مستمسك العروة الوثقى - ج ٨

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٨

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٤

نعم يجب قضاء اليوم الذي بلغ فيه قبل طلوع فجره [١] ، أو بلغ مقارناً لطلوعه إذا فاته صومه. وأما لو بلغ بعد الطلوع في أثناء النهار فلا يجب قضاؤه [٢] ، وإن كان أحوط. ولو شك في كون البلوغ قبل الفجر أو بعده ، فمع الجهل بتاريخهما لم يجب القضاء [٣] ، وكذا مع الجهل بتاريخ البلوغ [٤]. وأما مع الجهل بتاريخ الطلوع ـ بأن علم أنه بلغ قبل ساعة مثلا ولم يعلم أنه كان قد طلع الفجر أم لا ـ فالأحوط القضاء ، ولكن في وجوبه إشكال [٥].

______________________________________________________

وإطلاق وجوب القضاء على من ترك الصوم ـ لو تمَّ ـ فغير ظاهر بنحو يشمل ما لو كان الترك لعدم الوجوب.

[١] لتركه الصوم الواجب عليه ، الموجب للقضاء بلا خلاف ولا إشكال ، كما يستفاد من النصوص المتفرقة في الموارد الكثيرة ، مضافاً إلى ما يأتي.

[٢] لعدم وجوب الأداء ، فيجري فيه ما تقدم. نعم لو بلغ في الأثناء ولم يتناول المفطر ، وقلنا بوجوب الصوم عليه ، كان القول بالوجوب في محله ، لتركه الصوم الواجب.

[٣] لأصالة البراءة ، بعد الشك في توجه الخطاب بالأداء اليه ، والأصل البراءة منه.

[٤] لاستصحاب الصبا الى ما بعد الفجر ، فيدخل في موضوع نفي وجوب القضاء.

[٥] ينشأ : من أن أصالة عدم طلوع الفجر الى ما بعد البلوغ يثبت البلوغ قبل الفجر ، فيقتضي وجوب الصوم عليه. ومن أن المستفاد من مجموع الأدلة أن الصوم إنما يجب على البالغ في النهار ، وهذا لازم لما يثبته الأصل من حدوث البلوغ قبل الفجر. ولأجل أن الأصل المثبت ليس بحجة يتعين القول بعدم الوجوب.

٤٨١

وكذا لا يجب على المجنون ما فات منه أيام جنونه [١] ، من غير فرق بين ما كان من الله ، أو من فعله على وجه الحرمة [٢] أو على وجه الجواز. وكذا لا يجب على المغمى عليه [٣] ،

______________________________________________________

[١] بلا خلاف ظاهر ، بل عن الروضة : الإجماع عليه. ويشهد له نصوص الاغماء الآتية.

[٢] كما هو المشهور. وعن الإسكافي : وجوب القضاء إذا كان الجنون بفعله على وجه الحرمة. ودليله غير ظاهر في قبال الأصل. وعموم القضاء لا يشمله.

[٣] على المشهور. للنصوص ، كصحيح أيوب بن نوح : « كتبت الى أبي الحسن (ع) أسأله عن المغمى عليه يوماً أو أكثر ، هل يقضي ما فاته أم لا؟ فكتب (ع) : لا يقضي الصوم ، ولا يقضي الصلاة » (١) ومثلها مكاتبة علي بن محمد بن سليمان (٢) وصحيحة علي بن مهزيار (٣) وفي مكاتبة القاساني : « لا يقضي الصوم » (٤).

وعن المفيد ، والمرتضى ، والشيخ في الخلاف : أنه يقضي إن لم تسبق منه النية ، وإن سبقت منه لم يقض. وليس لهم دليل ظاهر. نعم عن المختلف : الاستدلال لهم بما دل على قضاء المريض (٥) وبما دل على وجوب قضاء الصلاة (٦) وفيه : أنه لو تمَّ صدق المريض ، وتمت الملازمة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب من يصح منه الصوم ملحق حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب من يصح منه الصوم ملحق حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ٢.

(٥) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ١.

(٦) راجع أوائل فصل صلاة القضاء من الجزء السابع من هذا الشرح.

٤٨٢

سواء نوى الصوم قبل الإغماء أم لا. وكذا لا يجب على من أسلم عن كفر [١]. إلا إذا أسلم قبل الفجر ولم يصم ذلك اليوم فإنه يجب عليه قضاؤه. ولو أسلم في أثناء النهار لم يجب عليه صومه وإن لم يأت بالمفطر [٢] ،

______________________________________________________

بين الصلاة والصيام ، فالنصوص المتقدمة مقيدة ، ونافية لوجوب قضاء الصلاة ـ كما هو المختار ـ عملا بما دل على نفي قضائها من النصوص الكثيرة. وكأن منشأ التخصيص بصورة عدم سبق النية بناؤهم على صحة صومه لو سبقت منه النية ، لعدم منافاة الاغماء للصوم. وقد سبقت الإشارة الى ذلك.

[١] إجماعاً. لحديث الجب (١) ولصحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « أنه سئل عن رجل أسلم في النصف من رمضان ، ما عليه من صيامه؟ قال (ع) : ليس عليه إلا ما أسلم فيه » (٢) وصحيح العيص بن القاسم قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن قوم أسلموا في شهر رمضان وقد مضى منه أيام ، هل عليهم أن يقضوا ما مضى منه ، أو يومهم الذي أسلموا فيه؟ قال (ع) : ليس عليهم قضاء ، ولا يومهم الذي أسلموا فيه. إلا أن يكونوا أسلموا قبل طلوع الفجر » (٣). ونحوهما غيرهما.

وأما ما رواه الحلبي قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل أسلم بعد ما دخل في شهر رمضان أيام. فقال (ع) : ليقض ما فاته » (٤) فلا بد أن يكون محمولا على الاستحباب ، جمعاً عرفياً.

[٢] على المشهور. لعدم تبعض الصوم ، وتأثير النية فيما مضى خلاف‌

__________________

(١) راجع الحديث في أوائل فصل صلاة القضاء من الجزء السابع من هذا الشرح.

(٢) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ٥.

٤٨٣

ولا عليه قضاؤه [١]. من غير فرق بين ما لو أسلم قبل الزوال أو بعده. وإن كان الأحوط القضاء إذا كان قبل الزوال.

( مسألة ١ ) : يجب على المرتد قضاء ما فاته أيام ردته [٢] ، سواء كان عن ملة ، أو فطرة.

______________________________________________________

القاعدة. فتأمل. وقد يشير اليه : ما دل على نفي القضاء ، كصحيح العيص المتقدم. وتقدم عن المبسوط وغيره : وجوب الصوم إذا أسلم قبل الزوال لبقاء وقت النية. وفيه : أنه مصادرة ـ فتأمل ـ وخروج عن ظاهر الصحيح المتقدم من غير وجه ظاهر.

وقد يستدل له بصحيح الحلبي المتقدم. وفيه : أن الظاهر من : « ما أسلم فيه » النصف الثاني من رمضان. ولما كان الصوم هو الإمساك تمام النهار يكون حاصل المراد : ليس عليه الإمساك تمام النهار بعد ما أسلم وليس فيه تعرض لامساك بعض النهار ، بل هو داخل في عموم النفي المستثنى منه. وقد تقدم في فصل شرائط الوجوب بعض ماله نفع في المقام. فراجع.

[١] قد عرفت وجهه.

[٢] بلا خلاف ، كما عن الذخيرة وغيرها ، وعن المدارك : أنه قطعي. واستدل له في الجواهر بعموم « من فاتته .. » وغيره مما دل على وجوب القضاء لكل تارك للصوم. لكن عموم « من فاتته .. » مرسل في بعض كتب الفقه ، فليس بحجة. وما دل على وجوب القضاء لكل تارك للصوم غير متحصل.

نعم ورد في غير واحد من النصوص : « من أفطر متعمداً فعليه القضاء » (١) لكن في شموله للمرتد حتى القاصر تأمل. وعن المدارك : أنه استدل على عموم القضاء لكل تارك للصوم بصحيح الحلبي عن أبي

__________________

(١) راجع أول فصل فيما يوجب الكفارة.

٤٨٤

______________________________________________________

عبد الله (ع) قال : « إذا كان على الرجل شي‌ء من صوم شهر رمضان فليقضه في أي الشهور شاء أياماً متتابعة ، فان لم يستطع فليقضه كيف شاء. وليحص الأيام ، فإن فرق فحسن ، وإن تابع فحسن ». (١) وبصحيح عبد الله بن المغيرة ، عن ابن سنان ، عن أبي عبد الله (ع) : « قال : من أفطر شيئاً من شهر رمضان في عذر ، فان قضاه متتابعاً فهو أفضل ، وان قضاه متفرقاً فهو حسن » (٢) وهو كما ترى ، إذ الأول وارد في جواز القضاء في أي شهر بعد الفراغ عن ثبوت القضاء في الذمة. والثاني وارد في استحباب التتابع بعد الفراغ عن أصل القضاء أيضاً.

نعم قد تستفاد الكلية من مجموع ما ورد في وجوب القضاء على من أفطر متعمداً ، وعلى المريض ، والحائض ، والنفساء ، والمسافر ، وناسي الجنابة ، وغيرهم من المعذورين في الإفطار وغيرهم. اللهم إلا أن يعارض ذلك بما دل على نفي القضاء في بعض الموارد. مضافاً الى أن الاستقراء المذكور لا يصلح للدلالة على وجوب القضاء على من لم يصم وإن لم يفطر.

اللهم إلا أن يقال : نصوص القضاء ظاهرة في علية الفوت للقضاء وإن كان لمحض ترك الصوم وإن لم يصدق الإفطار ، فلا ينافي ثبوت التخصيص لها في بعض الموارد.

وكيف كان فيدل على عموم القضاء : قوله تعالى : ( وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ... ) (٣) لظهوره في تعليل وجوب القضاء على المريض والمسافر فيؤخذ بعمومه في غير مورده. فلاحظ. والله سبحانه أعلم.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ٤.

(٣) البقرة : ١٨٥.

٤٨٥

( مسألة ٢ ) : يجب القضاء على من فاته لسكر [١] ، من غير فرق بين ما كان للتداوي ، أو على وجه الحرام.

( مسألة ٣ ) : يجب على الحائض والنفساء قضاء ما فاتهما حال الحيض والنفاس [٢]. وأما المستحاضة فيجب عليها الأداء وإذا فات منها فالقضاء [٣].

( مسألة ٤ ) : المخالف إذا استبصر يجب عليه قضاء ما فاته [٤]. وأما ما أتى به على وفق مذهبه فلا قضاء عليه [٥].

______________________________________________________

[١] على ما عرفت من عموم قضاء الصوم ، بناء على منافاة السكر للصوم ، وإلا فلو سبقت منه النية ، وقلنا بعدم المنافاة كان صومه صحيحاً فلا يدخل فيمن فاته الصوم.

[٢] إجماعاً. للنصوص الكثيرة الدالة عليه (١).

[٣] للعموم المتقدم. ولخصوص مكاتبة ابن مهزيار ، الواردة فيمن استحاضت في شهر رمضان من غير أن تعمل ما تعمله المستحاضة من الغسل لكل صلاتين ، قال (ع) : « تقضي صومها ، ولا تقضي صلاتها » (٢)

[٤] للعموم المتقدم. وقد تقدمت في قضاء الصلاة رواية سليمان بن خالد الظاهرة في عدم وجوب القضاء عليه إذا ترك (٣) وتقدم الكلام فيها.

[٥] للنصوص الدالة عليه ، المتقدمة في قضاء الصلاة (٤) ومنصرفها ما يكون موافقاً لمذهبه ، فلو كان مخالفاً له موافقاً لمذهبنا فلا يبعد عدم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٥ ، ٢٦ من أبواب من يصح منه الصوم.

(٢) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٣١ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ٤. وتقدمت في الجزء السابع من هذا الشرح صفحة : ٥٩.

(٤) راجع الجزء السابع من هذا الشرح صفحة : ٥٩ ، ٦٠.

٤٨٦

( مسألة ٥ ) : يجب القضاء على من فاته الصوم للنوم [١] بأن كان نائماً قبل الفجر إلى الغروب [٢] من غير سبق نية ، وكذا من فاته للغفلة كذلك.

( مسألة ٦ ) : إذا علم أنه فاته أيام من شهر رمضان ، ودار بين الأقل والأكثر يجوز له الاكتفاء بالأقل [٣]. ولكن الأحوط قضاء الأكثر خصوصاً إذا كان الفوت لمانع ـ من‌

______________________________________________________

القضاء فيه ، للأولوية إذا فرض الإتيان به بنية القربة ولو كان برجاء الواقع. وقد تقدم في قضاء الصلاة ماله نفع في المقام. فراجع.

[١] عملا بعمومات القضاء المتقدمة.

[٢] بل يكفي النوم الى الزوال ، لعدم الدليل على صحة تجديد النية بعده. وقد تقدم الكلام في ذلك في مبحث النية.

[٣] للأصل النافي لوجوب الأكثر. ولا مجال لاستصحاب وجوب الموقت بعد وقته ، لانتفاء وجوب الصوم بدخول الليل ، فيكون الشك في وجوب صوم النهار شكاً في حدوث الوجوب ، لا في بقائه. وبذلك افترق المقام عن سائر الموقتات ، فإنه يمكن إجراء استصحاب بقاء الوجوب بعد الوقت فيها ، بناء على أن خصوصية الوقت من قبيل الخصوصيات غير المقومة لموضوع الاستصحاب ، كي يكون انتفاؤها موجباً لتبدل الموضوع المانع من جريان الاستصحاب.

بل يفترق صوم رمضان عن غيره من أنواع الصيام ، بأنه ينتهي وجوب صومه بدخول العيد الذي يحرم صومه ، فلو بني على غض النظر عن الاشكال السابق فحرمة صوم العيد مانعة عن جريان الاستصحاب ليثبت به وجوب القضاء ، فاذا شك يكون المرجع أصل البراءة. نعم عموم وجوب القضاء على من لم يصم يقتضي وجوب القضاء مع الشك في الأداء‌

٤٨٧

مرض ، أو سفر ، أو نحو ذلك ـ وكان شكه في زمان زواله [١] كأن يشك في أنه حضر من سفره بعد أربعة أيام أو بعد خمسة أيام مثلا من شهر رمضان.

______________________________________________________

لأصالة عدم الصوم في الوقت.

نعم يحكم على الأصل المذكور قاعدة الشك بعد خروج الوقت ـ بناء على عمومها للمقام ، كما هو الظاهر ـ فيتعين الرجوع في وجوب القضاء إلى أصالة البراءة.

[١] فإنه قد يدعى : أن استصحاب بقاء المانع الى زمان الأكثر يقتضي فوات الأكثر. مثلا : لو تردد السفر بين ثلاثة أيام وأربعة ، كان استصحاب بقاء السفر الى اليوم الرابع يقتضي عدم جواز صوم الرابع ، فيكون فائتاً. وفيه : أنه تارة : يعلم بأنه لم يصم أيام السفر وصام أيام الحضر ، ويشك في أن أيام السفر كانت ثلاثة أو أربعة. فاستصحاب بقاء السفر الى اليوم الرابع لا يثبت أنه ما صام اليوم الرابع ، إلا بناء على الأصل المثبت ، للملازمة الخارجية بين السفر في الرابع وعدم صومه. وأخرى : يعلم بأنه صام أيام السفر صوماً غير مشروع ، فيشك في أن أيام السفر كانت أربعة ليقضيها ، أو ثلاثة. فاستصحاب السفر في اليوم الرابع وإن كان يقتضي حرمة صومه ، الموجبة لعدم مشروعيته ، إلا أن أصالة الصحة مقدمة على الاستصحاب. مع أن ذلك لا يتم في مثل المرض لأن في ترتب عدم المشروعية على مجرد ثبوت الحرمة الواقعية إشكالا تقدم.

فان قلت : مقتضى قوله تعالى : ( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً .. ) (١) أن من أحكام المسافر والمريض وجوب القضاء ، فيكون استصحاب السفر والمرض موجباً لإثبات الأثر المذكور. وكذا الحال في بقية الموانع ، من‌

__________________

(١) البقرة : ١٨٤.

٤٨٨

( مسألة ٧ ) : لا يجب الفور في القضاء [١] ولا التتابع [٢].

______________________________________________________

الحيض والنفاس ونحوهما. قلت : وجوب القضاء من آثار عدم الصوم الصحيح في أيام الشهر ، لا من آثار نفس وجود السفر مثلا ، فلا بد في إثبات وجوب القضاء من إثبات موضوعه ، إما لعدم الصوم ذاتاً ، أو لعدم كونه صحيحاً. وقد عرفت أنه لا يمكن إثبات عدم الصوم أو عدم صحته باستصحاب بقاء المانع في الصورتين المذكورتين ، بل يرجع في الأولى إلى قاعدة الشك بعد خروج الوقت ، وفي الثانية إلى أصالة الصحة. وليس مفاد الآية الشريفة ونحوها مفاد أدلة الأسباب الشرعية ، كي يترتب ثبوت المسبب على مجرد ثبوت السبب بالأصل.

هذا كله إذا كان الشك في زمان زوال المانع. وأما إذا كان في زمان حدوثه فلا مجال لهذه التوهمات ، لأصالة عدم حدوثه ، كما هو واضح.

[١] كما هو المعروف. ويشهد له صحيحتا الحلبي وابن سنان المتقدمتان في حكم المرتد (١) ، ومصححة حفص بن البختري عن أبي عبد الله (ع) : « قال : كن نساء النبي (ص) إذا كان عليهن صيام أخرن ذلك إلى شعبان ، كراهة أن يمنعن رسول الله (ص). فاذا كان شعبان صام وصمن » (٢) مضافاً إلى إطلاقات أدلة القضاء. ومن ذلك يظهر ضعف ما عن ظاهر أبي الصلاح : من وجوب الفورية.

[٢] إجماعاً ، كما عن الناصريات ، والخلاف ، والمختلف. لإطلاق الأدلة. وخصوص صحيحي الحلبي وابن سنان المتقدمين في المرتد (٣). وفي رواية سليمان بن جعفر الجعفري عن أبي الحسن الرضا (ع) : « لا بأس بتفريق‌

__________________

(١) لاحظ الروايتين في أوائل هذا الفصل.

(٢) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب الصوم المندوب حديث : ٢.

(٣) لاحظ الروايتين في أوائل هذا الفصل.

٤٨٩

نعم يستحب التتابع فيه [١] وإن كان أكثر من ستة ، لا التفريق فيه مطلقاً [٢] ، أو في الزائد على الستة [٣].

______________________________________________________

قضاء شهر رمضان » (١) ، وموثق سماعة : « سألته عمن يقضي شهر رمضان متقطعاً؟ قال (ع) : إذا حفظ أيامه فلا بأس » (٢) ، إلى غير ذلك.

[١] كما هو المشهور. للتصريح بأفضليته في صحيح ابن سنان (٣) ـ ونحوه خبر الأعمش (٤) ـ وللأمر به في صحيح الحلبي (٥). وفي رواية غياث : « إن كان لا يقدر على سرده فرقه » (٦).

[٢] كما نسب إلى ظاهر المفيد. وقال في محكي المقنعة : « أوجبت السنة الفصل بين الأيام بالإفطار ، ليقع الفرق بين الأمرين : الأداء والقضاء » وهو كما ترى مخالف للنصوص.

[٣] كما هو أحد الأقوال في المسألة ـ كما حكاه في الشرائع ـ وعن السرائر. واستدل له بموثق عمار عن أبي عبد الله (ع) : قال : « سألته عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان ، كيف يقضيها؟ فقال (ع) : إن كان عليه يومان فليفطر بينهما يوماً ، وإن كان عليه خمسة أيام فليفطر بينهما أياماً. وليس له أن يصوم أكثر من ستة أيام متوالية. وإن كان عليه ثمانية أيام أو عشرة أيام أفطر بينهما يوماً » (٧). وانطباقه على المدعى ـ من استحباب المتابعة في الستة والتفريق في الزائد عليه ـ غير ظاهر. ولا سيما وفي بعض‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ٨.

(٢) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ٢.

(٣) المراد به هو الصحيح الذي تقدمت الإشارة إليه آنفاً.

(٤) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ١١.

(٥) المراد هو الصحيح المتقدم إليه الإشارة آنفاً.

(٦) الوسائل باب : ٢٧ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ٣.

(٧) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ٦.

٤٩٠

( مسألة ٨ ) : لا يجب تعيين الأيام [١] ، فلو كان عليه أيام فصام بعددها كفى وإن لم يعين الأول والثاني ـ وهكذا ـ بل لا يجب الترتيب أيضاً ، فلو نوى الوسط أو الأخير تعين ، ويترتب عليه أثره.

______________________________________________________

النسخ ـ بدل ( الستة ) ـ ( الثمانية ) (١). فطرحه والعمل بغيره متعين.

[١] قد أشرنا في بحث سجود السهو وغيره إلى أن التعيين فرع التعين والتعين تابع لاعتبار خصوصيات في المأمور به ، بحيث يكون كل واحد من المتعدد مشتملا على خصوصية غير ما يشتمل عليه الآخر ، مثل خصوصية الظهرية والعصرية ، ونافلة الفجر وفريضته ، فالصلاتان الأولتان ـ وكذا الأخيرتان ـ وإن اتحدت صورتهما متغايرتان بلحاظ الخصوصيات المذكورة. وليس في المقام ما يوجب ذلك ، فان قضاء الصوم الفائت ماهية واحدة ، قد يكون الواجب منها فرداً واحداً إذا كان الفائت يوما واحداً ، وقد يكون الواجب متعدداً ، كما إذا كان الفائت متعدداً ، فاذا وجب صوم يومين لم يكن مائز بين اليومين إلا بمقدار ما يكون به أحدهما مقابل الآخر المحصل ذلك لمفهوم الاثنينية ، فإذا فات اليومان كان قضاؤهما ـ كنفسهما ـ لا تمايز بينهما ولا تعين لكل واحد إلا بالمعنى المتقدم ، فالتعين بعد ما كان مفقوداً لا يكون مجال للتعيين.

فان قلت : اليوم الأول من شهر رمضان متعين في نفسه كاليوم الثاني فإذا كان التعين ثابتاً في الزمان سرى إلى المقيد به ، فله أن ينوي الصوم المقيد باليوم الأول في قبال الصوم المقيد باليوم الثاني ، وكذا العكس. وحيث أن الواجب متعين وجب تعيينه ، لاعتبار القصد إلى الواجب بما له من الخصوصيات المأخوذة فيه حين ما كان موضوعاً للوجوب ، ولو لا ذلك‌

__________________

(١) رواها بالوجه الأول في التهذيب صفحة : ٢٧٥ ج : ٤. ورواها بالوجه الثاني في الاستبصار صفحة : ١١٨ ج : ٢.

٤٩١

( مسألة ٩ ) : لو كان عليه قضاء من رمضانين فصاعداً يجوز قضاء اللاحق قبل السابق [١]. بل إذا تضيق اللاحق ، بأن صار قريباً من رمضان آخر ، كان الأحوط تقديم اللاحق ولو أطلق في نيته انصرف إلى السابق ، وكذا في الأيام.

( مسألة ١٠ ) : لا ترتيب بين صوم القضاء وغيره من‌

______________________________________________________

لم يكن الفعل عبادة وامتثالا لأمره. قلت : الخصوصيات المذكورة لم تؤخذ في موضوع الوجوب ، بل تمام موضوعه صوم يوم رمضان ، فصوم اليوم الأول لم يجب بما أنه صوم اليوم الأول بخصوصياته التي يتميز بها عن اليوم الثاني ، بل بما أنه صوم يوم من رمضان ، وصوم اليوم من رمضان مفهوم واحد ينطبق على جميع الأيام بنحو واحد ، فالصوم الأول هو الصوم الثاني مفهوماً وخصوصية إلا بالمقدار الذي يحصل منه التعدد.

ومنه يظهر أنه لا معنى للترتيب ، فضلا عن وجوبه. كما يظهر الاشكال فيما ذكره أخيراً. كما أنه لم يظهر المراد من قوله (ره) : « ويترتب أثره » وأي أثر لواحد في قبال الآخر؟!.

نعم ربما تكون بعض الخصوصيات الزمانية دخيلة في زيادة الفضل ، مثل يوم القدر ، أو أول خميس ، أو آخر جمعة. لكن هذه الخصوصيات أجنبية عن الوجوب ، ونيتها إنما تكون مؤثرة في ترتب الأثر الخاص لو قام دليل على مشروعية القضاء بنحو ذلك ، وهو مفقود.

[١] ما سبق يجري في قضاء رمضانين أيضاً ، وأنه لا مائز بينهما ولا تعين ليمكن التعيين. إلا أنه بناء على وجوب المبادرة إلى القضاء قبل مجي‌ء رمضان الثاني ، وعدم وجوب المبادرة بعد ذلك ، يستكشف وجود المائز ، لامتناع الاختلاف في الحكم مع عدمه. وسيجي‌ء الكلام في وجوب المبادرة إن شاء الله.

٤٩٢

أقسام الصوم الواجب [١] ، كالكفارة ، والنذر ، ونحوهما. نعم لا يجوز التطوع بشي‌ء لمن عليه صوم واجب ، كما مر [٢]

( مسألة ١١ ) : إذا اعتقد أن عليه قضاء فنواه ، ثمَّ تبين بعد الفراغ فراغ ذمته لم يقع لغيره [٣]. وأما لو ظهر له في الأثناء ، فإن كان بعد الزوال لا يجوز العدول إلى غيره [٤] وإن كان قبله فالأقوى جواز تجديد النية لغيره [٥]. وإن كان الأحوط عدمه.

( مسألة ١٢ ) : إذا فاته شهر رمضان أو بعضه بمرض أو حيض أو نفاس ومات فيه لم يجب القضاء عنه [٦] ، ولكن‌

______________________________________________________

[١] بلا خلاف ظاهر. للإطلاق الموافق لأصالة البراءة من شرطية الترتيب. وعن ابن أبي عقيل : المنع من صوم النذر أو الكفارة لمن عليه قضاء عن شهر رمضان. وليس له دليل ظاهر.

[٢] في أواخر فصل شرائط صحة الصوم ، ومر وجهه أيضاً.

[٣] لفقد النية المعتبرة في صحة الصوم ، على ما تقدم. نعم لو كانت نيته من باب الاشتباه في التطبيق صح لغيره ، لتحققها حينئذ.

[٤] إلا إذا كان ذلك الغير مندوباً ، فقد عرفت أن نيته تمتد اختياراً إلى ما قبل الغروب ، فيجوز التجديد قبل الغروب بعد ظهور الخطأ في نية القضاء.

[٥] لما سبق في مبحث النية : من أنه يمتد وقتها اختياراً إلى الزوال في غير المعين. وكذا مع الجهل والنسيان في المعين. فراجع ما سبق هناك فإنه مبنى هذه المسألة.

[٦] قطعاً. للأصل. قيل : ولعدم وجوبه على الميت ، فأولى أن‌

٤٩٣

______________________________________________________

لا يجب على الحي ، لأنه إن وجب عليه كان عن ميتة الذي لا يجب عليه. فتأمل (١). وللنصوص المستفيضة ، كصحيح ابن مسلم عن أحدهما (ع) : « سألته عن رجل أدركه رمضان وهو مريض ، فتوفي قبل أن يبرأ. قال (ع) : ليس عليه شي‌ء ، إنما يقضى عن الذي يبرأ ثمَّ يموت قبل أن يقضي » (٢) والآخر له : « سألته عن الحائض تفطر في شهر رمضان أيام حيضها ، فإذا أفطرت ماتت. قال (ع) : ليس عليها شي‌ء » (٣) ، والآخر له عن أبي عبد الله (ع) : « في امرأة مرضت في شهر رمضان ، أو طمثت ، أو سافرت ، فماتت قبل أن يخرج رمضان ، هل يقضى عنها؟ قال (ع) : أما الطمث والمرض فلا ، وأما السفر فنعم » (٤) وموثق سماعة : « في امرأة نفساء دخل عليها شهر رمضان ولم تقدر على الصوم ، فماتت في شهر رمضان أو في شوال. فقال (ع) : لا يقضى عنها » (٥) ونحوها غيرها.

ثمَّ إن مقتضى صحيح ابن مسلم الثالث وجوب القضاء لو ماتت في السفر. ونحوه صحيح أبي حمزة عن أبي جعفر (ع) (٦) ورواية منصور ابن حازم عن أبي عبد الله (ع) (٧) وهو المحكي عن التهذيب ، والمقنع ،

__________________

(١) إن أريد عدم الوجوب فعلا فهو مسلم. لكنه لا يكفي في امتناع التكليف بالقضاء ، إذ يكفي فيه وجود الملاك. كما هو كذلك بالنسبة إلى الأداء. وان أريد عدم الملاك فممنوع ، لأنه خلاف إطلاق أدلة القضاء. منه قدس‌سره.

(٢) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ١٤.

(٤) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ١٦.

(٥) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ١٠.

(٦) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ٤.

(٧) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ١٥.

٤٩٤

يستحب النيابة عنه [١] في أدائه. والأولى أن يكون بقصد إهداء الثواب.

______________________________________________________

والجامع ، والمدارك ، وغيرها. وقيل بإلحاق السفر بما سبق. ويشير اليه صحيح أبي بصير الآتي‌ ، وما في رواية ابن بكير : من التعليل لوجوب القضاء على الولي بأن الميت صح ولم يقض وقد وجب عليه (١) ونسب القول بذلك إلى جماعة من المتأخرين ، رمياً للنصوص الأول بالشذوذ. ولكنه غير ظاهر بنحو تسقط لأجله عن الحجية. وليست النصوص الثانية بنحو تصلح لصرف الأول إلى الاستحباب. فتأمل جيداً.

[١] كما عن جماعة ، بل عن المنتهى : نسبته إلى أصحابنا. وعن جماعة : العدم. لعدم الدليل على مشروعيته. ولصحيح أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال : « سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان وماتت في شوال ، فأوصتني أن أقضي عنها. قال (ع) : هل برأت من مرضها؟ قلت : لا ، ماتت فيه. قال (ع) : لا يقضى عنها ، فان الله سبحانه لم يجعله عليها. قلت فإني أشتهي أن أقضي عنها وقد أوصتني بذلك. قال (ع) : كيف تقضي عنها شيئاً لم يجعله الله تعالى عليها؟ ، فان اشتهيت أن تصوم لنفسك فصم » (٢).

اللهم إلا أن تستفاد المشروعية من دليل مشروعية القضاء ، بضميمة ما دل على مشروعية النيابة فيه. ولا ينافيه النصوص المتقدمة الدالة على نفي القضاء ، إذ هي ما بين ما يدل على عدم الوجوب على الميت ، وما يدل على عدم الوجوب على النائب ، ولا تعرض فيها لنفي المشروعية. والصحيح يحتمل أن يكون المراد منه المنع من القضاء بعنوان كونه ثابتاً عليها وتفريغاً‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ١٣.

(٢) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ١٢.

٤٩٥

( مسألة ١٣ ) : إذا فاته شهر رمضان أو بعضه لعذر واستمر الى رمضان آخر ، فان كان العذر هو المرض سقط قضاؤه على الأصح [١] ، وكفر عن كل يوم بمد.

______________________________________________________

لذمتها ، حسبما يظهر من وصيتها بذلك ، لا مجرد الفعل عنها. بل لعل قوله (ع) : « فان اشتهيت .. » يراد منه مشروعية ذلك ، وأنه لا بأس بأن تصوم عنها لنفسك ، لا بداعي وصيتها.

هذا ولكن الاحتمال المذكور خلاف الظاهر ، فان فيه تقييد القضاء الذي أوصت به بكونه بعنوان أداء ما عليها من القضاء ـ وكذا ما بعده ـ وحمل قوله (ع) : « فان اشتهيت .. » على أن المراد الصوم عنها بداعي نفسه لا بداعي الوصية ، لا أن المراد الصوم عن نفسه ، وكل ذلك خلاف الظاهر. فلاحظ.

[١] ونسب إلى المشهور. ويشهد له كثير من النصوص ، وفي الجواهر : « لا بأس بدعوى تواترها ، والخروج بها عن ظاهر قوله تعالى ( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ ... ) (١) كصحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (ع) وأبي عبد الله (ع) : « سألتهما عن رجل مرض فلم يصم حتى أدركه رمضان آخر. فقالا (ع) : إن كان برئ ثمَّ توانى قبل أن يدركه الرمضان الآخر صام الذي أدركه ، وتصدق عن كل يوم بمد من طعام على مسكين وعليه قضاؤه. وإن كان لم يزل مريضاً حتى أدركه رمضان آخر صام الذي أدركه ، وتصدق عن الأول لكل يوم مد على مسكين ، وليس عليه قضاؤه » (٢) وصحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « في الرجل يمرض فيدركه شهر رمضان ويخرج عنه وهو مريض ، ولا يصح حتى يدركه‌

__________________

(١) البقرة : ١٨٤.

(٢) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ١.

٤٩٦

______________________________________________________

شهر رمضان آخر. قال (ع) : يتصدق عن الأول ، ويصوم الثاني » (١) ونحوهما غيرهما.

وعن ابن أبي عقيل ، وابن بابويه ، والخلاف ، والغنية ، والسرائر والحلبي ، والتحرير : وجوب القضاء دون الكفارة. ويشهد له خبر الكناني قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل عليه من شهر رمضان طائفة ثمَّ أدركه شهر رمضان قابل. قال (ع) : عليه أن يصوم ، وأن يطعم كل يوم مسكيناً. فان كان مريضا فيما بين ذلك حتى أدركه شهر رمضان قابل فليس عليه إلا الصيام إن صح. وان تتابع المرض عليه فلم يصح فعليه أن يطعم لكل يوم مسكيناً » (٢). لكنه لا يصلح لمعارضة ما سبق ، لأنه أصح سنداً ، وأكثر عدداً ، ولموافقته لفتوى المشهور. وما عن الشيخ (ره) : من دعوى الإجماع على القضاء ـ لو تمت ـ موهونة بمخالفة الأكثر ، بل مخالفته في كتبه الأخر. وموافقة الخبر لظاهر الكتاب لا تجدي في قبال ما سبق.

وأضعف منه ما عن ابن الجنيد : من وجوب القضاء والكفارة معاً. إذ ليس له وجه ظاهر. واحتمال كونه مقتضى الجمع العرفي بين الطائفتين ساقط ، لأن الطائفتين كما تشتركان في إثبات كل من الأمرين تشتركان أيضا في نفي كل منهما ، فلو بني على الجمع بالإثبات كان الجمع بالنفي أولى. وأولى منهما الجمع بالتخيير. لكنه غير عرفي. بل الظاهر أن المقام من التعارض الذي هو موضوع الترجيح ، الموجب لتقديم الطائفة الاولى لا غير.

نعم قد يظهر من مضمر سماعة ثبوت الأمرين ، قال : « سألته عن رجل أدركه رمضان وعليه رمضان قبل ذلك لم يصمه. فقال (ع) : يتصدق بدل كل يوم من الرمضان الذي كان عليه بمد من طعام ، وليصم هذا الذي‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ٣.

٤٩٧

والأحوط مدان [١]. ولا يجزئ القضاء عن التكفير [٢]. نعم الأحوط‌

______________________________________________________

أدرك. فإن أفطر فليصم رمضان الذي كان عليه ، فإني كنت مريضاً فمر علي ثلاث رمضانات لم أصح فيهن ، ثمَّ أدركت رمضاناً فتصدقت بدل كل يوم مما مضى بمد من طعام ، ثمَّ عافاني الله تعالى وصمتهن » (١) لكن ـ مع هجره ، وعدم العمل به ـ يمكن حمله على استحباب القضاء ، فإنه مقتضى الجمع العرفي بينه وبين الطائفة الأولى. ويشير اليه صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « قال أفطر شيئاً من رمضان في عذر ، ثمَّ أدرك رمضان آخر وهو مريض : فليتصدق بمد لكل يوم ، وأما أنا فإني صمت وتصدقت » (٢). أما خبر الكناني فقد عرفت سقوطه بالمعارضة فلاحظ.

[١] فقد حكي تعينهما عن النهاية ، والاقتصاد ، والحلبيين. وليس له دليل ظاهر مع تصريح النصوص السابقة بالاكتفاء بالمد. نعم حكي ذلك عن بعض نسخ موثق سماعة المتقدم. لكنه ـ مع أنه لا يعارض ما سبق مما دل على الاكتفاء بالمد ـ معارض بما عن النسخ الصحيحة : من أنه مد من طعام (٣) واستظهر في الجواهر أنه اشتباه من قلم النساخ في لفظة : ( من ) كما يشهد له الرسم في ( طعام ) ـ يعنى : حيث رسم بالجر ـ ولو كان المد مثنى لرسم بالنصب على التمييز. لكن المحكي عن بعض النسخ : ذكر ( من ) مع المدين. فراجع.

وربما يستشهد للمدين بما ورد في ذي العطاش. لكنه ـ مع أنه معارض بما دل على المد فيه الواجب تقديمه عليه ـ لا مجال للتعدي عن مورده الى المقام.

[٢] لظاهر الأدلة. وقيل بالاجزاء ـ كما عن التحرير ـ حملا للفدية‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ٤.

(٣) راجع التهذيب ج ٤ صفحة ٢٥١ طبع النجف الأشرف ، الاستبصار ج ٢ صفحة ١١٢ طبع النجف الأشرف.

٤٩٨

الجمع بينهما [١]. وإن كان العذر غير المرض ـ كالسفر ونحوه ـ فالأقوى وجوب القضاء [٢]. وإن كان الأحوط الجمع بينه وبين المد [٣]. وكذا إن كان سبب الفوت هو المرض ، وكان العذر في التأخير غيره [٤] مستمراً من حين برئه إلى رمضان‌

______________________________________________________

على الرخصة. وهو كما ترى.

[١] لما عرفت من نسبته إلى ابن الجنيد.

[٢] كما عن المختلف ، والشهيد الثاني ، وسبطه ، وغيرهم. لإطلاق أدلة القضاء ، المقتصر في تقييدها على خصوص المرض ، وربما قيل بإلحاق السفر بالمرض في ثبوت الكفارة دون القضاء. ويشهد له مصحح الفضل ابن شاذان عن الرضا (ع) ـ في حديث ـ قال : « فلم إذا مرض الرجل أو سافر في شهر رمضان فلم يخرج من سفره ، أو لم يقو من مرضه حتى يدخل عليه شهر رمضان آخر ، وجب عليه الفداء للأول ، وسقط القضاء وإذا أفاق بينهما ، أو أقام ولم يقضه وجب عليه القضاء والفداء؟! قيل .. » (١) لكن الحديث وإن جمع في نفسه شرائط الحجية ، ساقط عنها بالهجر ، إذ لم يعرف قائل به. وإلحاق السفر بالمرض وان نسب الى ابن أبي عقيل ، والخلاف ، فليس ذلك عملا منهما به أو بمضمونه ، لما عرفت من أن المحكي عنهما في المرض وجوب القضاء دون الكفارة. مضافاً الى قرب دعوى معارضته بما دل على وجوب القضاء عن المسافر إذا مات في سفره (٢) فان وجوبه هنا بطريق أولى. فتأمل.

[٣] خروجاً عن شبهة الخلاف ، واحتياطاً بالعمل بالدليلين.

[٤] الكلام فيه هو الكلام في سابقة ، فإنه أيضاً يمكن أن يستفاد حكمه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ٨.

(٢) تقدم ذلك في المسألة : ١٢ من هذا الفصل.

٤٩٩

آخر أو العكس [١] ، فإنه يجب القضاء أيضاً في هاتين الصورتين على الأقوى. والأحوط الجمع ، خصوصاً في الثانية.

( مسألة ١٤ ) : إذا فاته شهر رمضان أو بعضه لا لعذر بل كان متعمداً في الترك ، ولم يأت بالقضاء إلى رمضان آخر وجب عليه الجمع بين الكفارة والقضاء بعد الشهر [٢]. وكذا إن فاته لعذر ولم يستمر ذلك العذر ، بل ارتفع في أثناء السنة ولم يأت به إلى رمضان آخر متعمداً وعازماً على الترك ، أو متسامحاً واتفق العذر عند الضيق ، فإنه يجب حينئذ أيضاً الجمع.

______________________________________________________

من مصحح الفضل.

[١] يمكن أن يستفاد ثبوت الفدية فيه فقط من صحيح ابن سنان المتقدم في آخر مسألة سقوط القضاء عن مستمر المرض (١) كما عن ظاهر الخلاف وفي المدارك : أنه أوجه. وحمل العذر على المرض ، بقرينة قوله (ع) : « ثمَّ أدركه آخر .. » ـ كما عن المختلف ـ غير ظاهر ، كدعواه : عدم صلاحيته لتقييد أدلة القضاء. ومن ذلك يظهر الوجه في أولوية الاحتياط فيه من الاحتياط فيما قبله.

[٢] كما هو المعروف فيه وفيما بعده مما لم يكن عازماً على القضاء ، بل لم يعرف فيه مخالف صريح إلا ابن إدريس ، على ما حكي عن سرائره قال فيها : « والإجماع غير منعقد على وجوب هذه الكفارة ، لأن أكثر أصحابنا لا يذهبون إليها ، ولا يوردونها في كتبهم ، مثل الفقيه ، وسلار ، والسيد المرتضى ، وغيرها. ولا يذهب إلى الكفارة في هذه المسألة ( يعني : مسألة التواني ) إلا شيخنا المفيد محمد بن محمد بن النعمان ـ في الجزء الثاني من مقنعته‌

__________________

(١) راجع صفحة : ٤٩٨.

٥٠٠