مستمسك العروة الوثقى - ج ٨

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٨

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٤

( مسألة ٦ ) : لو نذر الاعتكاف في أيام معينة ، وكان عليه صوم منذور أو واجب لأجل الإجارة ، يجوز له أن يصوم في تلك الأيام وفاء عن النذر أو الإجارة [١]. نعم لو نذر الاعتكاف في أيام مع قصد كون الصوم له ولأجله لم يجز عن النذر أو الإجارة.

( مسألة ٧ ) : لو نذر اعتكاف يوم أو يومين ، فان قيد بعدم الزيادة بطل نذره [٢] ، وان لم يقيده يصح [٣] ، ووجب ضم يوم أو يومين.

( مسألة ٨ ) : لو نذر اعتكاف ثلاثة أيام معينة أو أزيد فاتفق كون الثالث عيداً بطل من أصله [٤] ، ولا يجب عليه قضاؤه ، لعدم انعقاد نذره. لكنه أحوط [٥].

______________________________________________________

[١] يظهر وجهه مما سبق.

[٢] لعدم مشروعية المنذور.

[٣] يعني : بأن أخذه مطلقاً. أما لو أخذه مهملا فهو بمنزلة المقيد في عدم المشروعية.

[٤] لانكشاف عدم مشروعية متعلقه.

[٥] يمكن أن يكون وجهه : احتمال كون تعيين الأيام الخاصة من باب تعدد المطلوب. لكن التعبير بالقضاء لا يساعد عليه. ويحتمل أن يكون باعتكاف اليومين قبل العيد قد حدثت مصلحة في ضم الثالث ، وعدم إمكان الضم من جهة العيد لا يرفع الاقتضاء الذي يصدق معه الفوت ، فيجب القضاء. لكنه مختص بما إذا اعتكف يومين قبل العيد ، ولا يجري فيما لو اعتكف يوماً واحداً. مع أن أصل الاقتضاء غير ثابت ، لاختصاص دليله‌

٥٦١

( مسألة ٩ ) : لو نذر اعتكاف يوم قدوم زيد بطل [١] إلا أن يعلم يوم قدومه قبل الفجر. ولو نذر اعتكاف ثاني يوم قدومه صح ، ووجب عليه ضم يومين آخرين.

( مسألة ١٠ ) : لو نذر اعتكاف ثلاثة أيام من دون الليلتين المتوسطتين لم ينعقد [٢].

( مسألة ١١ ) : لو نذر اعتكاف ثلاثة أيام أو أزيد لم يجب إدخال الليلة الأولى فيه [٣] ، بخلاف ما إذا نذر اعتكاف شهر ، فإن الليلة الأولى جزء من الشهر [٤].

( مسألة ١٢ ) : لو نذر اعتكاف شهر يجزئه ما بين الهلالين [٥] وإن كان ناقصاً. ولو كان مراده مقدار شهر وجب ثلاثون يوماً [٦].

______________________________________________________

بغير صورة كون الثالث العيد. اللهم إلا أن يستفاد القضاء مما دل عليه في الحائض والمريض. فتأمل.

[١] البطلان غير ظاهر مع إمكان الاحتياط ، بل وجوبه عليه بالعلم الإجمالي بالمردد بين التدريجيين.

[٢] لما عرفت ، من عدم مشروعية الاعتكاف كذلك.

[٣] لما عرفت من خروجها عن الثلاثة. اللهم إلا أن يقصد من اليوم ما يعم الليل.

[٤] وبذلك افترق عن اليوم.

[٥] لأن الشهر حقيقة في ذلك لغة وعرفاً. ومنه يظهر أنه يتعين عليه ذلك ، لا مجرد إجزائه ، فإنه لا يجزيه الملفق وان كان ثلاثين أو أكثر.

[٦] فإن الشهر ـ أعني : ما بين الهلالين ـ وإن كان ينقص تارة ، فيكون‌

٥٦٢

( مسألة ١٣ ) : لو نذر اعتكاف شهر وجب التتابع [١] وأما لو نذر مقدار الشهر جاز له التفريق [٢] ثلاثة ثلاثة إلى أن يكمل ثلاثون يوماً. بل لا يبعد جواز التفريق يوماً فيوماً [٣] ، ويضم إلى كل واحد يومين آخرين ، بل الأمر كذلك في كل مورد لم يكن المنساق منه هو التتابع.

( مسألة ١٤ ) : لو نذر الاعتكاف شهراً أو زماناً على وجه التتابع سواء شرطه لفظاً ، أو كان المنساق منه ذلك ـ فأخل بيوم أو أزيد بطل [٤] ، وإن كان ما مضى ثلاثة فصاعداً واستأنف آخر مع مراعاة التتابع فيه [٥]. وإن كان معيناً وقد أخل بيوم أو أزيد وجب قضاؤه [٦] ، والأحوط التتابع فيه أيضاً. وإن بقي شي‌ء من ذلك الزمان المعين بعد الإبطال‌

______________________________________________________

تسعة وعشرين ، ويتم أخرى فيكون ثلاثين ، إلا أنه إذا استعمل في مقام التقدير ، وامتنع حمله على الجامع بينهما ، إذ لا معنى للتقدير بالجامع بين الزائد والناقص ، تعين حمله على أحدهما بعينه. ومقتضى الإطلاق حمله على خصوص الكامل ، فان الحمل على غيره محتاج إلى عناية زائدة ، كما لعله ظاهر بأدنى تأمل.

[١] لتتابع أجزاء الشهر ، التي يرجع نذر اعتكاف الشهر إلى نذر اعتكافها.

[٢] إذ لا تتابع في مفهوم المقدر ، والإطلاق ينفيه.

[٣] في دخول ذلك في مقصود الناذر تأمل ، والمنصرف غير ذلك.

[٤] لانتفاء الشرط.

[٥] ليكون مصداقاً للمنذور.

[٦] يحتمل رجوع الضمير إلى نفس المنذور ، يعني : قضاء تمام المنذور‌

٥٦٣

بالإخلال فالأحوط ابتداء القضاء منه [١].

( مسألة ١٥ ) : لو نذر اعتكاف أربعة أيام فأخل‌

______________________________________________________

ـ كما عن المبسوط والتذكرة ـ لبطلانه بفوات المتابعة المشروطة فيه ، كما في المسألة السابقة. لكن عن المختلف والمسالك والمدارك : الاقتصار على قضاء ما أخل به ، لأن ما أتى به من الأيام كان متتابعاً ، فتكون موافقة للمنذور ، فلا وجه لوجوب قضائها.

وأشكل عليه في الجواهر : بأن التتابع في البعض غير كاف في الامتثال بعد أن فرض اعتباره في الجميع. وعدم إمكان استئنافها باعتبار تعينها لا ينافي وجوب القضاء ، كما إذا لم يأت بها أجمع.

هذا ومحصل الكلام : أن الناذر تارة : يلاحظ كل واحد من الأيام المعينة لنفسه ، من دون اعتبار انضمامه إلى ما اتصل به من الأيام. وأخرى : يلاحظ انضمامه كذلك. فعلى الأول يصح ما أتى به ، لمطابقته للمنذور ، وليس عليه إلا قضاء ما أخل به ، لفواته. وعلى الثاني عليه قضاء الجميع ما أتى به وما أخل به ، إذ ما أتى به لم يأت به على وجهه الملحوظ فيه حال النذر ، لفقده للانضمام الى ما اتصل به. وعليه يتعين قضاء الجميع متتابعاً ، لوجوب قضاء الفائت كما فات. فتوقف المصنف (ره) في وجوب التتابع في القضاء يناسب أن يكون المراد من الضمير خصوص ما أخل به. لكن قوله (ره) : « فالأحوط ابتداء .. » يعين كون المراد الأول إذ لو كان المراد خصوص ما أخل به لتعين قضاؤه خارج ذلك الزمان ، لأن ما بقي من ذلك الزمان يجب فعل الأداء فيه. وعليه فالتوقف في وجوب التتابع غير ظاهر.

[١] كأنه لموافقته للأداء في الزمان في الجملة. ولكنه ـ كما ترى ـ لا يصلح للتوقف في الفتوى.

٥٦٤

بالرابع ، ولم يشترط التتابع ، ولا كان منساقاً من نذره ، وجب قضاء ذلك اليوم ، وضم يومين آخرين [١]. والأولى جعل المقضي أول الثلاثة ، وإن كان مختاراً في جعله أياً منها شاء [٢].

______________________________________________________

[١] الحكم فيها ظاهر.

[٢] كما استظهره في الجواهر. وحكي عن جماعة من المتأخرين : أن الزائد على الواجب إن تأخر عن الواجب لم يقع إلا واجباً. وإن تقدم جاز أن ينوي به الوجوب من باب مقدمة الواجب ، والندب لعدم تعين الزمان له. وحكي عن المدارك : الاشكال فيه ـ فيما إذا كان الواجب يوماً واحداً ـ بأن اعتكاف اليومين بنية الندب يوجب الثالث ، فلا يكون مجزياً عما في ذمته. وبأن الاعتكاف يتضمن الصوم ، وهو لا يقع مندوباً ممن في ذمته واجب.

وأجاب عن الأول : بأن وجوب اليوم الثالث لتتميم الاعتكاف ثلاثاً لا ينافي وجوبه من جهة أخرى. وعن الثاني : بأن الممتنع إنما هو وقوع النافلة ممن في ذمته قضاء رمضان ، لا مطلق الواجب. ولو أراد زوال الاشكال من أصله نوى بالأول الندب ، وجعل ما في ذمته وسطاً. على أنهما واجبان من باب المقدمة ، فلا إشكال حينئذ من هذه الجهة.

أقول : إذا فرض أنه لا يشرع الاعتكاف أقل من ثلاثة ، وأنه يجب قضاء اليوم الفائت ، كان ذلك دالا على وجوب الضم ، فيكون المنضم واجباً ولا وجه لكونه مندوباً ، لا ذاتاً ـ لعدم مشروعية أقل من ثلاثة ـ ولا عرضاً ـ كما هو واضح ـ ولا واجباً من باب المقدمة إذ لا مقدمية بين اليوم واليومين ، فإنها جميعاً اعتكاف واحد ، ولو لا وجوب القضاء لكان مندوباً ، لكن لوجوب القضاء صار الجميع واجباً واحداً نفسياً لا مقدمياً. ومن ذلك تعرف الإشكال في كلمات الجماعة. فتأمل.

٥٦٥

( مسألة ١٦ ) : لو نذر اعتكاف خمسة أيام وجب أن يضم إليها سادساً [١] ، سواء تابع ، أو فرق بين الثلاثين.

( مسألة ١٧ ) : لو نذر زماناً معيناً شهراً أو غيره ، وتركه نسياناً أو عصيانا أو اضطراراً ، وجب قضاؤه [٢].

______________________________________________________

[١] لما تقدم في الشرط الخامس. لكن عن الروضة : حكاية قول بعدم وجوب الضم فيما لو تابع بين الخمسة المنذورة ، ونسب الى الشهيد في بعض تحقيقاته : الميل اليه. وعن المحقق القمي : تقريبه بأن الرواية الدالة على وجوب ضم السادس الى الرابع والخامس مختصة بالمندوب ، فلا تشمل المنذور. وبأنه في المندوب قد تحقق الاعتكاف بالثلاثة الأول ، ولم يثبت من الشرع ما يدل على اتصال اليومين به ، فالرابع والخامس منفصلا عنه ، فيكون اعتكافا آخر يجب بمضي اليومين ، وأما في المنذور فالخمسة اعتكاف واحد ، ولا انفصال بين الرابع والخامس ، لأن النذر جعلها فعلا واحداً متصلا.

وفيه : أن الرواية وإن كانت مختصة بالمندوب ـ بقرينة الترخيص في الخروج ـ إلا أن المنذور ليس حقيقة أخرى غير المندوب ، إذ النذر ـ كما عرفت ـ إنما تعلق بالمندوب ، فحكم المنذور حكم المندوب لأنه هو. ولو بني على الفرق بينهما أشكل حال المنذور في كثير من الأحكام ـ ومنها : وجوب الثالث ـ لاختصاص دليله بالمندوب أيضاً ، فاللازم البناء على جواز نذر اعتكاف يومين لا أزيد ، وهو كما ترى. ومن ذلك يظهر سقوط الفرق الذي ذكره ثانياً بين المنذور والمندوب ، فإن إطلاق الرواية ينفيه. فلاحظ.

[٢] قال في الشرائع : « إذا نذر اعتكاف شهر معين ولم يعلم به حتى خرج ـ كالمحبوس ، والناسي ـ قضاه ». قال في الجواهر : بلا خلاف بل في المدارك : أنه مقطوع به في كلام الأصحاب ». واستدل له بعموم‌

٥٦٦

ولو غمت الشهور فلم يتعين عنده ذلك المعين عمل بالظن ، ومع عدمه يتخير بين موارد الاحتمال [١].

( مسألة ١٨ ) : يعتبر في الاعتكاف الواحد وحدة المسجد [٢] فلا يجوز أن يجعله في مسجدين ، سواء كانا متصلين [٣] أو‌

______________________________________________________

قولهم (ع) : « اقض ما فات كما فات » وقوله (ع) : من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته ». وبأنه مشتمل على الصوم الذي قد ثبت القضاء للواجب منه. وبأنه قد ثبت القضاء في الحائض والمريض وغيرهما مما اشتملت عليه النصوص والفتاوى ، مع عدم القول بالفصل.

لكن المرسلين غير ثابتين. ووجوب قضاء الصوم ـ لو سلم ـ لا يقتضي وجوب قضاء الاعتكاف. والنص الدال على القضاء في الحائض والمريض لا يدل على ما نحن فيه ، وعدم القول بالفصل لا يدل على عدم الفصل. فالمسألة لا تخلو من إشكال لو لا ظهور الإجماع ، الذي تطمئن النفس بثبوت معقده.

[١] كما عن الشهيد. لكنه غير ظاهر مع إمكان الاحتياط ، لوجوبه عقلا حينئذ ، ومع عدمه يسقط التكليف بالمرة ، بناء على سقوط التكليف المعلوم بالإجمال بالاضطرار إلى مخالفته الاحتمالية.

وبالجملة : ما ذكر مبني على تمامية مقدمات دليل الانسداد في خصوص المسألة ، وإثباتها بنحو الكلية في نهاية المنع.

[٢] كما نص عليه في الجواهر. لأن ظاهر قولهم (ع) : « لا اعتكاف إلا بصوم في مسجد الجامع أو مسجد جماعة » (١) ذلك ، والحمل على الجنس خلاف الظاهر.

[٣] حكى في الجواهر عن بغية أستاذه (ره) : جواز التشريك بينهما.

__________________

(١) الظاهر أن هذا نقل بالمعنى للنصوص المتقدمة في الشرط السادس من شروط صحة الاعتكاف فراجع.

٥٦٧

منفصلين. نعم لو كانا متصلين على وجه يعد مسجداً واحداً فلا مانع [١].

( مسألة ١٩ ) : لو اعتكف في مسجد ، ثمَّ اتفق مانع من إتمامه فيه ـ من خوف ، أو هدم ، أو نحو ذلك ـ بطل ، ووجب استئنافه أو قضاؤه [٢] إن كان واجباً في مسجد آخر [٣] أو ذلك المسجد إذا ارتفع عنه المانع. وليس له البناء ، سواء كان في مسجد آخر ، أو في ذلك المسجد [٤] بعد رفع المانع.

( مسألة ٢٠ ) : سطح المسجد ، وسردابه ، ومحرابه منه [٥] ،

______________________________________________________

واستشكل فيه : بأن الاتصال غير مجد. بعد فرض ظهور الأدلة في اعتبار الوحدة ، المفروض عدم تحققها بذلك. وهو في محله.

[١] لصدق الوحدة حينئذ ، ويكون الحال كما لو وسع المسجد بوقف الأرض المتصلة به ، كما سيأتي.

[٢] قد عرفت الكلام في وجوب القضاء ، ولا سيما مع انكشاف عدم الأمر بالأداء.

[٣] احتمل في الجواهر : الاكتفاء بالإتمام بجامع آخر. وفيه : أنه مناف لإطلاق ما دل على اعتبار الوحدة.

[٤] يمكن أن يستفاد مما تقدم ـ من جواز الخروج للحاجة ـ عدم قدح الخروج في صحة الاعتكاف ، إذا لم يطل ، ولم يك ماحياً للصورة.

[٥] مقتضى الاستصحاب عدم مسجدية ما يشك في كونه مسجداً. نعم قد يحكم على الاستصحاب المذكور ظاهر معتد به عند المتشرعة ، فيكون بناؤهم على العمل به حجة على عدم حجيته ، مثل بنائهم على مسجدية كل ما يكون داخلا في سؤر المسجد من فوقاني وتحتاني. وكما يحكم بمسجدية‌

٥٦٨

ما لم يعلم خروجها. وكذا مضافاته إذا جعلت جزءاً منه [١] كما لو وسع فيه.

( مسألة ٢١ ) : إذا عين موضعاً خاصاً من المسجد محلا لاعتكافه لم يتعين [٢] ، وكان قصده لغواً [٣].

( مسألة ٢٢ ) : قبر مسلم وهاني ليس جزءاً من مسجد الكوفة على الظاهر [٤].

( مسألة ٢٣ ) : إذا شك في موضع من المسجد أنه جزء منه أو من مرافقه لم يجر عليه حكم المسجد [٥].

( مسألة ٢٤ ) : لا بد من ثبوت كونه مسجداً أو جامعاً بالعلم الوجداني ، أو الشياع المفيد للعلم ، أو البينة الشرعية. وفي كفاية خبر العدل الواحد إشكال [٦].

______________________________________________________

ما ذكر يحكم بصحة الاعتكاف في مجموعه وإن انتقل المعتكف من موضع إلى آخر. وما عن الدروس : من تحقق الخروج من المسجد بالصعود على السطح ، لعدم دخوله في مسماه واضح الضعف ، كما في الجواهر.

[١] لصدق الوحدة المعتبرة.

[٢] لعدم الدليل عليه ، والأصل ينفيه.

[٣] ما لم يرجع إلى تقييد الامتثال.

[٤] لخروجهما عن سوره ، والأصل عدم الإلحاق. بل ظاهر اتخاذه قبراً عدمه.

[٥] لما تقدم : من الاستصحاب النافي لذلك.

[٦] لما تكرر : من عدم الدليل على حجيته في الموضوعات. وبناء العقلاء على حجية خبر الثقة مطلقاً مردوع عنه بمثل رواية مسعدة بن صدقة‌

٥٦٩

والظاهر كفاية حكم الحاكم الشرعي [١].

( مسألة ٢٥ ) : لو اعتكف في مكان باعتقاد المسجدية أو الجامعية فبان الخلاف تبين البطلان.

( مسألة ٢٦ ) : لا فرق في وجوب كون الاعتكاف في المسجد الجامع بين الرجل والمرأة [٢] ، فليس لها الاعتكاف في المكان الذي أعدته للصلاة في بيتها ، بل ولا في مسجد القبيلة ونحوها.

( مسألة ٢٧ ) : الأقوى صحة اعتكاف الصبي المميز ، فلا يشترط فيه البلوغ [٣].

______________________________________________________

بناء على تمامية عمومها في حجية البينة ، كما أشرنا إليه في أوائل الكتاب (١).

[١] إذا صح منه الحكم. لكن في كون جامعية المسجد ، أو كونه مسجد الجماعة من موارد حكم الحاكم تأمل ظاهر. إلا أن يكون مورداً للنزاع في الملكية والمسجدية بين المتخاصمين.

[٢] بلا خلاف أجده بيننا ، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه ـ كما ادعاه في الحدائق ـ كذا في الجواهر. لإطلاق أكثر النصوص. وللتصريح في بعضها : بأن المرأة مثل ذلك. مضافاً إلى قاعدة الاشتراك. ومن ذلك يظهر صحة ما بعده.

[٣] قد أشرنا مكرراً. إلى أن إطلاق أدلة المشروعية يقتضي عدم الفرق بين البالغ وغيره. وحديث : « رفع القلم عن الصبي » (٢) لا يصلح لرفع المشروعية ، بل يختص برفع الإلزام ، جمعاً عرفياً بين دليل الرفع ودليل المرفوع.

__________________

(١) راجع المسألة : ٦ من فصل ماء البئر من الجزء الأول من هذا الشرح.

(٢) الوسائل باب : ٥٦ من أبواب جهاد النفس.

٥٧٠

( مسألة ٢٨ ) : لو اعتكف العبد بدون إذن المولى بطل [١]. ولو أعتق في أثنائه لم يجب عليه إتمامه [٢]. ولو شرع فيه بإذن المولى ثمَّ أعتق في الأثناء ، فإن كان في اليوم الأول أو الثاني لم يجب عليه الإتمام [٣]. إلا أن يكون من الاعتكاف الواجب. وإن كان بعد تمام اليومين وجب عليه الثالث. وإن كان بعد تمام الخمسة وجب السادس.

( مسألة ٢٩ ) : إذا أذن المولى لعبده في الاعتكاف جاز له الرجوع [٤] عن إذنه ، ما لم يمض يومان. وليس له الرجوع بعدهما ، لوجوب إتمامه حينئذ. وكذا لا يجوز له الرجوع إذا كان الاعتكاف واجباً بعد الشروع فيه من العبد [٥].

______________________________________________________

[١] تقدم الكلام في ذلك.

[٢] لبطلانه من رأس. وما عن الشيخ (ره) من وجوب الإتمام غريب ، كما في الجواهر. ولعل مراده الصورة الآتية.

[٣] الحكم في جميع الصور المذكورة مقتضى إطلاق الأدلة ، المحكمة بعد انتفاء المانع. وكذا الحال في الفرع الذي بعده.

[٤] لقاعدة السلطنة. نعم لو قلنا بوجوب الإتمام بمجرد الشروع ـ كما تقدم نقله عن جماعة ـ كان الحال فيه هو الحال في الرجوع بعد اليومين ، من عدم وجوب إطاعة العبد لسيده في ترك الواجب أو فعل الحرام. كما أنه لو قلنا بعدم وجوب الإتمام مطلقاً كان له الرجوع مطلقا ، وتجب إطاعته على العبد مطلقاً. وقد يقال : بأن اعتكافه تصرف في ملك المولى ، فإتمامه بعد رجوع المولى تصرف حرام ، فيبطل بنفسه وليس المقام من باب التزاحم بين إطاعة الله تعالى وإطاعة المولى.

[٥] كما لو نذر إتمامه. أما لو كان الاعتكاف واجباً بنذر أو شبهه ،

٥٧١

( مسألة ٣٠ ) : يجوز للمعتكف الخروج من المسجد لإقامة الشهادة ، أو لحضور الجماعة ، أو لتشييع الجنازة ، وإن لم يتعين عليه هذه الأمور [١]. وكذا في سائر الضرورات العرفية ، أو الشرعية ، الواجبة ، أو الراجحة. سواء كانت متعلقة بأمور الدنيا ، أو الآخرة ، مما يرجع مصلحته إلى نفسه أو غيره. ولا يجوز الخروج اختياراً بدون أمثال هذه المذكورات.

( مسألة ٣١ ) : لو أجنب في المسجد ، ولم يمكن الاغتسال فيه وجب عليه الخروج [٢] ،

______________________________________________________

ففي جواز الرجوع وعدمه وجهان ، مبنيان على عدم وجوب إتمام الواجب بالشروع فيه ، ووجوبه.

وفي الشرائع جزم بعدم جواز الرجوع في الاذن بمجرد الشروع في الواجب. وكأنه لبنائه على وجوب إتمامه. لكنه غير ظاهر. وقوله تعالى : ( وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ ... ) (١) غير ظاهر فيما نحن فيه.

[١] قد تقدم في الشرط الثامن : الإشكال في ذلك ، وأنه لا دليل ظاهر على جواز الخروج لمطلق الحاجة ، بل لا بد من كونها لازمة له شرعاً أو عقلا ، أو عادة. نعم إطلاق صحيح الحلبي وغيره جواز الخروج للجنازة وعيادة المريض (٢) يقتضي جوازهما ولو مع عدم التعين.

[٢] قد عرفت : أن حرمة لبث الجنب في المسجد يقتضي وجوب الخروج وإن أمكن الاغتسال في المسجد. نعم لو لم يستلزم الاغتسال اللبث المحرم فلا مانع من جوازه ، بل يشكل جواز الخروج حينئذ ، لعدم الحاجة اللازمة.

__________________

(١) محمد : ٣٣.

(٢) تقدم ذلك في الشرط الثامن من شروط صحة الاعتكاف.

٥٧٢

ولو لم يخرج بطل اعتكافه ، لحرمة لبثه فيه [١].

______________________________________________________

[١] هذا يتم لو لم تكن الجنابة فيما قبل آخر اليوم الثالث بمقدار الخروج والاغتسال ، إذ في هذه الصورة ينتهي الاعتكاف بحدوث الجنابة ، ويكون اللبث بعدها خارجاً عنه ، لأن وجوب الخروج حين الجنابة للاغتسال مانع من جزئية اللبث من الاعتكاف ، فلا تقدح حرمته في صحة الاعتكاف.

ومثله : ما لو كان زمان اللبث بعد الجنابة والخروج بعده للاغتسال مساوياً لزمان الخروج من حين الجنابة والاغتسال ، كما لو كان الماء حين الجنابة بعيداً عن المسجد ، بحيث يكون زمان الخروج والاغتسال مقدار ساعة ، فلبث مقدار نصف ساعة ، فجاء الماء إلى باب المسجد ، فخرج واغتسل ، وكان زمان اللبث والغسل مساوياً لزمان الخروج من حين الجنابة والاغتسال ، فان اللبث في الفرض المذكور حرام ، لكنه لما لم يكن جزءاً من الاعتكاف لم تقدح حرمته في صحته. نعم إذا كان اللبث جزءاً من الاعتكاف وكان حراماً بطل الاعتكاف.

هذا ويمكن أن يستشكل في البطلان ـ حتى في غير الصورتين المذكورتين ـ : بأن وجوب الخروج للاغتسال إذا كان موجباً لعدم جزئية اللبث ، فلذلك لا تقدح حرمته في صحة الاعتكاف ، لم يفرق في ذلك بين الآن الأول بعد الجنابة وما بعده من الآنات ، فكلما مكث كان مكثه حراماً ، وحرمته غير قادحة في صحة الاعتكاف ، لخروجه عن الجزئية بتوسط وجوب الخروج ، ولا تختص الصحة بالفرضين المذكورين. وفيه : أن الجنابة إنما تقتضي الخروج عن المسجد بمقدار الاغتسال ، لا أزيد فالكون في المسجد المساوي لذلك المقدار لا يكون جزءاً من الاعتكاف ، أما ما زاد على ذلك المقدار فهو جزء منه.

وحينئذ فإذا بقي لابثاً في المسجد عامداً ، فان خرج بعد ذلك للاغتسال‌

٥٧٣

( مسألة ٣٢ ) : إذا غصب مكاناً من المسجد سبق إليه غيره بأن أزاله وجلس فيه ـ فالأقوى بطلان اعتكافه [١].

______________________________________________________

لزم فوات ذلك الجزء ، وإن كان واجباً من جهة حرمة لبث الجنب في المسجد. وإن بقي لم يمكن أن يتقرب بلبثه ، لأنه حرام. فتأمل جيداً.

[١] لأنه غصب ، كما يستفاد من مرسل محمد بن إسماعيل عن أبي عبد الله (ع) : « قلت له : نكون بمكة ، أو بالمدينة ، أو الحيرة ، أو المواضع التي يرجى فيها الفضل ، فربما خرج الرجل يتوضأ ، فيجي‌ء آخر فيصير مكانه. قال (ع) : من سبق إلى موضع فهو أحق به يومه وليلته » (١) وخبر طلحة بن زيد : « قال أمير المؤمنين (ع) : سوق المسلمين كمسجدهم فمن سبق إلى مكان فهو أحق به إلى الليل » (٢).

ويمكن أن يستشكل فيه أولا : من جهة ضعف الأول بالإرسال ، والثاني بطلحة. وثانياً : بأن الظاهر من الأحقية في المقام ـ بقرينة صيغة التفضيل ـ مجرد الأولوية ، لا خصوصية في المكان ، كما في سائر موارد الحقوق ، بحيث يكون السابق يملك التصرف فيما سبق اليه ، والمزاحم له فيه غاصب له في ذلك. وثالثاً : بأن الاعتكاف عبارة عن مجرد الكون في المسجد ولو بلا قرار ، فلا يتحد مع القرار ، كي يحرم بحرمته ، وغصب المكان إنما يحرم القرار لا غير.

اللهم إلا أن يدفع الأخير : بأن الأحقية على تقدير ثبوتها تقتضي لمنع عن التصرف في الفضاء الذي ينتفع فيه السابق ، لأنه موضوع للسبق ، كالأرض ، فيكون الكون الخارجي من اللاحق حراماً ، ولا يختص بالأرض. ويدفع ما قبله : بأن التفضيل يستعمل كثيراً مع عدم الاشتراك في المبدأ.

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٦ من أبواب أحكام المساجد حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٥٦ من أبواب أحكام المساجد حديث : ٢.

٥٧٤

______________________________________________________

مع أن التحريم لا يتوقف على القول بثبوت إضافة الملكية أو الحقية ، بل يكفي فيه تخصيص الرخصة بالسابق دون اللاحق. ودلالة الكلام على هذا المقدار ظاهرة ، ومنعها مكابرة ، والحمل على الأولوية الاستحبابية محتاج إلى قرينة صارفة. ويدفع الأول : بأن الإرسال قد لا يمنع من الحجية إذا كان المرسل من الأعيان ، مثل محمد بن إسماعيل الظاهر في ابن بزيع ، والراوي عنه أحمد بن محمد الظاهر في ابن عيسى ، وكون الرواية في الكافي. وطلحة قيل : إن كتابه معتمد ، والراوي عنه جماعة من الأعيان منهم ابن عيسى. ولعل هذا المقدار كاف في إدخال الروايتين تحت خبر الثقة ، وإن كان لا يخلو من نظر.

نعم قد يوهنهما : عدم العمل بالتحديد المذكور فيهما. وعدم ظهور القول بإطلاقهما من حيث وجود الرحل وعدمه ، بل إطلاق الثاني من حيث نية العود وعدمها. قال في الجواهر : « لا خلاف ولا إشكال في سقوط الحق لو قام مفارقاً رافعاً يده عنه ». وقال فيها أيضاً : « لا خلاف في سقوط حقه مع عدم الرحل وإن نوى العود وكان قيامه لضرورة ، من تجديد طهارة ونحوه ». نعم حكى بعد ذلك عن التذكرة القول بثبوته. أما إذا كان القيام لغير ضرورة فلا ريب ولا خلاف في سقوط حقه ، كما في الجواهر. وبالجملة : مراجعة كلماتهم في كتاب إحياء الموات تقتضي البناء على وهن الحديثين لو جمعا شرائط الحجية في أنفسهما. فراجع.

نعم لا خلاف ولا إشكال في أن من سبق إلى مكان من المسجد فهو أحق به ما دام جالساً. إلا أن كون معنى الأحقية ثبوت حق له في المكان بحيث يكون التصرف فيه غصباً للمكان لو كان رفعه عنه ظلماً غير ظاهر. فتأمل جيداً.

٥٧٥

وكذا إذا جلس على فراش مغصوب [١]. بل الأحوط الاجتناب عن الجلوس على أرض المسجد المفروض بتراب مغصوب أو آجر مغصوب [٢] على وجه لا يمكن إزالته [٣]. وإن توقف على الخروج خرج على الأحوط. وأما إذا كان لابساً لثوب مغصوب أو حاملا له ، فالظاهر عدم البطلان [٤].

( مسألة ٣٣ ) : إذا جلس على المغصوب ناسياً ، أو جاهلا ، أو مكرهاً ، أو مضطراً لم يبطل اعتكافه [٥].

______________________________________________________

[١] قد عرفت فيما سبق الإشكال في هذا أيضاً ، وأن التصرف بالفراش بمسه برجله وغيرها من أعضائه ـ لا يتحد مع الكون الاعتكافي ، وليس ذلك إلا كالتصرف فيه بمسه بيده ، مما لا مجال لتوهم قدحه في صحة الاعتكاف.

[٢] حكى في الجواهر عن بعض مشايخه : الجزم بالجواز في الفرض واختاره هو في النجاة. وعلل : بأن المنع تعطيل للمسجد ، ومنع للمسلمين عن حقهم ، وهو ضرر منفي. وفيه ـ مع إمكان منع كون ذلك ضرراً ـ : أن التصرف بغير إذن المالك ضرر أيضاً ، فعموم حرمة التصرف بغير إذن المالك محكم.

نعم إذا كان معدوداً تالفاً عرفاً كان مضموناً على الغاصب ، وجاز التصرف فيه بإذن الغاصب ، بناء على كون الضمان بالتلف موجباً لانتقال الملك إلى الضامن ـ كما لعله الظاهر ـ كما قربناه في ( نهج الفقاهة ).

[٣] ولو كان بحيث تمكن إزالته لحقه حكم الفراش المغصوب.

[٤] لما عرفت من عدم اتحاده مع الكون الاعتكافي. لكن الفرق بينه وبين الجلوس على الفراش المغصوب خفي ، لاتحادهما في كون المحرم شأنا من شؤون الكون. فلاحظ.

[٥] للعذر المانع من مبعدية النهي المانع من صحة التقرب. هذا بناء‌

٥٧٦

( مسألة ٣٤ ) : إذا وجب عليه الخروج لأداء دين واجب الأداء عليه ، أو لإتيان واجب آخر متوقف على الخروج ولم يخرج أثم ، ولكن لا يبطل اعتكافه على الأقوى [١].

( مسألة ٣٥ ) : إذا خرج عن المسجد لضرورة فالأحوط مراعاة أقرب الطرق [٢]. ويجب عدم المكث إلا بمقدار الحاجة والضرورة. ويجب أيضاً أن لا يجلس تحت الظلال [٣]

______________________________________________________

على البطلان إذا وقع عمداً وإلا فلا مجال لما ذكر.

[١] من كون الأمر بالشي‌ء لا يقتضي النهي عن ضده الخاص.

[٢] بل عن الأصحاب : وجوب ذلك. وكأنه لوجوب الاقتصار على مقدار الضرورة ، فإن الضرورات تقدر بقدرها. لكن في النجاة جعله مما ينبغي. وكأنه لإطلاق ما دل على جواز الخروج للحاجة. وفيه : أن إطلاقه ممنوع ، لأن الخروج عبارة عن الكون في خارج المسجد ، ومع سلوك أبعد الطريقين يكون الخروج الزائد ليس للحاجة. نعم إذا كان التفاوت يسيراً ، بحيث لا يلتفت اليه غالباً ، فلا يعد سلوكه عبثاً ، لم يبعد جواز سلوكه ، لعدم التنبيه في النصوص عليه ، الظاهر في عدم قدحه.

ومثله في الجواز : المشي العادي ، فلا يجب الركض والإسراع لعين ما ذكر أيضاً ، وإن كان لا يجوز التواني في المشي جداً ، بحيث يخرج عن المتعارف ، لأنه خارج عن مقتضى الضرورة. كما هو الوجه في قوله (ره) : « ويجب عدم ... ».

[٣] بلا خلاف أجده ، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه ـ كذا في الجواهر ـ ويشهد له ما في صحيح داود بن سرحان : « ولا تقعد تحت ظلال حتى تعود إلى مجلسك » (١).

__________________

(١) الوسائل باب : ٧ من أبواب الاعتكاف حديث : ٣.

٥٧٧

مع الإمكان [١]. بل الأحوط أن لا يمشي تحته أيضاً [٢]. بل الأحوط عدم الجلوس مطلقاً [٣] إلا مع الضرورة.

( مسألة ٣٦ ) : لو خرج لضرورة وطال خروجه ، بحيث انمحت صورة الاعتكاف بطل [٤].

( مسألة ٣٧ ) : لا فرق في اللبث في المسجد بين أنواع الكون [٥] ، من القيام ، والجلوس ، والنوم ، والمشي ، ونحو ذلك ، فاللازم الكون فيه بأي نحو ما كان.

______________________________________________________

[١] كأنه لانصراف دليل المنع اليه.

[٢] كما عن جماعة ، منهم الشيخ. ودليله غير ظاهر. وما في الوسائل : من أنه قد تقدم ما يدل على عدم جواز الجلوس والمرور تحت الظلال للمعتكف لم نقف على المراد منه. ولعله أراد الصحيح المتقدم في الجلوس ، بناء منه على إلغاء خصوصية الجلوس. وما عن الانتصار : من دعوى الإجماع على أن المعتكف لا يستظل بسقف ، لا يمكن الاعتماد عليه. فالبناء على عدم المنع متعين.

[٣] كما عن كثير. لما في صحيحي الحلبي وداود من النهي عنه (١). لكن لا يبعد أن يكون المراد منه النهي عن الجلوس الزائد على مقدار الحاجة وهو غير ما نحن فيه.

[٤] كما نص عليه غير واحد. لفوات الشرط ، أعني : الصورة.

وما دل على الرخصة في الحاجة لا يقتضي الصحة ، لأنه أعم ، ونظره ليس إلا إلى عدم قدح الخروج في الجملة من حيث كونه خروجاً ، لا من حيث فوات الصورة التي هي قوام العمل.

[٥] للإطلاق.

__________________

(١) الوسائل باب : ٧ من أبواب الاعتكاف حديث : ٢ ، ١.

٥٧٨

( مسألة ٣٨ ) : إذا طلقت المرأة المعتكفة في أثناء اعتكافها طلاقاً رجعياً ، وجب عليها الخروج إلى منزلها للاعتداد [١] ، وبطل اعتكافها. ويجب استئنافه إن كان واجباً موسعاً بعد الخروج من العدة. وأما إذا كان واجباً معيناً فلا‌

______________________________________________________

[١] على المشهور ، بل عن التذكرة : نسبته إلى علمائنا أجمع. لحرمة الخروج عن البيت على المعتدة ، وقد عرفت أن الخروج من المكان عبارة عن اللبث في غيره ، فاذا حرم لبثها في المسجد ـ لأنه خروج عن البيت ـ امتنع عليها التعبد به بعنوان الاعتكاف ، كما سبق في الشرط السابع.

لكن عن الدروس والمسالك : وجوب الاعتداد عليها في المسجد لو كان الاعتكاف واجباً معيناً. وهو ظاهر بناء على أن عدم الخروج من البيت من حقوق الزوج ـ كما في غير المطلقة ـ كما هو مذهب جماعة من القدماء والمتأخرين. ويشهد له من النصوص : ما تضمن أنها لا تخرج إلا بإذن زوجها (١) إذ عليه تكون المعتدة كالزوجة ، وقد عرفت أن الزوجة إذا اعتكفت بإذن زوجها لم يكن له المنع في اليوم الثالث ، فلو منع لم تجب إطاعته ، ووجب إتمام الاعتكاف في المسجد.

أما إذا كان من أحكام الاعتداد فقد يشكل الحال ، إذ كما أنه يجب على المطلقة الاعتداد في البيت ويجوز لها الخروج للواجب ، كذلك يجب على المعتكف اللبث في المسجد ويجوز له الخروج للواجب ، وتقديم أحدهما على الآخر محتاج إلى وجه ظاهر.

اللهم إلا أن يقال : إن المقام ليس من باب خروج المعتكف للحاجة بل هو من رفع اليد عن الاعتكاف بالمرة. ولأجل أن رفع اليد عن الواجب لا يجوز إلا مع مزاحمته بواجب أهم أو مساو ، وخروج المعتدة لأداء الواجب‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٢٣ من أبواب العدد.

٥٧٩

يبعد التخيير بين إتمامه ثمَّ الخروج وإبطاله ، والخروج فوراً ، لتزاحم الواجبين [١] ، ولا أهمية معلومة في البين. وأما إذا طلقت بائناً فلا إشكال ، لعدم وجوب كونها في منزلها في أيام العدة.

( مسألة ٣٩ ) : قد عرفت أن الاعتكاف إما واجب‌

______________________________________________________

المعين ليس من باب التزاحم ، بل من باب عدم المقتضي ، فإنه يجوز خروجها لمطلق الواجب المعين ، وإن لم يكن أهم أو مساوياً ـ كما ذكروا ـ فحينئذ يكون وجوب اللبث في المسجد رافعاً لاقتضاء وجوب اللبث في المنزل ، وهذا الوجوب ـ لو تمَّ ـ كان مزاحماً لوجوب اللبث في المسجد ، لا رافعاً له. ومع تعارض المقتضي واللامقتضي يكون الأول مقدماً.

نعم لو كان الاعتداد غير مناف لأصل الاعتكاف ـ كما لو كان قبل الآخر بقليل ، فيكون من قبيل الحاجة التي يخرج إليها المعتكف وجواز خروجه لعدم المقتضي ، نظير خروج المعتدة للواجب ـ يكون المقام من التعارض ، وبعد تساقط الدليلين يرجع إلى استصحاب عدم جواز الخروج الثابت للمعتكفة قبل الطلاق.

هذا كله مع غض النظر عن إجماع التذكرة ، الذي يظهر من الجواهر وجوب الاعتماد عليه. لكنه غير ظاهر ، لعدم تعرض الأكثر للفرض المذكور. فلاحظ.

[١] قد تقدمت الإشارة : إلى أن خروج المعتدة للواجب ليس من باب التزاحم ، حيث أطلقوا جوازه من دون تقييد بكونه أهم أو مساوياً ومثله : خروج المعتكف للحاجة الواجبة. نعم رفع اليد عن الاعتكاف وقطعه بتاتاً لأداء واجب من باب التزاحم. فلاحظ كلماتهم ، وتأمل.

٥٨٠