مستمسك العروة الوثقى - ج ٨

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٨

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٤

نعم الأقوى عدم وجوبها في النوم الثاني من الجنب بعد الانتباه [١] بل والثالث. وإن كان الأحوط فيها أيضاً ذلك ، خصوصاً الثالث. ولا فرق أيضاً في وجوبها بين العالم والجاهل ، والمقصر والقاصر [٢] على الأحوط. وإن كان الأقوى عدم وجوبها على الجاهل [٣] ، خصوصاً القاصر ، والمقصر غير الملتفت حين الإفطار. نعم إذا كان جاهلا بكون الشي‌ء مفطراً ، مع علمه بحرمته ، كما إذا لم يعلم أن الكذب على الله ورسوله (ص)

______________________________________________________

[١] قد تقدم عدم الدليل على وجوبها فيه وفي النوم الثالث. والعمومات المتقدمة لا تقتضيه ، لانتفاء العمد فيها. فراجع ما سبق في المفطرات.

[٢] كما نسب إلى الأكثر ، والمشهور. وقيل بثبوتها في المقصر ، دون القاصر. ووجه الأول : الإطلاقات المتقدمة ، لعدم منافاة الجهل للعمد المأخوذ قيداً في وجوبها في كثير من النصوص. ووجه الثاني : انصراف الكفارة واختصاصها بصورة الإثم ، وهو غير حاصل في القاصر.

[٣] لما تقدم من موثق أبي بصير وزرارة : « عن رجل أتى أهله وهو في شهر رمضان ، أو أتى أهله وهو محرم ، وهو لا يرى إلا أن ذلك حلال له. قال (ع) : ليس عليه شي‌ء » (١) بناء على عمومه الشامل للقاصر والمقصر ـ كما هو الظاهر ـ لترك الاستفصال ، مع عدم القرينة على التعيين.

نعم موردها من كان يرى أنه غير مفطر ، فتشمل القاطع بالحل مطلقا والمتردد الذي يحكم عقله بجواز الارتكاب ـ بناء على أن المراد بالحل الأعم من الواقع والظاهر ـ ولا تشمل المتردد الذي لا يحكم عقله بالحل ، فالتعدي إليه لا يخلو من إشكال ، بل الرجوع الى عموم الكفارة فيه أنسب بالقاعدة كما تقدم مثل ذلك في القضاء.

__________________

(١) راجع أوائل الكلام من فصل اعتبار العمد والاختيار في الإفطار.

٣٤١

من المفطرات ، فارتكبه حال الصوم ، فالظاهر لحوقه بالعالم في وجوب الكفارة [١].

( مسألة ١ ) : تجب الكفارة في أربعة أقسام من الصوم :

الأول : صوم شهر رمضان. وكفارته مخيرة [٢] بين‌

______________________________________________________

[١] لا يخلو من إشكال ، لأن الظاهر من قول السائل : « وهو لا يرى إلا أن ذلك حلال له » أنه يرى حلال له من حيث الصوم ومن حيث الإحرام ، لا أنه حلال في نفسه ، أو من حيثية أخرى. وحينئذ فيشمل الفرض المذكور.

[٢] كما عن الشيخين ، والسيدين ، والإسكافي ، والقاضي والحلي ، والحلبي وسلار ، وكثير ممن تأخر. وفي الجواهر ، وعن الحدائق : أنه المشهور ، وعن الانتصار : أنه مما انفردت به الإمامية. ويشهد له صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل أفطر في شهر رمضان متعمداً يوماً واحداً ، من غير عذر. قال (ع) : يعتق نسمة ، أو يصوم شهرين متتابعين ، أو يطعم ستين مسكيناً. فان لم يقدر تصدق بما يطيق » (١) وخبر أبي بصير : « عن رجل وضع يده على شي‌ء من جسد امرأته فأدفق. فقال (ع) : كفارته أن يصوم شهرين متتابعين ، أو يطعم ستين مسكيناً أو يعتق رقبة » (٢) وموثق سماعة ـ المروي عن نوادر ابن عيسى ، على ما في الجواهر والوسائل المصححة. وكذا في رواية الشيخ ، على ما في الوسائل : ـ « عن رجل أتى أهله في شهر رمضان متعمداً. قال (ع) : عليه عتق رقبة ، أو إطعام ستين مسكيناً ، أو صوم شهرين متتابعين » (٣) ‌و‌موثقه

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٤ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٥.

(٣) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١٣ ، ملحقة.

٣٤٢

العتق ، وصيام شهرين متتابعين ، وإطعام ستين مسكيناً على الأقوى. وإن كان الأحوط الترتيب [١] ، فيختار العتق مع الإمكان ،

______________________________________________________

الآخر : « عن معتكف واقع أهله. قال (ع) : عليه ما على الذي أفطر يوماً من شهر رمضان متعمداً : عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستين مسكيناً » (١).

وقد تؤيد هذه النصوص بما اقتصر فيه على ذكر الصدقة لا غير ، كصدر مصحح جميل (٢) ومصحح محمد بن النعمان (٣) ومصحح عبد الله ابن سنان (٤) وموثق عبد الرحمن بن أبي عبد الله (٥) وموثق سماعة (٦) وخبر إدريس بن هلال (٧) وغيرها. بناء على أن التصرف فيها بالحمل على التخيير ـ كما يقتضيه القول به ـ أولى من التصرف فيها بالتقييد ، كما يقتضيه القول بالترتيب.

ويمكن أن يعارض بالاقتصار في صحيح البزنطي عن المشرقي على الأمر بالعتق (٨) إذ على الترتيب يمكن الأخذ بظاهره ، وعلى التخيير لا بد من حمله على الوجوب التخييري.

[١] كما عن العماني ، والمرتضى في أحد قوليه ، ونسب الى محتمل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب الاعتكاف حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٦.

(٤) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٣.

(٥) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١٠.

(٦) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١٢.

(٧) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٨.

(٨) تقدم ذلك في أول الفصل.

٣٤٣

ومع العجز عنه فالصيام ، ومع العجز عنه فالاطعام. ويجب الجمع بين الخصال إن كان الإفطار على محرم [١] ، كأكل المغصوب ، وشرب الخمر ، والجماع المحرم ، ونحو ذلك.

______________________________________________________

الخلاف ، ولم يعرف لغيرهم. لما عن علي بن جعفر (ع) في كتابه ، عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام : « عن رجل نكح امرأته وهو صائم في رمضان ، ما عليه؟ قال (ع) : عليه القضاء ، وعتق رقبة. فان لم يجد فصيام شهرين متتابعين. فان لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً. فان لم يجد فليستغفر الله تعالى » (١) وخبر عبد المؤمن الأنصاري : « فيمن أتى أهله في شهر رمضان. قال (ص) : أعتق رقبة. قال : لا أجد قال (ص) : فصم شهرين متتابعين. قال : لا أطيق. قال (ص) : تصدق على ستين مسكيناً » (٢).

وفيه : أن الثاني ـ مع ضعفه في نفسه ـ إنما يدل بالإطلاق الظاهر في التعيين ، والتصرف فيه بحمله على التخيير ـ بقرينة ما سبق ـ أولى من التصرف فيما سبق من التقييد ، بجعل ( أو ) للتنويع ، لا التخيير. مع أن هجره عند الأصحاب كاف في سقوطه عن الحجية.

ومن الأخير يظهر الإشكال في الأول. مضافاً الى أن التصرف فيه بالحمل على الاستحباب أولى من التصرف فيما سبق بحمل ( أو ) على التنويع ولو سلم التعارض فالترجيح لما سبق ، لكثرة العدد ، وأصحية السند ، والمخالفة للعامة. فلاحظ.

[١] كما عن الصدوق ، والشيخ في كتابي الحديث ، والوسيلة ، والجامع وجملة من كتب العلامة ، والشهيدين وغيرهم. لخبر عبد السلام بن صالح‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٩.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٥.

٣٤٤

______________________________________________________

ـ الذي رواه الصدوق عن عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري ، عن علي بن محمد بن قتيبة ، عن حمدان بن سليمان عنه ـ قال : « قلت للرضا (ع) : يا ابن رسول الله ، قد روي عن آبائك (ع) فيمن جامع في شهر رمضان أو أفطر فيه : ثلاث كفارات ، وروي عنهم (ع) أيضا : كفارة واحدة فبأي الحديثين نأخذ؟ قال (ع) : بهما جميعاً ـ متى جامع الرجل حراماً ، أو أفطر على حرام في شهر رمضان ، فعليه ثلاث كفارات : عتق رقبة ، وصيام شهرين متتابعين ، وإطعام ستين مسكيناً ، وقضاء ذلك اليوم. وان نكح حلالا ، أو أفطر على حلال ، فعليه كفارة واحدة. وان كان ناسياً فلا شي‌ء عليه » (١).

والتوقف في اعتبار السند من جهة عبد الواحد بن محمد بن عبدوس ، أو علي بن محمد بن قتيبة ، أو عبد السلام بن صالح الهروي في غير محله. إذ الأول من مشايخ الصدوق المعتبرين ، الذين أخذ عنهم الحديث ، كما عن المدارك. والثاني من مشايخ الكشي ، وعليه اعتمد في رجاله ، كما في النجاشي والخلاصة. وفي الخلاصة ، في ترجمة يونس بن عبد الرحمن : « روى الكشي حديثاً صحيحاً عن علي بن محمد القتيبي .. إلى أن قال : وفي حديث صحيح عن علي بن محمد القتيبي .. ». وقد ذكره في الخلاصة في قسم الموثقين ، وهو ظاهر ما في المختلف أيضاً ، حيث قال : « في طريق هذه الرواية : عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري. ولا يحضرني الآن حاله ، فان كان ثقة فالرواية صحيحة يتعين العمل بها » والثالث في الخلاصة : « إنه ثقة صحيح الحديث ». ونحوه عن النجاشي ، والحسن بن داود ، وغيرهم ممن تأخر. مضافاً الى ما في التحرير في كتاب الكفارات : من تصحيح الحديث المذكور. وإلى اعتضاده بما عن الفقيه من الفتوى بمضمونه ، لوجود ذلك‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١.

٣٤٥

الثاني : صوم قضاء شهر رمضان [١]

______________________________________________________

في رواية أبي الحسين الأسدي ، فيما ورد عليه من الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمرى (ره) ..

وبه ترفع اليد عن إطلاق النصوص المتقدمة ، فتحمل على إرادة بيان كفارة الإفطار من حيث هو ، لا من حيث خصوصية كونه على حرام.

[١] على المشهور ، وفي الجواهر : نفى الخلاف فيه ممن عدا العماني. وعن الانتصار والغنية والخلاف : الإجماع عليه. وتشهد له جملة من النصوص كخبر بريد بن معاوية العجلي عن أبي جعفر (ع) : « في رجل أتى أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان. قال (ع) : إن كان أتى أهله قبل الزوال فلا شي‌ء عليه ، إلا يوماً مكان يوم. وإن كان أتى أهله بعد الزوال فان عليه أن يتصدق على عشرة مساكين ، فان لم يقدر عليه صام يوماً مكان يوم ، وصام ثلاثة أيام كفارة لما صنع » (١). ونحوه في ثبوت الكفارة ما يأتي : من صحيح هشام بن سالم‌ ، ومرسل حفص بن سوقه‌ ، وموثق زرارة.

نعم يعارضها موثق عمار عن أبي عبد الله (ع) : « عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان ، ويريد أن يقضيها ، متى يريد أن ينوي الصيام قال (ع) : هو بالخيار إلى أن تزول الشمس ، فاذا زالت الشمس فان كان نوى الصوم فليصم ، وإن كان نوى الإفطار فليفطر .. إلى أن قال : سئل : فإن نوى الصوم ، ثمَّ أفطر بعد ما زالت الشمس؟ قال (ع) : قد أساء ، وليس عليه شي‌ء إلا قضاء ذلك اليوم الذي أراد أن يقضيه » (٢) والجمع بينه وبين ما سبق وإن كان يقتضي حمل ما سبق على الاستحباب ـ كما في محكي المسالك وعن الذخيرة ـ ولا سيما بملاحظة اختلافه في كيفيتها ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ٤.

٣٤٦

إذا أفطر بعد الزوال [١]. وكفارته إطعام عشرة مساكين ، لكل مسكين مد [٢]. فان لم يتمكن فصوم‌

______________________________________________________

وفي وقت ثبوتها. إلا أنه لا مجال له بعد هجره عند الأصحاب ، ومخالفته للإجماعات التي عرفتها ، فيتعين حمله على التقية. فتأمل.

[١] كما في خبر بريد المتقدم. وعليه يحمل إطلاق موثق زرارة‌ ، ومرسل حفص. وأما ما في صحيح هشام ، من قول أبي عبد الله (ع) ـ في رجل وقع على أهله وهو يقضي شهر رمضان ـ : « إن كان وقع عليها قبل صلاة العصر فلا شي‌ء عليه ، يصوم يوماً بدل يوم وان فعل بعد العصر صام ذلك اليوم ، وأطعم عشرة مساكين ، فان لم يمكنه صام ثلاثة أيام كفارة لذلك » (١). فلا مجال للأخذ به ، لعدم القائل به ، فلا بد من طرحه فيحمل على سهو الراوي. أو إرادة وقت الظهر ـ بناء على اشتراكهما في الوقت ـ أو نحو ذلك ، وإن بعد.

[٢] كما نسب إلى المشهور. لخبر بريد‌ ، وصحيح هشام المتقدمين. وعن علي بن بابويه وولده : أنها كفارة الإفطار في رمضان المتقدمة. وعن ابن البراج : أنها كفارة يمين : إطعام عشرة مساكين ، أو كسوتهم ، أو تحرير رقبة ، مخيراً بينها. ونسب أيضاً الى الشيخين ، وسلار ، والحلبي ، والحلي وربما نسب إلى الحلبي : أنها صيام ثلاثة أيام ، أو إطعام عشرة مساكين. وعن ابن حمزة في الوسيلة ذلك إذا لم يكن مستخفاً ، وإلا فكفارة الإفطار في رمضان.

ووجه الأول : موثق زرارة عن أبي جعفر : « رجل صام قضاء من شهر رمضان فأتى النساء. قال (ع) : عليه من الكفارة مثل ما على الذي أصاب في شهر رمضان ، لأن ذلك اليوم عند الله من أيام رمضان » (٢)

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ٣.

٣٤٧

ثلاثة أيام [١]. والأحوط إطعام ستين مسكيناً.

الثالث : صوم النذر المعين [٢]. وكفارته كفارة إفطار شهر رمضان [٣].

______________________________________________________

وما في مرسل حفص بن سوقة من قوله (ع) ـ في الرجل يلاعب أهله أو جاريته وهو في قضاء شهر رمضان ، فيسبقه الماء فينزل ـ : « عليه من الكفارة مثل ما على الذي جامع في شهر رمضان » (١).

وفيه : أن الثاني مرسل لا يصلح للاعتماد عليه. والأول لا يصلح لمعارضة ما سبق ، لا مكان الجمع العرفي بحمله على الاستحباب. فتأمل. ولو بني على امتناع الجمع كان الترجيح من الأولين ، لصحة السند ، وكثرة العدد. ودعوى : ضعف خبر بريد بالحارث بن محمد المجهول مندفعة : بانجبارها باعتماد المشهور. ولا سيما كون الراوي عنه الحسن بن محبوب ، الذي هو من أصحاب الإجماع ، ومن الذين قيل في حقهم : إنهم لا يروون إلا عن ثقة ، وكون الراوي عن الحسن أحمد بن محمد ، الظاهر في ابن عيسى الأشعري.

ومثلها : الإشكال في صحيح هشام لاشتماله على التحديد بالعصر ، إذ يمكن التفكيك في مدلول الخبر الواحد في الحجية.

[١] كما في صحيح هشام‌ ، وخبر العجلي‌.

[٢] على المشهور شهرة عظيمة ، بل لم يعرف الخلاف فيه إلا من ابن أبي عقيل ، وعن الانتصار : الإجماع عليه. للنصوص الآتية. ومستند ابن أبي عقيل غير ظاهر ، كما في الجواهر.

[٣] كما عن المشهور في كفارة النذر ، وعن الانتصار والغنية : الإجماع عليه. لصحيح جميل عن عبد الملك بن عمر عن أبي عبد الله (ع) : « سألته عمن جعل لله عليه أن لا يركب محرماً سماه فركبه. قال (ع) : لا ، ولا‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٢.

٣٤٨

______________________________________________________

أعلمه إلا قال : فليعتق رقبة ، أو ليصم شهرين متتابعين ، أو ليطعم ستين مسكيناً » (١) ومكاتبة ابن مهزيار إلى الهادي (ع) : « رجل نذر أن يصوم يوماً بعينه ، فوقع ذلك اليوم على أهله ، ما عليه من الكفارة؟ فكتب اليه : يصوم يوماً بدل يوم ، وتحرير رقبة مؤمنة » (٢) ونحوها ـ سؤالا وجواباً ـ مكاتبة الحسين بن عبيدة (٣) ومكاتبة القاسم الصيقل (٤) بناء على أن الأمر بالعتق للتخيير بينه وبين الإطعام والصيام.

وفيه : أن الخبر الأول معارض بمصحح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « إن قلت : ( لله علي ) فكفارة يمين » (٥) وخبر حفص بن غياث عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « سألته عن كفارة النذر ، فقال (ع) : كفارة النذر كفارة اليمين » (٦) والمكاتبات كما تصلح أن تكون شاهداً لكون الكفارة كفارة رمضان ، تصلح أيضا شاهداً لكونها كفارة يمين ، لأن العتق أحد خصالها الثلاث أيضاً.

بل صحيح ابن مهزيار ـ : « كتب بندار مولى إدريس : يا سيدي نذرت أن أصوم كل يوم سبت ، فإن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفارة؟ فكتب اليه وقرأته : لا تتركه إلا من علة. وليس عليك صومه في سفر ، ولا مرض. إلا أن تكون نويت ذلك. وإن كنت أفطرت فيه من غير علة فتصدق بعدد كل يوم على سبعة مساكين » (٧) ـ شاهد للثاني ، بناء على أن ( سبعة )

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب الكفارات حديث : ٧.

(٢) الوسائل باب : ٧ من أبواب بقية الصوم الواجب حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٧ من أبواب بقية الصوم الواجب حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٧ من أبواب بقية الصوم الواجب حديث : ٣.

(٥) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب الكفارات حديث : ١.

(٦) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب الكفارات حديث : ٤.

(٧) الوسائل باب : ٧ من أبواب بقية الصوم الواجب حديث : ٤.

٣٤٩

______________________________________________________

مصحف ( عشرة ) ، كما حكي في المسالك : روايته كذلك في المقنع (١) ، قائلا في المسالك : « هو عندي بخطه الشريف ».

بل مقتضى الجمع بينه وبين المكاتبات السابقة : الحمل على التخيير ، فتكون معارضة لخبر عبد الملك‌ ، موافقة لحسن الحلبي وخبر حفص. ولا ريب حينئذ في وجوب ترجيحها عليه ، لضعفه ، واتحاده ، بل لقصور حكايته ، حيث يظهر منه نحو تردد للراوي في روايته. فلاحظ. وكأنه لذلك اختار في النافع والمسالك : أنها كفارة يمين ، وحكي عن الصدوق (ره).

نعم قد يعارض ذلك كله مخالفتها للإجماع المحكي عن الانتصار والغنية وموافقتها لمذهب العامة. لكن الإجماع المحكي لم يبلغ حداً يوجب سقوط مخالفه عن الحجية. وموافقة العامة ومخالفتهم واقعتان في مقام الترجيح في مقبولة ابن حنظلة في الرتبة اللاحقة للمرجحات السابقة. فلاحظ.

هذا وعن الروض ، والحلي ، والعلامة في بعض كتبه : حمل الخبر على كفارة نذر الصوم ، وحمل معارضه على غيره ، واختاره في الوسائل. وفيه : أنه لا شاهد له ، فلا مجال لارتكابه. وعن الشيخ : حمل الأول على القادر ، ومعارضه على العاجز ، بشهادة خبر جميل بن صالح : « كل من عجز عن نذر نذره فكفارته كفارة يمين » (٢). وفيه : أن الظاهر منه العجز عن المنذور ، لا العجز عن كفارة النذر ، فيتعين حمله على الاستحباب. وعن سلار ، والكراجكي ، وظاهر غيرهما : أن كفارة النذر كفارة ظهار ودليله غير ظاهر. ومثله : ما عن الراوندي : من أنها كفارة ظهار ، فان عجز عنها فكفارة يمين.

__________________

(١) لاحظ المقنع باب الأيمان والنذور والكفارات صفحة ٣٤.

(٢) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب الكفارات حديث : ٥.

٣٥٠

الرابع : صوم الاعتكاف [١]. وكفارته مثل كفارة شهر رمضان مخيرة بين الخصال [٢] ، ولكن الأحوط الترتيب المذكور. هذا وكفارة الاعتكاف مختصة بالجماع ، فلا تعم سائر المفطرات [٣].

______________________________________________________

[١] بلا خلاف ظاهر في الجملة. وتقتضيه النصوص الآتية.

[٢] كما هو الأشهر فتوى ، وعن المنتهى والتذكرة : نسبته إلى فتوى علمائنا ، وعن الغنية : الإجماع عليه. ويدل عليه موثق سماعة المتقدم في كفارة رمضان (١) وموثقه الآخر : « سألت أبا عبد الله (ع) عن معتكف واقع أهله. فقال (ع) : هو بمنزلة من أفطر يوماً من شهر رمضان » (٢)

وعن بعض : أنها كفارة ظهار. وعن المسالك والمدارك : أنه أرجح لصحيح زرارة : « سألت أبا جعفر (ع) عن المعتكف يجامع أهله. قال (ع) : إذا فعله فعليه ما على المظاهر » (٣) وصحيح أبي ولاد الحناط : « سألت أبا عبد الله (ع) في امرأة معتكفة هيأت نفسها لزوجها حتى واقعها .. قال (ع) : عليها ما على المظاهر » (٤) الواجب ترجيحهما على ما سبق لصحة السند. وفيه : أنه يتم لو لم يمكن الجمع العرفي بالحمل على الأفضل.

[٣] كما في الشرائع. وفي الجواهر : نسبته الى الشيخ ومن تبعه ، وعن المدارك ناسباً له إلى الشيخ وأكثر المتأخرين. لاختصاص النصوص المتقدمة بالجماع ، والأصل البراءة من وجوب الكفارة في غيره. وعن المفيد‌

__________________

(١) لاحظ القسم الأول من الأقسام الأربع من هذا الفصل.

(٢) الوسائل باب : ٦ من أبواب الاعتكاف حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٦ من أبواب الاعتكاف حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٦ من أبواب الاعتكاف حديث : ٦.

٣٥١

والظاهر أنها لأجل الاعتكاف [١] لا للصوم ، ولذا تجب في الجماع ليلا أيضاً. وأما ما عدا ذلك من أقسام الصوم فلا كفارة في إفطاره [٢] ، واجباً كان ـ كالنذر المطلق ، والكفارة ـ أو مندوباً ، فإنه لا كفارة فيها وإن أفطر بعد الزوال.

( مسألة ٢ ) : تتكرر الكفارة بتكرر الموجب في يومين أو أزيد [٣] من صوم له كفارة.

______________________________________________________

والسيدين والعلامة في التذكرة : الوجوب ، بل عن الغنية : الإجماع عليه ، إلحاقاً له بالجماع. وفيه : ما لا يخفى. نعم عن الشيخ في الخلاف والمبسوط وظاهر العلامة في التذكرة : الإجماع على ثبوتها في الاستمناء. وليس له وجه ظاهر. والإجماع لا مجال للاعتماد عليه بعد مخالفة مثل المحقق وغيره.

[١] كما يقتضيه ظاهر النصوص التي تقدمت إليها الإشارة ، وصريح ما دل على وجوب الكفارة في الجماع ليلا ، كخبر عبد الأعلى بن أعين : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل وطئ امرأته وهو معتكف ليلا في شهر رمضان. قال (ع) : عليه الكفارة. قلت : فإن وطئها نهاراً. قال (ع) : عليه كفارتان » (١) ‌ونحوه مرسل الصدوق (٢).

[٢] بلا خلاف ظاهر ، وعن المنتهى : دعوى اتفاق العامة والخاصة عليه. ويقتضيه الأصل ، بعد اختصاص ما دل على ثبوت الكفارة بالإفطار بغيره ، وعدم الدليل على ثبوت الكفارة فيه.

[٣] إجماعاً ، كما عن المبسوط ، والتذكرة ، والتنقيح ، ونهج الحق وفي الجواهر الإجماع بقسميه عليه. من غير فرق بين تخلل التكفير وعدمه ، واتحاد جنس الموجب وعدمه ، والوطء وغيره. لإطلاق ما دل على وجوبها‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب الاعتكاف حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٦ من أبواب الاعتكاف حديث : ٣.

٣٥٢

ولا تتكرر بتكرره في يوم واحد [١] في غير الجماع ، وإن تخلل التكفير بين الموجبين ، أو اختلف جنس الموجب على‌

______________________________________________________

بالإفطار ، الصادق مع الجميع ، كما يقتضيه البناء على أصالة عدم التداخل مع عدم ما يوجب الخروج عنه.

[١] كما عن المبسوط ، والخلاف ، والوسيلة ، وكتب المحقق الثلاثة والمنتهى والذخيرة. لامتناع تكرر الإفطار الموجب لها ، إذ لا ينطبق إلا على استعمال المفطر أولا ، فمقتضى أصالة البراءة عدم وجوب الزائد على المرة. وما في بعض النصوص ـ من تعليق الكفارة على استعمال نفس المفطر ـ منصرف إلى صورة وقوعه مفطراً ، ولذا لا يبنى على وجوب الكفارة ولو مع عدم وجوب الصوم.

ومن ذلك يظهر ضعف القول بالتكرار مطلقاً ، كما عن المحقق الثاني في حواشي الشرائع ، وفي المسالك : « إنه الأصح ، إن لم يكن سبق بالإجماع على خلافه ». وكأنه اعتماد على أصالة عدم التداخل. ولأنه كما يجب الإمساك قبل فعل المفطر يجب بعد فعله أيضاً ، فإذا وجبت الكفارة في الأول ، لمخالفة وجوب الإمساك ، كذلك تجب في الثاني. إذ فيه : أن أصالة عدم التداخل إنما تجدي لو تكرر عنوان السبب ، وقد عرفت امتناعه. كما أن مجرد مخالفة وجوب الإمساك لم يجعل موضوعاً للسببية ، ليبنى على عدم الفرق بين المخالفتين ، وإنما المجعول الإفطار ـ الذي هو نقض الصوم ـ وليس له إلا فرد واحد.

ودعوى : أنه لا دليل على انتقاض الصوم باستعمال المفطر أولا ، بل من الجائز صحته حتى بعد استعماله. ودليل القضاء لا ينافي ذلك ، لإمكان كونه واجباً تعبداً ، نظير الكفارة. مندفعة : بأنه خلاف صريح النصوص الدالة على ماهية الصوم ، وبيان المفطرات ، ونصوص القضاء أيضاً ، إذ‌

٣٥٣

الأقوى ، وإن كان الأحوط التكرار مع أحد الأمرين ، بل الأحوط التكرار مطلقاً. وأما الجماع فالأحوط ، بل الأقوى تكريرها بتكرره [١].

______________________________________________________

ليس القضاء إلا فعل ما لم يفعل في وقته. فراجع ، وتأمل.

كما يظهر أيضا ضعف ما عن المختلف وغيره : من التكرر مع تغاير جنس المفطر ، أو اتحاده مع وقوع التكفير عن الأول ، وعدم التكرر مع انتفائهما معاً. ومستنده في الأول : أصالة عدم التداخل. وفي الثاني : أصالة التداخل. وفيه : أن الأصل عدم التداخل مطلقاً. واختلاف الجنس ، ووقوع التكفير لا يقتضيان شيئاً بعد امتناع تكرر السبب ـ أعني : الإفطار ـ كما عرفت.

ومن ذلك كله يظهر ضعف التفصيل بين اختلاف الجنس فتتكرر ، واتحاده فلا ، وبين وقوع التكفير فتتكرر ، وعدمه فلا.

[١] كما نسب إلى السيد المرتضى ( قده ) وقواه في المستند. وكأنه لما ورد في كفارته من النصوص الكثيرة ، المعلقة وجوب التكفير على عنوان : الجماع ، أو ملاعبة الأهل ، أو العبث بها ، أو نحو ذلك ، من دون تعرض فيها لعنوان الإفطار. وحينئذ يكون مقتضى أصالة عدم التداخل وجوب التكرار.

وفيه : ما عرفت من أن منصرف النصوص المذكورة خصوص الإفطار بالجماع ، لا نفس الجماع تعبداً. مع أنه لو تمَّ لجرى في بعض أخبار الاستمناء لذكره بنفسه سبباً للكفارة. فالعمدة فيه : رواية الفتح بن يزيد الجرجاني المروية عن العيون والخصال : « أنه كتب إلى أبي الحسن (ع) يسأله عن رجل واقع امرأة في شهر رمضان ، من حلال أو حرام في يوم عشر مرات. قال (ع) : عليه عشر كفارات. فإن أكل أو شرب فكفارة يوم واحد » (١).

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١.

٣٥٤

( مسألة ٣ ) : لا فرق في الإفطار بالمحرم الموجب لكفارة الجمع بين أن تكون الحرمة أصلية ـ كالزنا ، وشرب الخمر ـ أو عارضية [١] ، كالوطء حال الحيض ، أو تناول ما يضره.

( مسألة ٤ ) : من الإفطار بالمحرم : الكذب على الله ، وعلى رسوله (ص) ، بل ابتلاع النخامة إذا قلنا بحرمتها من حيث دخولها في الخبائث. لكنه مشكل [٢].

______________________________________________________

وعن ابن أبي عقيل : أنه روى عن صاحب كتاب ( شمس المذهب ) عنهم (ع) : « أن الرجل إذا جامع في شهر رمضان عامداً فعليه القضاء والكفارة. فإن عاد إلى المجامعة في يومه ذلك مرة أخرى فعليه في كل مرة كفارة » (١). وعن العلامة (ره) : « روي عن الرضا (ع) : أن الكفارة تتكرر بتكرر الوطء » (٢) وفيه : أنه لم تثبت حجية الروايات المذكورة ، فالاعتماد عليها غير ظاهر. وعمل السيد (ره) الذي لا يعمل إلا بالقطعيات غير معلوم.

[١] لما عرفت من إطلاق المحرم ، الشامل لما هو أعم من المحرم بالذات وبالعارض.

[٢] لعدم ثبوت ذلك ، كيف ويتعارف وقوعه كثيراً بلا اكتراث من أهل العرف فيه؟! بل في صحيح عبد الله بن سنان عن الصادق (ع) : « من تنخع في المسجد ، ثمَّ ردها في جوفه ، لم تمر بداء في جوفه إلا أبرأته منه (٣). فأصالة البراءة عن الحرمة ـ كما في المستند ـ محكمة. نعم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب أحكام المساجد حديث : ١.

٣٥٥

( مسألة ٥ ) : إذا تعذر بعض الخصال في كفارة الجمع وجب عليه الباقي [١].

( مسألة ٦ ) : إذا جامع في يوم واحد مرات وجب عليه كفارات بعددها. وإن كان على الوجه المحرم تعددت كفارة الجمع بعددها [٢].

( مسألة ٧ ) : الظاهر أن الأكل في مجلس واحد يعد إفطاراً واحدا وإن تعددت اللقم ، فلو قلنا بالتكرار مع التكرر في يوم واحد لا تتكرر بتعددها ، وكذا الشرب إذا كان جرعة فجرعة.

( مسألة ٨ ) : في الجماع الواحد إذا أدخل وأخرج مرات لا تتكرر الكفارة [٣] ، وان كان أحوط.

( مسألة ٩ ) : إذا أفطر بغير الجماع ، ثمَّ جامع بعد ذلك ، يكفيه التكفير مرة [٤]. وكذا إذا أفطر أولا بالحلال ، ثمَّ‌

______________________________________________________

لا ينبغي التأمل في كون نخامة الغير منها.

[١] لا يخلو من إشكال ، لأن الظاهر من الدليل كون التكليف بالجمع ارتباطياً. وعليه فمقتضى القاعدة الأولية سقوطه بالعجز عنه ولو للعجز عن بعض أجزائه. إلا أن تثبت قاعدة الميسور. ولكنه محل إشكال ، أو منع كما تكرر في هذا الشرح. نعم إذا طرأ العجز لم يبعد الوجوب ، عملاً بالاستصحاب.

[٢] بناء على تعددها بتعدد الجماع.

[٣] لأن الظاهر من دليل تكررها بتكرر الجماع غير هذا الفرض.

[٤] هذا يتم إذا لم نقل بالتكرر بالجماع ، إذ الإفطار حينئذ لا ينطبق‌

٣٥٦

أفطر بالحرام تكفيه كفارة الجمع [١].

( مسألة ١٠ ) : لو علم أنه أتى بما يوجب فساد الصوم وتردد بين ما يوجب القضاء فقط أو يوجب الكفارة أيضاً ، لم تجب عليه [٢]. وإذا علم أنه أفطر أياماً ولم يدر عددها ، يجوز له الاقتصار على القدر المعلوم [٣]. وإذا شك في أنه أفطر بالمحلل أو المحرم كفاه إحدى الخصال [٤]. وإذا شك في أن اليوم الذي أفطره كان من شهر رمضان أو كان من‌

______________________________________________________

إلا على الأول ، فالجماع الواقع بعد الإفطار بالأكل كالأكل الواقع بعد الإفطار بالأكل. أما إذا قلنا بالتكرر بتكرره فظاهر دليله حينئذ سببية كل فرد من الجماع إذا وقع في نهار رمضان وإن لم يتحقق الإفطار به ، فيكون الجماع في الفرض موجباً للكفارة.

ودعوى : اختصاص دليل التكرر بصورة تكرر الجماع لا غير ، بحيث يكون وجود الجماع السابق له دخل في وجوب الكفارة بالجماع اللاحق. خلاف ظاهر الدليل. نعم لو انعكس الفرض كان الحكم في محله.

[١] في وجوبها إشكال ، لأن المحرم إنما وقع بعد الإفطار بالمحلل. فلا يكون مفطراً ، فلا يوجب الكفارة ، بناء على عدم التكرر بتكرر غير الجماع. نعم لو انعكس الفرض كان ما ذكر في محله.

[٢] للأصل.

[٣] يعني : الاقتصار في الكفارة. ووجهه : أصالة البراءة من وجوب الزائد عليه. ولا فرق بين أن يكون النسيان مسبوقاً بالذكر أم لا ، لأن العلم السابق إنما ينجز حال وجوده ، فاذا زال حال النسيان فقد زال التنجز معه ، وجاز الرجوع إلى أصل البراءة ، كما هو موضح في محله من الأصول.

[٤] لأصالة البراءة من وجوب الزائد.

٣٥٧

قضائه ـ وقد أفطر قبل الزوال ـ لم تجب عليه الكفارة [١] ، وإن كان قد أفطر بعد الزوال كفاه إطعام ستين مسكيناً [٢] ، بل له الاكتفاء بعشرة مساكين [٣].

( مسألة ١١ ) : إذا أفطر متعمداً ثمَّ سافر بعد الزوال لم تسقط عنه الكفارة بلا إشكال [٤]. وكذا إذا سافر قبل الزوال [٥] للفرار عنها.

______________________________________________________

[١] لاحتمال كون الإفطار في القضاء قبل الزوال ، الذي لا كفارة فيه ، ومع هذا الاحتمال فالأصل البراءة من الوجوب.

[٢] بلا إشكال ، لأنه أحوط. ولأجل ذلك لا يحتاج إلى بيانه.

[٣] إذ الشك المذكور يوجب العلم إجمالا بوجوب التصدق على عشرة مساكين تعييناً ، أو بوجوب الصدقة على ستين مسكيناً تخييراً بينه وبين العتق وصوم شهرين متتابعين ، فالتصدق على عشرة مساكين مما يعلم بتعلق الطلب به المردد بين التعيين والتخيير. ولأجل ذلك يعلم بتحقق الامتثال به ويشك في وجوب الزائد عليه ، فيرجع فيه إلى أصل البراءة.

[٤] لإطلاق دليل الكفارة ، بلا ورود الشبهة الآتية في الفروض الآتية لكون السفر بعد الزوال لا يمنع من بقاء وجوب الصوم ، كما هو ظاهر.

[٥] بلا خلاف ظاهر ، ونفاه بعض. وعن الخلاف : دعوى الإجماع عليه. وقد يستدل له بمصحح زرارة عن أبي عبد الله (ع) : « أيما رجل كان له مال فحال عليه الحول فإنه يزكيه. قلت له : فان وهبه قبل حله بشهر أو بيوم؟ قال (ع) : ليس عليه شي‌ء أبداً. وقال زرارة عنه (ع) : إنما هذا بمنزلة رجل أفطر في شهر رمضان يوماً في إقامته ، ثمَّ يخرج في آخر النهار في سفر ، فأراد بسفره ذلك إبطال الكفارة التي وجبت عليه. وقال : إنه حين رأى الهلال الثاني عشر وجبت عليه الزكاة ، ولكنه لو‌

٣٥٨

______________________________________________________

كان وهبه قبل ذلك لجاز ولم يكن عليه شي‌ء ، بمنزلة من خرج ثمَّ أفطر. (١) فإن الظاهر من اسم الإشارة في قوله (ع) : « إنما هذا » الإشارة إلى الأول الذي حال الحول على ماله ، لا الثاني ، بقرينة قوله (ع) : « وجبت عليه .. ». مضافاً إلى أن الأول هو موضوع البيان ، فعود اسم الإشارة إليه أولى من الثاني ، لأنه إنما ذكر حكمه عرضاً بعد السؤال عنه ، فليس مقصوداً إلا عرضاً.

وفيه : أن مورده السفر بعد الزوال في آخر النهار ، وقد عرفت أنه لا إشكال في عدم إسقاطه للكفارة.

ويمكن أن يستدل له بما دل على وجوب الصوم إلى أن يسافر (٢) فإنه ظاهر في أنه صوم صحيح ، فيدخل في عموم : « من أفطر وهو صائم متعمداً فعليه الكفارة » (٣) ولا ينافيه ما دل على وجوب قضائه ، لإمكان أن يكون وجوب القضاء لتدارك ما فات من مصلحة الصوم التام. وفيه : أن ظاهر الأدلة كون السفر ناقضاً للصوم ومبطلا له ، فيبطل الصوم الواقع منه بمجرد تحقق السفر منه ، فاذا كان المكلف يسافر في علم الله تعالى قبل الزوال ، فصومه باطل من أول الأمر ، فالإفطار قبل السفر إفطار في صوم باطل ، فلا أثر له في وجوب الكفارة. ولا ينافيه وجوب الإمساك إلى أن يسافر ، لإمكان كونه احتراماً للشهر ، لا لوجوب الصوم حقيقة ، فيكون الإمساك المذكور من قبيل الإمساك بعد الإفطار عمداً ، فإنه لا يدل على كونه صوما حقيقة. فتأمل.

فالأولى أن يقال : إن السفر في أثناء النهار إن كان عدمه شرطاً‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١.

(٢) كما يأتي ذلك في الأمر الخامس من شرائط صحة الصوم.

(٣) تقدم ذلك في أول هذا الفصل.

٣٥٩

______________________________________________________

للوجوب ـ يعني : لثبوت ملاك الصوم ـ كان الصوم قبله بلا ملاك ، فلا يكون الإفطار قبله موجباً للكفارة. وإن كان عدمه شرطاً للواجب ـ وهو الصوم ـ كما يقتضيه صدق الفوت والقضاء في حق المسافر ، فيقال : فاته الصوم ، ويجب عليه قضاؤه ، إذ الفوت إنما يصدق في ظرف وجود الملاك ، والقضاء فرع وجوب الأداء وفوته ، كان اللازم البناء على وجوب الكفارة كما لو أفطر ولم يسافر ، إذ لا فرق بينهما في وجوب الصوم ، وفي حرمة إيقاع المفطر غير السفر ، وفي جواز الإفطار بالسفر. ومجرد اختلافهما بوجود السفر وعدمه لا يؤثر فرقاً في وجوب الكفارة. لأن موضوع الكفارة الصوم الصحيح الواجب على المكلف صحة تأهلية ، وهذا المعنى لا يختل بوجود السفر باختياره.

نعم لو كان السفر غير اختياري كان موجبا للمنع عن التكليف بالصوم لأنه مع الاضطرار الى السفر لا يقدر على إتمامه ، فلا يكون مكلفاً به ، فينتفي. موضوع الكفارة ، لأنه الصوم الواجب. أما السفر الاختياري فلا يمنع عن القدرة على الصوم التام ، ولا عن التكليف به من غير جهة السفر. وبذلك يظهر الفرق بين الموانع الاختيارية والاضطرارية ، فتجب الكفارة بالإفطار قبل الأولى ، ولا تجب به قبل الثانية. فالحيض والنفاس ونحوهما لا توجب سقوط الكفارة لو اتفق وقوعها اختياراً من المكلف بعد صدور المفطر كالسفر الاختياري. ولو وقعت اضطراراً اقتضت سقوط الكفارة ، كالسفر الاضطراري.

هذا ولكن سيأتي في فصل شرائط وجوب الصوم : أن السفر المأخوذ مانعاً من الصوم لم يؤخذ مانعاً منه كسائر الموانع ، ولذا لا يدعو الأمر بالصوم الى تركه ، فيكون التكليف بالصوم كالمنوط بعدمه ، فلا يثبت إلا في ظرف عدمه من باب الاتفاق ، فاذا اتفق وجوده كشف عن عدم‌

٣٦٠