مستمسك العروة الوثقى - ج ٨

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٨

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٤

______________________________________________________

وظائف القضاة والحكام ، ومنها الحكم بالهلال ، فإنه لا ينبغي التوقف عن الجزم بأنه من وظائفهم التي كانوا يتولونها ، فإنه لم يكن بناء المسلمين في عصر صدور هذه النصوص وغيره على الاقتصار في الصوم والإفطار على الطرق السابقة ، أعني : الرؤية ، والبينة ، فمن قام عنده بعض تلك الطرق أفطر مثلا ، ومن لم يقم عنده شي‌ء منها بقي على صومه ، بل كانوا يرجعون إلى ولاة الأمر ، من الحكام ، أو القضاة ، فاذا حكموا أفطروا بمجرد الحكم. وأقل سبر وتأمل كاف في وضوح ذلك ، كيف! ولولاه لزم الهرج والمرج.

ويشير إلى ذلك : صحيح محمد بن قيس المتقدم‌ ، والمرسل المتضمن شهادة الأعرابي برؤية الهلال‌و أمر النبي (ص) منادياً ينادي : « من لم يأكل فليصم. ومن أكل فليمسك » المتقدم في تأخير النية إلى ما قبل الزوال للمعذور (١) وخبر أبي الجارود : « الفطر يوم يفطر الناس ، والأضحى يوم يضحي الناس ، والصوم يوم يصوم الناس » (٢) المتقدم في استعمال المفطر تقية ، وما تضمن قول الصادق (ع) لأبي العباس : « ما صومي إلا بصومك ، ولا إفطاري إلا بإفطارك » (٣) ونحوها.

والظاهر أنه لا فرق في ذلك بين أن يكون مستند الحكم البينة أو الشياع العلمي ، وبين أن يكون علم الحاكم بنفسه ، بناء على جواز حكمه بعلمه ـ كما هو الظاهر ـ حسب ما تحقق في محله من كتاب القضاء ، فإنه إذا صح له الحكم به وجب ترتيب الأثر عليه ، لما دل على وجوب قبوله ، وحرمة رده. فالتردد فيه ـ كما عن المدارك ـ غير ظاهر.

__________________

(١) راجع صفحة : ٢١٤.

(٢) الوسائل باب : ٥٧ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٧.

(٣) الوسائل باب : ٥٧ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٦.

٤٦١

الذي لم يعلم خطؤه ، ولا خطأ مستنده [١] ،

______________________________________________________

[١] لا ينبغي التأمل في عدم جواز العمل بالحكم إذا علم بخطئه الواقع ـ كما إذا حكم بكون الجمعة أول شوال ، وعلمنا بكونه من شهر رمضان ـ لأن حكم الحاكم ليس ملحوظاً في نظر الشارع الأقدس عنواناً مغيراً للأحكام وجوداً وعدما ، بل هو طريق ـ كسائر الطرق ـ حجة على الواقع في ظرف الشك فيه ، فاذا علم الواقع انتفى موضوع الحجية ، لامتناع جعل الحجة على الواقع في ظرف العلم به ، مصيبة كانت الحجة أم مخطئة. وكذا لا مجال للعمل به إذا علم تقصير الحاكم في مقدمات الحكم ، لأن تقصيره مسقط له عن الأهلية للحكم ، فلا يكون موضوعاً لوجوب القبول وحرمة الرد. ولأن الحكم حينئذ يكون فاقداً لبعض الشرائط المعتبرة فيه عند الحاكم ، ويراه حكماً على خلاف حكمهم (ع) ، فكيف يحتمل وجوب العمل به منه أو من غيره؟! وكذا لو فقد بعض الشرائط غفلة من الحاكم ، كما لو حكم تعويلا على شهادة الفاسقين غفلة عن كونهما كذلك ، أو غفلة عن اعتبار عدالة الشاهد.

أما إذا كان جامعاً للشرائط المعتبرة فيه في نظره ، بعد بذله الجهد في معرفتها والاجتهاد الصحيح في إثباتها ، لكن كان الخطأ منه في بعض المبادي ـ كما لو شهد له عنده فاسقان مجهولا الحال عنده ، فطلب تزكيتهما بالبينة ، واعتمد في ثبوت عدالتهما على البينة العادلة ، التي قد أخطأت في اعتقاد عدالتهما ـ وجب العمل بالحكم ، لأنه حكم صحيح في نظر الحاكم فيدخل تحت موضوع وجوب القبول وحرمة الرد. وهكذا كل مورد كان فيه الخطأ من الحاكم في بعض المبادي في الشبهات الموضوعية ، أو الحكمية كما لو أدى اجتهاده إلى حجية الشياع الظني ـ كما عن التذكرة والمسالك وغيرهما ـ لأن الظن الحاصل منه أقوى من الظن الحاصل بالبينة ، فيدل‌

٤٦٢

كما إذا استند إلى الشياع الظني [١].

______________________________________________________

على حجيته ما يدل على حجيتها بالفحوى. أو أدى الى حجية الرؤية قبل الزوال على كون ذلك اليوم من الشهر اللاحق أو نحو ذلك. ففي جميع هذه الموارد يجب العمل بالحكم ، لدخوله تحت دليل الحجية.

وبالجملة : عموم الدليل المتقدم يقتضي وجوب العمل بكل حكم ، إلا في حال العلم بمخالفته للواقع. أو صدوره عن تقصير في بعض المبادي أو غفلة توجب صدور حكمه على خلاف رأي الحاكم واجتهاده.

[١] سوق العبارة يقتضي كونه مثالا لخطأ المستند. ولكنه غير ظاهر بل هو خطأ في الاستناد ، فيكون مثالا لخطأ الحاكم. وكيف كان فلا يتضح الوجه في عدم حجية الحكم إذا أدى نظر الحاكم إلى حجية الشياع الظني ، وقد عرفت دخوله في عموم الحجية.

فإن قلت : إذا كان المكلف لا يرى حجية الشياع الظني ، كان حكم الحاكم ـ اعتماداً عليه ـ حكماً على خلاف حكمهم (ع) في نظر المكلف فلا يجب قبوله. ومجرد كونه معذوراً في حكمه على طبق اجتهاده لا يلزم منه وجوب العمل على من يراه مخطئاً في اجتهاده ، ولا سيما وأن ذلك خلاف المرتكز العقلائي في الحجج. قلت : لو تمَّ هذا اقتضى عدم نفوذ حكم الحاكم على من يخالفه في الرأي ، اجتهاداً أو تقليداً ، وهذا ـ مع أنه خلاف المقطوع به ، إذ لازمه عدم صلاحية الحاكم لحسم التداعي إذا كان ناشئاً من الاختلاف في الأحكام الكلية ، فان حكمه حينئذ لا بد أن يكون مخالفاً لهما ، أو لأحدهما ، فلو بني على عدم نفوذ حكم الحاكم المخالف في الرأي لزم أن يكون التداعي بلا حاسم ، والالتزام به كما ترى ـ خلاف ما يستفاد من مقبولة عمر بن حنظلة‌ ، حيث دلت على وجوب الرجوع الى الحاكم المجتهد إذا كان النزاع في ميراث (١) الظاهر في كونه نزاعاً في الحكم‌

__________________

(١) تقدم ذلك في أوائل الأمر السادس من هذا الفصل.

٤٦٣

ولا يثبت بقول المنجمين [١] ، ولا بغيبوبة الشفق في الليلة الأخرى [٢] ،

______________________________________________________

الكلي ، لا في الموضوع الخارجي. وأقوى منه في الدلالة على ذلك : ما في ذيلها من الرجوع إلى قواعد التعارض عند اختلاف الحكمين ، إذ ذلك إنما يكون وظيفة المجتهد ، كما يظهر بأقل تأمل.

وقد أشار الى بعض ما ذكرنا المصنف (ره) في قضائه ، تبعاً لما في الجواهر ، قال (ره) : « ولا يجوز له ( يعني : لحاكم آخر ) نقضه ، إلا إذا علم علماً قطعياً بمخالفته للواقع ، بأن كان مخالفاً للإجماع المحقق أو الخبر المتواتر ، أو إذا تبين تقصير في الاجتهاد. ففي غير هاتين الصورتين لا يجوز له نقضه وان كان مخالفاً لرأيه ، بل وإن كان مخالفاً لدليل قطعي نظري كإجماع استنباطي ، أو خبر محفوف بقرائن وأمارات قد توجب القطع مع احتمال عدم حصوله للحاكم الأول .. » وقد تقدم في مباحث التقليد ما له نفع في المقام. فراجع. وتمام الكلام في ذلك موكول الى محله من كتاب القضاء.

[١] لعدم الدليل عليه بعد عدم إفادته العلم. وعن شاذ منا وبعض الجمهور جواز العمل به. لقوله تعالى ( وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) (١) ولجواز العمل عليها في القبلة. وهو كما ترى ، إذ الأول دال على جواز الاهتداء بالنجوم ، لا العمل بقول المنجمين تعبداً بلا اهتداء. والثاني لا يقتضي الجواز هنا ، لما دل على جواز العمل بالظن هناك لصدق التحري الكافي ، وعدم جواز العمل به هنا لأنه من التظني المنهي عنه ، كما تقدم.

[٢] كما هو المشهور. وعن المقنع : « واعلم أن الهلال إذا غاب قبل الشفق فهو لليلة ، وإن غاب بعد الشفق فهو لليلتين ، وإن رئي فيه ظل الرأس فهو لثلاث ليال ». وكأنه لرواية إسماعيل بن الحر عن أبي

__________________

(١) النحل : ١٦.

٤٦٤

ولا برؤيته يوم الثلاثين قبل الزوال [١] فلا يحكم بكون ذلك‌

______________________________________________________

عبد الله (ع) : « إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلة ، وإذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين » (١)

ولكنها مهجورة ، ومعارضة بما هو ظاهر رواية الحسن بن راشد ـ قال : « كتب إلي أبو الحسن العسكري (ع) كتاباً ، وأرخه يوم الثلاثاء لليلة بقيت من شعبان ، وذلك في سنة اثنتين وثلاثين ومائتين ، وكان يوم الأربعاء يوم شك ، وصام أهل بغداد يوم الخميس ، وأخبروا في أنهم رأوا الهلال ليلة الخميس ، ولم يغب إلا بعد الشفق بزمان طويل. قال : فاعتقدت أن الصوم يوم الخميس ، وأن الشهر كان عندنا ببغداد يوم الأربعاء. قال : فكتب إلي : زادك الله تعالى توفيقاً فقد صمت بصيامنا قال : ثمَّ لقيته بعد ذلك ، فسألته عما كتب به الي ، فقال لي : أو لم أكتب إليك إنما صمت الخميس؟ ولا تصم إلا للرؤية » (٢) ـ من عدم الاعتبار بذلك مع فرض الغياب بعد الشفق بزمان طويل. وعن الشيخ في كتابي الأخبار : حمل الأولى على ما إذا كان في السماء علة من غيم ، أو ما يجري مجراه. وفيه : أنه لا شاهد له.

[١] كما هو المشهور شهرة عظيمة يمكن تحصيل الإجماع معها ، كما في الجواهر ، وعن التذكرة : نسبته إلى علمائنا أجمع. ويشهد له ـ مضافاً الى ما دل على انحصار الحجة بغيره (٣) ـ صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع) : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إذا رأيتم الهلال فأفطروا أو شهد عليه عدول من المسلمين. وإن لم تروا الهلال إلا من وسط النهار‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٨ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ١.

٤٦٥

______________________________________________________

أو آخره فأَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ » (١) بناء على أن المراد من الوسط ما قبل الزوال ، بلحاظ كون الأول طلوع الفجر ، ومكاتبة محمد بن عيسى : « جعلت فداك ربما غم علينا هلال شهر رمضان فنرى من الغد الهلال قبل الزوال ، وربما رأيناه بعد الزوال ، فترى أن نفطر قبل الزوال إذا رأيناه أم لا؟ وكيف تأمر في ذلك؟ فكتب (ع) : تتم إلى الليل ، فإنه إن كان تاماً رئي قبل الزوال » (٢) بناء على ان المراد من هلال شهر رمضان هلال شوال ، بقرينة سؤاله عن جواز الإفطار ، وقوله (ع) : « إن كان تاماً .. » ، إذ لا دخل لتمامية هلال شهر رمضان في رؤيته في أوله قبل الزوال ، بل رؤيته كذلك تناسب كونه ناقصاً ، كما هو ظاهر. ورواية الجراح المدائني : « قال أبو عبد الله (ع) : من رأى هلال شوال نهاراً في رمضان فليتم صيامه » (٣) والمرسل عن الفقيه عن أمير المؤمنين (ع) : « إذا رأيتم الهلال ، أو رآه ذوا عدل منكم نهاراً فلا تفطروا حتى تغرب الشمس ، كان ذلك في أول النهار ، أو في آخره. وقال (ع) : لا تفطروا إلا لتمام ثلاثين من رؤية الهلال ، أو بشهادة شاهدين عدلين » (٤) والأخبار المتضمنة للأمر بالصوم للرؤية والإفطار للرؤية ، بناء على انصرافها إلى الرؤية الليلية (٥).

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ١١.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ٨ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ٢.

(٤) لم نعثر على الرواية في الوسائل ومستدركها والفقيه والحدائق. نعم رواه في الجواهر مرسلا عن بعض الكتب.

(٥) راجع الوسائل باب : ٣ من أبواب أحكام شهر رمضان ، وقد تقدم ذكر كثير من هذه الاخبار من أول الفصل الى هنا.

٤٦٦

______________________________________________________

هذا ولكن النصوص الأخيرة غير متعرضة لهذه الحيثية ، بل هي في مقام اعتبار الرؤية ، وعدم الاعتبار ببعض الأمور التي لا تصلح للاعتماد عليها وأما المرسل فمن القريب أن يكون عين صحيح محمد بن قيس ، الذي لا ينافي ما دل على دلالة الرؤية قبل الزوال على كون اليوم من الشهر اللاحق. ورواية جراح مطلقة صالحة للتقييد به. فلم يبق إلا المكاتبة ، وليس هي في وضوح الدلالة ، وصحة السند ، وكثرة العدد كمعارضها ، مثل مصحح حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا رأوا الهلال قبل الزوال فهو لليلة الماضية ، وإذا رأوه بعد الزوال فهو لليلة المستقبلة » (١) وموثق عبيد بن زرارة وعبد الله بن بكير قالا : « قال أبو عبد الله (ع) : إذا رئي الهلال قبل الزوال فذلك اليوم من شوال ، وإذا رئي بعد الزوال فهو من شهر رمضان » (٢) وموثق إسحاق : « سألت أبا عبد الله (ع) عن هلال رمضان يغم علينا في تسع وعشرين من شعبان ، فقال (ع) : لا تصمه إلا أن تراه. فان شهد أهل بلد آخر أنهم رأوه فاقضه ، وإذا رأيته من وسط النهار فأتم صومه الى الليل » (٣) والمرسل عن أبي جعفر (ع) : « .. وإذا رئي هلال شوال بالنهار قبل الزوال فذلك اليوم من شوال ، وإذا رئي بعد الزوال فذلك اليوم من شهر رمضان » (٤).

فالعمدة في رفع اليد عن هذه النصوص : إعراض المشهور عنها ، إذ لا يعرف القول بمضمونها إلا من المرتضى (ره) في شرح المسائل الناصرية دون غيره من كتبه. نعم حكيت متابعته عن جماعة من متأخري المتأخرين‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ٥.

(٣) الوسائل باب : ٨ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ٣.

(٤) الفقيه ج ٢ صفحة ١١٠ طبع النجف الأشرف.

٤٦٧

اليوم أول الشهر ، ولا بغير ذلك [١] مما يفيد الظن ولو كان‌

______________________________________________________

كالمحقق السبزواري في الكفاية والذخيرة ، والكاشاني في الوافي والمفاتيح ، وغيرهما. فلا مجال للاعتماد عليها لذلك. والمسألة لا تخلو عن إشكال.

[١] كالتطوق ، فقد نسب إلى الصدوق : أنه أمارة كونه لليلتين. ويشهد له صحيح مرازم عن أبي عبد الله (ع) : « إذا تطوق الهلال فهو لليلتين » (١) وكعد خمسة أيام من أول الهلال في الماضية ، فالخامس أول الآتية ، كما يشهد به جملة من النصوص ، كرواية محمد بن عثمان الخدري ، عن بعض مشايخه ، عن أبي عبد الله (ع) : « صم في العام المستقبل اليوم الخامس من يوم صمت فيه عام أول » (٢) ونحوها غيرها. وعن عجائب المخلوقات للقزويني : « امتحنوا ذلك خمسين سنة فكان صحيحا ». وكعد شعبان ناقصاً أبداً وشهر رمضان تاماً ابداً ، كما يشهد به جملة أخرى ، كخبر حذيفة بن منصور : « شهر رمضان ثلاثون يوماً لا ينقص أبداً » (٣) وفي خبر معاذ بن كثير ـ بعد بيان الشهور كلها شهر ناقص وشهر تام ـ : « ثمَّ الشهور على مثل ذلك شهر تام وشهر ناقص ، وشعبان لا يتم أبداً » (٤) ونحوهما غيرهما. وعن المفيد في بعض كتبه والصدوق العمل بها.

لكن الجميع مهجور عند الأصحاب معرض عنه. والأخيرة معارضة بجملة أخرى ـ قيل إنها متواترة ـ كصحيح حماد عن أبي عبد الله (ع) : « أنه قال في شهر رمضان : هو شهر من الشهور يصيبه ما يصيب الشهور من النقصان » (٥) ونحوه غيره. فيتعين العمل على المشهور في الجميع.

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٠ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٥ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ٢٦.

(٤) الوسائل باب : ٥ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ٣٢. ولكن رواها في الوسائل مسندة إلى يعقوب بن شعيب. وكذلك في التهذيب ج ٤ صفحة ١٧١ طبع النجف الأشرف والاستبصار ج ٢ صفحة : ٦٧ طبع النجف.

(٥) الوسائل باب : ٥ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ٣.

٤٦٨

قوياً. إلا للأسير ، والمحبوس [١].

( مسألة ١ ) : لا يثبت بشهادة العدلين إذا لم يشهدا بالرؤية [٢] ، بل شهدا شهادة علمية.

( مسألة ٢ ) : إذا لم يثبت الهلال وترك الصوم ، ثمَّ شهد عدلان برؤيته يجب قضاء ذلك اليوم [٣]. وكذا إذا قامت البينة على هلال شوال ليلة التاسع والعشرين من هلال رمضان [٤] ، أو رآه في تلك الليلة بنفسه.

( مسألة ٣ ) : لا يختص اعتبار حكم الحاكم بمقلديه [٥] بل هو نافذ بالنسبة إلى الحاكم الآخر أيضاً إذا لم يثبت عنده خلافه.

______________________________________________________

[١] كما سيأتي.

[٢] للتقييد في نصوص قبول شهادة البينة في المقام بصورة شهادتهما بالرؤية.

[٣] بلا خلاف ظاهر. ويشهد له صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله (ع) : « أنه قال : صم للرؤية ، وأفطر للرؤية. فإن شهد عندك شاهدان مرضيان بأنهما رأياه فاقضه » (١) ‌ونحوه غيره.

[٤] ففي صحيح ابن سنان عن رجل : « صام علي (ع) بالكوفة ثمانية وعشرين يوماً شهر رمضان ، فرأوا الهلال ، فأمر منادياً ينادي : اقضوا يوماً ، فان الشهر تسعة وعشرون يوماً » (٢).

[٥] لإطلاق دليل نفوذ الحكم ، ووجوب قبوله ، وحرمة رده. وقد أشرنا سابقاً إلى أن مقبولة ابن حنظلة ـ بقرينة ما في صدرها من التنازع ،

__________________

(١) تقدم ذلك في أول الفصل ، وعبر هناك بالموثق. فلاحظ.

(٢) الوسائل باب : ١٤ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ١.

٤٦٩

( مسألة ٤ ) : إذا ثبت رؤيته في بلد آخر ولم يثبت في بلده ، فان كانا متقاربين كفى [١] ، وإلا فلا. إلا إذا علم توافق أفقهما وإن كانا متباعدين.

( مسألة ٥ ) : لا يجوز الاعتماد على البريد البرقي [٢]

______________________________________________________

وما في ذيلها من الترجيح ـ ظاهرة في صورة كون المختلفين من المجتهدين (١) ومنه تعرف ظهور قوله (ره) : « بل هو نافذ ». وقد تقدم الكلام فيما يتعلق بقوله : « إذا لم يثبت عنده خلافه ».

[١] إجماعاً قيل. واستدل له بصحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (ع) « أنه قال فيمن صام تسعة وعشرين ، قال (ع) : إن كانت له بينة عادلة على أهل مصر أنهم صاموا ثلاثين على رؤيته قضى يوماً ». وإطلاق ما دل على الاكتفاء بشهادة عدلين بالرؤية. بناء على انصراف الجميع إلى صورة تقارب البلدان.

أقول : لأجل أنه لا ينبغي التأمل في اختلاف البلدان في الطول والعرض الموجب لاختلافها في الطلوع والغروب ، ورؤية الهلال وعدمها ، فمع العلم بتساوي البلدين في الطول لا إشكال في حجية البينة على الرؤية في أحدهما لإثباتها في الآخر. وكذا لو رئي في البلاد الشرقية ، فإنه تثبت رؤيته في الغربية بطريق أولى. أما لو رئي في الغربية فالأخذ بإطلاق النص غير بعيد إلا أن يعلم بعدم الرؤية ، إذ لا مجال حينئذ للحكم الظاهري. ودعوى الانصراف إلى المتقاربين غير ظاهرة.

نعم يحتمل عدم إطلاق النص بنحو يشمل المختلفين ، لوروده من حيث تعميم الحكم لداخل البلد وخارجها ، لا من حيث التعميم للمختلفين والمتفقين. لكن الأول أقوى.

[٢] حيث أن الخبر الحجة لا فرق فيه بين أن يكون بالقول ، وبالكتابة‌

__________________

(١) راجع الأمر السادس من هذا الفصل.

٤٧٠

ـ المسمى بالتلغراف ـ في الاخبار عن الرؤية ، إلا إذا حصل منه العلم ، بأن كان البلدان متقاربين ، وتحقق حكم الحاكم ، أو شهادة العدلين برؤيته هناك.

( مسألة ٦ ) : في يوم الشك في أنه من رمضان أو شوال يجب أن يصوم [١]. وفي يوم الشك في أنه من شعبان أو رمضان يجوز الإفطار ، ويجوز أن يصوم ، لكن لا بقصد أنه من رمضان كما مر سابقا تفصيل الكلام فيه. ولو تبين في الصورة الأولى كونه من شوال وجب الإفطار ، سواء كان قبل الزوال ، أو‌

______________________________________________________

وبالفعل ـ كتحريك الآلات التلغرافية بقصد الاخبار عن الواقع ـ فصاحب التلغراف المحرك لآلاته إن كان عدلا ، بحيث عرف أنه فلان العادل ، كان إخباره بتوسط الآلات التلغرافية خبر عادل يلحقه حكمه ، فإذا انضم إليه عادل آخر كان خبرهما حجة ، فان شهدا برؤيته وجب الصوم أو الإفطار. وكذا إذا شهدا بوجود الحجة ، كحكم الحاكم ، أو البينة ، أو الشياع الموجب للعلم. نعم إذا كان مورد التلغراف غير البلدة التي هي مصدره جرى ما سبق من التفصيل في إلحاق أحد البلدين بالآخر في وجوب الصوم أو الإفطار.

وإن كان المحرك للآلات التلغرافية واحداً ، أو ليس بثقة ، أو غير معروف ، لم يجز العمل بخبره. إلا أن تقوم القرائن القطعية على صدقه ، سواء أخبر بالرؤية أم بالحجة على الرؤية. ومما ذكرنا يظهر عدم خلو عبارة المتن من الحزازة وإن علم المراد. فلاحظ.

[١] بلا ريب ، لما عرفت من النصوص الدالة على كون الصوم والإفطار للرؤية ، فإنها صريحة في ذلك. وقد تقدم الوجه في بقية المسألة في أوائل كتاب الصوم. فراجع.

٤٧١

بعده. ولو تبين في الصورة الثانية كونه من رمضان وجب الإمساك ، وكان صحيحاً إذا لم يفطر ونوى قبل الزوال ، ويجب قضاؤه إذا كان بعد الزوال.

( مسألة ٧ ) : لو غمت الشهور ولم ير الهلال في جملة منها أو في تمامها ، حسب كل شهر ثلاثين [١] ما لم يعلم النقصان عادة.

______________________________________________________

[١] الأكثر ـ كما عن المسالك ـ أنه لو غمت الشهور كلها عد كل شهر ثلاثين. وكأنه لأصالة التمام ، المطابقة لأصالة بقاء الشهر. وقيل : ينقض منها لقضاء العادة بالنقيصة. ولم يعرف قائله ـ كما قيل ـ ولا عرف مقدار النقيصة ، ولا تعيين الشهر الناقص. اللهم إلا أن بكون المراد منهما ما جرت به العادة ، المقتضية للعلم ، الذي يختلف باختلاف الأشخاص والأزمان. وحينئذ يكون مقتضى الاستصحاب بقاء الشهر إلى أن يعلم بانتهائه.

وقد يشكل ذلك : بأن استصحاب بقاء الشهر إنما يجري لو كان الأثر لوجود الشهر وعدمه. أما إذا كان الأثر لكون الزمان المعين من شهر كذا ، فلا يجدي استصحاب بقاء الشهر في إثبات كون الزمان المعين من الشهر الكذائي ، الا على القول بالأصل المثبت. وظاهر قوله تعالى : ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ... ) (١) كون الأثر مجعولا على النحو الثاني لتعليق الفعل به ، حيث جعل الضمير الراجع إلى الشهر مفعولا فيه للصوم ، بلا إناطة لوجوبه بوجوده.

ويندفع : بأنه على تقدير تسليم ما ذكر ، فظاهر الأخبار المتضمنة لقولهم (ع) : « صم للرؤية ، وأفطر للرؤية » (٢). لزوم العمل بما‌

__________________

(١) البقرة : ١٨٥.

(٢) لاحظ أكثرها في الوسائل باب : ٣ من أبواب أحكام شهر رمضان. وقد تقدم ذكر الكثير منها من أول الفصل إلى هنا.

٤٧٢

______________________________________________________

يطابق استصحاب بقاء الشهر ، فلا بأس بالبناء على بقاء شعبان أو رمضان إلى أن يعلم بالخلاف. نعم لو فرض ثبوت أثر شرعي غير الصوم لكون الزمان المعين من شهر كذا جاء الاشكال ، ووجب الرجوع إلى الأصول العملية الجارية في ذلك المورد.

مع أنا قد أشرنا سابقا : إلى أن الخصوصيات الزمانية ـ من الليل والنهار ، ورمضان ، وغيرها ـ إنما أخذت في موضوعات الأحكام ملحوظة بنحو الوجود المقارن ، لا على الظرفية الحقيقية ، فمعنى قوله : « صم في النهار » صم في زمان فيه النهار ـ أعني : كون الشمس فوق الأرض ـ فاستصحاب وجود النهار كاف في إحراز قيد الموضوع ، وليس معناه صم في زمان هو نهار. إذ المراد من الزمان إن كان الأمد الموهوم ، فليس هو مصداقاً للنهار ، وإن كان نفس النهار ، فلا ظرفية حقيقية بينه وبين الصوم ، كما يظهر بأقل تأمل ، فليس المراد به إلا ما ذكرنا ، أعني : صم في زمان فيه حركة الشمس في القوس النهاري ، وفي مثله يكفي في إحراز الموضوع استصحاب بقاء الحركة.

فإن قلت : يرجع ذلك إلى اعتبار المقارنة بين الصوم والنهار ، والمقارنة لا يمكن إثباتها بالاستصحاب. قلت : المقارنة لازم التقييد على النحو المذكور ، لا أنها معناه ، كي يتوجه الاشكال المذكور. فان قلت : وجوب الصوم على النحو المذكور راجع الى اعتبار التقييد بينه وبين النهار على نحو خاص ، والتقييد لا يمكن إثباته بالاستصحاب ، لأنه إن أريد إجراؤه فيه بنفسه ، فليس له حالة وجود سابقة ، بل هو مسبوق بالعدم. وان أريد إجراؤه في النهار ، فلا يمكن إثباته به ، إلا بناء على الأصل المثبت ، لأنه لازم بقاء النهار إلى زمان الصوم. قلت : التقييد ـ بالمعنى المذكور ـ لم يلحظ بالمعنى الاسمي في قبال طرفيه ، وإنما لوحظ بالمعنى الحرفي ، والإضافات الملحوظة كذلك في القضايا الشرعية لا يحتاج في‌

٤٧٣

______________________________________________________

إثباتها إلى أكثر من ثبوت طرفيها حقيقة ، أو تعبداً ، أو ثبوت أحدهما حقيقة والآخر تعبداً ، لأن إثباتها بنفسها يتوقف على ملاحظتها على نحو المعنى الاسمي ، وهو خلف. مع أنه لو لوحظت كذلك فلا بد من ثبوت إضافة بالمعنى الحرفي بينها وبين كل من الطرفين ، فتحتاج أيضاً إلى الإثبات وهكذا يلزم في إثباتها من ملاحظتها بالمعنى الاسمي ، فتثبت إضافة جزئية فيلزم التسلسل.

وبالجملة : الإضافات الجزئية لا تحتاج إلى إثبات زائد على إثبات طرفيها والا أشكل جريان الاستصحاب في طهارة الماء ، وعدالة الإمام ، لأن الماء الطاهر مقيد بالطهارة ، فلو كان استصحاب الطهارة لا يثبت تقييد الماء بها لم ينفع استصحاب الطهارة في ترتيب أحكام الماء الطاهر. وكذا الكلام في الإمام العادل إذا شك في بقاء عدالة الإمام. كيف والعمدة في دليل الاستصحاب صحيح زرارة الوارد في الشك في الحدث بعد الطهارة ، وقد تضمن لزوم استصحاب الطهارة من الحدث ، والطهارة لوحظت شرطاً للصلاة فإذا كان استصحاب الطهارة كافياً في إثبات كون الصلاة على طهارة ، فلم لا يكون استصحاب بقاء النهار كافياً في إثبات كون الصوم في حال النهار؟! وكذا الحال في غيره من الموارد.

وأضعف من ذلك : المنع من جريان الاستصحاب لإثبات جزء المركب لأن الجزء مقيد بالجزء الآخر ، وإثبات الجزء بالاستصحاب لا يثبت التقييد. إذ فيه ـ مضافاً الى ما عرفت ـ : أن الأجزاء لا تقيد فيما بينها ، وإلا لزم تقدم الشي‌ء على نفسه ، لأن تقييد الأول بالثاني يقتضي تقدم الثاني عليه رتبة ، لأن القيد مقدم على المقيد ، وتقييد الثاني بالأول يقتضي كون الأول مقدماً على الثاني رتبة ، فيلزم أن يكون الشي‌ء متقدماً على الآخر ومتأخراً عنه. فالأجزاء لم يلحظ فيما بينها تقييد ، وإنما لوحظت بينها نسبة أخرى‌

٤٧٤

______________________________________________________

بين الإطلاق والتقييد ، فالجزء الأول لو حظ حال الجزء الثاني ، لا مطلقاً ، ولا مقيداً به ، وكذا الجزء الثاني لو حظ حال الجزء الأول ، لا مطلقاً ، ولا مقيداً به. وبذلك افترق الجزء عن الشرط ، فإنه لو حظ تقييد المشروط به ، ولم يلاحظ ذلك في الجزء. ومثل الجزء في ذلك الموضوع بالنسبة إلى حكمه ، فإنه لم يلحظ مقيداً بحكمه ، ولا مطلقاً بالنسبة إليه ، بل لوحظ لا مطلقاً بالنسبة اليه ولا مقيداً به.

وبالجملة : المحقق في محله : أنه يكفي في صحة جريان الاستصحاب كون مجراه مذكوراً في القضية الشرعية ، سواء أكان موضوعاً للحكم ، أم قيداً للموضوع ، أم قيداً لقيده ، فاذا قال : « أكرم عالماً جالساً في دار موقوفة ، وقفها عادل لم يتجاوز عمره خمسين سنة ، في وقت بارد ، بيده عصاً يابسة » فمفردات القضية ـ وهي : الإكرام ، والعلم ، والجلوس ، والدار ، والوقف ، وعدالة الواقف ، وعدم تجاوز عمره خمسين سنة ، وكون الوقت بارداً ، وكون بيده عصاً ، وكون العصا يابسة ـ إذا جرى فيها الاستصحاب ثبت الحكم والإضافات الحرفية لا يحتاج إلى إثباتها في مقابل المفردات.

نعم يجب إثبات المفردات على النحو الذي أخذت عليه عند ذكرها في القضية ، فإذا ذكرت على نحو مفاد كان التامة وجب إثباتها كذلك ، وإذا كانت مأخوذة على نحو مفاد كان الناقصة يجب إثباتها كذلك ، وإلا لم يترتب الحكم ، فلا بد من إثباتها على النحو المذكور في القضية.

وعن الشيخ (ره) في المبسوط ، والعلامة في جملة من كتبه ، والشهيدين في الدروس والروضة : وجوب العمل برواية الخمسة ، أعني : رواية عمران الزعفراني : « قلت لأبي عبد الله (ع) : إن السماء تطبق علينا بالعراق اليومين والثلاثة ، فأي يوم نصوم؟ قال (ع) : أنظر اليوم الذي صمت‌

٤٧٥

( مسألة ٨ ) : الأسير والمحبوس إذا لم يتمكنا من تحصيل العلم بالشهر عملا بالظن [١]. ومع عدمه تخيرا في كل سنة بين الشهور [٢] ، فيعينان شهراً له. ويجب مراعاة المطابقة‌

______________________________________________________

فيه من السنة الماضية فعد منه خمسة أيام ، وصم اليوم الخامس (١) ورواية الخدري المتقدمة (٢) لكن الروايتين ضعيفتان مهجورتان. ولذا حكي عن المختلف في المقام : أن العمل على العادة ، لا الرواية.

لكن في ثبوت العادة إشكال ، ولا سيما وقد قيل : إن ذلك في غير السنة الكبيسية. ويشهد له مكاتبة محمد بن فرج التي رواها السياري (٣) ولو سلم فحجيتها غير ظاهرة. فالعمل على القواعد الأولية متعين.

[١] إجماعاً ، كما عن التذكرة ، والمنتهى. ويشهد له مصحح عبد الرحمن ابن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (ع) : « رجل أسرته الروم ، ولم يصح له شهر رمضان ، ولم يدر أي شهر هو. قال (ع) : يصوم شهراً يتوخى ويحسب. فان كان الشهر الذي صامه قبل شهر رمضان لم يجزئه ، وإن كان بعد شهر رمضان أجزأه » (٤) ونحوه مرسل المقنعة (٥) وموردهما : الأسير فالتعدي عنه إلى المحبوس كأنه لفهم العرف المناط المشترك بينهما.

[٢] من غير خلاف فيه بينهم ، كما في الجواهر ، وفي المدارك : نسبته إلى قطع الأصحاب. وقد يستدل له بالصحيح المتقدم (٦) وفيه : أن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ٣.

(٢) راجع أواخر الأمر السادس من هذا الفصل.

(٣) الوسائل باب : ١٠ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٧ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ١.

(٥) الوسائل باب : ٧ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ٢.

(٦) المراد هو صحيح عبد الرحمن المتقدم في التعليقة السابقة.

٤٧٦

بين الشهرين في سنتين [١] ، بأن يكون بينهما أحد عشر شهراً ولو بان بعد ذلك أن ما ظنه أو اختاره لم يكن رمضان ، فان‌

______________________________________________________

الظاهر من التوخي العمل بما هو أقرب الى الواقع ، فيختص بالظن.

وأضعف منه : الاستدلال له : بأن التعيين سقط اعتباره بالعجز ، فيبقى أصل الصوم. وفيه : أن التعيين قيد في الواجب ، فالعجز عنه عجز عن الواجب مسقط له. مع أن العجز إنما هو عن العلم بالتعيين ، لا نفسه فاللازم الاحتياط بالتكرار إلى أن يحصل العلم بأداء الواجب في وقته. ودعوى لزوم الحرج من الاحتياط التام ممنوعة بنحو الكلية. مع أن لزوم الحرج من الاحتياط يوجب أحد الأمرين ، إما التبعيض في الاحتياط بالاقتصار على المقدار الممكن ، أو سقوط التكليف بالمرة ، على الخلاف فيما لو تعذر الاحتياط في بعض أطراف الشبهة الوجوبية. وكيف كان فلا مصحح للقول بالاكتفاء بالامتثال الاحتمالي. وقياس المقام بما لو تعذرت الصلاة إلى إحدى الجهات الأربع قياس مع الفارق ، لأن الصلاة لا تترك بحال. ولخصوص النص الوارد في تلك المسألة.

نعم هنا شي‌ء ، وهو أنه كما يعلم بوجوب صوم شهر رمضان يعلم بحرمة صوم العيدين ـ بناء على أن حرمته ذاتية ـ فمع تردد شهر رمضان بين الشهور يكون المقام من قبيل الدوران بين المحذورين ، وحينئذ يتخير بين الصوم والإفطار ، كما هو مقتضى حكم العقل عند الدوران بين المحذورين لا التخيير في تعيين الشهر كما ذكر.

نعم لو تردد شهر رمضان بين غير شوال وذي الحجة كان الحكم ما سبق من وجوب الاحتياط بالتكرار. إلا أن يلزم الحرج منه ، فيسقط التكليف بالمرة ، أو يحكم بتبعيض الاحتياط ، على الخلاف المشار اليه آنفا فلاحظ.

[١] لئلا يعلم أن أحد الشهرين ليس رمضان ، فيجب القضاء. إلا‌

٤٧٧

تبين سبقه كفاه [١] ، لأنه حينئذ يكون ما أتى به قضاء. وإن تبين لحوقه وقد مضى قضاه ، وإن لم يمض أتى به. ويجوز له في صورة عدم حصول الظن [٢] أن لا يصوم حتى يتيقن أنه كان سابقاً فيأتي به قضاء. والأحوط إجراء أحكام شهر رمضان على ما ظنه [٣] ، من الكفارة ، والمتابعة ، والفطرة ، وصلاة العيد ، وحرمة صومه ، ما دام الاشتباه باقياً. وإن بان الخلاف عمل بمقتضاه.

______________________________________________________

أن يعلم بسبق رمضان ، فيكون المأتي به بعده قضاء. فالموجب للمطابقة الفرار عن تنجز وجوب القضاء. ومجرد احتمال تحقق القضاء ـ بأن يكون رمضان سابقاً ـ غير كاف في نظر العقل.

نعم لو كان مبنى التخيير سقوط خصوصية الزمان بالعجز ، فيبقى وجوب نفس الصوم بلا قيد الزمان ، كان لعدم اعتبار المطابقة وجه.

[١] وقد يشكل : بأنه خلاف ما نواه. وفيه : أن نية الأداء في مثل المقام من أجل الاشتباه في التطبيق ، لا على نحو التقييد. ولعله يستفاد من ذيل النص.

[٢] هذا الجواز إما لعدم حجية العلم الإجمالي بين التدريجين. وإما من أجل كون المورد من قبيل الدوران بين محذورين. لكن كلا من المبنيين غير ظاهر. مع أنه خلاف ظاهر الإجماع على التخيير ، الموجب للموافقة الاحتمالية. فالبناء على جواز ترك جميع المحتملات بعيد جداً.

[٣] كما عن غير واحد من الأصحاب. وكأنهم فهموا من النص حجية الظن بقول مطلق ، فيثبت جميع اللوازم وملزوماتها بما لها من الأحكام. والنص غير ظاهر في ذلك ، بل لعله ظاهر في وجوب البناء على كون‌

٤٧٨

( مسألة ٩ ) إذا اشتبه شهر رمضان بين شهرين أو ثلاثة أشهر ـ مثلا ـ فالأحوط صوم الجميع [١]. وإن كان لا يبعد إجراء حكم الأسير والمحبوس [٢]. وأما إن اشتبه الشهر المنذور صومه بين شهرين أو ثلاثة فالظاهر وجوب الاحتياط ما لم يستلزم الحرج ، ومعه يعمل بالظن ، ومع عدمه يتخير [٣].

( مسألة ١٠ ) : إذا فرض كون المكلف في المكان الذي نهاره ستة أشهر وليله ستة أشهر ، أو نهاره ثلاثة وليله ستة ، أو نحو ذلك ، فلا يبعد كون المدار في صومه وصلاته على البلدان المتعارفة المتوسطة [٤] ، مخيراً بين أفراد المتوسط. وأما احتمال سقوط تكليفهما عنه فبعيد. كاحتمال سقوط الصوم ، وكون الواجب صلاة يوم واحد وليلة واحدة. ويحتمل كون المدار بلده‌

______________________________________________________

المظنون أنه شهر رمضان شهر رمضان بماله من الأحكام الشرعية لا غير ، ومنها وجوب : الكفارة ، والمتابعة ، وأما وجوب الفطرة ، وصلاة العيد وحرمة صومه ، ونحوها من أحكام اللوازم فغير ظاهر. فلاحظ.

[١] كما عرفت أنه مقتضى القواعد الأولية.

[٢] إذ كما تعدوا عن الأسير إلى المحبوس بمناط الاشتباه الناشئ من القهر والغلبة ـ يمكن التعدي إلى المقام بمناط الجهل بالشهر. وأما التعدي إلى مطلق الجاهل بالزمان الواجب صومه ولو بالنذر فغير ظاهر ، فيتعين العمل فيه بالقواعد.

[٣] العمل بالظن محتاج إلى تقرير مقدمات الانسداد في المورد ، وتماميتها ممنوعة. بل يدور الأمر بين الاحتياط الناقص ، وبين رفع اليد عن التكليف ، على الخلاف المشار اليه آنفاً.

[٤] لا يظهر لهذا وجه ، كيف والصلوات اليومية لها مواقيت معينة‌

٤٧٩

الذي كان متوطناً فيه سابقاً إن كان له بلد سابق.

فصل في أحكام القضاء

يجب قضاء الصوم ممن فاته بشروط ، وهي البلوغ ، والعقل ، والإسلام فلا يجب على البالغ ما فاته أيام صباه [١].

______________________________________________________

مفقودة في الفرض المذكور ، فكيف تجب في غير مواقيتها؟.

وأما الاحتمال الثاني فيمنع عنه : استبعاد سقوط الفرائض المذكورة بالمرة ، وإن كان ثبوتها على نحو خاص لا دليل عليه. وأما وجوب صلاة يوم وليلة فيمنع عنه ـ بالنسبة إلى الظهرين ـ : أنه لا دلوك في الفرض ، كي تجبان عنده. نعم يمكن فرض الفجر ، والمغرب ، والعشاء في حقه ، فتجب عندهما صلواتها. أو يحمل الدلوك على ما يعم الزوال الذي يكون آخر ذلك اليوم الذي يلحقه الغروب بعد ساعات.

وأما الاحتمال الأخير فغريب. والاستصحاب لا مجال له بعد ما عرفت من انتفاء شرائط الوجوب. مع أنه ينتقض باليقين عند وصوله إلى غيره من الأمكنة قبل الوصول إلى المحل المفروض.

وبالجملة : الفرض المذكور خارج عن موضوع الأدلة ، فلا مجال لأعمالها فيه. فإنه لا شهر رمضان ولا غيره من الشهور ، فكيف تجري فيه أحكام شهر رمضان أو غيره؟ فالاحتمال الثالث أوفق بالأدلة.

فصل في أحكام القضاء‌

[١] إجماعاً ، بل ضرورة. وعن ابن أبي عقيل : الأفضل القضاء ، بل هو أحوط. ولا دليل له ظاهر. وأصل البراءة ، بل الاستصحاب ينفيه‌

٤٨٠