمية ترك السفر للواجب ، كما في المقام ، فان ترك السفر مقدمة شرعاً للصوم وإتمام الصلاة ، لاعتباره فيهما ، فيكون نذرهما نذراً له. وقد تقدم في أول هذا الشرط : أن السفر المنذور تركه من سفر المعصية ، يجب فيه التمام. وبالجملة : إتمام الصلاة المنذورة إن كان خصوص الإتمام المشروع بشرائطه الشرعية ، كان نذره منحلا إلى نذر شرطه ، وهو ترك السفر ، فيجري فيه ما سبق. وإن كان مطلق الإتمام وإن لم يكن مشروعاً كان النذر باطلا. فالبناء على صحة النذر ملازم لإلحاق السفر في الفرض بالقسم الأول من أقسام سفر المعصية.

نعم مقتضى جواز السفر في شهر رمضان اختياراً الجواز هنا ، بضميمة قاعدة الإلحاق. ويؤيده ـ بل يشهد به ـ : رواية عبد الله بن جندب : « سمعت من زرارة عن أبي عبد الله (ع) : « انه سأله عن رجل جعل على‌

٦٢

( مسألة ٤٠ ) : إذا كان سفره مباحاً ، لكن يقصد الغاية المحرمة في حواشي الجادة ، فيخرج عنها لمحرم ويرجع إلى الجادة. فإن كان السفر لهذا الغرض كان محرماً موجباً للتمام وإن لم يكن كذلك ، وإنما يعرض له قصد ذلك في الأثناء ، فما دام خارجاً عن الجادة يتم [١] ، وما دام عليها يقصر. كما أنه إذا كان السفر لغاية محرمة ، وفي أثنائه يخرج عن الجادة ،

______________________________________________________

نفسه نذر صوم ، فحضرته نية في زيارة أبي عبد الله (ع). قال (ع) : يخرج ، ولا يصوم في الطريق ، فاذا رجع قضى ذلك » (١). وقريب منها غيرها. ويأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ في كتاب الصوم : أن مقتضى الجمع بين الأدلة ، أن الحضر شرط لنفس الصوم ، لا لمشروعيته. لكن لم يؤخذ وجوده مطلقاً كذلك ، بل خصوص وجوده من باب الاتفاق ، لا بداعي وجوده ، فلا يكون نذر الصوم نذراً للحضر ، ولا للإقامة. فتأمل جيداً. وسيأتي الكلام في هذه المسألة في المسألة الثانية والعشرين من الفصل الآتي.

[١] هذا يتم بناء على مختاره : من أن إباحة السفر شرط في الترخص لا في السفر الذي جعل موضوعاً له ، كما تقدم في ذيل المسألة الثالثة والثلاثين. أما على المختار : من كونها شرطاً في السفر الذي جعل موضوعاً له ، فلا يجوز التقصير إذا رجع إلى الجادة. إلا إذا كان الباقي مسافة ، ولو ملفقة.

ثمَّ إن الظاهر أن محل الفرض ما لو كان الخروج عن الجادة معدوداً عرفاً جزءاً من السفر ، بحيث يكون خط السير الخروجي معدوداً جزءاً من المسافة المحدودة. أما لو كان معدوداً عرفاً خارجاً عنها ، كما لو غضب على المكاري ، فنزل عن دابته يركض إليه ليضربه ظلماً ، أو خرج من منزله إلى المواضع التي حوله ليسرق متاعاً ، أو يشرب ماء غصباً ، أو‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ٥.

٦٣

ويقطع المسافة أو أقل [١] لغرض آخر صحيح ، يقصر ما دام خارجاً. والأحوط الجمع في الصورتين.

( مسألة ٤١ ) : إذا قصد مكاناً لغاية محرمة ، فبعد الوصول إلى المقصد قبل حصول الغرض يتم [٢]. وأما بعده فحاله حال العود عن سفر المعصية ، في أنه لو تاب يقصر ، ولو لم يتب يمكن القول بوجوب التمام ، لعد المجموع سفراً واحداً [٣]. والأحوط الجمع هنا ، وإن قلنا بوجوب القصر‌

______________________________________________________

يدخل بستاناً بغير إذن أهله ، فالظاهر بقاؤه على التقصير في حال الخروج ، فضلا عن حال الرجوع.

[١] أما في الأول فلا ينبغي الإشكال في الترخص حال الخروج ، لقصد السفر المباح مسافة. وأما في الأقل فهو مبني على ما سبق في ذيل المسألة الثالثة والثلاثين.

[٢] لعدم انتهاء سفر المعصية قبل حصولها ، بل يصدق عليه أنه مسافر لقصد المعصية.

[٣] لا ريب في أن المسافر من حين خروجه من وطنه إلى أن يرجع اليه ، سفره سفر واحد ، ما لم ينقطع بأحد قواطع السفر ، وهو منتف في الفرض. نعم عد المجموع سفراً واحداً إنما يوجب التمام في حال كونه في المقصد ، قبل الشروع في الإياب ، لأحد وجهين.

الأول : صدق سفر المعصية عليه حينئذ. لكنه منتف. لأن كونه في المقصد لم يقصد منه معصية ، ولا هو معصية.

الثاني : أن تكون إباحة السفر شرطاً للموضوع ، لأنه على هذا المبنى لم يتحقق منه سفر مباح ، ليجب عليه القصر ، لأن السفر السابق كان سفر‌

٦٤

العود ، بدعوى : عدم عده مسافراً قبل أن يشرع في العود [١].

( مسألة ٤٢ ) : إذا كان السفر لغاية ، لكن عرض في أثناء الطريق قطع مقدار من المسافة لغرض محرم ، منضماً إلى الغرض الأول ، فالظاهر وجوب التمام في ذلك المقدار من المسافة ، لكون الغاية في ذلك المقدار ملفقة من الطاعة والمعصية [٢].

______________________________________________________

معصية ، والسفر اللاحق المباح لم يتحقق منه ، فيجب عليه التمام. أما إذا كانت الإباحة شرطاً للحكم ، فالسفر السابق لا قصور في موضوعيته للقصر ، وإنما القصور في الحكم ، من جهة عدم حصول شرطه ، وهو الإباحة. وهذا الشرط إنما انتفى قبل حصول الغرض الحرام. أما بعد حصوله فقد حصل شرط الإباحة ، فيتعين القصر. وبعبارة أخرى : بعد حصول الغرض الحرام يصدق على هذا المكلف أنه مسافر ، وليس سفره معصية ، فيجب عليه القصر. لكن عرفت سابقا الإشكال في هذا المبنى ، وإن كان ظاهر المصنف (ره) اختياره. ولو تمَّ ذلك كان اللازم الجزم بوجوب القصر مطلقاً ، وإن لم يتب ، إذ التوبة وعدمها لا يوجبان اختلافاً في الصدق وعدمه.

[١] قد عرفت الإشارة إلى أن الفرق بين الشروع في الإياب وما قبله ، حال كونه في المقصد ، إنما يتم بناء على أخذ الإباحة شرطاً للموضوع لأن تحقق السفر المباح يتوقف على الشروع فيه ، فقبله لا سفر مباح. أما إذا أخذت شرطاً للحكم فالسفر السابق موضوع للحكم ، وإنما لم يثبت له الحكم لانتفاء شرطه ، بحصول قصد المعصية ، فإذا زال قصد المعصية بحصولها ، فقد حصل الشرط ، وثبت الحكم.

[٢] يعني : وقد عرفت فيما سبق وجوب التمام في مثله ، لصدق كون السفر في معصية.

٦٥

والأحوط الجمع ، خصوصاً إذا لم يكن الباقي مسافة [١].

( مسألة ٤٣ ) : إذا كان السفر في الابتداء معصية ، فقصد الصوم ، ثمَّ عدل في الأثناء إلى الطاعة. فإن كان العدول قبل الزوال وجب الإفطار [٢]. وإن كان بعده ففي صحة الصوم ووجوب إتمامه إذا كان في شهر رمضان مثلا ، وجهان [٣]. والأحوط الإتمام والقضاء. ولو انعكس بأن كان طاعة في الابتداء وعدل إلى المعصية في الأثناء. فان لم يأت بالمفطر ،

______________________________________________________

[١] لم يظهر لهذه الخصوصية دخل في الاحتياط المذكور ، لأن الملفق من المعصية إن كان معصية عرفاً وجب التمام ، وإن كان الباقي مسافة. وإلا وجب القصر ، وإن لم يكن الباقي مسافة. فالعمدة في الاحتياط : الإشكال في صدق المعصية على الملفق وعدمه.

[٢] لما يأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الصوم : من وجوب الإفطار لمن سافر قبل الزوال المفروض حصوله. نعم لا بد على المعروف ـ كما سبق ـ من وجوب كون الباقي مسافة ، ومن وجوب الشروع فيه. ولا يفطر بمجرد العدول ، كما عرفت.

[٣] ينشآن : من أن مقتضى البناء على أن الإباحة ليست شرطاً في السفر الموجب للترخص ، وإنما هي شرط في الترخص ، فيكون المسافر في الفرض مسافراً قبل الزوال. غاية الأمر أنه لم يقتض سفره الترخص حال قصد المعصية. وإنما يقتضيه حال قصد الطاعة ، وذلك بعد الزوال ، فيجب الإفطار. ومن أن المعيار في إفطار اليوم وصومه حال الزوال ، فاذا كان صائماً صوماً صحيحاً حاله لا يجب عليه الإفطار بعد ذلك. وكأنه لأجل ذلك توقف المصنف (ره) عن الحكم. وإلا فلازم مبناه من أن المدار‌

٦٦

وكان قبل الزوال ، صح صومه [١]. والأحوط قضاؤه أيضاً وإن كان بعد الإتيان بالمفطر ، أو بعد الزوال بطل [٢]. والأحوط إمساك بقية النهار تأدباً إن كان من شهر رمضان [٣].

( مسألة ٤٤ ) : يجوز في سفر المعصية الإتيان بالصوم الندبي ، ولا يسقط عنه الجمعة ، ولا نوافل النهار ، والوتيرة ، فيجري عليه حكم الحاضر [٤].

السادس من الشرائط : أن لا يكون ممن بيته معه [٥] ،

______________________________________________________

في الترخص وعدمه على حال الإباحة والعصيان ، هو وجوب الإفطار والقضاء جزماً ، لما تقدم من الوجه الأول ، وضعف الوجه الثاني ، لعدم ثبوته.

هذا وإذ عرفت أن الإباحة شرط للسفر الموجب للترخص ، فيكون السفر المشروط بها في الفرض حاصلا بعد الزوال ، كان الواجب الحكم بصحة الصوم ، ووجوب إتمامه بلا قضاء ، كما لو سافر ابتداء بعد الزوال.

[١] فإنه حينئذ يكون كمن سافر وحضر قبل الزوال ، فإنه ينوي الصوم ويتمه. ولا فرق بين القول بأن الإباحة شرط للسفر ، والقول بأنها شرط في الترخص.

[٢] كما لو سافر أول النهار وحضر بعد الزوال ، أو بعد استعمال المفطر. ولا فرق أيضاً بين القولين المتقدمين آنفاً في ذلك.

[٣] يعني : استحباباً. وسيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ في كتاب الصوم بيان وجهه.

[٤] لظهور النص والفتوى في اختصاص حكم المسافر بخصوص السفر المباح ، من دون فرق بين الأحكام.

[٥] بلا خلاف فيه ، كما عن جماعة. نعم المعروف بينهم : إرجاع‌

٦٧

كأهل البوادي من العرب والعجم ، الذين لا مسكن لهم معيناً بل يدورون في البراري ، وينزلون في محل العشب والكلاء ، ومواضع القطر واجتماع الماء. لعدم صدق المسافر عليهم [١].

______________________________________________________

هذا الشرط وما بعده إلى شرط واحد ، وإن اختلفت عبارتهم عنه. فعبر المعظم : بأن لا يكون سفره أكثر من حضره ، وآخر : بأن لا يكون كثير السفر ، وثالث : بأن لا يكون السفر عملا له ، ورابع : بأن لا يكون ممن يلزمه الإتمام في السفر ، وخامس : بأن لا يكون سفره في حكم حضره ، وسادس : اقتصر على ذكر العناوين الموجودة في النصوص ، من المكاري ، والجمال ، والملاح ، والراعي ، والجابي الذي يدور في جبايته ، والأمير الذي يدور في إمارته ، والتاجر الذي يدور في تجارته ، والبدوي الذي يتطلب مواضع القطر ومنابت الشجر ، و ( الاشتقان ) وهو البريد أو أمين البيدر ، و ( الكري ) وهو الساعي (١).

وما ذكره المصنف (ره) ـ تبعاً لجماعة ـ أولى ، لاختلاف الشرطين مفهوماً ، مع تضمن النصوص لكل منهما بخصوصه. ففي مضمر إسحاق بن عمار : « عن الملاحين والأعراب هل عليهم تقصير؟ قال (ع) : لا ، بيوتهم معهم » (٢) ، ومرسل سليمان بن جعفر الجعفري عمن ذكره عن أبي عبد الله (ع) : « الأعراب لا يقصرون ، وذلك أن منازلهم معهم » (٣).

[١] كما يشير إليه التعليل في النصوص : بأن بيوتهم معهم ، فان المراد منه ذلك. وحينئذ فلو كان متوطناً في بلد معين ، وكان له بيت ينقل ، فسافر فيه اتفاقاً ، لزيارة ونحوها ، قصر وإن كان بيته معه ، لصدق المسافر‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ١١ من أبواب صلاة المسافر.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٥.

(٣) الوسائل باب : ١١ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٦.

٦٨

نعم لو سافروا لمقصد آخر ، من حج ، أو زيارة ، أو نحوهما قصروا [١]. ولو سافر أحدهم لاختيار منزل ، أو لطلب محل القطر أو العشب ، وكان مسافة ، ففي وجوب القصر أو التمام عليه إشكال [٢]. فلا يترك الاحتياط بالجمع.

السابع : أن لا يكون ممن اتخذ السفر عملا وشغلا له [٣] كالمكاري ، والجمال ، والملاح ، والساعي ، والراعي ، ونحوهم فإن هؤلاء يتمون الصلاة والصوم في سفرهم الذي هو عمل لهم ، وإن استعملوه لأنفسهم ، كحمل المكاري متاعه أو أهله من مكان إلى مكان آخر. ولا فرق بين من كان عنده بعض‌

______________________________________________________

عليه حينئذ. نعم لو جعل نفسه من الذين يسكنون البيوت المبنية على الحط والارتحال أتم ، كأهل القرى الذين يتوطنون في أيام الصيف منازلهم ، وفي أيام الشتاء يرتحلون في بيوتهم إلى مواضع القطر والنبت ، لحاجة أنعامهم الى ذلك.

[١] كما عن جماعة كثيرة من المتأخرين ومتأخريهم ، بل عن الغوالي : دعوى الإجماع عليه. لعدم كون بيوتهم معهم. والمستفاد من التعليل في النصوص : دوران الحكم مداره وجوداً وعدماً ، فلو سافروا للزيارة ونحوها ، وكانت بيوتهم معهم أتموا.

[٢] ينشأ : مما سبق. ومن أن السفر لما كان راجعاً إلى إصلاح شؤون بيته كان كأنه سفر وهو في بيته. ولكنه ـ كما ترى ـ خروج عن ظاهر التعليل من غير ملزم. فالبناء على القصر فيه حيث لا يكون بيته معه متعين.

[٣] بلا خلاف ، كما عرفت. ويدل عليه صحيح زرارة : « قال أبو‌

٦٩

الدواب يكريها إلى الأماكن القريبة من بلاده [١] ، فكراها‌

______________________________________________________

جعفر (ع) : أربعة قد يجب عليهم التمام في السفر كانوا أو في الحضر : المكاري ، والكري والراعي ، والاشتقان ، لأنه عملهم » (١). ومثله مرفوع ابن أبي عمير ، بزيادة « الملاح » (٢). ومقتضى حمل التعليل المذكور على الارتكاز العرفي عموم الحكم لمن كان بانياً على الاستمرار على السفر للتعليم أو للتعلم أو لغير ذلك من الغايات المحللة. فالعمال الذين يسافرون كل يوم من وطنهم إلى خارج المسافة للعمل ثمَّ الرجوع الى وطنهم ليلا يتمون صلاتهم ، ويصومون شهر رمضان ، وان لم يصدق أن عملهم السفر بل عملهم البناء ، أو الحفر ، أو نحو ذلك. كل ذلك حملا للتعليل على مقتضى الارتكاز العرفي ، وهو الاستمرار على السفر لأي غاية كانت. مضافاً الى ما ورد في التاجر الذي يدور في تجارته ، والأمير الذي يدور في إمارته ، والجابي الذي يدور في جبايته. فإن هؤلاء شغلهم الجباية ، والامارة ، والتجارة التي تكون في السفر ، وليس السفر نفسه شغلهم. ولا فرق بينهم وبين العمال المذكورين في أن السفر مقدمة لما هو عملهم.

وحاصل ما يشير اليه التعليل : أن الذي شغله السفر ليس له مقر يسافر عنه ، فيكون ممن لا مقر له إلا منازل السفر ، فيكون من قبيل من بيته معه ، ولذا وجب عليه التمام.

[١] بشرط أن يبلغ المسافة ، كما نص عليه في الجواهر. لأن الظاهر من السفر ـ الذي جعل التمام لمن كان هو عملا له ـ هو السفر الشرعي ، الذي يكون موضوعاً للقصر لو لا كونه عملا. وقد يشير إلى ذلك خبر إسحاق : « عن الذين يكرون الدواب يختلفون كل الأيام ، أعليهم التقصير‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب صلاة المسافر حديث : ١٢.

٧٠

الى غير ذلك من البلدان البعيدة وغيره. وكذا لا فرق بين من جد في سفره [١] ، بأن جعل المنزلين منزلا واحداً ، وبين‌

______________________________________________________

إذا كانوا في سفر؟ قال (ع) : نعم » (١). ونحوه خبره الآخر (٢).

[١] كما هو المشهور شهرة عظيمة. لإطلاق أدلة التمام على المسافر الذي اتخذ السفر عملا. نعم عن ظاهر الكليني والشيخ في التهذيب : وجوب التقصير إذا جد السير. للنصوص المستفيضة الدالة على ذلك ، كصحيح ابن مسلم عن أحدهما (ع) : « المكاري والجمال إذا جد بهما السير فليقصروا » (٣) ، وصحيح البقباق : « سألت أبا عبد الله (ع) عن المكارين يختلفون ، فقال (ع) : إذا جدوا السير فليقصروا » (٤) ، والمروي عن كتاب ابن جعفر عن أخيه (ع) : « عن المكارين الذين يختلفون الى النيل ، هل عليهم إتمام الصلاة؟ قال (ع) : إذا كان مختلفهم فليصوموا ، وليتموا الصلاة. إلا أن يجدبهم السير ، فليقصروا وليفطروا » (٥). حاملين للجد على معنى جعل المنزلين منزلا واحداً.

ومال إلى العمل بها أصحاب المنتقى ، والمدارك ، والذخيرة ، والمفاتيح والحدائق. وإن خالفوهم في معنى جد السير ، فحملوه على ظاهره ، وهو المعنى العرفي ، وهو زيادة السير على القدر المتعارف ، بنحو يحصل منه جهد ومشقة ، وإن لم يبلغ جعل المنزلين منزلا ، إذ لا قرينة على ما ذكره الشيخان. وهو في محله.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ١٣ من أبواب صلاة المسافر حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ١٣ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٢.

(٥) الوسائل باب : ١٣ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٥.

٧١

من لم يكن كذلك. والمدار على صدق اتخاذ السفر عملا له عرفاً [١] ،

______________________________________________________

إلا أن العمل بالنصوص المذكورة ـ بعد إعراض الأصحاب عنها ، حتى الشيخ في كتبه الفتوائية ـ مشكل. ولا سيما وأن ظاهر الكليني (ره) توهينها ، إذ أنه بعد ما روى روايات التمام قال : « وفي رواية أخرى : « المكاري إذا جد به السير فليقصر » (١). قال : ومعنى جد السير : جعل المنزلين منزلا ». فان إرساله لهذه الروايات لا يخلو من دلالة على وهنها. فلا مجال لرفع اليد بها عن عموم ما سبق.

وحملها على ما إذا أنشأ المكاري والجمال سفراً غير صنعتهما ـ كما عن الذكرى ـ أو على ما إذا أقاما عشرة ـ كما عن المختلف ـ أو على ما إذا قصدا المسافة قبل تحقق الكثرة ـ كما عن الروض ـ بعيد جداً. نعم الأقرب منها ما احتمله في الذكرى. من حملها على ما إذا كانت المكاراة فيما دون المسافة ، ويكون جد السير عبارة عن قصد المسافة ، فيكون محملها محمل خبري إسحاق المتقدمين (٢). لكنه لا يتم في مرسل عمران بن محمد : « الجمال والمكاري إذا جد بهما السير فليقصرا فيما بين المنزلين ، ويتما في المنزل » (٣) ‌الذي يجب تقييد ما تقدم به ، على تقدير جواز العمل به ، وعدم قدح الاعراض عنه فيه. وإرساله قد لا يمنع عن ذلك ، بعد اعتماد الشيخ عليه. بل قد يدعى قصور ما تقدم عن اقتضاء القصر في المنزل. فتأمل.

[١] لما عرفت من التعليل ، الحاكم على بقية النصوص الدالة على وجوب التمام على أحد العناوين الخاصة ، من المكاري ، والجمال ، ونحوهما ، فيدور وجوب التمام مداره وجوداً وعدماً. ومنه يظهر ضعف ما عن الذكرى‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٤.

(٢) تقدم ذكرهما في التعليقة السابقة.

(٣) الوسائل باب : ١٣ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٣.

٧٢

ولو كان في سفرة واحدة لطولها وتكرر ذلك منه من مكان غير بلده الى مكان آخر [١].

______________________________________________________

وجماعة : من كون المدار على صدق أحد العناوين الخاصة ، أو صدق عملية السفر ، وما عن الحلبي : من أن المدار على صدق أحد العناوين الخاصة ، من المكاري ، والجمال ، ونحوهما.

اللهم إلا أن يكون مراده ما ذكرنا ، لغلبة تلازم صدق تلك العناوين مع عملية السفر. وقد عرفت أن المراد من عملية السفر مزاولته وتعاطيه ، على نحو يكون صاحبه لا مقر له الا منازل السفر ، فهي بيوته التي تتناوب عليه.

[١] الظاهر تحقق الصدق العرفي بمجرد التلبس بالسفر بانياً على أنه عمله ، ولا يتوقف على طول السفر ، ولا على تكرره ، كما عن المقدس البغدادي استظهاره ، وفي الجواهر : « لا يخلو من وجه ».

فان قلت : إذا كانت الإقامة عشرة أيام رافعة لحكم التمام ، فكيف لا تكون الإقامة طول العمر كذلك؟! فكيف يجب التمام في السفرة الأولى؟! قلت : هذا شرط آخر لوجوب التمام ، أعني : عدم إقامة عشرة أيام فما زاد. ويمكن حصوله بالسفرة الأولى ، كما لو سافر إلى بلد زائراً ، فأقام بها يوماً ، ثمَّ اشترى دواباً وصار مكارياً وسافر.

فان قلت : ظاهر جملة من النصوص اعتبار الاختلاف ، وهو لا يتحقق بالسفرة الأولى. قلت : الظاهر من الاختلاف الاختلاف بمعنى الملكة المأخوذ في مفهوم المكاري. لا أقل من وجوب حمله على ذلك ، بقرينة التعليل المتقدم. ولو بني على حمله على الفعلية كان اللازم اعتبار التكرر بنحو الشرط المتأخر ، كما يقتضيه الفعل المضارع ، لا الشرط المتقدم الذي هو مدلول الفعل الماضي ، كما يدعيه الجماعة. وإذ لا قائل باعتباره بنحو الشرط المتأخر يتعين حمله على الملكة.

٧٣

فلا يعتبر تحقق الكثرة بتعدد السفر ثلاث مرات [١] ، أو مرتين [٢]. فمع الصدق في أثناء السفر الواحد أيضاً يلحق الحكم ، وهو وجوب الإتمام. نعم إذا لم يتحقق الصدق إلا بالتعدد يعتبر ذلك.

( مسألة ٤٥ ) : إذا سافر المكاري ونحوه ممن شغله السفر سفراً ليس من عمله كما إذا سافر للحج أو للزيارة ـ يقصر [٣]. نعم لو حج أو زار ، لكن من حيث أنه عمله‌

______________________________________________________

[١] كما في الروض ، والرياض. حملا لإطلاق النصوص على الغالب المتعارف. وفيه : أن الغالب في المكاري من تكرر منه السفر أكثر من ثلاث مرات ، بل أكثر من ذلك بكثير ، فاللازم التخصيص بهم لو بني على الحمل على الغالب ، ولا وجه لتخصيصه بذي الثلاث. مضافاً إلى أن ظهور التعليل ليس بالإطلاق ، ليختص بالمتعارف. مع أن التعارف والغلبة لا يوجبان القدح في الإطلاق ، كما هو محقق في محله. ومثله ما عن الذكرى : من أن المدار على صدق وصف أحدهم ، أو صدق عملية السفر ، وأن ذلك إنما يحصل بالمرة الثالثة. إذ فيه : ما عرفت من المنع.

[٢] كما عن المختلف. لتوقف صدق الاختلاف عليه ، ولا يحتاج الى الثلاث. وفيه : أيضاً ما عرفت.

[٣] كما في الجواهر. اقتصاراً في تقييد الأدلة على المتيقن ، وهو السفر الذي يدخل في عملهم ومكاراتهم ، لانصراف الأدلة عن غيره. بل هو ظاهر الأدلة ، لأن الضمير في قوله (ع) : « لأنه عملهم .. » راجع الى السفر المحكوم بوجوب التمام ، فلا بد في السفر المحكوم بوجوب التمام فيه أن يكون من عملهم. وقد يشير اليه صحيح ابن مسلم : « ليس‌

٧٤

ـ كما إذا كرى دابته للحج أو الزيارة ، وحج أو زار بالتبع ـ أتم [١].

( مسألة ٤٦ ) : الظاهر وجوب القصر على الحملدارية الذين يستعملون السفر في خصوص أشهر الحج [٢]. بخلاف‌

______________________________________________________

على الملاحين في سفينتهم تقصير » (١) ، حيث خص الحكم بالسفينة. ونحوه خبر ابن جعفر (ع) (٢). ولعله أيضاً محمل خبري إسحاق المتقدمين (٣). ومنه يظهر ضعف القول بالإتمام ، اعتماداً على إطلاق أدلة التمام على من كان عمله السفر.

هذا بناء على أن الموضوع عملية السفر. أما إذا كان المراد مزاولة السفر وتعاطيه على نحو تكون منازل السفر كبيوته المتبادلة ، لعزمه على اتخاذها بيوتاً له ، فاللازم التمام ، لأن هذا السفر كغيره من أسفاره.

[١] لأنه في عمله.

[٢] كما نص عليه في الجواهر وغيرها. لعدم صدق كون السفر عملهم ، الذي عرفت أنه مدار وجوب التمام. والوجه في ذلك : أن عملية السفر ـ كعملية سائر الحرف والصنائع ـ موقوفة على البناء على المزاولة مرة بعد أخرى ، على نحو لا يكون له فترة طويلة غير معتادة لمن يزاول تلك الحرفة أو الصنعة. ولذا لا يظن أن يحتمل أن من كان بناؤه على السفر من النجف الأشرف إلى كربلاء للبيع على الزائرين في الزيارات المأثورة فهو ممن عمله السفر ، لأن الفترات بين أيام الزيارات منافية لصدق عملية السفر. كما أن من كان بناؤه على نسيج ثلاثة أثواب أو أربعة في كل سنة ليلبسها‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٧.

(٣) تقدم ذكرهما في أوائل الشرط السابع.

٧٥

______________________________________________________

لا يصدق عليه أنه نساج وعمله النساجة. فهؤلاء المسافرون في كل سنة إلى مكة في أشهر الحج لا يصدق عليهم أنهم عملهم السفر ، وإن كان بناؤهم على ذلك في كل سنة ، لتحقق الفترة المنافية لصدق عملية السفر ، فلا تجدي مزاولتهم للسفر المذكور ـ بلحاظ ضم السنين بعضها إلى بعض ـ في صدق كون السفر عملهم.

نعم لو بنى بعض أهل مكة على مكاراة جماله في أشهر الحج بين جدة ومكة ، على نحو عزم على التردد مرة بعد أخرى ، بلا فترة منافية للاستمرار عرفاً على العمل المذكور ، كان في أشهر الحج ممن عمله السفر ، ووجب عليه التمام. وبالجملة : اعتبار المواظبة والتكرر في صدق كون السفر أو غيره عملا مما لا مجال لإنكاره عرفاً.

ويدل عليه صحيح هشام : « المكاري ، والجمال الذي يختلف وليس له مقام ، يتم الصلاة ، ويصوم شهر رمضان » (١) ـ ونحوه غيره ـ إذ المراد من الاختلاف تكرر الذهاب والإياب بلا فترة. وهذا المعنى غير موجود في الحملدارية ونحوهم ، ممن يسافر في كل سنة مرة أو مرات متفرقة بنحو لا يصدق معه المواظبة على السفر ، والاختلاف فيه ، والاستمرار عليه. فالمرجع في حكمهم أصالة القصر على المسافر. وإلى ذلك تومي مكاتبة محمد بن جزك إلى أبي الحسن الثالث (ع) : « إن لي جمالا ، ولي قوام عليها ، ولست أخرج فيها إلا في طريق مكة ، لرغبتي في الحج ، أو في الندرة إلى بعض المواضع ، فما يجب علي إذا خرجت معهم أن أعمل ، أيجب علي التقصير في الصلاة والصيام في السفر ، أو التمام؟ فوقع (ع) : إذا كنت لا تلزمها ، ولا تخرج معها في كل سفر إلا إلى مكة فعليك تقصير وإفطار » (٢).

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب صلاة المسافر حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٤.

٧٦

من كان متخذاً ذلك عملا له في تمام السنة ، كالذين يكرون دوابهم من الأمكنة البعيدة ، ذهاباً وإياباً ، على وجه يستغرق ذلك تمام السنة أو معظمها ، فإنه يتم حينئذ [١].

( مسألة ٤٧ ) : من كان شغله المكاراة في الصيف دون الشتاء ، أو بالعكس ، الظاهر وجوب التمام عليه [٢]. ولكن الأحوط الجمع.

______________________________________________________

[١] لأن الفترة بين السفرات الواقعة في السنين ـ لقلتها ـ لا تمنع من صدق الاختلاف والمزاولة والاستمرار ، فيصدق أنهم ممن عملهم السفر. نعم لو اشترى دواباً ليكريها ، ذهاباً وإياباً ، مرة بعد أخرى ، في مدة معينة كسنة ، فاتفق أنه كراها إلى مقصد معين ، ثمَّ إلى آخر ـ وهكذا ـ حتى تمادى به السير ستة أشهر ذاهباً ، من دون قصد الاستمرار على ذلك ، وإنما كان عن البداء المرة بعد الأخرى ، لم يبعد القول بوجوب التمام عليه في تمام ذهابه وإيابه ، لكفاية عزمه السابق في صدق عملية السفر. أما لو كان قاصداً المكاراة عليها من مقصد الى آخر ـ وهكذا إلى نهاية الغاية ـ قصر في الذهاب والإياب ، إذ ليس حاله إلا حال من قصد السفر إلى نهاية ستة أشهر ذاهباً وآئباً ، مرة واحدة لسبب اتفاقي ، الذي لا إشكال في وجوب القصر عليه ، لعدم كونه ممن عملهم السفر. وكذا لو كان متردداً بين الصورتين من أول الأمر. فالمدار حينئذ في صدق عملية السفر ، ووجوب التمام على قصد المكاراة ذاهباً وآئباً ، مرة بعد أخرى ، على النحو المتعارف بين المكارين ، ليصدق عليه أنه لا مقر له إلا منازل السفر.

[٢] وفي الجواهر : « فيه وجهان : ينشآن من إطلاق الدليل ، وصدق العملية له في هذا الحال ، مع اختلافه ذهاباً وإياباً متكرراً. ومن أن المتيقن الأول ، فيبقى غيره على أدلة القصر. والأحوط الجمع ». وفيه : أنه‌

٧٧

( مسألة ٤٨ ) : من كان التردد الى ما دون المسافة عملا له كالحطاب ونحوه ـ قصر إذا سافر [١] ، ولو للاحتطاب. إلا إذا كان يصدق عليه المسافر عرفاً ، وإن لم يكن بحد المسافة الشرعية ، فإنه يمكن أن يقال بوجوب التمام عليه إذا سافر بحد المسافة [٢]. خصوصاً فيما هو شغله من الاحتطاب مثلا.

______________________________________________________

لا وجه للاقتصار على المتيقن ، مع اقتضاء الإطلاق التمام. ولا سيما بملاحظة ما ورد : من إتمام الجابي والاشتقان ، بناء على أنه أمين البيدر ، فان عمليتهما للسفر إنما تكون في أوقات مخصوصة.

واحتمال الفرق : بأن وضع هذه الأعمال على هذا الحال ، إذ عملية كل شي‌ء بحسبه ، بخلاف التاجر ونحوه. ضعيف جداً بعد ما عرفت من صدق عملية السفر في المقامين بنحو واحد ، فليست عملية السفر مثل التوطن محتاجة إلى قصد الدوام. بل تتوقف على قصد المزاولة للسفر مدة معتداً بها ، بحيث يكون لا مقر له الا منازل السفر ، التي يتردد إليها ذاهباً وآئباً ، كما عرفت. ولا يتوقف ذلك على أن يكون في تمام السنة.

[١] كما تقدم في أوائل هذا الشرط.

[٢] بل هو المحكي عن الموجز الحاوي. لكنه ضعيف ـ ويظهر من بعض عدم القول به من أحد سواه ـ لما عرفت من أن ظاهر أدلة التمام على من كان عمله السفر كونه حكماً على من كان عمله السفر الموجب للقصر لو لا كونه عملا مطلقاً ، فيكون لسانها لسان الاستثناء من أدلة التقصير. نعم في الفرض المذكور لو كان عازماً على مزاولة السفر الشرعي للاحتطاب ولكنه لعدم تيسره له اشتغل بالسفر الى ما دون المسافة ، أو كان ذلك أعود‌

٧٨

( مسألة ٤٩ ) : يعتبر في استمرار من شغله السفر على التمام أن لا يقيم في بلده أو غيره عشرة أيام [١]. وإلا انقطع حكم عملية السفر ،

______________________________________________________

له ، فاذا سافر إلى المسافة للاحتطاب جرى عليه حكم السفرة الأولى ممن اتخذ السفر عملا له ، التي قد عرفت أن الظاهر من الأدلة أن حكمها وجوب التمام. ولو كان عازماً على الاحتطاب مطلقاً ، إما من المسافة أو مما دونها فاشتغل بالاحتطاب مما دونها ، ثمَّ اتفق له أن قصد الاحتطاب من المسافة ، قصر كالأول.

[١] على المشهور. وعن المعتبر : نفي الخلاف فيه. وعن المدارك : أن ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه. واستدل له بمصحح هشام المتقدم عن أبي عبد الله (ع) : « المكاري ، والجمال الذي يختلف وليس له مقام ، يتم الصلاة ، ويصوم شهر رمضان » (١). فان الظاهر من المقام إقامة عشرة أيام ، إما لأنها المتبادر منه عند الإطلاق في النص والفتوى. أو للإجماع على عدم التقصير بإقامة ما دونها. أو لأن البناء على إطلاقه يوجب التقصير لكل مكار غالباً ، لتحقق الإقامة في الجملة ولو بعض يوم ، وذلك مما لا يمكن الالتزام به. وفيه ـ مع رجوع الأخير إلى ما قبله ـ : أن من المحتمل ـ بقرينة العطف على الاختلاف ـ أن يكون المراد من المقام ما ينافي مفهوم المكاري عرفاً ، فلا يكون مما نحن فيه. وبخبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « المكاري إن لم يستقر في منزله إلا خمسة أيام أو أقل قصر في سفره بالنهار ، وأتم بالليل ، وعليه صوم شهر رمضان. وإن كان له مقام في البلد الذي يذهب إليه عشرة أيام وأكثر ، قصر في سفره وأفطر » وفيه : انه ـ مع ضعف سنده بإسماعيل بن مرار المجهول. ومتروكية ظاهره‌

__________________

(١) تقدم ذكره في المسألة : ٤٦ من هذا الفصل.

٧٩

______________________________________________________

من التقصير نهاراً بإقامة الخمسة فما دونها ـ قاصر الدلالة على ما نحن فيه ، وإنما يدل على وجوب التقصير في السفر إلى مقصد يقيم فيه عشرة. نعم رواه الصدوق (ره) عن عبد الله بن سنان ـ وطريقه اليه صحيح ـ هكذا : « المكاري إذا لم يستقر في منزله إلا خمسة أيام أو أقل قصر في سفره بالنهار وأتم صلاة الليل ، وعليه صيام شهر رمضان. فان كان له مقام في البلد الذي يذهب إليه عشرة أيام أو أكثر ، وينصرف إلى منزله ويكون له مقام عشرة أيام أو أكثر ، قصر في سفره وأفطر » (١). وظاهره اعتبار أمرين في وجوب التقصير : إقامة عشرة في البلد الذي يذهب اليه ، ومثلها في بلده الذي يرجع اليه. وهو أيضاً غير ما نحن فيه. وبمرسل يونس عن بعض رجاله عن أبي عبد الله (ع) : « سألته عن حد المكاري الذي يصوم ويتم. قال (ع) : أيما مكار أقام في منزله ، أو في البلد الذي يدخله أقل من عشرة أيام ، وجب عليه الصيام والتمام أبداً. وإن كان مقامه في منزله أو في البلد الذي يدخله أكثر من عشرة أيام ، فعليه التقصير والإفطار » (٢). وفيه ـ مع ضعف سنده بالإرسال ، وبإسماعيل بن مرار ـ : أنه يدل على اعتبار أكثر من عشرة أيام ، وهو غير المدعى بل مناف له.

اللهم إلا أن يدفع الأول : برواية الشيخ (ره) له عن كتاب نوادر الحكمة ، ولم يستثن القميون من رواياته مثله ، فدل ذلك على اعتمادهم عليه وكفى به مصححاً. والثاني : بأن الظاهر من الشرطيتين كون إحداهما تصريحاً بمفهوم الأخرى ، وجعل الثانية تصريحاً بمفهوم الأولى أولى من العكس لموافقته للترتيب الذكري ، ولمناسبته لقاطعية إقامة العشرة للسفر الشرعي. فتأمل.

ولعل من هنا يتضح المراد برواية ابن سنان التي رواها الشيخ ، وأن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب صلاة المسافر حديث : ١.

٨٠