مستمسك العروة الوثقى - ج ١٣

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٣

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٣

١

٢

فصل في أحكام الشركة

وهي عبارة عن كون شي‌ء واحد لاثنين أو أزيد ملكاً أو حقاً [١]. وهي ( إما واقعية قهرية ) كما في المال أو الحق الموروث ( وإما واقعية اختيارية ) من غير استناد الى عقد كما إذا أحيا شخصان أرضاً مواتاً بالاشتراك. أو حفرا بئراً.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين محمد وآله الغر الميامين الطيبين الطاهرين المعصومين.

______________________________________________________

فصل في أحكام الشركة‌

[١] قال في الشرائع : « الشركة اجتماع حقوق الملاك في الشي‌ء الواحد على سبيل الشياع » ونحوه في القواعد وغيرها ، بل هو المشهور. وفي جامع المقاصد : « في التعريف نظر ، لانتقاضه بالشركة في القصاص ، وحد القذف ، والخيار ، والرهن ، والشفعة ، ونحو ذلك ، فإنه ليس هناك ملك حقيقي ، فلا مالك حقيقة. وقد صرحوا بأن هذا أحد أقسام الشركة الثلاثة ». وفيه : أن المراد من الملاك ما يشمل ذوي الحقوق التي منها ما ذكره ، إذ الحقوق نوع من الأملاك ، والحق نوع من الملك والاختلاف بينهما بحسب المورد لا غير ، كما أوضحناه في بعض مباحث هذا الكتاب.

٣

أو اغترفا ماءً ، أو اقتلعا شجراً ( وإما ظاهرية قهرية ) [١] كما إذا امتزج مالهما من دون اختيارهما ـ ولو بفعل أجنبي ـ بحيث لا يتميز أحدهما من الآخر ، سواء كانا من جنس واحد ،

______________________________________________________

ولأجل ذلك صح التعبير بقوله : « اجتماع حقوق الملاك » إذ الحقوق لو كانت غير الاملاك لكانت الإضافة مجازية ، إذ الملاك على هذا لا حقوق لهم ، ولا تكون الحقوق إلا لأهل الحقوق ، لا للملاك ، كما هو ظاهر. ومن ذلك يظهر الاشكال فيما ذكره المصنف عدولا عن تعريف المشهور ، إذ زاد قوله (ره) : « ملكاً أو حقاً » فراراً عن الاشكال المذكور. لما عرفت من عدم ورود الإشكال في نفسه. ونقص تقييد على سبيل الإشاعة مع الحاجة إليه ، إذ لولاه لصدقت الشركة فيما إذا كان خشب البيت لشخص وسائر آلاته لآخر وأرضه لثالث ، لصدق كون الشي‌ء الواحد لأكثر من واحد ، مع أنه لا شركة هنا » كما صرحوا بذلك. وحمل الواحد على البسيط الذي لا يتجزأ كما ترى. وكأن عذره أن الشركة التي يقصد تعريفها غير الشركة بالمعنى الشرعي ، كما سيأتي في كلامه قريباً.

[١] قال في الشرائع : « وكل مالين مزج أحدهما بالآخر بحيث لا يتميزان تحققت فيهما الشركة ، اختياراً كان المزج أو اتفاقاً » وألحقه في الجواهر بقوله : « مقصوداً به الشركة أولا ، بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه » وفي القواعد : « وتحصل الشركة بالمزج ، سواء كان اختياراً أو اتفاقاً » ونحوهما عبارات غيرهما. والظاهر منها كون الشركة واقعية تتبدل ملكية كل منهما للجزء المعين في نفس الأمر بالجزء المشاع.

لكن في الجواهر خص ذلك بما إذا كان المزج بقصد الشركة ، أما إذا كان قهراً ، ـ كما في مفروض كلام المصنف ـ أو اختياراً لا بقصدها فالمراد من الشركة الحكمية ، يعني تجري أحكام الشركة حينئذ ويعامل‌

٤

______________________________________________________

معاملتها في الاحكام ، مع بقاء الملكية بمالها من تعلقها بالجزء المعين الخارجي في نفس الأمر ، بحيث لو فرض العلم ببعضه لأحدهما لم يكن للآخر شركة فيه ، بل لو فرض بقاء ما ليس هو إلا لأحدهما أمكن حينئذ الرجوع إلى القرعة عند القائل بها في مثله .. إلى آخر ما ذكر مما يرجع إلى نفي ملكية الجزء المشاع. وكأن هذا هو المراد من الظاهرية في عبارة المتن ، بل في بعض عبارات الجواهر أيضاً ، فالمراد الشركة الحكمية الواقعية ، لا الشركة على وجه الإشاعة لكنها ظاهرية ، لأن جعل هذه الملكية إما مع بقاء الملكية للجزء المعين أو مع انتفائها ، فعلى الأول يلزم اجتماع ملكيتين في موضوع واحد لمالكين ، وعلى الثاني لا ملكية واقعية سوى ملكية المشاع ، فكيف تكون ملكية المشاع ظاهرية؟! اللهم إلا أن يكون مجرد اصطلاح.

وكيف كان فما في الجواهر هو الذي تقتضيه القواعد العامة ، ولا دليل على تبدل الملكية حقيقة ، والأصل عدمه. والإجماع على التبدل غير ثابت. ولا سيما بملاحظة أن سببية المزج للشركة لم يذكره الشيخ ولا غيره من القدماء ، وإنما ذكره المتأخرون ، على ما قيل. وعلى هذا لا يعتبر في حصول الشركة بالمعنى المذكور ـ أعني الحكمية ـ اتحاد الجنس ، ولا اتحاد الوصف ، بل تكون حتى مع تعدد الجنس وفقد التمييز ـ كما في مزج الدبس بالخل ، ودقيق الحنطة بدقيق الشعير ، ودهن الحيوان بدهن النبات ودهن اللوز بدهن الجوز ـ ومع وحدة الجنس واختلاف الوصف ـ كمزج الحنطة الحمراء بالصفراء ـ ومع اختلاف الجنس واختلاف الوصف ـ مثل خلط الماش بالرز ، والحنطة بالشعير إذا فرض تعذر عزله بعضها عن بعض ـ فان الحكم في الجميع هو الشركة الحكمية ، ولا وجه لذكر القيود المذكورة في كلامهم. وبالجملة : الشركة الحكمية ـ بمعنى ترتيب آثار الشركة وأحكامها ـ لا تتوقف على أكثر من الامتزاج ، فيكفي ذلك فيه وإن‌

٥

______________________________________________________

كان تميز بين الاجزاء مثل الأمثلة التي ذكرناها. ومن ذلك يظهر إشكال ما في الجواهر ، فإنه اعترف بأن الشركة في مزج المالين حكمية واعتبر فيها عدم التميز بين الاجزاء. فلاحظ كلامه.

هذا ولكن التحقيق : أن الامتزاج بين المالين الموجب لارتفاع التميز بينهما موجب للشركة الحقيقية ـ كما هو ظاهر الأصحاب وإن كانت أجزاء المالين متميزة في نفس الأمر ـ فإن ذلك من الأحكام العرفية الممضاة لدى الشارع المقدس. بل إن ذلك ـ في الجملة ـ من الضروريات الفقهية والعرفية ، وقد حكي عن التذكرة الإجماع عليه ، وفي المسالك : أنه لا خلاف فيه.

نعم قد يقع الإشكال في عموم الحكم وخصوصه ، والمحكي عن المقداد أنه قال : « الفائدة الثانية : الشركة أمر حادث. وكل حادث لا بد له من سبب ، والسبب هنا قد يكون إرثاً وقد يكون حيازة ـ كما لو اقتلعا شجرة ، أو اغترفا ماء بآنية ـ وقد يكون مزجاً ، كما إذا مزجت الاجزاء المتساوية المصغرة بحيث لا يتميز جزؤ عن جزؤ كالادقة والادهان ، لا كالحنطة والذرة والدخن والسمسم والدراهم الجدد والعتق ». والظاهر عدم الشركة في امتزاج الحنطة بمثلها والذرة بمثلها وكذا الدخن والسمسم. وحمله في الجواهر على إرادة عدم الشركة في امتزاج الأمور المذكورة بغيرها ، لا بمثلها. لكنه خلاف الظاهر جداً. وفي الشرائع : « أما ما لا مثل له ـ كالثوب والخشب والعبد ـ فلا يتحقق فيه المزج ». وحمل على أن المراد عدم الشركة في مزج القيميات مثل الثوب والعبد والخشب ، فيكون ذلك تفصيلا فيه بين المثلي والقيمي. لكن الظاهر من عبارته اعتبار المزج في حصول الشركة ، ولا يتحقق ذلك في مثل الأمثلة المذكورة ، بل يكون من اشتباه أحد المالين بالآخر ، والمرجع فيه القرعة.

والمتحصل مما ذكرنا أمور ( الأول ) : أن التعبير عن الشركة في‌

٦

______________________________________________________

المقام بالظاهرية لم يكن مذكوراً في كلام الأصحاب ، وإنما هو مذكور في كلام المصنف ، وفي الجواهر في بعض مباحث الشركة غير هذا المقام. ( الثاني ) : أن الشركة مع اتحاد الجنس والوصف شركة حقيقية واقعية. ( الثالث ) : أن الشركة مع الامتزاج بين الجنسين ـ سواء انتفى التميز مثل خلط الادهان ومثل خلط الدبس بالخل ، أم كان تمييز ، مثل خلط الحنطة بالشعير ـ أو بين أفراد جنس واحد مع اختلاف الوصف ـ مثل الحنطة الحمراء بالصفراء ـ شركة حكمية ، بمعنى : أنه لا يجوز لأحد المالكين التصرف بدون إذن الأخر ، ويجوز المطالبة بالقسمة ، وأن العوض يكون مشتركاً بين المالكين ( الرابع ) : أن وجه الحكم في المقامين بناء الفقهاء الموافق لبناء العرف ( الخامس ) : أن ما ذكره في الجواهر من حمل الشركة على الشركة الحكمية إن كان ذلك خلافاً منه للفقهاء كان المناسب له التعرض للوجه المسوغ له مع ظهور الإجماع عليه أو دعواه صريحاً ونفي الخلاف فيه. وإن كان ذلك شرحاً لمراد الفقهاء كان المناسب له أيضاً التعرض لوجهه ، فإنه خلاف الظاهر. ولا سيما بملاحظة الشروط المذكورة في كلامهم من اتحاد الجنس وعدم التميز ، فان هذه الشروط لا تكون شرطاً في الحكمية كما عرفت.

هذا وفي الرياض : « واعلم أن المستفاد من كلمة الأصحاب في المقام سيما كلام الفاضل في التذكرة ـ في دعوى الإجماع على حصول الشركة بمزج العروض والأثمان مزجاً لا يتميز معه المالان ـ عدم اشتراط عدم التمييز في نفس الأمر ، بل يكتفى بعدمه في الظاهر وإن حصل في نفس الأمر. وهو مناف لما ذكروه في التعريف من أنها اجتماع الحقوق على الإشاعة ، فإن الظاهر حينئذ منها حيث تطلق أن لا يفرض جزؤ إلا وفيه حق لهما. وبه صرح الفاضل المقداد في شرح الكتاب ـ يعني النافع .. ( الى أن‌

٧

كمزج حنطة بحنطة ، أو جنسين كمزج دقيق الحنطة بدقيق الشعير [١] ، أو دهن اللوز بدهن الجوز ، أو الخل بالدبس ( وإما ظاهرية اختيارية ) كما إذا مزجا باختيارهما لا بقصد الشركة فإن مال كل منهما في الواقع ممتاز عن الأخر ، ولذا لو فرض تمييزهما اختص كل منهما بماله [٢]. وأما الاختلاط‌

______________________________________________________

قال ) : بقي الكلام في التوفيق بين التعريف وما هنا ، والخطب سهل بعد الإجماع على ما هنا ، لعدم الدليل على ما في التعريف من اعتبار الإشاعة بالمعنى المتقدم .. » والظاهر منه أن الشركة في المالين الممتزجين على نحو لا يتميز أجزاؤها في الظاهر ليست على الإشاعة ، بل على شكل آخر وان لم يتعرض له.

وهو كما ترى ، فإن الإجماع الذي ادعاه كما كان على الشركة كان على كون الشركة على نحو الإشاعة. وهذا هو مراد الجواهر من قوله في الاشكال على الرياض : « إن التعريف للشركة الشرعية الموجبة للملك على الإشاعة التي قد ذكروا أسبابها بعد تعريفها ». وكأنه يخالف ما ذكره سابقاً من كون الشركة حكمية لا حقيقية. على أن الشركة لا بمعنى الملك على الإشاعة ليست من الأحكام الشرعية ، بل الأحكام الواقعية التابعة لأسبابها الواقعية ، نظير الشركة في النسب والبلد والمهنة ، وليس من وظيفة الفقهاء التعرض لها.

[١] قال في الشرائع بعد العبارة المحكية سابقا : « ويثبت ذلك في المالين المتماثلين في الجنس والصفة ». وظاهره اختصاص الشركة بذلك فيكون امتزاج الجنسين أو الفردين من جنس واحد مع اختلاف الصفة خارجاً عن مورد الشركة الحقيقية وإن كان داخلا في مورد الشركة الحكمية.

[٢] هذا لا يدل على انتفاء الشركة قبل التميز الحادث من باب‌

٨

مع التميز فلا يوجب الشركة ولو ظاهراً [١] ، إذ مع الاشتباه [٢]

______________________________________________________

الاتفاق ، لإمكان انفساخ الشركة بهذا التميز. نظير ما إذا وقع مقدار من البول في كرّ من ماء ، فإنه لما صار مستهلكاً بالامتزاج صار طاهراً ، فإذا أخذ كف منه فذلك المقدار طاهر يجوز شربه والوضوء به ، فاذا اتفق عروض بعض الطوارئ الموجب لتميز البول صار البول نجساً بعد أن خرج عن حال الاستهلاك الى حال الوجود العرفي.

[١] إذا كان الاختلاط بالمزج مثل اختلاط الحنطة البيضاء بالصفراء فقد عرفت أنه مع تعذر التخليص والعزل فهو أيضاً يوجب الشركة الحكمية ولو فرض إمكان العزل والتخليص بقي كل مال لمالكه من دون تبدل الاحكام. وإذا كان الاختلاط بدون مزج ـ كما إذا وضع ثوباً في ثياب زيد ، أو قوساً في أقواس عمرو ونحو ذلك ما لا مزج فيه ـ فان كان تميز فلا إشكال في أن كلاً من العينين لمالكه كما قبل الاختلاط ، وإذا لم يكن تميز فهذا من اشتباه المال بالمال ، فكل من المالين مردد بين المالكين ، فيرجع الى القرعة في تعيين مالكه.

نعم لو فرض تعذر العمل بالقرعة لكثرة الثياب ـ كما إذا خلط مائة ألف ثوب لزيد في مائة ألف ثوب لعمرو ولم يكن تميز بين الثياب ـ يرجع الى الشركة الحكمية ، ومن ذلك تعرف أن باب اشتباه أحد المالين بالآخر أجنبي عن باب المزج بلا تميز.

[٢] كأنه يريد أنه مع عدم الاشتباه يبقى كل مال لمالكه من دون تبدل في الاحكام ، ولوضوح ذلك لم يتعرض لحكمه ، وقد عرفت أنه مع عدم الاشتباه تكون الشركة حكمية إذا كان من قبيل مزج الحنطة الصفراء بالبيضاء.

٩

مرجعه الصلح القهري [١] أو القرعة ( وإما واقعية ) مستندة إلى عقد غير عقد الشركة ، كما إذا ملكا شيئاً واحداً بالشراء أو الصلح أو الهبة أو نحوها [٢] ( واما واقعية ) منشأة بتشريك أحدهما الأخر في ماله كما إذا اشترى شيئاً فطلب منه شخص أن يشركه فيه. ويسمى عندهم بالتشريك. وهو صحيح لجملة من الأخبار [٣] ( وإما واقعية ) منشأة بتشريك كل منهما الآخر في ماله. ويسمى هذا بالشركة العقدية ومعدود‌

______________________________________________________

[١] الظاهر أن المراد من الصلح القهري الشركة الحكمية ، فالصلح يكون في مقام تمييز الحقوق والقسمة ، لا قبل ذلك ، وإلا كان هو الشركة الحقيقية.

[٢] هذا من الواضحات ومصرح به في كلامهم.

[٣] منها صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد الله (ع) قال : « سألته عن الرجل يشارك في السلعة. قال : إن ربح فله ، وإن وضع فعليه » (١) ‌، وصحيح الحلبي عن أبي جعفر (ع) قال : « سألته عن الرجل يشتري الدابة وليس عنده نقدها ، فاتى رجل من أصحابه فقال يا فلان انقد عني ثمن هذه الدابة والربح بيني وبينك ، فنقد عنه ، فنفقت الدابة قال : ثمنها عليهما ، لأنه لو كان ربح فيها لكان بينهما » (٢) ‌، ونحوهما غيرهما. وأما مثل صحيح إسحاق بن عمار قال : « قلت للعبد الصالح (ع) : الرجل يدل الرجل على السلعة فيقول : اشترها ولي نصفها ، فيشتريها الرجل وينقد من ماله. قال : له نصف الربح. قلت : فان وضع يلحقه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب كتاب الشركة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب كتاب الشركة حديث : ٢.

١٠

من العقود [١]. ثمَّ إن الشركة قد تكون في عين وقد تكون في منفعة وقد تكون في حق ، وبحسب الكيفية إما بنحو الإشاعة وإما‌

______________________________________________________

من الوضيعة شي‌ء؟ قال : عليه من الوضيعة كما أخذ الربح » (١) ‌، ونحوه غيره. فالظاهر منها التشريك في نفس الشراء ، بأن يشتري لهما معاً ، كما سبق في كلام المصنف.

[١] قال في المسالك : « وهي يعني : الشركة تطلق على معنيين أحدهما : ما ذكره المصنف في تعريفه من اجتماع الحقوق على الوجه المذكور وهذا هو المتبادر من معنى الشركة لغة وعرفاً .. ( إلى أن قال ) : وثانيهما : عقد ثمرته جواز تصرف الملاك للشي‌ء الواحد على سبيل الشياع. وهذا هو المعنى الذي به تندرج الشركة في جملة العقود ، ويلحقها الحكم بالصحة والبطلان. واليه يشير المصنف (ره) فيما بعد بقوله : قيل : تبطل الشركة أعني : الشرط والتصرف. وقيل : تصح. ولقد كان على المصنف أن يقدم تعريفها على ما ذكره ، لأنها المقصود بالذات هنا ، أو ينبه عليهما معاً على وجه يزيل الالتباس عن حقيقتها وأحكامها ولكنه اقتصر على تعريفها بالمعنى الأول ».

لكن في القواعد ذكر تعريفها بما سبق ، ثمَّ قال : « وأقسامها أربعة شركة العنان .. ( إلى أن قال ) : وأركانها ( يعني شركة العنان ) ثلاثة المتعاقدان .. » وظاهر ذلك ان التعريف إنما هو للشركة العقدية. ولذلك أشكل عليه في جامع المقاصد : بأنه إن كان غرضه البحث عن الشركة التي يجوز معها التصرف فحقه أن يعرف هذا القسم ، وإن كان غرضه البحث عن أحكام مطلق الشركة فعليه أن يقيد قوله : « وأركانها ». ثمَّ ذكر أن الشركة لها معنيان ( الأول ) : مطلق اجتماع حقوق الملاك في واحد‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب كتاب الشركة حديث : ٤.

١١

______________________________________________________

على سبيل الشياع و ( الثاني ) هو الذي ينتظم في قسم العقود ويجري عليه أحكام الفساد والصحة. والأحسن ما يقال في تعريفها : أنها عقد ثمرته جواز تصرف الملاك للشي‌ء الواحد على سبيل الشياع. انتهى.

وفي الحدائق بعد ما ذكر ما حكيناه عن المسالك قال : « لا يخفى على من تأمل الأخبار الجارية في هذا المضمار أنه لا يفهم منها معنى للشركة غير ما ذكره الفاضلان ونحوهما كالشهيد في اللمعة وغيره. وهو المتبادر لغة وعرفاً من لفظ الشركة. وهذا المعنى الذي ذكره لا يكاد يشم له رائحة منها بالمرة » ثمَّ حكى كلام الروضة الذي هو مثل ما في المسالك ، ثمَّ أشكل عليه بما أشكل به على المسالك.

هذا ولا يخفى أن المراد من الشركة العقدية في كلام الجماعة إن كان إنشاء مفهوم الشركة بالعقد فلا ينبغي التأمل في صحة ذلك عرفاً ، فكما يصح إنشاء الشركة من قبل الشارع في الميراث مع تعدد الوارث ، وفي الحيازة مع تعدد الحائز ، يجوز إنشاؤها بعقد المتعاقدين ، سواء كان المال من أحد الشخصين فيشرك الآخر فيه ـ كما سبق ـ أم من كل من الشخصين فيشرك كل منهما صاحبه ، فيقول أحدهما مثلا : اشتركنا ، ويقول الآخر : قبلت. وقد دلت الاخبار على ذلك كله ، كصحيحي هشام بن سالم والحلبي المتقدمين. ومثل صحيح علي بن رئاب : « قال أبو عبد الله (ع) : لا ينبغي للرجل المسلم أن يشارك الذمي ولا يبضعه ولا يودعه وديعة » (١) ونحوه غيره.

وإن كان المراد من الشركة العقدية إنشاء الاذن في التصرف ـ كما قد يظهر من عبارتي جامع المقاصد والمسالك المتقدمتين ، ونحوهما عبارات غيرهما ، قال في القواعد : « وأركانها ثلاثة : المتعاقدان .. ( الى أن قال ) والصيغة ، وهو ما يدل على الاذن في التصرف. ويكفي قولهما :

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب الشركة حديث. ١.

١٢

بنحو الكلي في المعين [١] ، وقد تكون على وجه يكون كل من‌

______________________________________________________

اشتركنا » ونحوها غيرها ـ فإنشاء الإذن ليس من العقود ، بل من الإيقاع ، ولا يرتبط بمفهوم الشركة ، وليس هو من لوازمه ، ولا مما تشير اليه النصوص كما ذكر في الحدائق.

وإن أريد من الشركة العقدية الاشتراك المنشأ بالعقد بشرط الاذن في التصرف بهما ، فهو أيضاً مقتضى عمومات الصحة في العقد وفي الشرط. ولا يظن من صاحب الحدائق أو غيره إنكاره إذ هو شركة بشرط كما لو اشتركا بشرط أن يكون التصرف لثالث أو لأحدهما بعينه وغير ذلك من الشرائط ، فإنه لا بد من القول بصحته ، عملا بعموم الأدلة.

ثمَّ إنه قد يستشكل في صحة إنشاء الشركة بين مالكين في ماليهما : بأنه لا بد من مزج المالين في صحة الشركة العقدية مع أنّ المزج نفسه يقتضي الشركة. ويندفع : بأن المزج إنما يقتضي الشركة إذا لم تكن منشأة ، أما إذا فرض إنشاؤها فلا يقتضي شيئاً. مع أن المزج قد لا يقتضي الشركة الحقيقية ، كما عرفت. مضافاً الى الإشكال في اعتبار المزج الذي هو من أسباب الشركة في صحة الشركة العقدية ، كما سيأتي الكلام في ذلك.

[١] في الجواهر : « لا إشكال في صدق الشركة معه ولا إشاعة. اللهم الا أن يراد منها عدم التعيين ، لا خصوص الثلث والربع ونحوهما » وما ذكره غير ظاهر ، فان معنى الشركة في المملوك كون الملك على نحو الجزء المشاع ، كما ذكره الأصحاب ، وحمل الإشاعة على معنى عدم التعيين خلاف المقطوع به من كلامهم ، فحملها على ذلك لا مقتضي له. وعليه فلا شركة في المقام ، ولا وجه لنفي الإشكال في صدقها. الا أن يراد بها الاشتراك في عنوان من العناوين والمماثلة فيه ، كما في البيت الواحد الذي يملك حجارته شخص وخشبه آخر وطينه ثالث ، فإن هؤلاء اشتركوا في‌

١٣

الشريكين أو الشركاء مستقلا في التصرف ، كما في شركة الفقراء في الزكاة [١] والسادة في الخمس [٢] والموقوف عليهم‌

______________________________________________________

وصف من الأوصاف ، وهو تملك شي‌ء من هذا البيت ، والشركة في ملك الصاع من الصبرة من هذا القبيل ، لاشتراك المالكين في صفة المالكية في الصبرة وإن اختلف المملوك ، وهذا خلاف معنى الشركة في المملوك التي هي محل الكلام.

[١] عن الشهيد في بعض حواشيه : أن ملك الفقراء للزكاة على البدل لا الجميع في عرض واحد ، فلا اشتراك. وفي الجواهر : أن المالك للزكاة الجنس لا الفرد ، وذكر أنه لا ريب في ملك الفقراء للزكاة في الجملة. وفيه : أن الملكية إن كانت مستفادة من اللام في قوله تعالى : ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ ... ) (١) فاللام فيه ليست للملك ، وإنما هي للمصرف بقرينة بقية الأصناف ، مثل في الرقاب وفي سبيل الله تعالى الذي لا يظن من أحد الالتزام بالملك فيه ، والتفكيك بين الأصناف بعيد جداً. وان كانت مستفادة من غيره فغير ظاهر. وأما ما ذكره المصنف من كون كل من الفقراء مستقلا بالتصرف بالزكاة فغريب ، فإنه لا يجوز للفقير التصرف في الزكاة بدون إذن الولي ، وهو المالك أو الحاكم الشرعي فضلا عن أن يكون مستقلا بالتصرف.

[٢] ظاهر الآية الشريفة ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ ... ) (٢) هو الملكية ، ولا مانع من ثبوت هذه الملكية بالنسبة إليه تعالى ، كثبوتها في النذر مثل : لله علي أن أتصدق ، فإن الصدقة تكون مملوكة له تعالى ، على نحو ملكية زيد للدينار في قول المقر لزيد‌

__________________

(١) التوبة : ٦٠.

(٢) الأنفال : ٤١.

١٤

في الأوقاف العامة [١] ونحوها.

( مسألة ١ ) : لا تصح الشركة العقدية إلا في الأموال [٢] بل الأعيان ، فلا تصح في الديون [٣] ، فلو كان لكل منهما دين على شخص فأوقعا العقد على كون كل منهما بينهما لم يصح. وكذا لا تصح في المنافع ، بأن كان لكل منهما دار مثلا وأوقعا العقد على أن يكون منفعة كل منهما بينهما بالنصف‌

______________________________________________________

علي دينار. نعم لا يمكن حملها على ملكية الافراد ، والا لزم البسط ، ولا يقول المشهور به ، وللزم انتقال المال إلى وارثه ولو لم يكن هاشميا. فالمتعين أن يكون المالك الجنس العاري عن الخصوصيات الفردية ، وبتعيين المالك يصير الفرد مالكاً ، وحينئذ لا معنى للاشتراك بين الافراد على نحو الاستقلال في التصرف.

[١] الأوقاف العامة إنما كان الوقف فيها على نحو البذل من دون ملك للموقوف عليهم ولا رائحة الملك ، فان كتب العلم موقوفة على أن تبذل للطلبة ، والمدارس موقوفة على أن تبذل للطلبة ، ومنازل المسافرين موقوفة على أن تبذل للمسافرين من دون ملك ولا مالك. ولذلك إذا غصبت فسرق الكتاب غير الطلبة لا يضمن منافعه بالاستيفاء ، وكذلك المدرسة إذا اغتصبها غير الطلبة فسكنوها لا يكون ضماناً لمنافعها عليهم ، بل ليس الا الغصب وفعل الحرام. ولو فرض ان كان للساكن من غير الطلبة عذر شرعي من غفلة أو ضرورة أو نحو ذلك فلا أثم ولا ضمان عليه.

[٢] في مقابل الشركة في الأبدان وأختيها.

[٣] لما يأتي من شرطية الامتزاج بين المالين في الشركة العقدية ، وهذا متعذر في الديون ، وكذا في المنافع. ولأجل ذلك كان المناسب تأخير هذه المسألة عن المسألة الرابعة المتضمنة لشرطية الامتزاج.

١٥

مثلا. ولو أراد ذلك [١] صالح أحدهما الآخر نصف منفعة داره بنصف منفعة دار الآخر ، أو صالح نصف منفعة داره بدينار مثلا وصالحه الآخر نصف منفعة داره بذلك الدينار. وكذا لا تصح شركة الأعمال [٢] وتسمى شركة الأبدان أيضاً وهي أن يوقعا العقد على أن يكون أجرة عمل كل منهما مشتركاً بينهما ، سواء اتفق عملهما كالخياطة مثلاً ، أو كان عمل أحدهما الخياطة والآخر النساجة ، وسواء كان ذلك في عمل معين أو في كل ما يعمل كل منهما. ولو أراد الاشتراك في ذلك صالح أحدهما الآخر نصف منفعته المعينة أو منافعه إلى مدة كذا‌

______________________________________________________

[١] يعني : لو أرادا نفس المشاركة في المنافع صالح أحدهما الآخر ... على نحو المعاوضة بين الحصتين ، أو على نحو تكون المعاوضة بين التمليكين فيقول : صالحتك على أن تملك حصة من مالي في مقابل أن أملك حصة من مالك ، أو على نحو آخر من دون معاوضة بين العينين ولا بين التمليكين فيقول. صالحتك على أن تكون حصة من مالي لك وحصة من مالك لي ففي جميع ذلك تحصل الشراكة بينهما في ماليهما ، وكذلك إذا كان بطريق الهبة المشروطة ، فيهب أحدهما حصته من ماله لصاحبه بشرط أن يهبه الآخر حصته من ماله. أو بطريق بيع الحصة على صاحبه بثمن ثمَّ شراء حصة صاحبه بذلك الثمن. كل ذلك لعدم اعتبار المزج في هذه العقود بخلاف الشركة ، فإن إنشاءها لا يصح الا بالمزج ، على ما سيأتي بيانه ، ولا يمكن ذلك في المنفعة.

[٢] بلا خلاف معتد به أجده فيه بيننا ، بل الإجماع بقسميه عليه. بل المحكي منه مستفيض أو متواتر. كذا في الجواهر ، وفي مفتاح الكرامة :

١٦

______________________________________________________

« أجمعوا على نقل الإجماع ، إذ هو محكي في تسعة عشر كتاباً أو أكثر ، كما سمعت ، وهو معلوم محصل قطعاً ». وعن المختلف (١) : أنه استدل على البطلان بإجماع الفرقة. وبأن الأصل عدم الشركة ، ولأنه غرر عظيم ، ولأن الشركة عقد شرعي فيقف على الاذن فيه وفي الجواهر : استدل عليه بالأصل السالم عن معارضة ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) بعد ما عرفت. والتراضي بما لم تثبت شرعيته غير مجد ، والمراد بالتجارة عنه ما ثبت التكسب به شرعاً. انتهى. والاشكال عليه ظاهر فان عموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) لا مخصص له إلا دعوى الإجماع على البطلان. وعليه لا مجال للرجوع إلى الأصل معه. ولا وجه لدعوى كون المراد من التجارة عن تراض ما ثبت التكسب به ، أو ما ثبت شرعيته. فان ذلك خلاف الإطلاق المقامي ، الموجب للتنزيل على المعنى العرفي. ولا يظهر الفرق بين عموم. ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) ، وعموم ( تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) حيث جعل الإجماع مقيداً للأول ، ولم يتعرض لذلك في الثاني. والذي نحصل من كلماتهم في المقام أن العمدة دعوى الإجماع. وفي كلام الأردبيلي قدس‌سره : « لا يظهر دليل على عدم الجواز إلا الإجماع ، فإن كان فهو ، وإلاّ فلا مانع ».

ويمكن أن يقال : إن العامل إذا آجر نفسه لعمل كانت الأجرة عوض العمل فتكون في ملك العامل ، فجعلها لغيره بعقد الشركة خلاف مقتضى دليل صحة الإجارة ، فإذا كانت الإجارة صحيحة كانت الشركة باطلة ، وإذا كانت الإجارة باطلة فالشركة أيضاً باطلة ، لأنها مبنية عليها‌

__________________

(١) حكى في المختلف عن ابن الجنيد جواز شركة الوجوه. ورده بما ذكره في المتن ، فهو لم يستدل بما في المتن على بطلان شركة الاعمال بل على بطلان شركة الوجوه. وأما شركة الأعمال فقد حكى في المختلف عن ابن الجنيد كلاما ظاهراً في بطلانها وفاقاً المشهور ، ومن ثمَّ لم يستدل على بطلانها. راجع المختلف الجزء : ٢ الصفحة : ٢١.

١٧

بنصف منفعة أو منافع الأخر ، أو صالحه نصف منفعته بعوض معين [١] وصالحه الأخر أيضاً [٢] نصف منفعته بذلك العوض ولا تصح أيضاً شركة الوجوه [٣] ، وهي أن يشترك اثنان وجيهان لا مال لهما [٤] بعقد الشركة على أن يبتاع كل منهما في ذمته إلى أجل [٥] ويكون ما يبتاعه بينهما فيبيعانه ويؤديان الثمن ويكون ما حصل من الربح بينهما. وإذا أرادا ذلك على‌

______________________________________________________

فيعلم ببطلان الشركة على كل من تقديري صحة الإجارة وبطلانها.

نعم لو كان مفاد شركة الأعمال الاشتراك في الأجر بعد ما يدخل في ملك العامل منهما ، بحيث يخرج من ملك العامل الى ملك الشريك لم يجر الاشكال المذكور ، وكانت صحتها على طبق القواعد العامة. وكذا لو كان مفادها تشريك كل منهما الآخر في منفعته التي تقابل بالأجر والعوض لم يتوجه الاشكال المذكور ، كما سيأتي نظيره في كلام المصنف.

[١] فيكون التشريك في المنفعة بعنوان المصالحة لا بعنوان التشريك. كما سبق منا في الحاشية السابقة.

[٢] فتكون هناك معاملتان لا معاملة واحدة كما في الوجوه السابقة.

[٣] وجه البطلان فيها عندهم هو الوجه فيه في شركة الأعمال وفي مفتاح الكرامة : « والحجة على بطلانها ـ بعد الإجماع ـ الأصل ، والغرر والضرر ، وأنه عقد يتوقف على الاذن ». والعمدة دعوى الإجماع.

[٤] هذا المعنى أحد الوجوه المذكورة في تفسيرها ، وفي المسالك : أنه الأشهر ، وفي التذكرة : أنه أشهرها. انتهى.

[٥] ظاهر العبارة أن الثمن جميعه في ذمة المتاع وان كان قد ابتاع المثمن لهما معاً ، وفي الجواهر لم يتعرض لكون الثمن في ذمة المبتاع أو ذمتهما ، واقتصر على كون الابتياع لهما معاً ، وفي التذكرة قال في تفسيرها :

١٨

الوجه الصحيح وكل كل منهما الآخر في الشراء [١] فاشترى‌

______________________________________________________

« ليبتاعا في الذمة إلى أجل على أن ما يبتاعه كل واحد منهما يكون بينهما. » ‌ونحوه عبارة المسالك. وظاهره أن الابتياع لهما والثمن في ذمتهما معاً.

وكيف كان فان كان المراد ما ذكره المصنف رحمه‌الله من كون الابتياع لهما والثمن في ذمة المبتاع المباشر فالمعاملة في نفسها باطلة ، بناء على المشهور من وجوب دخول كل من العوضين في ملك من خرج منه الآخر ، فان الابتياع إذا كان لهما فقد دخل في ملك كل منهما نصف المبيع ، فيجب أن يخرج من كل منهما نصف الثمن ، ولازمه كون نصف الثمن في ذمة أحدهما والنصف الآخر في ذمة الآخر ، لا أن يكون تمام الثمن في ذمة أحدهما المباشر. نعم بناء على أن اللازم في المعاملات المعاوضية أن يدخل العوض في ملك مالك المعوض ، ولا يلزم العكس كما هو الظاهر ، تصح المعاملة المذكورة. وحينئذ لا موجب لبطلان الشركة إلا الإجماع ، وسيأتي.

[١] الفرق بين هذا وما قبله بناء على ما ذكره المصنف أمران : ( الأول ) : أن الشراء فيما قبله لهما كان بالاذن وهنا بالوكالة. ( الثاني ) : أن الشراء فيما قبله كان بذمة أحدهما وهنا بذمتهما معاً وعلى ما هو ظاهر التذكرة وغيرها بكون الفرق بين هذا وما قبله بالاذن فيما قبله وبالوكالة فيه. لكن هذا الفرق لا يصح أن يكون فارقاً قطعاً والمظنون ـ كما هو ظاهر المبسوط ـ أن المراد من شركة الوجوه أن يبتاع كل من الشريكين لنفسه بثمن في ذمته على أن يكون الربح بينهما. وحينئذ يتوجه الاشكال المتقدم في شركة الأبدان من أن الربح يتبع الأصل بمقتضى المعاملة ، فلا يمكن أن يجعل بعضه لغير مالك الأصل ، إلا بدليل خاص ، وهو مفقود ، ولا بد حينئذ من القول بالبطلان.

ولو لا ذلك أشكل القول بالبطلان ، كما أشكل الاعتماد على الإجماع‌

١٩

______________________________________________________

في البطلان ، لعدم تحصل معقد الإجماع ، إذ قد عرفت أن شركة الوجوه قد فسرت بمعان أربعة أظهرها أو أشهرها ما ذكره المصنف رحمه‌الله. وفي القواعد فسرها بأن يبيع الوجيه مال الخامل بزيادة ربح ليكون له بعضه وخصه بالبطلان ، وهذا المعنى ذكره في التذكرة آخر المعاني الأربعة. وذكر قبله أن يشترك وجيه لا مال له وخامل ذو مال ، ليكون العمل من الوجيه والمال من الخامل ، والمال في يده لا يسلمه الى الوجيه ، والربح بينهما. وذكر قبلهما أن يبتاع وجيه في الذمة ويفوض بيعه إلى خامل ، ويكون الربح بينهما ، عكس المعنى المذكور في القواعد. ويظهر منهم أن معقد الإجماع مردد بين هذه المعاني ، فهو واحد منها مردد بينها. كما يظهر أيضاً من الاقتصار على واحد منها في كلام بعضهم أن الإجماع لم يكن على البطلان في الجميع.

وحينئذ كيف يعتمد على مثل هذا الإجماع المردد معقده؟! ولا سيما بملاحظة أن المعنى الثالث نوع من المضاربة الصحيحة لا يختلف عنها إلا في خصوصية الوجاهة والخمول ، ومن المعلوم أن هذين القيدين لا يوجبان اختصاصه بالبطلان ، ولم يذكر الأصحاب في شروط صحة المضاربة انتفاء القيدين المذكورين. نعم المعنى الذي ذكره في القواعد وعكسه من قبيل الجعالة. لكنها لا تصح فيهما ، لما تقدم من الإشكال في شركة الأبدان من أن عقد الشركة لا يصلح لتشريع غير المشروع.

والذي يتحصل مما ذكرناه أمور ( الأول ) : أن الإجماع في مسألة شركة الوجوه لا مجال للاعتماد عليه بعد جهالة معقده ( الثاني ) : أن المعنى المشهور من شركة الوجوه لا مجال للبناء على البطلان فيه ، والعموم يقتضي الصحة. نعم على ما نظن يتعين البناء على البطلان ، للوجه المتقدم في شركة الأبدان. ( الثالث ) : أن المعنى الثالث من شركة الوجوه لا مجال للقول‌

٢٠