مستمسك العروة الوثقى - ج ٨

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٨

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٤

موطوءاً. بل وكذا لو كان الموطوء بهيمة. بل وكذا لو كانت‌

______________________________________________________

وغيره. نعم لو لم نقل بوجوب الغسل بذلك يشكل الحكم بالإفطار به.

اللهم إلا أن يكون المستند فيه : ظاهر الإجماع المدعى في المبسوط على الإفطار فيهما ، وصريح الإجماع المدعى في محكي الخلاف في أولهما. لكن الاعتماد عليه محل إشكال ، بعد تردد مثل المحقق في الشرائع ، ودعواه فيها : أن الأشبه أنه يتبع وجوب الغسل. ونحوه العلامة في المختلف. أو يكون المستند فيه : إطلاق الجماع الشامل للغلام والبهيمة بنحو شموله لدبر المرأة. لكنه بعيد. مع إمكان دعوى تقييده بمثل صحيح ابن مسلم : « لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال : الطعام والشراب ، والنساء ، والارتماس في الماء » (١). فاذاً البناء على ما ذكره المحقق هو الأقوى.

وعليه فالحكم بالإفطار في الصورة المذكورة في المتن موقوف على البناء على وجوب الغسل فيها. والكلام فيه تقدم في غسل الجنابة ، وقد تقدم من المصنف (ره) : التوقف في اقتضاء وطء البهيمة للغسل ، مع جزمه بالإفطار هنا.

وأما مرسل علي بن الحكم عن رجل عن أبي عبد الله (ع) : « إذا أتى الرجل المرأة في الدبر وهي صائمة لا ينقض صومها ، وليس عليها غسل » (٢). ونحوه مرفوع بعض الكوفيين (٣). فلا مجال للعمل بهما بعد ضعفهما في أنفسهما ، وإعراض الأصحاب عنهما ، ودعوى الإجماع على خلافهما.

__________________

(١) تقدم ذلك في الأمر الأول مما يجب الإمساك عنه.

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب الجنابة ملحق الحديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ١٢ من أبواب الجنابة حديث : ٣.

٢٤١

هي الواطية. ويتحقق بإدخال الحشفة [١] ، أو مقدارها من مقطوعها. فلا يبطل بأقل من ذلك. بل لو دخل بجملته ملتوياً [٢] ولم يكن بمقدار الحشفة لم يبطل ، وإن كان لو انتشر كان بمقدارها.

( مسألة ٦ ) : لا فرق في البطلان بالجماع بين صورة قصد الانزال به وعدمه [٣].

( مسألة ٧ ) : لا يبطل الصوم بالإيلاج في غير أحد الفرجين [٤] بلا إنزال. إلا إذا كان قاصداً له ، فإنه يبطل وإن لم ينزل من حيث أنه نوى المفطر [٥].

( مسألة ٨ ) : لا يضر إدخال الإصبع ونحوه لا بقصد الانزال [٦].

______________________________________________________

[١] هذا مما لا دليل عليه في المقام ، وإنما تضمنت النصوص اعتباره في وجوب الغسل (١) ، فلو لم يكن المقام من متفرعات وجوب الغسل كان مشكلا. وكذا الحكم باعتبار مقدارها من مقطوعها ، فان مبناه فهم التقدير من النصوص القائلة : « إذا التقى الختانان وجب الغسل » (٢). فالبناء عليه في المقام يتوقف على كونه من متفرعات وجوب الغسل.

[٢] يعني : منكمشاً. الظاهر رجوعه الى مقطوع الحشفة.

[٣] بلا إشكال. لظهور الأدلة في كونه بنفسه موضوعاً للحكم بالبطلان.

[٤] لعدم الدليل عليه. بل الظاهر : عدم الاشكال فيه.

[٥] كما تقدم في أواخر الفصل السابق.

[٦] لعدم الدليل عليه. بل الظاهر : أنه لا اشكال فيه.

__________________

(١) ، (٢) راجع الوسائل باب : ٦ من أبواب الجنابة.

٢٤٢

( مسألة ٩ ) : لا يبطل الصوم بالجماع إذا كان نائما [١] أو كان مكرهاً بحيث خرج عن اختياره ، كما لا يضر إذا كان سهواً [٢].

( مسألة ١٠ ) : لو قصد التفخيذ مثلا فدخل في أحد الفرجين لم يبطل [٣]. ولو قصد الإدخال في أحدهما فلم يتحقق كان مبطلا ، من حيث أنه نوى المفطر [٤].

( مسألة ١١ ) : إذا دخل الرجل بالخنثى قبلا لم يبطل صومه ، وصومها [٥]. وكذا لو دخل الخنثى بالأنثى ولو‌

______________________________________________________

[١] لاعتبار الاختيار والعمد في فعل المفطر في مفطريته. وسيأتي إن شاء الله في الفصل الآتي.

[٢] يعني : سهواً عن الصيام. فإنه لا خلاف أيضاً في أنه لا يقدح استعمال المفطر مع نسيان الصوم ، كما سيأتي إن شاء الله.

[٣] لعدم العمد.

[٤] على ما سبق.

[٥] على ما هو ظاهر المشهور. لظهور الأدلة في الإيلاج بالفرج الحقيقي ، وهو غير معلوم للشبهة الموضوعية ، لا مطلق الثقب وإن كان مثله. وعن كشف الغطاء : أن الأقوى البطلان. وكأنه مبني على أنه فرج حقيقة كسائر فروج النساء والرجال ، ولذا يكون له ما يكون لها من الخواص ، مثل أنها تحمل بوطئها فيه ، أو تلقح بوطئها للمرأة. وهو غير بعيد. إلا أن في عموم الأدلة تأملا ، لانصرافها إلى ما يكون مقتضى الخلقة الأصلية ، فمع الشك فيه يكون مقتضى الأصل الصحة. هذا مع قطع النظر عن العلم الإجمالي في بعض الفروض. وإلا وجب العمل عليه.

٢٤٣

دبراً. أما لو وطئ الخنثى دبراً بطل صومهما [١]. ولو دخل الرجل بالخنثى ، ودخلت الخنثى بالأنثى [٢] ، بطل صوم الخنثى [٣] دونهما [٤]. ولو وطئت كل من الخنثيين الأخرى لم يبطل صومهما [٥].

( مسألة ١٢ ) : إذا جامع نسياناً أو من غير اختيار ، ثمَّ تذكر أو ارتفع الجبر ، وجب الإخراج فوراً ، فان تراخى بطل صومه [٦].

( مسألة ١٣ ) : إذا شك في الدخول ، أو شك في بلوغ مقدار الحشفة ، لم يبطل صومه [٧].

الرابع من المفطرات : الاستمناء ، أي : إنزال المني متعمداً [٨] ،

______________________________________________________

[١] يعني : وطئه الرجل ، لا الخنثى.

[٢] الواو بمنزلة مع.

[٣] للعلم بأنها إما واطئة أو موطوءة.

[٤] لاحتمال كل منهما مساواتها له في الذكورة والأنوثة. نعم يكونان كواجدي المني في الثوب المشترك.

[٥] لاحتمال تساويهما في الذكورية والأنوثية.

[٦] لتعمد الجماع ولو بقاء لا حدوثاً ، لظهور الأدلة في الأعم منهما.

[٧] للأصل.

[٨] بلا خلاف ، كما عن المنتهى ، والذخيرة ، والحدائق. وعن المعتبر : الاتفاق عليه. وعن شرح اللمعة للأصبهاني : « أنه مما أطبق عليه الأصحاب ». وعن المدارك : « عليه أجمع العلماء كافة ». ونحوه ـ في‌

٢٤٤

بملامسة ، أو قبلة ، أو تفخيذ ، أو نظر [١] ، أو تصوير‌

______________________________________________________

دعوى الإجماع ـ ما عن الانتصار ، والوسيلة ، والغنية ، والتذكرة ، وغيرها.

ويدل عليه : صحيح ابن الحجاج عن الصادق (ع) : « عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتى يمني. قال (ع) : عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع » (١) ، وخبر أبي بصير : « عن رجل وضع يده على شي‌ء من جسد امرأته فأدفق. فقال (ع) : كفارته أن يصوم شهرين متتابعين ، أو يطعم ستين مسكيناً ، أو يعتق رقبة » (٢) ، ومرسل حفص بن سوقة ، عمن ذكره ، عن أبي عبد الله (ع) : « في الرجل يلاعب أهله أو جاريته ، وهو في قضاء شهر رمضان ، فيسبقه الماء. فقال (ع) عليه من الكفارة مثل ما على الذي جامع في شهر رمضان » (٣) ، وغيرها. والجميع وإن لم يصرح فيه بالإفطار والقضاء ، إلا أنه يدل عليه بالالتزام ، للإجماع على انتفاء الكفارة مع عدم الإفطار. مع أن الإجماعات المتقدمة تغني عن الاستدلال عليه بالنصوص.

وتشير إليه أيضاً : النصوص ـ الدالة على مفطرية الجنابة العمدية ـ المتقدمة. والنصوص الدالة على كراهة المس مع خوف سبق المني. وسنذكر بعضها إن شاء الله.

[١] إلحاق النظر بما قبله يتوقف ، إما على ثبوت الإجماع على مفطرية مطلق الاستمناء ، كما هو ظاهر غير واحد. لكن ينافيه القول بالصحة معه مطلقاً ـ كما عن الخلاف ، والسرائر ، وفي الشرائع ، وغيرها ـ أو إذا كان إلى من يحل النظر إليه ، كما عن المفيد ، وسلار ، وابن البراج ، والسيد‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٥.

(٣) الوسائل باب : ٤ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٢.

٢٤٥

صورة الواقعة ، أو تخيل صورة امرأة ، أو نحو ذلك من الأفعال التي يقصد بها حصوله. فإنه مبطل للصوم بجميع أفراده. وأما لو لم يكن قاصداً للإنزال وسبقه المني من دون إيجاد شي‌ء مما يقتضيه ، لم يكن عليه شي‌ء [١].

( مسألة ١٤ ) : إذا علم من نفسه أنه لو نام في نهار رمضان يحتلم ، فالأحوط تركه. وإن كان الظاهر جوازه [٢] ،

______________________________________________________

في جملة من كتبه ، وابن حمزة ، والتحرير.

اللهم إلا أن ينزل كلام هؤلاء على صورة عدم القصد إليه ، كما عن الرياض دعواه. لكن صريح محكي المدارك : اعتبار الاعتياد مع القصد. وإما على ثبوت فهم عدم الخصوصية من العبث ، والملاعبة ، والمس ، واللزق ، واللصق ، المذكورة في النصوص ، فيراد منها : مطلق ما يقصد منه نزول المني. وإما لما عرفت : من ظهور النصوص في قاعدة مفطرية الجنابة العمدية.

ومن ذلك تعرف : وجه الحكم في التخيل ، وكذا في الإصغاء. وإن كان ظاهر الشرائع عدم قدحه مطلقاً. فتأمل.

[١] قطعاً بلا خلاف ولا إشكال. لعدم الدليل عليه بعد قصور النصوص السابقة عن إثبات مفطريته حينئذ ، والأصل البراءة. ولو فرض استفادة مفطرية خروج المني في نفسه من الأدلة ، اختصت ـ بقرينة ما ورد في عدم مفطرية الاحتلام ـ بما إذا استند خروجه إلى المكلف الصائم ، كالأكل ، والشرب ، والجماع ، كما تقدمت الإشارة إليه ، ويجي‌ء تفصيله فيما يأتي إن شاء الله.

[٢] إذ لا يخرج عن كونه حينئذ مفعولا به ، الذي تقدم في النص‌

٢٤٦

خصوصاً إذا كان الترك موجباً للحرج [١].

( مسألة ١٥ ) : يجوز للمحتلم في النهار الاستبراء بالبول أو الخرطات ، وإن علم بخروج بقايا المني في المجرى [٢].

______________________________________________________

تعليلا لعدم مفطرية الاحتلام. نعم لو كان المراد من التعليل مجرد العذر العقلي في تحقق الجنابة ، كان الحكم بمفطرية الاحتلام المذكور في محله ، لأن العلم بترتبه على النوم الاختياري كاف في عدم العذر العقلي فيه ، لأنه يكفي في اختيارية الفعل كون بعض مقدماته اختيارية ولو كانت عدمية. لكنه خلاف الظاهر. ولو سلم ظهوره في ذلك فالاعتماد عليه محل إشكال. ولا سيما مع بناء الأصحاب ظاهراً على خلافه ، وأن المفطر هو الجنابة العمدية بفعله ، لا مطلق العمد إليها في الجملة. وحركة المني إلى الخارج في المقام نظير حركة الدم في العروق ، مما لا تصح نسبته إلى المكلف بوجه. فتأمل. وبذلك افترق الفرض عن صورة العلم بدخول بقايا الطعام في الفم إلى الجوف لو لم يخلل ، حيث تقدم في المسألة الاولى من هذا الفصل : الحكم بالإفطار على تقدير الدخول.

وحاصل الفرق : أن الأكل قد أخذ مطلقاً موضوعاً للإفطار في جملة من النصوص ، والخارج إنما هو خصوص صورة الأكل ناسياً للصوم ، فلا يشمل الفرض. بخلاف خروج المني ، فإنه قد ورد ـ في خصوص خروجه بالاحتلام ـ دليل على عدم مفطريته ، وإطلاقه ـ ولا سيما بملاحظة التعليل المشار إليه سابقاً ـ شامل للمقام ، فاذا لم يكن مفطراً في هذه الحال لم يجب الاجتناب عنه.

[١] أدلة الحرج والضرر ـ على تقدير جريانها ـ إنما تدل على جواز الإفطار ، لا على نفي المفطرية. وكذا الحال فيما يأتي.

[٢] قيل : إنه مقطوع به. وهو كذلك ، لقصور الأدلة ـ من الإجماع‌

٢٤٧

ولا يجب عليه التحفظ [١] بعد الانزال [٢] من خروج المني إن استيقظ قبله. خصوصاً مع الإضرار أو الحرج.

( مسألة ١٦ ) : إذا احتلم في النهار وأراد الاغتسال ، فالأحوط تقديم الاستبراء إذا علم أنه لو تركه خرجت البقايا بعد الغسل ، فتحدث جنابة جديدة [٣].

( مسألة ١٧ ) : لو قصد الإنزال بإتيان شي‌ء مما ذكر ولكن لم ينزل ، بطل صومه من باب نية إيجاد المفطر [٤].

______________________________________________________

والنصوص ـ عن شمول مثله. فأدلة جواز الاستبراء أو استحبابه محكمة. إلا أن يقال : إنها غير ظاهرة فيما نحن فيه ، ولا إطلاق لها يشمل صورة لزوم الإفطار كي تكون دالة على عدم المفطرية. فالعمدة في الجواز : أصل البراءة. ولا سيما مع كون السيرة من المحتلمين الصائمين على البول بلا احتمال منهم للمنع.

[١] لما عرفت في المسألة السابقة : من عدم الدليل عليه ، والأدلة إنما تدل على مفطرية الجنابة بفعل المكلف ، لا مطلقاً.

[٢] يعني : نزول المني من مقره ، قبل الخروج إلى خارج المخرج.

[٣] مقتضى ما تقدم ـ من عدم الدليل على وجوب التحفظ ـ جواز ترك الاحتياط ، فالاحتياط المذكور لا يناسب الجزم بعدم لزوم التحفظ. إلا أن يكون المراد منه صورة الخروج بفعله ببول أو نحوه. وعليه فالظاهر عدم جوازه لأنه تعمد للجنابة ، ولا سيرة عليه. وبذلك افترق عن الاستبراء قبل الغسل مع العلم ببقاء شي‌ء في المجرى ، فان خروجه لا يوجب جنابة ، فلا موجب لمفطريته.

[٤] كما سبق.

٢٤٨

( مسألة ١٨ ) : إذا أوجد بعض هذه الافعال لا بنية الانزال ، لكن كان من عادته الانزال بذلك الفعل ، بطل صومه أيضاً إذا أنزل [١]. وأما إذا أوجد بعض هذه ، ولم‌

______________________________________________________

[١] في الرياض : « الذي أظنه أن هذا ليس محل خلاف أجده في وجوب الأمرين معاً » ، يعني : البطلان ، والكفارة. ويقتضي البطلان : إطلاق النصوص المتقدمة (١).

نعم عن المدارك : الصحة ، لعدم حجية غير الصحيح الأول. ودلالته على البطلان في المقام تتوقف على كون ( حتى ) للغاية ، وهو غير ظاهر. بل من المحتمل ـ أو الظاهر ـ كونها تعليلية ، بمنزلة ( كي ). وحينئذ يتوقف تطبيقها على وجود القصد ، المفقود في المقام حسب الفرض.

وفيه : أن ما ذكره ـ أولا ـ لا يتم ، بناء على حجية خبر الثقة مطلقاً. وما عدا الأول فيه الموثق ، والمرسل المعتبر لكون الراوي عن حفص فيه محمد بن أبي عمير : التي عدت مراسيله في الصحاح عند المشهور. فتأمل. وما ذكره ـ ثانياً ـ ممنوع ، فان الظاهر من ( حتى ) كونها للغاية دائماً. غاية الأمر أنه قد تقوم القرينة الخارجية على كون الغاية فيها علة غائية ، فمع عدم القرينة يكون مقتضى أصالة الإطلاق عدمها. ولا سيما بملاحظة كون قصد الامناء خلاف ظاهر حال المسلم العاقل.

نعم قد يتوهم : معارضة النصوص المذكورة بمرسل المقنع عن علي عليه‌السلام : « لو أن رجلا لصق بأهله في شهر رمضان فأمنى ، لم يكن عليه شي‌ء » (٢). ورواية أبي بصير ـ المروية في التهذيب ، والمنتهى والذخيرة ، والحدائق ـ عن الصادق (ع) : « عن رجل كلم امرأته في‌

__________________

(١) لاحظ الأمر الرابع من المفطرات.

(٢) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ملحق حديث : ٥.

٢٤٩

يكن قاصداً للإنزال ، ولا كان من عادته ، فاتفق أنه أنزل ، فالأقوى عدم البطلان [١]. وإن كان الأحوط القضاء ، خصوصاً‌

______________________________________________________

شهر رمضان فأمنى. فقال (ع) : لا بأس » (١). فيكون مقتضى الجمع العرفي : حمل الأول على خصوص صورة القصد ، وحمل الثانية على غيرها.

وفيه ـ مع أن الأولى مرسلة ، ومروية في الوسائل عن الفقيه هكذا : « لو أن رجلا لصق بأهله في شهر رمضان فأدفق كان عليه عتق رقبة » (٢) اللهم إلا أن تكون رواية أخرى غير الأولى. فتأمل. والثانية ـ مع أنها ضعيفة ـ موردها ما لا يعتاد غالباً خروج المني بعده. فتختص به جمعاً ـ : أن ما ذكره من الجمع لا شاهد عليه ، فلا مجال له. فالبناء على البطلان متعين. ولا سيما مع كونه مظنة الإجماع ، كما عرفت من الرياض وغيره.

[١] كما عن السيدين ، والحلي ، والفاضلين في جملة من كتبهما ، وغيرهم. لعدم الدليل عليه. والنصوص المتقدمة وإن كانت في نفسها مطلقة ، لكن تضمنها للكفارة مانع عن الحكم بإطلاقها ، لأن الكفارة لا تناسب العذر ، المفروض من جهة عدم القصد ، وعدم الاعتياد معاً.

ومنه يظهر : ضعف ما اختاره في المستند ـ حاكياً عن المختلف. والمهذب : نسبته إلى المشهور ، وعن المعتبر والخلاف : الإجماع عليه ـ : من وجوب القضاء والكفارة ، في الملاعبة ، والملامسة ، والتقبيل ، للإطلاقات المذكورة.

وبالجملة : ذكر الكفارة قرينة على الاختصاص بصورة العمد ، للإجماع على اعتباره فيها. ولاختصاصها عرفاً بالذنب المتوقف على ذلك. ولأجله يشكل ثبوت الإطلاق للنصوص ، فيقتصر في الكفارة على المتيقن ـ وهو صورة القصد إليه أو الاعتياد ، فان الاعتياد له نحو من الطريقة العرفية.

__________________

(١) التهذيب حديث : ٨٣٧ ج ٤ صفحة ٢٧٣ طبع النجف الأشرف.

(٢) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٥.

٢٥٠

في مثل الملاعبة ، والملامسة ، والتقبيل [١].

الخامس : تعمد الكذب على الله تعالى ، أو رسوله ، أو الأئمة ـ صلوات الله عليهم ـ [٢] ، سواء كان متعلقاً‌

______________________________________________________

مع أن حمل النصوص على خصوص صورة القصد بعيد جداً ـ وفي غير هاتين يشكل ثبوت الكفارة ، فضلا عن القضاء.

نعم ما ورد في كراهة المس والتقبيل والمباشرة في شهر رمضان ، معللا بخوف أن يسبقه المني ـ كصحيح الحلبي عن الصادق (ع) : « عن الرجل يمس من المرأة شيئاً ، أيفسد ذلك صومه أو ينقضه؟ فقال (ع) : إن ذلك ليكره للرجل الشاب ، مخافة أن يسبقه المني » (١) ، وصحيح محمد وزرارة عن أبي جعفر (ع) : « هل يباشر الصائم أو يقبل في شهر رمضان؟ فقال (ع) : إني أخاف عليه فليتنزه من ذلك. إلا أن يثق أن لا يسبقه منيه » (٢). ونحوهما غيرهما ـ ظاهر في أن سبق المني مطلقاً موجب للإفطار. ولا يظهر له معارض عدا خبر أبي بصير المتقدم (٣). لكن في حجيته تأملا ، لضعف سنده ، وعدم ثبوت جابر له. ومجرد الموافقة لفتوى المشهور ـ لو تمت ـ غير جابرة. فالخروج عن إطلاق تلك النصوص بمجرده ، وحملها على صورة الاعتياد ، غير ظاهر.

[١] لأنه مورد النصوص.

[٢] كما عن الشيخين والسيدين ، في الانتصار والغنية ، بل عنهما : دعوى الإجماع عليه. وعن الخلاف : نسبته إلى الأكثر.

واستدل له ـ مضافاً إلى الإجماع المدعى في كلام السيدين ، وقاعدة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١٣.

(٣) راجع التعليقة السابقة.

٢٥١

______________________________________________________

الاشتغال ـ بالنصوص ، كموثق سماعة : « عن رجل كذب في رمضان. فقال (ع) : قد أفطر ، وعليه قضاؤه. فقلت : ما كذبته؟ قال (ع) : يكذب على الله ، وعلى رسوله » (١). وفي موثقة الآخر : « قد أفطر وعليه قضاؤه ، وهو صائم يقضي صومه ووضوءه إذا تعمد » (٢). وموثق أبي بصير قال : « سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : الكذبة تنقض الوضوء وتفطر الصائم. فقلت له : هلكنا! (ع) : ليس حيث تذهب ، إنما ذلك الكذب على الله ، وعلى رسوله ، وعلى الأئمة » (٣). ونحوها غيرها.

وعن السيد في الجمل ، والحلي ، والمحقق في المعتبر والشرائع ، والعلامة في التذكرة والمختلف : العدم ، ونسب إلى أكثر المتأخرين. لأصالة البراءة وعدم تمامية الإجماع. وعن المعتبر : أن دعواه مكابرة. ويشهد له : مخالفة حاكيه له. وعدم صحة النصوص. وقصور دلالتها ، لاشتمالها على نقضه للوضوء ، المراد به نقض كماله ، الموجب ـ بقرينة وحدة السياق ـ لحمل الإفطار فيه على نقض كمال الصوم أيضاً. ولقوله في موثق سماعة : « وهو صائم » ، فيكون المراد من إفطار الصوم ذلك أيضاً.

وفيه : أنه لا مجال للأصل مع الدليل. والنصوص إن لم تكن صحيحة فهي من الموثق الذي هو حجة. مع أن عمل القدماء بها كاف في جبر سندها. وكون المراد من نقض الوضوء نقض كماله لا يقتضي حمل إفطار الصوم فيه عليه. وقرينة وحدة السياق في مثله غير ثابتة. ولا سيما مع اختلاف المادتين ، وما زالت النصوص مشتملة على الواجب والمستحب معاً. وقوله عليه‌السلام : « وهو صائم » كما يصلح أن يصرف قوله (ع) :

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٢ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٢.

٢٥٢

بأمور الدين أو الدنيا [١] ، وسواء كان بنحو الاخبار أو بنحو الفتوى [٢] ،

______________________________________________________

« قد أفطر » إلى إرادة نقض الكمال ، يمكن العكس أيضاً ، بحمل الصوم على الإمساك الواجب وعدم جواز استعمال المفطر ، وترجح الأول على الثاني عرفاً غير ثابت. وغاية ذلك : سقوط النص عن صلاحية إثبات المفطرية لا صلاحيته لصرف غيره إلى نقض الكمال. وحينئذ يكفي غيره لإثبات المفطرية.

هذا ما تقتضيه صناعة الاستدلال. وإن كان في النفس منه شي‌ء. ولا سيما بملاحظة أن حمل الصوم على ما ذكر ـ من وجوب الإمساك ـ خلاف ظاهر القضية الحملية الحالية. وحمله على الإمساك حال الكذب خلاف ظاهر حال المتكلم ، لأنه أمر خارجي معلوم للسامع لا يحتاج إلى بيان ، ولا سيما ممن شأنه تشريع الأحكام. فيتعين حمله على الصوم الحقيقي ، وحمل ظاهر « أفطر » على نقض الكمال ، فيتعين حمل بقية النصوص على ذلك. ولا سيما مع تأييده بنقض الوضوء ، واعتضاده بما دل على حصر المفطر في غيره. والاحتياط طريق النجاة.

[١] كما عن المنتهى ، والتحرير. لإطلاق النصوص. وعن كشف الغطاء : تخصيصه بالأول. وكأنه : لدعوى الانصراف إليه. لكنها غير ظاهرة.

[٢] المفتي تارة : يخبر عن الواقع بتوسط الحجة. وتارة : يخبر عن رأيه الحاكي عن الواقع. فان كان الأول ـ كما هو الظاهر من الفتوى ـ كانت من قبيل الخبر عن الله تعالى ، فلا يناسب جعلها في قبال الخبر. اللهم إلا أن يكون المراد من الخبر الصريح ، كأن يقول : « قال الله تعالى كذا ، وخلق الله كذا » بخلاف الفتوى مثل : « هذا حَلالٌ ، وَهذا حَرامٌ » فإنه راجع إلى الاخبار عن الله تعالى بأنه أحله أو حرمة. وإن كان الثاني فالظاهر عدم كونه من الكذب على الله تعالى ، وإنما هو كذب على نفسه‌

٢٥٣

بالعربي ، أو بغيره من اللغات [١]. من غير فرق بين أن يكون بالقول ، أو الكتابة ، أو الإشارة ، أو الكناية ، أو غيرها مما يصدق عليه الكذب [٢]. مجعولا له ، أو جعله غيره وهو أخبر به مسنداً إليه [٣] لا على وجه نقل القول. وأما لو كان على وجه الحكاية ونقل القول فلا يكون مبطلا [٤].

( مسألة ١٩ ) : الأقوى إلحاق باقي الأنبياء والأوصياء بنبينا (ص) [٥] ، فيكون الكذب عليهم أيضاً موجباً للبطلان بل الأحوط إلحاق فاطمة الزهراء ـ سلام الله عليها ـ بهم أيضاً [٦].

______________________________________________________

لو لم يكن رأيه كذلك.

[١] للإطلاق.

[٢] للإطلاق أيضاً. وتوهم : أن الكذب نوع من الخبر ، وهو إنما يكون بالقول ، دون غيره. ساقط ، لصدق الخبر المتصف بالصدق أو الكذب على الجميع.

[٣] كما لو قال : « بايع علي (ع) معاوية ، كما أخبر بذلك فلان » إذ لا يخرج بهذا الاسناد عن كونه كاذباً.

[٤] لعدم كونه كذباً.

[٥] جعله في الجواهر أولى. لرجوع الكذب عليهم إلى الكذب على الله تعالى. وفيه : نظر ، كما يظهر من جعل الكذب على النبي (ص) مقابلا للكذب على الله تعالى. ولذا صرح بنفي الإلحاق في محكي كشف الغطاء.

نعم لو أمكن التمسك بإطلاق : « رسوله ». « والأئمة » ، بأن يكون المراد منهما الجنس ، كان الإطلاق في محله. لكنه خلاف الظاهر.

[٦] كما عن كشف الغطاء. وفي الجواهر جعل الأولى الإلحاق أيضاً‌

٢٥٤

( مسألة ٢٠ ) : إذا تكلم بالخبر غير موجه خطابه إلى أحد ، أو موجهاً إلى من لا يفهم معناه ، فالظاهر عدم البطلان [١]. وإن كان الأحوط القضاء.

( مسألة ٢١ ) : إذا سأله سائل : « هل قال النبي (ص) كذا .. » ، فأشار ( نعم ) في مقام ( لا ) ، أو ( لا ) في مقام ( نعم ) ، بطل صومه [٢].

( مسألة ٢٢ ) : إذا أخبر صادقاً عن الله أو عن النبي (ص) مثلا ، ثمَّ قال : « كذبت » ، بطل صومه [٣]. وكذا إذا أخبر بالليل كاذباً ، ثمَّ قال في النهار : « ما أخبرت به البارحة صدق » [٤].

______________________________________________________

لما سبق. وفيه : ما عرفت. نعم يحتمل التعدي عن النبي (ص) والأئمة (ع) إليها (ع) ، وإلى الأنبياء ، والأوصياء (ع). بدعوى : فهم عدم الخصوصية عرفاً. لكنه غير ثابت.

[١] كما صرح به في الجواهر. وكأنه : لعدم صدق الخبر بدون المخبر. ولذا تصح تعدية الفعل إليه فيقال : « أخبرت زيداً ». لكن الخبر لم يذكر في النص ، وإنما المذكور الكذب. لكن الكذب نوع من الخبر. ولا أقل من الانصراف.

[٢] لصدق الكذب.

[٣] كما صرح به في محكي كشف الغطاء. لأنه من الكذب غير الصريح ، فيشمله الإطلاق. ودعوى : انصرافه عنه ، غير ظاهرة.

هذا إذا كان المقصود نفي الواقع المطابق للخبر ، كما هو الظاهر. أما إذا كان المقصود نفي الخبر المطابق للواقع ، فلا يبطل به صومه ، لعدم كونه كذباً على الله تعالى أو على النبي (ص) ، بل كذب على نفسه فقط.

[٤] كما في محكي كشف الغطاء. والكلام فيه كما سبق.

٢٥٥

( مسألة ٢٣ ) : إذا أخبر كاذباً ، ثمَّ رجع عنه بلا فصل لم يرتفع عنه الأثر [١] ، فيكون صومه باطلا. بل وكذا إذا تاب بعد ذلك ، فإنه لا تنفعه توبته في رفع البطلان [٢].

( مسألة ٢٤ ) : لا فرق في البطلان بين أن يكون الخبر المكذوب مكتوباً في كتاب من كتب الاخبار أو لا ، فمع العلم بكذبه لا يجوز الاخبار به وإن أسنده إلى ذلك الكتاب [٣]. إلا أن يكون ذكره له على وجه الحكاية دون الاخبار. بل لا يجوز الاخبار به على سبيل الجزم [٤] مع الظن بكذبه ، بل وكذا مع احتمال كذبه ، إلا على سبيل النقل والحكاية. فالأحوط لناقل الاخبار في شهر رمضان ـ مع عدم العلم بصدق الخبر ـ أن يسنده إلى الكتاب ، أو إلى قول الراوي على سبيل الحكاية.

______________________________________________________

[١] حيث لا يخرج خبره السابق عن كونه كذباً.

[٢] نعم تنفعه في رفع الإثم.

[٣] لما عرفت : من أن الإسناد إلى الكتاب لا يخرجه عن الكذب ، لأن الصدق في الإسناد لا ينافي الكذب في الاخبار عن الواقع.

[٤] لما يظهر من مثل قوله تعالى ( آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ ) (١) ، وقوله تعالى ( أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ ) (٢) وغيرهما : عدم جواز الاخبار بدون العلم ، أو ما هو بمنزلته ، كاليد المسوغة للشهادة بالملك ، والاستصحاب المسوغ للشهادة ببقاء الواقع ، كما يظهر من بعض النصوص. فمع عدم العلم بالواقع لا يجوز الاخبار عنه ، سواء أظن به ، أم بعدمه ، أم شك.

__________________

(١) يونس : ٥٩.

(٢) يونس : ٦٨.

٢٥٦

( مسألة ٢٥ ) : الكذب على الفقهاء والمجتهدين والرواة وإن كان حراماً ـ لا يوجب بطلان الصوم [١]. إلا إذا رجع إلى الكذب على الله ورسوله (ص).

( مسألة ٢٦ ) : إذا اضطر إلى الكذب على الله ورسوله (ص) في مقام التقية من ظالم لا يبطل صومه به [٢]. كما أنه لا يبطل‌

______________________________________________________

هذا حكم الاخبار من حيث نفسه. وأما حكمه من حيث الصوم فلا دليل على كون الاخبار مع عدم العلم مفطراً ، لاختصاص الدليل بالكذب ولما كان المشهور المنصور : كونه عبارة عن مخالفة الخبر للواقع ، فمع الشك في المخالفة يشك في حصول الإفطار به ، والمرجع أصل البراءة. بل بناء على ما سيأتي : من اختصاص المفطرية بحال العمد المتوقف على قصد الكذب لا يفطر به وإن كان مخالفاً للواقع. وحينئذ لا مجال لأصل البراءة ، للعلم بعدم مفطريته واقعاً. فتأمل. ولأجل توقف المصنف (ره) في ذلك توقف عن الفتوى بعدم مفطريته.

ومما ذكرنا يظهر : أنه لا تنافي بين جزمه بعدم جواز الاخبار مع الاحتمال ، وقوله : « فالأحوط .. » فإن الأول كان في حكم الاخبار تكليفاً ، والثاني في حكمه وضعاً.

[١] لعدم الدليل عليه ، والأصل البراءة.

[٢] كما في محكي كشف الغطاء وغيره. وكأنه : لانصراف الدليل إلى الكذب المحرم. وحينئذ لا موقع لما قيل : من أن التقية إنما ترفع الإثم لا حكم الإفطار من القضاء. فإنه إنما يتم لو بني على إطلاق دليل المفطرية ليكون حاله حال الأكل تقية ، لا ما لو بني على الانصراف ، اللهم إلا أن يكون مبنى ما ذكر : منع الانصراف المعتد به. ومجرد كون الكذب بعنوانه الأولي محرماً لا يقتضيه. وإلا لاتجه انصراف الأكل والشرب إلى‌

٢٥٧

مع السهو ، أو الجهل المركب [١].

( مسألة ٢٧ ) : إذا قصد الكذب فبان صدقاً دخل في عنوان قصد المفطر ، بشرط العلم بكونه مفطراً [٢].

( مسألة ٢٨ ) : إذا قصد الصدق فبان كذباً لم يضر ، كما أشير إليه [٣].

( مسألة ٢٩ ) : إذا أخبر بالكذب هزلا بأن لم يقصد المعنى أصلا ـ لم يبطل صومه [٤].

______________________________________________________

المحرم ، ولم يدعه أحد.

لكن الانصاف : الفرق بين المقامين ، لوجود المناسبة المقتضية له في الأول ، والمقتضية لعدمه في الثاني ، كما لعله ظاهر.

[١] لعدم العمد ، الذي هو شرط المفطرية ، كما سيأتي.

[٢] إذ مع عدم العلم بمفطريته لا يكون من قصد المفطر بما هو مفطر بل يكون من قصد ذات المفطر بعنوانه الأولي ، ومثله لا ينافي قصد الصوم لأن المعتبر في قصد الصوم القصد إلى الإمساك عن المفطرات ولو إجمالا ، كما تقدم. والقصد إلى ترك الشي‌ء بعنوان إجمالي ـ مثل عنوان ما جعل مفطراً شرعاً ـ لا ينافي القصد إلى فعله بعنوانه التفصيلي ، لأن القصد إنما يتعلق بالوجود العلمي ، ومع اختلاف الوجودات العلمية ـ ولو لاختلاف العناوين الإجمالية والتفصيلية ـ يجوز اختلاف القصود المتعلقة بها ، فيتعلق بأحد العنوانين قصد الفعل ، وبالآخر قصد الترك ، فلا تنافي بين القصد إلى الأكل والقصد إلى الصوم بماله من المعنى ، نعم لو احتمل أو علم بتنافي العنوانين انطباقاً امتنع القصد المطلق إليهما. لكنه في غير محل الفرض.

[٣] يعني : في آخر المسألة السادسة والعشرين.

[٤] لعدم تحقق الخبر ، المتقوم بقصد الحكاية عن الواقع.

٢٥٨

السادس : إيصال الغبار الغليظ إلى حلقه [١] ،

______________________________________________________

[١] على المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً. إذ لم يعرف مخالف فيه صريحاً إلى زمان المحدث الكاشاني. نعم ظاهر عدم تعرض الصدوق ، والسيد والشيخ في المصباح ، وسلار له : المنع من مفطريته. وكأنه لأجل ذلك حكي في الشرائع : الخلاف فيها.

واستدل له ـ مضافاً إلى قاعدة المنع عن كل ما يصل إلى الجوف ، المتقدم إليها الإشارة في ذيل مفطرية الأكل. وإلى دعوى الإجماع عليه صريحاً أو ظاهراً ، كما عن الناصرية ، والغنية ، والسرائر ، ونهج الحق ، والتذكرة ، والتنقيح ـ برواية سليمان المروزي : « سمعته يقول : إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان ، أو استنشق متعمداً ، أو شم رائحة غليظة ، أو كنس بيتاً ، فدخل في أنفه وحلقه غبار ، فعليه صوم شهرين متتابعين ، فان ذلك له فطر ، مثل الأكل ، والشرب ، والنكاح » (١).

ولا يقدح ضعفها بجهالة سليمان ، لانجباره بالعمل. ولا إضمارها ، لأن تدوين الأجلاء لها في كتب الحديث شهادة منهم بكونها رواية عن المعصوم. ولا معارضتها بموثق عمرو بن سعيد عن الرضا (ع) : « عن الصائم يتدخن بعود أو بغير ذلك ، فتدخل الدخنة في حلقه. فقال (ع) : جائز لا بأس به. وسألته عن الصائم يدخل الغبار في حلقه. قال (ع) : لا بأس » (٢) لا مكان حمله على صورة العذر ، لاختصاص الرواية الأولى بصورة العمد ، بقرينة ذكر الكفارة ، وتشبيهه بالأكل وأخويه المختص مفطريتها بحاله.

اللهم إلا أن يقال : أصالة المنع عن كل ما يدخل الجوف ـ لو تمت ـ

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٢.

٢٥٩

بل وغير الغليظ [١] على الأحوط. سواء كان من الحلال‌

______________________________________________________

مختصة بما كان له جرم ، لا ما يشمل الغبار ونحوه من الأجزاء اللطيفة المنتشرة. والرواية غير معلومة الانجبار بالعمل ، لتقييد المشهور الغبار بالغليظ ، مع خلوها عنه. وحملها على صورة العمد خلاف ظاهر تقييد المضمضة والاستنشاق به وتركه فيما عداهما. ويكفي في صدق المجازاة المسامحة من المكلف في ترك التحفظ ولو بترك بعض المقدمات البعيدة. والإجماع على اختصاص الكفارة بحال العمد موهن آخر للرواية. والتشبيه إنما يقتضي التخصيص بالعمد لو كانت الرواية مطلقة ، لا ما لو كانت كالصريحة في العموم من جهة ما ذكرنا. والموثق صدره ظاهر في العمد ، بقرينة قوله (ع) : « جائز ». والتفكيك بين ما في الصدر والذيل بعيد.

هذا ولكن قد يقال : إن قول الإمام في الخبر : « أو كنس بيتاً فدخل في أنفه .. » ظاهر في أن الحكم ليس لمطلق الغبار ، بل للغبار الذي يحصل عند كنس البيت ، الذي يكون غالباً من الغليظ. وعليه يتضح الوجه في تقييد المشهور الغبار بالغليظ ، وأن هذا التقييد دليل على اعتمادهم على الرواية ، وأن النسبة بينها وبين الموثق نسبة المقيد والمطلق. فيتعين حمل الموثق على غير الغليظ ، جمعاً بينه وبين الرواية. وترك التقييد بالعمد في الغبار ليس بنحو يوجب امتناع حمل الرواية على صورة العمد. فاذاً لا مانع من العمل بالرواية. فلاحظ.

[١] وعن المسالك : انه الظاهر ، لأنه نوع من المتناولات ، فيحرم ويفسد. وفيه : أنه مبني على ثبوت أصالة المنع ينحو يشمل المقام ، وقد عرفت : أنه أول الكلام. كما عرفت : اختصاص الرواية بالغليظ ، وأنه يتعين في غير الغليظ الرجوع إلى الموثق النافي لمفطريته ، المعتضد بالسيرة القطعية على عدم الاجتناب عنه في الصوم.

٢٦٠