مستمسك العروة الوثقى - ج ٩

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٩

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٥

١
٢

كتاب الزكاة

التي وجوبها من ضروريات الدين ، ومنكره مع العلم به كافر ، بل في جملة من الأخبار : أن مانع الزكاة كافر. ويشترط في وجوبها أمور : الأول : البلوغ [١] ، فلا تجب على غير البالغ في تمام‌

______________________________________________________

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين المعصومين

كتاب الزكاة‌

[١] أما في النقدين فلا خلاف فيه ، وحكي عن جماعة كثيرة : دعوى الإجماع عليه ، منهم الحلي ، والعلامة ، والشهيدان ، وصاحب المدارك ويشهد له النصوص الكثيرة المتضمنة : « أنه ليس على مال اليتيم زكاة » (١) بضميمة ما دل من النصوص على بقاء اليتم إلى البلوغ (٢) ، وصحيح يونس ابن يعقوب : « أرسلت إلى أبي عبد الله (ع) : إن لي إخوة صغاراً ، فمتى تجب على أموالهم الزكاة؟ قال (ع) : إذا وجب عليهم الصلاة وجبت عليهم الزكاة » (٣). ونحوه غيره. أما حديث رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم (٤) ، فإنما يقتضي عدم وجوب إيتاء الزكاة عليه تكليفاً ، لا نفي‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب من تجب عليه الزكاة.

(٢) الوسائل باب : ٤ من أبواب مقدمة العبادات.

(٣) الوسائل باب : ٥ من أبواب من تجب عليه الزكاة.

(٤) الوسائل باب : ١١ من أبواب مقدمة العبادات.

٣

______________________________________________________

ثبوتها في ماله وضعاً ، فما دل على ثبوتها محكم. وهو يقتضي وجوب إيتائها على الولي ، كسائر حقوق الناس الثابتة في مال الصبي أو في ذمته.

وأما في الغلات والمواشي فهو المشهور ـ كما عن جماعة ـ بل عن الرياض : أنه خيرة المتأخرين كافة ، وجماعة من أعاظم القدماء. لإطلاق نفي الزكاة على مال اليتيم ، المقدم على إطلاق كل ما دل على ثبوتها في الغلات وفي المواشي ، وإن كان بينهما العموم من وجه.

أولا : من جهة ظهوره ـ بقرينة مناسبة الحكم والموضوع ـ في أن عنوان اليتم من العناوين الاقتضائية للمنع. وثانياً : من جهة أن النسبة المذكورة هي بعينها النسبة بينه وبين ما دل على ثبوتها في النقدين ، فيدور الأمر بين تخصيص الجميع به وطرحه ، وتخصيص أحدها بعينه دون غيره ، والأول هو الذي يقتضيه الجمع العرفي بينها. وبعبارة أخرى : مرجع أدلة وجوب الزكاة في الأنواع الثلاثة إلى دليل واحد فيها ، ونسبة دليل نفي الزكاة في مال اليتيم إلى ذلك كنسبة الخاص إلى العام ، فكما أنه لو قيل : « تجب الزكاة في النقدين والمواشي والغلات » ثمَّ قيل : « لا تجب الزكاة في مال اليتيم » يجب تقييد الأول بالأخير بحمله على غير اليتيم ، كذلك لو كانت الأدلة منفصلة. ومجرد قيام دليل خاص على انتفاء الزكاة عن اليتيم في النقدين لا يوجب انقلاب الجمع العرفي المذكور الى الجمع ، بحمله على خصوص النقدين ، والعمل بإطلاق دليلي ثبوتها في الغلات والمواشي ، فإن ذلك لا يخرج عن كونه تقييداً من غير قرينة عليه ، لكونهما معاً نافيين بخلاف الجمع بتقييد الأدلة الثلاثة به والعمل بإطلاقه ، كما لا يخفى على المتأمل. مع أنه لو سلم عدم كون الجمع المذكور عرفياً ، فلا أقل من التساوي الموجب للتساقط والرجوع إلى أصالة عدم وجوب الزكاة. اللهم إلا أن يكون المرجع عموم مثل قوله تعالى : ( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً ... ) (١).

__________________

(١) التوبة : ١٠٣.

٤

الحول ـ فيما يعتبر فيه الحول ـ ولا على من كان غير بالغ في‌

______________________________________________________

هذا مضافاً إلى ما رواه الشيخ عن أبي بصير ـ بطريق موثق بابن فضال ـ عن أبي عبد الله (ع) أنه سمعه يقول : « ليس في مال اليتيم زكاة وليس عليه صلاة ، وليس على جميع غلاته ـ من نخل ، أو زرع ، أو غلة ـ زكاة. وإن بلغ اليتيم فليس عليه لما مضى زكاة ، ولا عليه لما يستقبل حتى يدرك ، فإذا أدرك كانت عليه زكاة واحدة ، وكان عليه مثل ما على غيره من الناس » (١) ورواه الكليني بطريق صحيح عن أبي بصير عنه (ع) هكذا : « ليس على مال اليتيم زكاة ، وإن بلغ اليتيم فليس عليه لما مضى زكاة .. » (٢) إلى آخر ما ذكر بتفاوت يسير.

وعن المقنعة والنهاية والخلاف والمبسوط والوسيلة وغيرها : وجوب الزكاة فيهما ، وعن الناصريات : أنه مذهب أكثر أصحابنا ، وعن الخلاف : الإجماع عليه. والعمدة فيه : صحيح زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) وأبي عبد الله (ع) أنهما قالا : « ليس على مال اليتيم في الدين والمال الصامت شي‌ء ، فأما الغلات فعليها الصدقة واجبة » (٣).

وفيه : أنه يمكن حمله على الاستحباب ، بقرينة موثق أبي بصير السابقحملا للظاهر على الأظهر ، مع أنه لا تعرض فيه للمواشي ، فالخروج فيها عن إطلاق : « ليس على مال اليتيم زكاة » ليس له وجه ظاهر. وعدم القول بالفصل غير ثابت ، وإن ادعى. ودعوى : أن ظاهر الصحيح المذكور بيان حكم الأنواع الثلاثة من مال اليتيم ، فاقتصاره في النفي على الدين والمال الصامت ـ الذي هو الذهب والفضة ـ قرينة على ثبوتها في المواشي كالغلات.

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ١١.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ٢.

٥

بعضه ، فيعتبر ابتداء الحول من حين البلوغ [١].

______________________________________________________

غير ظاهرة ، ولم لا يجوز العكس؟ وبالجملة : بعد صراحة موثق أبي بصير بنفيها في الغلات ، لا مجال للتوقف في نفيها فيها. ونفيها في المواشي أخف مئونة. وإجماع الخلاف لا يهم بعد وضوح الخلاف. فلاحظ.

[١] كما عن جمع التصريح به ، ونسب الى ظاهر الأصحاب ، بل ادعى نفي الخلاف الظاهر فيه. واستدل له : بأن ما دل على أنه لا زكاة في مال اليتيم ، ظاهر في أن مال اليتيم ليس موضوعاً للزكاة ، بل موضوعه مال البالغ ، فيكون البلوغ شرطاً في الموضوع. وظاهر ما دل على اعتبار الحول ، اعتبار حول الحول على ما هو موضوع لها ، فلو بلغ الصبي في أثناء الحول لم تجب ، لعدم مضي الحول على ما هو موضوعها. نعم لو كان مفاد أدلة النفي مجرد شرطية البلوغ للوجوب كسائر الشرائط ، أشكل الحكم المذكور ، إذ مع تحقق البلوغ في الأثناء يحصل الشرط للوجوب ، فاذا تمَّ الحول فقد حصل الشرط الآخر وثبتت الزكاة. لكن الظاهر منها الأول.

ولعدم تماميته في نظر المحقق السبزواري ، استشكل في الحكم المشهور فقال في الذخيرة : « المستفاد من الأدلة عدم وجوب الزكاة على الصبي ما لم يبلغ ، وهو غير مستلزم لعدم الوجوب حين البلوغ بسبب الحول السابق بعضه عليه ، إذ لا يستفاد من أدلة اشتراط الحول كونه في زمان التكليف .. » لكن عليه يشكل الحكم بالنسبة إلى الأحوال الماضية التي بلغ بعدها ، إذ المراد من حول الحول إن كان يعم ما قبل البلوغ ، وجبت الزكاة بالبلوغ لما مضى من الأحوال ، والتفكيك بين بعض المدة وتمامها كما ترى.

وقد يستدل له بقوله (ع) في رواية أبي بصير المتقدمة : « فليس عليه لما مضى زكاة .. » لشموله للحول التام والناقص يوماً أو أياماً. وفيه : أن الظاهر من ( ما ) خصوص الغلات التي لا يعتبر فيها الحول ، بقرينة ما بعده‌

٦

وأما ما لا يعتبر فيه الحول من الغلات الأربع ، فالمناط البلوغ قبل وقت التعلق [١] ، وهو انعقاد الحب وصدق الاسم على ما سيأتي.

الثاني : العقل [٢] ، فلا زكاة في مال المجنون في تمام‌

______________________________________________________

من قوله (ع) : « حتى يدرك » ، فان الظاهر من الإدراك بلوغ الحد الذي تجب عنده الزكاة. بل المتن المتقدم الذي رواه الشيخ كالصريح في ذلك ، فلا يكون مما نحن فيه. ولو سلم فالظاهر من ( ما ) خصوص الحول التام ، إذ الناقص لا تجب فيه الزكاة حتى مع البلوغ ، ولا خصوصية لليتم فيه ، وظاهر الحديث بيان خصوص أحكامه لا غير.

[١] بل الظاهر كفاية البلوغ في وقت التعلق ، عملا بالعمومات. إذ لا مجال حينئذ لمعارضتها بما دل على أنه ليس على مال اليتيم زكاة.

[٢] المنسوب إلى الأكثر ـ بل المشهور ـ أن حكم المجنون حكم الطفل لظهور عدم الفرق بينهما بالاعتبار والاستقراء ، لاشتراكهما في الأحكام غالباً. وفي الجواهر : « عدم الدليل المعتد به على هذه التسوية إلا مصادرات لا ينبغي للفقيه الركون إليها .. ».

ومن ذلك يظهر وجوب الرجوع الى مقتضى الأدلة فيه بالخصوص ، فنقول : روى عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح قال : « قلت لأبي عبد الله (ع) : امرأة من أهلنا مختلطة ، أعليها زكاة؟ فقال (ع) : إن كان عمل به فعليها زكاة ، وان لم يعمل به فلا » (١). وروى موسى ابن بكير أنه سأل أبا الحسن (ع) : « عن امرأة مصابة ولها مال في يد أخيها ، هل عليه زكاة؟ قال (ع) : إن كان أخوها يتجر به فعليه زكاة » (٢) ، وإطلاقهما يقتضي عدم الفرق بين الصامت والغلات والمواشي‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ٢.

٧

الحول ، أو بعضه ولو أدواراً [١]. بل قيل : إن عروض الجنون آناً ما يقطع الحول. لكنه مشكل ، بل لا بد من صدق اسم المجنون وأنه لم يكن في تمام الحول عاقلا ، والجنون آناً ما ـ بل ساعة وأزيد ـ لا يضر ، لصدق كونه عاقلا [٢].

الثالث : الحرية ، فلا زكاة على العبد وإن قلنا بملكه [٣].

______________________________________________________

لأن عدم العمل به ـ المصرح به في الصحيح ، والمفهوم في الخبر ـ أعم من عدم القابلية ، فيشمل الجميع.

[١] لما تقدم في الصبي بعينه.

[٢] إذا فرض صدق كونه مجنوناً في آن ، امتنع صدق كونه عاقلا في تمام الحول ، إلا بالمساهلات العرفية التي لا يعتنى بها. ودعوى انصراف النص المتقدم عن الفرض ممنوعة.

[٣] أما على القول بعدم ملكيته فلا إشكال ولا خلاف في عدم وجوبها عليه ، ضرورة شرطية الملك للوجوب. وأما على القول بالملكية فالمشهور العدم أيضاً ، لمصحح ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « ليس في مال المملوك شي‌ء ولو كان له ألف ألف. ولو احتاج لم يعط من الزكاة شي‌ء » (١) وصحيحه عنه (ع) : « سأله رجل ـ وأنا حاضر ـ عن مال المملوك أعليه زكاة؟ فقال (ع) : لا ، ولو كان له ألف ألف درهم. ولو احتاج لم يكن له من الزكاة شي‌ء » (٢) ، وصحيحة الآخر عنه (ع) : « قلت له : مملوك في يده مال ، أعليه زكاة؟ قال (ع) : لا. قلت : فعلى سيده؟ فقال (ع) : لا ، لأنه لم يصل إلى السيد ، وليس هو‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ٣.

٨

______________________________________________________

للمملوك » (١) ، ومصحح إسحاق بن عمار : « قلت لأبي عبد الله (ع) : ما تقول في رجل يهب لعبده ألف درهم أو أقل أو أكثر ، فيقول : أحللني من ضربي إياك ومن كل ما كان مني إليك ، أو مما أخفتك وأرهبتك فيحلله ويجعله في حل رغبة فيما أعطاه. ثمَّ إن المولى بعد أصاب الدراهم التي أعطاها في موضع قد وضعها فيه فأخذها ، فحلال هي؟ قال (ع) : لا. فقلت : أليس العبد وماله لمولاه؟ فقال (ع) : ليس هذا ذاك. ثمَّ قال : فهو له فليردها له فإنها لا تحل له ، فإنه افتدى نفسه من العبد مخافة العقوبة والقصاص يوم القيامة. فقلت : فعلى العبد أن يزكيها إذا حال الحول؟ قال (ع) : لا. إلا أن يعمل بها ، ولا يعطى العبد من الزكاة شيئاً » (٢). ودلالتها ـ كسندها ـ لا قصور فيها ، مع تأييدها برواية وهب بن وهب القرشي ، عن الصادق (ع) ، عن آبائه ، عن علي (ع) : « ليس في مال المكاتب زكاة » (٣). فان غير المكاتب أولى بالنفي منه. وباتفاق النص والفتوى على أنه محجور عن التصرف (٤) فإنه ـ كما سيأتي ـ مانع من وجوبها.

ولا مجال للنقض بالسفيه والصبي ، فإن الحجر فيهما لقصور في صاحب السلطنة لا في السلطنة ، كما في العين المرهونة ونحوها مما هو متعلق حق الغير. فما عن المعتبر والمنتهى وإيضاح النافع وغيرها ـ بل عن الشيخ : نسبته إلى‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ٤.

(٢) جاء بعضه في الوسائل باب : ٤ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ٦. وذكر مقداراً من صدر الرواية في الباب : ٩ من أبواب بيع الحيوان حديث : ٣. وما شساء الوقوف على الحديث بتمامه فليراجع التهذيب ج ٨ صفحة ٢٢٥ طبع النجف الأشرف. والفقيه ج ٣ صفحة ١٤٦ طبع النجف الأشرف.

(٣) الوسائل باب : ٤ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ٥.

(٤) الوسائل باب : ٩ من أبواب بيع الحيوان ، وباب : ٤ من أبواب الحجر.

٩

من غير فرق بين القن ، والمدبر ، وأم الولد ، والمكاتب المشروط ، والمطلق الذي لم يؤد شيئاً من مال الكتابة [١]. وأما المبعض فيجب عليه إذا بلغ [٢] ما يتوزع على بعضه الحر النصاب.

______________________________________________________

بعض أصحابنا ـ : من القول بوجوب الزكاة عليه ، بناء على مالكيته ضعيف.

ومثله : ما عن القطيفي والأردبيلي : من القول بالوجوب إذا ملكه مولاه وصرفه فيه. وخبر قرب الاسناد : « ليس على المملوك زكاة إلا بإذن مواليه » (١) ـ مع هجره ، وضعف سنده ـ قاصر الدلالة على مدعاهما ولا يبعد أن يكون المراد منه نفي وجوب دفع الزكاة على مال السيد الذي بيده ، إلا إذا أذن له في الدفع. أو يحمل على الاستحباب.

[١] بلا خلاف ظاهر. لإطلاق الأدلة. والمكاتب قد عرفت أنه مورد خبر وهب. لكنه ضعيف السند.

[٢] كما هو المشهور ، بل نسب إلى قطع الأصحاب ، وحكي الاتفاق عليه. وفي الجواهر : نفى وجدان الخلاف فيه. واستدل له فيها : بوجود المقتضي ، وعدم المانع. وكأن المراد بالمقتضي : عموم وجوبها ، وبالمانع ما دل على نفي الزكاة على المملوك المختص بغير المبعض. لكن يشكل : بأنه إذا اختص المانع بغير المبعض كان مقتضى العموم وجوب الزكاة في جميع ما يملكه ، ولا يختص بحصة نصيب الجزء الحر.

نعم قد يقال : بأن دليل النفي إنما ينطبق على جزئه المملوك ، فيكون الجزء الحر بلا مانع. لكن تطبيق الدليل على أجزاء المكلف لا يخلو من تعسف وتكلف. وكأنه لذلك توقف الكاشاني فيما يظهر من محكي كلامه في المفاتيح.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ٢.

١٠

الرابع : أن يكون مالكاً [١] ، فلا تجب قبل تحقق الملكية ، كالموهوب قبل القبض [٢] ،

______________________________________________________

[١] بلا خلاف فيه ولا إشكال ظاهر ، كما عن غير واحد ، وعن المعتبر والمنتهى : دعوى اتفاق العلماء عليه ، وعن نهاية الأحكام وغيرها : الإجماع عليه. وظاهر عبارة المتن ـ ولا سيما بملاحظة التفريع ـ أنه شرط في وجوب إيتاء الزكاة ، فلا يجب إيتاؤها على غير المالك. ويشهد له غير واحد من النصوص ، كصحيح الكناني عن أبي عبد الله (ع) في حديث : « إنما الزكاة على صاحب المال » (١) ، ومكاتبة ابن مهزيار : « لا تجب عليه الزكاة إلا في ماله » (٢). ونحوهما غيرهما.

ولو أريد أنه شرط في أصل التعلق ـ بمعنى : أن ما لا يكون ملكاً كالمباحات لا تتعلق به الزكاة ـ كان صحيحاً أيضاً. بل في الجواهر : لا ينبغي التأمل فيه إذا أريد عدمها في المباح ونحوه من غير المملوك ، إذ لا دليل على ثبوت الزكاة فيه. والإطلاقات غير ظاهرة الشمول له. والأصل يقتضي العدم ، بل هو من الواضحات التي لا ينبغي التعرض لها ولا يشك فيها كي يرجع فيها إلى أصل. بل الظاهر ـ كما في الجواهر ـ ذلك فيما كان الملك فيه للجهة العامة ـ كالفقراء والعلماء ـ كما ذكر.

[٢] بناء على أنه شرط في الملك ناقل. أما بناء على أنه شرط له على نحو الكشف الحقيقي ـ بمعنى أنه بتحقق القبض يعلم بتحقق الملكية من حين العقد واقعاً ـ فلا يكون المثال من باب فقد الملك. وكذا بناء على أنه شرط في اللزوم ، على ما يتراءى من ظاهر العبارة : من أن العقد تمام العلة في الملكية. غاية الأمر أنه يجوز الرجوع قبل القبض. وإن كان المحكي‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ٢.

١١

والموصي به قبل القبول [١] ، أو قبل القبض [٢]. وكذا في القرض لا تجب إلا بعد القبض [٣].

الخامس : تمام التمكن من التصرف [٤] ، فلا تجب في‌

______________________________________________________

عن المحققين التصريح بأن المراد من كون القبض شرطاً في اللزوم أنه شرط في الملكية على نحو الكشف الحقيقي المتقدم ، فهما واحد. ثمَّ إنك عرفت أن المراد أنه لا يجب على المتهب دفع الزكاة إذا لم يحل الحول بعد القبض ولو حال بعد العقد وقبل القبض وجبت الزكاة على الواهب.

[١] فإنه أيضاً شرط في ملكية الموصى به. ويختلف الحكم باختلاف كونه شرطاً ناقلا وكاشفاً ، على نحو ما سبق.

[٢] الظاهر أنه لم يتحقق قائل باعتبار القبض في الملك هنا ، ولذلك احتمل أن يكون أثبت سهواً بدل ( قبل الوفاة ) ، حيث لا يملك الموصي به قبلها قطعاً ، نعم عن بعض : أنه احتمل في كلام المبسوط اعتباره في ملك الموصي به ، لكنه ـ مع أنه غير متحقق ـ يبعد أن يكون ما في العبارة إشارة اليه.

[٣] بناء على أنه متمم السبب المملك ، ولو قيل باعتبار التصرف زائداً فلا تجب إلا بعد التصرف. والكلام فيه موكول الى محله.

[٤] الذي نسب إلى قطع الأصحاب تارة ، وإلى فتوى علمائنا أخرى ، وإلى الإجماع ثالثة ، وعن الحدائق : نفي الخلاف فيه. اعتبار التمكن من التصرف في ثبوت الزكاة ، فضلا عن اعتباره في وجوب أدائها. وإن اختلفوا في كيفية اعتباره ، فبعضهم ـ كالشرائع ـ جعله شرطاً ثالثاً زائداً على اشتراط الملك وتماميته ، وبعضهم ـ كالقواعد ـ اعتبر شرطاً رابعاً ـ زائداً على البلوغ والعقل والحرية ـ كمال الملك ، وجعل التمكن من التصرف أحد شؤون الكمال المذكور. والمصنف جعله شرطاً زائداً على اشتراط‌

١٢

المال الذي لا يتمكن المالك من التصرف فيه ـ بأن كان غائباً ولم يكن في يده ، ولا في يد وكيله ـ ولا في المسروق ،

______________________________________________________

المالكية. والمراد : أنه شرط لأصل تعلق الزكاة ، نظير الشرائط الثلاثة الأول ، وليس كاشتراط المالكية ، فإنها شرط لوجوب الأداء ، كما عرفت.

وكيف كان قد استدل له بمصحح إسحاق بن عمار قال : « سألت أبا إبراهيم (ع) : عن الرجل يكون له الولد ، فيغيب بعض ولده فلا يدري أين هو ، ومات الرجل ، كيف يصنع بميراث الغائب من أبيه؟ قال (ع) : يعزل حتى يجي‌ء ، قلت : فعلى ماله زكاة؟ قال (ع) : لا ، حتى يجي‌ء. قلت : فاذا هو جاء أيزكيه؟ فقال : لا ، حتى يحول عليه الحول في يده » (١) ، وقريب منه خبره الآخر (٢) وصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « لا صدقة على الدين ، ولا على المال الغائب عنك حتى يقع في يدك » (٣) ، وحسن سدير : « قلت لأبي جعفر (ع) : ما تقول في رجل كان له مال ، فانطلق به فدفنه في موضع ، فلما حال عليه الحول ذهب ليخرجه من موضعه ، فاحتفر الموضع الذي ظن أن المال فيه مدفون فلم يصبه ، فمكث بعد ذلك ثلاث سنين. ثمَّ إنه احتفر الموضع من جوانبه كلها فوقع على المال بعينه ، كيف يزكيه؟ قال (ع) : « يزكيه لسنة واحدة ، لأنه كان غائباً عنه وإن كان احتبسه » (٤) ، وصحيح إبراهيم بن أبي محمود « قلت لأبي الحسن الرضا (ع) : الرجل يكون له الوديعة والدين فلا يصل إليهما ، ثمَّ يأخذهما ، متى يجب عليه الزكاة؟

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٥ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ٦.

(٤) الوسائل باب : ٥ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ١.

١٣

______________________________________________________

قال (ع) : إذا أخذهما ، ثمَّ يحول عليه الحول يزكي » (١) ، وخبر زرارة : « في رجل ماله عنه غائب لا يقدر على أخذه. قال (ع) : فلا زكاة عليه حتى يخرج ، فاذا خرج زكاه لعام واحد. فان كان يدعه متعمداً وهو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكل ما مر به من السنين » (٢). ونحوها ـ أو قريب منها ـ غيرها ، جملة منها واردة فيمن ترك نفقة لأهله وسافر (٣).

ومع ذلك فقد استشكل على اعتبار اشتراط التمكن من التصرف تارة : بأنه إن أريد جميع التصرفات لزم انتفاء الزكاة مع عدم التمكن من بعض التصرفات لمانع ـ من بيع العين أو هبتها أو غيرهما ـ ولا يمكن الالتزام به. وإن أريد بعض التصرفات لم يكن وجه للحكم بعدم الزكاة في المغصوب والمجحود والغائب ، لا مكان نقل العين إلى الغاصب والجاحد بالهبة ونقل الغائب إلى شخص حاضر. وأخرى : بأنه لا دليل على اعتبار الشرط المذكور ، إذ النصوص المتقدمة إنما تدل على انتفاء الزكاة في موارد خاصة ولا يمكن استفادة حكم كلي منها. والإجماع بنحو يصح الاعتماد عليه غير ثابت ، إلا في تلك الموارد أيضاً.

وكأن المصنف اختار الشق الأول من الشقين المذكورين في تقريب الإشكال الأول ، لأن الظاهر من قوله : « تمام التمكن من التصرف » التمكن من تمام التصرفات. لكن لم يتضح منه وجه اندفاع الاشكال المترتب عليه.

وقد أجيب عن أصل الإشكال الأول : بأن المراد التمكن شرعاً وعقلا من التصرف بالعين ، بالدفع ، والتسليم ، والإقباض للغير ، لأن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ٧.

(٣) الوسائل باب : ١٧ من أبواب زكاة الذهب والفضة.

١٤

______________________________________________________

التمكن على النحو المذكور في آخر الحول ـ الذي هو وقت الوجوب ـ شرط قطعاً ، فلو أريد من التمكن من التصرف ـ الذي أخذ شرطاً في تمام الحول ـ غير هذا المعنى لزم اشتراط الوجوب بأمرين ، لا أمر واحد ، وظاهر النص أن التمكن في تمام الحول تمام السبب في الوجوب ، فلا بد أن يكمل على ما هو الشرط في آخر الحول ، كي لا يكون الشرط للوجوب إلا أمراً واحداً.

وفيه : أن هنا أمرين ، ثبوت الزكاة في المال ، ووجوب دفعها إلى مصرفها. والتمكن من الدفع في آخر الحول إنما يكون شرطاً في وجوب الدفع ، لا في ثبوت الزكاة في المال. والتمكن من التصرف طول الحول إنما هو شرط في ثبوتها في المال. فلو بني على أن التمكن من التصرف في تمام الحول ـ الذي هو السبب التام في ثبوت الزكاة ـ بمعنى آخر ، لم يلزم أن يكون الشرط أمرين. إذ كل واحد منهما شرط في غير ما يكون الآخر شرطاً له ، كما هو ظاهر بالتأمل.

فالأولى أن يقال : قوله (ع) في حسن سدير : « لأنه كان غائباً عنه » (١) تعليلا لعدم وجوب الزكاة ، لا يراد منه مجرد الغيبة المقابل للحضور قطعاً ، إذ لا يمكن الالتزام بأن من كانت له نقود أو زروع أو مواش متفرقة في القرى والضياع لا تجب عليه زكاتها ، حيث لم يحضر عند كل واحد منها طول سنته. مع أن المال في مورد الرواية لم يكن غائباً وإنما كان مجهولا موضعه لا غير. فالمراد من الغيبة كونه ممنوعاً عنه على نحو لا يقدر على أخذه ، كما يشير إليه قوله (ع) بعد ذلك : « وإن كان احتبسه .. » يعني : وإن كان هو الذي جعله محبوساً عنه ، فذلك كله قرينة على أن المراد أن المانع من ثبوت الزكاة كون المال محبوساً عن المالك والشرط أن يكون مطلقاً مقدوراً عليه.

__________________

(١) لاحظ ذلك في صدر التعليقة.

١٥

والمحجور ، والمدفون في مكان منسي ، ولا في المرهون ، ولا في الموقوف ، ولا في المنذور التصدق به [١].

______________________________________________________

وعلى هذا يتعين حمل قوله (ع) : « حتى يحول عليه الحول في يده .. » أو : « وهو عنده .. » على ذلك ، لا على ظاهره من كونه مقبوضاً له وتحت استيلائه ، ولا على ما تحت العبارة من كونه في اليد بمعنى العضو الخاص. أو أن يكون في موضع حوله وقريب منه.

ويوضح ذلك خبر زرارة ، حيث تضمن أن المناط ـ في نفي الزكاة على المال الغائب ـ كونه لا يقدر على أخذه ، وأنه لو كان يقدر على أخذه وجبت فيه الزكاة (١). وحينئذ نقول : إذا كان ظاهر النصوص اعتبار القدرة على المال ، فالظاهر من القدرة على الشي‌ء التمكن من التصرف الخارجي القائم به ، من إتلاف ونحوه ، بحيث لا يكون قصور في المال مانعاً عن ذلك. لا أقل من كونه القدر المتيقن في الخروج عن إطلاقات الوجوب ، فلا يكفي في ثبوتها القدرة على بعض التصرفات الاعتبارية ، كالعتق والهبة والصلح ، ولا يمنع عنه العجز عن ذلك.

نعم مورد النصوص العجز الخارجي الناشئ من كون المال مدفوناً أو غائباً ، أو كون صاحبه غائباً عنه ، فالتعدي إلى العجز الشرعي من التصرف ـ لتعلق حق الغير مثلا ـ لا بد أن يكون من جهة فهم عدم الخصوصية ، ولو بقرينة مناسبة الحكم والموضوع. أو يتمسك بإطلاق : ( لا يقدر ) في خبر زرارة ، و ( لا يضل ) في صحيح ابن أبي محمود (٢) ونحوهما. وبما ذكرنا يندفع الإشكال الثاني ، كما لا يخفى. فتأمل جيداً.

[١] هذه الثلاثة من قبيل عدم التمكن شرعاً ، بخلاف الأربعة التي‌

__________________

(١) تقدم ذلك في هذه التعليقة.

(٢) لاحظ الروايتين في صدر التعليقة.

١٦

والمدار في التمكن على العرف [١]. ومع الشك يعمل بالحالة السابقة [٢].

______________________________________________________

قبلها فإنها من قبيل عدم التمكن العقلي.

[١] قال في الجواهر : « إن المدار في التمكن من التصرف على العرف وإن لم يكن هذا اللفظ بخصوصه موجوداً في النصوص ، لكن قد عرفت أن الموجود فيها ما يرادفه. وحينئذ لا عبرة بالعجز عن بعض التصرفات مع صدقه. كما لا عبرة بالتمكن من البعض مع صدق سلبه ، ومع فرض عدم تنقيح العرف لبعض الأفراد قد يقوى سقوط الزكاة للأصل ، بعد قاعدة أن الشك في الشرط شك في المشروط. وربما احتمل الوجوب ، للإطلاق ورجوع الشك في الفرض إلى الشك في الاشتراط لا في تحقق الشرط ، والأول أظهر ».

أقول : قوله : « ومع فرض عدم تنقيح .. » ظاهر في كون الشبهة مفهومية. وعليه فاللازم الرجوع إلى عموم الوجوب ، لوجوب الرجوع الى العام أو المطلق عند إجمال الخاص أو المقيد ، لاقتضاء الاجمال الشك في في زيادة التخصيص ، المحكم فيه أصالة العموم أو الإطلاق ، ولا مجال للرجوع إلى أصالة البراءة أو الاستصحاب. وإن كان المراد الشبهة الموضوعية الخارجية فالمرجع استصحاب الحالة السابقة ، ومع الجهل بها فالمرجع استصحاب العدم أو أصالة البراءة ، بناء على أن ظاهر الأدلة التقييد. ولو بني على التخصيص فكذلك ، بناء على عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية. ولو بني على الجواز كان المرجع عموم الوجوب. والظاهر من النصوص المتقدمة كونها مقيدة لإطلاقات الوجوب ، فعدم وجوب الزكاة متعين.

[٢] يعني : الشك في الشبهة الخارجية الموضوعية. أما مع الشك في المفهوم العرفي فالمرجع أصالة الإطلاق ، كما عرفت.

١٧

ومع عدم العلم بها فالأحوط الإخراج [١].

السادس : النصاب ، كما سيأتي تفصيله.

( مسألة ١ ) : يستحب للولي الشرعي [٢] إخراج الزكاة في غلات غير البالغ يتيماً كان أو لا ، ذكراً كان أو أنثى ـ دون النقدين [٣]. وفي استحباب إخراجها من مواشيه إشكال [٤] ،

______________________________________________________

[١] قد عرفت ما يكون وجهاً للتوقف. كما عرفت : أن الأقرب العدم.

[٢] الظاهر أن الاستحباب ملاكاً بالنسبة إلى الطفل ، والولي نائب عنه في الامتثال ، كما في سائر موارد النيابة ، فمصلحة الخطاب راجعة إلى الطفل لا إلى وليه. وكأن الوجه في تخصيص الولي بالاستحباب : أن موضوعه ـ وهو الإخراج ـ من التصرفات المالية التي لا تصح من الطفل ولو بإذن الولي على المشهور ، فلو قيل بصحة تصرفه بإذن الولي ، أمكن توجه الخطاب إليه إذا كان مميزاً ، وإن جاز للولي القيام عنه في امتثاله إذا كان أصلح في نظره.

وكيف كان فما ذكره هو المعروف بين القائلين بعدم وجوب الزكاة في غلات الطفل. ومستندهم : صحيح زرارة ومحمد عن أبي جعفر (ع) وأبي عبد الله (ع) أنهما قالا : « ليس على مال اليتيم في الدين والمال الصامت. شي‌ء. فأما الغلات فعليها الصدقة واجبة » (١) بناء منهم على حمله على الاستحباب ، كما تقدم. وقيل بنفي الاستحباب ـ كما عن العلامة الطباطبائي ـ حملا للصحيح على التقية. وقد عرفت : أن الحمل على التقية فرع امتناع الجمع العرفي ، لا مع إمكانه. ثمَّ إن مورد الرواية خصوص اليتيم ، فالتعدي إلى غيره يتوقف على عدم الفضل. أو على ثبوت الأولوية.

[٣] إجماعاً ظاهراً. لعدم الدليل على الاستحباب.

[٤] ينشأ : من دعوى عدم القول بالفصل بين المواشي والغلات ،

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ٢.

١٨

والأحوط الترك. نعم إذا اتجر الولي بماله يستحب إخراج زكاته أيضاً [١].

______________________________________________________

المقتضية لاستحباب الزكاة فيها كما في الغلات. ومن أن الاعتماد على مثل ذلك في التصرف في مال الطفل مخالفة لما دل على عدم جواز التصرف فيه كما تقدم.

[١] كما نسب إلى الأكثر تارة ، والأشهر أخرى ، والمشهور ثالثة. وعن المعتبر والمنتهى وغيرهما : الإجماع عليه ، كما يقتضيه مصحح ابن مسلم : « قلت لأبي عبد الله (ع) : هل على مال اليتيم زكاة؟ قال (ع) : لا إلا أن تتجر به ، أو تعمل به » (١) وخبر محمد بن الفضيل : « عن صبية صغار لهم مال بيد أبيهم أو أخيهم ، هل يجب على مالهم زكاة؟ فقال (ع) : لا يجب في مالهم زكاة حتى يعمل به ، فاذا عمل به وجبت الزكاة. فأما إذا كان موقوفاً فلا زكاة عليه » (٢) ونحوهما غيرهما.

وظاهرهما وإن كان وجوب الزكاة ، إلا أنه يجب رفع اليد عنه بالاتفاق المحكي على الاستحباب ، إذ لم ينقل القول بالوجوب إلا عن المفيد (ره) في المقنعة ، وقد حمله الشيخ (ره) ـ الذي هو أعرف من غيره بمراده ـ على الاستحباب ، وهذا هو العمدة في رفع اليد عن ظاهر النصوص. وأما إطلاقات : « ليس على مال اليتيم زكاة » (٣) فإنها مقيدة بها. وكذا ما دل على عدم وجوب الزكاة في مال التجارة ، فإن الجمع العرفي يقتضي تقديم نصوص المقام عليه ، لأنها أخص.

هذا وعن الحلي في مكاسب السرائر ، والسيد في المدارك : نفي المشروعية‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب من تجب عليه الزكاة.

١٩

ولا يدخل الحمل في غير البالغ [١] ، فلا يستحب إخراج‌

______________________________________________________

أصلا ولو استحباباً. ووجهه غير ظاهر في قبال النصوص الكثيرة المشتملة على الصحيح. والحمل على التقية لو أمكن لا موجب له. مع أنه غير ممكن لتضمن بعضها نفي الزكاة عن مال اليتيم إلا أن يتجر به ، وهو مخالف لمذهبهم.

هذا إذا كان الاتجار من الولي بمال الطفل للطفل حيث يجوز له ذلك أما إذا كان الاتجار للطفل بماله حيث لا يجوز له ، أو كان قد اقترضه الولي واتجر به لنفسه حيث لا يجوز له ذلك ، فإنه يكون ضامناً للمال قطعاً ولو كان الربح لليتيم حينئذ ، فمقتضى إطلاق غير واحد من النصوص ثبوت الزكاة أيضاً ، كصحيح زرارة وبكير عن أبي جعفر (ع) : « ليس على مال اليتيم زكاة ، إلا أن يتجر به ، فان اتجر به ففيه الزكاة ، والربح لليتيم ، وعلى التاجر ضمان المال » (١). ونحوه خبر سعيد السمان (٢) اللهم إلا أن تحمل على صورة ما لو كان الاتجار لليتيم لا لنفسه ـ كما هو الظاهر من سياقها من كون الاتجار بمال اليتيم بما أنه ماله لا بما أنه مال المتجر ـ فلا تشمل الصورة الثانية. وكأنه لذلك أطلق جماعة نفي الزكاة في الثانية ، خلافاً لآخرين فأثبتوها فيها. ولو اقترضه الولي ـ حيث يصح له ذلك ـ فاتجر به لنفسه فعليه ضمان المال بالاقتراض ، وكان له الربح وعليه الخسران والزكاة استحباباً ، كما في سائر أمواله التجارية ، كما هو واضح.

[١] إجماعاً كما عن الإيضاح. لظهور الأدلة في المولود ، والتعدي إلى الجنين في نفي وجوب الزكاة على أمواله إنما كان لكونه أبعد عن الكمال من اليتيم ، فيكون أولى بنفي الوجوب من اليتيم. مضافاً إلى ما قد يظهر من بعض نصوص النفي : من أن موضوعها غير البالغ الشامل للجنين ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ٨.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ٢.

٢٠