مستمسك العروة الوثقى - ج ٨

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٨

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٤

يوم [١] إذا كان عليه أيام ، كشهر أو أقل أو أكثر.

( مسألة ١٦ ) : يوم الشك في أنه من شعبان أو رمضان يبني على أنه من شعبان ، فلا يجب صومه [٢]. وإن صام ينويه ندباً [٣] ،

______________________________________________________

يقتضيه ظاهر النبوي المتقدم ، المتضمن وجوب تبييت النية (١). لكنه ـ على تقدير حجيته ، وعدم قدح تخصيص الأكثر فيه ، لخروج غير الواجب المعين ، بل الواجب المعين في غير العمد ، ولا إعراض القدماء عنه ـ قد عرفت أنه لا يبعد حمله على عدم جواز انعقاده بلا نية.

ثمَّ إن هذا الخلاف جار على ما هو المشهور من كون النية الاخطار. أما بناء على أنها الداعي فلا مجال للخلاف المذكور ، لأنه إن تحقق الداعي حال الصوم صح وإن حدث قبل أشهر ، وإن لم يتحقق لم يجد الاخطار في الليل ، فضلا عن أول الشهر.

[١] وفي الجواهر : « بلا خلاف أجده ، بل في الدروس : الإجماع عليه ». أقول : عرفت المراد بالنية. وعليه فلا فرق بين رمضان وغيره إلا أن يكون إجماع على الفرق المذكور.

[٢] بلا خلاف ولا اشكال. ويكفي فيه الأصل. مع استفاضة النصوص بذلك ، بل دلالة بعضها على المنع عن صومه.

[٣] فان الظاهر أنه لا إشكال في مشروعية صومه في الجملة ، بل عن صريح جماعة وظاهر الآخرين : الإجماع عليه وتدل عليه النصوص الكثيرة ، المتضمنة أنه يصام على أنه من شعبان ، ففي موثق سماعة : « قلت لأبي عبد الله (ع) .. إلى أن قال (ع) : إنما يصام يوم الشك‌

__________________

(١) راجع أول المسألة : ١٢ من هذا الفصل.

٢٢١

أو قضاء [١] ، أو غيرهما. ولو بان بعد ذلك أنه من رمضان أجزأ عنه [٢] ،

______________________________________________________

من شعبان ، ولا يصومه من شهر رمضان » (١). وأما ما تضمن النهي عن صومه ، كخبر الأعشى عن الصادق (ع) : « نهى رسول الله (ص) عن صوم ستة أيام : العيدين ، والتشريق ، والذي يشك فيه من رمضان .. » (٢) ـ ونحوه غيره ـ فمحمول على صيامه على أنه من شهر رمضان ، جمعاً بينه وبين مثل موثق سماعة.

وربما حمل على الكراهة ، كما عن المفيد. وهو غير ظاهر بعد تضمن النصوص الأمر بصومه على أنه من شعبان. نعم لا يبعد ذلك في خبر عبد الكريم بن عمرو. قال : « قلت لأبي عبد الله (ع) : إني جعلت على نفسي أن أصوم حتى يقوم القائم ، فقال (ع) : لا تصم في السفر ، ولا العيدين ، ولا أيام التشريق ، ولا اليوم الذي يشك فيه » (٣). لكن يتعين تخصيصه بمورده لا غير.

[١] لإطلاق نصوصه ، إذ صومه على أنه من شعبان كما يمكن أن يكون بنية الندب يمكن أن يكون بنية القضاء. اللهم إلا أن يدعى : أن المنصرف من صومه على أنه من شعبان صومه بنية صوم شعبان المندوب لا غير. لكنه ليس بنحو يعتد به. مع أنه يمكن التعدي عن مورده في نظر العرف.

نعم لو لم يتم هذا فالوجه في جواز الجميع ـ مضافاً إلى ظهور الاتفاق ـ : إطلاق أدلة مشروعيتها.

[٢] إجماعاً مستفيض النقل أو متواتراً ، كالنصوص. بل في كثير‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب وجوب الصوم ونيته حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٦ من أبواب وجوب الصوم ونيته حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٦ من أبواب وجوب الصوم ونيته حديث : ٣.

٢٢٢

ووجب عليه تجديد النية إن بان في أثناء النهار [١] ، ولو كان بعد الزوال. ولو صامه بنية أنه من رمضان لم يصح وإن صادف الواقع [٢].

______________________________________________________

منها : أنه يوم وفق له ، وأنه يجزئ بما وسع الله تعالى على عباده ، ونحو ذلك (١).

ثمَّ إن تمَّ وفاء نصوص يوم الشك بمشروعية كل صوم تمت دلالتها أيضاً على الاجزاء ، وإن لم يتم كما أشرنا إليه ـ فإلحاق غير صوم شعبان به في الاجتزاء محتاج إلى دعوى الإجماع على عدم الفصل ، أو دعوى الأولوية. وأما التعليل في رواية الزهري : بأن الفرض وقع على اليوم بعينه ، فمقتضاه الاجزاء ولو مع العلم ، مع أنه فيها قد نفى الاجزاء معه ، كما أشرنا الى ذلك آنفاً.

[١] لقصور النصوص عن صورة الانكشاف في الأثناء ، فإلحاقها إنما كان بالإجماع ، أو الأولوية ، والمتيقن منهما صورة التجديد. ومنه يظهر ضعف ما في الجواهر : من عدم وجوب التجديد. ومن أن إطلاق النص والفتوى يقتضي الاجتزاء ولو مع عدم تجديد النية. نعم قد يوهم تعليل الاجزاء في رواية الزهري الاجتزاء مطلقاً. لكنه ينافيه الحكم بعدم الاجزاء في صورة العلم ، كما سبق.

[٢] كما هو المشهور ، كما في الجواهر. للأخبار المتضمن بعضها للنهي عن صومه كذلك ، الظاهر في الحرمة التكليفية المقتضية للبطلان ، مثل موثق سماعة المتقدم (٢) ـ ونحوه روايتا الزهري (٣) ـ والمصرح بعضها بلزوم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب وجوب الصوم ونيته.

(٢) تقدم ذلك قريباً.

(٣) الوسائل باب : ٥ من أبواب وجوب الصوم ونيته حديث : ٨ ، وباب : ٦ من أبواب وجوب الصوم ونيته حديث : ٤.

٢٢٣

( مسألة ١٧ ) : صوم يوم الشك يتصور على وجوه : الأول : أن يصوم على أنه من شعبان. وهذا لا إشكال فيه ،

______________________________________________________

قضائه ، كصحيح هشام بن سالم عن أبي عبد الله (ع) : « قال (ع) في يوم الشك : من صامه قضاه وإن كان كذلك ـ يعني : من صامه على أنه من شهر رمضان قضاه وإن كان من شهر رمضان ـ لأن السنة جاءت في صيامه على أنه من شعبان ، ومن خالفها كان عليه القضاء » (١). واحتمال أن قوله « يعني .. » من كلام الشيخ أو بعض الرواة لا يقدح في الاستدلال به ، لأن ما قبله كاف في الدلالة ، لأن قوله (ع) : « وإن كان كذلك » إنما يصح إذا أريد أن صيامه كان بنية رمضان ، إذ لو أريد غيره لم يكن لقوله (ع) : « وإن كان كذلك » معنى. فتأمل.

نعم لا يتم ذلك في صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (ع) : « في الرجل يصوم اليوم الذي يشك فيه من رمضان. فقال (ع) : عليه قضاؤه وإن كان كذلك » (٢) ، بناء على أن قوله : « من رمضان » متعلق بقوله : « يشك » لا بقوله : « يصوم ». لكن لا بد حينئذ من حمله ـ كغيره من المطلقات ـ على ما ذكر ، جمعاً كما أشرنا إليه سابقاً.

هذا وعن الشيخ في البيان ، والعماني ، والإسكافي : إجزاؤه عن رمضان. وعن الشيخ : الاستدلال له بإجماع الفرقة وأخبارهم على أنه من صام يوم الشك أجزأه عن صيام شهر رمضان. ( انتهى ). وهو كما ترى. إذ الإجماع معلوم الانتفاء. والنصوص قد عرفت مفادها. نعم في موثق سماعة : « قال سألته عن اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان ، لا يدري أهو من شعبان أو من شهر رمضان ، فصامه فكان من شهر رمضان. قال (ع) :

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب وجوب الصوم ونيته حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٦ من أبواب وجوب الصوم ونيته حديث : ١.

٢٢٤

سواء نواه ندباً ، أو بنية ما عليه من القضاء أو النذر ، أو نحو ذلك. ولو انكشف بعد ذلك أنه كان من رمضان أجزأ عنه ، وحسب كذلك.

الثاني : أن يصومه بنية أنه من رمضان. والأقوى بطلانه وإن صادف الواقع.

الثالث : أن يصومه على أنه إن كان من شعبان كان ندباً أو قضاء مثلا ، وإن كان من رمضان كان واجباً. والأقوى بطلانه أيضاً [١].

______________________________________________________

هو يوم وفق له ولا قضاء عليه » (١) ومصحح معاوية بن وهب قال : « قلت لأبي عبد الله (ع) : الرجل يصوم اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان ، فيكون كذلك ، فقال (ع) : هو شي‌ء وفق له » (٢).

لكن عن الكافي رواية الأول هكذا : « فصامه ، فكان من شهر .. ». وهو ـ مع أنه أضبط ـ يتعين الاعتماد عليه في المقام ، لعدم مناسبته للذيل على رواية الشيخ (٣). وأما المصحح فان لم يكن الظاهر تعلق « من شهر رمضان » بـ « يشك » لأنه أقرب ، يتعين الحمل عليه ، جمعاً. مع أنه لو فرض تعذر الجمع بذلك ، تعين الطرح ، لإعراض المشهور. ولشهرة الرواية الدالة على البطلان.

[١] كما عن الشيخ (ره) في جملة من كتبه ، والحلي ، والمحقق ، وصاحب المدارك ، وأكثر المتأخرين ، بل عن التذكرة : « لو نوى أنه يصوم عن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب وجوب الصوم ونيته حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب وجوب الصوم ونيته حديث : ٥.

(٣) في رواية الشيخ (ره) : « فصامه من شهر رمضان .. » لاحظ التهذيب ج ٤ ص ١٨١ طبع النجف ، الاستبصار ج ٢ صفحة ٧٨ طبع النجف الأشرف.

٢٢٥

______________________________________________________

رمضان أو نافلة ، لم يجز إجماعاً ». لأنه لم ينو أحد السببين قطعاً ، والنية فاصلة بين الوجهين ، كما عن الشيخ. أو لما يستفاد من النصوص : من تعين نيته من شعبان ، فنيته على خلاف ذلك تشريع محرم ، فلا يتحقق به الامتثال ، كما عن المدارك. أو لأن حقيقة صوم رمضان غير حقيقة غيره كما يكشف عن ذلك اختلاف أحكامهما ، فإذا لم تعين حقيقة أحدهما فالنية ـ التي حقيقتها استحضار حقيقة الفعل المأمور به ـ لم يقع عن أحدهما ، كما ذكر شيخنا الأعظم (ره).

لكن الجميع لا يخلو من إشكال : أما الأول : فلأن الواقع لما لم يخل عن أحد التقديرين ، فنية كل على تقدير بعينه ترجع إلى نية كونه من شعبان لا غير إذا انكشف أنه من شعبان أو من رمضان لا غير إذا انكشف أنه من رمضان ، فالفاصل بين الوجهين محقق حينئذ. نعم لا جزم بالمنوي حال النية. إلا أنه لا دليل على قدحه في العبادة حتى مع إمكان الموافقة التفصيلية الظاهرية ، كما هو محقق في الأصول ، وأشرنا إلى وجهه في أوائل مسائل التقليد من هذا الشرح.

وأما الثاني : فلان الظاهر من الحصر في بعض النصوص كونه ظاهرياً إضافياً بلحاظ نيته من رمضان ، فلا يمنع من العمل على الواقع ، فالمرجع في الفرض لا بد أن يكون القواعد الأولية ، المقتضية للصحة ، وتشير إليها بعض النصوص ، كحسن بشير النبال عن أبي عبد الله (ع) : « سألته عن صوم يوم الشك. فقال (ع) : صمه فإن يك من شعبان كان تطوعاً ، وإن يك من شهر رمضان فيوم وفقت له » (١). وفي حسن الكاهلي : « قال سألت أبا عبد الله (ع) عن اليوم الذي يشك فيه من شعبان. قال (ع) : لأن أصوم يوماً من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوماً من‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب وجوب الصوم ونيته حديث : ٣.

٢٢٦

الرابع : أن يصومه بنية القربة المطلقة ، بقصد ما في الذمة ، وكان في ذهنه أنه إما من رمضان أو غيره ، بأن يكون الترديد في المنوي لا في نيته ، فالأقوى صحته [١]. وإن كان الأحوط خلافه.

______________________________________________________

شهر رمضان » (١). ونحوه خبر الزهري (٢).

وأما الثالث : فيظهر اندفاعه مما ذكر في الاشكال في الأول ، لرجوعه اليه. ومن هنا يظهر : أن الأقوى الصحة ، كما عن الخلاف ، والمبسوط. والوسيلة ، والمختلف ، والدروس ، وظاهر البيان وغيرها.

[١] لتحقق النية إلى الصوم المشروع واقعاً عن أمره ، وإنما التردد في عنوانه. أقوال : لم يتضح الفرق بين هذه الصورة وما قبلها. إذ المراد من القربة المطلقة إن كان هو الجامع بين الأمر بصوم شعبان والأمر بصوم رمضان ، فنيتها غير كافية ، لاعتبار ملاحظة الخصوصيات في الأمر والمأمور به في باب العبادات ، لتوقف الإطاعة عليها. وإن كان المراد الأمر الخاص وموضوعه الخاص بواقعهما ، مع التردد في خصوصياتهما في نظر المكلف ، بأن يقصد المكلف الصوم الخاص عن أمره الذي هو إما رمضان وجوباً أو شعبان ندباً ، رجع إلى الصورة السابقة بعينها. فلا وجه للفرق بينهما في‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب وجوب الصوم ونيته حديث : ١.

(٢) لم نعثر على رواية للزهري بمضمون حسن الكاهلي الراجع إلى إهمال كيفية النية لينفع فيما نحن فيه وانما الذي عثرنا عليه روايتين له ، أحدهما : ظاهرة في صوم يوم الشك تطوعاً ، وهي التي رواها في الوسائل باب : ٥ من أبواب وجوب الصوم ونيته حديث : ٨. والأخرى ظاهرة في صومه بعنوان شعبان ، والنهي عن صومه بنية رمضان ، وهي المروية في الوسائل باب : ٦ من أبواب وجوب الصوم ونيته حديث : ٤.

٢٢٧

( مسألة ١٨ ) : لو أصبح يوم الشك بنية الإفطار ، ثمَّ بان له أنه من الشهر. فان تناول المفطر وجب عليه القضاء ، وأمسك بقية النهار وجوباً [١] تأدباً. وكذا لو لم يتناوله ولكن كان بعد الزوال [٢]. وإن كان قبل الزوال ولم يتناول المفطر ،

______________________________________________________

الصحة والبطلان ، كما يظهر بأقل تأمل.

وأما ما قد يظهر من المتن : من كون السابقة من الترديد في النية ، واللاحقة من الترديد في المنوي ، فلا يرجع إلى محصل ظاهر ، وإن ذكره في نجاة العباد أيضاً. إذ الترديد في النية في مقابل الجزم بها ، وليس هنا كذلك ، للجزم بنية الصوم على كل تقدير. نعم لو نوى صومه من رمضان إن كان كذلك ، ولم ينو صومه من شعبان ، كان ترديداً في النية. ومع ذلك فلا دليل أيضاً على قدح مثله ، كالترديد في المنوي. إلا إذا كان موجباً لإبهامه وعدم تعينه واقعاً ، كما لو قصد أن يصوم يوم الشك إما من شعبان أو رمضان ، بلا تعليق على تقدير معين واقعاً. لكنه خارج عن الصورتين معاً.

كما أنه مما ذكرنا يظهر لك ضعف ما يظهر من إطلاق بعض الفتاوى : من البطلان أيضاً في الفرض. فتأمل جيداً.

[١] إجماعاً ، كما عن الخلاف. بل عن المنتهى ، والذكرى : « لا نعلم أحداً قال بأنه يأكل بقية يومه ، إلا عطا وأحمد في رواية ». ويشهد به : النبوي الوارد في ثبوت الهلال يوم الشك : « من أكل فليمسك » (١). ولعل هذا المقدار كاف في إثبات الوجود المذكور ، ولا سيما بملاحظة ما ورد في حرمة استعمال المفطر ممن وظيفته الصوم. وأيضاً الظاهر أن حكمه في الكفارة حكم من استعمل المفطر بعد الإفطار ، كما سيأتي.

[٢] لما عرفت من انتهاء وقت النية في مثله بالزوال.

__________________

(١) تقدم ذلك في المسألة : ١٢ من هذا الفصل.

٢٢٨

جدد النية وأجزأ عنه [١].

( مسألة ١٩ ) : لو صام يوم الشك بنية أنه من شعبان ـ ندباً أو قضاء أو نحوهما ـ ثمَّ تناول المفطر نسياناً ، وتبين بعده أنه من رمضان ، أجزأ عنه أيضاً ، ولا يضره تناول المفطر نسياناً [٢] ، كما لو لم يتبين ، وكما لو تناول المفطر نسياناً بعد التبين.

( مسألة ٢٠ ) : لو صام بنية شعبان ، ثمَّ أفسد صومه ـ برياء ونحوه لم يجزه عن رمضان [٣] وإن تبين له كونه منه قبل الزوال.

( مسألة ٢١ ) : إذا صام يوم الشك بنية شعبان ، ثمَّ نوى الإفطار ، وتبين كونه من رمضان قبل الزوال قبل أن يفطر ، فنوى ، صح صومه [٤]. وأما إن نوى الإفطار في يوم من شهر رمضان عصياناً ، ثمَّ تاب فجدد النية قبل الزوال لم ينعقد صومه [٥]. وكذا لو صام يوم الشك بقصد واجب معين ، ثمَّ نوى الإفطار عصياناً. ثمَّ تاب فجدد النية ، بعد تبين كونه من رمضان ، قبل الزوال [٦].

______________________________________________________

[١] كما تقدم في المسألة الثانية عشرة.

[٢] لما سيأتي : من عدم قدح ذلك في الصوم.

[٣] لبطلانه بالرياء المفسد ، كما أشرنا إلى ذلك في المسألة الثالثة عشرة‌

[٤] كما لو لم يكن قد نوى الصوم أصلا.

[٥] لفوات النية عمداً ، الموجب للبطلان في الواجب المعين ، على ما سبق.

[٦] يمكن القول بالصحة ، لأن نية الإفطار إنما كانت تجرياً محضاً ،

٢٢٩

( مسألة ٢٢ ) : لو نوى القطع أو القاطع في الصوم الواجب المعين بطل صومه [١] ، سواء نواهما من حينه ، أو‌

______________________________________________________

لعدم صحة الصوم الذي نواه من أول الأمر ، لما تقدم : من أنه لا يصح في رمضان غيره. فاذا جدد النية بعد تبين أن اليوم من رمضان ، يكون كما لو أصبح بنية الإفطار ثمَّ تبين قبل الزوال كون اليوم من رمضان ، الذي تقدم في المسألة الثامنة : أنه يجدد النية بعد التبين قبل الزوال ، ويصح صومه. ومجرد نيته للصوم المعين ـ الذي لا يصح واقعاً ـ لا يصلح فارقاً بين المسألتين.

[١] ينبغي أن يكون حكم نية القطع ـ وهو رفع اليد عما تلبس به من الصوم ـ ونية القاطع ـ وهو فعل أحد المفطرات الآتية ـ حكم نية الإفطار ، فإذا تمَّ الدليل على اعتبار النية من طلوع الفجر الى الغروب في صحة الصوم كانت نية القطع أو القاطع منافية لها ، فيبطل الصوم لفوات شرطه. وإن لم يتم الدليل على ذلك فلا موجب للبطلان بحدوث نية القطع أو القاطع. ولا فرق في ذلك بين المنوي الحالي والاستقبالي.

ودعوى : أن نية الثاني غير منافية لنية الصوم فعلا ، فلا موجب للبطلان. مندفعة : بأنهما إنما لا ينافيان نية الصوم إلى زمان القطع أو القاطع المنوبين ، لا نية الصوم المأخوذ موضوعاً للحكم الشرعي ، الذي هو الإمساك إلى الغروب ، إذ من الواضح منافاتها لها ، لتنافي متعلقهما. والمعتبر من النية ـ في الصوم وغيره من العبادات ـ هي الثانية ، فإذا انتفت بطل الصوم.

نعم قد يظهر من التعبير بنية المفطر أو القاطع : استناد الإفطار إلى فعل المفطر أو القاطع ، لا إلى النية. وبناء على ما ذكرنا يستند إلى النية ، إذ قد لا يتحقق استعمال المفطر بعد ذلك ، ولو تحقق استند الإفطار إلى أسبق العلل. لكن لا يخفى : أن التعبير المذكور بلحاظ أصل ماهية الصوم‌

٢٣٠

فيما يأتي. وكذا لو تردد [١]. نعم لو كان تردده من جهة الشك في بطلان صومه وعدمه لعروض عارض ، لم يبطل [٢] وإن استمر ذلك إلى أن يسأل. ولا فرق في البطلان بنية القطع أو القاطع أو التردد بين أن يرجع إلى نية الصوم قبل الزوال أم لا [٣]. وأما في غير الواجب المعين فيصح لو رجع قبل الزوال [٤].

( مسألة ٢٣ ) : لا يجب معرفة كون الصوم هو ترك‌

______________________________________________________

فإن المنافي للماهية استعمال نفس المفطر ، أما فوات النية فإنما ينافي الماهية الصحيحة ، لأنها بحكم الشرط ، لا أصل الماهية ، لخروجها عن حقيقته حقيقة وحكماً ، كما عرفت.

هذا وقد عرفت في كتاب الصلاة : أن نية الزيادة أو النقيصة قد لا تنافي نية الأمر والمأمور به إذا كان التشريع في التطبيق. وفي المقام يكون الأمر كذلك ، وقد يكون من نية غير المأمور به.

ثمَّ إن نية المفطر إنما تكون منافية لنية الصوم مع الالتفات إلى مفطريته أما إذا لم يكن ذلك فلا تكون منافية لها.

[١] فان التردد مضاد للنية ، كنية القطع ، فيجري عليه حكمها. نعم إذا كان التردد على نحو لا ينافي قصد الصوم ولو رجاء لم يبطل.

[٢] كما نص عليه جماعة. لأن التردد المذكور راجع إلى نية الصوم على تقدير صحته ، وهو كاف في نية العبادة ، كما في الصوم الاحتياطي.

[٣] لما عرفت : من اعتبار النية من طلوع الفجر إلى الغروب في الواجب المعين.

[٤] لعدم اعتبار النية فيه قبل الزوال ، على ما سبق الكلام فيه.

٢٣١

المفطرات مع النية ، أو كف النفس عنها معها [١].

( مسألة ٢٤ ) : لا يجوز العدول من صوم إلى صوم [٢] واجبين كانا أو مستحبين ، أو مختلفين. وتجديد نية رمضان إذا صام يوم الشك بنية شعبان ليس من باب العدول ، بل‌

______________________________________________________

[١] هذا إذا كان قد قصده مطلقاً ، لتحقق الموافقة القطعية على نحو العبادة. نعم لو اعتبرت الموافقة التفصيلية في صحة العبادة ـ كما لعله المشهور. ولأجله بني على بطلان عبادة تارك طريقي الاجتهاد والتقليد وإن طابقت الواقع ـ كانت معرفة معنى الصوم منهما لازمة. إلا أن التحقيق : عدم اعتبارها ، كما أشرنا إليه في مسائل التقليد من هذا الشرح.

[٢] فإنه على خلاف الأصل. ومجرد ثبوته بالدليل في الصلاة أو غيرها غير كاف في إثباته مطلقاً ، بل اللازم الاقتصار على المقدار الثابت لا غير ، والرجوع في غيره إلى أصالة عدم صحة المعدول اليه.

نعم يختص ذلك بما بعد زمان انعقاده ، فالواجب المعين ينعقد عند طلوع الفجر ، فلا يجوز العدول اليه بعده ، والواجب غير المعين ينعقد عند الزوال ، فلا يعدل اليه بعده ، والمستحب ينعقد عند الغروب ، فلا يعدل اليه بعده. أما قبل زمان انعقاده ـ كما لو عدل إلى واجب غير معين قبل الزوال ـ فلا مانع منه. إذ العدول عنه إن كان غير معين فلا تعينه النية قبل الزوال ، لعدم تعينه حينئذ ، فلا مانع من العدول بالنية إلى غيره. وإن كان معيناً فنية العدول كنية المفطر مفسدة له ، فلا مانع من تجديد النية لغيره أيضاً. ولعل عبارة المصنف منزلة على ذلك. وإلا فاشكالها ظاهر.

وبالجملة : جواز العدول تابع لوقت التجديد ، ففي كل وقت يجوز تجديد النية يجوز العدول ويصح ، وكل وقت فات تجديد النية فيه للمعدول اليه لم يجز العدول فيه.

٢٣٢

من جهة أن وقتها موسع لغير العالم به إلى الزوال [١].

فصل

فيما يجب الإمساك عنه في الصوم من المفطرات

وهي أمور :

الأول والثاني : الأكل والشرب [٢] ، من غير فرق في المأكول والمشروب بين المعتاد ـ كالخبز ، والماء ، ونحوهما ـ وغيرها ، كالتراب ، والحصى ، وعصارة الأشجار ، ونحوها [٣] ،

______________________________________________________

[١] لكن الذي تقدم : هو الاجتزاء به عن رمضان إذا ثبت الهلال ولو بعد الزوال إذا جدد النية. والتحديد بالزوال إنما هو فيما إذا لم ينو الصوم ، لا فيما إذا نواه من شعبان ، وإلا فهو من باب الاجتزاء ، لا من باب العدول. فالأولى دعوى : وجوب الاقتصار على مورده لا غير.

فصل

فيما يجب الإمساك عنه في الصوم من المفطرات‌

[٢] إجماعاً في الجملة. بل ادعي عليه الضرورة. ويشهد به الكتاب والسنة.

[٣] كما هو المشهور شهرة عظيمة ، بل عن الخلاف ، والغنية ، والسرائر ، والمختلف ، وظاهر المنتهى ، والتذكرة : الإجماع عليه. بل في محكي كلام السيد (ره) في المسائل الناصرية : نفي الخلاف فيه بين المسلمين إلا من الحسن بن صالح ، حيث قال : إنه لا يفطر. ثمَّ قال : « وهو‌

٢٣٣

ولا بين الكثير والقليل [١] ، كعشر حبة الحنطة ، أو عشر‌

______________________________________________________

مسبوق بالإجماع ، وملحق به ». وكفى بذلك دليلا على مفطرية ما ذكر بضميمة وضوح كونه من مرتكزات المتشرعة. ويشهد به أيضاً : النص الوارد في الغبار ، كما سيأتي (١).

وحينئذ فما عن السيد (ره) في بعض كتبه : من نفي المفطرية ـ وكذا عن ابن الجنيد ـ ضعيف. وإن أمكن الاستدلال له : بمنع صدق الطعام والشراب ـ المذكورين في صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (ع) : « لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال : الطعام ، والشراب والنساء ، والارتماس في الماء » (٢). وفي بعض طرقه : إبدال « ثلاث » بـ « أربع » على غير المتعارف ، فيقيد به إطلاق ما دل على لزوم الاجتناب عن الأكل والشرب من دون ذكر للمتعلق ، فإن إطلاقه الحاصل بحذف المفعول وإن كان يقتضي المنع عن كل ما يتعلق به الأكل والشرب ، لكنه مقيد بما ذكر.

مضافاً الى ما ورد في عدم الإفطار بالذباب إذا دخل الحلق ، معللا : إنه ليس بطعام (٣). ومثله : ما ورد في الكحل (٤). إلا أنه لا مجال لجميع ذلك بعد ما عرفت من تكرر دعوى الإجماع ، المعتضدة بارتكاز المتشرعة بعد ما عرفت. مع إمكان حملهما على المعنى المصدري. فتأمل.

[١] بلا خلاف ظاهر. لإطلاق الأدلة. والقلة والكثرة لا يوجبان الانصراف المعتد به.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١. ويأتي ذكره ـ إن شاء الله ـ في السادس من الأمور الذي يجب الإمساك عنه في الصوم.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٣٩ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١.

٢٣٤

قطرة من الماء ، أو غيرها من المائعات. حتى أنه لو بل الخياط الخيط بريقه أو غيره ، ثمَّ رده إلى الفم ، وابتلع ما عليه من الرطوبة ، بطل صومه [١]. إلا إذا استهلك ما كان عليه من الرطوبة [٢] بريقه على وجه لا يصدق عليه الرطوبة الخارجية [٣] وكذا لو استاك. وأخرج المسواك من فمه ، وكان عليه رطوبة ثمَّ رده إلى الفم ، فإنه لو ابتلع ما عليه بطل صومه ، إلا مع الاستهلاك على الوجه المذكور. وكذا يبطل بابتلاع ما يخرج من بقايا الطعام من بين أسنانه [٤].

______________________________________________________

[١] عندنا ، وهو قول أكثر الشافعية. كذا في محكي التذكرة. ويقتضيه. ما تقدم من الإطلاق.

[٢] كما نص عليه في الجواهر وغيرها.

[٣] يمكن دعوى عدم كفاية هذا المقدار ، بل يكفي في المنع عنه : صدق ريقه وريق غيره على نحو الامتزاج عليه ، ولا يعتبر صدق غير ريقه عليه ، ليكفي في الجواز عدم صدقه. ولذا قيده في الجواهر بقوله : « بحيث يعد ابتلاع ريقه لا غير ». لكن في تحقق الاستهلاك كذلك ـ مع الاتحاد في الجنس ـ إشكال فتأمل.

[٤] قولا واحداً عندنا ، كما في الجواهر. ويقتضيه : الإطلاق المتقدم. نعم قد ينافيه : ما في صحيح ابن سنان : « عن الرجل الصائم يقلس فيخرج منه الشي‌ء من الطعام ، أيفطر ذلك؟ قال (ع) : لا. قلت : فان ازدرده بعد أن صار على لسانه. قال (ع) : لا يفطره ذلك » (١).

ولأجله ناقش في الحدائق في الحكم المذكور. لكن ـ مع أنه لم يعرف عامل به في مورده ـ غير ما نحن فيه ، لإمكان أن يلحق ما يخرج بعد البلع‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٩.

٢٣٥

( مسألة ١ ) : لا يجب التخليل بعد الأكل لمن يريد الصوم وإن احتمل أن تركه يؤدي إلى دخول البقايا بين الأسنان في حلقه. ولا يبطل صومه لو دخل بعد ذلك سهواً [١] نعم لو علم أن تركه يؤدي إلى ذلك وجب عليه ، وبطل صومه على فرض الدخول.

( مسألة ٢ ) : لا بأس ببلع البصاق [٢] وإن كان كثيراً‌

______________________________________________________

حكم ما يخرج من الصدر ، فالتعدي منه الى المقام غير ظاهر.

[١] لاختصاص قدح استعمال المفطرات بصورة العمد ، كما سيأتي. نعم عن فوائد الشرائع هنا : وجوب القضاء خاصة لو قصر في التخليل فجرى بالريق إلى الجوف. ونفى عنه البأس في المسالك ، للتفريط الموجب للإلحاق بالعمد. ولكنه كما ترى ، لاختصاص ذلك بصورة العلم بالترتب ، كما هو الحال في العمد المعتبر في حسن العقاب وتحقق المعصية. ولا يكفي مجرد احتمال الترتب في صدقه جزماً.

اللهم إلا أن يقال : مقتضى الإطلاقات الأولية تحقق الإفطار به ، وما دل على عدم قدح الأكل سهواً ـ من النص (١) والإجماع ـ مختص بغير المقام مما لا يكون فيه تفريط أصلا ، فيلحقه حكم العلم بالترتب الذي لا مخرج به قطعاً عن عموم المفطرية للأكل والشرب. وبذلك يفترق عن النوم مع العلم بالاحتلام ، كما سيأتي جوازه في مفطرية الاستمناء ، فإنه لا عموم يقتضي مفطريته. اللهم إلا أن يؤخذ بإطلاق معاقد الإجماع على اختصاص المفطرية بصورة العمد ، غير الشامل لصورة الاحتمال ، فيبقى داخلا تحت عموم المفطرية.

[٢] بلا خلاف ، كما عن الخلاف. وعن التذكرة : نسبته إلى‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

٢٣٦

مجتمعاً ، بل وإن كان اجتماعه بفعل ما يوجبه [١] ، كتذكر الحامض مثلا. لكن الأحوط الترك في صورة الاجتماع ، خصوصاً مع تعمد السبب.

( مسألة ٣ ) : لا بأس بابتلاع ما يخرج من الصدر من الخلط وما ينزل من الرأس [٢] ما لم يصل إلى فضاء الفم.

______________________________________________________

علمائنا. لقصور الأدلة عن شموله ـ فتأمل ـ والأصل البراءة. مضافاً إلى السيرة التي ادعاها غير واحد. والى خبر زيد الشحام : « في الصائم يتمضمض. قال (ع) : لا يبلع ريقه حتى يبزق ثلاث مرات » (١).

[١] كما نص عليه غير واحد. لعين ما سبق.

[٢] مطلقاً فيهما ، كما عن المعتبر ، والمنتهى ، والتذكرة ، والبيان ، وغيرها. لقصور الأدلة عن شمول مثله ، والأصل البراءة. فتأمل. مضافاً إلى موثق غياث : « لا بأس بأن يزدرد الصائم نخامته » (٢) ، بناء على عموم النخامة لهما ، كما صرح به بعض اللغويين ، واستظهره غير واحد من الفقهاء ، وظاهر المجمع والقاموس وغيرهما. كما أن الظاهر عموم الازدراد لما يصل الى فضاء الفم ، بل لعله فيه أظهر.

وظاهر الشرائع والإرشاد : التفصيل بينهما ، بالجواز في الأول ، والمنع في الثاني. وكأنه مبني على أن مقتضى الأدلة الأولية المنع فيهما ، لكن وجب الخروج عنها في الأول للموثق ، لاختصاص النخامة به. وعن الشهيدين : الجواز فيهما قبل الوصول إلى فضاء الفم ، والمنع منهما بعده. وكأنه لقصور الخبر عن الحجية ، لضعف سنده ، أو إجمال المراد به ، ومقتضى القواعد المنع في الواصل إلى فضاء الفم ، لصدق الأكل والشرب‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣١ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣٩ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١.

٢٣٧

بل الأقوى جواز الجر من الرأس إلى الحلق ، وإن كان الأحوط تركه. وأما ما وصل منهما إلى فضاء الفم فلا يترك الاحتياط فيه بترك الابتلاع.

( مسألة ٤ ) : المدار صدق الأكل والشرب [١] وإن‌

______________________________________________________

عليه ، دون ما لم يصل لعدم الصدق. وضعف القولين يظهر مما سبق.

[١] قد يستشكل في ذلك : بأن الأدلة لم تختص بالمنع عن الأكل والشرب ، بل مثل الصحيح السابق ـ المتضمن لوجوب الاجتناب عن الأربع وغيره ـ دال على المنع عما هو أعم من الأكل والشرب. وكيف ولو خص بهما أشكل الحكم بالإفطار بالطعام والشراب الواصلين إلى الجوف بغير طريق الفم؟ كما يحكى عن بعض أهل زماننا هذا. إذ دعوى : صدق الأكل والشرب بذلك غير ظاهرة ، لتقومهما بالفم ، وإطلاقهما على غير ذلك مسامحة بلحاظ ترتب الغاية. مضافاً إلى أنه يستفاد ـ مما ورد في المنع عن الاحتقان بالمائع (١) ، وصب الدهن في الاذن إذا كان يصل إلى الحلق (٢) ، وما ورد في الاستنشاق إذا كان كذلك (٣) ، وما ورد في مفطرية الغبار (٤) ـ : أن المعتبر في الصوم : عدم الإيصال إلى الجوف مطلقاً. وحينئذ يشكل صب الدواء في الجرح إذا كان يصل إلى الجوف. بل في المختلف : استقرب فيه الإفطار ، مستظهراً له من المبسوط. وكذا تقطير المائع في الاذن. وعن أبي الصلاح : الجزم بمفطريته. وكذا الصب في الإحليل وفي محكي المبسوط : الجزم بمفطريته. وفي المختلف : أنه أقرب.

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٥.

(٣) ، (٤) المراد : رواية سليمان المروزي ، ويأتي ذكرها ـ ان شاء الله ـ في الأمر السادس مما يجب الإمساك عنه في الصوم.

٢٣٨

كان بالنحو غير المتعارف. فلا يضر مجرد الوصول إلى الجوف إذا لم يصدق الأكل والشرب ، كما إذا صب دواء في جرحه أو شيئاً في أذنه أو إحليله فوصل إلى جوفه. نعم إذا وصل من طريق أنفه فالظاهر أنه موجب للبطلان إن كان متعمداً ، لصدق الأكل والشرب حينئذ.

( مسألة ٥ ) : لا يبطل الصوم بإنفاذ الرمح أو السكين أو نحوهما بحيث يصل إلى الجوف [١] وان كان متعمداً.

الثالث : الجماع وإن لم ينزل [٢]. للذكر والأنثى ، قبلا أو دبراً صغيراً كان أو كبيراً ، حياً أو ميتاً ، واطئاً أو‌

______________________________________________________

اللهم إلا أن يقال : الظاهر عرفاً من الأكل والشرب إيصال المأكول والمشروب من طريق الحلق وإن لم يكن بواسطة الفم ، فيشمل ما يتعارف بين بعض أهل زماننا ، وكذا الاستنشاق. وأما ما تضمن وجوب الاجتناب عن الطعام والشراب ، فهو ظاهر في خصوص الأكل والشرب. وما ورد في الاحتقان ونحوه مما لم يكن من طريق الحلق يجب الاقتصار على مورده لا غير ، كما هو ظاهر المشهور. فالبناء على قاعدة المنع مما يصل إلى الجوف مطلقاً غير ظاهر.

[١] كما هو المشهور ، وعن المبسوط. وفي المختلف : البطلان ، لما سبق. وفيه : ما عرفت.

[٢] لا إشكال في الإفطار بالجماع في قبل المرأة ، ولعله من الضروريات. وهو القدر المتيقن من نصوص مفطرية الجماع. وكذا بالجماع في دبرها إذا أنزل. ويدل عليه : النصوص الواردة في الاستمناء (١) فتأمل.

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ١ ، ٤ ، ٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم‌

٢٣٩

______________________________________________________

وأما إذا لم ينزل فالمحكي عن صريح الخلاف ، والوسيلة ، والمبسوط : الإجماع على أنه كذلك أيضاً. وعن الغنية : الإجماع على الفساد بحصول الجنابة ، الشامل لما نحن فيه ، بناء على سببيته لها ، كما تقدم في كتاب الطهارة. ويدل عليه : إطلاق النصوص الدالة على الإفطار بالنكاح ، أو الجماع ، أو الوطء ، أو إصابة الأهل ، أو نحو ذلك على اختلاف مضامينها ودعوى : الانصراف إلى الجماع في القبل. ممنوعة. إذ لا منشأ لها إلا الغلبة. وقد عرفت غير مرة : أنها لا توجب الانصراف المعتد به في رفع اليد عن الإطلاق. ولا سيما مع مناسبته لارتكاز مفطرية الجنابة بلا خصوصية للنكاح في القبل.

بل لا يبعد استفادة ذلك من النصوص ، ففي خبر عمر بن يزيد : « قلت لأبي عبد الله (ع) : لأي علة لا يفطر الاحتلام الصائم ، والنكاح يفطر الصائم؟ قال (ع) : لأن النكاح فعله ، والاحتلام مفعول به » (١). فان الظاهر منه كون المرتكز في ذهن السائل مساواة الاحتلام والنكاح في حصول الجنابة التي هي السبب في الإفطار ، فالجواب بالفرق بينهما بالعمد وعدمه تقرير لما في ذهنه. وفي خبر القماط عنه (ع) : « عمن أجنب في شهر رمضان في أول الليل فنام حتى أصبح. قال (ع) : لا شي‌ء عليه. وذلك أن جنابته كانت في وقت حلال » (٢). فان مفهوم التعليل قدح الجنابة في وقت حرام.

وبذلك يظهر لزوم الحكم بالإفطار بالإيلاج في دبر الغلام ، وفرج البهيمة ، بناء على وجوب الغسل بذلك. ويعضده : الإجماع المحكي سابقاً عن الغنية من فساد الصوم بتعمد الجنابة ، وتلوح دعواه من المختلف‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٥ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ١٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١.

٢٤٠