مستمسك العروة الوثقى - ج ٨

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٨

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٤

جاهلا أو ناسياً له أجزأ عنه [١]. نعم إذا كان عالماً به وقصد‌

______________________________________________________

ما عن المختلف والمنتهى ، بل عن التنقيح : دعوى الاتفاق عليه. وعن الغنية : دعوى الإجماع. واستدل له ـ مضافاً إلى ذلك ـ بأصالة البراءة من وجوب التعيين. وبأصالة الإطلاق النافية لاشتراطه. وبأن التعيين فرع قابلية المورد للترديد ، ولما كان رمضان لا يصح فيه صوم غير صومه لا مجال للترديد ، فيكون متعيناً بالذات بلا حاجة الى التعيين.

والجميع كما ترى ، إذ الإجماع لم يثبت بنحو يصح الاعتماد عليه. وأصل البراءة لا مجال له بعد قيام الإجماع بل الضرورة على كون الصوم من العبادات المعتبر فيها القصد ، وبه يقيد إطلاق الأدلة. مع أنه إنما يصلح لرفع الشك في شرط المأمور به ، لا في شرط الإطاعة والامتثال ، كما هو موضح في الأصول. فتأمل. والتعيين فرع الترديد في نظر المكلف ، وهو حاصل ، ولا ينافيه عدم مشروعية غير صوم رمضان ، كما هو ظاهر. فما تقدم في صوم أيام البيض وغيرها جار هنا بعينه.

نعم يمكن قصد الأمر الخاص بنحو يكون ملازماً لقصد خصوصية رمضان ، كما يمكن العكس ، بأن يقصد الصوم الخاص بالغد عن أمره ، فإن ذلك كله قصد لصوم رمضان عن أمره الخاص به ، ولا إشكال فيه ولعل ذلك هو مراد القائلين بعدم اعتبار التعيين هنا ، فمرادهم عدم اعتباره تفصيلا ، لا عدم اعتباره أصلاً ولا إجمالاً ، إهمالا منهم لقاعدة اعتبار قصد المأمور به بخصوصياته في تحقق العبادية. وإن كانت عبارة المتن وغيره آبية عنه.

[١] إجماعاً ، حكاه غير واحد. وتساعده القواعد إذا رجع الى قصد الخصوصية إجمالا ، بأن كان الخطأ في مجرد التطبيق لا غير. أما إذا رجع‌

٢٠١

غيره لم يجزه [١].

______________________________________________________

إلى قصد الأمر والخصوصية المباينين لخصوصية رمضان وأمره يشكل الاجتزاء به بالنظر إلى القواعد. نعم يدل على الاجتزاء به في الأول : ما ورد في الاجتزاء بصوم يوم الشك على أنه من شعبان ، ففي رواية سماعة. « فإن كان من شهر رمضان أجزأ عنه بتفضل الله تعالى » (١). وفي خبر الزهري : « لو أن رجلا صام يوماً من شهر رمضان تطوعاً ، وهو لا يعلم أنه من شهر رمضان ، ثمَّ علم بذلك لأجزأ عنه ، لأن الفرض إنما وقع على اليوم بعينه » (٢) بل ظاهر الأخير الاجتزاء به في الثاني أيضاً. بل يمكن القول بدلالة الأول عليهما معاً بإلغاء خصوصية مورده.

اللهم إلا أن يدعى : أن منصرف النصوص خصوص صورة الجهل بالتطبيق الراجعة إلى تحقق قصد الخصوصية إجمالا. وقد يومئ إليه التعليل في الثاني. ولا سيما بملاحظة تخصيصه بصورة عدم العلم. ولا ينافيه التعبير بالتفضل في الأول ، لا مكان كون الوجه في التفضل عدم الجزم بالنية. فتأمل جيداً.

لكن يدفع توهم الانصراف المذكور : التفصيل في النصوص بين نية رمضان وشعبان ، إذ لا وجه للتفصيل مع قصد الخصوصية إجمالا. والتعليل لا يخلو من إجمال. مع ضعف سند الخبر ، ومخالفته لظاهر ما قبله من إجزاء التطوع عن رمضان تفضلا. فلاحظ.

[١] كما عن الحلي ، والكركي ، والشهيدين ، وصاحب المدارك ، وغيرهم. لعدم الدليل على الاجتزاء به بعد فوات التقرب المعتبر ، من جهة عدم قصد خصوصية الواجب ، وعدم قصد امتثال أمره. والنصوص المتقدمة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب وجوب الصوم حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب وجوب الصوم حديث : ٨.

٢٠٢

كما لا يجزئ لما قصده أيضاً [١]. بل إذا قصد غيره عالماً به‌

______________________________________________________

لا تصلح للدلالة على الاجتزاء به. بل ظاهر الخبر الثاني عدمه. وعن السيد والمبسوط والمعتبر والتذكرة والمختلف : أن الاجزاء لا يخلو عن قوة ، لأن النية المشترطة ـ وهي القربة ـ حاصلة ، وما زاد لغو لا عبرة به. وهو كما ترى. نعم لازم القول بالصحة في غير العالم اعتماداً على القواعد القول بها فيه أيضاً ، فالتفكيك بينهما في ذلك غير ظاهر.

[١] وفي الجواهر : « إنه المعروف في الشريعة ، بل كاد يكون من قطعيات أربابها ، إن لم يكن من ضرورياتها ». لعدم الدليل على مشروعية غير صوم رمضان فيه ، ولقوله تعالى ( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ) (١) ، وللنبوي : « ليس من البر الصيام في السفر » (٢) ولمرسل الحسن بن بسام عن رجل : « كنت مع أبي عبد الله (ع) فيما بين مكة والمدينة في شعبان وهو صائم ، ثمَّ رأينا هلال شهر رمضان ، فأفطر. فقلت : جعلت فداك أمس كان من شعبان وأنت صائم ، واليوم من شهر رمضان وأنت مفطر! فقال (ع) : إن ذلك تطوع ولنا أن نفعل ما شئنا. وهذا فرض وليس لنا أن نفعل إلا ما أمرنا » (٣). وقريب منه مرسل ابن سهل (٤).

لكن الجميع لا يخلو من خدش. إذ يكفي في المشروعية إطلاقات مشروعية ما قصده. والآية الشريفة ظاهرة في نفي وجوب صوم رمضان على المريض والمسافر ، لا مطلق الصوم. ولو سلم فظاهرها المنع من حيث‌

__________________

(١) البقرة : ١٨٤.

(٢) مستدرك الوسائل باب : ٩ من أبواب من يصح الصوم منه حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١٢ من أبواب من يصح الصوم منه حديث : ٥.

(٤) الوسائل باب : ١٢ من أبواب من يصح الصوم منه حديث : ٤.

٢٠٣

مع تخيل صحة الغير فيه ، ثمَّ علم بعدم الصحة ، وجدد نيته قبل الزوال لم يجزه أيضاً [١]. بل الأحوط عدم الاجزاء إذا كان جاهلا بعدم صحة غيره فيه ، وإن لم يقصد الغير أيضاً بل قصد الصوم في الغد مثلا. فيعتبر في مثله تعيين كونه من رمضان [٢]. كما أن الأحوط في المتوخي ـ أي : المحبوس‌

______________________________________________________

السفر والمرض ، لا من حيث زمان رمضان ، كما هو محل الكلام. وكذلك النبوي ، مع أنه أخص من المدعى ، ومقيد بما دل على مشروعية الصوم في السفر في الجملة ، كما هو المفروض في المقام. والمرسلان ـ مع أنهما أخص من المدعى أيضاً ، ويتضمنان جواز الصوم ندباً في السفر الذي هو محل الاشكال ، كما سيأتي إن شاء الله ، وأنهما لا يدلان إلا على المنع من صوم رمضان في السفر ـ ضعيفان.

ومن ذلك يمكن البناء على ما هو صريح المبسوط : من أن المسافر إذا نوى صوم التطوع ، أو النذر المعين ، أو صوماً واجباً آخر وقع عما نواه ، وعليه قضاء رمضان. لو لا ما عرفت من كون الحكم مظنة الإجماع وخلاف الشيخ غريب ـ كما هو في الجواهر ـ فلا يقدح في الإجماع. ولا سيما مع مخالفته له في بقية كتبه ، وعدم موافقة أصوله ، بل حكى الاتفاق غير واحد في غير المسافر. وهذا هو العمدة في المنع ، كما اعترف به في الجواهر. والله سبحانه أعلم.

[١] لاختصاص دليل الاجتزاء بالنية قبل الزوال بغير المقام ، فيتعين العمل فيه بالقواعد المقتضية للبطلان ، لما عرفت من وضوح عباديته ، فيجب وقوعه بتمامه عن نية التقرب.

[٢] كما تقدم في نية رمضان. وكأن الوجه في تخصيص الاحتياط بالجاهل : دعوى كون نية العالم بعدم صحة الغير فيه راجعة إلى نية الخصوصية ،

٢٠٤

الذي اشتبه عليه شهر رمضان وعمل بالظن ـ أيضاً ذلك ، أي : اعتبار قصد كونه من رمضان. بل وجوب ذلك لا يخلو عن قوة [١].

( مسألة ١ ) : لا يشترط التعرض للأداء والقضاء ، ولا الوجوب والندب ، ولا سائر الأوصاف الشخصية [٢] ، بل‌

______________________________________________________

كما أشرنا إليه سابقاً ، وعدم ثبوت ذلك في الجاهل.

هذا بناءً على كون عدم اعتبار التعيين في رمضان جارياً على القواعد ، أما لو كان على خلافها من جهة الإجماع ، فالوجه في التوقف في الجاهل : عدم ثبوت الإجماع فيه.

[١] حكي في المتوخي وجوه : ( أحدها ) : وجوب التعيين مطلقاً ـ كما عن البيان : أنه قوي ـ لأنه زمان لا يتعين فيه الصوم. ولأنه معرض للقضاء المعتبر فيه التعيين. ( ثانيها ) : عدم الوجوب ، لأن زمان الصوم كشهر رمضان غير معتبر فيه التعيين. ( ثالثها ) : التفصيل بين حصول الامارة الموجبة للظن بشهر رمضان فلا يجب ، لحجية الظن كالعلم ، وعدمه فيجب ، لعدم الطريق إلى ثبوت الشهر. والكلام فيه يعرف مما سبق في الجاهل. فتأمل جيداً.

[٢] لأن الخصوصيات المذكورة مما لا دخل لها في تحقق العبادة والطاعة ، والأصل البراءة من وجوبها ، على ما هو التحقيق : من جريان البراءة في الشك في شرط الإطاعة كالشك في شرط المأمور به. مع أن الإطلاقات المقامية كافية في نفي وجوب مثل ذلك.

نعم يشكل ذلك في خصوصيتي الأداء والقضاء : من جهة أن الأداء هو الفعل في الوقت والقضاء هو الفعل خارج الوقت ، فيرجعان إلى قيود المأمور به ، فيجري عليهما ما يجري عليها ، من لزوم نيتها تفصيلا أو إجمالا.

٢٠٥

لو نوى شيئاً منها في محل الآخر صح ، إلا إذا كان منافياً للتعيين. مثلا : إذا تعلق به الأمر الادائي فتخيل كونه قضائياً فإن قصد الأمر الفعلي المتعلق به واشتبه في التطبيق فقصده قضاء صح. وأما إذا لم يقصد الأمر الفعلي بل قصد الأمر القضائي بطل ، لأنه مناف للتعيين حينئذ [١]. وكذا يبطل إذا كان مغيراً للنوع ، كما إذا قصد الأمر الفعلي لكن بقيد كونه قضائياً مثلا ، أو بقيد كونه وجوبياً مثلا فبان كونه أدائياً ، أو كونه ندبياً ، فإنه حينئذ مغير للنوع ، ويرجع إلى عدم قصد الأمر الخاص.

( مسألة ٢ ) : إذا قصد صوم اليوم الأول من شهر رمضان فبان أنه اليوم الثاني مثلا ، أو العكس ، صح [٢]. وكذا لو قصد اليوم الأول من صوم الكفارة أو غيرها فبان الثاني ـ مثلا ـ أو العكس. وكذا إذا قصد قضاء رمضان السنة الحالية فبان أنه قضاء رمضان السنة السابقة وبالعكس.

______________________________________________________

[١] بل لعدم قصد الأمر الخاص ـ أعني : الأمر المتوجه اليه ـ كما سيذكر ، وإنما قصد أمراً وهمياً لا واقع له.

[٢] لأنه جاء بالمأمور به عن أمره. وخصوصية اليوم الأول أو غيره ليست دخيلة في موضوع الأمر ، كي يكون عدم قصدها مانعاً من تحقق العبادية. وقصده اليوم الثاني أو الأول خطأ لا يمنع من تحقق الإطاعة ، فيلغى. وكذا الحال في الفرض الآتي. نعم إذا كان قصد خصوصية اليوم أو السنة راجعاً إلى تقييد الامتثال ، الموجب لعدم قصد خصوصية الأمر أو المأمور به بطل.

٢٠٦

( مسألة ٣ ) : لا يجب العلم بالمفطرات على التفصيل ، فلو نوى الإمساك عن أمور يعلم دخول جميع المفطرات فيها كفى [١].

( مسألة ٤ ) : لو نوى الإمساك عن جميع المفطرات ، ولكن تخيل أن المفطر الفلاني ليس بمفطر ، فان ارتكبه في ذلك اليوم بطل صومه [٢]. وكذا إن لم يرتكبه ولكنه لاحظ في نيته الإمساك عما عداه [٣]. وأما إن لم يلاحظ ذلك صح صومه في الأقوى [٤].

( مسألة ٥ ) : النائب عن الغير لا يكفيه قصد الصوم بدون نية النيابة [٥] وإن كان متحداً. نعم لو علم باشتغال‌

______________________________________________________

[١] هذا واضح إذا كان قد نوى التقرب بخصوص الإمساك عن المفطرات المعلومة إجمالا. ووجه الكفاية : تحقق الصوم منه متقرباً. أما لو نوى التقرب بالإمساك عن جميع الأمور التي يعلم أن فيها المفطر وغيره كان ذلك تشريعاً ، فتبتني الكفاية على عدم قدح التشريع في الصحة ، وإلا بطل.

[٢] لاستعمال المفطر.

[٣] وجه البطلان حينئذ : عدم التقرب بالإمساك عنه ، فيكون متقرباً ببعض الصوم لا بتمامه ، فلا يكون صومه بتمامه واقعاً على نحو العبادة. نعم إذا كانت نية الإمساك عما عداه مقارنة لنية الصوم المشروع ، مع الخطأ في تطبيقه على الإمساك عما عداه ، كانت الصحة في محلها.

[٤] هذا يتم إذا لا حظ الإمساك عنه إجمالا ، كما هو المراد ظاهراً. أما لو لم يلاحظه ، بل لاحظ ما عداه مهملا ، تعين البطلان ، كما قبله.

[٥] لأن كون الفعل لغيره المنوب عنه من الأمور القصدية ، فلا يكون بغير قصد.

٢٠٧

ذمته بصوم ، ولا يعلم أنه له أو نيابة عن الغير ، يكفيه أن يقصد ما في الذمة [١].

( مسألة ٦ ) : لا يصلح شهر رمضان لصوم غيره [٢] واجباً كان ذلك الغير أو ندباً. سواء كان مكلفاً بصومه أولا كالمسافر ونحوه. فلو نوى صوم غيره لم يقع عن ذلك الغير سواء كان عالماً بأنه رمضان أو جاهلا ، وسواء كان عالماً بعدم وقوع غيره فيه أو جاهلا. ولا يجزئ عن رمضان أيضاً إذا كان مكلفاً به مع العلم والعمد. نعم يجزئ عنه مع الجهل أو النسيان ، كما مر. ولو نوى في شهر رمضان قضاء رمضان الماضي أيضاً لم يصح قضاء ، ولم يجز عن رمضان أيضاً مع العلم والعمد.

( مسألة ٧ ) : إذا نذر صوم يوم بعينه لا تجزؤه نية الصوم بدون تعيين أنه للنذر [٣] ، ولو إجمالا ، كما مر [٤].

______________________________________________________

[١] لأنه يرجع إلى قصد النيابة على تقدير كونه نائباً ، وهذا المقدار يكفي في تحقق النيابة ، لتحقق التقدير.

[٢] تقدم في أوائل الفصل الكلام في هذه المسألة.

[٣] لا يخلو من إشكال ، لأن التعين مانع من صلاحية التعيين وعدمه لاختصاص الصلاحية لهما بغير المتعين القابل لكل من التعيين وعدمه. ولأجل ذلك حكم بالصحة في المسألة التاسعة.

[٤] مر وجهه ، من أن مفاد النذر جعل المنذور ملكاً لله سبحانه ، فلا يمكن أداؤه إلا بنية أداء ما في الذمة. فلو بني على كون مفاد النذر مجرد الالتزام بالمنذور ، وأن مفاد دليل النفوذ وجوب ما التزم به ، فاذا‌

٢٠٨

ولو نوى غيره ، فان كان مع الغفلة عن النذر صح [١] ، وإن كان مع العلم والعمد ففي صحته إشكال [٢].

______________________________________________________

جاء به ـ ولو مع الغفلة عن النذر ـ سقط الأمر ، لحصول موضوعه ، لأنه توصلي ، وعنوان الوفاء ليس واجباً زائداً على وجوب المنذور. وتقدم أن الأول أظهر.

[١] لأن النذر لا يرفع ملاك مشروعية الصوم غير المنذور ، فاذا ثبت الملاك لا وجه للبطلان ، لكون المفروض الغفلة عن النذر ، المانعة من تحقق العصيان. هذا إذا نوى غير المنذور ، كما لو نذر الصوم ندباً فصام قضاء. أما لو نوى نفس المنذور غافلا عن النذر فالصحة أوضح ، وإن لم يكن وفاء بالنذر.

[٢] أقول : بناءً على أن النذر لا يوجب حقاً في ذمة الناذر وإنما يقتضي وجوب المنذور فقط ، ففعل غير المنذور يكون من صغريات مسألة الضد ، فيبتني الفساد فيها على اقتضاء الأمر بالشي‌ء النهي عن ضده ، فاذا منع من الاقتضاء المذكور ـ كما هو المحقق في محله ـ فلا مجال للإشكال في الصحة. أما بناء على أن النذر يوجب جهة وضعية ـ كما هو الظاهر ـ فلا يبعد أيضاً القول بالصحة. إذ الصوم غير المنذور ليس تصرفاً في الحق الحاصل بالنذر ، ليكون حراماً ، لحرمة التصرف في حق الغير كحرمة التصرف في ماله. وإنما هو ضد لأداء الحق الواجب ، فيجري عليه ما يجري على ضد الواجب من الصحة كما عرفت. نعم لو فرض كون مرجع النذر إلى نذر أن يشغل الزمان المعين في الصوم المنذور كان البطلان في محله ، لكون الصوم المأتي به تفويتاً لموضوع النذر فيحرم ، فيبطل. لكن هذا النحو خارج عن الفرض.

فان قلت : إذا كان النذر يقتضي ملكية الله سبحانه للصوم ، امتنع على الناذر جعله على خلاف مقتضى النذر ، لأنه تصرف في مال الغير.

٢٠٩

( مسألة ٨ ) : لو كان عليه قضاء رمضان السنة التي هو فيها وقضاء رمضان السنة الماضية ، لا يجب عليه تعيين أنه من أي منهما ، بل يكفيه نية الصوم قضاء [١]. وكذا إذا كان عليه نذران كل واحد يوم أو أزيد. وكذا إذا كان عليه كفارتان غير مختلفتين في الآثار.

( مسألة ٩ ) : إذا نذر صوم يوم خميس معين ، ونذر‌

______________________________________________________

قلت : إنما يتم ذلك لو كان المملوك الصوم بما أنه من منافع الناذر الشخصية.

أما لو كان المملوك العمل في ذمة الناذر ، فهذا لا ينطبق على الصوم الخارجي إلا بالنية ، فلا مانع من التصرف فيه بجعله لغير المنذور له.

[١] هذا يتم لو لم يكن مائز بين القضاءين في الآثار ، مثل التضييق والتوسعة ، والكفارة وعدمها ، وإلا كشف ذلك عن التمايز بالقيود ، الموجب لاعتبار القصد ، كما أشرنا إليه سابقاً.

وأما ما ربما يقال : من وجوب تعيين ما يقضى من الأيام حتى ما كان لسنة واحدة ، فينوي اليوم الأول أو الثاني ، لتمايزهما بالخصوصيات ، فيجب ملاحظتها في القضاء الملحوظ به البدلية. ففيه : أنه يتم لو فرض كون خصوصية اليوم الأول أو الثاني ملحوظة في موضوع التكليف بالأداء. لكنه خلاف ظاهر الدليل المتضمن لوجوب صوم شهر رمضان من حيث أنه شهر رمضان كما لا يخفى.

ومن ذلك يظهر لك وجه عدم وجوب التعيين لو نذر صوم يوم إذا رزق ولد ، وصوم يوم آخر إذا شفي المريض ، فرزق ولداً ، وشفي مريضة ، لأن عدم التميز بينهما مانع من إمكان التعيين ، فضلا عن وجوبه. وكذا الحال في صورة تعدد الكفارات المتفقة ، كما لو ترك صوم اليومين المنذورين في الفرض المذكور.

٢١٠

صوم يوم معين من شهر معين ، فاتفق في ذلك الخميس المعين يكفيه صومه [١] ، ويسقط النذران. فان قصدهما أثيب عليهما [٢] وإن قصد أحدهما أثيب عليه ، وسقط عنه الآخر.

( مسألة ١٠ ) : إذا نذر صوم يوم معين ، فاتفق ذلك اليوم في أيام البيض مثلا ، فان قصد وفاء النذر وصوم أيام البيض أثيب عليهما ، وإن قصد النذر فقط أثيب عليه فقط ، وسقط الآخر. ولا يجوز أن يقصد أيام البيض دون وفاء النذر [٣].

______________________________________________________

[١] إن كان العنوان المأخوذ في كل من النذرين ملحوظاً مرآة للزمان المعين ، كان النذر الأول صحيحاً ، والثاني لغواً باطلا ، ووجب عليه الصوم بقصد الوفاء وأداء ما في ذمته. وإن كان ملحوظاً موضوعاً لكونه موضوعاً للاستحباب الشرعي ، كما لو نذر صوم آخر خميس في ذي القعدة ويوم دحو الأرض ، فاتفقا يوماً واحداً ، صح النذران معاً ، ووجب قصدهما معا فلو قصد أحدهما دون الآخر وفي بأحدهما دون الآخر. وفي ثبوت الكفارة حينئذ إشكال ، لاختصاص أدلتها بالحنث غير الصادق في المقام. إلا أن يقال : الحنث مجرد عدم موافقة النذر ، وهو حاصل.

[٢] لما كان يعتبر في المنذور أن يكون راجحاً ، فالمقصود امتثاله وإطاعته بفعل المنذور هو الرجحان الثابت فيه مع قطع النظر عن الأمر بالوفاء بالنذر. والثواب إنما يكون على إطاعة الأمر الذاتي المذكور ، لا الأمر العرضي الناشئ من النذر ، كما يظهر من العبارة. ومن ذلك يظهر لك الاشكال فيما يظهر من عبارته في المسألة الآتية. فتأمل جيداً.

[٣] لما تقدم : من وجوب قصد الوفاء في النذر.

٢١١

( مسألة ١١ ) : إذا تعدد في يوم واحد جهات من الوجوب ، أو جهات من الاستحباب ، أو من الأمرين ، فقصد الجميع ، أثيب على الجميع. وإن قصد البعض دون البعض أثيب على المنوي ، وسقط الأمر بالنسبة إلى البقية [١].

( مسألة ١٢ ) : آخر وقت النية في الواجب المعين رمضاناً كان أو غيره ـ عند طلوع الفجر الصادق [٢].

______________________________________________________

[١] يعني : إذا كان مضيقاً. للعجز المسقط للتكليف.

[٢] لوضوح كون الصوم من العبادات المعتبر وقوعها بتمامها عن نية الامتثال ، فلو تأخرت النية عن طلوع الفجر ـ الذي هو أول وقته ـ يلزم وقوع بعضه بلا نية ، فيبطل. لكن المحكي عن السيد (ره) : جواز التأخير عمداً الى الزوال. بل ظاهر ابن الجنيد : جواز التأخير إلى ما قبل الغروب. وحينئذ يكون ذلك منهم خلافاً في وجوب وقوع الصوم بتمامه عبادة. فان لم ينعقد الإجماع على خلافهم كان مقتضى الأصل جواز التأخير اختياراً. ولا سيما بملاحظة ما تقدم : من أن نية الصوم ليست مقومة لعباديته ، لعدم اعتبار وقوعه على وجه العبادة ، وإنما يعتبر وقوعه في حال كون المكلف عازماً عن داعي الأمر على الإمساك على تقدير وجود المقتضي لاستعمال المفطر ، فاذا لم يقم دليل على وجوب العزم في أوله ـ من إجماع أو غيره ـ فالمرجع أصل البراءة.

لكن الإنصاف أن ارتكاز عباديته عند المتشرعة مما يوهن الخلاف المذكور جداً ، فلا مجال لرفع اليد عن الإجماع عليه ممن عداهما. بل الظاهر أن الوجه في خلافهما : النصوص الآتية في غير المعين وفي المندوب. ولأجل عدم شمول تلك النصوص للواجب المعين كان العمل على المشهور متعيناً.

وأما ما عن ابن أبي عقيل : من لزوم تقديمها من الليل. فلو سلم‌

٢١٢

ويجوز التقديم في أي جزء من أجزاء ليلة اليوم الذي يريد صومه [١]. ومع النسيان أو الجهل بكونه رمضان أو المعين‌

______________________________________________________

ظهوره في المخالفة ، وامتنع حمله على ارادة وقوع الصوم عن نية ، أو أنه من باب الاحتياط ، أو لعدم القدرة على إيقاعها حدوثاً في الجزء الأول من النهار ، فلا دليل عليه إلا ما قد يظهر من النبوي المشهور : « لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل » (١) ونحوه خبران آخران. لكن يتعين حملها على ما ذكر ، للإجماع على عدم اعتبار شي‌ء في الصوم أكثر من كونه عبادة.

[١] كما هو المعروف ، بل لعله إجماع. وما عن السيد (ره) : من أن وقتها قبل الفجر غير ظاهر في المخالفة. مع أنه لو سلم كونه ظاهراً في التوقيت بآخر الليل ، فلازمه الالتزام ببطلان صوم النائم قبل الفجر إذا كان قد نوى الصوم أول الليل ، وهو كما ترى. نعم ظاهرهم : عدم الاكتفاء بإيقاعها قبل الليل. وقد يشهد به النبوي المشهور المتقدم. لكن لا يبعد ظهور كون الحصر فيه إضافياً ، أي بالإضافة إلى النهار.

ويمكن أن يستدل له : بأنه القدر المتيقن في الخروج عن قاعدة اعتبار المقارنة للنية في العبادات. وفيه : أن قاعدة المقارنة إن تمت هنا لا تقبل التخصيص ، فلا بد من حمل الدليل الوارد على خلافها على إخراج المورد عن العبارة ، فالمتعين الرجوع إلى الأصل ، وهو يقتضي نفي التوقيت. لكن الذي يهوّن الخطب أن ذلك كله مبني على كون النية المعتبرة في العبادات الاخطار ، أعني : الإرادة التفصيلية. أما على ما هو التحقيق : من أنها عبارة عن الداعي ـ أعني : ما يعم الإرادة الإجمالية الارتكازية ـ فلا تقديم‌

__________________

(١) مستدرك الوسائل باب : ٢ من أبواب وجوب الصوم ونيته حديث : ١ وملحقة. وفي كنز العمال ج ٤ صفحة ٣٠٣ حديث : ٦١٠٥ ـ ٦١٠٩.

٢١٣

الآخر ، يجوز متى تذكر إلى ما قبل الزوال [١] إذا لم يأت‌

______________________________________________________

ولا وقت لها إلا وقت العمل.

[١] إجماعاً ، كما عن صريح الغنية ، وظاهر المعتبر ، والمنتهى ، والتذكرة ويشهد له : ما ورد في المسافر إذا حضر قبل الزوال (١) ، وحديث رفع النسيان وما لا يعلمون (٢) والمرسل : « إن ليلة الشك أصبح الناس ، فجاء أعرابي فشهد برؤية الهلال ، فأمر (ص) منادياً ينادي : من لم يأكل فليصم ، ومن أكل فليمسك » (٣). ومورده وان كان الجهل ، إلا أنه تمكن دعوى ظهوره في مطلق العذر.

والجميع لا يخلو من خدش. إذ التعدي عما ورد في المسافر يتوقف على إحراز المناط ، وهو غير حاصل. وحديث الرفع لا يصلح لتصحيح الناقص ، ولعدم لزوم التدارك. ولا سيما فيما كان شرطاً للاطاعة. فتأمل. والمرسل ـ مع ضعفه بالإرسال ، وكونه عامياً ، وتضمنه قبول شهادة الواحد في الهلال ، ولا سيما من كان من الأعراب. فتأمل ـ مختص بالجاهل ، وبشهر رمضان ، فالتعدي منهما إلى النسيان والصوم المعين غير ظاهر. مع أنه لا يدل على بقاء الوقت إلى الزوال. فالعمدة إذاً : الإجماع. ولا يقدح فيه خلاف العماني ، حيث ألحق الناسي بالعامد في البطلان ، لكثرة تفرده في مخالفة الأصحاب. مع عدم ثبوت خلافه في المقام ، كما قيل.

ثمَّ إن ظاهر غير واحد : اختصاص الإجماع بالمعين ، من دون فرق بين رمضان ، والنذر المعين ، والمطلق المضيق ، والقضاء المضيق. كما‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب من يصح الصوم منه.

(٢) الوسائل باب : ٥٦ من أبواب جهاد النفس.

(٣) لاحظ المعتبر مسألة : وقت النية في الصوم. وقريب منه حديث عكرمة عن ابن عباس ، كما في المبسوط للسرخسي ج ٣ صفحة ٦٢.

٢١٤

بمفطر ، وأجزأه عن ذلك اليوم ، ولا يجزؤه إذا تذكر بعد الزوال [١]. وأما في الواجب غير المعين فيمتد وقتها اختياراً من أول الليل إلى الزوال [٢] ،

______________________________________________________

أنه لا فرق في العذر بين الجهل والنسيان للموضوع والحكم. وأما احتمال الرجوع في المعين إلى بعض النصوص الآتية في غير المعين ، بدعوى عمومه للمعين. فضعيف ـ كما عرفت ـ لقصوره عن شمول المعين جزماً ، كما يظهر من التعبير في السؤال والجواب فيها. فانتظر.

[١] والعمدة فيه : الإجماع المدعى. مضافاً إلى أنه مقتضى أصالة العبادية في الصوم ، المقتصر في الخروج عنها على ما قبل الزوال ، كما عرفت. وأما النصوص الآتية المفصلة بين ما قبل الزوال وما بعده ، فعلى تقدير وجوب الأخذ بظاهرها ، قد عرفت اختصاصها بغير المعين ، ولا تشمل المقام.

[٢] بلا خلاف معتد به ، وعن المدارك : انه مما قطع به الأصحاب. ففي صحيح ابن الحجاج عن أبي الحسن (ع) : « في الرجل يبدو له ـ بعد ما يصبح ويرتفع النهار ـ في صوم ذلك اليوم ليقضيه من شهر رمضان ولم يكن نوى ذلك من الليل. قال (ع) : نعم ، ليصمه ، وليعتد به إذا لم يكن أحدث شيئاً » (١). وفي مصحح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) « إن رجلا أراد أن يصوم ارتفاع النهار أيصوم؟ فقال (ع) : نعم » (٢) وفي خبر صالح بن عبد الله عن أبي إبراهيم (ع) : « رجل جعل لله تعالى عليه الصيام شهراً ، فيصبح وهو ينوي الصوم ، ثمَّ يبدو له فيفطر ويصبح وهو لا ينوي الصوم فيبدو له فيصوم. فقال : هذا كله جائز » (٣). وخبر محمد بن قيس

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب وجوب الصوم ونيته حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب وجوب الصوم ونيته حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٢ من أبواب وجوب الصوم ونيته حديث : ٤.

٢١٥

دون ما بعده على الأصح [١]. ولا فرق في ذلك بين سبق‌

______________________________________________________

عن أبي جعفر (ع). « قال علي (ع) : إذا لم يفرض الرجل على نفسه صياماً ، ثمَّ ذكر الصيام قبل أن يطعم طعاماً ، أو يشرب شراباً ولم يفطر فهو بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر » (١). وموثق عمار عن أبي عبد الله (ع) : « عن الرجل يكون عليه من أيام شهر رمضان ، ويريد أن يقضيها ، متى ينوي الصيام؟ قال (ع) : هو بالخيار إلى أن تزول الشمس ، فاذا زالت الشمس ، فان كان نوى الصوم فليصم ، وإن كان نوى الإفطار فليفطر. سئل : فإن كان نوى الإفطار يستقيم أن ينوي الصوم بعد ما زالت الشمس؟ قال (ع) : لا » (٢).

واختصاص البعض بقضاء شهر رمضان أو النذر ، لا يقدح في عموم الحكم لغيرهما من أفراد غير المعين ، للإجماع على عدم الفصل. مضافاً إلى إطلاق البعض الآخر. كما أن إطلاقها يقتضي عدم الفرق بين تضيق الوقت وعدمه ، فالتعيين بضيق الوقت بمنزلة عدمه.

[١] للموثق المتقدم ، بضميمة عدم القول بالفصل. وعن ظاهر ابن الجنيد : جواز تجديد النية بعده. ويشهد له ـ مضافاً إلى إطلاق بعض النصوص المتقدمة ـ : صحيح ابن الحجاج عن أبي الحسن (ع) : « عن الرجل يصبح ولم يطعم ، ولم يشرب ، ولم ينو صوماً ، وكان عليه يوم من شهر رمضان ، أله أن يصوم ذلك وقد ذهب عامة النهار؟ فقال (ع) : نعم له أن يصومه ويعتد به من شهر رمضان » (٣) ، ومرسل البزنطي عمن ذكره عن أبي عبد الله (ع) : « الرجل يكون عليه القضاء من شهر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب وجوب الصوم ونيته حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب وجوب الصوم ونيته حديث : ١٠.

(٣) الوسائل باب : ٢ من أبواب وجوب الصوم ونيته حديث : ٦.

٢١٦

التردد ، أو العزم على العدم [١]. وأما في المندوب فيمتد إلى أن يبقى من الغروب زمان يمكن تجديدها فيه على الأقوى [٢].

______________________________________________________

رمضان ، ويصبح فلا يأكل إلى العصر ، أيجوز أن يجعله قضاء من شهر رمضان؟ قال (ع) : نعم » (١) ، وصحيح هشام بن سالم عن أبي عبد الله (ع) : « قلت له الرجل يصبح ولا ينوي الصوم ، فاذا تعالى النهار وحدث له رأي في الصوم ، فقال (ع) : إن هو نوى الصوم قبل أن تزول الشمس حسب له يومه ، وإن نواه بعد الزوال حسب له من الوقت الذي نوى » (٢).

هذا ولا ريب أن مقتضى الجمع بينها وبين الموثق حمله على استحباب الإفطار واستئناف القضاء ، كما يومئ إليه الصحيح الأخير. لكن : لا مجال له بعد إعراض المشهور عنها ، بل ظاهر السيد (ره) : الإجماع على خلافها. فيتعين العمل بظاهره ، مع اعتضاده بإطلاق خبر ابن بكير الآتي‌.

[١] كما صرح به في بعضها.

[٢] كما عن الصدوق في الفقيه ، والشيخ ، والإسكافي ، وابني زهرة وحمزة ، والحلي ، والمنتهى ، والتحرير ، والمختلف ، والدروس ، والروضة وعن الانتصار والسرائر : الإجماع عليه. لموثق أبي بصير : « عن الصائم المتطوع تعرض له الحاجة. قال (ع) : هو بالخيار ما بينه وبين العصر. وإن مكث حتى العصر ، ثمَّ بدا له أن يصوم ، فان لم يكن نوى ذلك فله أن يصوم ذلك اليوم إن شاء » (٣) ، وإطلاق صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد الله (ع) : « كان أمير المؤمنين (ع) يدخل إلى أهله فيقول :

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب وجوب الصوم ونيته حديث : ٩.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب وجوب الصوم ونيته حديث : ٨.

(٣) الوسائل باب : ٣ من أبواب وجوب الصوم ونيته حديث : ١.

٢١٧

( مسألة ١٣ ) : لو نوى الصوم ليلا ، ثمَّ نوى الإفطار ثمَّ بدا له الصوم قبل الزوال فنوى وصام قبل أن يأتي بمفطر صح على الأقوى [١] ، إلا أن يفسد صومه برياء ونحوه ،

______________________________________________________

عندكم شي‌ء وإلا صمت ، فان كان عندهم شي‌ء أتوا به. وإلا صام » (١) وإطلاق خبر محمد بن قيس المتقدم (٢) وغيره.

وعن جماعة : العدم. وعن الذخيرة : نسبته إلى الأكثر وعن المسالك والمدارك : أنه المشهور. للأصل ، وخبر ابن بكير : « عن رجل طلعت عليه الشمس وهو جنب ، ثمَّ أراد الصيام بعد ما اغتسل ، ومضى ما مضى من النهار قال (ع) : يصوم إن شاء. وهو بالخيار إلى نصف النهار » (٣). لكن الخبر لا يصلح لمعارضة ما سبق ، لإمكان حمله على خصوص الصوم الواجب أو على الفضل ، حسبما يقتضيه الجمع العرفي بينها.

[١] كما هو المشهور ، كما عن المدارك والحدائق. إذ احتمال قدح نية الإفطار من حيث هي مما يقطع بخلافه. بل ينفيه : ما دل على حصر النواقض في غيرها ، فلم يبق إلا احتمال البطلان من جهة منافاته لنية الصوم فاذا تمت دلالة النصوص السابقة على عدم اعتبار النية قبل الزوال كان الاحتمال المذكور ساقطاً أيضاً.

ومنه يظهر : أنه لا حاجة إلى الاستدلال على الصحة : بأن المعتبر في صحة الصوم النية عند انعقاده لا استمرارها. مع أنه غير ظاهر ، لمخالفته لمرتكزات المتشرعة في عامة العبادات. وأيضاً يشكل : بأنه إن تمَّ الدليل على اعتبارها في انعقاده فلا يبعد إمكان إثبات اعتبار استمرارها بالاستصحاب.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب وجوب الصوم ونيته حديث : ٧.

(٢) تقدم ذلك قريباً.

(٣) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٣.

٢١٨

فإنه لا يجزؤه لو أراد التجديد قبل الزوال على الأحوط [١].

______________________________________________________

مع أن بعض الأدلة المستدل بها على الاعتبار لا فرق فيها بين الأول وما بعده. فلاحظ.

وعن الحلبي ، والإرشاد ، وشرحه للفخر ، والشهيد في الدروس والبيان ، وحاشية القواعد ـ وكذا عن المسالك وغيرها ـ : البطلان ، واختاره في الجواهر. لأنه مع فوات النية يبطل الصوم في ذلك الزمان ، فيبطل بتمامه ، لأنه لا يتبعض. وضعفه ظاهر مما مر. نعم يتم ذلك في الواجب المعين الذي لا يجوز ترك النية فيه اختياراً ، وكذا في غير المعين بعد الزوال ، كما هو ظاهر.

هذا ولكن المحكي عن المختلف : أنه لا فرق في قدح نية الإفطار وعدمه بين ما قبل الزوال وما بعده. وهو غير ظاهر بناء على ما عرفت من وجه القول بالصحة. نعم بناء على أن الوجه فيها عدم اعتبار النية إلا في انعقاد الصوم ـ كما يقتضيه الاقتصار على النبوي المتقدم (١) ـ كان لما ذكره وجه.

[١] لاحتمال ظهور نصوص حرمة الرياء في كونه مبطلا له ، لا من جهة منافاته للتقرب المعتبر في العبادة ، كي يتوجه القول بالصحة في المقام ـ كما عن بعض ـ لعدم اعتبار التقرب بالإمساك الخارجي ، كما عرفت. بل لأنه إذا كان الفعل المأتي به رياء مبعداً امتنع أن يكون مقرباً. ولا ينافيه ما سبق : من عدم كون عبادية الصوم فعلية ، لأن ذلك بالإضافة إلى العبادية العقلية ، لا بالإضافة إلى الأدلة الشرعية ، المتضمنة لترتب الثواب عليه ، وأنه جنة من النار. فلاحظ.

__________________

(١) راجع أول المسألة : ١٢ من هذا الفصل.

٢١٩

( مسألة ١٤ ) : إذا نوى الصوم ليلا لا يضره الإتيان بالمفطر بعده قبل الفجر [١] ، مع بقاء العزم على الصوم.

( مسألة ١٥ ) : يجوز في شهر رمضان أن ينوي لكل يوم نية على حدة [٢]. والأولى : أن ينوي صوم الشهر جملة ويجدد النية لكل يوم [٣]. ويقوى الاجتزاء بنية واحدة للشهر كله [٤]. لكن لا يترك الاحتياط بتجديدها لكل يوم. وأما في غير شهر رمضان من الصوم المعين فلا بد من نيته لكل‌

______________________________________________________

[١] لعدم منافاته للنية ، ولا للمنوي. وعن البيان : الجزم بعدم جواز التناول ، والتردد في جواز ما يبطل الغسل. وهو ـ كما ترى ـ دعوى خالية عن الدليل ، كما عن المدارك. أو على خلافها الدليل ، كما في الجواهر.

[٢] كما هو ظاهر الأصحاب. وعن المنتهى : الإجماع عليه. لكن عن الشهيد الثاني أنه استشكل فيه ، بناء على عدم جواز تفريق النية على أجزاء العبادة الواحدة. وفيه : أنه لا مجال لاحتمال ذلك ، لتعدد الثواب والعقاب ، والكفارة ، وإمكان التفكيك بين الأيام في الطاعة والمعصية ، فإن ذلك كله من لوازم تعدد العبادة.

[٣] جمعاً بين ما ذكرنا وما ذكره الشهيد.

[٤] إجماعاً ، كما عن السيدين ، والشيخ في الخلاف. واستدل له : بأن صوم الشهر كله عبادة واحدة. لكن عرفت ما فيه ، فان تمَّ إجماع ، وإلا كفى في جواز ذلك أصالة البراءة من لزوم إيقاعها لكل يوم في ليلته ولأجله يظهر ضعف ما عن المختلف ، وجامع المقاصد وغيرهما ـ بل عن الحدائق : نسبته إلى المشهور بين المتأخرين ـ : من وجوب ذلك. نعم قد‌

٢٢٠