مستمسك العروة الوثقى - ج ٨

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٨

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٤

واجباً ، لأنه من أحكامه [١]. فهو نظير النافلة إذا قلنا بوجوبها بعد الشروع فيها. ولكن الأولى ملاحظة ذلك حين الشروع فيه ، بل تجديد نية الوجوب في اليوم الثالث [٢].

ووقت النية قبل الفجر. وفي كفاية النية في أول الليل ـ كما في‌

______________________________________________________

بذلك يكون وفاء.

اللهم إلا أن يكون المقصود للناذر ونحوه خصوص الحصة الملازمة للتقرب ، نظير ما يذكر في مبحث أخذ نية القربة في موضوع الأمر ، فيمكن حينئذ أن يتقرب بالأمر الوجوبي. كما يمكن بالأمر الندبي الأولي فوجهه الندب ، وإن تقرب بالأمر الوجوبي الثانوي فوجهه الوجوب ، وإن تقرب بهما ـ بناء على إمكان التقرب بنحو داعي الداعي ، بحيث يتقرب بكل من الأمر الداعي والمدعو اليه ـ قصد الوجهين معاً. وإن كان المراد به الوجه الذي يكون عليه الفعل فعلا ، فلا بد من قصد الوجوب وإن تقرب بالأمر الندبي. فتأمل جيداً.

[١] كذا علله في الجواهر. أقول : الذي يستفاد من الأدلة في المقام أن في الاعتكاف مصلحتين ، إحداهما غير ملزمة قائمة بتمام الثلاثة أيام ومجموعها وثانيتهما ملزمة قائمة باليوم الثالث منوطة بتحقق اليومين الأولين ، فاليوم الثالث واجد لمصلحتين ، إحداهما ضمنية غير ملزمة ، والثانية استقلالية ملزمة. فالوجه الذي يقصد إن كان هو الحال الذي يكون عليه الفعل فعلا بأي لحاظ كان ، فوجه اليوم الثالث الوجوب لا غير. وان كان الحال الذي يكون عليه الأمر الذي يتحرك من قبله فوجه الأمر الندب في الجميع قبل تمام اليومين ، وبعده يمكن أن يكون الندب ويمكن أن يكون الوجوب ، ويمكن أن يكون مجموعهما ، كل ذلك تابع لقصده في فعل اليوم الثالث. فلاحظ‌

[٢] لأجل تحصيل المقارنة بين الاخطار والفعل.

٥٤١

صوم شهر رمضان ـ إشكال [١]. نعم لو كان الشروع فيه في أول الليل [٢] أو في أثنائه نوى في ذلك الوقت. ولو نوى الوجوب في المندوب ، أو الندب في الواجب اشتباهاً لم يضر. إلا إذا كان على وجه التقييد [٣] ، لا الاشتباه في التطبيق.

الرابع : الصوم ، فلا يصح بدونه [٤]. وعلى هذا فلا‌

______________________________________________________

[١] لأن الأصل اعتبار مقارنة النية للعبادة. وجواز التقديم في أول الليل في الصوم ـ للإجماع ، أو للنبوي ، أو لكون عباديته على نحو خاص لا كسائر العبادات ، كما سبق ـ لا يقتضي القول به هنا ، لأن المكث في المسجد يجب أن يقع على وجه العبادة ، فلا بد من مقارنته للنية.

وفيه : أنه بناء على التحقيق من كون النية بمعنى الداعي لا مجال للإشكال في جواز التقديم ، ضرورة أن التقديم لا ينافي وقوعه عن ذلك الداعي الارتكازي نعم الظاهر أن مفروض المتن ما لو نام أو غفل بنحو ذهب الداعي بالمرة فطلع عليه الفجر وهو في المسجد. ووجه الإشكال حينئذ : ما ذكرنا من عدم كون حدوث اللبث عن داعي الاعتكاف العبادي ، ومن أن النوم في الأثناء لا يضر ، فكذا في الابتداء. والأقرب الصحة ، لعدم ثبوت كونه عبادة بأكثر من ذلك.

نعم قد يشكل الأمر فيما لو نام في بيته ناوياً المجي‌ء إلى المسجد عند الفجر واللبث فيه معتكفاً ، ثمَّ اتفق أنه جي‌ء به إلى المسجد وهو نائم حتى طلع الفجر.

[٢] يعني : نوى كون اللبث في أول الليل اعتكافاً ، فإنه لا مجال للإشكال فيه ، لتحقق المقارنة.

[٣] كما تقدم نظيره مراراً.

[٤] بلا خلاف أجده فيه بيننا ، بل الإجماع بقسميه عليه ، كذا في‌

٥٤٢

يصح وقوعه من المسافر في غير المواضع التي يجوز له الصوم [١] ولا من الحائض والنفساء ، ولا في العيدين ، بل لو دخل فيه قبل العيد بيومين لم يصح وان كان غافلا حين الدخول. نعم لو نوى اعتكاف زمان يكون اليوم الرابع أو الخامس منه العيد فان كان على وجه التقييد بالتتابع لم يصح ، وإن كان على وجه الإطلاق لا يبعد صحته ، فيكون العيد فاصلا بين أيام الاعتكاف [٢].

______________________________________________________

الجواهر. ويشهد له صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « أنه قال لا اعتكاف إلا بصوم » (١) وفي صحيحه الآخر عنه (ع) : « وتصوم ما دمت معتكفاً » (٢) ، ونحوهما وغيرهما.

[١] وعن ابن بابويه والشيخ وابن إدريس : جوازه. لإطلاق ما دل على مشروعيته ، المقتضي لمشروعية ما يتوقف عليه. وفيه : أن الإطلاق بعد ما كان مقيداً بالصوم يكون مقيداً بكل ما يكون قيداً للصوم ، لأن المقيد للمقيد مقيد ، فلا يصلح لمعارضة ما دل على تقييد الصوم بالحضر ، فضلا عن أن يقدم عليه ، كما يظهر ملاحظة النظائر ، مثل : « لا صلاة إلا بطهور » بالإضافة إلى ما دل على عدم مشروعية الوضوء بماء الورد ، أو بالماء المضاف بل لازم كلامهم صحة الاعتكاف يوم العيد إذا أراد أن يعتكف فيه بعين التقريب المتقدم في السفر.

[٢] بعد الفصل بالعيد لا يكون المجموع اعتكافاً واحداً ، لاعتبار التوالي فيه. فالمتعين البناء على كون ما بعد العيد اعتكافاً آخر ، فيعتبر فيه أن يكون ثلاثة أيام لا أقل ، إذ لا يكون أقل من ثلاثة أيام ، كما سيأتي.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب الاعتكاف حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب الاعتكاف حديث : ١.

٥٤٣

الخامس : أن لا يكون أقل من ثلاثة أيام [١] ، فلو نواه كذلك بطل. وأما الأزيد فلا بأس به وان كان الزائد يوماً ، أو بعض يوم ، أو ليلة ، أو بعضها [٢]. ولا حد لأكثره [٣]. نعم لو اعتكف خمسة أيام وجب السادس [٤].

______________________________________________________

[١] بلا خلاف أجده فيه بيننا ، بل الإجماع بقسميه عليه ، كذا في الجواهر. ويشهد له موثق عمر بن يزيد : « لا يكون الاعتكاف أقل من ثلاثة أيام » (١) ونحوه خبر أبي بصير (٢) وقريب منهما غيرهما.

[٢] قد يشهد له موثق أبي عبيدة عن أبي جعفر (ع) ـ في حديث ـ قال : « من اعتكف ثلاثة أيام فهو يوم الرابع بالخيار ، إن شاء زاد ثلاثة أيام أخر ، وإن شاء خرج من المسجد ، فإن أقام يومين بعد الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتى يتم ثلاثة أيام أخر » (٣). فإن مفهوم ذيله يقتضي جواز الخروج وإن كان بعض يوم ، أو بعض ليلة ـ بناء على ما يأتي من تبعية الليل لليوم ـ ومدلوله الالتزامي جواز زيادة البعض المذكور. فما عن بغية كاشف الغطاء : من الميل الى العدم ضعيف.

[٣] كأنه لا خلاف فيه ، وقد أرسله غير واحد إرسال المسلمات من دون ذكر خلاف في ذلك. وقد يقتضي بعض النصوص المتعرضة للتحديد من طرف الأقل ، من دون تعرض للأكثر.

[٤] كما لعله المشهور. ويشهد له موثق أبي عبيدة السابق. ويأتي في المسألة الخامسة ماله نفع في المقام.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب الاعتكاف حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٤ من أبواب الاعتكاف حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٤ من أبواب الاعتكاف حديث : ٣.

٥٤٤

بل ذكر بعضهم أنه كلما زاد يومين وجب الثالث [١] ، فلو اعتكف ثمانية أيام وجب اليوم التاسع ـ وهكذا ـ وفيه تأمل. واليوم من طلوع الفجر [٢] إلى غروب الحمرة المشرقية ، فلا يشترط إدخال الليلة الأولى [٣] ، ولا الرابعة [٤] وإن جاز ذلك ، كما عرفت. ويدخل فيه الليلتان المتوسطتان [٥]. وفي‌

______________________________________________________

[١] بل عن المسالك والمدارك : عدم القول بالفصل بين السادس وكل ثالث ، وفي الجواهر : قد يظهر من الموثق ذلك. ولكنه غير ظاهر ، ولذلك تأمل فيه المصنف (ره).

[٢] كما هو الظاهر منه لغة وعرفاً.

[٣] كما لعله المشهور. وعن العلامة والشهيد الثاني : دخولها. لأن اليوم يستعمل في المركب منها ومن النهار. ولدخولها في اليومين الأخيرين. وفيه : أن الاستعمال أعم. ودخولها في الأخيرين ، بقرينة ظهور الأدلة في الاستمرار ، يمنع من صحة القياس.

[٤] عن المدارك : أنه حكي عن بعض الأصحاب احتمال دخولها ، وقال بعد نقله : « وهو بعيد جداً ، بل مقطوع بفساده ». وفي خبر عمر ابن يزيد : « قلت لأبي عبد الله (ع) : إن المغيرية يحكمون أن هذا اليوم لليلة المستقبلة. فقال (ع) : كذبوا هذا اليوم لليلة الماضية. إن أهل بطن نخلة إذا رأوا الهلال قالوا : قد دخل شهر الحرام » (١). وبطن نخلة بين مكة والطائف.

[٥] كما هو المشهور شهرة عظيمة. وعن الخلاف : عدم الدخول ، لخروجهما عن اليومين. ذكر ذلك فيمن نذر اعتكاف ثلاثة أيام. وفيه : أنه وان كان كذلك إلا أن المنصرف إلى الذهن في الأمور القابلة للاستمرار‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ٧.

٥٤٥

كفاية الثلاثة التلفيقية إشكال [١].

السادس : أن يكون في المسجد الجامع [٢] ، فلا يكفي‌

______________________________________________________

هو الدخول ، كما في إقامة العشرة ، وخروج الدم ، كما تقدمت الإشارة إليه مراراً.

[١] ينشأ : من البناء عليه في الأمور المستمرة ، لظهور الكلام فيه عرفاً ، مثل أقل الحيض ، وأكثره النفاس ، وإقامة العشرة ، ومدة الاستبراء ، والعدة ، ومدة الخيار ، وغير ذلك. ومن أن مقتضى الجمود على ما تحت الكلام هو العدم. وثبوت ذلك في الموارد المذكورة ـ لظهور الكلام في إرادة التقدير ـ لا يقتضي الثبوت هنا ، لاحتمال اعتبار خصوصية ما بين المبدأ والمنتهى ـ أعني : ما بين طلوع الفجر وغروب الشمس ـ من دون ثبوت ما يقتضي رفع اليد عن الظاهر. ولا سيما بملاحظة ما دل على اعتبار الصوم ، فان المناسب إرادة أيام الصوم. فتأمل.

[٢] كما عن المفيد ، والمحقق في المعتبر ، والشهيدين ، وسيد المدارك وكثير من المتأخرين. ويشهد له صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « قال : لا اعتكاف إلا بصوم في مسجد الجامع » (١) ، وخبر علي بن غراب عن أبي عبد الله (ع) عن أبيه (ع) : « قال : المعتكف يعتكف في المسجد الجامع » (٢) ، وخبر داود بن سرحان عنه (ع) : « إن علياً (ع) كان يقول : لا أرى الاعتكاف إلا في المسجد الحرام ، ومسجد الرسول أو مسجد جامع » (٣) وموثق داود بن حصين ـ المروي في المعتبر ، والمنتهى ـ عن أبي عبد الله (ع) : « لا اعتكاف إلا بصوم وفي المصر الذي أنت فيه » (٤).

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب الاعتكاف حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب الاعتكاف حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ٣ من أبواب الاعتكاف حديث : ١٠.

(٤) الوسائل باب : ٣ من أبواب الاعتكاف حديث : ١١.

٥٤٦

______________________________________________________

وعن الشيخ ، والمرتضى ، والحلبي ، والحلي ، وغيرهم : التخصيص بأحد المساجد الأربعة : مسجد الحرام ، ومسجد النبي (ص) ، ومسجد الكوفة ، ومسجد البصرة. بل عن الخلاف ، والتبيان ، والانتصار ، والغنية وغيرها : الإجماع عليه. وعن علي بن بابويه : إبدال مسجد البصرة بمسجد المدائن. وعن ولده : ضمه إلى الأربعة. واستدل له بخبر عمر بن يزيد : « قلت لأبي عبد الله (ع) : ما تقول في الاعتكاف ببغداد في بعض مساجدها؟ قال (ع) : لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة ، قد صلى فيه إمام عدل بصلاة جماعة. ولا بأس أن يعتكف في مسجد الكوفة ، والبصرة ، ومسجد المدينة ، ومسجد مكة » (١). بناء على أن المراد بإمام عدل الإمام الأصلي. ومرسلة المقنعة : « روي : أنه لا يكون إلا في مسجد جمع فيه نبي ، أو وصي نبي ، وهي أربعة مساجد : مسجد الحرام ، ومسجد المدينة ، جمع فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين (ع) ، ومسجد الكوفة ، ومسجد البصرة جمع فيهما أمير المؤمنين (ع) (٢).

لكن المرسل ضعيف ، ولم يثبت انجباره ، بل حكاية القول الأول عن مرسله توهنه. وكون المراد بإمام عدل الإمام الأصلي غير ظاهر ، ولا قرينة عليه. مع أنه لو كان المراد منه ذلك لم يحسن قوله (ع) : « ولا بأس أن يعتكف .. » ، لأن مورده من جملة أفراده ، بل من أظهرها. فالمرسل المذكور لا مجال للعمل به لو صح سنده.

فالأولى أن يقال في وجه الجمع بين النصوص : أنها طوائف : منها : ما تضمن اعتبار الجامع وإن لم تنعقد به جماعة ، كما سبق. ومنها : ما تضمن اعتبار كونه مما تنعقد به الجماعة وإن لم يكن جامعاً ، كمصحح الحلبي عن

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب الاعتكاف حديث : ٨.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب الاعتكاف حديث : ١٢.

٥٤٧

______________________________________________________

أبي عبد الله (ع) قال : « سئل عن الاعتكاف. قال : لا يصلح الاعتكاف إلا في المسجد الحرام ، أو مسجد الرسول (ص) ، أو مسجد الكوفة ، أو مسجد جماعة » (١) ، وموثق عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « قال : لا يصلح العكوف في غيرها ( يعني : مكة ) إلا أن يكون في مسجد رسول الله (ص) ، أو مسجد من مساجد الجماعة » (٢) وخبر يحيى بن العلاء الرازي عن أبي عبد الله (ع) : « لا يكون اعتكاف إلا في مسجد جماعة » (٣). ومنها : ما جمع الأمرين ، كخبر أبي الصباح عن أبي عبد الله (ع) ـ في حديث ـ : .. « إن علياً (ع) كان يقول : لا أرى الاعتكاف إلا في المسجد الحرام ، أو في مسجد الرسول ، أو في مسجد جامع جماعة » (٤). فيحمل ما دل على اعتبار الجامع على إرادة جامع الجماعة ، جمعاً بين الطوائف المذكورة ، ويكون المراد من قوله (ع) في خبر ابن يزيد : « قد صلى فيه إمام عدل » تفسير الجماعة بالجماعة الصحيحة ، لا مطلق الجماعة التي تنعقد في غالب مساجد بغداد في ذلك الزمان. ويكون المقصود من قوله (ع) فيه : « ولا بأس أن يعتكف » أن هذه المساجد لها خصوصية تقتضي صحة الاعتكاف فيها ولو لم تنعقد فيها الجماعة.

ويكون المتحصل من جميعها : جواز الاعتكاف في المساجد الأربعة وإن لم تنعقد فيها جماعة ، وكل مسجد تنعقد به الجماعة الصحيحة.

نعم ربما يكون لخبر داود بن الحصين المتقدم ظهور في اعتبار كون المسجد مسجد البلد. اللهم إلا أن يحمل على إرادة مسجد بعينه كانت‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب الاعتكاف حديث : ٧.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب الاعتكاف حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٣ من أبواب الاعتكاف حديث : ٦.

(٤) الوسائل باب : ٣ من أبواب الاعتكاف حديث : ٥.

٥٤٨

في غير المسجد ، ولا في مسجد القبيلة والسوق. ولو تعدد الجامع تخير بينها [١] ، ولكن الأحوط مع الإمكان كونه في أحد المساجد الأربعة [٢] : مسجد الحرام ، ومسجد النبي (ص) ومسجد الكوفة ، ومسجد البصرة.

السابع : إذن السيد بالنسبة إلى مملوكه [٣] ، سواء كان قناً ، أو مدبراً ، أو أم ولد ، أو مكاتباً لم يتحرر منه شي‌ء [٤] ولم يكن اعتكافه اكتساباً. وأما إذا كان اكتساباً فلا مانع‌

______________________________________________________

تنعقد به الجماعة الصحيحة ، أو خصوص مسجد الكوفة ، بقرينة كونه كوفياً أسدياً. ولو لم يتم ذلك تعين تقييد غيره به ، كتقييده بغيره ، جمعاً بين المطلق والمقيد. فيتعين اعتبار كونه مسجد البلد ، وكونه مما تنعقد به الجماعة الصحيحة إذا لم يكن أحد المساجد الأربعة ، وإلا جاز الاعتكاف به على كل حال. وإجماع الخلاف والتبيان ، والانتصار ، والغنية ، وغيرها ، المحكي على اعتبار كونه في أحد المساجد الأربعة لا مجال للاعتماد عليه ، مع تحقق الخلاف ووضوحه. والله سبحانه أعلم.

[١] للإطلاق.

[٢] خروجاً عن شبهة الخلاف المتقدم. أما مع عدم الإمكان فالأحوط الإتيان به في غيرها برجاء المطلوبية.

[٣] بلا خلاف أجده فيه ، كما في الجواهر. وعن المسالك والمدارك : نفي الاشكال فيه ، وعن الحدائق : نفي الاشكال والخلاف فيه. وينبغي أن يكون كذلك ، لأن العبد مملوك لمولاه ، فتصرفه في نفسه يتوقف على الاذن من المالك.

[٤] للاشتراك في الملكية.

٥٤٩

منه [١]. كما أنه إذا كان مبعضاً فيجوز منه في نوبته إذا هاياه مولاه من دون إذن [٢] ، بل مع المنع منه أيضاً. وكذا يعتبر إذن المستأجر بالنسبة إلى أجيره الخاص [٣] ، وإذن الزوج بالنسبة إلى الزوجة إذا كان منافياً لحقه [٤] ، وإذن الوالد ،

______________________________________________________

[١] لتحقق الاذن بالكتابة.

[٢] عملا بالمهاياة.

[٣] كما عن الدروس. وهو ظاهر إذا كان قد استأجره بنحو ملك عليه منفعة الاعتكاف. أما إذا لم يكن كذلك فالمنع عنه بدون إذن المستأجر يتوقف على القول بأن الأمر بالشي‌ء يقتضي النهي عن ضده. وأوضح منه ما لو لم يكن منافياً للعمل المستأجر عليه ، كما إذا استؤجر على عمارة المسجد ، أو حفر بئر فيه ، أو خياطة فرشه في أيام معينة ، فإنه لا ينبغي التأمل في عدم الحاجة فيه إلى الاذن من المستأجر.

[٤] بل قد يشكل الحكم في المنافي أيضاً ، بناء على عدم اقتضاء الأمر بالشي‌ء النهي عن ضده. نعم ورد في النصوص : أنه لا يجوز للمرأة أن تخرج من بيت زوجها بغير إذنه (١). والمراد منه حرمة المكث في خارج البيت مع عدم الاذن ، فاذا كان الاعتكاف كذلك حرم ، فلا يصح عبادة فلو كان مقيماً معها في المسجد ، أو كان قد أذن لها في الخروج إلى المسجد لكن نهاها عن عنوان الاعتكاف ، فالبطلان حينئذ غير ظاهر. إلا أن يرجع إلى تقييد الاذن بغير الاعتكاف. كما أنه لو كان صومها مندوباً ، وقلنا بتوقفه على إذن الزوج ـ كما دل عليه الصحيح (٢) ، وادعي عليه الإجماع ـ بطل من دون إذن الزوج ، فيبطل الاعتكاف الموقوف عليه.

__________________

(١) لاحظ الوسائل باب : ٧٩ ، ٨٠ وغيرهما من أبواب مقدمات النكاح.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب الصوم المحرم والمكروه.

٥٥٠

أو الوالدة بالنسبة إلى ولدهما ، إذا كان مستلزماً لإيذائهما [١]. وأما مع عدم المنافاة ، وعدم الإيذاء فلا يعتبر إذنهم ، وإن كان أحوط ، خصوصاً بالنسبة إلى الزوج والوالد.

الثامن : استدامة اللبث في المسجد [٢] ، فلو خرج عمداً‌

______________________________________________________

أما لو كان صومها واجباً ، أو أذن لها فيه ونهاها عن الاعتكاف ، فالبطلان أيضاً غير ظاهر.

ثمَّ إن هذا كله في حدوث الاعتكاف في اليومين الأولين منه ، أما اليوم الثالث فلا يقدح نهي الزوج عن الاعتكاف فيه إذا كان قبل النهي مشروعاً لها ، لأنه واجب ولا أثر لنهي الزوج عن فعل الواجب. لكن الفرض خارج عن مورد المتن.

[١] لا إشكال ظاهراً في حرمة إيذائهما بالمخالفة للأمر أو النهي الصادرين من أحدهما بداعي العطف والشفقة. وكأنه القدر المتيقن من وجوب إطاعة الوالدين. وحينئذ فإذا نهى أحدهما الولد عن الاعتكاف بداعي الشفقة ، أو عن الصوم كذلك بطل ، وإلا فالدليل على البطلان مع عدم الاذن غير ظاهر. ولو سلم حرمة إيذائهما مطلقاً اختص بما لو كان الصوم أو الاعتكاف عن اطلاعهما ، إذ لا أذى مع عدمه ضرورة.

[٢] باتفاق العلماء ـ كما عن المعتبر ـ وإجماعهم ـ كما عن التذكرة ، والمدارك ، والحدائق ـ وفي الجواهر : الإجماع بقسميه عليه. ويدل عليه. ـ مضافاً إلى ذلك ـ جملة من النصوص ، كصحيح داود بن سرحان : « كنت بالمدينة في شهر رمضان ، فقلت لأبي عبد الله (ع) : إني أريد أن أعتكف فما ذا أقول ، وما ذا أفرض على نفسي؟ فقال (ع) لا تخرج من المسجد إلا لحاجة لا بد منها » (١) ، وموثق ابن سنان : « ولا يخرج‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٧ من أبواب الاعتكاف حديث : ٣.

٥٥١

اختياراً لغير الأسباب المبيحة بطل ، من غير فرق بين العالم بالحكم والجاهل به [١]. وأما لو خرج ناسياً أو مكرهاً فلا يبطل [٢].

______________________________________________________

المعتكف من المسجد إلا في حاجة » (١). وقريب منهما غيرهما.

[١] كما في الجواهر مرسلا له إرسال المسلمات. وكأنه لإطلاق الأدلة.

نعم قد يشكل في الجاهل القاصر ، بناء على صلاحية حديث : ( رفع ما لا يعلمون ) (٢) لإثبات الصحة. لكن المبنى ضعيف ، لأن الحديث الشريف رافع ، لا مثبت ، فلا يصلح لإثبات صحة الباقي.

وأما ما قيل : من أن الجمع بينه وبين دليل وجوب الباقي يقتضي ذلك. ففيه : أن الحديث المذكور ليس في مرتبة الأدلة الواقعية ، كي تلحظ النسبة بينها ، لأن المفروض كونه حكماً ظاهرياً ، وهو في غير مرتبة الواقع وإلا لزم انتفاء الشك بالواقع ، وهو خلف. ولا تصح مقايسة المقام بما لو قام دليل على نفي جزئية المشكوك ، فإنه يدل على صحة الباقي ، مع أنه كحديث الرفع رافع في مقام الشك. وذلك للفرق بين المقامين ، لأن الدليل مثبتة حجة ، فهو يصلح للإثبات ، وهذا الأصل مثبتة ليس بحجة.

وإن شئت قلت : بعد ما كان المفروض أن الوجوب على تقديره ارتباطي ، فهو كما يتلازم في مقام الثبوت والسقوط واقعاً ، كذلك يتلازم في مقام السقوط والثبوت ظاهراً ، فرفعه في مقام الظاهر بالنسبة إلى المجهول رفع بالنسبة إلى غيره ، وإلا كان خلفاً.

ومن ذلك يظهر أنه لا مجال للتمسك بحديث الرفع لنفي شرطية أو جزئية مشكوك الشرطية أو الجزئية في العقود والإيقاعات.

[٢] أما الأول فلا خلاف فيه ـ كما في الجواهر ـ مستدلا له بالأصل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٧ من أبواب الاعتكاف حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٥٦ من أبواب جهاد النفس.

٥٥٢

______________________________________________________

وحديث رفع التسعة ، وانصراف ما دل على الشرطية إلى غيره ، ولو لاشتماله على النهي المتوجه إلى غيره.

وفيه : أن الأصل لا مجال له مع إطلاق الأدلة. وحديث الرفع قد عرفت أنه لا يصلح لإثبات صحة الناقص بعد ما كان التكليف ارتباطياً ، وأن الحديث ناف لا مثبت. والانصراف الذي ادعاه ممنوع. وعدم صحة توجيه الخطاب إليه لا يمنع عن ثبوته في الجملة الكافي في تحقق البطلان. ولا فرق في ذلك بين ناسي الحكم ، وناسي الاعتكاف ، وناسي كون حد المسجد ما تجاوز عنه.

ودعوى : أنه لا يبعد شمول الحديث له بملاحظة صحيح البزنطي عن أبي الحسن (ع) : « في الرجل يستكره على اليمين ، فيحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك ، أيلزمه ذلك؟ فقال (ع) : لا. قال رسول الله (ص) : وضع عن أمتي ما أكرهوا عليه ، وما لم يطيقوا ، وما أخطأوا » (١). فان النسيان وإن لم يكن أحد الثلاثة ، إلا أن الظاهر أن المراد بحديث رفع التسعة هو المراد بالحديث المذكور ، وحينئذ يدل الصحيح على أن المراد بحديث الرفع عموم الرفع للتكليف والوضع ، فيدل على عدم سببية المنسي وعلى عدم شرطيته أو جزئيته إذا كان المنسي سبباً أو شرطاً أو جزءاً ، وعلى عدم مانعيته أو قاطعيته إذا كان مانعاً أو قاطعاً ، فاذا دل على عدم قاطعية الخروج فقد دل على الصحة ، لأن البطلان إنما حصل من القاطعية وهي منتفية.

مندفعة : بأن القاطعية إنما تكون منتزعة من الأمر بالمقيد بعدم القاطع فرفعها إنما يكون برفع الأمر بالمقيد ، وذلك لا يقتضي ثبوت الأمر بذات المقيد مطلقاً ، كي يصح حتى مع وجود القاطع. وكذا حال بقية الأحكام‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب الأيمان حديث : ٨.

٥٥٣

وكذا لو خرج لضرورة [١] عقلا ، أو شرعاً ، أو عادة ، كقضاء الحاجة ـ من بول أو غائط ـ أو للاغتسال من الجنابة‌

______________________________________________________

الوضعية ، فإن شرطية القبض لبيع الصرف منتزعة من جعل الأثر للعقد الواقع معه القبض ، فاذا فات القبض عن إكراه فحديث الرفع إنما يقتضي رفع الأثر عن المقيد ، لا أنه يقتضي ثبوته للمطلق. ولذا لم يكن بناء الأصحاب على صحة العقود أو الإيقاعات عند فوات ما يعتبر فيها إذا كان فواته نسياناً أو إكراهاً أو اضطراراً. فلاحظ.

وبالجملة : انتفاء أثر الفعل الصادر نسياناً لا يقتضي ترتب الأثر على الاعتكاف الناقص ، ومقتضى إطلاق الدليل القادحية العدم.

وأما الثاني فجعله في الشرائع بحكم الطائع في قدح خروجه ، لإطلاق الأدلة. وعن التذكرة : العدم ، إلا مع طول الزمان. واستدل له في الجواهر : بظهور أدلة المنع في غيره. خصوصاً بملاحظة ما دل على الرخصة في الخروج للحاجة ونحوها مما هو أسهل بمراتب من الإكراه. لكن عرفت الإشكال في الأول. وأما الثاني فغير بعيد ، بل قد يقال : بأن دفع الضرر المتوعد عليه المكره من أعظم الحوائج وأهمها ، فيشمله ما دل على جواز الخروج للحاجة.

وعن المدارك : الاستدلال له بالأصل ، وحديث رفع الإكراه ، وعدم توجه النهي إلى هذا الفعل. لكن الأول لا يعارض الدليل. والحديث قد عرفت حاله. وعدم توجه النهي لا يقتضي الصحة ، كما هو ظاهر. نعم ربما يستفاد مما يأتي في الخروج لضرورة أو حاجة.

[١] المذكور في صحيح الحلبي وابن سرحان : « لا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد إلا لحاجة لا بد منها » (١) ، وقد تقدم ما في صحيح ابن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٧ من أبواب الاعتكاف حديث : ٢ ، ١.

٥٥٤

أو الاستحاضة ونحو ذلك. ولا يجب الاغتسال في المسجد وإن أمكن من دون تلويث ، وإن كان أحوط [١]. والمدار على‌

______________________________________________________

سرحان الآخر (١) وفي موثق ابن سنان : « ولا يخرج المعتكف من المسجد إلا في حاجة » (٢) ومقتضى وجوب حمل المطلق على المقيد اعتبار لزوم الحاجة. نعم في صحيح الحلبي جواز الخروج للجنازة ، وعيادة المرضى ، ومثله في الأول صحيح ابن سنان (٣) والتعدي عنهما الى كل راجح شرعاً غير ظاهر ، وان كان هو ظاهر بعض الأعاظم ، بل لعله ظاهر الأكثر حيث جوزوا الخروج لتشييع المؤمن.

وأما ما في خبر ابن ميمون ، من خروج الحسن (ع) لقضاء حاجة المؤمن ، فقال له : « يا ابن رسول الله (ص) أنسيت اعتكافك ) فقال (ع) : له : لم أنس ، ولكني سمعت أبي بحديث عن جدي رسول الله (ص) أنه قال : من سعي في حاجة أخيه المؤمن فكأنما عبد الله تعالى تسعة آلاف سنة صائماً نهاره قائماً ليله » (٤) فلا يدل على عدم منافاة ذلك الخروج للاعتكاف بل من الجائز أن يكون (ع) بنى على نقض اعتكافه. وبالجملة : لا دليل ظاهر يدل على جواز الخروج للحاجة الراجحة ديناً أو دنياً.

[١] تحفظاً باستدامة اللبث. لكن عن المدارك : أنه قد أطلق جماعة المنع ، لما فيه من الامتهان المنافي للاحترام. ويحتمل الجواز ، كما في الوضوء والغسل المندوب. واستشكل فيه في الجواهر : بأنه مستلزم لللبث المحرم ، فيجب لأجله الخروج ، وبه يفرق بين الوضوء والغسل المندوب. وهو في محله.

__________________

(١) تقدم ذلك قريباً في أوائل الأمر الثامن.

(٢) تقدم ذلك قريباً في أوائل الأمر الثامن.

(٣) الوسائل باب : ٧ من أبواب الاعتكاف حديث : ٦.

(٤) الوسائل باب : ٧ من أبواب الاعتكاف حديث : ٤.

٥٥٥

صدق اللبث ، فلا ينافيه خروج بعض أجزاء بدنه [١] من يده أو رأسه أو نحوهما.

( مسألة ١ ) : لو ارتد المعتكف في أثناء اعتكافه بطل [٢] وإن تاب بعد ذلك ، إذا كان ذلك في أثناء النهار ، بل مطلقاً على الأحوط [٣].

( مسألة ٢ ) : لا يجوز العدول بالنية من اعتكاف إلى غيره [٤] وإن اتحدا في الوجوب والندب ، ولا عن نيابة ميت إلى آخر أو إلى حي ، أو عن نيابة غيره إلى نفسه ، أو العكس.

______________________________________________________

نعم لو توقف الاغتسال في خارج المسجد على لبث في المسجد زائداً على ما يحصل بالاغتسال في المسجد وجب حينئذ الاغتسال في المسجد ، فلو خالف أثم من جهة اللبث الزائد ، وبطل اعتكافه. كما أنه لو أمكن الاغتسال في حال الخروج بلا لبث محرم جاز إيقاعه في المسجد ، بل لعله يجب.

[١] كما عن المعتبر والمنتهى. وعن المسالك : منافاة خروج الجزء له كالكل. ولكنه ممنوع.

[٢] لما قد عرفت : من أن الاعتكاف من العبادات حدوثاً وبقاء ، والكفر مانع عن صحة التعبد. وما عن الشيخ (ره) من عدم البطلان غير ظاهر ، كما سبق.

[٣] كأنه لأجل خلاف الشيخ لم يثبت عند المصنف (ره) كونه عبادة مطلقاً. وأما البطلان لو كان في أثناء النهار فمن جهة بطلان الصوم ، فإنه يبطل بالارتداد بلا خلاف. ولو أن الشيخ (ره) خص عدم البطلان بالارتداد في الليل لأمكن ابتناؤه على مذهبه ، من عدم دخول الليل في الاعتكاف.

[٤] إذ صحة المعدول اليه خلاف الأصل ، لاعتبار النية في العبادة‌

٥٥٦

( مسألة ٣ ) : الظاهر عدم جواز النيابة عن أكثر من واحد في اعتكاف واحد [١]. نعم يجوز ذلك بعنوان إهداء الثواب ، فيصح إهداؤه إلى متعددين أحياء ، أو أمواتاً ، أو مختلفين.

( مسألة ٤ ) : لا يعتبر في صوم الاعتكاف أن يكون لأجله [٢] ، بل يعتبر فيه أن يكون صائماً أي صوم كان ،

______________________________________________________

حدوثاً وبقاء ، كما أشرنا إليه في مواقيت الصلاة. وفي الجواهر ـ بعد ما حكى عن أستاذه في بغية الطالب الجزم بعدم جواز العدول كما في المتن ـ قال (ره) : « ولا يخلو عن إشكال ». ووجهه غير ظاهر.

[١] لعدم الدليل على قبول الفعل للاشتراك ، والأصل عدم المشروعية. اللهم إلا أن يستفاد من قول الصادق (ع) ـ في بعض أخبار تشريع النيابة في العبادة ـ : « يصلي عنهما ، ويتصدق عنهما ، ويحج عنهما ، ويصوم عنهما فيكون الذي صنع لهما ، وله مثل ذلك » (١) وحمله على إرادة أنه يصلي عن كل منهما بانفراده خلاف الظاهر. ومثله : رواية علي بن أبي حمزة : « قلت لأبي إبراهيم (ع) : أحج ، وأصلي ، وأتصدق عن الأحياء والأموات من قرابتي وأصحابي؟ قال (ع) : نعم » (٢). ونحوهما غيرهما.

اللهم إلا أن يكون المقصود من السؤال السؤال عن أصل مشروعية النيابة ، ولا نظر فيه إلى ما هو محل الكلام ، فيتعين الرجوع فيه الى الأصل لعدم مشروعية النيابة على نحو الاشتراك. بل لعل ذلك نفسه دليل على العدم لأن مقتضى الإطلاق المقامي الرجوع إلى العرف في ذلك. فلاحظ.

[٢] بلا خلاف أجده فيه ، بل عن المعتبر : أن عليه فتوى علمائنا‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب قضاء الصلوات حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب قضاء الصلوات حديث : ٩.

٥٥٧

فيجوز الاعتكاف مع كون الصوم استئجارياً ، أو واجباً من جهة النذر ونحوه. بل لو نذر الاعتكاف يجوز له بعد ذلك أن يؤجر نفسه للصوم ويعتكف في ذلك الصوم [١]. ولا يضره وجوب الصوم عليه بعد نذر الاعتكاف ، فإن الذي يجب لأجله هو الصوم الأعم من كونه له أو بعنوان آخر ،

______________________________________________________

ـ كذا في الجواهر ـ لإطلاق الأدلة. ولصريح النصوص الحاكية لاعتكاف النبي (ص) في شهر رمضان (١).

[١] لأن النذر لا يغير المنذور عما هو عليه ، ولا يصلح لتشريع ما لم يشرع ، ولا يمنع عن تشريع ما هو مشرع. فاذا كانت قيدية الصوم للاعتكاف لا تمنع عن صحة الإتيان به بعنوان الإجارة عن الغير ، فاذا تعلق النذر بالاعتكاف لم يخرج الصوم عما كان عليه ، فيجوز أن يؤجر نفسه للصوم ويعتكف وفاء بالنذر ، كما يجوز غير ذلك أيضاً. وبالجملة : كلما كان جائزاً لو لا النذر فهو جائز بعده.

ولا فرق فيما ذكرنا بين أن يؤجر نفسه أولا ثمَّ ينذر الاعتكاف صائما فيصوم للإجارة ويعتكف وفاء للنذر ، وبين أن ينذر أولا ثمَّ يؤجر نفسه للصوم فيصوم للإجارة معتكفاً وفاء بنذره. كما لا فرق بين أن يكون المنذور الاعتكاف في أيام معينة ، وبين أن يكون مطلقاً ، فيجوز في كل منهما إيجار نفسه للصوم قبله وبعده.

وما يقال : من أنه إذا نذر الاعتكاف في أيام معينة فقد وجب الصوم فيها من باب المقدمة ، فيمتنع أن يؤجر نفسه للصوم فيها. مندفع : بما أشار إليه المصنف (ره) : من أن الواجب للمقدمية ليس خصوص الصوم للاعتكاف ، بل مطلق الصوم ولو للإجارة نيابة عن الغير ، فيجب عليه‌

__________________

(١) راجع أول الفصل.

٥٥٨

بل لا بأس بالاعتكاف المنذور مطلقاً في الصوم المندوب [١] الذي يجوز له قطعه [٢] ، فان لم يقطعه تمَّ اعتكافه ، وإن قطعه انقطع [٣] ووجب عليه الاستئناف.

______________________________________________________

في الأيام المذكورة أن يصوم نيابة عن الغير للإجارة أو للتبرع ، أو عن النفس قضاء أو كفارة أو ندباً أو غير ذلك ، ويكون الحال كما لو نذر أن يكون صائماً في أيام رجب بأي عنوان كان ـ وفاء للإجارة ، أو للنذر المطلق ، أو قضاء ، أو كفارة ، أو غير ذلك ـ فإنه بالنذر يجب أن يوقع الصوم في رجب لأحد العناوين المذكورة. ولا تنافي بين كون الصوم مندوباً بعنوانه الأولي ، وواجباً بعنوان النذر ، فيدعو الأمر الوجوبي الى إطاعة الأمر الندبي.

ومن ذلك كله يظهر ضعف ما عن التذكرة. من أنه لو نذر اعتكاف ثلاثة أيام وجب عليه الصوم بالنذر ، لأن ما لا يتم الواجب إلا به يكون واجباً. اللهم إلا أن يريد به أنه يكون واجباً في الجملة ، لا أنه يجب إتيانه للنذر لا غير.

كما يظهر أيضا ضعف ما عن المسالك : من الجزم بالمنع من جعل صوم الاعتكاف المنذور مندوباً ، للتنافي بين وجوب المضي على الاعتكاف الواجب وجواز قطع الصوم المندوب. فإن ندبية الصوم من قبيل الموضوع للنذر ، فكيف تزول به؟! والوجوب ليس في عرض الندب ، ليمتنع اجتماعهما للتضاد ، بل في طوله. فتأمل جيداً.

[١] الظرف متعلق بالاعتكاف.

[٢] يعني : قطع الصوم.

[٣] هذا في اليومين الأولين. أما في الثالث فلا يجوز ، كما سيأتي.

٥٥٩

( مسألة ٥ ) : يجوز قطع الاعتكاف المندوب في اليومين الأولين [١] ، ومع تمامهما يجب الثالث. وأما المنذور فان كان معيناً فلا يجوز قطعه مطلقا [٢] ، وإلا فكالمندوب [٣].

______________________________________________________

[١] كما في الشرائع ، وعن المدارك وجمع من المتأخرين ، بل قيل : إنه الأشهر. ويشهد له صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) : « إذا اعتكف الرجل يوماً ولم يكن اشترط ، فله أن يخرج ، وأن يفسخ الاعتكاف وان أقام يومين ولم يكن اشترط فليس له أن يفسخ اعتكافه حتى تمضي ثلاثة أيام » (١).

وعن الشيخ والحلبي وابن زهرة : عدم الجواز مطلقاً ، وعن الأخير دعوى الإجماع عليه. لما دل على حرمة إبطال العمل. ولما دل على وجوب الكفارة بالوقاع قبل تمام ثلاثة أيام. وفيه : أن الأول ـ لو تمَّ الاستدلال به على ما نحن فيه ـ لا يصلح لمعارضة الصحيح. والثاني ليس ظاهراً في المنع عن القطع إلا من جهة الملازمة بين وجوب الكفارة وحرمته ، لكنها ممنوعة. ولذا قال في محكي التذكرة : « لا استبعاد في وجوب الكفارة في هتك الاعتكاف المستحب ». ولو سلمت الملازمة فالصحيح المتقدم مقيد لإطلاق دليل الكفارة ، حملا للمطلق على المقيد.

وعن السيد (ره) والحلي والمعتبر والمختلف والمنتهى وغيرها : جواز القطع مطلقاً. للأصل. وعدم الفرق بين اليومين الأولين واليوم الثالث. ولاستصحاب عدم جواز المضي. والجميع ـ كما ترى ـ لا يصلح لمعارضة ما سبق.

[٢] لئلا تلزم مخالفة النذر.

[٣] لما عرفت : من أن النذر لا يغير المنذور عما هو عليه. وما يظهر من الشرائع ـ من وجوب المضي بمجرد الشروع فيه ـ غير ظاهر.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب الاعتكاف حديث : ١.

٥٦٠