مستمسك العروة الوثقى - ج ٨

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٨

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٤

بأصل الحكم وجاهلا ببعض الخصوصيات ـ مثل أن السفر إلى أربعة فراسخ مع قصد الرجوع يوجب القصر ، أو أن المسافة‌

______________________________________________________

الإعادة على الجاهل. ومرجع هذا الحمل إلى الحمل الثاني. وإما بأن يحمل الثاني على الجاهل ، فيلزم تقييد ذيل الأول بحمل نفي الإعادة فيه على الجاهل في خارج الوقت ، ويبقى صدره على إطلاقه في وجوب الإعادة على العالم في الوقت وخارجه. ومرجع هذا الحمل إلى الحمل الأول.

ثمَّ إنه لما كان حمل وجوب الإعادة ونفيه على خارج الوقت بعيداً في الصحيح الأول ، من جهة أن التعرض لحكم خارج الوقت دون داخله خلاف الأولى ، ومن جهة أن استعمال لفظ الإعادة في القضاء دون الأداء خلاف الشائع ، يتعين التصرف بحمل الأول على داخل الوقت ، والثاني على خصوص العالم ، ومقتضاه عدم وجوب القضاء على العالم.

ويحتمل الجمع بحمل الصحيح الثاني على خصوص العالم الناسي ، فيجب القضاء فيما عداه من أقسام العالم. ولعله أولى من غيره من أنواع الجمع ، إذ لا يلزم عليه إلا تصرف واحد في الصحيح الثاني ، للعلم بتخصيص وجوب الإعادة على العالم بغير الناسي. وكذا تخصيص عموم قضاء الفائت بغير الناسي ، بخلاف غيره من أنواع الجمع ، فان التصرف فيه متعدد. مضافاً إلى أنه أوفق بإطلاق قضاء الفائت. وإلى إمكان المناقشة في دلالة الصحيح ، بأن قوله : « فأتم الصلاة » ظاهر في أن الإتمام لم يكن مقصوداً من أول الأمر ، وإنما طرأ من جهة النسيان. وإلى أن الإجماعات الدالة على وجوب القضاء على العالم غير الناسي مانعة من حمل وجوب الإعادة في الصحيح على خصوص الوقت. وقد عرفت أن حمله على خارج الوقت بعيد أيضاً. فلا بد من ارتكاب الجمع المذكور ، فإنه لا يلزم منه مخالفة لشي‌ء من ذلك. ومن ذلك تعرف وجه الحكم الذي ذكره المصنف (ره)

١٦١

ثمانية ، أو أن كثير السفر إذا أقام في بلده أو غيره عشرة أيام يقصر في السفر الأول ، أو أن العاصي بسفره إذا رجع إلى الطاعة يقصر ، ونحو ذلك ـ وأتم ، وجب عليه الإعادة في الوقت والقضاء في خارجه [١]. وكذا إذا كان عالماً بالحكم جاهلا بالموضوع ، كما إذا تخيل عدم كون مقصده مسافة مع كونه مسافة ، فإنه لو أتم وجب عليه الإعادة أو القضاء.

______________________________________________________

في الجاهل بقوله : « لم تجب عليه الإعادة فضلا .. » كما هو المشهور كما عن جماعة ، بل عن المقدس البغدادي : الإجماع عليه.

ومما ذكرنا يظهر ضعف ما في الغنية ، وعن الإشارة : من وجوب الإعادة إن ذكر في الوقت ، بل في الأول : دعوى الإجماع عليه. وأضعف منه ما عن العماني : من وجوب الإعادة مطلقاً.

[١] كما عن أكثر من تعرض له. لإطلاق دليل الواقع ، المعتضد بإطلاق صحيح الحلبي (١) ، وخبر الأعمش (٢). بل صحيح العيص بالنسبة إلى الوقت (٣) ، مع عدم المخرج عنها. إلا ما يتوهم من دخوله في صحيح زرارة ومحمد (٤) ، لأن عدم العلم ببعض الخصوصيات يصدق معه عدم العلم بتفسير الآية. أو لأنه يستفاد من الصحيح المذكور كون الوجه في الاجزاء مطلق الجهل. أو مما ورد في الصوم من بعض النصوص المطلقة الشاملة له ، كرواية العيص : « من صام في السفر بجهالة لم يقضه » (٥). ونحوه غيره ، بضميمة عدم القول بالفصل.

لكن الجميع غير ظاهر. إذ الظاهر من التفسير بيان أن المراد من نفي الجناح الوجوب ، والمفروض أنه حاصل له. واستفادة كون الوجه في‌

__________________

(١) ، (٢) ، (٣) ، (٤) تقدم ذلك كله في أوائل التعليقة السابقة.

(٥) الوسائل باب : ٢ من أبواب من يصح الصوم منه حديث : ٥.

١٦٢

وأما إذا كان ناسياً لسفره ، أو أن حكم السفر القصر ، فأتم ، فإن تذكر في الوقت وجب عليه الإعادة ، وإن لم يعد وجب‌

______________________________________________________

الاجزاء مطلق الجهل لا منشأ لها. وعدم الفصل غير ثابت. مع أن الحكم في الصوم غير ثابت. ولو سلم ذلك ، وبني على عدم الفصل ، كان دليله معارضاً بصحيح زرارة ومحمد‌ ، ومقتضى الرجوع إلى الأصل بعد التساقط البطلان ، كما سيأتي في نظيره في الصوم. نعم لو فرض إجمال الصحيح ـ لإجمال التفسير ـ سقط عن الحجية ، وكان المرجع رواية العيص ونحوها. لكنه ممنوع ، وأن الظاهر من التفسير تفسير نفي الجناح بالوجوب.

ومن ذلك يظهر لك الحال في الجاهل بالموضوع ، فإنه من أفراد من قرئت عليه آية التقصير وفسرت له ، فلا مجال لاحتمال دخوله في ذيل صحيح زرارة ومحمد‌ ، بل المتعين دخوله في صدره. وحينئذ يجي‌ء فيه الكلام المتقدم في العامد بعينه.

وقد يستوجه إلحاقه بجاهل الحكم في نفي الإعادة والقضاء للأولوية ، فإن الجاهل بالموضوع معذور فأولى بالتخفيف من الجاهل بالحكم غير المعذور ولاقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء. بل عن المقدس البغدادي : أنه لو فاتته الصلاة قضى تماماً. ولكن ضعفه ظاهر. لمنع الأولوية ، لعدم وضوح المناط في الاجزاء. ولما حرر في محله : من عدم اقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء. مع أنه لو سلما فلا يقتضيان القضاء تماماً ، بل يتوقف ذلك على كون الجاهل بالموضوع حكمه التمام وأن القصر بدل على تقدير الأداء لا مطلقاً وهو كما ترى. ومثله : الناسي لسفره ، والناسي لحكم سفره ، فان الجميع داخل في العالم ، فيجري فيه ما تقدم في العامد ، لاتفاق النصوص المتقدمة عليه. مضافاً إلى إطلاق دليل الواقع.

١٦٣

عليه القضاء في خارج الوقت [١]. وإن تذكر بعد خروج الوقت لا يجب عليه القضاء [٢]. وأما إذا لم يكن ناسياً للسفر‌

______________________________________________________

[١] لما تقدم. أو لعموم قضاء الفائت من دون معارض ، كما عرفت ولا يدخل في صحيح العيص ، لفرض التذكر في الوقت.

[٢] على المشهور. وعن الانتصار ، والخلاف ، والسرائر ، وظاهر التذكرة : الإجماع عليه. بل عن الثالث : دعوى تواتر الأخبار به. إلا أنا لم نقف إلا على ما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله (ع) : « عن الرجل ينسى ، فيصلي في السفر أربع ركعات. قال (ع) : إن ذكر في ذلك اليوم فليعد ، وإن لم يذكر حتى يمضي ذلك اليوم فلا إعادة عليه » (١) ومقتضى الجمود على متن الجواب وإن كان ثبوت الحكم في الظهرين لا غير لاختصاص اليوم بالنهار ، لكن بملاحظة إطلاق السؤال ، وما تقدم في صحيح العيص ، يحمل ذكر اليوم على إرادة مطلق الوقت ، فيثبت الحكم في العشاء أيضاً. ولا سيما مع عدم القول بالفصل.

ومن ذلك يظهر ضعف ما عن الصدوق ، ووالده ، والمبسوط : من وجوب الإعادة مطلقاً لصحيح الحلبي (٢) ، فإنه يجب تقييده بما ذكر. ودعوى : أنه ظاهر في السؤال بعد الوقت ، لاستبعاد وقوع السؤال فيه في الوقت ، غير ظاهرة. والاستبعاد لا يصلح قرينة. مع أنك عرفت أن المراد السؤال عن القضية الفرضية ، لا الخارجية ، فلا مانع من التقييد حينئذ. وأولى منه بالتقييد غيره مما تضمن الأمر بالإعادة مطلقا ولو بعد الوقت.

ثمَّ إن مقتضى ترك الاستفصال في رواية أبي بصير المذكورة عدم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٢.

(٢) تقدم ذلك في أوائل هذه المسألة.

١٦٤

ولا لحكمه ، ومع ذلك أتم صلاته ناسياً [١] ، وجب عليه الإعادة والقضاء [٢].

( مسألة ٤ ) : حكم الصوم فيما ذكر حكم الصلاة ، فيبطل مع العلم والعمد [٣] ،

______________________________________________________

الفرق بين نسيان الحكم والموضوع. لكن قيل : ان المتيقن من النص والفتوى نسيان الموضوع ـ أعني : السفر ـ فيرجع في نسيان الحكم إلى غيره من الأدلة المقتضية للإعادة والقضاء. وفيه : ما أشرنا إليه : من وجوب العمل بالعموم الناشئ من ترك الاستفصال ، ولا موجب للاقتصار على المتيقن. مع أن دعوى : كون متيقن الفتوى نسيان الموضوع غير ظاهر ، لأن ذكر النسيان في كلامهم في سياق العلم والجهل يقتضي اتحاد متعلقهما. فدعوى : كون المتيقن منها نسيان الحكم أولى.

[١] يعني : لصلاته ، بأن غفل عن عددها فصلاها أربعاً.

[٢] بلا إشكال ظاهر. ويقتضيه إطلاق ما تقدم من النصوص ، المعتضد بإطلاق دليل الواقع ، وليس ما يوجب الخروج عنه في الإعادة قطعاً. وأما في القضاء فقد يتوهم عدمه ، لدخوله في رواية أبي بصير‌ ، فيلحقه حكم ناسي الحكم أو السفر. ولكن لا مجال له ، لأن الظاهر من الأربع فيه الأربع في الرباعية ، لا فعل الركعتين الأخيرتين بعنوان الأولتين سهواً كما هو المفروض. وكذا قوله : « فأتم الصلاة » في صحيح العيص (١) فإنه ظاهر في صلاة التمام بعنوان التمام ، فلا يشمل المقام. فلاحظ.

[٣] إجماعاً. ويقتضيه ـ مضافاً إلى إطلاق ما دل على بطلان الصوم في السفر ـ (٢) النصوص الآتية في الجاهل.

__________________

(١) تقدم ذلك في أوائل المسألة السابقة.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب من يصح الصوم منه.

١٦٥

ويصح مع الجهل بأصل الحكم [١] ، دون الجهل بالخصوصيات ودون الجهل بالموضوع.

______________________________________________________

[١] إجماعاً. ويدل عليه صحيح عبد الرحمن البصري عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « سألته عن رجل صام شهر رمضان في السفر ، فقال (ع) إن كان لم يبلغه أن رسول الله (ص) نهى عن ذلك فليس عليه القضاء ، وقد أجزأ عنه الصوم » (١) ، وصحيح الحلبي : « قلت لأبي عبد الله (ع) : رجل صام في السفر ، فقال (ع) : إن كان بلغه أن رسول الله (ص) نهى عن ذلك فعليه القضاء ، وإن لم يكن بلغه فلا شي‌ء عليه » (٢) ، وصحيح العيص عنه (ع) : « من صام في السفر بجهالة لم يقضه » (٣). وفي صحيح ليث : « وإن صامه بجهالة لم يقضه » (٤). ومقتضى إطلاق الأخيرين ـ كما أشرنا إليه سابقاً ـ عدم الفرق بين الجهل بالحكم ، والجهل بالخصوصيات والجهل بالموضوع.

لكن يعارضه في الأخير إطلاق صحيح الحلبي (٥) ونحوه ، الظاهر في اعتبار الجهل بأصل الحكم شرطاً في الصحة ، فيقدم عليه للأخصية. ولو سلم التساوي وعدم الترجيح في الظهور فالمرجع إطلاق ما دل على بطلان الصوم في السفر. وأما الجهل بالخصوصيات فقد يدعى عدم بلوغ النهي فيه ، فلا يجب القضاء معه. لكن الانصاف منع ذلك ، وأن المراد من بلوغ النهي العلم بأصل الحكم ، فيجري فيه ما ذكرنا في الجاهل بالموضوع بعينه.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب من يصح الصوم منه حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب من يصح الصوم منه حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٢ من أبواب من يصح الصوم منه حديث : ٥.

(٤) الوسائل باب : ٢ من أبواب من يصح الصوم منه حديث : ٦.

(٥) تقدم ذلك في أوائل المسألة السابقة.

١٦٦

( مسألة ٥ ) : إذا قصر من وظيفته التمام بطلت صلاته في جميع الموارد [١]. إلا في المقيم المقصر للجهل بأن حكمه التمام.

( مسألة ٦ ) : إذا كان جاهلا بأصل الحكم ، ولكن لم‌

______________________________________________________

[١] على المشهور ، كما عن الروض ، وظاهرهم ، كما في الحدائق. وفي الجواهر : « بل ربما كان ظاهر جميع الأصحاب أيضاً حيث اقتصروا في بيان المعذورية على الأولى ـ وهي عكس الفرض ـ ». لإطلاق أدلة التمام ، الموجب للبطلان. وعن الجامع : الصحة. وعن مجمع البرهان : نفي البعد عنها. وليس له وجه ظاهر غير صحيح منصور عن الصادق (ع) « إذا أتيت بلدة ، فأزمعت المقام عشرة أيام فأتم الصلاة. فإن تركه رجل جاهلاً فليس عليه إعادة » (١) ، وخبر محمد بن إسحاق بن عمار : « سألت أبا الحسن (ع) عن امرأة كانت معنا في السفر ، وكانت تصلي المغرب ركعتين ذاهبة وجائية. قال (ع) : ليس عليها قضاء » (٢).

لكن الخبر غير ظاهر في الجاهل. وحمله عليه بلا وجه ظاهر ، بعد حكاية الإجماع على خلافه ، كما عن الدروس ، ورميه بالشذوذ ، كما عن الشيخ وغيره. وأما الصحيح فالعمل به في مورده لا يخلو عن إشكال بعد إعراض الأصحاب عنه ، فضلاً عن التعدي عنه إلى غيره. بل وإلى الناسي كما عن الجامع.

اللهم إلا أن يقال : إنه لم يثبت إعراضهم عنه ، لعدم تصريحهم بخلافه. ومجرد عدم التعرض لمضمونه غير كاف في إثباته. ولا سيما مع إطلاق بعض معذورية الجاهل بالقصر والإتمام. فالعمل به في مورده ـ كما في المتن ـ لا يخلو من قوة.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ١٧ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٧.

١٦٧

يصل في الوقت ، وجب عليه القصر في القضاء بعد العلم به [١] ، وإن كان لو أتم في الوقت كان صحيحاً. فصحة التمام منه ليس لأجل أنه تكليفه ، بل من باب الاغتفار [٢]. فلا ينافي ما ذكرناه قوله : « اقض ما فات كما فات » ، ففي الحقيقة الفائت منه هو القصر ، لا التمام. وكذا الكلام في الناسي للسفر أو لحكمه ، فإنه لو لم يصل أصلا ـ عصياناً أو لعذر ـ وجب عليه القضاء قصراً.

( مسألة ٧ ) : إذا تذكر الناسي للسفر أو لحكمه في أثناء الصلاة ، فإن كان قبل الدخول في ركوع الركعة الثالثة أتم الصلاة قصراً [٣] واجتزأ بها. ولا يضر كونه ناوياً من الأول للتمام ، لأنه من باب الداعي والاشتباه في المصداق [٤] ،

______________________________________________________

[١] أما قبل العلم به فالمتعين القول باجزاء القضاء تماماً. لإطلاق ما دل على معذورية الجاهل ، الشامل للأداء والقضاء.

[٢] وإن شئت قلت : دليل الصحة إنما دل عليها في ظرف حصول الامتثال به ، لا على انقلاب التكليف إليه مطلقا. فإطلاق ما دل على وجوب القصر عند عدم الامتثال بالتمام محكم ، ومقتضاه وجوب القضاء قصراً.

[٣] بلا كلام ، كما في الجواهر ، حاكياً عن المقدس البغدادي الاعتراف به.

[٤] المستفاد من النصوص : أن القصر والتمام حقيقة واحدة ، يختلف مصداقها باختلاف خصوصيتي الحضر والسفر ، وأن صلاة القصر عين الركعتين الأولتين اللتين فرضهما الله تعالى ، وأن السفر اقتضى سقوط الركعتين الأخيرتين اللتين سنهما النبي (ص). وعليه فالمسافر يتقرب بصلاة القصر‌

١٦٨

لا التقييد ، فيكفي قصد الصلاة ، والقربة بها. وإن تذكر بعد ذلك بطلت [١] ، ووجب عليه الإعادة مع سعة الوقت ،

______________________________________________________

بعين ما يتقرب به الحاضر في الركعتين الأولتين ، فيأتيان بفعل واحد ، ممتثلين أمراً واحداً. غير أن الحاضر يقصد امتثال ذلك الأمر في ضمن امتثاله للأمر المنبسط على الركعات الأربع ، والمسافر يقصد امتثال الأمر المتعلق بالركعتين مستقلا بلا ضم امتثال الآخر اليه ، بل يقصد امتثال الأمر بهما بقيد عدم زيادة عليهما. وهذا المقدار من الاختلاف لا يوجب فرقاً بينهما في أصل التقرب المعتبر في العبادة بالإضافة إلى الركعتين ، وإنما هو اختلاف في الخصوصية. فإن كانت الخصوصية ملحوظة في التقرب على نحو التقييد كان فواتها موجباً لفوات التقرب. وإن كانت ملحوظة فيه على نحو الداعي ، لم يكن فواتها موجباً لفوات التقرب ، كما في سائر موارد الاشتباه في التطبيق.

ودعوى : أن العناوين ـ التي تقصد من باب الاشتباه في التطبيق ولا يقدح تخلفها ـ هي التي لا تؤخذ في موضوع الأمر ، أما ما كان كذلك فتخلفه يوجب فوات المقصود الواجب قصده ، لاعتبار قصد المأمور به في حصول التقرب. مندفعة : بأن قصد المأمور به بقيوده إنما يعتبر في حصول التقرب بالمعنى الأعم من الإجمالي والتفصيلي ، فيمكن قصد قيود المأمور به على ما هي عليه إجمالا ، وقصد غيرها تفصيلاً خطأ. ولا تنافي بين القصدين لاختلافهما بالإجمال والتفصيل.

على أنك عرفت في مباحث النية عدم وضوح الدليل على اعتبار قصد المأمور به في تحقق العبادة ، وإن كان هو المشهور ، بل المحتمل اعتبار قصد الأمر ، لا غير. نعم ربما كان قصد المأمور به دخيلاً في كون الانبعاث عن الأمر ، وربما لا يكون. فراجع.

[١] لحصول الزيادة.

١٦٩

ولو بإدراك ركعة من الوقت [١]. بلى وكذا لو تذكر بعد الصلاة تماماً وقد بقي من الوقت مقدار ركعة ، فإنه يجب عليه إعادتها قصراً [٢]. وكذا الحال في الجاهل بأن مقصده مسافة إذا شرع في الصلاة بنية التمام ثمَّ علم بذلك ، أو الجاهل بخصوصيات الحكم إذا نوى التمام ثمَّ علم في الأثناء أن حكمه القصر. بل الظاهر أن حكم من كان وظيفته التمام إذا شرع في الصلاة بنية القصر جهلا ثمَّ تذكر في الأثناء العدول إلى التمام ولا يضره أنه نوى من الأول ركعتين مع أن الواجب عليه أربع ركعات ، لما ذكر من كفاية قصد الصلاة متقرباً وإن تخيل أن الواجب هو القصر ، لأنه من باب الاشتباه في التطبيق والمصداق ، لا التقييد. فالمقيم الجاهل بأن وظيفته التمام إذا قصد القصر ثمَّ علم في الأثناء يعدل إلى التمام ، ويجتزئ به. لكن الأحوط الإتمام والإعادة ، بل الأحوط في الفرض الأول‌

______________________________________________________

[١] أما مع ضيق الوقت حتى عن الركعة فقد يحتمل إتمامها تماماً ، والاجتزاء بها ، لأنه يلزم من بطلانها وجوب القضاء ، وقد عرفت أنه ساقط عن الناسي. اللهم إلا أن يقال : الدليل إنما دل على الصحة إن ذكر وقد مضى الوقت ، فاذا ذكر قبل مضيه وجب القضاء. وفيه : أن الظاهر من قوله : « وإن كان الوقت قد مضى .. » عدم التمكن من الفعل في الوقت. أو يقال : إن الدليل إنما دل على الصحة لو ذكر بعد الفراغ عنها تماماً ، فلا يشمل ما نحن فيه ، والتعدي إليه غير واضح. فتأمل جيداً.

[٢] لصدق أنه في وقت.

١٧٠

أيضاً الإعادة قصراً بعد الإتمام قصراً.

( مسألة ٨ ) : لو قصر المسافر اتفاقاً لا عن قصد فالظاهر صحة صلاته [١]. وإن كان الأحوط الإعادة. بل وكذا لو‌

______________________________________________________

[١] ادعى في الجواهر : عدم وجدان الخلاف في البطلان بين من تعرض لهذا الفرع. وعلله ـ تبعاً للمبسوط ـ بأنه قد صلى صلاة يعتقد فسادها ، وأنها غير المأمور به. ومقتضى التعليل المذكور كون المراد صورة الالتفات إلى عدم الأمر بالقصر المأتي به. وحينئذ يتعين كون التقرب بلحاظ الأمر التشريعي ، لا الشرعي ، والبطلان حينئذ في محله. لكن إرادة ذلك بعيدة عن ظاهر العبارة ، لأن الظاهر أن قيد الاتفاق راجع الى القصر يعني : كان قاصداً لفعل التمام ، فوقع منه القصر بلا قصد له ، بل من باب الاتفاق. وينحصر فرضه حينئذ في صورتين :

إحداهما : أن يقع منه التسليم بلا قصد إليه أصلا ، ككلام النائم. وحينئذ لا وجه للاجتزاء به ، لفوات التقرب المعتبر فيه. فاما أن يحكم بالبطلان بمثل ذلك ، أولا ، فلا بد من تجديد السلام بقصد الصلاة بعد الالتفات. وثانيتهما : أن يقع منه التسليم سهواً ، بأن يعتقد أن عليه التمام ثمَّ يسلم على الركعتين باعتقاد فعل الأربع. ولا مانع من الالتزام بالصحة وعدم الحاجة إلى استئناف القصر بعد العلم بأنه حكمه ، لما عرفت في المسألة السابقة.

ثمَّ إنه يمكن تصحيح القصر ـ مع الالتفات إلى كون المأمور به هو التمام جهلا ، وإلى أن المأتي به هو القصر ـ بدعوى : كون التشريع ليس في الأمر ، ليلزم فوات التقرب ، بل في تطبيق المأمور به ـ وهو التمام ـ على القصر ، فيأتي بالقصر بدعوى كونه عين التمام المأمور به. لكن كون مراد المصنف (ره) ذلك بعيد جداً ، بل الظاهر أن الفرق بين هذه الصورة‌

١٧١

كان جاهلا بأن وظيفته القصر فنوى التمام ، لكنه قصر سهواً. والاحتياط بالإعادة في هذه الصورة [١] أأكد وأشد [٢].

( مسألة ٩ ) : إذا دخل عليه الوقت وهو حاضر متمكن من الصلاة ، ولم يصل ، ثمَّ سافر وجب عليه القصر [٣]. ولو دخل عليه الوقت وهو مسافر ، فلم يصل حتى دخل المنزل من الوطن ، أو محل الإقامة ،

______________________________________________________

والصورة الآتية : أن قصد التمام فيها كان عن نسيان ، وفي الثانية عن جهل.

[١] وقوى بعض البطلان ، لأن وظيفة الجاهل التمام ، فيكون القصر غير المأمور به. وفيه : ما عرفت آنفا : من أنه لا دليل على كون وظيفة الجاهل التمام مطلقاً حتى لو جاء بالقصر ، وإنما المستفاد من النصوص صحة التمام لو امتثل به ، وهو غير ما نحن فيه. مع أن لازم ذلك وجوب القضاء تماماً لو لم يأت به في الوقت ، وإن علم بعد خروج الوقت أن وظيفة المسافر القصر ، ولم يلتزم به القائل المذكور. وكون دليل القضاء يفيد التوسعة في وقت الأداء لا يجدي ، لأن المطابقة بين الأداء والقضاء مما لا بد منها ، فاذا لم يصل في الوقت في حال الجهل ، فقد فاته التمام ، فدليل القضاء يدل على توسعة الوقت للتمام ، فيجب فعله خارج الوقت ، وإن علم بأن حكم المسافر القصر. مع أن ذلك لو سلم اختص بجاهل الحكم ، لا مطلق الجاهل.

[٢] كأنه للشبهة المتقدمة.

[٣] على المشهور. وعن السرائر : الإجماع عليه. ويقتضيه ـ مضافاً إلى إطلاق ما دل على وجوب القصر على المسافر ـ صحيح إسماعيل بن جابر : « قلت لأبي عبد الله (ع) : يدخل على وقت الصلاة وأنا في السفر ، فلا‌

١٧٢

______________________________________________________

أصلي حتى أدخل أهلي ، فقال (ع) : صل ، وأتم الصلاة. قلت : فدخل علي وقت الصلاة وأنا في أهلي أريد السفر ، فلا أصلي حتى أخرج فقال (ع) : فصل ، وقصر ، فان لم تفعل فقد خالفت والله رسول الله (ص) » (١) وصحيح محمد بن مسلم : « قلت لأبي عبد الله (ع) : الرجل يريد السفر ، فيخرج حين تزول الشمس ، فقال (ع) : إذا خرجت فصل ركعتين » (٢) ولا ينافي الاستدلال بالأخير فرض الخروج حين الزوال ، لأن الخروج المذكور يلازم إمكان التمام قبل الوصول إلى حد الترخص. بل الظاهر أن السؤال كان من جهة وجوب التمام عليه قبل السفر. وخبر الحسن بن علي الوشاء : « سمعت الرضا (ع) يقول : إذا زالت الشمس وأنت في المصر ، وأنت تريد السفر فأتم. فإذا خرجت وأنت بعد الزوال قصر العصر » (٣) بناء على ما هو الظاهر من إرادة الإتمام في المصر. واحتمال إرادة الإتمام بعد الخروج ـ كما عن الكافي ـ خلاف الظاهر.

نعم يعارضها صحيحة محمد بن مسلم : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يدخل من سفره ، وقد دخل وقت الصلاة وهو في الطريق ، فقال عليه‌السلام : يصلي ركعتين. وإن خرج إلى سفره وقد دخل وقت الصلاة فليصل أربعاً » (٤) ، ومصححته عنه (ع) : « عن رجل يدخل [ مكة ] من سفره وقد دخل وقت الصلاة. قال (ع) : يصلي ركعتين. فان خرج إلى سفره وقد دخل وقت الصلاة فليصل أربعاً » (٥) ، وصحيح‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢١ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٢١ من أبواب صلاة المسافر حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٢١ من أبواب صلاة المسافر حديث : ١٢.

(٤) الوسائل باب : ٢١ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٥.

(٥) الوسائل باب : ٢١ من أبواب صلاة المسافر حديث : ١١.

١٧٣

______________________________________________________

زرارة المروي عن مستطرفات السرائر عن أحدهما (ع) : « أنه قال في رجل مسافر نسي الظهر والعصر حتى دخل أهله ، قال (ع) : يصلي أربع ركعات. وقال لمن نسي الظهر والعصر وهو مقيم حتى يخرج ، قال (ع) : يصلي أربع ركعات في سفره. وقال : إذا دخل على الرجل وقت صلاة وهو مقيم ، ثمَّ سافر ، صلى تلك الصلاة التي دخل وقتها عليه وهو مقيم أربع ركعات في سفره » (١) ، وخبر بشير النبال : « خرجت مع أبي عبد الله (ع) حتى أتينا الشجرة ، فقال لي أبو عبد الله (ع) : يا نبال ، قلت : لبيك. قال (ع) : إنه لم يجب على أحد من أهل هذا العسكر أن يصلي أربعاً غيري وغيرك. وذلك : إنه دخل وقت الصلاة قبل أن نخرج » (٢).

لكن لم يصرح في الأخير أنهما صليا بعد الخروج ، فمن الجائز أن يكون المراد أنهما صليا قبله أربعاً. وأما الأولان : فالجمع العرفي بينهما وبين ما سبق غير ظاهر. إذ يبعد جداً حمل ما سبق على ما لو كان الخروج قبل الوقت بقليل ، بحيث لا يمكن فعل التمام قبل الوصول إلى حد الترخص ، إذ يأباه جداً قوله في الصحيح الأول : « فلا أصلي حتى أخرج ». كما أنه يبعد أيضاً حمل الأخيرة على الصلاة أربعاً قبل الخروج ، أو بعده قبل الوصول إلى محل الترخص. وكون التصرف فيها بذلك أقرب من التصرف في الأول بما سبق ، غير كاف في كون الجمع عرفياً غير محتاج الى شاهد على أنه لا يتأتى في صحيح زرارة.

كما أن الجمع بينهما بالتخيير ـ كما عن الشيخ في الخلاف واحتمله في التهذيب والاستبصار ، حملا للأمر على الوجوب التخييري ، كما يشهد به‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢١ من أبواب صلاة المسافر حديث : ١٣.

(٢) الوسائل باب : ٢١ من أبواب صلاة المسافر حديث : ١٠.

١٧٤

______________________________________________________

صحيح منصور بن حازم قال : « سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : إذا كان في سفر فدخل عليه وقت الصلاة قبل أن يدخل أهله ، فسار حتى دخل أهله ، فإن شاء قصر ، وإن شاء أتم. والإتمام أحب الي » (١) ـ مما لا مجال له. لصراحة صحيح إسماعيل بالوجوب التعييني ، لأن التفصيل بين الدخول والخروج يأبى ذلك جداً. وصحيح منصور ـ مع أنه مختص بصورة الرجوع إلى الأهل ، كما هو موضوع المسألة اللاحقة ـ لا مجال للعمل به في مورده بعد إعراض المشهور عنه ، فضلا عن التعدي عنه إلى المقام.

ونحوه : الجمع بينهما بحمل الأول على صورة سعة الوقت ، والأخيرة على صورة ضيقه ـ كما عن الفقيه والنهاية ، وموضع من المبسوط والكامل ـ بشهادة موثق إسحاق : « سمعت أبا الحسن (ع) يقول : في الرجل يقدم من سفره في وقت الصلاة ، فقال (ع) : إن كان لا يخاف فوت الوقت فليتم ، وإن كان يخاف خروج الوقت فليقصر » (٢). فإنه أيضاً يرد عليه ما سبق من منافاته للتفصيل المشتمل عليه نصوص الطرفين ، ولما هو كصريح صحيح إسماعيل. ومن اختصاصه بصورة القدوم من السفر وعدم إمكان العمل به في مورده.

مضافاً إلى قرب دعوى : إرادة أنه إن كان في سعة فليدخل وليتم ، وإن كان يخاف الضيق فليقصر في الطريق ، كما ورد في صحيح ابن مسلم عن أحدهما (ع) : « في الرجل يقدم من الغيبة فيدخل عليه وقت الصلاة فقال (ع) : إن كان لا يخاف أن يخرج الوقت فليدخل وليتم ، وإن كان يخاف أن يخرج الوقت قبل أن يدخل فليصل وليقصر » (٣).

__________________

(١) الوسائل باب : ٢١ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٩.

(٢) الوسائل باب : ٢١ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٦.

(٣) الوسائل باب : ٢١ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٨.

١٧٥

أو حد الترخص منهما أتم [١]. فالمدار على حال الأداء ، لا حال الوجوب والتعلق. لكن الأحوط في المقامين الجمع.

______________________________________________________

وحيث تعذر الجمع العرفي وغيره بينها فاللازم الرجوع إلى المرجحات ومقتضاها تعين العمل بالطائفة الأولى ، لموافقتها لعموم وجوب القصر على المسافر ، وسلامتها من الوهن الحاصل للثانية ، حيث تضمنت أن العبرة في صورة الدخول أيضاً بحال الوجوب ، ولم يعرف القائل به هناك ، كما سيأتي مؤيداً ذلك كله بموافقة الشهرة الفتوائية. والإجماع المنقول. ولما قد يظهر من صحيح إسماعيل ـ حيث تضمن أن التمام مخالفة لرسول الله (ص) ، مؤكداً ذلك بالقسم ـ من أن التمام موافق للعامة.

ومن ذلك يظهر ضعف القول بوجوب الإتمام في المقام اعتباراً بحال الوجوب ، كما نسب إلى مشهور المتأخرين ، وحكي عن المقنع ، وكثير من كتب العلامة ، والشهيدين ، والمحقق الثاني ، وغيرهم. فلاحظ.

[١] كما هو المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً ، فإن القول هنا بكون الاعتبار بحال الوجوب ضعيف القائل ، حيث حكي عن غير واحد دعوى عدم الوقوف عليه. وإن كان يظهر من الشرائع وغيرها وجوده ، لكنه غير ظاهر. بل عن السرائر : « لم يذهب إلى ذلك أحد ولم يقل به فقيه ، ولا مصنف ذكره في كتابه ، لا منا ، ولا من مخالفينا ».

ويشهد له من النصوص ـ مضافاً إلى ما تقدم من صحيح إسماعيل بن جابر (١) ـ : صحيح العيص قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يدخل عليه وقت الصلاة في السفر ، ثمَّ يدخل بيته قبل أن يصليها. قال عليه‌السلام : يصليها أربعاً. وقال (ع) : لا يزال مقصراً حتى يدخل بيته » (٢).

__________________

(١) راجع أوائل المسألة.

(٢) الوسائل باب : ٢١ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٤.

١٧٦

______________________________________________________

ويعارضها ـ مضافاً إلى ما تقدم ـ خبر موسى ابن بكر عن زرارة عن أبي جعفر (ع) : « أنه سئل عن رجل دخل وقت الصلاة وهو في السفر ، فأخر الصلاة حتى قدم ، وهو يريد يصليها إذا قدم إلى أهله ، فنسي حين قدم إلى أهله أن يصليها حتى ذهب وقتها. قال (ع) : يصليها ركعتين صلاة المسافر ، لأن الوقت دخل وهو مسافر ، كان ينبغي أن يصلي عند ذلك » (١). فإنه وإن كان وارداً في القضاء ، لكن ظاهر التعليل فيه عموم الحكم للأداء ، بل عموم الحكم لصورة الخروج.

هذا وقد عرفت الإشارة إلى امتناع الجمع العرفي بين النصوص ، كامتناع الجمع بالتخيير ، وإن كان يشهد به هنا صحيح منصور المتقدم (٢) وكذا بالتفصيل بين ضيق الوقت وسعته ، وإن كان يشهد به موثق إسحاق المتقدم (٣). فيتعين الرجوع إلى الترجيح ، وهو يقتضي العمل بالطائفة الأولى ، لما عرفت ، بل هنا أولى.

وهنا قولان آخران : ( أحدهما ) : الاعتبار في المسألة الأولى بحال الأداء ، وفي هذه المسألة بحال الوجوب. وكأنه للاعتماد على ما دل على ذلك في كل من المسألتين ، وطرح معارضه. ( وثانيهما ) : الاعتبار في المسألة الأولى بحال الوجوب ، وفي المسألة الثانية بحال الأداء ، عكس التفصيل السابق. وكأنه لنظير ما ذكر أولا في التفصيل الأول. أو لما روي في البحار ، عن كتاب محمد بن المثنى الحضرمي ، عن جعفر بن محمد بن شريح عن ذريح المحاربي ، قال : « قلت لأبي عبد الله (ع) : إذا خرج الرجل مسافراً وقد دخل وقت الصلاة كم يصلي؟ قال (ع) : أربعاً. قلت :

__________________

(١) الوسائل باب : ٢١ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٣.

(٢) راجع أوائل المسألة.

(٣) راجع التعليقة السابقة.

١٧٧

( مسألة ١٠ ) : إذا فاتت منه الصلاة ، وكان في أول الوقت حاضراً وفي آخره مسافراً أو بالعكس ، فالأقوى أنه مخير بين القضاء قصراً أو تماماً [١] ، لأنه فاتت منه الصلاة‌

______________________________________________________

فإن دخل وقت الصلاة وهو في السفر. قال (ع) : يصلي ركعتين قبل أن يدخل أهله. فإن دخل المصر فليصل أربعاً » (١).

لكن التفصيلين معاً ضعيفان. إذ ما ذكر لهما من الوجه ـ عدا الرواية ـ كما ترى اقتراح من غير وجه. والرواية ـ على تقدير اعتبار سندها ـ لا تصلح معارضة لجميع ما سبق ، فطرحها ، وإرجاعها إلى أهلها متعين. والله سبحانه أعلم.

[١] لأنه يدور الأمر بين عدم وجوب قضاء أحدهما ، ووجوب قضاء كل منهما ، ووجوب قضاء أحدهما بخصوصه تعييناً ، ووجوب قضاء أحدهما تخييراً. لكن الأول : مخالفة لدليل وجوب القضاء. والثاني : يتوقف على وجود مصلحتين عرضيتين فيهما ، وهو منتف. والثالث : ترجيح بلا مرجح ، لأن خصوصية كل من القصر للمسافر والتمام للحاضر على نحو واحد في اعتبارها في المصلحة. فيتعين الأخير.

نعم قد تقدمت هذه المسألة في قضاء الصلاة ، وذكرنا : أن المتعين ـ بحسب القواعد ـ القضاء قصراً في الفرض الأول ، وتماماً في الثاني ، بناء على أن العبرة في المسألة السابقة بحال الأداء ، لأن الفوت الذي هو موضوع القضاء قد جعل موضوعه الفرض ، فيجب أن يكون مقارناً له ، ولا ريب أن الفرض المقارن للفوت إنما يصدق على ما وجب في آخر الوقت ، لأنه ـ بعد انقلاب الواجب من القصر الى التمام ، أو من التمام الى القصر ـ يكون المطالب به المكلف والواجب عليه تعييناً هو الثاني لا غير ، فاذا تركه إلى آخر الوقت كان هو الفرض الفائت ، فيتعين قضاؤه. أما ما وجب أولا ففي زمان‌

__________________

(١) مستدرك الوسائل باب : ١٥ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٢.

١٧٨

في مجموع الوقت ، والمفروض أنه كان مكلفاً في بعضه بالقصر وفي بعضه بالتمام. ولكن الأحوط مراعاة حال الفوت ، وهو آخر الوقت. وأحوط منه الجمع بين القصر والتمام.

( مسألة ١١ ) : الأقوى كون المسافر مخيراً بين القصر والتمام في الأماكن الأربعة [١] ، وهي مسجد الحرام ، ومسجد‌

______________________________________________________

الفوت ليس بفرض ، وفي حال كونه فرضاً ليس بفائت ، لكون المفروض أنه تبدل بواجب آخر. نعم مقتضى خبر زرارة المتقدم وجوب القضاء بلحاظ حال الوجوب. لكن عرفت إشكاله في المسألة السابقة.

وأما ما في المتن : من التخيير فيتوقف على كون الفائت هو الجامع بين القصر والتمام ، مع أنه لم يكن مفروضاً على المكلف في زمان من أزمنة الأداء ، لا في حال السفر ، ولا في حال الحضر. ولعل ما ذكرنا ظاهر بأقل تأمل.

[١] على المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً ، ونسب الى مذهب الأصحاب ومتفرداتهم. وعن السرائر وظاهر الخلاف : الإجماع عليه. وظاهر مفتاح الكرامة : تكثر دعوى الإجماع. للأخبار الكثيرة الدالة عليه ، التي منها الصحيح والموثق وغيرهما. وفي فهرست الوسائل : أنها أربعة وثلاثون حديثاً على اختلاف في مضامينها (١). فمنها : صحيح ابن الحجاج : « سألت أبا عبد الله (ع) عن التمام بمكة والمدينة ، فقال (ع) : أتم وإن لم تصل فيهما إلا صلاة واحدة » (٢) ، ومصحح حماد بن عيسى عنه (ع) : « من مخزون علم الله الإتمام في أربعة مواطن : حرم الله ،

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٢٥ من أبواب صلاة المسافر ، ومستدرك الوسائل باب : ١٨ من أبواب صلاة المسافر.

(٢) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٥.

١٧٩

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومسجد الكوفة ، والحائر الحسيني عليه‌السلام. بل التمام هو الأفضل ، وإن كان الأحوط هو القصر.

______________________________________________________

وحرم رسوله (ص) ، وحرم أمير المؤمنين (ع) ، وحرم الحسين (ع) » (١) وصحيح ابن مهزيار : « كتبت إلى أبي جعفر الثاني (ع) : إن الرواية قد اختلفت عن آبائك في الإتمام والتقصير للصلاة في الحرمين ، فمنها : يأمر بأن يتم الصلاة ولو صلاة واحدة ، ومنها : يأمر أن يقصر ما لم ينو مقام عشرة أيام. ولم أزل على الإتمام فيهما إلى أن صدرنا من حجنا في عامنا هذا ، فان فقهاء أصحابنا أشاروا إلى بالتقصير إذا كنت لا أنوي مقام عشرة ، وقد ضقت بذلك حتى أعرف رأيك. فكتب (ع) بخطه : قد علمت ـ يرحمك الله ـ فضل الصلاة في الحرمين على غيرهما ، فأنا أحب لك إذا دخلتهما أن لا تقصر وتكثر فيهما من الصلاة. فقلت له بعد ذلك بسنتين مشافهة : إني كتبت إليك بكذا ، وأجبت بكذا ، فقال (ع) : نعم. فقلت : أي شي‌ء تعني بالحرمين؟ فقال : مكة ، والمدينة » (٢) إلى غير ذلك ..

نعم يعارضها جملة أخرى آمرة بالقصر ما لم ينو مقام عشرة. منها : صحيح أبي ولاد ، المتقدم في مبحث العدول عن نية الإقامة (٣). ومنها : صحيح ابن بزيع : « سألت الرضا (ع) عن الصلاة بمكة والمدينة تقصير أو إتمام؟ فقال (ع) : قصر ما لم تعزم على مقام عشرة أيام » (٤). ومنها : المصحح عن علي بن حديد : « سألت الرضا (ع) فقلت : إن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب صلاة المسافر حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٤.

(٣) لاحظ المسألة : ١٥ من فصل قواطع السفر.

(٤) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٣٢.

١٨٠