مستمسك العروة الوثقى - ج ٨

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٨

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٤

يجب التتابع في الثمانية عشر بدل الشهرين [١] ، بل هو الأحوط في‌

______________________________________________________

وكفارة قتل. فقال (ع) : إن كان على رجل صيام شهرين متتابعين ، والتتابع أن يصوم شهراً ويصوم من الآخر شيئاً أو أياماً منه ، فان عرض له شي‌ء يفطر منه أفطر ، ثمَّ قضى ما بقي عليه. وإن صام شهراً ، ثمَّ عرض له شي‌ء فأفطر قبل أن يصوم من الآخر شيئاً فلم يتابع ، أعاد الصوم كله وقال : صيام ثلاثة أيام في كفارة اليمين متتابعات ، ولا تفصل بينهن » (١) فان قوله (ع) : « والتتابع .. » حاكم على جميع أدلة وجوبه. كما أن قوله (ع) : « فان عرض .. » يراد منه ما لا يكون عذراً ، بقرينة قوله (ع) : « ثمَّ عرض له شي‌ء .. » الذي جعل حكمه الإعادة ، وهو مختص بغير العذر.

ومنه يظهر ضعف ما عن الشيخين والسيدين والحلي : من الإثم بالعمد عملا بالأدلة الأولية الدالة على وجوب التتابع في الشهرين ، الظاهرة في التتابع في تمامهما ، التي لا مجال للأخذ بها في قبال الصحيح المذكور. ولا سيما أن ظاهر الأدلة الأولية الشرطية ـ التي لا يقولون بها ـ لا الوجوب التكليفي. وأما النصوص الأخر فتقصر عن إثبات الجواز.

[١] كما هو المشهور. واستشكل فيه في محكي المدارك : بأن اعتبار التتابع خلاف إطلاق الدليل. وأجاب في الجواهر : « بأن الظاهر من دليلها أن المراد الاقتصار على هذا المقدار من الشهرين إرفاقاً بالمكلف ، فتكون متتابعة ، لا مطلق الثمانية عشر. مضافاً إلى ما أرسله المفيد في المقنعة ـ بعد تصريحه بالتتابع وغيره ـ من مجي‌ء الآثار عنهم (ع) بذلك ». والاستظهار لا يخلو من إشكال. والمرسل غير جامع لشرائط الحجية.

__________________

(١) لاحظ صدر الرواية في الوسائل باب : ٣ من أبواب بقية الصوم الواجب حديث : ٩ ، وذيله في باب : ١٠ منها حديث : ٤.

٥٢١

صيام سائر الكفارات [١] ، وإن كان في وجوبه فيها تأمل وإشكال.

( مسألة ٢ ) : إذا نذر صوم شهر أو أقل أو أزيد لم يجب التتابع [٢] ، إلا مع الانصراف ، أو اشتراط التتابع فيه.

______________________________________________________

[١] كما هو المعروف. وفي الشرائع : لم يستثن من ذلك إلا كفارة الصيد حتى لو كان نعامة. وعن المفيد والمرتضى وسلار : وجوبه في جزأيها بل عن المختلف : أن المشهور أن فيه شهرين متتابعين. والعمدة في وجوب التتابع هو دعوى انصراف الإطلاق إليه. لكن في محكي المدارك ـ في شرح قول مصنفه (ره) : « كل الصوم يلزم فيه التتابع. » ـ : « يمكن المناقشة في وجوب المتابعة في صوم كفارة قضاء رمضان ، وحلق الرأس ، وصوم ثمانية عشر في بدل البدنة ، وبدل الشهرين عند العجز عنهما. لإطلاق الأمر بالصوم فيها ، فيحصل الامتثال مع التتابع وبدونه ». ودعوى انصراف الإطلاق إلى التتابع ـ كما في الجواهر ـ غير ظاهرة. والفتوى به لا تصلح قرينة. كما لا يصلح كونها كفارة ، لأجل أن الغالب فيها التتابع. وتعليل التتابع في الشهرين : بأنه كي لا يهون عليه الأداء فيستخف به مختص بمورده.

ويؤيده : تقييد الشهرين به في أدلة وجوبها وعدم التقييد به في غيرها مضافاً الى أن المذكور في خبر عبد الله بن سنان أن الثمانية عشر بدل عن الإطعام (١) على أن يكون بدل إطعام كل عشرة مساكين ثلاثة أيام. فالكلية المذكورة غير ظاهرة. ولا سيما وأن في خبر الجعفري : « إنما الصيام الذي لا يفرق : كفارة الظهار ، وكفارة الدم وكفارة اليمين » (٢) وفي صحيح ابن سنان : « كل صوم يفرق إلا ثلاثة أيام في كفارة اليمين » (٣).

[٢] كما هو المشهور. للأصل. وعن أبي الصلاح : أنه إن نذر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب بقية الصوم الواجب حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٠ من أبواب بقية الصوم الواجب حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ١٠ من أبواب بقية الصوم الواجب حديث : ١.

٥٢٢

______________________________________________________

صوم شهر وأطلق ، فإن ابتدأ بشهر لزمه إكماله. وعن ابن زهرة : أنه إن نذر صوم شهر فإن أفطر مضطراً بنى ، وإن كان في النصف مختارا استأنف ، وإن كان بعد أثم ، وجاز له البناء ، ونحوه حكي عن المفيد ، وابن البراج. ودليلهم غير ظاهر.

نعم روى الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله (ع) ـ كما في بعض الطرق ـ أو عن أبي جعفر (ع) ـ كما في بعض آخر ـ : « في رجل جعل عليه صوم شهر ، فصام منه خمسة عشر يوماً ، ثمَّ عرض له أمر. فقال (ع) : إن كان صام خمسة عشر يوماً فله أن يقضي ما بقي. وإن كان أقل من خمسة عشر يوماً لم يجزه حتى يصوم شهراً تاماً » (١) وهو لا يوافق واحداً من الأقوال المذكورة. ولعدم ظهور القائل بمضمونه لا مجال للعمل به. فالبناء على عدم وجوب التتابع متعين. إلا أن يكون قيداً في المنذور تفصيلا أو إجمالا ، كما لو نذر صوم شهر ، بمعنى ما بين الهلالين ـ كما لعله مورد رواية الفضيل ـ فان التتابع لازم فيه ، كلزوم الابتداء به في أول الشهر الهلالي ، وجواز الاكتفاء به وإن كان أقل من ثلاثين يوماً ، بخلاف ما لو قصد مقدار الشهر ـ أعني : الثلاثين ـ فلا يجب فيه التتابع ، كما لا يجب الابتداء به أول الشهر الهلالي ، كما لا يكفي صوم ما بين الهلالين إذا كان ناقصاً.

ودعوى : أن منصرف الإطلاق التتابع قد عرفت ما فيها. والاستشهاد عليها بفهم الأصحاب ذلك في أقل الحيض ، وأكثره ، ومدة الاعتكاف ، وعشرة الإقامة وغيرها في غير محله ، للفرق بأن المراد هناك التقدير لأمر واحد مستمر ، فلا يمكن فيه التفريق ، وليس الصوم كذلك.

نعم لو نذر أن يجلس في المسجد يومين ، أو يسبح ساعتين ، كان المنصرف اليه المتتابع. ولكنه غير ما نحن فيه.

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب بقية الصوم الواجب حديث : ١ وملحقة.

٥٢٣

( مسألة ٣ ) : إذا فاته النذر المعين ، أو المشروط فيه التتابع ، فالأحوط في قضائه التتابع أيضاً [١].

( مسألة ٤ ) : من وجب عليه الصوم اللازم فيه التتابع لا يجوز أن يشرع فيه في زمان يعلم أنه لا يسلم له [٢] ، بتخلل العيد ، أو تخلل يوم يجب فيه صوم آخر ، من نذر ، أو إجارة أو شهر رمضان. فمن وجب عليه شهران متتابعان لا يجوز له أن يبتدئ بشعبان ، بل يجب أن يصوم قبله يوماً أو أزيد من رجب. وكذا لا يجوز أن يقتصر على شوال مع يوم من‌

______________________________________________________

[١] المحكي عن الدروس : أنه استقرب وجوب التتابع في قضاء ما اشترط فيه ذلك ، كنذر ثلاثة أيام متتابعة من رجب. وعن القواعد : التردد فيه للأصل. ومن أن القضاء عين الأداء ، فإذا كان الأداء متتابعاً فالقضاء كذلك.

وقد يشكل ذلك : بأنه لا دليل على وجوب قضاء المنذور بما له من القيود التي قيد بها الناذر ، وإنما الذي قام عليه الدليل أن الصوم المنذور في وقت معين إذا فات وجب قضاؤه بماله من القيود المأخوذة في مفهومه لا القيود الخارجة عنه المأخوذة في موضوع النذر. والمرسل : « من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته » غير ثابت. ولو سلم فالظاهر منه ما كان فريضة في نفسه ، لا بما هو موضوع النذر ، ولذا لا نقول بوجوب قضاء الصوم المنذور لو لم يقم دليل بالخصوص عليه. وقد عرفت في الفصل السابق الإشكال في إثبات وجوب قضاء الصوم بالاستصحاب ، وإن أمكن إثبات وجوب القضاء في غيره.

[٢] يعني : لا يكتفي به لو شرع كذلك ، ولا يكفي في حصول الواجب البناء بعد الإفطار على ما مضى قبل الإفطار.

٥٢٤

ذي القعدة ، أو على ذي الحجة مع يوم من المحرم ، لنقصان الشهرين بالعيدين. نعم لو لم يعلم من حين الشروع عدم السلامة فاتفق فلا بأس على الأصح [١]. وإن كان الأحوط عدم الاجزاء. ويستثنى مما ذكرنا من عدم الجواز مورد واحد وهو صوم ثلاثة أيام بدل هدي التمتع إذا شرع فيه يوم التروية [٢]

______________________________________________________

[١] كأنه لتعليل جواز البناء في طروء العذر بقوله (ع) : « هذا مما غلب الله تعالى عليه ، وليس على ما غلب الله عز وجل عليه شي‌ء » (١) وقوله (ع) : « الله تعالى حبسه » (٢) لكن في صدق ذلك مع الالتفات والشك إشكال ، أو منع. نعم يصدق مع الغفلة ، أو اعتقاد عدم اتفاق العيد فاتفق خطأ الاعتقاد.

[٢] كما هو المشهور ، بل عن الحلي : الإجماع عليه. ويشهد له جملة من النصوص ، كخبر عبد الرحمن بن الحجاج : « فيمن صام يوم التروية وعرفة. قال (ع) : يجزيه أن يصوم يوما آخر » (٣) وخبر الأزرق : « عن رجل قدم يوم التروية متمتعاً ، وليس له هدي ، فصام يوم التروية ويوم عرفة. قال (ع) : يصوم يوماً آخر بعد أيام التشريق » (٤) وبها يرفع اليد عن ظاهر مثل صحيح حماد قال « سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : قال علي (ع) : صيام ثلاثة أيام في الحج ، قبل التروية بيوم ، ويوم التروية ويوم عرفة ، فمن فاته ذلك فليتسحر ليلة الحصبة ـ يعني : ليلة النفر ـ ويصبح صائماً ، ويومين بعده ، وسبعة إذا رجع » (٥) ونحوه غيره.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب بقية الصوم الواجب حديث : ١٢.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب بقية الصوم الواجب حديث : ١٠.

(٣) الوسائل باب : ٥٢ من أبواب الذبح في الهدي حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٥٢ من أبواب الذبح في الهدي حديث : ٢.

(٥) الوسائل باب : ٥٣ من أبواب الذبح في الهدي حديث : ٣.

٥٢٥

فإنه يصح وإن تخلل بينها العيد ، فيأتي بالثالث بعد العيد بلا فصل [١] ، أو بعد أيام التشريق بلا فصل لمن كان بمنى. وأما لو شرع فيه يوم عرفة ، أو صام يوم السابع والتروية وتركه في عرفة ، لم يصح ووجب الاستئناف [٢] ، كسائر موارد وجوب التتابع.

( مسألة ٥ ) : كل صوم يشترط فيه التتابع إذا أفطر في أثنائه ـ لا لعذر اختياراً ـ يجب استئنافه [٣]. وكذا إذا شرع فيه في زمان يتخلل فيه صوم واجب آخر من نذر ونحوه وأما ما لم يشترط فيه التتابع وإن وجب فيه بنذر أو نحوه فلا يجب استئنافه ، وإن أثم بالإفطار [٤] ، كما إذا نذر التتابع في‌

______________________________________________________

[١] في محكي كشف اللثام : أنه الظاهر. وتنظر فيه في الجواهر ، لإطلاق النص ، والفتوى. وكذا الكلام فيمن كان بمنى فإنه لا دليل على وجوب الإتيان به بعد أيام التشريق بلا فصل.

[٢] لعدم الدليل على سقوط التتابع حينئذ ، فيرجع الى عموم ما دل على وجوبه. وعن الاقتصاد : أنه لو أفطر الثاني بعد صوم الأول لعذر ـ من مرض أو حيض أو غيرهما ـ بنى. وتمام الكلام في ذلك في محله.

[٣] لفوات شرط الواجب ، الموجب لفواته. وتوهم كونه واجباً تعبدياً لا شرطاً للواجب ، نظير المتابعة في صلاة الجماعة عند المشهور ، خلاف ظاهر الأدلة. وحصر مفسدات الصوم بغير ذلك لا يدل على عدم شرطية التتابع ، وعلى كونه واجباً تعبديا ، لأن التتابع إنما يكون شرطاً في الكفارة لا في أصل الصوم ، نظير التعدد.

[٤] أما صحته في نفسه فلموافقته للمأمور به ، لعدم كون التتابع شرطاً‌

٥٢٦

قضاء رمضان فإنه لو خالف وأتى به متفرقاً صح ، وإن عصى من جهة خلف النذر.

( مسألة ٦ ) : إذا أفطر في أثناء ما يشترط فيه التتابع لعذر من الاعذار كالمرض ، والحيض ، والنفاس ، والسفر الاضطراري دون الاختياري ـ لم يجب استئنافه ، بل يبني على ما مضى [١].

______________________________________________________

فيه في نفسه. وأما حصول الإثم فلمخالفة النذر بترك التتابع فيه.

أقول : قد تقدم في أوائل مباحث القراءة ، وفي المسألة الأولى من فصل الجماعة : إن نذر قيد للواجب يوجب بطلان فعل الواجب خالياً عن ذلك القيد ، لأن نذر القيد يستوجب ثبوت حق لله تعالى على الناذر ، وهو فعل المنذور ، وفعل الواجب خالياً عن القيد المنذور إعدام لموضوع الحق المذكور وتفويت له فيحرم ، فيبطل ، لأنه لا يصح وقوعه عبادة.

لكن التقريب المذكور لا يتأتى في المقام ، لأن التفويت لا يستند إلى الصوم بل يستند الى ترك وصل اللاحق بالسابق ، والترك ليس عبادة ، ولا هو موضوع الكلام إذ الكلام في صحة الصوم وبطلانه ، وقد عرفت أن الصوم ولو كان بنية عدم وصل ما بعده به مما لا ينافي وجود الحق ، بل مما يدعو إليه الحق ، فكيف يكون مفوتا للحق ، ليكون حراماً ، فيبطل؟ فتأمل جيداً.

[١] إجماعاً ظاهراً في الشهرين ، وعلى المشهور في غيرهما. ويدل عليه صحيح رفاعة عن أبي عبد الله (ع) : « عن رجل عليه صيام شهرين متتابعين ، فصام شهراً ومرض. قال (ع) : الله حبسه. قلت : امرأة كان عليها صيام شهرين متتابعين ، فصامت وأفطرت أيام حيضها. قال (ع) : تقضيها. قلت : فإنها قضتها ثمَّ يئست من المحيض. قال (ع) : لا تعيدها‌

٥٢٧

______________________________________________________

أجزأها ذلك » (١) وصحيح سليمان بن خالد : « سألت أبا عبد الله (ع) : عن رجل كان عليه صيام شهرين متتابعين ، فصام خمسة عشر يوماً ، ثمَّ مرض ، فإذا برئ يبني على صومه ، أم يعيد صومه كله؟ قال (ع) : بل يبني على ما كان صام. ثمَّ قال (ع) : هذا مما غلب الله تعالى عليه وليس على ما غلب الله عز وجل عليه شي‌ء » (٢) ونحوهما غيرهما. ومن التعليل فيهما يظهر عموم الحكم لكل صوم متتابع ، ولكل عذر لا يكون من قبل المكلف.

نعم في صحيح جميل ومحمد بن حمران عنه (ع) : « في الرجل يلزمه صوم شهرين متتابعين في ظهار ، فيصوم شهراً ثمَّ يمرض. قال (ع) : يستقبل. فان زاد على الشهر الأول يوماً أو يومين بنى على ما بقي » (٣) ونحوه خبر أبى بصير (٤) لكنهما لا يصلحان لمعارضة ما سبق ، بعد دعوى الاتفاق على جواز البناء في موردهما ، ومخالفتهما لما هو صريح في جواز البناء ، الموجب لحملهما على الاستحباب ، جمعاً عرفيا. وأما صحيح الحلبي ـ المتقدم في أول المسألة الأولى ـ فيمكن حمل العارض فيه على ما لا يكون عذراً ، كما سبق.

ومن ذلك يظهر ضعف ما عن القواعد ، والدروس ، والمسالك ، وغيرها : من وجوب الاستئناف في كل ثلاثة يجب تتابعها إذا أفطر بينها لعذر ولغيره إلا ثلاثة الهدي ، على ما تقدم في آخر المسألة الرابعة. والاستدلال عليه بقاعدة عدم الإجزاء بالإتيان بالمأمور به على غير وجهه. وبما دل على وجوب التتابع في الثلاثة. وبصحيح الحلبي المتقدم ضعيف ، إذ كل ذلك‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب بقية الصوم الواجب حديث : ١٠.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب بقية الصوم الواجب حديث : ١٢.

(٣) الوسائل باب : ٣ من أبواب بقية الصوم الواجب حديث : ٣.

(٤) الوسائل باب : ٣ من أبواب بقية الصوم الواجب حديث : ٦.

٥٢٨

______________________________________________________

غير صالح لمعارضة ما سبق. ولا سيما وقد عرفت أن الصحيح لو حمل على العذر كان مخالفاً للإجماع. وما ورد من نفي التفريق في خصوص الثلاثة محمول على نحو التفريق في الشهرين ، بمعنى : جوازه اختياراً لو تجاوز النصف ، وكون الحصر إضافياً ، كما يظهر من ذيل صحيح الحلبي المتقدم.

ومثله في الضعف : تخصيص البناء في الشهرين والاستئناف في غيرهما ـ كما في المدارك ـ لعدم الدليل على البناء في غيرهما. إذ قد عرفت اقتضاء عموم التعليل عدم الفرق بين الشهرين وغيرهما. وعدم إمكان العمل به غاية ما يقتضي البناء على تخصيصه ، لا على إجماله والاقتصار به على مورده.

وعن الشيخ (ره) في النهاية ـ فيمن نذر أن يصوم شهراً متتابعا ، فصام خمسة عشر يوماً ، وعرض له ما يفطر فيه ـ : صام ما بقي وإن صام أقل من خمسة عشر استأنف. والتعليل أيضا حجة عليه. وكذا ما ورد في نذر الشهرين المتتابعين (١) أو أيام معلومة (٢) المتضمن لجواز البناء في العذر ، وعدم لزوم الاستئناف. نعم يوافقه خبر الفضيل ، المتقدم في مسألة وجوب التتابع في المنذور. غير أن الخبر لم يصرح فيه بنذر التتابع. ولذا لم يحك القول بمضمونه من أحد. فالبناء على ما في المتن متعين.

ثمَّ إن المحكي عن الوسيلة ، والسرائر ، وظاهر الخلاف : أن السفر غير قاطع للتتابع ، بل عن السرائر : التصريح بعدم الفرق بين الاضطراري والاختياري ، وعن المستند : أنه استظهر منها الإجماع عليه ، وجعله الأقوى ، لأن الظاهر مما ( حبسه الله ) و ( غلب عليه ) ما لم يكن بفعل العبد. وفيه : منع الظهور المذكور ، بل يصدق مع السفر الاضطراري صدقه مع المرض إذ المرض ليس بذاته مفطراً ، وإنما يجب معه الإفطار ، وهذا المقدار من‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب بقية الصوم الواجب حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب بقية الصوم الواجب حديث : ٢.

٥٢٩

ومن العذر : ما إذا نسي النية حتى فات وقتها [١] ، بأن تذكر بعد الزوال ، ومنه أيضاً : ما إذا نسي فنوى صوماً آخر ، ولم يتذكر إلا بعد الزوال. ومنه أيضاً : ما إذا نذر قبل تعلق الكفارة صوم كل خميس ، فان تخلله في أثناء التتابع لا يضر به [٢] ، ولا يجب عليه الانتقال إلى غير الصوم من‌

______________________________________________________

الوجوب المستند الى ما لم يكن باختيار العبد إذا كان كافياً في صدق الحبس والغلبة ، فلم لا يكون كذلك إذا حدث بغير الاختيار السبب الموجب للسفر الموجب للإفطار؟!

ومن هنا استحسن المحقق في المعتبر : الفرق بين السفر الاضطراري فلا يقطع التتابع ، والاختياري فيقطعه » وعن العلامة (ره) : القطع به ، وكذا عن الدروس إذا حدث سببه بعد الشروع في الصوم. ولقد بالغ في الجواهر فقوى الصدق مطلقاً ، باعتبار كونه محبوساً عن الصوم معه. إذ هو كما ترى إذ مجرد الحبس التشريعي ـ مع عدم استناده الى حبس تكويني ـ غير كاف في تطبيق التعليل ، وإلا جرى في سائر موارد الإفطار الاختياري. فتأمل. فالتفصيل ـ كما في المتن ـ في محله. وعليه فلا يبعد التفصيل بين الاضطراري من المرض والحيض والاختياري أيضا.

[١] كما في المدارك ، حاكياً له عن المسالك ، واختاره في الجواهر. لصدق حبس الله تعالى. وما عن الحدائق : من أن النسيان من الشيطان ، لا من الله تعالى ، كما يشير اليه قوله تعالى : ( فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ ... ) (١). فيه : أنه لو تمَّ في نفسه كلية ، فالمراد من التعليل ما يقابل الإفطار اختياراً ولو بتوسط المخلوق. فلاحظ.

[٢] لصدق الحبس. ولا يتوهم انصراف التعليل إلى ما لا يعلم به‌

__________________

(١) يوسف : ٤٢.

٥٣٠

الخصال في صوم الشهرين لأجل هذا التعذر. نعم لو كان قد نذر صوم الدهر قبل تعلق الكفارة اتجه الانتقال إلى سائر الخصال [١].

( مسألة ٧ ) : كل من وجب عليه شهران متتابعان ـ من كفارة معينة أو مخيرة ـ إذا صام شهراً ويوماً متتابعاً يجوز له التفريق في البقية ، ولو اختياراً لا لعذر [٢]. وكذا لو‌

______________________________________________________

المكلف. فإنه خلاف المتعارف في الحيض للمرأة ، كما لا يخفى.

[١] كما نص عليه في الجواهر. ضرورة عدم التمكن من الصوم حينئذ أصلا ولو غير متتابع.

[٢] بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل المحكي منه متواتر أو مستفيض ـ كذا في الجواهر ـ ويشهد له جملة من النصوص ، كصحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل صام في ظهار شعبان ثمَّ أدركه شهر رمضان. قال (ع) : يصوم شهر رمضان ، ويستأنف الصوم. فان هو صام في الظهار فزاد في النصف يوماً قضى بقيته » (١) وموثق سماعة عنه (ع) : « عن الرجل يكون عليه صوم شهرين متتابعين أيفرق بين الأيام؟ فقال (ع) : إذا صام أكثر من شهر فوصله ، ثمَّ عرض له أمر فأفطر ، فلا بأس. فإن كان أقل من شهر ، أو شهر ، فعليه أن يعيد الصيام » (٢) ونحوها غيرها.

ومنها يظهر ضعف ما عن محتمل النهاية : من اختصاص ذلك بحال العجز ، ومع الإفطار عمداً يجب الاستئناف. كما يظهر أيضاً ضعف ما عن المفيد ، والسيد ، وابني زهرة وإدريس : من الإثم في الإفطار عمداً ـ بل حكي أيضاً عن التبيان ، وكفارات النهاية ، وظهار المبسوط ـ إذ لا دليل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب بقية الصوم الواجب حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب بقية الصوم الواجب حديث : ٥.

٥٣١

كان من نذر أو عهد لم يشترط فيه تتابع الأيام جميعها [١] ، ولم يكن المنساق منه ذلك. وألحق المشهور بالشهرين الشهر المنذور فيه التتابع [٢] ، فقالوا : إذا تابع في خمسة عشر يوماً‌

______________________________________________________

على الإثم بعد سقوط التتابع بصيام أكثر من النصف ، بل بعد ظهور النص في كون المراد من التتابع في المقام التتابع على النحو المذكور ، لا بين الأيام جميعها ، كما أشرنا إلى ذلك في أول المسألة الأولى. فراجع.

[١] المشهور عدم اعتبار هذا الشرط في ثبوت الحكم السابق. واستشكل فيه غير واحد ـ فيما لو صرح الناذر بالتتابع في جميع الأيام ، أو كان منصرف ذهنه ذلك ـ بأنه مخالف لقاعدة وجوب الوفاء بالنذر. ووجهه في الجواهر : بأن الشارع الأقدس قد كشف عن كون المراد واقعاً بهذا الخطاب ذلك وإن زعم صاحبه خلافه. ولكنه كما ترى ، إذ الأدلة المتقدمة تقصر عن التعرض للنذر ونحوه ، فالإشكال محكم. وعليه فالتقييد بما في المتن في محله.

كما أنه على تقدير عدم التقييد لا موجب للتتابع فيما بين أيام الشهر الأول ولا فيما بينه وبين يوم من الشهر الثاني ، كما تقدم. نعم لو كان مقصود الناذر نذر التتابع المقصود بأصل الشرع ـ بماله من الأحكام ـ تعين القول المشهور.

[٢] للصحيح عن موسى بن بكر عن الفضيل عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل جعل عليه صوم شهر ، فصام منه خمسة عشر يوماً ، ثمَّ عرض له أمر. فقال (ع) : إن كان صام خمسة عشر يوماً فله أن يقضي ما بقي وإن كان أقل من خمسة عشر يوماً لم يجز حتى يصوم شهراً تاماً » (١) ونحوه روايته عن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر (ع) (٢) بناء على ظهورهما في نذر التتابع.

__________________

(١) ، (٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب بقية الصوم الواجب حديث : ١ ، وملحقة.

٥٣٢

منه لا يجوز له التفريق في البقية اختياراً. وهو مشكل [١] ، فلا يترك الاحتياط فيه بالاستئناف مع تخلل الإفطار عمداً وان بقي منه يوم. كما لا إشكال في عدم جواز التفريق اختياراً مع تجاوز النصف في سائر أقسام الصوم المتتابع [٢].

( مسألة ٨ ) : إذا بطل التتابع في الاثناء لا يكشف عن بطلان الأيام السابقة ، فهي صحيحة وإن لم تكن امتثالا للأمر الوجوبي ولا الندبي ، لكونها محبوبة في حد نفسها [٣] من حيث أنها صوم. وكذلك الحال في الصلاة إذا بطلت في الأثناء فإن الأذكار والقراءة صحيحة في حد نفسها من حيث محبوبيتها لذاتها.

______________________________________________________

وعن ابن حمزة : اعتبار مجاوزة النصف ولو بيوم. وكأنه قياس على الشهرين ، وهو غير ظاهر. وعن ابن زهرة : التفصيل مع اشتراط الموالاة بين الاختيار فيقضي مطلقاً ، والاضطرار فيبني كذلك. ومع عدم اشتراطها بنى مع الاضطرار مطلقاً ، ومع الاختيار يستأنف إن أفطر في النصف الأول وإن كان في النصف الثاني بنى وأثم. ودليله غير ظاهر.

[١] لضعف سند الروايتين ، فلا يخرج بهما عن القاعدة الموجبة للاستئناف ، كما عن المدارك. وفيه : أن الضعف مجبور بالعمل.

[٢] لعدم الدليل على الجواز في غير ما سبق ، فيرجع فيه الى مقتضى القواعد المقتضية للاستئناف ، لفوات المشروط بفوات شرطه.

[٣] المحبوبية مسلمة ، إلا أن قصدها دخيل في وقوع الفعل على وجه العبادية فلو لم تقصد لم يكن عبادة. نعم لو قلنا بثبوت العبادة الذاتية ، وأن الصوم ، منها ، كان الصوم حينئذ في نفسه صحيحاً. لكن أشرنا في ( حقائق‌

٥٣٣

______________________________________________________

الأصول ) ـ وفي بعض مباحث الطهارة من هذا الشرح ـ إلى الإشكال في ثبوت ما هو عبادة بالذات بلا ملاحظة كونه محبوباً ، وإن كان واجداً لعنوان يكون علة تامة للمحبوبية ، فضلا عما إذا لم يكن كذلك ، بل كان فيه مقتضى المحبوبية ، فضلا عما إذا لم يكن كذلك ، بل كان فيه مقتضى المحبوبية ، كما في مثل السجود ، والركوع ، والذكر ، والدعاء ، ونحوها من مشاعر التعظيم. ولو سلم فليس الصوم منها ، فإنه مما لا ينطبق عليه عنوان كذلك أصلا ، وليس هو إلا كالنوم ، واليقظة ، والأكل ، والمشي ونحوها مما لا يكون فيه مراسم العبودية ، وإنما تكون عباديته لجهات خفية تعبدية. ومما يشهد بما ذكرنا : تحريم جملة مما يكون عندهم من العبادة بالذات ، فإن الحرمة تنافي ذلك ولو في بعض الأحوال وعلى بعض الكيفيات.

نعم يمكن البناء على تصحيح الصوم في المقام : بأن الناذر في مقام الوفاء بنذره إنما يقصد امتثال الأمر الندبي المتعلق بالصوم لو لا النذر ، وهو المقرب له ، لا الأمر الآتي من قبل النذر ، إذ الأمر بالوفاء بالنذر ـ كالأمر بالوفاء بالعقود ـ ليس مقوماً لعبادية موضوعه إذا كان عبادة ، إذ عباديته أيضاً موضوع للنذر ، فلا بد أن يكون المصحح لها أمرها الأولي ، ويمتنع أن يكون المصحح لها أمر النذر. نعم الأمر بالوفاء بالنذر من قبيل الداعي إلى امتثال ذلك الأمر ، فصوم كل يوم إنما يؤتى به بقصد امتثال أمره في نفسه ، فاذا بطل التتابع لم يرد خلل على الامتثال المذكور ، فيكون الصوم عبادة على حاله لو لا بطلان التتابع ، فيكون صحيحاً على كل حال. ولا مجال لهذا التقريب بالنسبة إلى القراءة والأذكار ، إذ عباديتها إنما كانت بقصد امتثال أمر الصلاة ، فإذا بطلت الصلاة بطل الامتثال ، ولا تكون عبادة. نعم يترتب الثواب على فعلها ، بناء على ترتبه على مطلق الانقياد لحصوله على كل حال. لكن ترتب الثواب أمر آخر لا يرتبط بالصحة ، بخلاف الصوم المأتي به بقصد التتابع ، فإنه صحيح وإن بطل التتابع.

٥٣٤

______________________________________________________

اللهم إلا أن يقال : الوفاء بالنذر ليس من قبيل الداعي حتى لا يكون تخلفه موجباً للبطلان ، بل من قبيل العنوان التقييدي ، فمع بطلانه يبطل الامتثال حقيقة ، إلا أن يكون قصد العنوان بنحو تعدد المطلوب. نعم يكون انقياداً ، كما ذكرنا في القراءة ونحوها عند بطلان الصلاة ، فهما من باب واحد. والحكم فيهما البطلان وإن كان يترتب عليهما الثواب من جهة الانقياد. فتأمل جيداً. والله سبحانه أعلم وله الحمد أولا وآخراً.

إلى هنا انتهى المقصود من شرح كتاب الصوم وكان ذلك في أوائل الليلة الثانية من شهر محرم الحرام ، من السنة الرابعة والخمسين بعد الألف والثلاثمائة ، من الهجرة النبوية ، على صاحبها أفضل الصلاة والسلام ، وأكمل التحية ، على يد مؤلفه الفقير الى الله ( محسن ) خلف العلامة المرحوم السيد مهدي الطباطبائي الحكيم ـ قدس‌سره.

٥٣٥

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

كتاب الاعتكاف

وهو اللبث في المسجد بقصد العبادة [١]. بل لا يبعد كفاية قصد التعبد بنفس اللبث [٢] وإن لم يضم اليه قصد عبادة أخرى خارجة عنه. لكن الأحوط الأول. ويصح في‌

______________________________________________________

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وله الحمد والمجد. والصلاة على رسوله وآله الطاهرين

كتاب الاعتكاف‌

[١] يعني : العبادة زائدة على اللبث ، من ذكر ، أو دعاء ، أو قراءة أو غيرها. ويظهر من غير واحد : أنه لا كلام في اعتبار القيد الأخير ، حيث عرفوه تارة : بأنه اللبث المتطاول للعبادة ـ كما في الشرائع ـ وأخرى : بأنه لبث مخصوص للعبادة ـ كما عن التذكرة ، والمنتهى ـ وثالثة : بأنه اللبث في مسجد جامع ثلاثة أيام فصاعداً ، صائماً للعبادة ـ كما عن الدروس ـ ومع كثرة المناقشة في التعريفات المذكورة ، من جهة عدم الطرد والعكس لم يناقشوا في اعتبار القيد المذكور ، كما يظهر من مراجعة كلامهم.

[٢] قال في الجواهر : « المراد من قوله : ( للعبادة ) كون اللبث على وجه التعبد به نفسه ، فلا يتوهم شموله اللبث لعبادة خارجية ، كقراءة‌

٥٣٦

كل وقت يصح فيه الصوم [١] ، وأفضل أوقاته شهر رمضان [٢] ،

______________________________________________________

ونحوها. بل لا يتوهم أن المعتبر في الاعتكاف قصد كون اللبث لعبادة خارجة عنه ، بحيث لا يجزي الاقتصار على قصد التعبد به خاصة. ضرورة ظهور النصوص والفتاوى في مشروعيته لنفسه ، من غير اعتبار ضم قصد عبادة أخرى معه. ففي خبر السكوني بإسناده إلى الصادق (ع) عن آبائه عن رسول الله (ص) : « اعتكاف عشر في شهر رمضان يعدل حجتين وعمرتين » (١). لكن ظاهر ما يأتي من التذكرة اعتبار ذلك ، بل جزم به شيخنا الأكبر في رسالته وكشفه.

أقول : قد عرفت ما هو ظاهر الفتاوى ، وحملها على ما ذكر بعيد جدا. وأما ظاهر النصوص فلم يتضح أنه كما ذكر ( قده ). وخبر السكوني الذي ذكره إنما ورد في مقام تشريع الاعتكاف عشراً ، فلا مجال للتمسك بإطلاقه. بل ظاهر صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) ـ في حديث ـ : « كان رسول الله (ص) إذا كان العشر الأواخر اعتكف في المسجد ، وضربت له قبة من شعر ، وشمر الميزر ، وطوى فراشه .. » (٢) اعتبار ذلك.

نعم في صحيح داود بن سرحان : « كنت في المدينة في شهر رمضان فقلت لأبي عبد الله (ع) : أنى أريد أن اعتكف ، فما ذا أقول ، وما ذا أفرض على نفسي؟ فقال (ع) : لا تخرج من المسجد إلا لحاجة لا بد منها ولا تقعد تحت ظلال حتى تعود الى مجلسك » (٣) فإنه ظاهر في بيان تمام ماهيته ، وخال عن ذكر العبادة. فلاحظ.

[١] بلا إشكال ظاهر ، ولا خلاف.

[٢] كأنه لخبر السكوني المتقدم. ولخبر أبي العباس عن أبي عبد الله (ع)

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب الاعتكاف حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب الاعتكاف حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٧ من أبواب الاعتكاف حديث : ٣.

٥٣٧

وأفضله العشر الأواخر منه [١].

وينقسم إلى واجب ، ومندوب. والواجب منه ما وجب بنذر ، أو عهد ، أو يمين ، أو شرط في ضمن عقد ، أو إجارة ، أو نحو ذلك ، وإلا ففي أصل الشرع مستحب [٢]. ويجوز الإتيان به عن نفسه ، وعن غيره الميت. وفي جوازه نيابة عن الحي قولان [٣] ، لا يبعد ذلك ، بل هو الأقوى. ولا يضر اشتراط الصوم فيه فإنه تبعي ، فهو كالصلاة في الطواف الذي يجوز فيه النيابة عن الحي. ويشترط في صحته أمور :

______________________________________________________

قال : « اعتكف رسول الله (ص) في شهر رمضان في العشر الأول ، ثمَّ اعتكف في الثانية في العشر الوسطى ، ثمَّ اعتكف في الثالثة في العشر الأواخر ثمَّ لم يزل (ص) يعتكف في العشر الأواخر » (١) فتأمل.

[١] لما يظهر من مواظبة النبي (ص) عليه ، بل حكاية ذلك في كلام المعصوم دليل على الأفضلية.

[٢] إجماعاً ، ادعاه جماعة كثيرة ، بل في الجواهر : الإجماع من المسلمين عليه.

[٣] أحدهما : المنع ، كما في رسالة كاشف الغطاء ، حيث قال فيها : « تجوز نيته عن الميت والأموات ، دون الأحياء ». وثانيهما : الجواز ، كما قواه في الجواهر. قال : « ولا يقدح ما فيه من النيابة في الصوم ، كالصلاة في الطواف ، ونحوها ».

أقول : إن كان عموم يقتضي جواز النيابة عن الأحياء فلا حاجة الى التعليل بالتبعية ، إذ الصوم كالاعتكاف تجوز فيهما النيابة في عرض واحد‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب الاعتكاف حديث : ٤.

٥٣٨

الأول : الإيمان [١] ، فلا يصح من غيره.

الثاني : العقل [٢] ، فلا يصح من المجنون ـ ولو أدواراً في دوره ـ ولا من السكران وغيره من فاقدي العقل.

الثالث : نية القربة [٣] ، كما في غيره من العبادات. والتعيين إذا تعدد [٤] ولو إجمالا. ولا يعتبر فيه قصد الوجه ،

______________________________________________________

وإن لم يكن عموم كذلك ، فأصالة عدم المشروعية كافية في المنع ولو لم يكن فيه صوم. مع أن قياس صوم الاعتكاف بصلاة الطواف لا يخلو من إشكال ، لأن الصلاة لا بد من الإتيان بها بعنوان كونها مضافة الى الطواف ولا كذلك صوم الاعتكاف ، إذ يكفي فيه الصوم ولو بعنوان كونه صوم شهر رمضان. فتأمل.

ولأجل أن الظاهر ثبوت العموم الدال على مشروعية النيابة عن الحي ـ كروايتي محمد بن مروان وعلي بن حمزة‌ ، المذكورتين في باب قضاء الصلوات عن الأموات من الوسائل (١) ـ كان البناء على مشروعية النيابة فيه قوي.

[١] لأن الاعتكاف من العبادات إجماعاً ، وهي لا تصح من غير المؤمن للإجماع والنصوص ، كما سبق. مضافاً إلى ما في الجواهر : من كون اللبث في المسجد حرام على الكافر ، والحرمة مانعة من صحة التعبد ، ولا فرق في في ذلك بين الابتداء والاستدامة. فما عن المبسوط ـ من أنه لا يبطل الاعتكاف بالارتداد في الأثناء ـ في غير محله.

[٢] إذ لا قصد بدونه ، والقصد من ضروريات العبادة.

[٣] للإجماع على كونه عبادة.

[٤] قد عرفت في مبحث قضاء الصوم : أن إمكان التعيين فرع التعين ،

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب قضاء الصلوات حديث : ١ ، ٩.

٥٣٩

كما في غيره من العبادات [١]. وإن أراد أن ينوي الوجه ، ففي الواجب منه ينوي الوجوب [٢] ، وفي المندوب الندب. ولا يقدح في ذلك كون اليوم الثالث ـ الذي هو جزء منه ـ

______________________________________________________

فالأمور المتعددة إذا كانت متميزة بمميزات داخلة أو خارجة أمكن فيها التعيين ، فيجب إذا كانت عبادة ، كما سبق في كتاب الصلاة. أما إذا لم لم تكن متميزة بمميزات كذلك ، بل كانت من قبيل أفراد حقيقة واحدة ، كما إذا وجب صوم أيام ، فإن كل واحد من الأيام لما لم يكن متميزاً عن الآخر بمميزات داخلية ولا خارجية لم يمكن التعيين ، فضلا عن أن يجب وأفراد الاعتكاف من هذا القبيل.

نعم إذا كان واحد منها منذوراً ، والآخر مستأجراً عليه ، فلا بد من قصد الوفاء بالنذر ، أو قصد النيابة ، لأن عنوان الوفاء بالنذر ، وعنوان النيابة من العناوين القصدية ، التي لا يمكن أن تتحقق بدون القصد. لكن ذلك أمر آخر ليس تعييناً في الاعتكاف. ولذا لو نذر : إن شفي مريضه اعتكف ، وإن رزقه الله ولداً اعتكف ، فشفي مريضه ورزق ولداً وجب عليه الاعتكافان ، ويصح الإتيان بهما بلا تعيين ، بل يكفي مجرد قصد الوفاء بالنذر لا غير. فلاحظ.

[١] على ما تقدم في الوضوء.

[٢] قد تقدم في المتن : أن مشروعية الاعتكاف إنما هي على وجه الندب ، وأن وجوبه إنما يكون بالعرض بنذر ، أو عهد ، أو يمين أو شرط أو إجارة أو نحوها. ولأجل أن موضوع هذه العناوين هو الاعتكاف العبادي المشروع عبادة في الشريعة المقدسة ، وعباديته إنما هي بتوسط الأمر الندبي وإلا فالأمر الوجوبي ليس عبادياً ، أمكن حينئذ أن يتحقق الوفاء بأحد العناوين المذكورة بقصد ذلك الأمر الندبي ، بل لعل ذلك هو المتعين ، لأنه‌

٥٤٠