مستمسك العروة الوثقى - ج ٨

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٨

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٤

بل ولو كان للفرار من الصوم [١]. لكنه مكروه [٢].

______________________________________________________

أبي بصير : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الخروج إذا دخل شهر رمضان فقال (ع) : لا ، إلا فيما أخبرك به : خروج إلى مكة ، أو غزو في سبيل الله تعالى ، أو مال تخاف هلاكه ، أو أخ تخاف هلاكه » (١) وما في حديث الأربعمائة : « ليس للعبد أن يخرج إلى سفر إذا دخل شهر رمضان لقول الله عز وجل ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) (٢).

وفيه : أن الحضر ـ لو سلم كونه شرطاً للوجود ـ فلم يؤخذ شرطاً على نحو يجب تحصيله كسائر شرائط الوجود ، بل أخذ بنحو لا يجب تحصيله كما قد يقتضيه ظاهر الآية. والصحيحان المتقدمان كافيان في إثبات ذلك. ولأجلهما ترفع اليد عن ظاهر مصحح أبي بصير‌ ، وحديث الأربعمائة ـ لو سلمت حجية الثاني في نفسه ـ حملا للظاهر على الأظهر فيحملان على الكراهة ، أو ترك الأفضل.

لا يقال : يمكن الجمع بينهما بالتقييد ، بحمل المجوز على صورة وجود الحاجة ، وغيره على غيرها. لأنا نقول : لا مجال لهذا الجمع بالإضافة إلى الصحيح الأول ، لظهوره في الجواز بلا حاجة. وسيأتي ما له نفع في المقام في شرائط وجوب الصوم.

[١] كما هو المشهور. وعن العماني وابن الجنيد وأبي الصلاح : الحرمة بل يلوح ذلك من الشيخ في التهذيب. وهو ضعيف ، لإطلاق الأدلة المتقدمة.

[٢] للنهي عنه فيما سبق ، المحمول عليها جمعاً. نعم ظاهر المدارك : كون الحضر أفضل ، أخذاً بظاهر الصحيح الأول. لكن لا تنافي بينهما ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ٣.

(٢) البقرة : ١٨٥.

٣٨١

( مسألة ٢٦ ) : المد ربع الصاع [١] ، وهو ستمائة مثقال وأربعة عشر مثقالا وربع مثقال. وعلى هذا فالمد : مائة وخمسون مثقالا وثلاثة مثاقيل ونصف مثقال وربع ربع المثقال. وإذا أعطى ثلاثة أرباع الوقية من حقه النجف [٢] فقد زاد أزيد من واحد وعشرين مثقالا [٣] ، إذ ثلاثة أرباع الوقية : مائة وخمسة وسبعون مثقالا.

فصل يجب القضاء دون الكفارة

في أمور :

أحدها : ما مر من النوم الثاني ، بل الثالث [٤]. وإن كان الأحوط فيهما الكفارة أيضاً ، خصوصاً الثالث.

______________________________________________________

لإمكان كون الحضر أفضل ، وكون السفر فيه منقصة موجبة للكراهة.

[١] تقدم الكلام في هذه المسألة في مستحبات الوضوء. فراجع.

[٢] هي ثلاث حقق اسلامبول وثلث ، أعني : تسعمائة وثلاثة وثلاثين مثقالا صيرفياً وثلثاً.

[٣] ولو أعطى حقة النجف لستة أنفار فقد زاد مقداراً أيضاً.

فصل يجب القضاء دون الكفارة

في أمور :

[٤] قد مر الكلام في ذلك في المفطرات. فراجع.

٣٨٢

الثاني : إذا أبطل صومه بالإخلال بالنية [١] ، مع عدم الإتيان بشي‌ء من المفطرات [٢] ، أو بالرياء [٣] ، أو بنية القطع أو القاطع كذلك.

الثالث : إذا نسي غسل الجنابة ومضى عليه يوماً أو أيام كما مر [٤].

الرابع : من فعل المفطر قبل مراعاة الفجر ، ثمَّ ظهر سبق طلوعه [٥] وأنه كان في النهار. سواء كان قادراً على‌

______________________________________________________

[١] فإنه وإن وجب القضاء لتركه للصوم ، لكن لا دليل على وجوب الكفارة ، لاختصاص أدلتها بالإفطار الحاصل باستعمال المفطر ، لا مطلق ترك الصوم ، كما نص عليه في المستند.

[٢] إذ في ظرف الإتيان يدخل تحت الإفطار باستعمال المفطر ، فتشمله أدلة الكفارة. فإن قلت : إذا كان الإخلال بالنية مفطراً ، كان الأكل بعده غير مفطر ، لاستناد الإفطار إلى أسبق علله ، وحينئذ فلا يوجب الكفارة. قلت : لو بني على ذلك لم تجب الكفارة في جميع المفطرات ، لسبقها بنية الإفطار ، التي هي مفطرة. وحينئذ لا بد من حمل نصوص وجوب الكفارة بالإفطار على استعمال المفطر ، ولو كان الإفطار حاصلا بالإخلال بالنية ، أو بالرياء ، أو بنية القاطع ، أو نحو ذلك. أو يقال : بعموم أدلة الكفارة للنية ، لكنها تختص بالنية الملحوقة باستعمال المفطر ، ولا تشمل النية المجردة.

[٣] معطوف على : ( بالإخلال ).

[٤] مر وجوب القضاء في المسألة الخمسين من فصل المفطرات ، وعدم وجوب الكفارة في فصل اعتبار العمد والاختيار في وجوبها.

[٥] بلا خلاف أجده ، كما في الجواهر ، وفي محكي الانتصار : الإجماع‌

٣٨٣

المراعاة ، أو عاجزاً عنها [١] لعمى ، أو حبس ، أو نحو ذلك‌

______________________________________________________

عليه. وكذا عن الخلاف وظاهر الغنية. ويشهد له صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « أنه سئل عن رجل تسحر ثمَّ خرج من بيته وقد طلع الفجر وتبين. فقال (ع) : يتم صومه ذلك ، ثمَّ ليقضيه. وإن تسحر في غير شهر رمضان بعد الفجر أفطر » (١) وموثق سماعة : « سألته عن رجل أكل وشرب بعد ما طلع الفجر في شهر رمضان. فقال (ع) : إن كان قام فنظر فلم ير الفجر فأكل ، ثمَّ عاد فرأى الفجر ، فليتم صومه ، ولا إعادة عليه. وإن كان قام فأكل وشرب ، ثمَّ نظر إلى الفجر فرأى أنه قد طلع ، فليتم صومه ، ويقضي يوماً آخر. لأنه بدأ بالأكل قبل النظر ، فعليه الإعادة » (٢) ونحوهما غيرهما.

هذا كله في وجوب القضاء. وأما عدم الكفارة فيقتضيه الأصل ، بعد اختصاص عموم وجوبها بالإفطار بصورة العمد.

[١] كما مال إليه في الجواهر ، وجعله في المستند الأقوى ، إلا أن يقوم الإجماع على خلافه. لإطلاق النصوص المتقدمة. خلافاً للمشهور ، حيث نفوا القضاء عن العاجز ، بل عن الرياض : نفي وجدان الخلاف فيه للأصل ، مع اختصاص النص والفتوى ـ بحكم التبادر وغيره ـ بصورة القدرة ، كما لا يخفى على من تدبرهما.

لكن الأصل خلاف إطلاق دليل المفطرية. وتقييده بغير الجاهل بالموضوع غير ظاهر ، لعدم المقيد. وأما اختصاص النصوص بالقادر فإنه خلاف الظاهر.

__________________

(١) لاحظ صدر الرواية في الوسائل باب : ٤٤ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١. وذيلها في باب : ٤٥ من الأبواب المذكورة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤٤ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٣.

٣٨٤

أو كان غير عارف بالفجر [١]. وكذا مع المراعاة وعدم اعتقاد بقاء الليل [٢] ، بأن شك في الطلوع ، أو ظن فأكل ، ثمَّ تبين سبقه. بل الأحوط القضاء حتى مع اعتقاد بقاء الليل [٣] ولا فرق في بطلان الصوم بذلك بين صوم رمضان ، وغيره من الصوم الواجب والمندوب. بل الأقوى فيها ذلك حتى مع المراعاة واعتقاد بقاء الليل [٤].

______________________________________________________

[١] لدخوله في إطلاق بعض نصوص الباب ، كالعاجز.

[٢] هذا خلاف إطلاق موثق سماعة ، الدال على نفي القضاء مع المراعاة وإن حصل الشك أو الظن ، ومن المعلوم أنه مقدم على إطلاق أدلة المفطرية ، وإطلاق مثل صحيح الحلبي لو تمَّ. ومنه يظهر ما في الجواهر : من الميل إلى القضاء ، وحكاه عن الروض. لإطلاق أدلة المفطرية. وبأنه أولى بذلك من الظان ببقاء الليل بإخبار الجارية والاستصحاب. إذ في الإطلاق ما عرفت. والأولوية ممنوعة.

[٣] هذا غير واضح. للتسالم على نفي القضاء مع المراعاة ، وفي محكي الانتصار : الإجماع عليه ، وموثق سماعة المتقدم دال عليه. ونحوه ما في مصحح معاوية ، من قوله (ع) : « أما إنك لو كنت أنت الذي نظرت ما كان عليك قضاؤه » (١). وحمله على إرادة أنك لو كنت أنت الذي نظرت لعلمت طلوع الفجر فلم تأكل خلاف الظاهر. ولا سيما بملاحظة باقي نصوص المراعاة. ولا يبعد أن يكون المراد في المتن صورة ترك المراعاة لاعتقاد بقاء الليل. وعليه لا يبعد وجوب القضاء ، لإطلاق الموثق وغيره.

[٤] كما استوضحه في المستند ، واستظهر عدم الخلاف فيه إذا كان‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ملحق حديث : ١.

٣٨٥

______________________________________________________

الواجب غير معين ، ونفى بعض الاشكال فيه ، وعن العلامة وغيره : التصريح به. لاختصاص نصوص الصحة مع المراعاة بغيره ، فإطلاق ما دل على المفطرية ـ بضميمة ما دل على وجوب قضاء الفائت ـ يقتضي القضاء. مضافاً إلى إطلاق ذيل صحيح الحلبي المتقدم (١) ـ فتأمل ـ (٢) ، وموثق إسحاق بن عمار : « قلت لأبي إبراهيم (ع) : يكون علي اليوم واليومان من شهر رمضان ، فأتسحر مصبحاً ، أفطر ذلك اليوم وأقضي مكان ذلك اليوم يوماً آخر ، أو أتم على صوم ذلك اليوم وأقضي يوما آخر؟ فقال (ع) : لا ، بل تفطر ذلك اليوم ، لأنك أكلت مصبحاً ، وتقضي يوماً آخر » (٣) وخبر علي بن أبي حمزة عن أبي إبراهيم (ع) : « عن رجل شرب بعد ما طلع الفجر وهو لا يعلم في شهر رمضان. قال (ع) : يصوم يومه ذلك ، ويقضي يوماً آخر. وإن كان قضاء لرمضان في شوال أو غيره ، فشرب بعد الفجر ، فليفطر يومه ذلك ، ويقضي » (٤). ولا يعارضها مصحح معاوية الآتي‌ ، لأنه مختص بالمعين ، بقرينة القضاء.

وأما الواجب المعين فاستظهر في المدارك إلحاقه برمضان ، في عدم الإفطار مع المراعاة ، وتبعه في الذخيرة والمستند. لعدم الدليل على فساد الصوم ، ولا على وجوب قضائه. لإطلاق صحيح معاوية بن عمار : « قلت لأبي عبد الله (ع) : آمر الجارية أن تنظر الفجر ، فتقول : لم يطلع بعد فآكل ، ثمَّ أنظر فأجده قد كان طلع حين نظرت. قال (ع) : تتم يومك ثمَّ تقضيه. أما إنك لو كنت أنت الذي نظرت ما كان عليك قضاؤه » (٥)

__________________

(١) لاحظ ذلك في أول الأمر الرابع من الأمور المذكورة في هذا الفصل.

(٢) إشارة إلى ما يأتي : من قرب دعوى اختصاصه بصورة عدم المراعاة. منه قدس‌سره.

(٣) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٣.

(٥) تقدم ذلك في التعليقة السابقة.

٣٨٦

الخامس : الأكل تعويلا على من أخبر ببقاء الليل وعدم طلوع الفجر مع كونه طالعاً [١].

______________________________________________________

فإنه شامل لرمضان وغيره. وفيه : أن إطلاق دليل المفطرية ، وإطلاق ما دل على القضاء بالإفطار يقتضي البناء على الإفطار ، ووجوب القضاء. والصحيح المذكور معارض بصحيح الحلبي بالعموم من وجه (١) ، وحمل الصحيح الثاني على غير المعين ، ليس أولى من حمل الصحيح الأول على شهر رمضان. وحينئذ فإن كان الثاني أقرب عرفاً فهو ، وإلا فالمرجع عموم المفطرية والقضاء.

هذا ولكن التحقيق : أن صحيح الحلبي لفظه شامل لصورتي المراعاة وعدمها ، وللمعين وغيره ، وهو مختص برمضان ، وصحيح معاوية مختص بصورة المراعاة في المعين ، وشامل لرمضان وغيره ، والجمع كما يكون بتقييد الأول بعدم المراعاة ، وبتقييده بغير المعين ، يكون أيضاً بتقييد الثاني برمضان. إلا أن الأول لما كان صدره مقيداً بصورة عدم المراعاة جمعاً بينه وبين ما سبق ، فذيله يتعين أيضاً حمله على ذلك ، وحينئذ يرتفع التنافي بينه وبين الثاني ، ولا يتردد الأمر في الجمع بين النحوين الآخرين حتى يرجع إلى دليل آخر ، من جهة عدم المرجح ، وعليه يتم ما استظهر في المدارك. لكن ذلك معارض : بأن قوله (ع) في الثاني : « تتم صومك » مختص برمضان ، فيتعين حمل ما بعده عليه ، فلا يتم الثاني دليلا على الحكم في غيره معيناً أو غيره.

إلا أن يقال : لا وجه لهذا الاختصاص ، بل تقدم احتمال المصنف (ره) تعميم الحكم لمطلق المعين. ولعله لهذا الصحيح الثاني.

[١] بلا خلاف أجده ، كما في الجواهر. لصحيح معاوية السابق.

__________________

(١) تقدم ذلك في أول الأمر الرابع من الأمور المذكورة في هذا الفصل.

٣٨٧

السادس : الأكل إذا أخبره مخبر بطلوع الفجر ، لزعمه سخرية المخبر ، أو لعدم العلم بصدقه [١].

السابع : الإفطار تقليداً لمن أخبر بدخول الليل [٢]

______________________________________________________

وأصالة البراءة من الكفارة.

ثمَّ إن ظاهر إطلاق النص والفتوى : عدم الفرق بين كون المخبر عدلا أولا ، متعدداً أولا. وعن المحقق والشهيد الثانيين ، والمدارك والذخيرة : سقوط القضاء لو كان المخبر عدلين ، لحجية البينة. وفيه : أن حجية البينة ـ كحجية الاستصحاب ـ لا تنافي وجوب القضاء عند انكشاف الخطأ ، فإطلاق قوله (ع) : لو كنت أنت .. » ، مع إطلاق أدلة المفطرية يقتضي تحقق الإفطار بذلك. كما أن عموم وجوب القضاء بالفوت يقتضي وجوبه أيضاً.

[١] بلا خلاف أجده ، كما في الجواهر وعن مجمع البرهان. وعن المدارك : أنه قطع به الأصحاب. لصحيح العيص بن القاسم : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل خرج في شهر رمضان وأصحابه يتسحرون في بيت ، فنظر إلى الفجر فناداهم أنه قد طلع الفجر ، فكف بعض ، وظن بعض أنه يسخر فأكل. فقال : يتم صومه ويقضي » (١). مضافاً إلى ما تقدم في الرابع والخامس ، فإنه يدل على القضاء في المقام بالأولوية.

وأما الكفارة فينفيها أصل البراءة ، وعن ظاهر جماعة : أنه لا خلاف في نفيها في غير صورة إخبار العدلين أو العدل الواحد ، التي سيأتي الكلام فيها.

[٢] كما هو المشهور ، وعن الحدائق : نفي الاشكال فيه ، وفي الرياض : نفي الخلاف فيه. إلا من المدارك في بعض صوره. وعن الخلاف والغنية : الإجماع عليه مع الشك. وهذا ـ مضافاً إلى فحوى ما تقدم في الرابع‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٧ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١.

٣٨٨

______________________________________________________

والخامس ، وإلى إطلاق ما دل على المفطرية ، بضميمة ما دل على إيجابها قضاء الصوم ـ هو العمدة في وجوب القضاء. ولأجله يخرج عما دل بإطلاقه على نفيه ، كصحيح زرارة. قال : « قال أبو جعفر (ع) : وقت المغرب إذا غاب القرص. فإن رأيته بعد ذلك وقد صليت أعدت الصلاة ، ومضى صومك ، وتكف عن الطعام إن كنت أصبت منه شيئاً » (١) ـ ونحوه خبر زيد الشحام ـ (٢) ومصحح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « أنه قال لرجل ظن أن الشمس قد غابت فأفطر ، ثمَّ أبصر الشمس بعد ذلك ، قال (ع) : ليس عليه قضاؤه » (٣). مع إمكان دعوى ظهور الأول في صورة العلم ، والثاني في صورة حصول الظن من الأمارات التي يعرفها لا من الخبر ، فلا يكونان مما نحن فيه.

وأما الاستدلال عليه بما في ذيل موثق أبي بصير وسماعة عن أبي عبد الله (ع) : « في قوم صاموا شهر رمضان فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشمس ، فرأوا أنه الليل ، فأفطر بعضهم ، ثمَّ إن السحاب انجلى فاذا الشمس. فقال (ع) : على الذي أفطر صيام ذلك اليوم. إن الله عز وجل يقول ( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) (٤). فمن أكل قبل أن يدخل الليل فعليه قضاؤه ، لأنه أكل متعمداً » (٥). ففيه : أن الموثق معارض بما يأتي ، فيجب حمله على وجوب إتمام الصوم بعد الإفطار ، نظير صحيح زرارة السابق‌ ، كما قد يشهد به : الاستدلال بقوله تعالى : ( ثم

__________________

(١) الوسائل باب : ٥١ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٥١ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ٥١ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٢.

(٤) البقرة : ١٨٧.

(٥) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١.

٣٨٩

وإن كان جائزاً له [١] ، لعمى أو نحوه. وكذا إذا أخبره عدل ، بل عدلان [٢]. بل الأقوى وجوب الكفارة أيضاً إذا لم يجز له التقليد [٣].

الثامن : الإفطار لظلمة قطع بحصول الليل منها [٤] فبان خطؤه ، ولم يكن في السماء علة. وكذا لو شك [٥] ، أو ظن‌

______________________________________________________

أَتِمُّوا ... ) ، إذ حمله على القضاء يوجب توقف الاستدلال به عليه على مقدمة مطوية ، وهو خلاف الظاهر.

ولأجل ذلك يشكل الاستدلال بذيله ، لامتناع التفكيك بينهما في الحكم إذ هو بمنزلة الكبرى. فتأمل. وأما الكفارة فينفيها أصل البراءة.

[١] إذ الجواز الظاهري لا يمنع من تحقق الإفطار ، لعدم الدليل على الاجزاء معه. ومنه يظهر ضعف ما عن المدارك : من نفي القضاء حينئذ.

[٢] إذ غاية الأمر حجية الخبر حينئذ ، فيجوز معه الإفطار ظاهراً ، وقد عرفت عدم الدليل على الاجزاء. ومنه أيضاً يظهر ضعف ما عن المحقق الثاني : من أنه لا شي‌ء على المفطر لو كان المخبر عدلين ، لحجية شهادتهما.

[٣] لأن الظاهر من الإفطار عمداً ـ الذي هو موضوع الكفارة ـ الإفطار لا عن عذر مع الالتفات إلى الصوم. نعم إذا كان جاهلا بعدم جواز التقليد جرى عليه حكم الجاهل بالحكم ، من انتفاء الكفارة.

[٤] كأنه لعموم أدلة المفطرية ، بضميمة ما دل على وجوب القضاء على من أفطر. وفيه : أن العموم مقيد بصحيح زرارة وخبر الشحام المتقدمين آنفاً ، اللذين قد عرفت انتفاء المعارض لهما. مضافاً إلى مصحح زرارة الوارد في الظن بضميمة الأولوية ، بناء على إطلاق الظن فيه. فالبناء على عدم القضاء ـ كما في المستند ـ متعين. وحال الكفارة حينئذ ظاهر.

[٥] لعموم أدلة المفطرية من غير مقيد ، لعدم شمول النصوص المتقدمة له.

٣٩٠

بذلك [١] منها ، بل المتجه في الأخيرين الكفارة أيضاً ، لعدم جواز الإفطار حينئذ [٢]. ولو كان جاهلا بعدم جواز الإفطار فالأقوى عدم الكفارة [٣] ، وإن كان الأحوط إعطاؤها. نعم لو كانت في السماء علة فظن دخول الليل فأفطر ، ثمَّ بان له الخطأ لم يكن عليه قضاء [٤] ، فضلا عن الكفارة.

______________________________________________________

[١] قد يشكل : بأنه خلاف مصحح زرارة المتقدم ، مع عدم المعارض له ، اللازم حينئذ تقديمه على عموم أدلة المفطرية. وحمل الظن فيه على العلم ، كقوله تعالى : ( الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ ... ) (١) حمل على خلاف الظاهر من دون قرينة.

نعم قوله : « فأفطر » بالفاء الدالة على الترتيب ، يصلح أن يكون قرينة على إرادة خصوص الظن الذي يجوز التعويل عليه. ولا سيما بملاحظة أصالة الصحة في فعل المسلم. وحينئذ لا إطلاق للظن فيه يؤخذ به ، والمتيقن منه ما يجوز العمل به. وهو وإن كان المحكي عن المدارك أنه مطلق الظن حيث لا طريق إلى العلم بلا خلاف. لكنه غير ظاهر ، لخلو أكثر عباراتهم عن التصريح به ـ كما عن الذخيرة ـ وظهور محكي المقنعة في خلافه. فلا يبعد حينئذ تخصيصه بما يحصل من المراعاة مع وجود علة في السماء ، فان جواز العمل به حينئذ إن لم يكن متيقناً من الفتاوى ، فلا أقل من كونه متيقناً من المصحح وغيره. وعليه فإطلاق أدلة المفطرية في غيره محكم.

[٢] فيكون إفطاره من العمد بالمعنى المتقدم ، الذي هو موضوع الكفارة.

[٣] على ما سبق في الجاهل بالحكم.

[٤] للمصحح المتقدم (٢) مضافاً إلى مصحح الكناني قال : « سألت‌

__________________

(١) البقرة : ٤٦.

(٢) لاحظ الأمر السابع من الأمور المذكورة في هذا الفصل.

٣٩١

ومحصل المطلب : أن من فعل المفطر بتخيل عدم طلوع الفجر ، أو بتخيل دخول الليل بطل صومه في جميع الصور إلا في صورة ظن دخول الليل ، مع وجود علة في السماء ، من غيم ، أو غبار ، أو بخار ، أو نحو ذلك. من غير فرق بين شهر رمضان ، وغيره [١] من الصوم الواجب والمندوب. وفي الصور التي ليس معذوراً شرعاً في الإفطار ـ كما إذا قامت البينة على أن الفجر قد طلع ومع ذلك أتى بالمفطر ، أو شك في دخول الليل ، أو ظن ظناً غير معتبر ومع ذلك أفطر ـ يجب الكفارة أيضاً فيما فيه الكفارة.

( مسألة ١ ) : إذا أكل أو شرب ـ مثلا ـ مع الشك في طلوع الفجر ، ولم يتبين أحد الأمرين لم يكن عليه شي‌ء [٢]

______________________________________________________

أبا عبد الله (ع) عن رجل صام ، ثمَّ ظن أن الشمس قد غابت وفي السماء غيم فأفطر ، ثمَّ إن السحاب انجلى فاذا الشمس لم تغب. فقال (ع) : قد تمَّ صومه ولا يقضيه » (١) ونحوه خبر زيد الشحام عنه (ع) (٢) لكن ينبغي تخصيصه بصورة المراعاة التي يجوز العمل فيها بالظن ، لما عرفت‌

[١] لإطلاق النص في المستثنى والمستثنى منه.

[٢] لأصالة عدم تحقق الأكل في النهار ، الذي هو موضوع القضاء ولا يجري استصحاب بقاء الأكل إلى زمان تحقق النهار ، لأنه لا يثبت تحقق الأكل فيه ، لأن الشك ليس في بقاء الأكل وعدمه ، بل في بقاء الليل وعدمه ، فاستصحاب بقاء الليل يقتضي كون الأكل لا في النهار. لا يقال : موضوع القضاء ترك الصوم ، وهو يثبت بأصالة عدم الصوم. لأنه يقال :

__________________

(١) الوسائل باب : ٥١ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٣.

(٢) تقدم ذلك في الأمر السابع من الأمور المذكورة في هذا الفصل.

٣٩٢

نعم لو شهد عدلان بالطلوع ، ومع ذلك تناول المفطر وجب عليه القضاء [١] ، بل الكفارة أيضاً ، وإن لم يتبين له ذلك بعد ذلك. ولو شهد عدل واحد بذلك فكذلك على الأحوط [٢].

( مسألة ٢ ) : يجوز له فعل المفطر ولو قبل الفحص ما لم يعلم طلوع الفجر ، ولم يشهد به البينة ، ولا يجوز له ذلك إذا شك في الغروب عملا بالاستصحاب في الطرفين [٣] ولو شهد عدل واحد بالطلوع أو الغروب فالأحوط ترك المفطر ، عملا بالاحتياط ، للإشكال في حجية خبر العدل الواحد وعدم حجيته. إلا أن الاحتياط في الغروب إلزامي ، وفي الطلوع استحبابي ، نظراً للاستصحاب.

______________________________________________________

الصوم ترك المفطر في النهار ، وقد عرفت أنه بنفسه يثبت بالأصل.

[١] يعني : وجوباً ظاهريا بمقتضى حجية البينة. وكذا وجوب الكفارة فلو انكشف خطأ البينة لم يلزم شي‌ء منهما.

[٢] لاحتمال حجية الخبر. لكن عرفت مكرراً : عدم الدليل عليها فلا مانع من العمل بالأصول المتقدمة ، بل خبر مسعدة بن صدقة ظاهر في نفي الحجية‌ (١).

[٣] يعني : استصحاب بقاء الليل والنهار ، اللذين لا إشكال ظاهراً في حجيتهما في المقام ، بل عد جواز العمل بهما من الضروريات.

وقد يشكل : بأن ظاهر قوله تعالى ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) (٢) ونحوه ـ مما دل على توقيت الصوم وغيره من الموقتات ـ : وجوب إيقاع الفعل الموقت في زمان هو رمضان ، أو غيره من الأوقات ، بنحو مفاد‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب ما يكتسب به حديث : ٤.

(٢) البقرة : ١٨٥.

٣٩٣

التاسع : إدخال الماء في الفم للتبرد بمضمضة أو غيرها ـ

______________________________________________________

كان الناقصة ، وهو لا يثبت باستصحاب النهار أو نحوه الذي هو مفاد كان التامة ، لوضوح تباين المفادين ، فلا يثبت أحدهما بالاستصحاب الجاري في إثبات الآخر. فكما أن استصحاب بقاء الكر في الحوض لا يثبت كرية الماء الموجود فيه ، كذلك استصحاب بقاء النهار لا يثبت نهارية الزمان الخاص الواقع فيه الإمساك ، وإذ لا تثبت نهارية الزمان الخاص لا يجب الإمساك فيه. نعم لو كان الأثر ثابتا لوجود النهار بنحو مفاد كان التامة ، كما إذا قيل : « صم ما دام نهار رمضان » كان استصحاب بقاء النهار كافياً في إثبات وجوب الصوم. إلا أنه خلاف ظاهر دليل التوقيت فيه ، وفي سائر موارد التوقيت التي يؤخذ الزمان فيها قيداً للفعل.

ويمكن أن يدفع الإشكال : بأن ظرفية الزمان الخاص ـ أعني : الليل والنهار ، ونحوهما ـ ليس المراد بها كونه ظرفاً للفعل الموقت حقيقة ، إذ الإضافة بينهما ليست إضافة الظرفية ، إذ كيف يمكن اعتبارها بين حركة الكوكب في القوس الفوقاني أو التحتاني وبين فعل المكلف؟! بل إضافة الظرفية إنما تعتبر بين فعل المكلف والأمد الموهوم ، الذي يعتبر ظرفاً للفعل كما يعتبر أيضاً ظرفاً لليل أو النهار أو غيرهما من الساعات ، فيكون معنى : « صم في رمضان » صم في ذلك الأمد الموهوم الذي يكون ظرفاً لرمضان فترجع الإضافة بين الصوم ورمضان إلى إضافة الاقتران ، نظير الإضافة بين الصلاة والطهارة في قولنا : « صل في طهارة ». وعليه فكما لا إشكال في جريان استصحاب الطهارة لإثبات كون الصلاة في طهارة ، كذلك لا ينبغي الإشكال في جريان استصحاب رمضان لإثبات كون الصوم في رمضان. فلاحظ ، وتأمل.

هذا ولو فرض تحكم الاشكال المذكور أمكن الرجوع ـ في إثبات‌

٣٩٤

فسبقه ودخل الجوف ، فإنه يقضي [١] ،

______________________________________________________

وجوب الصوم في الزمان المشكوك كونه قبل الغروب أو بعده ـ الى استصحاب نفس الوجوب ، فيقال : كان الصوم واجباً ، فهو على ما كان. ولا يقال عليه : إن المعلوم الثبوت سابقاً هو وجوب الصوم في النهار ، والمقصود إبقاؤه هو وجوب نفس الصوم ، فيكون المشكوك غير المتيقن ، وهو مانع من جريان الاستصحاب لاعتبار اتحاد القضية المعلومة والمشكوكة في جريانه. لأنه يقال : هذا المقدار من الاختلاف إنما يقدح بناء على اعتبار الاتحاد بينهما بحسب لسان الدليل. وأما بناء على اعتباره بحسب نظر العرف فلا إشكال فيه ، كما أوضحناه فيما علقناه على مباحث الاستصحاب من الكفاية. فراجع.

كما يمكن أيضاً : جواز الأكل في الزمان المشكوك كونه بعد الطلوع لأصالة البراءة من وجوب الإمساك ، ولظاهر قوله تعالى : ( حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ... ) (١) المحمول على الحكم الظاهري. ولما رواه إسحاق بن عمار : « قلت لأبي عبد الله (ع) : آكل في شهر رمضان حتى أشك؟ قال (ع) : كل حتى لا تشك » (٢). ونحوه غيره.

[١] بلا خلاف فيه في الجملة ، كما في الرياض ، أو بلا خلاف فيه أجده ، كما في الجواهر ، وعن المنتهى : نسبته إلى علمائنا ، وعن الانتصار والخلاف والغنية : الإجماع عليه. واستدل له بموثق سماعة ـ في حديث ـ قال : « سألته عن رجل عبث بالماء يتمضمض به من عطش ، فدخل حلقه. قال (ع) : عليه القضاء. وإن كان في وضوء فلا بأس » (٣) وبصحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « في الصائم يتوضأ للصلاة ، فيدخل‌

__________________

(١) البقرة : ١٨٧.

(٢) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٤.

٣٩٥

ولا كفارة عليه [١]. وكذا لو أدخله عبثاً فسبقه [٢]. وأما‌

______________________________________________________

الماء حلقه. فقال (ع) : إن كان وضوءه لصلاة فريضة فليس عليه شي‌ء وإن كان وضوءه لصلاة نافلة فعليه القضاء » (١) ورواه في الكافي عن حماد عنه (ع) (٢) بضميمة الأولوية. اللهم إلا أن يمنع الحكم في الأصل ـ كما سيأتي ـ فيتعين الحمل على الاستحباب.

نعم قد يعارض الموثق : موثق عمار : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يتمضمض فيدخل في حلقه الماء وهو صائم. قال (ع) : ليس عليه شي‌ء إذا لم يتعمد ذلك. قلت : فان تمضمض الثانية فدخل في حلقه الماء. قال (ع) : ليس عليه شي‌ء. قلت : فان تمضمض الثالثة فقال (ع) : قد أساء ، ليس عليه شي‌ء ، ولا قضاء » (٣) إلا أنه مطلق والموثق مقيد ، فيحمل المطلق على المقيد. ثمَّ إن مورد الموثق المضمضة ، فإلحاق غيرها بها كأنه لإلغاء خصوصيتها.

[١] للأصل ، بعد انتفاء العمد ، الموجب لامتناع الرجوع الى أدلة الكفارة.

[٢] كما عن صريح بعض ، وظاهر محكي الانتصار : الإجماع عليه. وكأنه لمفهوم قوله (ع) في موثق سماعة المتقدم : « وان كان في وضوء .. ».

ودعوى : أن من المحتمل كون المراد من الشرط غير مضمضة العطش فتكون الشرطية الثانية تصريحاً بمفهوم الصدر. في غير محلها ، لاختصاص ذلك بما لو كانت الشرطيتان في كلام المعصوم ، وليس هنا كذلك ، فالأخذ بالمفهوم في محله. ولا سيما مع مناسبته للأولوية الارتكازية. وحينئذ فلا بأس بالتعدي إلى مطلق الإدخال في الفم لغرض ، كتطهير الفم ، والتداوي ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ملحق حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٥.

٣٩٦

لو نسي فابتلعه فلا قضاء عليه أيضاً [١] ، وإن كان أحوط. ولا يلحق بالماء غيره ـ على الأقوى ـ [٢] وإن كان عبثاً. كما لا يلحق بالإدخال في الفم الإدخال في الأنف للاستنشاق أو غيره ، وإن كان أحوط في الأمرين.

( مسألة ٣ ) : لو تمضمض لوضوء الصلاة فسبقه الماء لم يجب عليه القضاء ، سواء كانت الصلاة فريضة [٣] أو نافلة على الأقوى [٤]. بل لمطلق الطهارة [٥] وإن كانت لغيرها من الغايات ، من غير فرق بين الوضوء والغسل. وإن كان الأحوط‌

______________________________________________________

ونحوهما. وإن جزم في الجواهر في الأولين بنفي القضاء ، للأصل.

[١] كما في الجواهر. لخروجه عن النصوص ، فالمرجع فيه : ما دل على عدم قدح النسيان ، مما سبق.

[٢] كما في الجواهر. لعدم الدليل عليه ، وقد عرفت : اعتبار الاختيار في حصول الإفطار. ومنه يعرف الحال في الاستنشاق ، وإن حكي عن صريح الدروس : إلحاقه إذا كان للتبرد بالمضمضة.

[٣] بلا خلاف ، كما جزم به غير واحد ، بل استفاض نقل الإجماع عليه. ويشهد له النصوص المتقدمة ، لاتفاقها على نفي القضاء فيها.

[٤] إجماعاً ، كما عن الخلاف والمنتهى ومحكي الانتصار. ويقتضيه إطلاق موثق سماعة وعمار المتقدمين. نعم يعارضهما : صحيح الحلبي المتقدم. إلا أن يدعى هجره عند الأصحاب ، المسقط له عن الحجية. لكنه محل تأمل لحكاية القول به ـ أو الميل اليه ـ عن جماعة. فتأمل.

[٥] وفي محكي الانتصار ، وعن الغنية والسرائر : الإجماع عليه. ويشهد له إطلاق موثق عمار المتقدم ـ وكذا موثق سماعة ـ بناء على كون‌

٣٩٧

القضاء فيما عدا ما كان لصلاة الفريضة ، خصوصاً فيما كان لغير الصلاة من الغايات.

( مسألة ٤ ) : يكره المبالغة في المضمضة مطلقاً [١] ، وينبغي له أن لا يبلع ريقه حتى يبزق ثلاث مرات [٢].

( مسألة ٥ ) : لا يجوز التمضمض مطلقاً مع العلم بأنه يسبقه الماء إلى الحلق [٣] ، أو ينسى فيبلعه.

______________________________________________________

المراد من الوضوء فيه الطهارة ، وذكر الوضوء بالخصوص لأنه الشائع. وفيه : ما عرفت من أنه مخالف لصحيح الحلبي (١) بل لمفهوم موثق سماعة أيضاً ـ (٢) لأن إرادة مطلق الطهارة من الوضوء لا قرينة عليها.

[١] لمرسل حماد عن الصادق (ع) : « في الصائم يستنشق ، ويتمضمض؟ قال (ع) : نعم ، ولكن لا يبالغ » (٣).

[٢] لخبر زيد الشحام : « في صائم يتمضمض. قال (ع) : لا يبلع ريقه حتى يبزق ثلاث مرات » (٤).

[٣] إذ حينئذ يكون من الإفطار عمداً. وكذا في الفرض الثاني ، كما تقدم نظيره. وتقدم في المسألة الإحدى والسبعين الاشكال فيه : بأن العلم المذكور مصحح للعقاب ، ولا يصحح نسبة الفعل إلى المكلف ، التي هي شرط في حصول المفطرية ، كما يظهر من بعض النصوص.

ثمَّ إن الظاهر من النص والفتوى : جواز المضمضة في غير الفرضين مطلقاً. وعن التهذيب والاستبصار : أنه لا تجوز إذا كانت للتبرد ، مستدلا‌

__________________

(١) ، (٢) تقدم ذكرهما في الأمر التاسع من الأمور المذكورة في هذا الفصل.

(٣) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٣١ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١.

٣٩٨

العاشر : سبق المني بالملاعبة ، أو الملامسة [١] ، إذا لم يكن ذلك من قصده ولا عادته على الأحوط. وإن كان الأقوى عدم وجوب القضاء أيضاً.

فصل في الزمان الذي يصح فيه الصوم

وهو النهار [٢] من غير العيدين [٣].

______________________________________________________

عليه : بما في خبر يونس ، من قوله (ع) : « والأفضل للصائم أن لا يتمضمض » (١). وهو ـ كما ترى ـ قاصر الدلالة ، بل دال على الجواز مطلقاً ، كغيره.

[١] تقدم الكلام فيه في المفطرات. فراجع.

فصل في الزمان الذي يصح فيه الصوم‌

[٢] إجماعاً ، بل ضرورة من المذهب ، بل الدين ـ كما في الجواهر ـ ونحوه في غيره. ويكفي في عدم المشروعية في غيره عدم ثبوتها ، ورواية أبي بصير : « إذا اعترض الفجر وكان كالقبطية البيضاء ، فثم يحرم الطعام ويحل الصيام » (٢). نعم الخبر المذكور ونحوه لا يمنع من الصيام في غير النهار برجاء المطلوبية ، وإنما يمنع عن ذلك العلم بعدم المشروعية ، الحاصل بدعوى الإجماع والضرورة على عدمها.

[٣] فلا يجوز صومهما إجماعاً من المسلمين ، كما في الجواهر وغيرها.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٤٢ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٢.

٣٩٩

ومبدؤه طلوع الفجر الثاني [١] ، ووقت الإفطار ذهاب الحمرة من المشرق [٢]. ويجب الإمساك من باب المقدمة [٣] في جزء من الليل في كل من الطرفين ، ليحصل العلم بإمساك تمام النهار. ويستحب تأخير الإفطار حتى يصلي العشاءين [٤]

______________________________________________________

ويشهد له جملة من النصوص ، ففي خبر الزهري : « وأما الصوم الحرام فصوم يوم الفطر ، ويوم الأضحى » (١). والكلام فيه كما سبق.

[١] بلا خلاف فيه ولا إشكال ، كما يشهد به رواية أبي بصير المتقدمة وغيرها.

[٢] كما هو المشهور. ففي مرسل ابن أبي عمير عمن ذكره عن أبي عبد الله (ع) : « قال : وقت سقوط القرص ووجوب الإفطار من الصيام أن تقوم بحذاء القبلة ، وتتفقد الحمرة التي ترتفع من المشرق ، فاذا جازت قمة الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الإفطار ، وسقط القرص » (٢). وقريب منه غيره. وقد تقدم الكلام في ذلك في مواقيت الصلاة. فراجع.

[٣] يعني : المقدمة العلمية ، كما هو المصرح به هنا ، وفيما سبق في الوضوء والتيمم وغيرهما. وقد تقدم الاشكال عليه : بأن الوجوب العقلي للمقدمة العلمية يختص بما يحتمل انطباق الواجب عليه. ليكون فعله من باب الاحتياط ، فلا يشمل ما يعلم أنه غير الواجب. فيتعين كون الوجوب في المقام ونحوه عرضياً ، للتلازم غالبا بين الإمساك في أول جزء من النهار والإمساك فيما قبله ، فلا تسع قدرة المكلف الجمع بين الإفطار في آخر جزء من الليل والإمساك في أول جزء من النهار. فلاحظ.

[٤] ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « أنه سئل عن الإفطار ، أقبل الصلاة أو بعدها؟ قال (ع) : إن كان معه قوم يخشى‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب الصوم المحرم حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٥٢ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١.

٤٠٠