مستمسك العروة الوثقى - ج ٨

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٨

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٤

الرابع : أن لا يكون من قصده في أول السير أو في أثنائه إقامة عشرة أيام [١] قبل بلوغ الثمانية.

______________________________________________________

أبا عبد الله (ع) عن الرجل يخرج مع القوم في السفر يريده ، فدخل عليه الوقت وقد خرج من القرية على فرسخين ، فصلوا ، وانصرف بعضهم في حاجة ، فلم يقض له الخروج ، ما يصنع بالصلاة التي كان صلاها ركعتين قال (ع) : تمت صلاته ، ولا يعيد » (١). نعم يعارضه خبر المروزي : « وإن كان قصر ثمَّ رجع عن نيته أعاد الصلاة » (٢).

ولأجل ذلك جمع الشيخ في الاستبصار : بحمل الأول على نفي القضاء في خارج الوقت ، والثاني على وجوب الإعادة في الوقت.

وفيه ـ مع ضعف الثاني في نفسه ، مضافاً الى إعراض الأصحاب عنه ، بل كاد أن ينعقد الإجماع على خلافه ، إذ لم يعرف القول بالإعادة من أحد سواه في خصوص الاستبصار ، وهو غير معد للفتوى ، وإلى أنه جمع بلا شاهد ـ : أنه معارض في نفي القضاء بصحيح أبي ولاد : « وإن كنت لم تسر في يومك الذي خرجت فيه بريداً ، فان عليك أن تقضي كل صلاة صليتها في يومك ذلك بالتقصير بتمام من قبل أن تؤم من مكانك .. » (٣) ‌فيتعين حمل الجميع على الاستحباب.

[١] عن الذخيرة : « لا أعرف فيه خلافاً » ، وعن المدارك : « لا خلاف في أنها قاطعة للسفر ». ويستدل له ـ مضافاً الى ذلك ، والى استصحاب التمام ـ بما في صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « من قدم قبل التروية بعشرة أيام وجب عليه إتمام الصلاة ، وهو بمنزلة أهل مكة ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب صلاة المسافر حديث : ١.

(٢) تقدم ذكره في المسألة : ١٥.

(٣) تقدم ذكره في أول الشرط الثاني.

٤١

______________________________________________________

فاذا خرج الى منى وجب عليه التقصير ، فاذا زار البيت أتم الصلاة ، وعليه إتمام الصلاة إذا رجع الى منى حتى ينفر » (١).

اللهم إلا أن يستشكل في الإجماع : بعدم حجيته ما لم يوجب العلم بالحكم. وفي الأصل : بأنه محكوم لعموم وجوب التقصير على المسافر.

وفي الصحيح : بظهوره في كون التنزيل بلحاظ وجوب التمام لا غير. إلا أن يقال : إن عطف قوله (ع) : « وهو بمنزلة .. » ظاهر في أنه لبيان حكم آخر ، وإلا كان تأكيداً لما قبله ، وهو خلاف الأصل. بل قوله (ع) : « فاذا خرج .. » كالصريح في أن محل الإقامة بمنزلة الوطن ، إذا سافر عنه قصر ، وإذا رجع إليه أتم ، وإذا خرج عنه الى ما دون المسافة أتم. نعم عدم التزام الأصحاب بذلك فيه يوجب وهن دلالته جداً ، وكونه مما يرد علمه إلى أهله (ع). والتفكيك في الحجية بين دلالاته بحيث ينفع فيما نحن فيه ، بعيد عن المذاق العرفي.

نعم قد يشير الى عموم المنزلة صحيح ابن جعفر (ع) عن أخيه (ع) « عن الرجل يدركه شهر رمضان في السفر فيقيم الأيام في المكان. عليه صوم؟ قال (ع) : لا ، حتى يجمع على مقام عشرة أيام .. إلى أن قال : وسألته عن الرجل يكون عليه الأيام من شهر رمضان وهو مسافر ، يقضي إذا أقام في المكان؟ قال (ع) : لا ، حتى يجمع على مقام عشرة أيام » (٢).

فإن ظاهر السؤال. صدراً وذيلا ـ كون منشئه تخيل أن المراد بالمسافر ما يقابل المقيم والحاضر معاً ، لا ما يقابل الحاضر فقط ، ولأجل ذلك سأل عن جواز الصوم في حال الإقامة أداء وقضاء ، فيكون الجواب ظاهراً في الإقرار على ذلك إذا كانت مدة الإقامة عشرة. ويؤيد ذلك :

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ١٥ من أبواب صلاة المسافر حديث : ١.

٤٢

وأن لا يكون من قصده المرور على وطنه كذلك [١]. وإلا أتم ، لأن الإقامة قاطعة لحكم السفر ، والوصول الى الوطن قاطع لنفسه ، فلو كان من قصده ذلك من حين الشروع أو بعده لم يكن قاصداً للمسافة. وكذا يتم لو كان متردداً في نية الإقامة ، أو المرور على الوطن قبل بلوغ الثمانية [٢]. نعم لو‌

______________________________________________________

ما ورد في وجوب التقصير على كثير السفر إذا كان قد أقام عشرة أيام في بلده أو غيره (١). فتأمل. مضافاً الى أن الظاهر مما دل على وجوب التمام على المقيم ـ بقرينة مناسبة الحكم لموضوعه ـ كون التمام بعناية خروجه بالإقامة عن عنوان المسافر. فلعل ذلك كله ، بضميمة تسالم الأصحاب كاف في الحكم بقاطعية الإقامة.

ومما ذكرنا يظهر أن مراد المصنف (ره) بقوله : « لأن الإقامة قاطعة لحكم السفر » : أنها قاطعة له نفسه شرعاً ، في قبال الوطن القاطع له عرفاً حقيقة ، لا أنها رافعة لحكم السفر نظير التردد. وإلا لم يصلح تعليلا للحكم المذكور ، ولا مما تساعده الأدلة. فلاحظ.

[١] إذ بذلك يخرج عن عنوان المسافر عرفاً. وما في المستند : من عدم فرق العرف بين ما إذا مر بمنزلة الذي يتوطنه ، ولا سيما إذا كان راكباً ولا سيما إذا مر عن حواليه ، وبين ما إذا لم يمر ـ كما ترى ـ ضعيف. نعم لا بأس به بالنسبة إلى الوطن الشرعي ، بناء على القول به. لكن دليله دل على كونه بمنزلة الوطن العرفي من حيث قاطعية السفر. وسيأتي الكلام فيه.

[٢] لعدم قصد السفر المتصل الواحد ، بل يكون المقصود مردداً بين المتصل والمنفصل.

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ١٢ من أبواب صلاة المسافر.

٤٣

لم يكن ذلك من قصده ، ولا متردداً فيه ، إلا أنه يحتمل عروض مقتض لذلك في الأثناء ، لم يناف عزمه على المسافة ، فيقصر. نظير ما إذا كان عازماً على المسافة إلا أنه لو عرض في الأثناء مانع ـ من لص أو عدو أو مرض أو نحو ذلك ـ يرجع ، ويحتمل عروض ذلك ، فإنه لا يضر بعزمه وقصده.

( مسألة ٢٥ ) : لو كان حين الشروع في السفر ، أو في أثنائه [١] ، قاصداً للإقامة ، أو المرور على الوطن قبل بلوغ الثمانية ، لكن عدل بعد ذلك عن قصده ، أو كان متردداً في ذلك ، وعدل عن ترديده الى الجزم بعدم الأمرين ، فإن كان ما بقي بعد العدول مسافة في نفسه ، أو مع التلفيق بضم الإياب قصر [٢] ، وإلا فلا. فلو كان ما بقي بعد العدول الى المقصد أربع فراسخ ، وكان عازماً على العود ولو لغير يومه قصر في الذهاب والمقصد والإياب. بل وكذا لو كان أقل من أربعة ، بل ولو كان فرسخاً فكذلك على الأقوى من وجوب‌

______________________________________________________

[١] الأولى إسقاط هذا العطف. فإنه على تقدير القصد في الأثناء يكون داخلا في المسألة الآتية التي استشكل فيها في التقصير والتمام ، فلا وجه لذكره هنا ، ولا لجزمه بالتمام على تقدير عدم كون الباقي مسافة ولو ملفقة كما هو مفاد قوله فيما يأتي : « وإلا فلا ».

فالفرق بين المسألتين : أن الأولى فيما لو كان قصد الإقامة أو التردد فيها من الأول ، والثانية فيما لو كان في الأثناء. ولعل كلمة : « أو في أثنائه » من قلم الناسخ.

[٢] لتحقق القصد اللاحق إلى المسافة المتصلة الممتدة أو الملفقة.

٤٤

القصر في كل تلفيق من الذهاب والإياب ، وعدم اعتبار كون الذهاب أربعة أو أزيد ، كما مر [١].

( مسألة ٢٦ ) : لو لم يكن من نيته في أول السفر الإقامة أو المرور على الوطن ، وقطع مقداراً من المسافة ، ثمَّ بدا له ذلك قبل بلوغ الثمانية ، ثمَّ عدل عما بدا له وعزم على عدم الأمرين ، فهل يضم ما مضى إلى ما بقي إذا لم يكن ما بقي بعد العدول عما بدا له مسافة؟ ـ فيقصر إذا كان المجموع مسافة ، ولو بعد إسقاط ما تخلل بين العزم الأول والعزم الثاني إذا كان قطع بين العزمين شيئاً ـ إشكال. خصوصاً في صورة التخلل ، فلا يترك الاحتياط بالجمع ، نظير ما مر في الشرط الثالث [٢].

الخامس من الشروط : أن لا يكون السفر حراماً [٣] ، وإلا لم يقصر. سواء كان نفسه حراماً [٤] ، كالفرار من‌

______________________________________________________

[١] ومر الاشكال فيه.

[٢] لاتحاد مناط المسألتين.

[٣] إجماعاً ، كما عن الخلاف ، والمعتبر ، والتذكرة ، والمنتهى ، والدرة ، وظاهر كشف الحق ، والذخيرة ، والكفاية ، ومجمع البرهان ، وغيرها. ويدل عليه جملة من النصوص الآتي إليها الإشارة.

[٤] كما هو ظاهر المشهور. ويقتضيه صحيح عمار بن مروان عن أبي عبد الله (ع) : « من سافر قصر وأفطر. إلا أن يكون رجلا سفره الى صيد ، أو معصية الله تعالى ، أو رسولا لمن يعصي الله ، أو في طلب عدو ، أو شحناء ، أو سعاية ، أو ضرر على قوم من المسلمين » (١).

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٣.

٤٥

الزحف ، وإباق العبد ، وسفر الزوجة بدون إذن الزوج في غير الواجب ، وسفر الولد مع نهي الوالدين في غير الواجب ، وكما إذا كان السفر مضراً لبدنه ، وكما إذا نذر عدم السفر مع‌

______________________________________________________

فإنه إذا حرم السفر يصدق عليه أنه في معصية ، وموثق سماعة : « ومن سافر قصر الصلاة وأفطر. إلا أن يكون رجلا مشيعاً لسلطان جائر ، أو خرج الى صيد .. » (١).

فان السفر المشايع فيه بنفسه حرام. ومرسل ابن أبي عمير : « لا يفطر الرجل في شهر رمضان إلا في سبيل حق » (٢) ‌وما ورد في تعليل وجوب التمام على المتصيد بأن التصيد مسير باطل ، بدعوى : أن السفر المحرم باطل ، وليس بحق.

اللهم إلا أن يستشكل في الجميع : بأن ظاهر قوله (ع) : « أو في معصية » كونه معطوفاً على قوله : « إلى صيد » ، فيكون المراد سفره في معصية. وظاهره : كون المعصية غير السفر ، فان السفر المعصية غير السفر في المعصية ، الذي هو من قبيل السعي في الحاجة. وأن الظاهر من حرمة المشايعة كونها بلحاظ ما يترتب عليها ، من ترويج الجور والإعانة عليه ، لا من حيث أنها حركة بعنوان المشايعة ، فتكون حينئذ من القسم الثاني. ولو أريد من الثاني خصوص ما كانت الغاية فعلا اختيارياً ، كان هذا قسماً برأسه. ولا يبعد دخوله في قوله (ع) : « أو في معصية » وحينئذ لا يدل على حكم السفر المحرم نفسه ، كأكثر الأمثلة المذكورة. والظاهر من سبيل الحق ما كان سبيلا إلى الحق ، فلا ينافي تحريمه النفسي ـ وكذا التعليل بالمسير الباطل ـ فلا يثبت بهما عموم الدعوى ، إذ قد يكون السفر المحرم بقصد بعض الأغراض الصحيحة العقلائية المباحة أو المستحبة ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب صلاة المسافر حديث : ١.

٤٦

رجحان تركه ، ونحو ذلك. أو كان غايته أمراً محرماً [١] ، كما إذا سافر لقتل نفس محترمة ، أو للسرقة ، أو للزنا ، أو لإعانة ظالم ، أو لأخذ مال الناس ظلماً ، ونحو ذلك. وأما إذا لم يكن لأجل المعصية ، لكن تتفق في أثنائه ، مثل الغيبة ، وشرب الخمر ، والزنا ، ونحو ذلك مما ليس غاية للسفر فلا يوجب التمام [٢] بل يجب معه القصر والإفطار.

( مسألة ٢٧ ) : إذا كان السفر مستلزماً لترك واجب ،

______________________________________________________

فيكون مسير حق لا باطل. مع أنه لا يمكن الأخذ بإطلاقهما ، كما لا يخفى ودعوى القطع بالأولية أو المساواة ـ كما في الجواهر ـ محل تأمل.

ولأجل بعض ما ذكرنا ـ مضافاً إلى دعوى استلزامه المنع من ترخص كل مسافر تارك للواجب في سفره ، المقتضي لعدم الترخص إلا للأوحدي ـ تنظر الشهيد الثاني في الروض في وجوب التمام في هذا القسم.

اللهم إلا أن يستفاد ذلك من إطلاق معاقد الإجماع ، وعدم العثور على مخالف فيه ، وعدم ثبوت خلاف الشهيد الثاني ، ولا سيما وكون خلافه ـ على تقديره ـ للشبهة الأخيرة غير الواردة ، وعلى تقدير ورودها إنما تقدح في عدم الترخص في السفر المستلزم ترك الواجب ـ كما يأتي الكلام فيه ـ لا ما حرم في نفسه ، كما هو محل الكلام. فتأمل جيداً.

[١] يعني : كانت غايته فعلا اختيارياً بالمباشرة محرماً. وبذلك افترق عن السفر المضر ببدنه. وكيف كان فلا خلاف ولا إشكال في قدحه في الترخص. وتدل عليه النصوص المتقدمة ، وغيرها.

[٢] هو واضح لا خلاف فيه ، كما في مفتاح الكرامة. لقصور الأدلة من النصوص والإجماعات عن شموله. فالمرجع فيه أصالة القصر على المسافر.

٤٧

كما إذا كان مديوناً وسافر مع مطالبة الديان وإمكان الأداء في الحضر دون السفر ونحو ذلك ، فهل يوجب التمام أم لا؟ الأقوى التفصيل بين [١] ما إذا كان لأجل التوصل الى ترك الواجب أو لم يكن كذلك ، ففي الأول يجب التمام ، دون الثاني. لكن الأحوط الجمع في الثاني.

______________________________________________________

[١] لا ينبغي التأمل في أن الكون في الحضر ـ الذي يتوقف عليه أداء الدين الواجب ـ والكون في السفر من قبيل الضدين. وعليه إن لم نقل بأن وجود أحد الضدين مقدمة لترك الآخر فالسفر المذكور ليس مقدمة لترك الواجب ، فلا يمكن قصد التوصل به إليه ، فضلا عن أن يكون معصية ويقتضي التمام ، لعدم الدليل على ذلك ، حيث لا تشمله النصوص المتقدمة ، ولا الإجماعات ، فلا موجب للخروج عن أصالة القصر على المسافر. وإن قلنا بمقدميته له كان البناء على التمام فيه في محله ، لصدق كونه سفراً في معصية.

نعم لا بد من التفاته إلى ترتب ترك الواجب عليه ، لعدم صدق السفر في المعصية بدونه. وحينئذ يتعين التفصيل بين الالتفات إلى الغاية المذكورة وعدمه ، لا قصد التوصل وعدمه. وإذ أن التحقيق : انتفاء المقدمية المذكورة ، فالقول بوجوب القصر مطلقاً في محله.

اللهم إلا أن يقال : المعيار في كون السفر في معصية نظر المسافر ، لا الواقع. فكما أنه إذا سافر بقصد الوصول اختياراً إلى غاية محرمة ، صدق كون سفره سفراً في معصية ، وإن لم يصل الى الغاية ولم تترتب على سفره ، بل وإن لم يكن سفره مقدمة لها أصلا واقعاً. كذلك اعتقاد المقدمية مع الالتفات أو القصد إلى الغاية كاف في الصدق ، ولا يتوقف على ثبوتها‌

٤٨

( مسألة ٢٨ ) : إذا كان السفر مباحاً ، لكن ركب دابة غصبية ، أو كان المشي في أرض مغصوبة ، فالأقوى فيه القصر [١]. وإن كان الأحوط الجمع.

( مسألة ٢٩ ) : التابع للجائر إذا كان مجبوراً ، أو مكرهاً على ذلك ، أو كان قصده دفع مظلمة ، أو نحوها من‌

______________________________________________________

واقعاً. فالتفصيل بين صورة البناء على المقدمية مع الالتفات الى ترتب ترك الواجب فيجب التمام ، وبين غيرها فيجب القصر. في محله.

وعليه فاعتبار قصد التوصل في وجوب التمام ـ كما في المتن ـ وعدم الاكتفاء بمجرد الالتفات ، غير ظاهر الوجه ، للاكتفاء به في حسن العقاب في سائر الموارد في الغايات التوليدية ، وإن لم يحصل قصد التوصل. ولعل ما ذكره المصنف (ره) راجع إلى ما قلنا ، وإن بعد. وسيأتي ـ إن شاء الله ـ في المسألة السادسة والثلاثين تحقيق كون المدار على الواقع ، أو على اعتقاد المسافر.

[١] لاختصاص النصوص بما لو كان السفر بما أنه طي للمسافة حراماً ، فلا تشمل صورة ما لو كان التحريم بلحاظ كونه تصرفاً في مال الغير بركوبه عليه ، أو لبسه له ، أو وضعه في جيبه ، أو نحو ذلك. ومنه يظهر ضعف ما في الجواهر وغيرها من وجوب التمام.

اللهم إلا أن يقال : اختصاص النصوص بغير ما ذكر ممنوع ، بل إطلاقها يقتضي عموم الحكم له. مع أن ذلك يقتضي عدم الترخص بالسفر المضر بالبدن ، فان تحريمه ليس بعنوان كونه سفراً بل بعنوان كونه مضراً. وكذا سفر الولد مع نهي الوالد ، وسفر الزوجة بدون إذن الزوج ، فان تحريمهما بعنوان كونهما معصية للوالد ، وخروجاً من البيت بغير إذن الزوج. وكذا الحال في كل سفر يحرم لحرمة غايته التوليدية ، إذا كانت تترتب على السفر ، لا من حيث كونه بعداً عن الوطن.

٤٩

الأغراض الصحيحة المباحة أو الراجحة قصر [١]. وأما إذا لم يكن كذلك ـ بأن كان مختاراً ، وكانت تبعيته إعانة للجائر في جوره ـ وجب عليه التمام [٢] ، وان كان سفر الجائر طاعة [٣] ، فإن التابع حينئذ يتم ، مع أن المتبوع يقصر.

( مسألة ٣٠ ) : التابع للجائر المعد نفسه لامتثال أوامره لو أمره بالسفر [٤] ، فسافر امتثالا لأمره ، فان عد سفره إعانة للظالم في ظلمة كان حراماً [٥] ، ووجب عليه التمام ، وإن كان من حيث هو ـ مع قطع النظر عن كونه إعانة ـ مباحاً. والأحوط الجمع. وأما إذا لم يعد إعانة على الظلم ، فالواجب عليه القصر.

( مسألة ٣١ ) : إذا سافر للصيد ، فان كان لقوته وقوت عياله قصر [٦] ،

______________________________________________________

[١] لانتفاء المعصية من كل وجه.

[٢] لصدق كونه سفراً في معصية.

[٣] لعدم قصده المعصية.

[٤] يعني : لغاية مباحة. وإلا كان من القسم الثاني بلا إشكال.

[٥] هذا لا إشكال فيه ، إنما الإشكال في المعيار في صدق الإعانة وعدمه ، والكلام فيه في محل آخر.

[٦] بلا خلاف ـ كما عن التنقيح ، والذخيرة ـ بل هو مجمع عليه نقلا ، إن لم يكن تحصيلا ـ كما في الجواهر ـ لإطلاق ما دل على وجوب القصر في السفر. مضافاً الى ما في مرسل محمد بن عمران القمي عن أبي عبد الله (ع) : « .. إن خرج لقوته وقوت عياله فليفطر ، وليقصر » (١).

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٥.

٥٠

بل وكذا لو كان للتجارة [١]. وإن كان الأحوط فيه الجمع. وإن كان لهواً ـ كما يستعمله أبناء الدنيا ـ وجب عليه التمام [٢].

______________________________________________________

وقصور نصوص نفي الترخص بسفر الصيد ـ بواسطة التعليل فيها بأنه مسير باطل ، وب « إنما خرج في لهو » ـ عن شموله.

[١] كما هو المشهور بين المتأخرين. لما تقدم من إطلاق وجوب القصر على المسافر. لكن المحكي عن أكثر القدماء قصر الصوم ، دون الصلاة. بل في محكي السرائر : « إن أصحابنا أجمعوا على ذلك فتيا ، ورواية ». وعن المبسوط : نسبته إلى رواية أصحابنا. وليس عليه دليل ظاهر ، عدا ما ذكر من الإجماع ، والمرسلتين (١). وفي الاعتماد عليها ـ في تقييد إطلاقات ترخص المسافر ، وما دل على تلازم الإفطار والقصر ، كصحيح معاوية بن وهب : « إذا قصرت أفطرت ، وإذا أفطرت قصرت » (٢) ـ تأمل. أو منع. إذ الإجماع المنقول ليس بحجة. والمرسلتان غير معلومتي الدلالة ، وإن كانتا مجبورتي السند.

اللهم إلا أن يكون قوله في المبسوط : « إنه يتم ويفطر الصوم » ـ ونحوه في السرائر نقل للمتن باللفظ ، أو المعنى. وهو غير قاصر الدلالة ، فيكون حجة. واحتمال عدم وروده في المقام بعيد جيداً. والمسألة بعد لا تخلو من إشكال.

[٢] إجماعاً ، حكاه جماعة كثيرة. وعن الأمالي : إنه من دين الإمامية.

ويدل عليه النصوص الكثيرة ، كصحيح عمار بن مروان‌ ، وموثق سماعة‌ ، المتقدمين (٣) وخبر السكوني : « سبعة لا يقصرون .. إلى أن قال : والرجل‌

__________________

(١) المراد بهما : مرسلتا الشيخ في المبسوط والحلي في السرائر.

(٢) الوسائل باب : ١٥ من أبواب صلاة المسافر حديث : ١٧.

(٣) تقدم ذكرهما في الشرط الخامس.

٥١

ولا فرق بين صيد البر والبحر [١]. كما لا فرق ـ بعد فرض كونه سفراً ـ بين كونه دائراً حول البلد ، وبين التباعد عنه ، وبين استمراره ثلاثة أيام وعدمه على الأصح [٢].

______________________________________________________

يطلب الصيد ، يريد به لهو الدنيا » (١) ، وصحيح زرارة « عمن يخرج من أهله بالصقورة والبزاة والكلاب يتنزه الليلتين والثلاث ، هل يقصر من صلاته ، أو لا يقصر؟ قال (ع) : إنما خرج في لهو ، لا يقصر » (٢). إلى غير ذلك.

[١] لإطلاق النصوص والفتاوى. اللهم إلا أن يدعى : انصرافه إلى المعهود المتعارف بين الملوك وأبناء الدنيا ، من صيد الأول بالبزاة والكلاب كذا في الجواهر. لكن عرفت : أن التعارف لا يوجب الانصراف المعتد به في رفع اليد عن الإطلاق.

[٢] لإطلاق الأدلة. نعم عن الإسكافي : « المتصيد ماشياً إذا كان دائراً حول المدينة ، غير مجاوز حد الترخص لم يقصر يومين. فان تجاوز الحد واستمر دورانه ثلاثة أيام ، قصر بعدها ». وهو غير واضح. نعم يشير الى ما في ذيله خبر أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : « ليس على صاحب الصيد تقصير ثلاثة أيام. وإذا جاوز الثلاثة لزمه » (٣).

لكنه مما لا مجال للعمل به بعد مخالفته لما سبق. ومثله صحيح العيص : « أنه سئل الصادق (ع) عن الرجل يتصيد ، فقال : إن كان يدور حوله فلا يقصر ، وإن كان تجاوز الوقت فليقصر » (٤). ونحوه صحيح صفوان عن عبد الله قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل .. » (٥) ‌فإنهما ـ مع ما هما عليه من الإجمال ـ

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب صلاة المسافر حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٩ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٣.

(٤) الوسائل باب : ٩ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٨.

(٥) الوسائل باب : ٩ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٢.

٥٢

( مسألة ٣٢ ) : الراجع من سفر المعصية ان كان بعد التوبة يقصر [١]. وان كان مع عدم التوبة فلا يبعد وجوب التمام عليه ، لكون العود جزءاً من سفر المعصية [٢]. لكن الأحوط الجمع حينئذ [٣].

( مسألة ٣٣ ) : إباحة السفر كما أنها شرط في الابتداء شرط في الاستدامة أيضاً. فلو كان ابتداء سفره مباحاً ، فقصد المعصية في الأثناء انقطع ترخصه [٤] ، ووجب عليه الإتمام ، وإن كان قد قطع مسافات [٥]. ولو لم يقطع بقدر المسافة‌

______________________________________________________

محمولان على الصيد للقوت ، جمعاً.

[١] لعدم كونه سفراً في معصية أو نحو ذلك. فالمرجع فيه عموم القصر على المسافر.

[٢] كما ذكر بعض الأعيان ، وحكاه عن المحقق القمي في أجوبة مسائله. وفيه منع ظاهر ، لاختلافهما موضوعاً ، وعنواناً. ولذا نفى في الجواهر الإشكال في الترخص في العود. إلا أن يكون قصد به المعصية أيضاً.

[٣] وفي حاشية النجاة لشيخنا الأعظم (ره) : « الأحوط في كل سفر معصية الإتمام في العود ، كما قيل. إلا أن يندم .. ». وهو من المشكلات. ولذا علق عليه سيدنا الأعظم (ره) في حاشيته : « بل الأحوط الجمع ». ولعل مراد شيخنا : أن الأحوط التمام مع القصر المذكور في متن نجاة العباد ، لا التمام وحده. فتأمل.

[٤] لعدم الفرق بين الابتداء والاستدامة ، كما صرح به غير واحد ، على نحو يظهر أنه من المسلمات. وهو كذلك ، لإطلاق الأدلة.

[٥] كما صرح به في الجواهر وغيرها ، بنحو يظهر كونه من المسلمات ،

٥٣

صح ما صلاه قصراً. فهو كما لو عدل عن السفر ، وقد صلى قبل عدوله قصراً [١] ، حيث ذكرنا سابقاً أنه لا يجب إعادتها وأما لو كان ابتداء سفره معصية ، فعدل في الأثناء إلى الطاعة‌

______________________________________________________

ولم يعرف فيه خلاف صريح. نعم في حاشية النجاة لشيخنا الأعظم (ره) : « فيه تأمل مع قطع المسافة الموجبة للقصر ». وكأن وجه التأمل : احتمال كون نصوص هذا الشرط ـ أعني : شرط الإباحة ـ إنما تكون مقيدة لإطلاق المسافة المأخوذة موضوعاً لوجوب التقصير ، فيكون المحصل بعد الجمع بينهما : أنه لا بد في التقصير من قصد السفر المباح ثمانية فراسخ ، فاذا حصل ذلك للمكلف وجب عليه التقصير إلى أن يخرج عن كونه مسافراً ، بالمرور بالوطن ، أو ما هو بمنزلته ، لا مقيدة للحكم بوجوب التقصير ، حتى يكون المتحصل بعد الجمع بينهما : أن كل مسافر يجب عليه التقصير في حال عدم كون سفره معصية ، كي يكون لازمه وجوب التمام في الفرض ، كما في المتن ، وغيره.

وبالجملة : مرجع التأمل المذكور في حاشية شيخنا الأعظم (ره) : إلى إرجاع شرطية الإباحة إلى تقييد السفر في المسافة المخصوصة ، ومرجع ما في المتن : إلى تقييد حكم السفر في المسافة المخصوصة. فعلى الأول إذا تحقق السفر المباح في المسافة المخصوصة يجب التقصير ، وإن نوى في سفره الباقي المعصية ، وعلى الثاني يجب التمام إذا نوى ذلك ، لأن انتفاء شرط وجوب القصر يوجب انتفائه. والأظهر ما ذكره شيخنا الأعظم. وكان اللازم الجزم بوجوب القصر. وكأن الذي منعه عن الجزم كون المعروف وجوب التمام وسيأتي ما له دخل في المقام.

[١] إذ غاية ما تقتضيه نصوص المقام تقييد السفر بالمباح ، فيكون مقتضى الجمع بينها ، وبين ما دل على اعتبار القصد ، وبين صحيح زرارة السابق في المسألة الرابعة والعشرين : كون تمام موضوع القصر هو قصد السفر‌

٥٤

فان كان الباقي مسافة فلا إشكال في القصر [١] ، وإن كانت ملفقة من الذهاب والإياب [٢] ، بل وإن لم يكن الذهاب أربعة على الأقوى [٣]. وأما إذا لم يكن مسافة ولو ملفقة فالأحوط الجمع بين القصر والتمام. وإن كان الأقوى القصر [٤] ، بعد كون مجموع ما نواه بقدر المسافة ولو ملفقة ، فإن المدار على حال العصيان والطاعة ، فما دام عاصياً يتم ، وما دام مطيعاً يقصر ، من غير نظر إلى كون البقية مسافة أو لا.

______________________________________________________

المباح. والمفروض حصوله حال الصلاة ، فتكون موافقة للأمر الواقعي ، وهي تقتضي الإجزاء.

[١] لتحقق الموضوع ، وهو قصد السفر المباح البالغ المسافة.

[٢] كما في الرياض ، وعن غيره. وعن بعض نفي الخلاف فيه.

والظاهر أن مرادهم الاكتفاء به في الجملة ، على الشروط المقررة في المسافة الملفقة ـ من اعتبار كون كل من الذهاب والإياب أربعة وعدمه ، والرجوع ليومه وعدمه ، كل على مذهبه ـ لا الاكتفاء به مطلقاً ، ليكون منافياً لما ذكروه في غير قاصد المسافة ابتداء ونحوه ، من عدم ضم ما بقي من الذهاب إلى الرجوع ، وإن كان هو في نفسه مسافة. وإن احتمل في الجواهر وغيرها المنافاة لذلك ، لكنه خلاف الظاهر.

[٣] لكن تقدم الاشكال فيه.

[٤] كأن وجهه ما عرفت : من أن نصوص المقام كما يحتمل أن تكون مخصصة لأدلة الترخص بخصوص سفر غير المعصية ، ويكون سفر المعصية خارجاً عنها ، يحتمل أيضاً أن تكون مقيدة لإطلاق حكم الترخص بخصوص حال غير المعصية ، فيكون سفر المعصية باقياً تحت عنوان السفر ، غايته أنه‌

٥٥

( مسألة ٣٤ ) : لو كانت غاية السفر ملفقة من الطاعة

______________________________________________________

يجب التقصير في حال الطاعة ، والتمام في حال المعصية. ومع الدوران بين تقييد الموضوع وتقييد الحكم يتعين الثاني ، عملا بأصالة الإطلاق في الموضوع ولا يعارضها أصالة الإطلاق في الحكم ، للعلم بسقوطها عن الحجية في زمان المعصية ، إما للتخصيص أو للتخصص ، كما أشرنا الى ذلك في مسألة التردد في الأثناء.

وفيه : أن الظاهر من قوله (ع) في مرسل ابن أبي عمير : « إلا في سبيل حق » (١) ، وقوله (ع) في موثق عبيد : « لأنه ليس بمسير حق » (٢) وقوله (ع) في خبر ابن بكير : « فان التصيد مسير باطل » (٣) ‌ونحوها غيرها : كون سفر المعصية مستثنى من موضوع السفر ، فيكون موضوع الترخص خصوص قصد السفر الذي لا يكون معصية ، على نحو تكون الإباحة شرطاً للموضوع ، لا لحكمه. وحينئذ يمتنع أن ينطبق على أي قطعة تفرض من سفر المعصية ، فلا بد في الفرض من استئناف مسافة جديدة. ولأجل ذلك لم يعرف الخلاف فيه ، كما اعترف به غير واحد صريحاً ، أو ظاهراً.

نعم لو سافر بقصد السفر المباح ، فنوى في أثنائه المعصية ، ثمَّ عدل منها إلى غيرها ، فالمشهور وإن كان اعتبار مسافة جديدة ، لكن المحكي عن ظاهر نهاية الشيخ ، والمعتبر ، والروضة ، وصريح الذكرى ، وغيرها ، عدم اعتبارها ، بل يكفي كون المجموع من السابق واللاحق مسافة ، بإسقاط المتخلل ، أو مع انضمامه. والوجه فيه : ما تقدم هنا ، وفي مبحث التردد‌

__________________

(١) تقدم ذكره في الشرط الخامس من هذا الفصل.

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ٩ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٧.

٥٦

والمعصية فمع استقلال داعي المعصية لا إشكال في وجوب التمام [١]. سواء كان داعي الطاعة أيضاً مستقلا ، أو تبعاً. وأما إذا كان داعي الطاعة مستقلا وداعي المعصية تبعاً ، أو كان بالاشتراك ، ففي المسألة وجوه [٢].

______________________________________________________

في الأثناء. وإذ عرفت ظهور الأدلة في تقييد الموضوع ، كان اللازم عدم احتساب المتخلل. كما أنك إذ عرفت ظهور نصوص المسافة في خصوص الممتدة المتصلة ، كان المتعين عدم الضم أصلا ، كما هو المشهور.

نعم ما ذكرناه لا يلائم ما تقدم عن المشهور : من وجوب التمام إذا عدل إلى المعصية ، وإن قطع مسافات ، كما عرفت. وبالجملة : فتوى المشهور فيما لو عدل إلى المعصية ، وفيما لو عدل إلى الطاعة ، غير متلائمة وغير مبتنية على مبنى واحد. نعم في المتن أفتى في المقامين على مبنى واحد ، كما يظهر ذلك بالتأمل فيما ذكرناه.

وأما مرسل السياري عن أبي الحسن (ع) : « إن صاحب الصيد يقصر ما دام على الجادة ، فإذا عدل عن الجادة أتم ، فإذا رجع إليها قصر » (١) ‌فمع ضعفه بالإرسال ، وعدم ثبوت الجابر له ، ظاهر في التفصيل في الترخص لصاحب الصيد ، وهو خلاف الإجماع. وحمله على من خرج لا بقصد الصيد ، ثمَّ عدل عن الطريق للصيد ، فيكون شاهداً لما نحن فيه ـ كما عن الشيخ (ره) ـ لا قرينة عليه. فرفع اليد عنه متعين. هذا إذا كان الرجوع الى قصد المباح بعد قطع مقدار من المسافة ، أما لو رجع اليه قبل ذلك كان البناء على القصر في محله ، كما عرفت في مبحث التردد.

[١] لوضوح صدق سفر المعصية.

[٢] أحدها : وجوب القصر ، بدعوى : ظهور نصوص سفر المعصية‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٦.

٥٧

والأحوط الجمع. وإن كان لا يبعد وجوب التمام [١]. خصوصاً في صورة الاشتراك ، بحيث لو لا اجتماعهما لا يسافر.

( مسألة ٣٥ ) : إذا شك في كون السفر معصية أو لا ، مع كون الشبهة موضوعية ، فالأصل الإباحة [٢]. إلا إذا كانت الحالة السابقة هي الحرمة [٣] ، أو كان هناك أصل موضوعي ، كما إذا كانت الحلية مشروطة بأمر وجودي ، كإذن المولى ، وكان مسبوقاً بالعدم ، أو كان الشك في الإباحة والعدم من جهة الشك في حرمة الغاية وعدمها ، وكان الأصل فيها الحرمة [٤].

______________________________________________________

فيما إذا كان داعي المعصية صالحاً للعلية بالاستقلال. وثانيها : وجوب التمام لما يأتي. وثالثها : التفصيل بين صورة الاشتراك في الداعوية ، فيجب التمام وكون داعي المعصية تابعاً ، فيجب القصر. بدعوى : ظهور النصوص في كون المراد من سفر المعصية ما يكون للحرام دخل فيه ، بحيث لولاه لم يكن.

[١] لأنه يكفي في كونه سفراً في معصية كونه سائراً بقصد المعصية ، بلا فرق بين الصور المذكورة.

[٢] فإنه الأصل الجاري في الشبهة الموضوعية التحريمية.

[٣] إذ حينئذ يكون استصحابها حاكماً على أصالة الإباحة. وكذا الحال في الأصل الموضوعي الجاري في نفي الشرط ، فإنه حاكم عليها ، كما هو شأن الأصل السببي.

[٤] إذ جريان الأصل المذكور يوجب كون الغاية معصية تعبداً ، فيصدق على السفر أنه سفر في معصية ، فيكون من قبيل إحراز جزء الموضوع بالأصل ، وجزئه الآخر بالوجدان.

٥٨

( مسألة ٣٦ ) : هل المدار في الحلية والحرمة على الواقع أو الاعتقاد ، أو الظاهر من جهة الأصول؟ [١] إشكال. فلو اعتقد كون السفر حراماً ، بتخيل أن الغاية محرمة ، فبان خلافه ، كما إذا سافر لقتل شخص بتخيل أنه محقون الدم ، فبان كونه مهدور الدم ، فهل يجب عليه إعادة ما صلاه تماماً [٢] أو لا؟ ولو لم يصل وصارت قضاء ، فهل يقضيها قصراً أو تماماً؟ وجهان [٣]. والأحوط الجمع. وإن كان لا يبعد كون المدار على الواقع [٤] ، إذا لم نقل بحرمة التجري ، وعلى‌

______________________________________________________

[١] هذا معطوف على الاعتقاد ، الذي هو بديله يختص بحال الشك ، الذي هو موضوع الأصل ، فيكون عدلا للواقع ، في قبال الاعتقاد الذي هو عدل له أيضاً.

[٢] وكذا قضاؤه. لعدم الفرق بين الإعادة والقضاء على تقدير البطلان.

[٣] ينشآن : من ظاهر قوله (ع) : « إلا في سبيل حق » (١) ، أو‌ « في معصية الله » (٢) ، « أو رسولا لمن يعصي الله » (٣) ، أو « طلب شحناء » (٤) ، ونحو ذلك ، في إناطة الحكم بالتحريم الواقعي. ومن أن الإباحة لما كانت شرطاً في السفر ـ الذي أخذ موضوعاً للترخص بعنوان كونه مقصوداً ، لا بوجوده الواقعي الخارجي ـ كان الظاهر من اعتبارها فيه هو اعتبارها كذلك ، فيكون القادح في الترخص قصد المعصية. ولا سيما بملاحظة كون الحكم بالترخيص إرفاقياً ، كما يظهر من النصوص. ومنها بعض نصوص المقام.

[٤] فإنه الظاهر من كلمات الأصحاب ، حيث جعلوا الإباحة شرطاً‌

__________________

(١) ورد ذلك في مرسل ابن أبي عمير المتقدم في الشرط الخامس من هذا الفصل.

(٢) ، (٣) ، (٤) ورد ذلك كله في صحيح عمار بن مروان المتقدم في الشرط الخامس.

٥٩

الاعتقاد إن قلنا بها. وكذا لو كان مقتضى الأصل العملي الحرمة وكان الواقع خلافه ، أو العكس ، فهل المناط ما هو في الواقع ، أو مقتضى الأصل بعد كشف الخلاف؟ وجهان. والأحوط الجمع. وإن كان لا يبعد كون المناط هو الظاهر ،

______________________________________________________

للسفر ، كشرط بلوغ المسافة بريدين ، الظاهر في كونها شرطاً واقعياً ، لا قصدياً بل ظاهر النصوص أيضاً ، لما ذكر. ومجرد كون السفر المأخوذ شرطاً للترخص قصدياً لا خارجياً ، لا ينافي ذلك إذا ساعدته الأدلة ، ولذا لا نقول بذلك في البلوغ بريدين ، فان جميع ما ذكر فيه التمام من أنواع سفر المعصية في النصوص كان محرماً واقعياً ، لا قصدياً اعتقادياً.

ودعوى : أن ظاهر قوله (ع) : « في معصية الله ، أو رسولا لمن يعصي الله » ، كون ذلك بنظر المكلف. ممنوعة ، بل الظاهر كون المراد منه السفر في الحرام ، ولو بنحو الرسالة اليه. ومناسبة الإرفاق لا تنافي ذلك لأن في جعل الترخيص لخصوص السفر المباح واقعاً ، دون الحرام كذلك ، نحواً من الإرفاق أيضاً. وليست حيثية الإرفاق علة يدور مدارها الحكم جزماً ، بل هي حكمة يجوز تخلفها ، فليس ذلك مما يصلح لأجله رفع اليد عن الظاهر.

هذا إذا لم نقل بحرمة التجري. أما لو قلنا بها فاللازم البناء على التمام مع اعتقاد الحرمة أيضاً ، لتحقق الحرمة للسفر بالفرض ، ولو كانت من أجل التجري. واعتبار الحرمة بالعنوان الأولي لا ملزم به. وحينئذ تكون نتيجة ذلك الاكتفاء في نفي الترخص بإحدى الحرمتين : الأولية الواقعية ، والثانوية الناشئة من التجري ، لا أنه يكون المدار على الاعتقاد لا غير ، كما يظهر من المتن.

٦٠