مستمسك العروة الوثقى - ج ١٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٧٨

١
٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

كتاب الإجارة

وهي : تمليك عمل أو منفعة بعوض [١]. ويمكن أن‌

______________________________________________________

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وله الحمد ، والصلاة والسلام على رسوله الكريم وآله الطاهرين.

كتاب الإجارة‌

[١] عرفها بعضهم ـ كالعلامة في القواعد ـ : بأنها عقد ثمرته نقل المنفعة. والاشكال عليه ظاهر ، لأن العقد هو مجموع الالتزامين النفسيين ، القائم أحدهما بالموجب والآخر بالقابل ، المرتبطين على نحو خاص من الارتباط ، والإجارة ليست كذلك ، بل هي الأمر الملتزم به ، وكذلك غيرها من مفاهيم العقود والإيقاعات. ولأجل ذلك عدل بعضهم إلى تعريفها بما في المتن. ويشكل : بأن الإجارة ليست تمليكاً للمنفعة ، بل هي قائمة بالعين ذات المنفعة ، فتقول : ( آجرت الدار ) ولا تقول : ( آجرت منفعة الدار ) ، وبذلك امتازت عن أكثر العقود ، كالبيع والصلح والرهن والهبة والنكاح وغيرها ، فان هذه المفاهيم قائمة بموضوعاتها وتقتضي التصرف فيها ، بخلاف الإجارة فإنها قائمة بذي المنفعة وتقتضي التصرف في المنفعة لا فيه ، فلو بني على حصول تمليك المنفعة في الإجارة فليس هو عين الإجارة بل مسبب عنها وأثر لها.

٣

يقال : إن حقيقتها التسليط على عين للانتفاع بها بعوض [١]. وفيه فصول :

فصل

في أركانها ، وهي ثلاثة :

الأول : الإيجاب والقبول ، ويكفي فيهما كل لفظ دال على المعنى المذكور. والصريح منه : آجرتك أو أكريتك الدار ـ مثلا ـ فيقول : قبلت أو استأجرت أو استكريت. ويجري‌

______________________________________________________

والمناسب حينئذ أن يقال : إنها جعل العين موضوعاً للأجر ، بنحو يقتضي تمليك المنفعة ، لا أنها عين تمليك المنفعة. ويشكل هذا التعريف أيضاً : بأن الإجارة قد لا تقتضي تمليك المنفعة ، كما في استيجار ولي الزكاة أو ولي الوقف داراً ، لأن يحرز فيها الغلة المأخوذة من الزكاة أو من نماء الوقف ، فإن منفعة الدار في الفرض ليست مملوكة لمالك ، وإنما هي صدقة يتعين صرفها في مصرف الزكاة أو مصرف الوقف. وكأنه لذلك عدل في القواعد عن جعل ثمرة العقد التمليك ، الى جعلها نقل المنفعة. لكن عرفت الاشكال فيه أيضاً.

[١] السلطنة من الأحكام المترتبة على الأموال والحقوق التي هي موضوع عقد الإجارة وليست هي نفس حقيقتها. مع أن ما ذكر لا ينعكس في الإجارة على عمل إذا كان الأجير حراً ، ولا يطرد في الاذن بالتصرف بشرط العوض ، ضرورة أنه ليس من الإجارة ولا تشترط فيه شرائطها.

٤

فيها المعاطاة كسائر العقود [١]. ويجوز أن يكون الإيجاب بالقول والقبول بالفعل ، ولا يصح أن يقول في الإيجاب : بعتك الدار ـ مثلاً ـ وإن قصد الإجارة [٢] ، نعم لو قال : بعتك منفعة الدار أو سكنى الدار ـ مثلا ـ بكذا لا يبعد‌

______________________________________________________

[١] كما صرح به غير واحد ، بل قيل : لم يعرف متأمل في ذلك. ويقتضيه عموم أدلتها ، لعدم الفرق فيها بين البيع والإجارة وغيرهما. نعم خص ذلك بعض الأعاظم (ره) في منافع الأموال لا مطلقاً ، كما في الإجارة على عمل إذا كان الأجير حراً ، فإنه لا تعاطي من قبله. اللهم إلا أن يكون نفس إيجاد العمل ـ كبناء الجدار ـ إعطاء منه ، مع أنه مبني على اعتبار التعاطي من الطرفين ، فلو اكتفي في حصول المعاطاة بالإعطاء من طرف والأخذ من الآخر أمكن جريانها مطلقاً ، إذا كانت الأجرة عيناً.

[٢] هذا مبني على عدم جواز إنشاء مضامين العقود بالمجازات المستنكرة كما في الجواهر ، ودليله غير ظاهر. نعم صرح به في الشرائع وغيرها ، وعن التذكرة نسبته إلى علمائنا. فإن تمَّ إجماعاً كان هو الحجة وإلا فإطلاق عمومات الصحة تنفيه. ودعوى انصرافها عن مثله ، ممنوعة كدعوى العلم الإجمالي بتقيد العمومات ببعض الخصوصيات في العقد ، فيسقط الإطلاق عن المرجعية. فإنها مدفوعة بلزوم الاقتصار في الخروج عن الإطلاق على القدر المتيقن ، فيتعين الرجوع في غيره إلى الإطلاق : اللهم إلا أن يقال : إذا كان المجاز مستنكراً عند العرف لا يكون آلة لإنشاء العنوان الخاص ، ولا يكون منشأ لاعتباره عندهم ، فلا مجال للرجوع إلى الإطلاق ، لأنه منزل على ما عند العرف ، فلاحظ.

٥

صحته إذا قصد الإجارة [١].

الثاني : المتعاقدان ، ويشترط فيهما : البلوغ [٢] ، والعقل [٣] والاختيار [٤] ،

______________________________________________________

[١] ذكر بعض الأعاظم في حاشية المتن ما نصه : « صحة هذا وأشباهه مبني على جواز التجوز في صيغ العقود ، وصحة إنشاء كل واحد منها بلفظ الآخر وهو في غاية الإشكال ، بل لا يبعد بطلانه » وحكي عنه في توجيهه : أن اللفظ إنما يكون آلة عرفاً لإنشاء معناه الحقيقي ، ولا يكون آلة لإنشاء معنى مجازي. ولكن إشكاله ظاهر ، فإن إنكار صدق العنوان الإنشائي إذا أنشى‌ء بنحو المجاز ، كإنكار صدق الخبر إذا حكي بنحو المجاز ، والفرق ممنوع.

[٢] لا إشكال في ذلك ولا خلاف ، ويشهد له بعض النصوص (١) لكن المتيقن من دلالته عدم صحة عقد الصبي على وجه الاستقلال ، لا عدم الصحة وإن أذن له الولي ، ولأجل أن المسألة محررة في كتب القوم على التفصيل ، وقد تعرضنا لها في ( نهج الفقاهة ) على الاجمال ، أهملنا ذكرها هنا اعتماداً على ذلك.

[٣] اعتبار العقل في مقابل الجنون المانع من تحقق القصد واضح. لعدم تحقق العقد ، لتقومه بالقصد ، والمفروض انتفاؤه. أما الجنون غير المانع من تحقق القصد : فالكلام فيه ينبغي أن يكون هو الكلام في الصبي فإنه محجور عليه ، كما يظهر من ملاحظة كلماتهم في كتاب الحجر. وعدم صحة عقده بإذن الولي غير ظاهر من الأدلة.

[٤] اعتباره مما لا إشكال فيه عندنا. وتفصيل الكلام فيه وفي فروعه مذكور في كتابنا ( نهج الفقاهة ) فليراجع.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب المقدمات حديث : ٢.

٦

وعدم الحجر لفلس أو سفه أو رقية [١].

الثالث : العوضان ، ويشترط فيهما أمور : الأول : المعلومية ، وهي في كل شي‌ء بحسبه ، بحيث لا يكون هناك غرر [٢] ،

______________________________________________________

[١] الكلام في ذلك موكول الى كتاب الحجر.

[٢] كما هو المشهور. واستدل له بما ورد من نهي النبي (ص) عن الغرر (١) ، وبالنبوي : « من استأجر أجيراً فليعلمه أجره » (٢). وفيه : أن الأول غير ثابت بل لعله ثابت العدم. والوارد إنما هو : « نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بيع الغرر » (٣) ، وهو مختص بالبيع. والنبوي لو تمَّ حجة فلا يدل على ذلك ، بل يكفي في العلم المشاهدة. ولذا اختار في الشرائع الاكتفاء بها ، وحكي ذلك عن الشيخ والمرتضى وجماعة من المتأخرين. ويعضده : ما ورد في قبالة الأرض بخراجها قل أو كثر (٤) ، وفي بعضها جواز إجارتها بالنصف والثلث أو أقل من ذلك أو أكثر (٥) ، وما في الخبر : « عن أرض يريد رجل أن يتقبلها ، فأي وجوه القبالة أحل؟. قال (ع) : يتقبل الأرض من‌

__________________

(١) راجع التذكرة مسألة : ٢ من الركن الثالث من الفصل الثاني من كتاب الإجارة.

(٢) مستدرك الوسائل باب : ٣ من أبواب الإجارة حديث : ١ ويوجد ما يقرب منه في الوسائل باب : ٣ من أبواب الإجارة حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب آداب التجارة حديث : ٣. كنز العمال الجزء : ٢ صفحة ٢٢٩ حديث : ٤٩٢٠ ، ٤٩٢٣. صحيح الترمذي الجزء : ٥ صفحة ٢٣٧. الموطأ الجزء : ٢ صفحة : ٧٥.

(٤) الوسائل باب : ١٧ من أبواب المزارعة حديث : ٢.

(٥) الوسائل باب : ٢١ من أبواب الإجارة حديث : ٥.

٧

فلو آجره داراً أو حماراً من غير مشاهدة ولا وصف رافع للجهالة بطل. وكذا لو جعل العوض شيئاً مجهولا.

الثاني : أن يكونا مقدوري التسليم [١] ، فلا تصح إجارة العبد الآبق. وفي كفاية ضم الضميمة هنا ـ كما في البيع ـ إشكال [٢].

______________________________________________________

أربابها بشي‌ء معلوم الى سنين مسماة ، فيعمر ويؤدي الخراج ، فان كان فيها علوج فلا يدخل العلوج في قبالته ، فان ذلك لا يحل » (١) الظاهر أن المراد بالمعلوم مقابل المجهول المطلق ، لا ما هو مراد المشهور.

[١] هذا واضح لو كان المراد تعذر التسليم ، لعدم المالية في المنفعة حينئذ لتصح المعاوضة عليها ، ولا يكون أكل الأجرة أكلا بالباطل. أما مع رجاء حصوله فمشكل. وقد عرفت اختصاص النهي عن الغرر بالبيع ، مع إمكان المناقشة في صدقه بمجرد ذلك ، لاحتمال اختصاصه بالجهل بأحد العوضين لا مجرد الخطر ، ولا مجرد الجهل ولو بالحصول. لكن الظاهر العموم ، وإن حكي الأول عن الشهيد الأول في شرح الإرشاد ، لكن حكي عنه في قواعده الاختصاص بالجهل بالحصول ، كما أشرنا الى ذلك في ( نهج الفقاهة ) فراجع ، فلا يجري الحديث إلا في ذلك. لكن الإشكال في عموم الحديث للإجارة ، فكأن المستند فيه الإجماع المدعى على اشتراط ذلك ، لا غيره.

[٢] عن جماعة : الصحة ، منهم الأردبيلي ، وعن آخرين : المنع ، منهم العلامة والشهيد. وعن آخرين : التردد. واستدل للأول : بأن الإجارة تتحمل من الغرر ما لا يتحمله البيع. وفيه : أن هذا المقدار لا يوجب القطع بالصحة.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٨ من أبواب المزارعة حديث : ٥.

٨

الثالث : أن يكونا مملوكين [١] ، فلا تصح إجارة مال الغير ، ولا الإجارة بمال الغير الا مع الإجازة من المالك.

الرابع : أن تكون العين المستأجرة مما يمكن الانتفاع بها مع بقائها ، فلا تصح إجارة الخبز للأكل مثلا ، ولا الحطب للإشعال ، وهكذا.

الخامس : أن تكون المنفعة مباحة [٢] ، فلا تصح‌

______________________________________________________

نعم يمكن الاستدلال بذيل موثق سماعة (١) ، الدال على جواز البيع مع الضميمة ، حيث علل ذلك بقوله عليه‌السلام : « فان لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى معه ». وفيه أيضاً : أنه لا يظهر منه أنه تعليل للجواز ، بل من المحتمل أن يكون بياناً لحكم تعذر الآبق ، وأنه لا يرجع المشتري الى البائع بما قابله من الثمن ، بل تكون معاوضة قهرية بين تمام الثمن وبين الضميمة ـ كما هو أحد الوجوه المحتملة في الرواية ـ أو غير ذلك من الوجوه ، لا أنه تعليل للجواز. نعم إذا كان المستند في المنع الإجماع ، فلا بأس بالقول بالصحة مع الضميمة ، لعدم الإجماع على المنع فيها.

[١] لأن الصحة بدون الملك ودون إذن المالك خلاف قاعدة السلطنة. وسيأتي منه التعرض للاجتزاء بإذن المالك أو إجازته.

[٢] وفي حاشية بعض الأعاظم : « إن اشتراط مملوكية المنفعة يغني عن هذا الشرط ، فإن المنفعة المحرمة غير مملوكة » ، لأن إضافة الملك بحسب اعتبار العقلاء إنما تكون فيما ترجع مصلحته الى المالك ، ويكون من كماله ، ولا يصح اعتبارها فيما يكون مفسدة ومضرة على المالك ، فيصح‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب عقد البيع وشرون ، حديث : ٢.

٩

إجارة المساكن لإحراز المحرمات ، أو الدكاكين لبيعها ، أو الدواب لحملها ، أو الجارية للغناء ، أو العبد لكتابة الكفر ، ونحو ذلك. وتحرم الأجرة عليها.

السادس : أن تكون العين مما يمكن استيفاء المنفعة المقصودة بها [١] ، فلا تصح إجارة أرض للزراعة إذا لم يمكن إيصال الماء إليها ، مع عدم إمكان الزراعة بماء السماء ، أو عدم كفايته.

السابع : أن يتمكن المستأجر من الانتفاع بالعين المستأجرة [٢] فلا تصح إجارة الحائض لكنس المسجد [٣] مثلا.

( مسألة ١ ) : لا تصح الإجارة إذا كان المؤجر أو المستأجر مكرهاً عليها إلا مع الإجازة اللاحقة ، بل الأحوط عدم الاكتفاء بها ، بل تجديد العقد إذا رضيا. نعم تصح مع‌

______________________________________________________

أن تقول : يملك زيد أن يأخذ درهما من عمرو ، ولا يصح أن تقول : يملك زيد أن يأخذ منه عمرو درهما. والمحرمات لما كانت بنظر الشارع مفسدة ، لا يصح اعتبارها مملوكة عنده.

[١] لأنه مع عدمه يكون أخذ الأجرة أكلا للمال بالباطل ، ولا تصح معه المعاوضة المأخوذة في حاق الإجارة.

[٢] لأن تعذر المنفعة شرعاً بمنزلة تعذرها عقلا ، فيرجع الشرط المذكور إلى الذي قبله.

[٣] في بعض الحواشي : « إن هذا المثال قد خرج باشتراط مملوكية المنفعة وإباحتها » وفيه : أن كنس الحائض للمسجد حلال ، وإنما الحرام المكث الموقوف عليه الكنس.

١٠

الاضطرار ، كما إذا طلب منه ظالم مالا فاضطر إلى إجارة دار سكناه لذلك ، فإنها تصح حينئذ [١]. كما انه إذا اضطر إلى بيعها صح.

( مسألة ٢ ) لا تصح إجارة المفلس ـ بعد الحجر عليه ـ داره أو عقاره. نعم تصح إجارته نفسه لعمل أو خدمة [٢] وأما السفيه : فهل هو كذلك ـ أي تصح إجارة نفسه للاكتساب مع كونه محجوراً عن إجارة داره مثلا ـ أو لا؟ وجهان : من كونه من التصرف المالي وهو محجور [٣] ، ومن أنه ليس تصرفاً في ماله الموجود [٤] بل هو تحصيل للمال ، ولا تعد منافعه من أمواله [٥].

______________________________________________________

[١] إما لاختصاص دليل مانعية الإكراه بما إذا كان الإكراه على خصوص العقد أو الإيقاع ، فلا يشمل صورة ما إذا كان الإكراه على الغاية. وإما لأن دليل مانعية الإكراه لما كان امتنانياً لم يشمل المقام ، لأن شموله له خلاف الامتنان ، إذ يلزم منه الوقوع في الضرورة.

[٢] لأنه ليس تصرفاً في ماله الموجود ، بل هو تصرف في نفسه. ومنافعه ليست موضوعاً لحق الغرماء كي يمنع عن التصرف فيها ، فإجارة نفسه للاحتطاب والاصطياد ونحوهما مما لا يمنع المفلس عنه.

[٣] لأنه معقد الإجماع على عدم نفوذ تصرف السفيه.

[٤] كما هو مورد الأدلة اللفظية المانعة من نفوذ تصرفه من الكتاب والسنة.

[٥] لأن منافع الحر وإن كانت أموالا ، ويصح بذل المال بإزائها ، لكنها ليست مملوكة له ، لأن الملكية تتوقف على الاثنينية ، ولا اثنينية بينه وبين نفسه ، فاذا لم يملك نفسه لم يملك منافعه ، لأنها تابعة للعين ،

١١

خصوصاً إذا لم يكن كسوباً. ومن هنا يظهر النظر فيما ذكره بعضهم من حجر السفيهة من تزويج نفسها ، بدعوى : أن منفعة البضع مال [١] ، فإنه أيضاً محل إشكال.

______________________________________________________

إذ لا وجود لها خارجي ، وإنما منشأ اعتبارها العين ، فاذا لم تكن مملوكة لنفسه لم تكن المنافع مملوكة ، ولذا لا تكون من أمواله. مع أنه لو سلم أنها مملوكة ومن أموال السفيه فليست داخلة في عموم الولاية عليه ، لاختصاصه بغيرها. نعم لا تبعد استفادة حكمها من دليل الولاية في الأموال الموجودة ، لأنها كلها أموال. والمستفاد من دليل الولاية أن العلة فيها الاحتفاظ بمصلحة السفيه من حيث المال ، ولا فرق بين الموردين. وهذا هو الذي يقتضيه مذاق العرف والشرع. مضافاً إلى رواية عبد الله بن سنان الآتية‌.

[١] قال في الجواهر ـ في مبحث السفيه ـ : « والظاهر دخول تزويجها نفسها في التصرفات المالية ، من جهة مقابلة البضع بالمال ، فلا يجوز بدون إذن الولي ». وقد يظهر من المفاتيح : عدم الخلاف في ثبوت الولاية على السفيه والسفيهة في النكاح. ولكنه ـ كما ترى ـ غير ظاهر ، لعدم كون البضع مالا ولا مقابلا بالمال.

أقول : إن كان المراد : أن الصداق ليس في مقابل المنفعة المخصوصة ، وإلا لم يستحق المهر بالموت ، أو الطلاق قبل الدخول مع أن الاستحقاق ضروري ، فهو في محله. وإن كان المقصود : أن المهر ليس في مقابل المنفعة أصلا فهو غير ظاهر. لأن المهر في مقابل الزوجية ، وهي أيضاً نوع من المنفعة. ولا ينافي ذلك صحة العقد بلا مهر ، لجواز أن يكون من قبيل العارية أو الهبة المجانية.

نعم الزوجية ليست ملحوظة عوضاً عن المهر ، بل لوحظت عنواناً‌

١٢

( مسألة ٣ ) : لا يجوز للعبد أن يؤجر نفسه أو ماله أو مال مولاه إلا بإذنه أو إجازته.

( مسألة ٤ ) : لا بد من تعيين العين المستأجرة ، فلو آجره أحد هذين العبدين أو إحدى هاتين الدارين لم يصح [١]

______________________________________________________

لموضوع المهر. فالمهر من قبيل الهبة للزوجة ، لوحظ فيه الزوجية قيداً ، فالمقام ليس من باب المعاوضة ، إذ لم يدخل في ملك الزوج شي‌ء ، لأنه لم يملك الزوجية ولا البضع ، ولا الانتفاع به ، ولا شيئاً آخر ليكون عوضاً عن مهره. على هذا فالمقام ليس من قبيل المعاملة على منافع السفيه ، بل هو نحو آخر. وإجراء الحكم السابق فيه لا يخلو من وجه ، لأنه هو الذي يقتضيه مذاق العرف والشرع أيضاً. مضافاً إلى ما يستفاد من رواية عبد الله بن سنان : « إذا بلغ ونبت عليه الشعر جاز أمره ، إلا أن يكون سفيهاً أو ضعيفاً » (١) ، فإن إطلاقه يقتضي منع السفيه حتى من النكاح ، لأنه من أمره.

[١] هذا إذا كان على وجه الترديد ، لأن المردد لا وجود له في الخارج ، فلا تصح إجارته. أما إذا كان على وجه الكلي في المعين ، فلا بأس بإجارته كما لا بأس ببيعه. كما أنه إذا كان أحد العبدين معيناً في نفسه ، مردداً عندهما أو عند أحدهما ـ مثل الأكبر أو الأصغر ـ فالبناء على البطلان فيه مبني على مانعية الجهل ، وإلا فلا مانع عنه عقلاً ولا عرفاً ، والأدلة المطلقة تقتضي الصحة. وأدلة نفي الغرر قد عرفت‌

__________________

(١) هذا المضمون مروي بتعبيرات مختلفة وأقرب الكل اليه ما رواه في الوسائل في باب : ٢ من احكام الحجر حديث : ٥ الا أنه نقله من الخصال من ابي الحسين الخادم بياع اللؤلؤ من دون توسط ابن سنان لكن الموجود في الخصال الجزء ٢ صفحة ٨٩ روايته عن بياع اللؤلؤ عن عبد الله بن سنان فلاحظ.

١٣

ولا بد أيضاً من تعيين نوع المنفعة إذا كانت للعين منافع متعددة [١]. نعم تصح إجارتها بجميع منافعها مع التعدد [٢] فيكون المستأجر مخيراً بينها.

( مسألة ٥ ) : معلومية المنفعة [٣] : إما بتقدير المدة ، كسكنى الدار شهراً ، والخياطة يوماً ، أو منفعة ركوب الدابة إلى زمان كذا. وإما بتقدير العمل [٤] كخياطة الثوب المعلوم طوله وعرضه ورقته وغلظته ، فارسية أو رومية ، من غير تعرض للزمان. نعم يلزم تعيين الزمان الواقع فيه هذا العمل كأن يقول : إلى يوم الجمعة مثلا. وإن أطلق اقتضى التعجيل على الوجه العرفي [٥]. وفي مثل استئجار الفحل للضراب‌

______________________________________________________

الاشكال فيها. مع أنه قد لا يكون غرر ، كما إذا كان العبدان لا يختلفان بالصفات التي تختلف بها الرغبات أو المالية. فالعمدة في وجه البطلان ظهور التسالم عليه.

[١] الكلام فيه كالكلام في تعيين العين المستأجرة‌

[٢] يأتي الكلام في جواز ذلك ، في مبحث حكم الأجير الخاص ، إذ المنافع المتضادة يمتنع أن تكون مملوكة ، إذ القدرة عليها بدلية والملكية تابعة لها ، فلا تكون الملكية عرضية.

[٣] « بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل حكي عن المخالفين ـ الذين اكتفوا بالمشاهدة في البيع ـ : أنهم وافقوا هنا على اشتراط العلم بقدر المنفعة » ، كذا في الجواهر. والعمدة فيه الإجماع المذكور ، لا الغرر لما عرفت.

[٤] كما نص عليه الجماعة ، لارتفاع الجهالة بذلك.

[٥] وحينئذ لا حاجة الى ذكر المدة ، لارتفاع الغرر بذلك. نعم‌

١٤

يعين بالمرة والمرتين [١]. ولو قدَّر المدة والعمل على وجه التطبيق [٢] ، فان علم سعة الزمان له صح ، وإن علم عدمها بطل ، وإن احتمل الأمران ففيه قولان.

______________________________________________________

إذا كان الإطلاق لا يقتضي التعجيل ، لقيام القرينة على عدمه ، لزم ذكر المدة بالمعنى المذكور.

[١] هذا في غير ضراب الماشية ، فإنه يقدر بالزمان.

[٢] التقدير بالمدة مع العمل يكون : تارة : على نحو الظرفية ، مثل : أن يخيط هذا الثوب في هذا اليوم. وأخرى : على نحو التطبيق وعلى الثاني : تارة : يكون التطبيق ملحوظاً عنواناً لموضوع الإجارة ، وأخرى : يكون شرطاً. فان علمت القدرة ، فلا إشكال في الصحة في الجميع. وإن علم عدمها ، فلا إشكال في الفساد في الجميع. ومع الاحتمال اختار في الجواهر الصحة في الجميع ، لأن القدر المعلوم خروجه عن عموم الصحة صورة العلم بالعجز ، فلا يشمل صورة احتماله. ونزَّل القول بالبطلان في فرض التقدير على نحو التطبيق على صورة غلبة عدم حصوله. واستوضح البطلان حينئذ ، إلا مع اعتبار التطبيق على نحو الشرطية لا العنوانية. فإن احتمال الإمكان حينئذ كاف في الصحة ، فلو لم يتفق كان له خيار تخلف الشرط.

والتحقيق : ابتناء الصحة والبطلان ـ في جميع الصور ـ على عموم النهي عن الغرر للإجارة وعدمه. فعلى الأول : لا يصح مع الجهل ، إلا أن تجري العادة بحصوله. وعلى الثاني : يصح ، إلا أن تجري العادة بعدم حصوله ، بحيث يكون ملحقاً بالمتعذر الذي تكون المعاملة عليه سفهاً. وقد تقدم في الشرط الثاني الإشكال في الأول ، فراجع. ومن ذلك تعرف الاشكال فيما ذكره في الجواهر مع أنه لا يخلو في نفسه من‌

١٥

( مسألة ٦ ) : إذا استأجر دابة للحمل عليها ، لا بد من تعيين ما يحمل عليها بحسب الجنس إن كان يختلف الأغراض باختلافه ، وبحسب الوزن ولو بالمشاهدة والتخمين إن ارتفع به الغرر. وكذا بالنسبة إلى الركوب لا بد من مشاهدة الراكب أو وصفه ، كما لا بد من مشاهدة الدابة أو وصفها ، حتى الذكورية والأنوثية إن اختلفت الأغراض بحسبهما. والحاصل : أنه يعتبر تعيين الحمل والمحمول عليه ، والراكب والمركوب عليه ، من كل جهة يختلف غرض العقلاء باختلافها.

( مسألة ٧ ) : إذا استأجر الدابة لحرث جريب معلوم ، فلا بد من مشاهدة الأرض أو وصفها على وجه يرتفع الغرر.

( مسألة ٨ ) : إذا استأجر دابة للسفر مسافة ، لا بد من بيان زمان السير من ليل أو نهار [١] ، إلا إذا كان هناك عادة متبعة.

( مسألة ٩ ) : إذا كانت الأجرة مما يكال أو يوزن ، لا بد من تعيين كيلها أو وزنها ، ولا تكفي المشاهدة [٢]. وإن‌

______________________________________________________

تدافع يظهر بالتأمل فيما ذكر وذكرناه.

ثمَّ إن المراد من قولنا بالصحة على الثاني : الصحة التقديرية ، بمعنى الصحة على تقدير التمكن ، إذ على تقدير عدمه يمتنع البناء على الصحة ، لعدم المنفعة.

[١] لاختلاف الأغراض في ذلك غالباً.

[٢] تقدم الكلام فيه في الشرط الأول.

١٦

كانت مما يعد ، لا بد من تعيين عددها. وتكفي المشاهدة فيما يكون اعتباره بها.

( مسألة ١٠ ) : ما كان معلوميته بتقدير المدة ، لا بد من تعيينها شهراً أو سنة أو نحو ذلك. ولو قال : آجرتك إلى شهر أو شهرين ، بطل. ولو قال : آجرتك كل شهر بدرهم مثلا ، ففي صحته مطلقاً [١] ، أو بطلانه مطلقاً [٢] ، أو صحته في شهر وبطلانه في الزيادة [٣] ، فإن سكن فأجرة المثل بالنسبة إلى الزيادة ، أو الفرق بين التعبير المذكور وبين أن يقول : آجرتك شهراً بدرهم فان زدت فبحسابه بالبطلان في الأول والصحة في شهر في الثاني [٤] ، أقوال. أقواها‌

______________________________________________________

[١] حكي عن الشيخ وابن زهرة وابن الجنيد.

[٢] كما حكي عن جماعة ، وفي الجواهر : « لعله المشهور بين المتأخرين ».

[٣] اختاره في الشرائع ، ونسب إلى المقنعة والنهاية.

[٤] هذا القول ذكره في القواعد ، والظاهر منه صورة ما إذا كان المقصود منه الإجارة في الشهر الأول. وقوله : ( فان زدت فبحسابه ) من قبيل الشرط. وحينئذ فالبناء على البطلان في الجميع مبني على فساد الشرط وإفساده العقد ، وكلاهما في المقام محل إشكال أو منع ، إذ التحقيق : أن الشرط الفاسد غير مفسد ، وأن الغرر في الشرط الواقع في عقد الإجارة غير ظاهر في اقتضائه البطلان في نفسه ، كما عرفت. من ذلك يظهر ضعف ما عن الإيضاح وجامع المقاصد من القول بالبطلان لما ذكر.

١٧

الثاني ، وذلك لعدم تعيين المدة الموجب لجهالة الأجرة. بل جهالة المنفعة أيضاً ، من غير فرق بين أن يعين المبدأ أو لا ، بل على فرض عدم تعيين المبدأ يلزم جهالة أخرى ، إلا أن يقال : إنه حينئذ ينصرف الى المتصل بالعقد. هذا إذا كان بعنوان الإجارة ، وأما إذا كان بعنوان الجعالة فلا مانع منه [١] لأنه يغتفر فيها مثل هذه الجهالة. وكذا إذا كان [٢] بعنوان الإباحة بالعوض [٣].

______________________________________________________

[١] كما صرح به في الجواهر ، لكن أشكل عليه في بعض الحواشي على المتن : بأن البذل للجعل في الجعالة في مقابل العمل فالباذل غير العامل وهنا ليس كذلك.

[٢] كما صرح به في الجواهر.

[٣] يعني : على تقدير الاستيفاء. ثمَّ إن في بعض الحواشي : « أن الإباحة بالعوض تتوقف على عقد معاوضة صحيحة ، وإلا كان ما أباحه المالك بعوضه مضموناً بالمثل أو القيمة ، دون المسمى ». وفيه : أنه لا مانع من الالتزام بأن الإباحة بالعوض الخاص معاملة خاصة في قبال غيرها من عقود المعاوضات ، نظير التمليك بالعوض كالهبة المعوضة والقرض ، فتقتضي حينئذ ملك المسمى ، بلا حاجة إلى معاوضة أخرى صحيحة. ودعوى : أنها خارجة عن المعاوضات المتعارفة ـ لو تمت ـ غير قادحة ، كدعوى أنها من الغرر ، إذ هي ممنوعة ، وكذا دعوى أنها لا تتعلق بالكلي بل بالعين الخارجية ، إذ فيها : أنها لا تقدح إذا كان المباح منفعة الدار ، أو كانت الأجرة عيناً خارجية. نعم لو كان المقصود بإباحة الأجرة التي في الذمة أن تكون المنفعة هي العوض ، كان الإشكال‌

١٨

( مسألة ١١ ) : إذا قال : إن خطت هذا الثوب فارسياً أي : بدرز ـ فلك درهم ، وإن خطته رومياً ـ أي : بدرزين ـ فلك درهمان ، فان كان بعنوان الإجارة بطل ، لما مرّ من الجهالة [١] ، وإن كان بعنوان الجعالة ـ كما هو ظاهر العبارة ـ

______________________________________________________

في محله. مع إمكان دفعه بأنه لا مانع من تعلق الإباحة بالكلي ، ويكون المقصود أنه يبيع الأجرة بعوض فيه المنفعة ، ودليل الصحة شامل للقسمين جميعاً.

[١] كما في السرائر وجامع المقاصد والمسالك وغيرها. وعن المبسوط والخلاف وجملة من كتب العلامة وغيره : الصحة. واختاره في الشرائع لعمومات الصحة. واشتراط العلم بالمنفعة ـ على نحو يمنع من مثل هذا الترديد ـ غير معلوم ، بل دعوى الإجماع عليه تقتضي عدم الشمول لمثل المقام ، لمخالفة الأعيان في البطلان. وأدلة نفي الغرر (١) قد عرفت الإشكال في شمولها للمقام ، بل لو كان الغرر بمعنى الخطر فشموله له ممنوع ، لعدم الخطر. وقد استدل أيضاً بصحيحة محمد الحلبي المشار إليها في المسألة الآتية ، لكن يأتي بيان المراد منها.

نعم يمكن الاشكال على الصحة : بأن الإجارة بعد ما لم تكن على كل منهما لتضادهما ، ولا على أحدهما المعين لأنه خلاف المفروض ، فلا بد أن تكون على أحدهما المردد. والمردد لا يقبل أن يكون موضوعاً للملكية ولا لنظائرها من الوضعيات ، إذ لا خارجية له مصححة لذلك. لكن قد يدفع ذلك : أن هذا الاشكال يتم في المردد واقعاً ، وليس منه المقام فإن الخياطة فارسية أو رومية لها تعين في الواقع بفعل العامل الخارجي. ويشكل : بأن مذا المتعين ليس موضوعاً للملكية في الإجارة ، وإلا كانت‌

__________________

(١) تقدمت الإشارة إليها في صفحة : ٧.

١٩

صح. وكذا الحال إذا قال : إن عملت العمل الفلاني في هذا اليوم فلك درهمان وإن عملته في الغد فلك درهم. والقول بالصحة إجارة في الفرضين ضعيف. وأضعف منه القول بالفرق بينهما بالصحة في الثاني ، دون الأول [١]. وعلى ما ذكرناه من البطلان : فعلى تقدير العمل يستحق أجرة المثل وكذا في المسألة السابقة إذا سكن الدار شهراً أو أقل أو أكثر.

( مسألة ١٢ ) : إذا استأجره أو دابته ليحمله أو يحمل متاعه إلى مكان معين ، في وقت معين ، بأجرة معينة ، كأن استأجر منه دابة لإيصاله إلى كربلاء قبل ليلة النصف من شعبان ، ولم يوصله ، فان كان ذلك لعدم سعة الوقت وعدم‌

______________________________________________________

الإجارة منوطة به ، فاذا لم يفعل الأجير أحد الأمرين فالإجارة باطلة من أصلها لعدم الموضوع ، وهو ـ كما ترى ـ خلاف الضرورة العرفية ، فإن الإجارة ثابتة ، وهي التي تدعو الى العمل ، فلاحظ.

[١] هذا القول لم أقف على قائله ، بل المعروف في كلماتهم اتحاد المسألتين قولاً وقائلاً ودليلاً ، ومن تأمل في إحداهما تأمل في الأخرى. نعم عن المبسوط والتحرير والكفاية : التأمل في الثاني مع الجزم بالصحة في الأول. وفي جامع المقاصد ـ بعد أن جزم بالصحة في الأول ـ قال في الثاني : « وفيه تردد .. ثمَّ قال : أظهره الجواز » ، وهو يدل على أن الصحة في الأول أوضح منها في الثاني. نعم لعل منشأ القول المحكي في المتن : أن الثاني أقرب إلى مورد النصوص ، التي يمكن أن يستدل بها على الصحة. لكنه يقتضي أن تكون الصحة في الثاني أظهر لا التفصيل المذكور.

٢٠