مستمسك العروة الوثقى - ج ٨

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٨

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٤

( مسألة ٥٧ ) : الأحوط إلحاق غير شهر رمضان من الصوم المعين به [١] في حكم استمرار النوم الأول ، أو الثاني ، أو الثالث ، حتى في الكفارة في الثاني والثالث ، إذا كان الصوم مما له كفارة ، كالنذر ونحوه.

( مسألة ٥٨ ) : إذا استمر النوم الرابع أو الخامس فالظاهر أن حكمه حكم النوم الثالث [٢].

______________________________________________________

أما صحيح العيص : فالظاهر منه الاحتلام في النهار ، فإنه المنصرف من إطلاق السؤال. ولا سيما بقرينة عدم تعرضه للبقاء على الجنابة إلى الصبح وإنما كان السؤال عن مجرد النوم على الجنابة آناً ما ، ومن البعيد أن يكون مما يحتمل المنع عنه في ليل رمضان كي يسأل عن حكمه. ولو سلم كان ظاهراً في الجواز التكليفي للنوم في الجملة ، ولا يكون مما نحن فيه. فلاحظ. ومما ذكرنا يظهر ضعف ما في المستند : من احتساب نومة الاحتلام من النوم الأول. فتأمل جيداً.

[١] لأن النصوص المتقدمة وإن كانت واردة في رمضان بخصوصه لكن يقرب فهم عدم الخصوصية له ، وأن ذلك قادح في مطلق الصوم المعين. وإنما لم يجزم المصنف (ره) بذلك لما عرفت غير مرة : من أن ذلك معارض بإطلاق ما دل على حصر المفطرات في غيره ، المطابق لمقتضى أصالة البراءة. لكن عرفت ضعف الوجه الأول.

نعم يتعين القول بإلحاق قضائه به ، لما عرفت من اتحاد القضاء والمقضي في الخصوصيات ، لو لا ما قد عرفت : من بطلان القضاء بالإصباح جنباً ولو لم يكن قد أفاق.

[٢] لأنه يفهم وجوب القضاء فيه من نصوص النوم الثاني ، كما فهم وجوب القضاء في النوم الثالث ، فإنه لم تصرح به النصوص. وأما الكفارة‌

٣٠١

( مسألة ٥٩ ) : الجنابة المستصحبة كالمعلومة في الأحكام المذكورة [١].

( مسألة ٦٠ ) : ألحق بعضهم الحائض والنفساء بالجنب في حكم النومات [٢]. والأقوى عدم الإلحاق ، وكون المناط فيهما صدق التواني في الاغتسال [٣] ، فمعه يبطل وإن كان في النوم الأول ، ومع عدمه لا يبطل وإن كان في النوم الثاني أو الثالث.

( مسألة ٦١ ) : إذا شك في عدد النومات بنى على الأقل [٤].

( مسألة ٦٢ ) : إذا نسي غسل الجنابة ، ومضى عليه أيام ، وشك في عددها يجوز له الاقتصار في القضاء على القدر‌

______________________________________________________

ـ على تقدير القول بها في الثالث ـ فلا فرق في نصوصها بينه وبين غيره.

[١] فإن الجنابة الواقعية وإن لم تكن تمام موضوع الحكم ، بل العلم جزء منه إلا أن المحقق في الأصول : قيام الاستصحاب مقام العلم المأخوذ في موضوع الحكم على نحو الطريقية ، لظهور دليله في تنزيل الشك بعد اليقين بمنزلة اليقين. فراجع.

[٢] كما في النجاة ، ونسب الى غير واحد ممن تأخر. ووجهه : أن حكم النومة الأولى في الجنب موافق للأصل ، فيطرد فيهما. والنصوص في النومتين وإن كانت واردة في الجنب ، لكن يتعدى إليهما بالأولوية. وفيه : ما عرفت في المسألة الخمسين : من عدم ثبوت الأولوية.

[٣] لأنه المذكور في النص (١) فيدور الحكم مداره.

[٤] لأصالة عدم الزائد عليه.

__________________

(١) راجع الأمر الثامن مما يجب الإمساك عنه في الصوم.

٣٠٢

المتيقن [١]. وإن كان الأحوط تحصيل اليقين بالفراغ.

( مسألة ٦٣ ) : يجوز قصد الوجوب في الغسل وإن أتى به في أول الليل [٢].

______________________________________________________

[١] لأصالة الصحة في المقدار الزائد عليه ، المشكوك وقوعه حال الجنابة. ولا مجال لاستصحاب بقاء الجنابة حينه لو كان الشك في نهاية المدة لأن أصالة الصحة مقدمة عليه ، لكونه محكوماً لها.

[٢] قد اشتهر الإشكال في وجوب المقدمات قبل الوقت ، من أجل أن وجوب المقدمة تابع لوجوب ذيها ، فاذا كان الوقت شرطاً لوجوب الصوم كان شرطاً لوجوب المقدمة ، فلا وجوب قبله ، فكيف يمكن أن ينوي الوجوب بفعل المقدمة قبل الوقت؟! ولأجل ذلك يمتنع الإتيان بالغسل قبل الوقت بنية الوجوب.

فلا بد في إمكان نية الوجوب به من الالتزام بكون وجوب الصوم من الوجوب المعلق ، بأن يكون الوقت شرطاً للواجب ـ وهو الصوم ـ لا للوجوب ، فيكون الوجوب حالياً والواجب استقباليا.

ودعوى : أنه إذا كان الوقت شرطاً للواجب كان الواجب غير مقدور في الزمان الحالي ، لأن العجز عن الشرط فيه يستوجب العجز عن المشروط فاذا انتفت القدرة في الحال انتفى الوجوب فيه. مندفعة : بأن الزمان الاستقبالي أخذ شرطاً للواجب بنحو لا يجب تحصيله ، بأن أخذ وجوده الاستقبالي الحاصل من قبل إرادة الله تعالى شرطاً ، فاذا فرض حصوله بعد ذلك من قبله تعالى كان الفعل فيه مقدوراً ، وجاز تعلق التكليف به.

نعم مثل هذا التكليف لا يبعث على إيجاده فعلا حالا ، وإنما يقتضي البعث إليه في وقته المعين له ، وهذا المقدار لا يوجب المنع من تعلق التكليف به فعلا عرفا أو عقلا. نظير الأمر بالمركب فإنه ينحل إلى أوامر متعددة‌

٣٠٣

______________________________________________________

بتعدد الأجزاء ، والأمر الضمني المتعلق بالجزء الأخير لا يقتضي البعث اليه فعلا ، ولكن لا يصح لذلك أن يقال : إن الأمر بالمركب منتف ، وإنما الأمر الفعلي هو المتعلق بالجزء الأول منه لا غير. ويكفي في صحة دعوى كونه حالياً أنه يبعث الى فعل المقدمات قبل الوقت ، كالغسل في المقام. أو الالتزام بالتفكيك بين الوجوب النفسي والغيري في الإطلاق والاشتراط فيكون وجوب الغسل مطلقاً غير مشروط بالوقت ، ووجوب الصوم مشروطاً به. لكن في معقولية ذلك إشكال ، لأن الوجوب الغيري معلول للوجوب النفسي ، فإذا كان الوجوب النفسي معلولا للشرط امتنع أن لا يكون الوجوب الغيري معلولا له ، لأن علة العلة علة.

أو الالتزام بأن الزمان اللاحق شرط للوجوب النفسي على نحو الشرط المتقدم ، ولكنه شرط للوجوب الغيري على نحو الشرط المتأخر. والاشكال السابق لا مجال له هنا ، لا مكان كون المصلحة الموجودة في المقدمة منوطة بالوقت على غير نحو إناطة مصلحة الواجب به.

أو الالتزام بكون الشرط وجود الوقت الاستقبالي اللحاظي لا الخارجي فيكون الوجوب ثابتاً قبله منوطاً به ، لا مطلقاً.

لكن هذا الالتزام وإن كان في محله ، إلا أنه لا يدفع الإشكال ، لأن وجوب المقدمة قبل الوقت وإن كان حاصلا على نحو الإناطة بالوجود الاستقبالي ، إلا أن الإناطة المذكورة مانعة من باعثيته إلى فعل المقدمة قبل حصول المنوط به. إلا أن تكون الإناطة على نحو الشرط المتأخر ، فيتوجه عليه ما يتوجه على الوجه السابق من الإشكال.

أو الالتزام بوجوب الغسل وجوباً تهيئياً ، لا غيرياً ، ويكون هو الباعث على فعله قبل الوقت. لكن مغايرة الوجوب التهيئي للوجوب الغيري غير ظاهرة. وقد تعرضنا لهذه الوجوه في تعليقة الكفاية في مبحث وجوب التعلم.

٣٠٤

لكن الأولى مع الإتيان به قبل آخر الوقت أن لا يقصد الوجوب بل يأتي به بقصد القربة.

( مسألة ٦٤ ) : فاقد الطهورين يسقط عنه اشتراط رفع الحدث للصوم [١] ، فيصح صومه مع الجنابة ، أو مع حدث الحيض أو النفاس.

( مسألة ٦٥ ) : لا يشترط في صحة الصوم الغسل لمس الميت [٢]. كما لا يضر مسه في أثناء النهار.

( مسألة ٦٦ ) : لا يجوز إجناب نفسه في شهر رمضان إذا ضاق الوقت عن الاغتسال أو التيمم [٣] ، بل إذا لم يسع للاغتسال ولكن وسع للتيمم [٤]. ولو ظن سعة الوقت فتبين‌

______________________________________________________

ولو لم يتم شي‌ء من ذلك وجب عقلا فعل الغسل قبل الوقت بنية الاستحباب. وهذا الوجوب العقلي يبعث على فعل المقدمة قبل الوقت كفعلها بعده. بل قد يجب فعلها تعييناً قبله إذا لزم من تركها فوات الواجب ، لا أنه يأتي بها بنية الوجوب الشرعي النفسي أو الغيري ، كما هو كذلك لو تمَّ أحد الوجوه السابقة. فلاحظ.

[١] لعدم الدليل على قدح الجنابة حينئذ. والثابت من الأدلة غيره مما سبق.

[٢] لعدم الدليل على شرطيته ، ولا على مانعية حدث المس لا حدوثاً ولا بقاء.

[٣] كما سبق في أوائل المفطر الثامن.

[٤] يعني : لا يجوز إجناب نفسه حينئذ ، لكن عدم الجواز في الفرض تكليفي ـ بمعنى : حصول العصبان ـ لا وضعي ، بمعنى : البطلان ، كما‌

٣٠٥

ضيقه ، فإن كان بعد الفحص صح صومه [١] ، وإن كان مع ترك الفحص ، فعليه القضاء على الأحوط [٢].

التاسع من المفطرات : الحقنة بالمائع [٣] ، ولو مع الاضطرار إليها [٤] لرفع المرض. ولا بأس بالجامد [٥].

وإن كان الأحوط اجتنابه أيضاً.

______________________________________________________

سبق في أوائل هذا المفطر تصريحه به.

[١] لعدم الدليل على المفطرية حينئذ.

[٢] لاحتمال صدق التعمد بترك الفحص. لكن الأظهر عدمه.

[٣] كما عن المختلف ، حاكياً له عن الشيخ في المبسوط والجمل ، والقاضي ، والحلبي ، وحكي أيضاً عن الإرشاد والتحرير ، والدروس ، وغيرها. بل في الناصريات : « لم يختلف في أنها تفطر ». ويقتضيه صحيح البزنطي عن أبي الحسن (ع) : « أنه سأله عن الرجل يحتقن تكون به العلة في شهر رمضان. فقال (ع) : الصائم لا يجوز له أن يحتقن » (١). وحمل نفي الجواز على الحرمة التكليفية ـ كما نسب إلى كثير ـ خلاف ظاهره في أمثال المقام. والظاهر من الاحتقان عرفاً خصوص المائع.

[٤] كما يقتضيه ظاهر النص. ولم يعرف التفصيل بين الاختيار والاضطرار في المفطرية. نعم عن ابن زهرة : التفصيل بينهما في الكفارة ، مدعياً الإجماع عليه. ولعله في محله. إذ مع الاضطرار يجوز الإفطار أو يجب ، فلا مجال للكفارة معه.

[٥] كما عن الأكثر ، ونسب إلى جملة من كتب الشيخ (ره) ، والسرائر ، والنافع. ويقتضيه الأصل ـ بعد قصور الصحيح المتقدم عن شموله ، لظهوره في المائع ـ وصحيح علي بن جعفر (ع) عن أخيه موسى

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٤.

٣٠٦

( مسألة ٦٧ ) : إذا احتقن بالمائع ، لكن لم يصعد إلى‌

______________________________________________________

ابن جعفر (ع) قال : « سألته عن الرجل والمرأة هل يصلح لهما أن يستدخلا الدواء وهما صائمان؟ فقال (ع) : لا بأس » (١). فإنه لو سلم إطلاقه الشامل للمائع كان مقيداً بالصحيح السابق ، لما عرفت من ظهوره في خصوص المائع.

وأوضح من ذلك : موثق الحسن بن فضال : « كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام : ما تقول في اللطف يستدخله الإنسان وهو صائم؟ فكتب (ع) لا بأس بالجامد » (٢) ، وعن الشيخ (ره) روايته : « في اللطف من الأشياف » (٣). ولأجله يظهر أنه لو بني على عموم الصحيحين معاً للجامد والمائع معاً ، يكون الموثق المذكور موجباً للجمع العرفي بينهما بالتقييد لأن الموثق أخص من الأول فيقيد به ، وبعد التقييد المذكور يكون الأول أخص من الثاني فيقيد به أيضاً.

ومن ذلك يظهر ضعف ما عن السيد في الناصرية ، والمفيد ، وعلي ابن بابويه ، والحلبي : من الإفساد في الجامد كالمائع ، واختاره في المختلف. كما يظهر أيضاً ضعف ما في المعتبر : من الحرمة فيهما معاً ، لعدم صحة الموثق لوجود ابني فضال في سنده. ولكونه مكاتبة. إذ فيه : أن الموثق من الخبر حجة ، ولا سيما إذا كان في السند بنو فضال. وكذا المكاتبة. مع أن في صحيح ابن جعفر ـ بعد حمله على الجامد ، ولو للجمع بينه وبين صحيح البزنطي ـ كفاية. ولو فرض التعارض وتساويهما في العموم كان مقتضى الجمع العرفي الحمل على الكراهة.

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٥ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٣.

٣٠٧

الجوف ، بل كان بمجرد الدخول في الدبر فلا يبعد عدم كونه مفطراً [١]. وإن كان الأحوط تركه.

( مسألة ٦٨ ) : الظاهر جواز الاحتقان بما يشك في كونه جامداً أو مائعاً [٢]. وإن كان الأحوط تركه.

العاشر : تعمد القي‌ء [٣]

______________________________________________________

[١] لانصراف الاحتقان عنه.

[٢] كما في سائر موارد الشبهات الموضوعية التحريمية. وقد تقدم في المسألة الثامنة والثلاثين ماله نفع في المقام. فراجع.

[٣] عن جماعة نسبته إلى الأكثر ، وعن آخرين : نسبته إلى المشهور.

وفي الجواهر : أنه إجماع من المتأخرين ، بل في الخلاف ، وظاهر الغنية ، والمحكي عن المنتهى : الإجماع عليه. انتهى. وتشهد له جملة من النصوص : منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « إذا تقيأ الصائم فقد أفطر. وإن ذرعه من غير أن يتقيأ فليتم صومه » (١). وفي موثق سماعة « سألته عن القي‌ء في رمضان. فقال (ع) : إن كان شي‌ء يبدره فلا بأس وإن كان شي‌ء يكره نفسه عليه فقد أفطر ، وعليه القضاء » (٢) ونحوهما غيرهما.

ومن ذلك يظهر ضعف ما عن الحلي : من أنه محرم غير مفطر ، للأصل. ولعموم حصر المفطر في غيره. ولأن الصوم الإمساك عما يصل إلى الجوف ، لا عما يخرج منه ، فتحمل النصوص على الحرمة. ولصحيح عبد الله بن ميمون ، عن أبي عبد الله (ع) عن أبيه (ع) قال : « ثلاثة لا يفطرن الصائم : القي‌ء ، والاحتلام ، والحجامة » (٣). فإن الأصل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٥.

(٣) الوسائل باب : ٣٥ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١.

٣٠٨

وإن كان للضرورة [١] ، من رفع مرض ، أو نحوه. ولا بأس بما كان سهواً [٢] ، أو من غير اختيار [٣]. والمدار على الصدق العرفي [٤] ، فخروج مثل النواة ، أو الدود لا يعد منه [٥].

( مسألة ٦٩ ) : لو خرج بالتجشؤ شي‌ء ، ثمَّ نزل من غير اختيار ، لم يكن مبطلا [٦]. ولو وصل إلى فضاء الفم‌

______________________________________________________

لا مجال له مع الدليل. والعموم مقيد بالدليل. وكون الصوم : الإمساك عما يدخل في الجوف اجتهاد في مقابل النص. وحمل النصوص على الحرمة خلاف صريحها. والصحيح مقيد بما سبق ، فيحمل على غير صورة الاختيار.

ومن الأخير يظهر ضعف ما عن السرائر : من أنه منقص للصوم غير مبطل له ، جمعاً بين النصوص. إذ الجمع العرفي يقتضي التقييد كما عرفت لا حمل الإفطار على النقص.

[١] لإطلاق النصوص.

[٢] كما سيأتي في الفصل الآتي إن شاء الله تعالى.

[٣] كما صرح به في النصوص ، وادعي الاتفاق عليه. نعم عن ابن الجنيد : وجوب القضاء إذا كان من محرم. وضعفه ظاهر.

[٤] كما في سائر الموضوعات المذكورة في الكتاب والسنة.

[٥] لا أظن أنه محل إشكال ، فلا يكون مفطراً.

[٦] أما ما خرج بالتجشؤ فلعدم الدليل على الإفطار به. بل الظاهر أنه لا كلام في عدمه ، كما يقتضيه ظاهر جملة من النصوص الآتية. وأما ما نزل بلا اختيار فلما سيأتي : من اعتبار الاختيار في حصول الإفطار. مضافاً إلى صحيح عبد الله بن سنان قال : « سئل أبو عبد الله (ع) عن الرجل الصائم يقلس ، فيخرج منه الشي‌ء من الطعام ، أيفطر ذلك؟ قال (ع) : لا.

٣٠٩

فبلعه اختياراً بطل صومه [١] ، وعليه القضاء والكفارة. بل تجب كفارة الجمع إذا كان حراماً [٢] ، من جهة خباثته ، أو غيرها.

( مسألة ٧٠ ) : لو ابتلع في الليل ما يجب عليه قيؤه في النهار فسد صومه [٣] إن كان الإخراج منحصراً في القي‌ء ، وإن لم يكن منحصراً فيه لم يبطل [٤]. إلا إذا اختار القي‌ء مع إمكان الإخراج بغيره. ويشترط أن يكون مما يصدق القي‌ء على إخراجه [٥]. وأما لو كان مثل درة ، أو بندقة ، أو درهم‌

______________________________________________________

قلت : فان ازدرده بعد أن صار على لسانه. قال (ع) : لا يفطره ذلك » (١) وموثق عمار : « عن الرجل يخرج من جوفه القلس حتى ـ يبلغ الحلق ، ثمَّ يرجع إلى جوفه وهو صائم. قال (ع) : ليس بشي‌ء » (٢). وقريب منهما غيرهما. فتأمل.

[١] لإطلاق ما دل على المنع عن الأكل ، بناء على عمومه للمقام. لكن صحيح ابن سنان المتقدم يقتضي الصحة لو أمكن العمل به على ظاهره.

[٢] بناء على ما سيجي‌ء : من وجوبها في الإفطار على الحرام.

[٣] يعني : وإن لم يتقيأ ، لأن وجوب فعل القي‌ء المفطر يمنع من التعبد بالإمساك عنه.

[٤] لإمكان التقرب بالإمساك عن القي‌ء ، لكون المفروض إمكان إخراجه بغيره ، فيتعين ذلك في نظر العقل ، جمعاً بين غرضي الشارع الأقدس كما في كل واجب كانت مقدمته محرمة مع عدم الانحصار فيها.

[٥] كما سبق.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٩.

(٢) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٣.

٣١٠

أو نحوها مما لا يصدق معه القي‌ء لم يكن مبطلا.

( مسألة ٧١ ) : إذا أكل في الليل ما يعلم أنه يوجب القي‌ء في النهار من غير اختيار فالأحوط القضاء [١].

( مسألة ٧٢ ) : إذا ظهر أثر القي‌ء وأمكنه الحبس والمنع وجب [٢] ، إذا لم يكن حرج وضرر.

( مسألة ٧٣ ) : إذا دخل الذباب في حلقه وجب إخراجه مع إمكانه [٣] ولا يكون من القي‌ء. ولو توقف إخراجه على القي‌ء سقط وجوبه ، وصح صومه [٤].

______________________________________________________

[١] لاحتمال كون المعيار في المفطر العمد المصحح للعقاب الحاصل في الفرض ، لا خصوص العمد في زمان الفعل المنتفي. وإن كان هو الظاهر من اعتبار إكراه النفس عليه في موثق سماعة (١) ، ولصدق : « بدره » و « ذرعه ». لا أقل من الرجوع إلى أصالة البراءة ، الموافقة لعموم حصر المفطر في غيره.

[٢] لمفطريته حينئذ ، لتحقق العمد إليه ، المصحح للعقاب ، كما عرفت. والمراد من الوجوب التكليفي ، بقرينة استثناء الحرج والضرر. إذ لو كان المراد الوضعي ـ بمعنى : البطلان ـ لم يكن فرق بين الحرج والضرر وغيرهما في ذلك. وحينئذ يختص الوجوب بالواجب المعين.

[٣] لحرمة أكله في نفسه.

[٤] للتزاحم بين وجوب الصوم وحرمة الأكل ، والأول أهم ، أو محتمل الأهمية ، فيترجح في نظر العقل. ومنه يظهر : اختصاص الحكم بالواجب المعين. إلا أن في ثبوت أهمية مطلق الواجب المعين. من حرمة الأكل أو احتمالها تأملا ، أو منعاً.

__________________

(١) تقدم ذلك في المفطر العاشر.

٣١١

( مسألة ٧٤ ) : يجوز للصائم التجشؤ اختياراً وإن احتمل خروج شي‌ء من الطعام معه [١]. وأما إذا علم بذلك فلا يجوز [٢].

( مسألة ٧٥ ) : إذا ابتلع شيئاً سهواً ، فتذكر قبل أن يصل إلى الحلق [٣] وجب إخراجه [٤] ، وصح صومه. وأما إن تذكر بعد الوصول إليه فلا يجب [٥] بل لا يجوز إذا صدق عليه القي‌ء. وإن شك [٦] في ذلك فالظاهر وجوب إخراجه أيضاً مع إمكانه ، عملا بأصالة عدم الدخول في الحلق [٧].

______________________________________________________

[١] للأصل. وقد يقتضيه ظاهر النصوص المتقدمة في المسألة التاسعة والستين.

[٢] كأن الوجه : دلالة نصوص القي‌ء عليه. وفيه تأمل ظاهر.

[٣] يعني : منتهاه.

[٤] يعني : لا يجوز ابتلاعه ، لقدحه في الصوم ، فلو أخرجه لم يكن وجه لبطلان الصوم.

[٥] لتحقق الأكل والشرب ، فلا يتحقق ثانياً بنزوله الى الجوف. إلا أن نقول : بأن وصول شي‌ء إلى الجوف مفطر لنفسه وإن لم يكن أكلا أو شرباً. وقد تقدم التعرض له في المفطر الأول.

[٦] يعني : في الوصول وعدمه.

[٧] لا يخلو من تأمل ، لأن أصالة عدم دخوله في الحلق لا يثبت كون ابتلاعه حينئذ أكلا أو شرباً. إلا بناء على الأصل المثبت ، لأن اللزوم بين الأول والثاني عقلي ، لا شرعي. نعم لو ثبت أن كل ما لم يدخل الحلق يحرم ابتلاعه ويقدح في الصوم. كان الأصل المذكور كافياً في إثبات الحرمة. لكنه كما ترى.

٣١٢

( مسألة ٧٦ ) : إذا كان الصائم بالواجب المعين مشتغلا بالصلاة الواجبة ، فدخل في حلقه [١] ذباب ، أو بق ، أو نحوهما ، أو شي‌ء من بقايا الطعام الذي بين أسنانه ، وتوقف إخراجه على إبطال الصلاة بالتكلم بـ ( أخ ) أو بغير ذلك ، فإن أمكن التحفظ والإمساك إلى الفراغ من الصلاة وجب [٢] وإن لم يمكن ذلك ودار الأمر بين إبطال الصوم بالبلع أو الصلاة بالإخراج ، فان لم يصل إلى الحد من الحلق ـ كمخرج الخاء ـ وكان مما يحرم بلعه في حد نفسه ـ كالذباب ونحوه ـ وجب قطع الصلاة [٣] بإخراجه ، ولو في ضيق وقت الصلاة [٤] وإن كان مما يحل بلعه في ذاته ـ كبقايا الطعام ـ ففي سعة الوقت للصلاة ـ ولو بإدراك ركعة منه ـ يجب القطع والإخراج وفي الضيق يجب البلع وإبطال الصوم ، تقديماً لجانب الصلاة‌

______________________________________________________

[١] يعني : في فمه ، كما يظهر ذلك من تقسيمه الآتي.

[٢] لئلا يلزم قطع الصلاة المحرم.

[٣] لأهمية حرمة الأكل وحرمة الإفطار من حرمة قطع الصلاة. بل ثبوت حرمة القطع في مثل ذلك غير معلوم ، فإنه يجوز القطع للحاجة التي منها : الفرار عن المحرم ، كما تقدم في كتاب الصلاة.

[٤] فيقطع الصلاة ، وينتقل إلى البدل الاضطراري ، لأن دليل البدلية ظاهر في مثل المورد. أما لو فرض لزوم فوات الصلاة بالمرة فجواز القطع غير ظاهر ، فإن الصلاة إحدى الدعائم التي بني الإسلام عليها ، ومزيد الاهتمام بها من الشارع مما لا مجال للتشكيك فيه ، فكيف يجوز تركها محافظة على امتثال النهي عن أكل الحرام في الجملة؟! وكذا الحال في الفرض الآتي.

٣١٣

لأهميتها [١]. وإن وصل إلى الحد ، فمع كونه مما يحرم بلعه وجب إخراجه بقطع الصلاة وإبطالها ، على إشكال [٢]. وإن كان مثل بقايا الطعام لم يجب [٣] ، وصحت صلاته ، وصح صومه على التقديرين [٤] ، لعدم عد إخراج مثله قيئاً في العرف.

( مسألة ٧٧ ) : قيل يجوز للصائم أن يدخل إصبعه في حلقه ويخرجه عمداً. وهو مشكل مع الوصول إلى الحد [٥] ، فالأحوط الترك.

( مسألة ٧٨ ) : لا بأس بالتجشؤ القهري [٦] وإن وصل‌

______________________________________________________

[١] ثبوت الأهمية إنما هو إذا دار الأمر بين فوات الصلاة في الوقت بالمرة وفوات الصوم. أما إذا دار بين فوات الصلاة التامة وفوات الصوم فثبوتها محل تأمل ، كما تقدم.

[٢] بل هو الأظهر. والاشكال ضعيف ، كما عرفت. نعم في ضيق الوقت بحيث يؤدي القطع إلى فوات الصلاة يشكل جواز القطع ، كما تقدم.

[٣] لعدم المقتضي ، كما تقدم في المسألة السابقة.

[٤] يعني : تقديري الإخراج وعدمه. أما على الأول فلما ذكر. وأما على الثاني فلكون وصوله إلى الحد لم يكن باختياره ، فلا يكون مفطراً. وابتلاعه بعد ذلك وان كان باختياره فليس بمفطر ، لأنه بعد تجاوز الحد ، كما سبق.

[٥] إن كان الاشكال من جهة الإدخال ، ففيه : أنه لم يتضح الفرق بينه وبين إنفاذ الرمح والسكين بحيث يصلان إلى الجوف ، الذي تقدم في أوائل الفصل الجزم بعدم الإفطار به ، لعدم صدق الأكل والشرب. وان كان من جهة الإخراج لاحتمال صدق القي‌ء ، ففيه : أن هذا الاحتمال ضعيف.

[٦] للأصل. وكذا تعمد التجشؤ ، كما تقدم. ووجه بقية المسألة يعلم مما سبق في المسائل السابقة.

٣١٤

معه الطعام إلى فضاء الفم ورجع. بل لا بأس بتعمد التجشؤ ما لم يعلم أنه يخرج معه شي‌ء من الطعام. وإن خرج بعد ذلك وجب إلقاؤه. ولو سبقه الرجوع إلى الحلق لم يبطل صومه. وإن كان الأحوط القضاء.

فصل في اعتبار العمد والاختيار في الإفطار

المفطرات المذكورة ، ما عدا البقاء على الجنابة ـ الذي مر الكلام فيه تفصيلا ـ إنما توجب بطلان الصوم إذا وقعت على وجه العمد والاختيار. وأما مع السهو وعدم القصد فلا توجبه [١].

______________________________________________________

فصل في اعتبار العمد والاختيار في الإفطار‌

[١] أما في السهو وعدم القصد إلى فعل المفطر فقولا واحداً ، ونصوصاً ـ كما في الجواهر ـ وبلا ريب ولا خلاف ، كما في المستند. والظاهر أن النصوص المشار إليها في الجواهر : ما ورد في الكذب والقي‌ء من التقييد بالعمد (١) وما ورد في قضاء من أفطر قبل الغروب من التعليل : بأنه أكل متعمدا (٢) ومثل خبر مسعدة : « سئل عن الذباب يدخل في حلق الصائم. قال (ع) : ليس عليه قضاء ، لأنه ليس بطعام » (٣) بناء على أن المراد أنه ليس باختيار المكلف ، وما ورد في تعليل عدم مفطرية الاحتلام من أنه مفعول به (٤) وما ورد في سبق ماء المضمضة الذي سيأتي ـ إن

__________________

(١) لاحظ نصوص الكذب في الوسائل باب : ٢ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١ ، ٢ ، ٣. وأما نصوص القي‌ء فقد تقدمت قريبا في المفطر العاشر.

(٢) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٣٩ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٣٥ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٤.

٣١٥

______________________________________________________

شاء الله ـ الكلام فيه.

وأما النصوص المتضمنة للقضاء على من أفطر متعمدا (١) فلا تصلح لإثبات ذلك ، لأن التقييد بالعمد إنما كان في السؤال ، فلا تصلح لتقييد وجوب القضاء على من أفطر. نعم في رواية المشرقي ذكر في الجواب (٢) إلا أن الجزاء فيها مجموع الحكمين : من القضاء والكفارة ، فلا تدل على تقييد القضاء به. فالعمدة في النصوص : ما ذكرنا.

وأما في السهو عن الصوم فلا خلاف ظاهر في عدم الإفطار. وعن غير واحد : نفي الخلاف. وفي المستند : دعوى الإجماع المحقق ، وحكاه عن بعض. ويشهد به جملة من النصوص المتضمنة لعدم الإفطار لو أكل أو شرب أو جامع ناسياً. منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « عن رجل نسي فأكل وشرب ، ثمَّ ذكر. قال (ع) : لا يفطر. إنما هو شي‌ء رزقه الله ، فليتم صومه » (٣) وصحيح محمد بن قيس : « كان أمير المؤمنين (ع) يقول : من صام فنسي فأكل وشرب فلا يفطر ، من أجل أنه نسي ، فإنما هو رزق رزقه الله تعالى ، فليتم صيامه » (٤) وموثق عمار : « أنه سأل أبا عبد الله (ع) عن الرجل ينسى وهو صائم فجامع أهله. فقال (ع) : يغتسل ، ولا شي‌ء عليه » (٥) ونحوها غيرها.

واختصاصها بالثلاثة لا يقدح في عموم الحكم ، لما في الصحيح الثاني : من التعليل بالنسيان ، المطرد في الجميع. ولعدم الفصل ، أو فهم عدم الخصوصية. مضافاً الى عموم : « ما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر » (٦)

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١١.

(٣) الوسائل باب : ٩ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٩ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٩.

(٥) الوسائل باب : ٩ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٢.

(٦) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٦.

٣١٦

من غير فرق بين أقسام الصوم [١] ، من الواجب المعين ، والموسع ، والمندوب ولا فرق في البطلان مع العمد بين الجاهل بقسميه [٢] والعالم ،

______________________________________________________

الوارد في نفي القضاء عن المغمى عليه ، بناء على أن تطبيقه بلحاظ نفي القضاء موجب للتصرف فيه بحمل العذر على العذر حتى من أجل القضاء ، لا للتصرف في تطبيقه ، ليختص بمورده. وفيه تأمل.

[١] بلا خلاف. لإطلاق جملة من النصوص. واختصاص بعض النصوص برمضان أو النافلة لا يستوجب تقييد المطلق. ولا سيما مع إمكان إلحاق غيرهما بهما في الحكم ، بإلغاء خصوصية المورد. ولما عن الفقيه : من أنه ـ بعد روايتي الحلبي وعمار ـ قال : « روي عن الأئمة (ع) : أن هذا في شهر رمضان وغيره ، ولا يجب فيه القضاء » (١)

[٢] على المشهور. لإطلاق دليل المفطرية. وعن ظاهر الحلي ، والشيخ في موضع من التهذيب : العدم مطلقاً ، وحكي أيضاً عن ظاهر الجامع ، واختاره في الحدائق. لإطلاق موثق أبي بصير وزرارة ، قالا جميعاً : « سألنا أبا جعفر (ع) عن رجل أتى أهله وهو في شهر رمضان ، أو أتي أهله وهو محرم وهو لا يرى إلا أن ذلك حلال له. قال (ع) : ليس عليه شي‌ء » (٢) المعتضد بإطلاق صحيح عبد الصمد ، الوارد فيمن لبس قميصاً حال الإحرام : « أي رجل ركب أمراً بجهالة فلا شي‌ء عليه » (٣) وحمل الموثق على الجاهل القاصر غير ظاهر. ومثله : حمله على نفي خصوص الكفارة ، فإنه خلاف إطلاقه. ودعوى : أن بينه وبين أدلة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١٢.

(٣) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب تروك الإحرام حديث : ٣.

٣١٧

ولا بين المكره وغيره [١]. فلو أكره على الإفطار فأفطر‌

______________________________________________________

المفطرية عموماً من وجه ، والترجيح لها من وجوه : منها : الشهرة. ومنها : ظهور جملة من أدلة القضاء في الجاهل. غير ظاهرة ، إذ الشهرة الفتوائية لا تصلح للترجيح. مع أن إعمال الترجيح في تعارض العامين من وجه خلاف التحقيق. وظهور جملة من أدلة القضاء في الجاهل أول الكلام.

فالتحقيق : أن إطلاق الموثق في نفي القضاء أقوى من إطلاق أدلة المفطرية ، كما هو الحال في أمثاله مما يظهر لعنوان الموضوع خصوصية تناسب الحكم ، كالجهل في المقام. ولو سلم عدم الترجيح في الظهور فاللازم الرجوع إلى الأصل المقتضي لنفي المفطرية. وأما التقييد بغير المقصر فخال عن الوجه. فالبناء على الصحة في الجاهل وإن كان مقصراً أقوى.

نعم لا تشمل الجاهل المتردد الذي لا يحكم عقله بالحل ، فالرجوع فيه إلى عموم المفطرية ووجوب القضاء أولى. ونحوه : الجاهل بالموضوع وإن كان عقله حاكماً بالحل ، لاختصاص الموثق بالجاهل بالحكم. وصحيح عبد الصمد وإن كان يشمله وغيره ، ويقتضي نفي القضاء والكفارة ، لكن الاعتماد عليه في ذلك لا يخلو من إشكال ، لامتناع الأخذ بإطلاقه ، للزوم كثرة التخصيص الموهنة له. فلا يبعد اختصاصه بمورده : من الجهل بالحكم مع حكم عقله بالحل ، فيكون كالموثق. فالمرجع في الجاهل بالموضوع مطلقاً عموم المفطرية. فتأمل جيداً.

[١] كما عن المبسوط ، والتذكرة ، والمسالك ، والحدائق. لإطلاق أدلة المفطرات ، المؤيد بما ورد في الإفطار تقية ، كمرسل رفاعة عن رجل عن أبي عبد الله (ع) : « قال (ع) : دخلت على أبي العباس بالحيرة .. ( إلى أن قال ) : فأكلت معه وأنا أعلم والله أنه يوم من شهر رمضان ،

٣١٨

مباشرة فراراً عن الضرر المترتب على تركه بطل صومه على الأقوى. نعم لو وجر في حلقه من غير مباشرة منه لم يبطل [١].

( مسألة ١ ) : إذا أكل ناسياً ، فظن فساد صومه ، فأفطر عامداً بطل صومه [٢]. وكذا لو أكل بتخيل أن صومه‌

______________________________________________________

فكان إفطاري يوماً وقضاؤه أيسر علي من أن يضرب عنقي ولا أعبد الله » (١).

لكن المحكي عن الأكثر : عدم الإفطار. للأصل ، بعد انصراف أدلة المفطرية الى غير المكره. ولحديث رفع الإكراه الحاكم على إطلاقها (٢) وفيه : أن الانصراف ممنوع فلا مجال للأصل. وحديث الرفع لا يصلح لإثبات الصحة ، لأنه ناف لا مثبت ، كما أشرنا إلى ذلك آنفاً. وأما ما ورد في إكراه الزوجة على الجماع : من أن على الزوج كفارتين (٣) فلا يدل على عدم إفطارها ، بل على إفطارها أدل ، بقرينة تعدد الكفارة. وأما ما ورد في نفي القضاء عن المغمى عليه : من قوله (ع) : « كلما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر » (٤) فلا يبعد اختصاصه بالإجبار ، كما في الإغماء ، فلا يشمل الإكراه. مع أنك عرفت في أول الفصل : التأمل في صحة التمسك به في غير مورده.

[١] بلا خلاف ـ كما جزم به جماعة ـ لانتفاء العمد المعتبر في المفطرية إجماعاً ، كما سبق.

[٢] هذا بناء على ما سبق : من إلحاق الجاهل بالعامد ظاهر ، لأن الإفطار مقتضى الإطلاق. أما بناء على إلحاقه بالساهي فقد يشكل الحكم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٧ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٥٦ من أبواب جهاد النفس.

(٣) الوسائل باب : ١٢ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ٦.

٣١٩

مندوب يجوز إبطاله ، فذكر أنه واجب [١].

( مسألة ٢ ) : إذا أفطر تقية من ظالم بطل صومه [٢].

______________________________________________________

بالإفطار في الفرض ، لكون الوجه في الإفطار جهله بكونه صائماً شرعاً ، والظاهر عدم الفرق بين أفراد الجهل بالحكم.

اللهم إلا أن يقال : مورد موثق أبي بصير وزرارة المتقدم خصوص الجهل بالمفطرية مع العلم بالصوم (١) والمقام عكس ذلك ، فالتعدي إليه يحتاج الى دليل مفقود. إلا أن يثبت عدم الفصل. لكنه ممنوع ، كما يظهر من المحقق حيث تردد في حكم الجاهل ، وجزم في المقام بالإفطار والقضاء.

[١] فإنه لا ينبغي التأمل في البطلان ، لإطلاق أدلة المفطرية. وخروج نسيان الصوم عنها لا يلازم خروج ما نحن فيه ، للفرق الظاهر بين المقامين.

[٢] لما تقدم في المكره. وقال في المدارك ـ بعد ما اختار الصحة في المكره ـ : « وفي معنى الإكراه : الإفطار في يوم يجب صومه للتقية ، أو التناول قبل الغروب لأجل ذلك ». ونحوه في الذخيرة. وقال في الحدائق : « قالوا : في معنى الإكراه : الإفطار في يوم .. ». فكأن الخلاف فيه مبني عندهم على الخلاف في المكره.

نعم ظاهر جملة من النصوص الواردة في الأمر بالتقية : صحة العمل الجاري على طبق التقية وإن وجد مانعاً أو فقد شرطاً أو جزءاً ، مثل المصحح عن أبي عمر الأعجمي : « قال لي أبو عبد الله (ع) : يا أبا عمر إن تسعة أعشار الدين التقية. ولا دين لمن لا تقية له. والتقية في كل شي‌ء ، إلا في النبيذ ، والمسح على الخفين » (٢) فان استثناء المسح على الخفين يقتضي‌

__________________

(١) تقدم ذكرهما في أول هذا الفصل.

(٢) لاحظ صدر الرواية في الوسائل باب : ٢٤ من أبواب الأمر بالمعروف حديث : ٢ ، وذيلها في باب : ٢٥ حديث : ٣.

٣٢٠