مستمسك العروة الوثقى - ج ٨

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٨

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٤

ذلك كونه مسافة أجزأ [١] ، إذا حصل منه قصد القربة مع الشك المفروض [٢]. ومع ذلك الأحوط الإعادة أيضا.

( مسألة ٩ ) : لو اعتقد كونه مسافة فقصر ثمَّ ظهر عدمها وجبت الإعادة [٣]. وكذا لو اعتقد عدم كونه مسافة فأتم ، ثمَّ ظهر كونه مسافة ، فإنه يجب عليه الإعادة [٤].

( مسألة ١٠ ) : لو شك في كونه مسافة أو اعتقد العدم ثمَّ بان في أثناء السير كونه مسافة يقصر وإن لم يكن الباقي مسافة [٥].

( مسألة ١١ ) : إذا قصد الصبي مسافة ثمَّ بلغ في الأثناء وجب عليه القصر [٦] وإن لم يكن الباقي مسافة. وكذا يقصر‌

______________________________________________________

قاعدة الاشتغال عدم الاكتفاء بالقصر المأتي به ، للشك في الامتثال به.

[١] كما في الجواهر وغيرها. لمطابقة العمل للواقع ، الموجبة للإجزاء‌

[٢] لا ريب في إمكان حصوله ، لما عرفت من عدم اعتبار الجزم بالنية‌

[٣] لعدم الدليل على الاجزاء بموافقة الأمر الظاهري ، فضلا عن الأمر الخيالي الخطئي.

[٤] لما عرفت. وعن المدارك والروض : الإجزاء ، لقاعدة الاجزاء وفيه : ما عرفت.

[٥] كما في الجواهر وغيرها ، بل لا ينبغي الخلاف فيه ، لتحقق الموضوع واقعاً فيتبعه حكمه. واحتمال اعتبار العلم بالمسافة في وجوب القصر ـ كما عن الروض ـ ضعيف كما اعترف به هو ، إذ هو خلاف إطلاق الأدلة.

ودعوى : أن ظاهر أدلة اعتبار القصد لزوم قصد الثمانية فراسخ ، الموقوف على العلم بها ممنوعة ، بل الظاهر منها قصد السفر في مسافة هي في الواقع ثمانية.

[٦] كما عن الروض. لعموم أدلة القصد ، الشامل لقصد الصبي.

٢١

إذا أراد التطوع بالصلاة مع عدم بلوغه. والمجنون الذي يحصل منه القصد إذا قصد مسافة ثمَّ أفاق في الأثناء يقصر. وأما إذا كان بحيث لا يحصل منه القصد فالمدار بلوغ المسافة من حين إفاقته.

( مسألة ١٢ ) : لو تردد في أقل من أربعة فراسخ ذاهباً وجائياً مرات حتى بلغ المجموع ثمانية لم يقصر [١] ، ففي التلفيق لا بد أن يكون المجموع من ذهاب واحد وإياب واحد ثمانية.

( مسألة ١٣ ) : لو كان لبلد طريقان والا بعد منهما مسافة ، فإن سلك الأبعد قصر [٢] ، وإن سلك الأقرب لم‌

______________________________________________________

وفي الجواهر : « فيه إشكال ». وكأنه لما دل على أن عمد الصبي خطا (١). وفيه ـ مع اختصاص ذلك بالجنايات ، كما يظهر من ملاحظة النصوص الدالة عليه ـ : أن القصد المعتبر في المقام أعم من الالتفات ، وإن لم يكن موجباً لإرادة السفر ، كما سيأتي في الأسير في أيدي المشركين ، وهذا المعنى مما لا مجال للإشكال في حصوله للصبي. مع أن لازم الاشكال المذكور عدم إمكان تطوعه بالقصر في السفر وبطلانه على القول بكون عباداته شرعية ، وأنه لا بد من تطوعه بالتمام ، ولا يظن الالتزام به من أحد. وأضعف من ذلك : ما عن بعض : من اعتبار قصد وليه وجوداً وعدماً ، فإنه خال عن السند.

[١] تقدم الكلام فيه في مسألة اختلاف الذهاب والإياب.

[٢] إجماعاً ، كما عن جماعة ، ولم ينسب الخلاف فيه إلا إلى القاضي وعلل بالشك في شمول الأدلة لمثله ، واحتمال كونه من سفر اللهو ، لأن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب العاقلة حديث : ٣.

٢٢

يقصر ، إلا إذا كان أربعة أو أقل وأراد الرجوع من الأبعد [١].

( مسألة ١٤ ) : في المسافة المستديرة [٢] الذهاب فيها‌

______________________________________________________

قطع الزيادة لا لداع ، كقطع تمام المسافة كذلك ، وللشك في صدق المسافر عليه. لكن الجميع كما ترى ، فإن إطلاق الأدلة محكم ، وصدق المسافر عليه قطعي. وكونه من اللهو المانع عن القصر ممنوع. مع أنه قد يكون لداع عقلائي ، كالفرار من الصوم لاحتمال مرض ، أو كون يومه عيداً ، أو لمشقة أو نحو ذلك من الأغراض الصحيحة العقلائية.

[١] بناء على ما تقدم من الاكتفاء بمطلق التلفيق.

[٢] حكى في مفتاح الكرامة عن مصابيح أستاذه الوحيد (ره) ما يوهم عدم اعتبار المسافة المستديرة ، قال في المصابيح : « أما السفر فلا شك في أنه لغة وعرفاً أن يطوي المسافة بعنوان امتداد ذهابي يذهب ويغيب عن الوطن فلا بد من قيدين : أحدهما : الإبعاد عن الوطن ، فلو كان المسافر يمشي ويدور في البلد أو يدور حوله ، لا يكون مسافراً .. » ثمَّ حكى عن الصيمري في كشف الالتباس : أن الاستقامة والاستدارة لا مدخل لهما في تحديد المسافة لإطلاق الفتاوى والروايات .. ، ثمَّ استظهر من الشهيد الثاني في نفائح الأفكار : أنه لا كلام فيه. وجعل الأصرح في الدلالة على ذلك ما عن جماعة الإجماع عليه : من أنه لو كان للبلد طريقان أقرب وأبعد ، فسلك الأبعد قصر ، ولا يكون ذلك إلا مع الاستدارة ، ولا قائل بالفصل بين أفراد الاستدارة .. إلى أخر ما ذكر.

أقول : المسافة المستديرة تارة : تفرض مستديرة على البلد ، وأخرى : في جانب منها ، بحيث يلاصق البلد نقطة منها ، فتكون مع البلد شبه الدائرتين المتلاصقتين. أما الثانية فلا ينبغي التأمل في كونها موضوعاً للقصر ، لإطلاق النصوص والفتاوى ، وصدق السفر معها. ويشهد به ما ذكروه في البلد الذي له طريقان. وأما الأولى فدعوى انصراف النصوص عنها بل الفتوى‌

٢٣

الوصول الى المقصد والإياب منه الى البلد [١]. وعلى المختار : يكفي كون المجموع مسافة مطلقاً ، وإن لم يكن الى المقصد أربعة. وعلى القول الآخر : يعتبر أن يكون من مبدأ السير إليه أربعة مع كون المجموع بقدر المسافة.

( مسألة ١٥ ) : مبدأ حساب المسافة سور البلد [٢] ،

______________________________________________________

قريبة جداً. بل الظاهر عدم صدق السفر ذاهباً وآئباً بريدين في بعض صورها فالبناء على التمام معها عملا بأصالة التمام في محله. والظاهر أنها مورد كلام الوحيد (ره) فلاحظ.

[١] لا يخلو من إشكال ، لأن المعيار في الذهاب التباعد عن مبدأ السير وهو موجود فيما بين المقصد والنقطة المقابلة لمبدإ السير ، فلا يصدق الشروع في الإياب. إلا مع التجاوز عن تلك النقطة. نعم قد يستعمل الإياب بمجرد الخروج عن المقصد مسامحة بلحاظ مقصده الأصلي وهو البلد. لكنه لا عبرة به‌

[٢] كما نسب إلى غير واحد لكونه المتبادر من إطلاق النص والفتوى كما قيل. ويشهد له صحيح زرارة : « سافر رسول الله (ص) إلى ذي خشب ، وهي مسيرة يوم من المدينة يكون إليها بريدان ، أربعة وعشرين ميلا ، فقصر ، وأفطر .. » (١).

وفي الكفاية : « انه لا يبعد أن يكون مبدأ التقدير مبدأ سيره بقصد السفر ». وكأنه لأن ظاهر نصوص التقدير كونها ملحوظة مما بين المكلف والمقصد. وتشير اليه النصوص المتضمنة لذكر المنزل ، مثل خبر المروزي : « فإذا خرج الرجل من منزله يريد اثني عشر‌

__________________

(١) المراد به ـ ظاهراً ـ هو صحيح زرارة ومحمد بن مسلم المذكور في الفقيه ج ١ صفحة ٢٧٨ الطبع الحديث. وقد نقله الوسائل عنه غير مسند في باب : ١ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٤ ، ونقل بعضاً من الرواية عن الفقيه مسنداً في باب : ١٧ من أبواب صلاة المسافر ملحق حديث : ٤ ، وبعضاً آخر كذلك في باب : ٢٢ من الأبواب المذكورة.

٢٤

أو آخر البيوت فيما لا سور فيه في البلدان الصغار والمتوسطات‌

______________________________________________________

ميلا ـ وذلك أربعة فراسخ ـ ثمَّ بلغ فرسخين ونيته الرجوع أو فرسخين آخرين قصر » (١) ، وخبر صفوان : « لا يقصر ولا يفطر ، لأنه خرج من منزله وليس يريد السفر ثمانية فراسخ » (٢) ، ومرسل ابن بكير : « إن كان بينه وبين منزله أو ضيعته التي يؤم بريدان قصر » (٣) ، وموثق عمار : « لا يكون مسافراً حتى يسير من منزله أو قريته ثمانية فراسخ » (٤). لكن مبدأ السير لا ينطبق على المنزل دائماً ، إذ قد يكون من نقطة معينة في المنزل. نعم قد تنطبق النصوص على ما عن ابن بابويه : « من أن مبدأها جدران البيت » لكن ـ مع احتمال أن يكون المراد من المنزل ما هو أوسع من البيت ـ لا يناسب عطف الضيعة والقرية عليه في الخبرين الأخيرين. وحمله على التخيير بين الأقل والأكثر ممتنع. بل الظاهر منها أن المبدأ المنزل ، حيث لا يكون في قرية أو ضيعة ، ومنهما حيث يكون فيهما. ومنه يظهر الاشكال فيما تقدم عن الكفاية ، فإنه وإن سلم أنه مقتضى الإطلاق ، إلا أنه يجب رفع اليد عنه لهذه النصوص.

وأما الأول الذي ذكر في المتن ، فهو وإن كان يساعده الصحيح وغيره مما تقدم ، لكنه عليه يشكل البناء على اعتبار المحلة في البلاد المتسعة جداً ، لعدم الوجه الظاهر. والبناء على كون فهم البلد من النصوص بعناية التقدير ، فيرجع إلى مقدارها في الكبيرة ، وهو المراد من المحلة ، نظير ما ذكر في تحديد الوجه : من رجوع غير مستوي الخلقة إليه مندفع ـ مضافاً إلى‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٤ من أبواب صلاة المسافر حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١٤ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٣.

(٤) الوسائل باب : ٤ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٣.

٢٥

وآخر المحلة في البلدان الكبار الخارقة للعادة. والأحوط ـ مع عدم بلوغ المسافة من آخر البلدان ـ الجمع [١] ، وإن كانت مسافة إذا لوحظ آخر المحلة.

الشرط الثاني : قصد قطع المسافة من حين الخروج [٢] فلو قصد أقل منها ، وبعد الوصول إلى المقصد قصد مقداراً آخر يكون مع الأول مسافة لم يقصر. نعم لو كان ذلك‌

______________________________________________________

أنه لا منشأ لفهم التقدير ، وأنه ليس هناك بلد متعارف المقدار ، ليكون ملحوظاً في مقام التقدير ، لاختلاف البلدان جداً في الصغر والكبر ـ بأن ذلك يوجب رجوع طرفي الإفراط والتفريط في الكبر والصغر إلى ذلك الوسط وكذا من نوى السفر وهو في البيداء ، ولا وجه لاختصاص الرجوع إليه بالكبيرة جداً.

فالأولى أن يقال : إن ظاهر الأدلة اعتبار صدق السفر في تمام المسافة ، فيكون مبدأ المسافة أول حركة يصدق عليها السفر. ولأجل ذلك حصل الاختلاف ، فان من كان في البيداء يصدق السفر على أول خطوة يخطوها ، ومن كان في القرية أو البلد لا يصدق عليه أنه مسافر إلا بالخروج عنهما ، ومن كان في البلاد الكبيرة جداً يصدق عليه المسافر إذا بعد عن أهله ووصل إلى موضع لا يحسب أنه من أهله ، والمسألة محتاجة إلى التأمل.

[١] لاحتمال اعتبار سور البلد في مبدأ المسافة مطلقاً.

[٢] إجماعاً بقسميه ، كما في الجواهر وغيرها. ويدل عليه موثق عمار عن أبي عبد الله (ع) : « عن الرجل يخرج في حاجة ، فيسير خمسة أو ستة فراسخ فيأتي قرية فينزل فيها ، ثمَّ يخرج منها فيسير خمسة فراسخ أخرى أو ستة لا يجوز ذلك ثمَّ ينزل في ذلك الموضع. قال (ع) : لا يكون‌

٢٦

______________________________________________________

مسافراً حتى يسير من منزله أو قريته ثمانية فراسخ ، فليتم الصلاة » (١). فإن الظاهر منه ـ بقرينة السؤال ـ اعتبار إرادة السير ثمانية ، والمرسل عن صفوان ـ فيمن خرج من بغداد يلحق رجلا حتى بلغ النهروان ـ : « قال عليه‌السلام : لا يقصر ، ولا يفطر ، لأنه خرج من منزله وليس يريد السفر ثمانية فراسخ ، إنما خرج يريد أن يلحق صاحبه في بعض الطريق فتمادى به السير إلى الموضع الذي بلغه .. » (٢).

بل في كلام غير واحد الاستدلال عليه : بما دل على تحديد المسافة بضميمة الإجماع والنصوص على جواز التقصير عند بلوغ حد الترخص ، فاذا لم يكن طيها معتبراً في التقصير تعين أن يكون المعتبر قصدها لا غير ، ومن هنا لم تذكر المسافة في القواعد شرطاً في قبال القصد وإنما ذكر قصد المسافة المحدودة لا غير. اللهم إلى أن يقال : طي المسافة معتبر في وجوب التقصير بنحو الشرط المتأخر ، كما يظهر من صحيح أبي ولاد ، المتضمن لإعادة الصلاة التي صلاها قصراً إذا بدا له الرجوع قبل بلوغ المسافة (٣). ولا سيما بملاحظة التعليل فيه. فلاحظ.

فالعمدة إذاً : الإجماع ، والنصوص المذكورة الدالة على اعتبار القصد. وأما اعتبار طي المسافة معه بنحو الشرط المتأخر ، فهو وإن كان ظاهر نصوص المسافة ، وصحيح أبي ولاد ـ ونحوه خبر المروزي ـ (٤) لكن يجب رفع اليد عنهما بالتأويل أو الطرح لإعراض المشهور عنهما ، ومعارضتهما بصحيح زرارة الدال على صحة الصلاة (٥). وسيأتي التعرض لذلك إن شاء الله.

__________________

(١) تقدم ذكرهما في المسألة : ١٥.

(٢) تقدم ذكرهما في المسألة : ١٥.

(٣) الوسائل باب : ٥ من أبواب صلاة المسافر حديث : ١.

(٤) تقدم في المسألة : ١٥ من هذا الفصل.

(٥) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب صلاة المسافر حديث : ١.

٢٧

المقدار مع ضم العود مسافة قصر من ذلك الوقت [١] ، بشرط أن يكون عازماً على العود [٢]. وكذا لا يقصر من لا يدري أي مقدار يقطع ، كما لو طلب عبداً آبقا ، أو بعيراً شارداً ، أو قصد الصيد ولم يدر أنه يقطع مسافة أولا. نعم يقصر في العود إذا كان مسافة ، بل في الذهاب إذا كان مع العود بقدر المسافة وإن لم يكن أربعة [٣] ، كأن يقصد في الأثناء أن يذهب ثلاثة فراسخ ، والمفروض أن العود يكون خمسة أو أزيد. وكذا لا يقصر لو خرج ينتظر رفقة إن تيسروا سافر معهم وإلا فلا [٤] ، أو علق سفره على حصول مطلب في الأثناء قبل بلوغ الأربعة إن حصل يسافر وإلا فلا [٥]. نعم‌

______________________________________________________

وأما موثق عمار : « قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يخرج في حاجة له وهو لا يريد السفر ، فيمضي في ذلك ، فتمادى به المضي حتى يمضي به ثمانية فراسخ ، كيف يصنع في صلاته؟ قال (ع) : يقصر ، ولا يتم الصلاة حتى يرجع إلى منزله » (١) ‌فمحمول ـ كما قيل ـ على التقصير في الرجوع ، أو مطروح في قبال ما عرفت.

[١] يعني : وقت سيره الثاني.

[٢] ليكون من الثمانية الملفقة.

[٣] على ما سبق من المصنف (ره) من الاكتفاء بمطلق التلفيق.

[٤] كما نص عليه الأصحاب لما سبق.

[٥] لظهور الأدلة المتقدمة في القصد المنجز المطلق ، وهو منتف ، بخلاف الفرض الآتي.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٢.

٢٨

لو اطمأن بتيسر الرفقة ، أو حصول المطلب بحيث يتحقق معه العزم على المسافة ، قصر بخروجه عن محل الترخص.

( مسألة ١٦ ) : مع قصد المسافة لا يعتبر اتصال السير [١] فيقصر وإن كان من قصده أن يقطع الثمانية في أيام ، وإن كان ذلك اختياراً ، لا لضرورة ، من عدو ، أو برد ، أو انتظار رفيق ، أو نحو ذلك. نعم لو كان بحيث لا يصدق عليه اسم السفر لم يقصر [٢] ، كما إذا قطع في كل يوم شيئاً يسيراً جداً للتنزه [٣] أو نحوه. والأحوط في هذه الصورة أيضاً الجمع.

( مسألة ١٧ ) : لا يعتبر في قصد المسافة أن يكون مستقلا ، بل يكفي ولو كان من جهة التبعية للغير [٤] ، لوجوب الطاعة ـ كالزوجة ، والعبد ـ أو قهراً ـ كالأسير [٥] ،

______________________________________________________

[١] بلا خلاف ظاهر ، لإطلاق الأدلة. وقد تشهد به : مكاتبة عمرو بن سعيد المتقدمة في الثمانية الامتدادية (١). وذكر العشرة لأنها غاية العدد في الغالب. فتأمل.

[٢] لظهور النصوص في اعتبار السفر ، كما صرح به في جملة منها.

[٣] كما في الجواهر ، لكن في منع صدق السفر في الفرض تأملا.

نعم هو من الأفراد غير المتعارفة ، ومثله لا يقدح في الإطلاق ، وإلا وجب تقييده بالمتعارف سرعة أيضاً. وهكذا سائر الخصوصيات غير المتعارفة. فلاحظ.

[٤] كما صرح به جماعة كثيرة. لإطلاق النص والفتوى.

[٥] الأسير إن كان له قصد فهو من المكره ، وإلا فهو من المجبور الذي لا اختيار له. وسيأتي حكمه.

__________________

(١) تقدم ذكره في أول الشرط الأول.

٢٩

والمكره ونحوهما ـ أو اختياراً ـ كالخادم ونحوه ـ بشرط العلم بكون قصد المتبوع مسافة [١] ، فلو لم يعلم بذلك بقي على التمام [٢]. ويجب الاستخبار مع الإمكان [٣]. نعم في وجوب‌

______________________________________________________

[١] كما عن الذكرى والروض ومجمع البرهان وغيرها. ليتحقق للتابع قصدها ، المعتبر في جواز القصر. وما عن الدروس وغيرها : من أنه يكفي قصد المتبوع عن قصد التابع ، على ظاهره غير ظاهر الوجه ، لمنافاته لما دل على اعتبار القصد.

[٢] لما تقدم : من أصالة التمام ، المعول عليها عند الشك في المسافة.

ودعوى : أن تعليق التابع قصده بمقصد المتبوع كاف في تحقق قصد المسافة ، إذا كان مقصد المتبوع مسافة واقعاً. مندفعة : بأن الظاهر من الأدلة : اعتبار قصد المساحة المخصوصة ، وعدم كفاية قصد عنوان مردد بين مساحات مختلفة. ولذا يتم طالب الضالة وإن علم أن ضالته في مكان معين في الواقع ، إذا كان ذلك المكان مردداً في نظره بين رأس فرسخ ورأس ثمانية ، كما إذا خرج من النجف جاهلا أن دابته مربوطة في الكوفة أو في الحلة.

[٣] أقول : لا ينبغي التأمل في أن المقام ليس من صغريات وجوب الفحص في الشبهات الحكمية والموضوعية ، ليبنى فيه على قاعدة وجوب الفحص ، بناء على عموم أدلتها لكل شبهة إلا ما خرج. حيث أن الوجوب هناك على تقديره إرشادي ، كما حقق في محله. ولذا لا يترتب على مخالفته من حيث هي عقاب ، وإنما يكون العقاب على مخالفة الواقع. ولأجل ذلك يأمن من العقاب بفعل الواقع المحتمل ، ومنه : ما تقدم في المسألة الخامسة ، حيث يمكن الاحتياط بفعل القصر والتمام معاً ، ويأمن بذلك من العقاب. والوجوب هنا على تقديره نفسي ، إذ مع عدم الاختبار يعلم بوجوب التمام ، وعدم وجوب القصر ، لعدم القصد المعتبر فيه ، فلا مجال للاحتياط بفعل‌

٣٠

الاخبار على المتبوع إشكال ، وإن كان الظاهر عدم الوجوب [١]

( مسألة ١٨ ) : إذا علم التابع بمفارقة المتبوع قبل بلوغ المسافة ولو ملفقة بقي على التمام [٢] ، بل لو ظن ذلك فكذلك [٣]. نعم لو شك في ذلك فالظاهر القصر. خصوصاً لو ظن العدم لكن الأحوط في صورة الظن بالمفارقة والشك فيها الجمع.

______________________________________________________

القصر والتمام ، وإنما الاحتياط بفعل الاختبار ، لاحتمال وجوبه تعبداً. ولأجل ذلك لا ينبغي التأمل في جريان أصل البراءة فيه ، الجاري في سائر موارد الشبهات الوجوبية الكلية. ولا وجه للبناء على وجوبه ـ كما في المتن وغيره ـ أو التردد فيه ، كما في الجواهر ، حيث جعل فيه وجهين ، مقتضى الأصل العدم. ونحوه غيره.

لكن الظاهر أن الوجه في حكم المصنف (ره) بالوجوب : بناؤه على أنه من موارد وجوب الفحص في الشبهة الموضوعية ، كما يتضح ذلك مما يذكره في المسألة العشرين. وفيه : ما سيأتي. ونظير المقام : ما لو أمكنه العلم بموضع دابته الضالة أو عبده الآبق ، فإنه لا يجب الاستخبار أيضاً.

[١] للأصل المتقدم فيما قبله.

[٢] لانتفاء القصد المعتبر في القصر.

[٣] الظاهر أن المفروض في هذه المسألة صورة إحراز المقتضي للتبعية وكون المفارقة ـ على تقدير وقوعها ـ لوجود المانع من دوام السفر أو انتفاء شرطه. بخلاف المسألة الآتية ، فإن احتمال المفارقة فيها لاحتمال زوال مقتضي التبعية. وكيف كان فان كان احتمال المفارقة ناشئاً من احتمال طروء المانع ، أو فقد الشرط ، فكون الظن به مانعاً من تحقق القصد إلى السفر كلية غير ظاهر ، بل لا يبعد حصول القصد إذا كان الداعي له مزيد أهمية.

٣١

( مسألة ١٩ ) : إذا كان التابع عازماً على المفارقة مهما أمكنه ، أو معلقاً لها على حصول أمر ، كالعتق أو الطلاق ونحوهما ، فمع العلم بعدم الإمكان وعدم حصول المعلق عليه يقصر [١]. وأما مع ظنه فالأحوط الجمع. وإن كان الظاهر التمام. بل وكذا مع الاحتمال ، إلا إذا كان بعيداً غايته بحيث‌

______________________________________________________

ومن ذلك يظهر الحال في صورة الشك في المفارقة ، والظن بعدمها. بل الظاهر عدم منافاتهما للقصد ، فيجب القصر معهما.

[١] لتحقق القصد إلى المسافة تبعاً ، غير المنافي له القصد إلى المفارقة ، المعلق على أمر غير حاصل باعتقاده. نعم مع الظن بالحصول أو احتماله يكون القصد إلى المسافة تعليقيا لا تنجيزياً ، فلا مجال لاقتضائه القصر ، لما عرفت : من ظهور النصوص والفتاوى في اعتبار القصد التنجيزي في وجوبه وهو مفقود. وإن حكي عن جماعة : القصر في المقام ، بل يظهر من محكي المنتهى ـ حيث اقتصر في نقل القول بالتمام على قول الشافعي ـ الاتفاق عليه منا ، بل ظاهر رده على الشافعي ـ بالنقض بالعبد والمرأة ـ الاتفاق على القصر فيهما حتى من العامة.

لكن عن نهاية الأحكام : الجزم بالتمام ، معللا بانتفاء القصد. وفي محكي الذكرى : التفصيل بين ظهور أمارة التمكن من المفارقة فالتمام ، وعدمه فالقصر ، للبناء على بقاء الاستيلاء ، وعدم رفعه بالاحتمال البعيد. وكأنه يريد من الاحتمال البعيد ما يقابل الظن بالحصول ، بقرينة المقابلة. وقد عرفت إشكاله. ويحتمل أن يريد ما في المتن : من التفصيل بين احتمال حصول التمكن بعيداً فالقصر ، وغيره فالتمام. ولا بأس به حينئذ ، لكون المفهوم من النص ما يعمه. وإن كان لا يخلو من تأمل.

٣٢

لا ينافي صدق قصد المسافة ، ومع ذلك أيضاً لا يترك الاحتياط.

( مسألة ٢٠ ) : إذا اعتقد التابع أن متبوعه لم يقصد المسافة ، أو شك في ذلك ، وفي الأثناء علم أنه قاصد لها ، فالظاهر وجوب القصر عليه ، وإن لم يكن الباقي مسافة. لأنه إذا قصد ما قصده متبوعه فقد قصد المسافة واقعاً [١]. فهو كما لو قصد بلداً معيناً واعتقد عدم بلوغه مسافة ، فبان في الأثناء أنه مسافة. ومع ذلك فالأحوط الجمع.

( مسألة ٢١ ) : لا إشكال في وجوب القصر إذا كان مكرهاً على السفر أو مجبوراً عليه [٢]. وأما إذا أركب على‌

______________________________________________________

[١] قد عرفت الإشكال في ذيل المسألة السابعة عشرة ، وأن تردد المقصد بين مسافات مختلفة مانع من وجوب التقصير ، كتردد مكان الضالة بين بلاد كثيرة مختلفة بالقرب والبعد. نعم لا يقدح تردد المسافة المعينة بين أن تكون ثمانية فراسخ أو دونها في وجوب التقصير واقعاً ، كالخارج من النجف قاصداً الحلة مع تردده في كون المسافة بينهما تبلغ ثمانية فراسخ. والفرق بين تردد العنوان وتردد المعنون ظاهر.

[٢] الجبر يقابل الاختيار ، فالمجبور لا اختيار له ولا قصد ، فلا ينبغي إلحاقه بالمكره الحاصل له القصد ، بل ينبغي إلحاقه بما بعده في الاشكال ، من جهة فقد القصد المعتبر في السفر الموجب للقصر. ومجرد أن له حركة سيرية غير اختيارية ـ كالأسير الذي يسحب قهراً ـ غير كاف في الإلحاق بالمكره ، لاشتراكهما في عدم القصد. ولعله يريد من المجبور الأسير الذي يقاد فيمشي تبعاً لقائده. لكنه حينئذ يكون من المكره ، لحصول القصد منه الى السير ، وإن كان الداعي له إليه الخوف.

٣٣

الدابة ، أو ألقي في السفينة من دون اختياره ، بأن لم يكن له حركة سيرية ، ففي وجوب القصر ولو مع العلم بالإيصال إلى المسافة إشكال [١] ، وإن كان لا يخلو عن قوة.

______________________________________________________

[١] قال في المستند : « قد يختلج بالبال فيه الإشكال ، إذ القصد إنما يكون على العمل ، ولا يصدر منه عمل حتى يكون قاصداً له. ولعدم شمول كثير من أخبار القصر لمثله ، وعدم تبادره من شي‌ء من أخباره ، وإجمال نحو قوله (ع) : ( التقصير في بريدين ) لاحتمال إرادة قصد بريدين أو سيره ، ومثل ذلك لا يقصد ولا يسير. إلا أن الظاهر الإجماع على وجوب القصر عليه. ويمكن الاستدلال له بقوله تعالى ( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَر ... ) (١) فإن ذلك كائن في السفر وان لم يكن مقصوداً له ، ولا معارض له ، فيجب التقصير أيضاً.

وفيه : أنه إن بني على الغض عما دل على اعتبار القصد في القصر ، فلا وجه للمناقشة في إطلاق الأدلة بما ذكر ، وإن بني على النظر إليها ، فلا وجه لدعوى الإجماع على القصر ، ولا للاستدلال عليه بإطلاق الآية.

إذ دعوى الإجماع خلاف ما صرحوا به من اعتبار القصد. وإطلاق الآية مقيد بما دل على اعتباره ، كما لا يخفى. ومثله : دعوى كون المراد من القصد في كلماتهم أعم من العلم ، فإنها خلاف الظاهر. والاستشهاد له بتصريحهم بوجوب القصر على الأسير في أيدي المشركين غير ظاهر ، فإنه أعم من ذلك ، إذ الأسير في الغالب يكون مكرهاً ، لا مجبوراً ، كما هو محل الكلام ، ولا إطلاق في كلامهم يشمله ، لأنه وارد في مقام حكم التابع من حيث أنه تابع.

فالعمدة في وجوب القصر : ما في رواية إسحاق بن عمار ، الواردة في‌

__________________

(١) البقرة : ١٨٤.

٣٤

الثالث : استمرار قصد المسافة [١] ، فلو عدل عنه‌

______________________________________________________

قوم خرجوا في سفر وتخلف منهم واحد ، قال (ع) : « بلى إنما قصروا في ذلك الموضع لأنهم لم يشكوا في مسيرهم وأن السير يجد بهم .. » (١) ‌فإنه يدل على أن تمام موضوع التقصير هو العلم بالسفر ثمانية فراسخ. لكن سند الحديث لا يخلو من إشكال.

[١] نسبه في الحدائق إلى الأصحاب أولا ، وادعى اتفاقهم عليه ثانياً. وفي المستند : عن بعض نفي الخلاف فيه ، وعن آخر : أنه إجماع. واستدل له غير واحد بصحيح أبي ولاد ، الوارد فيمن خرج في سفر ثمَّ بدا له الرجوع ، قال (ع) فيه : « وإن كنت لم تسر في يومك الذي خرجت فيه بريداً ، فان عليك أن تقضي كل صلاة صليتها في يومك ذلك بالتقصير بتمام ، من قبل أن تؤم من مكانك ، لأنك لم تبلغ الموضع الذي يجوز فيه التقصير حتى رجعت ، فوجب عليك قضاء ما قصرت. وعليك إذا رجعت أن تتم الصلاة حتى تصير الى منزلك » (٢) ، وبما في رواية إسحاق ، من قوله (ع) : « وإن كانوا قد ساروا أقل من ذلك لم يكن لهم إلا إتمام الصلاة » (٣) ، وبرواية المروزي فيمن نوى السفر بريدين أربعة فراسخ ، فبدا له بعد ما بلغ فرسخين. قال (ع) : « وإن رجع عما نوى عند بلوغ فرسخين وأراد المقام فعليه التمام » (٤).

ويشكل الأول : بأنه ظاهر في اعتبار بلوغ المسافة في صحة التقصير من أول الأمر ، بنحو الشرط المتأخر ، بقرينة أمره بالإعادة ، وهو خلاف‌

__________________

(١) تقدم ذكره في أوائل الشرط الأول.

(٢) تقدم ذلك في أول الشرط الثاني.

(٣) تقدم ذكره في أول الشرط الأول.

(٤) تقدم ذكره في المسألة : ١٥.

٣٥

قبل بلوغ الأربعة أو تردد أتم. وكذا إذا كان بعد بلوغ الأربعة لكن كان عازماً على عدم العود [١] ، أو كان متردداً في أصل العود وعدمه [٢] ، أو كان عازماً على العود لكن بعد نية الإقامة هناك عشرة أيام. وأما إذا كان عازماً على العود من غير نية الإقامة عشرة أيام فيبقى على القصر [٣] وإن لم يرجع ليومه [٤] بل وإن بقي متردداً إلى ثلاثين يوما. نعم بعد الثلاثين متردداً يتم.

( مسألة ٢٢ ) : يكفي في استمرار القصد بقاء قصد النوع‌

______________________________________________________

المشهور. ومعارض بصحيح زرارة الآتي (١) ، فيكون مطروحاً. ويشكل الثاني : بأنه ضعيف السند. ويشكل الثالث ـ مضافاً الى احتمال أن يكون المراد من المقام إقامة عشرة أيام ـ : بأنه لا بد من حمله على ذلك ، إذ لا وجه للتمام على من بلغ بريداً وإن كان من نيته الرجوع. ولا ينافيه ذكر الفرسخين ، لأنها محمولة على الخراسانية ، التي هي ضعف غيرها ، بشهادة تفسير البريد بها ، وأمره بالقصر إذا بلغها ناوياً للرجوع ، أو فرسخين آخرين. فلاحظ.

ويمكن دفع الإشكال في الأول : بأنه يجب حمله ـ بقرينة الصحيح ـ على الاستحباب ، ولا مانع من الأخذ بظاهره من وجوب الإتمام إذا رجع. كدفعه في الثاني : بأنه يمكن دعوى انجباره بالعمل. فتأمل.

[١] بأن كان متردداً بين الإقامة والسفر.

[٢] بأن كان متردداً بين السفر والإقامة والعود.

[٣] لما سيأتي ، مما دل على الاكتفاء بالمسافة النوعية.

[٤] لما سبق. من عدم اعتبار الرجوع ليومه في المسافة التلفيقية.

__________________

(١) يأتي ذكره في المسألة : ٢٤.

٣٦

النوع وإن عدل عن الشخص [١] ، كما لو قصد السفر إلى مكان مخصوص فعدل عنه الى آخر يبلغ ما مضى وما بقي إليه‌

______________________________________________________

[١] كما عن غير واحد التصريح به. لصدق المسافة المقصودة. المأخوذة موضوعاً لوجوب القصر. إلا أن يقال : المقدار المعدول اليه لم يكن مقصوداً أولا ، وإنما طرأ قصده ثانياً بعد العدول عن الأول ، فكيف يمكن ضم ما لم يقصد الى ما قد قصد ، وظاهر أدلة اعتبار القصد كون الجميع بقصد واحد ودعوى : أن المسافة النوعية مقصودة بقصد واحد ، كما ترى ، إذ الجامع بين المسافتين مما لم يطرأ عليه القصد ، وإنما طرأ على مسافة شخصية أولا ، ثمَّ طرأ على مسافة شخصية أخرى ثانياً.

فالأولى أن يقال : إن أدلة اعتبار القصد إنما دلت على اعتباره عند الخروج من المنزل ، وأدلة اعتبار استمراره إنما دلت على قدح التردد في أصل السفر لا غير. فلا تشمل صورة العدول عن مسافة إلى مسافة ، بل تبقى مشمولة لأدلة الاكتفاء بالقصد الأول.

ومنه يظهر وهن ما في الروض : من احتمال عدم الترخص ، لبطلان المسافة الأولى بالرجوع عنها ، وعدم بلوغ المقصد الثاني مسافة انتهى فإنه لا مجال لذلك بعد عموم أدلة التقصير له ، ولأجل ذلك أوجب التقصير ـ في العدول عن الامتدادية إلى الملفقة ولو لم يرد الرجوع ليومه ـ من لا يقول به في الملفقة من أول الأمر ، إذا كان مريداً للرجوع ليومه ، كالشيخ (ره) في النهاية وغيره. مضافاً إلى ما في صحيح أبي ولاد الوارد فيمن بدا له الرجوع الى البلد ، من قوله (ع) : « إن كنت سرت في يومك الذي خرجت فيه بريداً ، كان عليك حين رجعت أن تصلي بالتقصير ، لأنك كنت مسافراً إلى أن تصير في منزلك » (١) ، وما في خبر إسحاق بن عمار من قوله (ع) :

__________________

(١) تقدم ذكره في أول الشرط الثاني.

٣٧

مسافة فإنه يقصر حينئذ على الأصح. كما أنه يقصر لو كان من أول سفره قاصداً للنوع دون الشخص [١] ، فلو قصد أحد المكانين المشتركين في بعض الطريق ، ولم يعين من الأول أحدهما بل أو كل التعيين الى ما بعد الوصول الى آخر الحد المشترك ، كفى في وجوب القصر.

( مسألة ٢٣ ) : لو تردد في الأثناء ثمَّ عاد الى الجزم ، فاما أن يكون قبل قطع شي‌ء من الطريق ، أو بعده ، ففي‌

______________________________________________________

« إن كانوا بلغوا مسيرة أربعة فراسخ فليقيموا على تقصيرهم ، أقاموا أم انصرفوا » (١) ، وما في خبر المروزي من قوله (ع) : « فاذا خرج الرجل من منزله يريد اثني عشر ميلا ـ وذلك أربعة فراسخ ـ ثمَّ بلغ فرسخين ، ونيته الرجوع ، أو فرسخين آخرين قصر » (٢).

ومنه يظهر ما في المحكي عن المقدس البغدادي : من عدم الترخص لو بلغ بريداً وإن أراد الرجوع ليومه ، تمسكاً بإطلاق الأصحاب عدم التقصير فيمن بدا له الرجوع أو تردد ينتظر الرفقة ، لعدم اعتبار التلفيق هنا ، لعدم كونه مقصوداً من قبل. فان ضعفه ظاهر مما سبق.

[١] لإطلاق ما دل على الترخص بمجرد الخروج من المنزل مريداً للسفر ثمانية فراسخ ، فإنه شامل للثمانية الشخصية المعينة وغيرها. ودعوى : انصرافه إلى المسافة الشخصية ساقطة جداً ، لأن المراد من المسافة خط السير ، وتعيينه متعذر غالباً. نعم لا بأس بدعوى الانصراف إلى صورة تعيين المقصد. إلا أنه بدوي ، لا يعول عليه في رفع اليد عن الإطلاق.

__________________

(١) تقدم ذكره في أول الشرط الأول.

(٢) تقدم ذكره في المسألة : ١٥.

٣٨

الصورة الأولى يبقى على القصر إذا كان ما بقي مسافة [١] ولو ملفقة. وكذا إن لم يكن مسافة في وجه [٢] ، لكنه مشكل [٣] فلا يترك الاحتياط بالجمع. وأما في الصورة الثانية فإن كان ما بقي‌

______________________________________________________

[١] لكفاية قصده للمسافة بعد التردد في وجوب التقصير.

[٢] قد جزم به في الجواهر وغيرها ، لتناول الأدلة له ، لأنه يصدق أنه خرج من منزله قاصداً للمسافة. وما دل على قدح التردد ، فإنما دل على قدحه في بقاء الترخص حال وجوده ، ولم يدل على اقتضائه ارتفاع السفر حقيقة أو تعبداً بمجرد حدوثه ، فيتعين الرجوع ـ بعد ارتفاعه بالعزم على السفر ـ إلى أدلة الترخص.

[٣] لاحتمال كون المرجع في المقام استصحاب حكم الخاص ، لا الرجوع الى عموم العام ، لاحتمال كون عمومات الترخص إنما تدل على حكم واحد مستمر ، بحيث يكون الحكم في الزمان الثاني ملحوظاً بعناية البقاء لوجوده في الزمان الأول ، لا ملحوظاً في نفسه في مقابل وجوده في الزمان الأول ، كما هو مبنى الاحتمالين : احتمال الرجوع الى العام ، واحتمال الرجوع الى الاستصحاب. فالحكم في الزمان الثاني إن كان ثبوته بلحاظ استمراره وبقائه إلى الزمان الثاني فالمرجع الاستصحاب لا العام ، وان كان بلحاظ نفسه في قبال وجوده في الزمان الأول فالمرجع العام ، كما أوضحنا ذلك في تعليقتنا على الكفاية. فإذا شك في ثبوت الحكم في الزمان الثاني ، وأنه على النحو الأول أو النحو الثاني ، لا مجال للرجوع الى العام.

وفيه : أن الظاهر من أدلة التقصير والتمام هو ثبوت الحكم في كل زمان ، مع قطع النظر عن ثبوته فيما قبله ، كما يقتضيه ظهور كون الموضوع المناط به الحكم هو السفر ، وهو صادق على حصص الفرد الزمانية بنحو واحد ونسبة واحدة. مضافاً الى ما في خبر إسحاق المتقدم من قوله (ع) :

٣٩

مسافة ولو ملفقة يقصر أيضاً [١] ، وإلا فيبقى على التمام [٢]. نعم لو كان ما قطعه حال الجزم أو لا مع ما بقي بعد العود الى الجزم ـ بعد إسقاط ما تخلل بينهما مما قطعه حال التردد ـ مسافة ففي العود إلى التقصير وجه ، لكنه مشكل [٣] ، فلا يترك الاحتياط بالجمع.

( مسألة ٢٤ ) : ما صلاه قصراً قبل العدول عن قصده لا تجب إعادته في الوقت [٤] فضلا عن قضائه خارجه.

______________________________________________________

« وإن كانوا ساروا أقل من أربعة فراسخ فليتموا الصلاة ما أقاموا ، فإذا مضوا فليقصروا » (١). لكن الخبر ضعيف.

[١] على ما عرفت.

[٢] كأنه لدعوى : ظهور الأدلة في اعتبار كون حركة السير في الثمانية فراسخ كلها ناشئة عن قصد واحد للثمانية ، وليس كذلك في الفرض ولأجله افترق عن الفرض السابق. ولا يجدي إسقاط المتخلل في دفع المحذور المذكور ، لأن الظاهر من الثمانية الممتدة المتصلة ـ أعني : أول وجود للمسافة المقدرة بالمقدار المذكور ـ فإذا أسقط المتخلل فات الاتصال والامتداد. وكأنه لعدم وضوح ذلك عند المصنف (ره) جعل العود الى التقصير في صورة كون المجموع مسافة بعد إسقاط المتخلل وجهاً ، عملا بإطلاق وجوب القصر على المسافر ، المؤيد بخبر إسحاق المتقدم. لكن في الدعوى الأولى تأملا. والتمسك بإطلاق أدلة التقصير ، المؤيد بما في خبر إسحاق قريب.

[٣] لما عرفت من ظهور المسافة المعلق عليها التقصير في خصوص المتصلة.

[٤] كما هو المشهور شهرة عظيمة ، لصحيح زرارة : « قال سألت‌

__________________

(١) تقدم ذكره في أول الشرط الأول.

٤٠