مستمسك العروة الوثقى - ج ٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٠٣

١
٢

فصل في المطهرات

وهي أمور :

« أحدها » : الماء [١]. وهو عمدتها ، لأن سائر المطهرات مخصوصة بأشياء خاصة ، بخلافه ، فإنه مطهّر لكل متنجس [٢] ،

______________________________________________________

بسم الله الرحمن الرحيم

وله الحمد والمجد

فصل في المطهرات‌

[١] كما تقدم في أول مباحث المياه.

[٢] بلا اشكال ولا خلاف ظاهر ، نعم قد تقدم في أول مباحث المياه الإشكال في ثبوت التغميم المذكور من الأدلة اللفظية ، وأن حذف المتعلق‌ في رواية السكوني عن النبي (ص) « الماءُ يُطهِّر ولا يُطهَّر » (١) ‌لا يقتضيه ، لقرب احتمال وروده مورد الإيجاب الجزئي ، في قبال السلب الكلي المستفاد من قوله (ع) « لا يُطهَّر » ‌، نعم قد يقتضيه‌ النبوي المشهور : « خلق الله الماء طهوراً » (٢) ‌ونحوه ، بناءً على كون الظاهر من الطهور.

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب الماء المطلق حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب الماء المطلق حديث : ٩‌

٣

حتى الماء المضاف بالاستهلاك [١] ، بل يطهّر بعض الأعيان النجسة ،

______________________________________________________

الطاهر المطهر ، أو ما يُتطهر به ـ كما هو الظاهر ـ فإن إطلاقه يقتضي العموم كما يقتضي أيضاً الاتكال في معرفة كيفية التطهير الى العرف. وهذا نظير ما لو ورد أن الشي‌ء الفلاني منجس ، فإن إطلاقه يقتضي العموم وأن المرجع في كيفية التنجيس العرف. نعم لو شك في اعتبار شي‌ء في كيفية التطهير عند العرف كان المرجع استصحاب النجاسة. وكذا لو شك في قابلية المحل للتطهير ، لعدم صلاحية الكلام المذكور لإثبات القابلية ، بل المرجع استصحاب النجاسة. ومن ذلك يظهر عدم تطهير الماء للمايعات ، لعدم وضوح كيفية تطهيرها عرفاً وعدم ثبوت قابليتها لذلك. نعم ثبت ذلك في الماء على تفصيل تقدم في مباحث المياه.

هذا وقد‌ ورد في موثق عمار في رجل يجد في إنائه فأرة ، وقد توضأ من ذلك الماء مراراً أو اغتسل منه أو غسل ثيابه ، وقد كانت الفأرة متسلخة : « إن كان رآها في الإناء قبل أن يغتسل أو يتوضأ أو يغسل ثيابه ، ثمَّ يفعل ذلك بعد ما رآها في الإناء ، فعليه أن يغسل ثيابه ويغسل كل ما أصابه ذلك الماء » (١) ‌، ونحوه غيره ، ودلالتها على العموم ظاهرة. لكنها واردة في موارد خاصة من النجاسات ، فيمكن التعدي منها إلى غيرها بالإجماع.

[١] لا تخلو العبارة من حزازة ، إذ الطهارة بالاستهلاك لا وجه لنسبتها إلى الماء. وأيضاً مرجع الاستهلاك إلى انعدام الموضوع ، ومعه لا يتصف بالطهارة ، كما لا يتصف بالنجاسة ، لأن ثبوت شي‌ء لشي‌ء فرع ثبوت المثبت له ، فنسبة التطهير إلى الاستهلاك مبنية على المسامحة. نعم حكي عن العلامة (ره) أنه حكم بطهارة المضاف باتصاله بالكثير المطلق ، وحينئذ تكون.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب الماء المطلق حديث : ١‌

٤

كميت الإنسان ، فإنه يطهر بتمام غسله [١]. ويشترط في التطهير به أمور ، بعضها شرط في كل من القليل والكثير ، وبعضها مختص بالتطهير بالقليل.

أما الأول « فمنها » : زوال العين والأثر [٢] ، بمعنى الأجزاء الصغار منها [٣] ، لا بمعنى اللون والطعم [٤] ونحوهما.

______________________________________________________

نسبة المطهرية في محلها بلا مساهلة ، إلا أن ثبوت الحكم المذكور غير ظاهر لقصور الأدلة اللفظية عن إثباته ، كما تقدم في محله.

[١] كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

[٢] هذا من القطعيات ، لدخول ذلك في مفهوم الغسل المعتبر في التطهير. ولاعتباره في كيفية التطهير عرفاً المنزّل عليها إطلاق مطهرية الماء. ولأن ملاقاة العين والأثر كما تقتضي التنجيس حدوثاً تقتضيه بقاءً ، فلا يمكن زوال النجاسة مع وجودها.

[٣] يعني التي هي مصداق عرفي للنجاسة.

[٤] فلا يعتبر في التطهير زوالهما إجماعاً ، كما عن المعتبر ، وفي الجواهر : « يشهد له التتبع ». ويقتضيه إطلاق أدلة التطهير. والسيرة المستمرة ، ولا سيما في مثل لإصباغ المتنجسة ، كما ادعاها في الجواهر. وما ورد في الاستنجاء من أن الريح لا ينظر إليها‌ (١). وما ورد في تطهير الثوب من دم الحيض من الأمر بصبغه بمشق حتى يختلط‌ (٢) ، وغير ذلك. ( وما يقال ) : من أن بقاء الوصف ـ من اللون أو الطعم أو الريح ـ يدل على بقاء العين ، لاستحالة انتقال العرض ، فلا يتحقق زوال العين إلا بزواله ( مندفع ) بأن.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب النجاسات حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب النجاسات حديث : ١ ، ٣‌

٥

« ومنها » : عدم تغير الماء في أثناء الاستعمال [١] ،

______________________________________________________

ذلك لو سلم عسقلا فممنوع عرفاً ، والمدار عليه في حصول التطهير ، كما عرفت.

ومن ذلك يظهر ضعف ما عن المنتهى من وجوب إزالة اللون دون الرائحة ، وما قد يظهر من القواعد من وجوب إزالتهما مع عدم العسر فيها ، وما عن نهاية الأحكام من وجوب إزالة الرائحة وعدم وجوب إزالة اللون إذا كان عسر الزوال ، بل ما حكي أيضاً عنها من قوله : « ولو بقي اللون أو الرائحة وعسر إزالتهما ففي الطهارة إشكال ». ولو لا ما ذكره أخيراً لأمكن حمل كلامه على صورة ما إذا كان بقاء الريح أو اللون ملازماً لوجود عين النجاسة عرفاً. وكيف كان فالعمل على ما في المتن متعين ، لما عرفت.

[١] كما نص عليه في نجاة العباد في المقام وفي مبحث الماء المستعمل. وظاهر بعضٍ كونه من المسلمات ، فان تمَّ إجماعاً كان هو الحجة ، وإلا فمقتضى إطلاق مطهرية الغسل عدم اعتباره. والإجماع على نجاسته ـ وإن حكي عن جماعة ـ لا يقتضي ذلك ، إذ القادح النجاسة قبل الاستعمال ، لا ما كانت به ، ولذا نقول بالطهارة حتى بناءً على نجاسة ماء الغسالة.

نعم مقتضى الإجماع على نجاسة المتخلف منه الحكم بنجاسة المحل به ، وحينئذ يمتنع شمول أدلة التطهير له. ( لا يقال ) : لا مانع من شمول أدلة التطهير بالإضافة إلى النجاسة الأصلية ، وإن تنجس بالماء المستعمل المتغير بها. ( لأنا نقول ) : ظاهر أدلة التطهير بالغسل الطهارة الفعلية ، ولذا دلت على طهارة المتخلف ، فاذا امتنع ثبوت الطهارة الفعلية للمحل من جهة الإجماع على نجاسة المتغير في المقام ، لم يبق دليل على الطهارة وتعين الرجوع إلى استصحاب النجاسة. نعم هذا التقريب يختص بالغسلة المطهرة ، ولا يجري فيما قبلها. فالعمدة في عموم الشرطية لجميع الغسلات الإجماع إن تمَّ‌

٦

« ومنها » : طهارة الماء [١] ، ولو في ظاهر الشرع [٢]. « ومنها » : إطلاقه [٣] ، بمعنى : عدم خروجه عن الإطلاق‌

______________________________________________________

وإن كان قد يشعر ما في الجواهر في مبحث ماء الغسالة من قوله (ره) : « نمنع حصول طهارة المحل بذلك » بعدم ثبوته. فراجع.

هذا ويمكن أن يقال : إن إطلاقات مطهرية الغسل منصرفة عن الماء المتغير ، بملاحظة أن المرتكز العرفي أن المتغير بنفسه قذارة ، فلا يقوى على حمل القذارة من المحل ، كما أن هذا الارتكاز مانع عن الرجوع إلى إطلاقات مطهرية الماء ، لما عرفت من وجوب حمله على الكيفية العرفية.

هذا كله بالنسبة إلى المتغير بعين النجاسة ـ كما هو ظاهر المتن ، بقرينة قوله (ره) فيما يأتي في المسألة الثانية : « إلا إذا كان اللون .. » ـ أما التغير بالمتنجس فلا يقدح في حصول التطهير ، لعدم مجي‌ء ما ذكر فيه.

[١] بلا خلاف ولا إشكال. لانصراف نصوص التطهير بالماء عن الماء النجس ، بملاحظة الارتكاز العرفي على أن الفاقد لا يعطي. بل لو فرض إطلاقها عارضه إطلاق قاعدة تنجس ملاقي النجس ـ بناءً على تنجيس المتنجس ـ وبعد التعارض يرجع الى استصحاب النجاسة. مضافاً إلى ما عرفت آنفاً من ظهور أدلة التطهير بالغسل في ثبوت الطهارة الفعلية ، وهو خلاف الإجماع على عدم طهارة الماء المتنجس بالغسل به ، فاذا لم يمكن الأخذ بظاهرها امتنع الأخذ بغير الظاهر ، لعدم القرينة.

[٢] لأجل استصحاب الطهارة ، أو قاعدتها. لكن حينئذ تثبت طهارة المحل ظاهراً لا واقعاً ، لأن طهارته واقعاً من أحكام طهارة الماء واقعاً ، فاذا لم تثبت لم تثبت.

[٣] لما تقدم من عدم مطهرية المضاف.

٧

في أثناء الاستعمال.

« وأما الثاني » فالتعدد في بعض المتنجسات ـ كالمتنجس بالبول ، وكالظروف ـ والتعفير ـ كما في المتنجس بولوغ الكلب ـ والعصر في مثل الثياب والفرش ونحوها مما يقبله. والورود [١] ، أي : ورود الماء على المتنجس ، دون العكس ، على الأحوط.

______________________________________________________

[١] لا ريب أنه المشهور ، ولم أجد من جزم بخلافه مطلقاً. كذا في الجواهر. والوجه فيه الأصل ، بعد انصراف أدلة التطهير الى المتداول المتعارف عند الناس ، من الغسل بنحو الورود. ولو سلم منعه فالاطلاقات مقيدة بما تضمن الأمر بالصب (١) الظاهر في الورود ( ويشكل ) ذلك كله بمنع الانصراف. ولا سيما بملاحظة الارتكاز العرفي في كيفية إزالة القذارة حيث لا فرق عندهم فيها بين الورود وغيره ، وتداول ذلك لا يجدي في تحقق الانصراف ، لما عرفت مراراً من أن الغلبة لا يقيد بها المطلق ، ولا سيما مع عدم ثبوت التعارف في زمان الصدور. ( وأما ) الأمر بالصب فهو وإن كان مقتضى الجمود عليه ظهوره في الورود ، لكن الارتكاز العرفي مانع عنه ، ولذا لم يفهم منه في غير المقام مما ورد في الوضوء والغسل وغيرهما ، بل ظاهر أكثر الأصحاب ( رض ) كونه في المقام أعم من الأمر بالغسل ، كما يأتي في مبحث اعتبار العصر. فتأمل.

مضافاً إلى‌ صحيح ابن مسلم : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الثوب يصيبه البول ، قال (ع) : اغسله في المركن مرتين ، فان غسلته في ماء جار فمرة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب النجاسات حديث : ٤ ، ٧ ، وباب ٣ : من أبواب النجاسات حديث : ١ ، ٢‌

٨

( مسألة ١ ) : المدار في التطهير زوال عين النجاسة دون أوصافها ، فلو بقيت الريح أو اللون مع العلم بزوال العين كفى إلا أن يستكشف من بقائها بقاء الأجزاء الصغار [١] ، أو يشك في بقائها ، فلا يحكم حينئذ بالطهارة.

( مسألة ٢ ) : إنما يشترط في التطهير طهارة الماء قبل الاستعمال ، فلا يضر تنجسه بالوصول [٢] الى المحل النجس. وأما الإطلاق فاعتباره إنما هو قبل الاستعمال وحينه ، فلو صار بعد الوصول إلى المحل مضافاً لم يكف ، كما في الثوب المصبوغ فإنه يشترط في طهارته بالماء القليل بقاؤه على الإطلاق حتى حال العصر [٣] ،

______________________________________________________

واحدة » (١). وحمل المركن على الكر غريب ، ولا سيما وأن الفرق بين الكر والجاري لم يقل به أحد ، وحمل الغسل فيه على إرادة وضع الثوب فيه وإيراد الماء عليه بعيد ، لمخالفته لسياق ذيله ، وكذا حمله على إرادة التنظيف قبل الغسل. ولما ذكرنا ناقش في الذكرى في اعتبار الورود ، وتردد فيه غيره ، بل عن شرح الإرشاد والمفاتيح حكاية الشهرة على عدمه.

[١] كما عرفت.

[٢] الباء للسببية ، لا للظرفية ، فلو تنجس بنجاسة خارجية لم يطهر المحل. ويعرف وجهه مما تقدم في اعتبار طهارة الماء.

[٣] أما اعتبار بقائه على الإطلاق إلى تمام نفوذه في أجزاء المتنجس فلأنه لو صار مضافاً بأول الملاقاة يخرج عن المطهرية ، فيبقى ما نفذ اليه بعد الإضافة على نجاسته. وأما اعتبار بقائه على الإطلاق حتى حال العصر.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب النجاسات حديث : ١‌

٩

فما دام يخرج منه الماء الملون لا يطهر ، إلا إذا كان اللون قليلا لم يصر إلى حدّ الإضافة. وأما إذا غسل في الكثير ، فيكفي فيه نفوذ الماء في جميع أجزائه بوصف الإطلاق وإن صار بالعصر مضافاً [١] ، بل الماء المعصور المضاف أيضاً محكوم بالطهارة. وأما إذا كان بحيث يوجب إضافة الماء بمجرد وصوله اليه ، ولا ينفذ فيه إلا مضافاً ، فلا يطهر ما دام كذلك [٢] ، والظاهر أن اشتراط عدم التغير أيضاً كذلك ، فلو تغير بالاستعمال لم يكف [٣] ما دام كذلك [٤] ولا يحسب غسلة [٥] من الغسلات‌

______________________________________________________

فظاهر بناءً على اعتبار العصر في مفهوم الغسل ، إذ اعتبار الغسل بالماء حينئذ مساوق لاعتبار العصر حال كونه ماءً ، أما بناءً على خروجه عنه فاعتباره مخالف لإطلاق ما دل على كفاية الغسل بالماء مطلقاً. إلا أن يكون الوجه فيه هو أن قاعدة الانفعال تقتضي نجاسته ، وبقاء نجاسة المحل ولو بعد انفصاله ، والإجماع أو الضرورة على طهارة المحل بالانفصال غير حاصلين في فرض الانقلاب إلى الإضافة. إلا أن يقال : أدلة التطهير تدل بالدلالة الالتزامية على طهارة المتخلف ، فإطلاقها محكّم.

[١] لعدم اعتبار العصر فيه ، ولا مجال لاحتمال نجاسته ، لاعتصامه قبل الإضافة.

[٢] لعدم تحقق الغسل بالماء.

[٣] تقدم الكلام فيه.

[٤] يعني متغيراً ، فلو ذهب تغيره كان مطهراً ، لعدم تمامية ما وجّه به المنع عنه من الإجماع أو الانصراف ، بل إطلاق المطهرية له محكم.

[٥] هذا يتم بناء على بعض وجوه المنع ، كما أشرنا إليه آنفاً.

١٠

فيما يعتبر فيه التعدد.

( مسألة ٣ ) : يجوز استعمال غسالة الاستنجاء في التطهير على الأقوى [١]. وكذا غسالة سائر النجاسات على القول بطهارتها [٢] ، وأما على المختار من وجوب الاجتناب عنها احتياطاً فلا.

( مسألة ٤ ) : يجب في تطهير الثوب أو البدن بالماء القليل من بول غير الرضيع الغسل مرتين [٣] ، وأما من بول الرضيع‌

______________________________________________________

[١] تقدم الكلام فيه في مبحث الماء المستعمل.

[٢] لإطلاق أدلة التطهير. ودعوى : الانصراف عنه ، ممنوعة. وعن المبسوط والوسيلة المنع. وكأنه للشك الموجب للرجوع الى استصحاب نجاسة المغسول به. ولموثق عمار‌ (١) الآمر بإفراغ الماء بعد تحريكه. لكن الإطلاق مقدم على الاستصحاب. والأمر بالافراغ لعله لاعتبار تعدد الماء المغسول به ، ولا يكفي مجرد تعدد الغسل. مع أن التعدي عن مورده غير ظاهر.

[٣] على المشهور بين المتأخرين ـ كما في الجواهر ـ وفي المعتبر نسبته إلى علمائنا. لصحيح محمد المتقدم في مبحث اعتبار الورود‌. و‌صحيحه الآخر عن أحدهما (ع) : « سألته عن البول يصيب الثوب. قال (ع) : اغسله مرتين » (٢) ‌، ونحوهما صحيح ابن أبي يعفور‌ (٣). و‌حسن الحسين بن أبي العلاء : « سألت أبا عبد الله (ع) عن البول يصيب الجسد. قال (ع) صب عليه الماء مرتين فإنما هو ماء. وسألته عن الثوب يصيبه البول. قال (ع) :

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٣ من أبواب النجاسات حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب النجاسات حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب النجاسات حديث : ٢‌

١١

______________________________________________________

اغسله مرتين » (١). و‌صحيح أبي إسحاق النحوي عن أبي عبد الله (ع) : « سألته عن البول يصيب الجسد. قال (ع) : صب عليه الماء مرتين » (٢) ‌و‌عن السرائر عن جامع البزنطي : « سألته عن البول يصيب الجسد قال (ع) : صب عليه الماء مرتين ، فإنما هو ماء. وسألته عن الثوب يصيبه البول قال (ع) : اغسله مرتين » (٣).

هذا وعن ظاهر المبسوط والمنتهى وغيرهما الاكتفاء بالمرة ، وعن البيان الجزم به. لإطلاق طهورية الماء. ولإطلاق بعض النصوص الآمر بالغسل. وفيه : أن الإطلاق مقيد بالنصوص المذكورة. وأضعف من ذلك الاستدلال بأصل البراءة. وأما‌ مرسلة الكافي : « روي أنه يجزئ أن يغسل بمثله من الماء إذا كان على رأس الحشفة وغيره » (٤) ‌فضعيفة. واستظهر في الجواهر أنها إحدى روايتي نشيط‌ (٥) المذكورتين في مبحث الاستنجاء ، يعني بهما : المرسلة والمسندة ، المعارضة للمرسلة المذكورة ، لدلالتها على اعتبار المثلين ، أو المضطربة إن كانتا رواية واحدة. ولا يخلو من وجه وإن كان يبعده اختلاف المتن.

هذا وفي القواعد : « أما الحكمية كالبول اليابس في الثوب فيكفي غسله مرة ». وقد يستدل له بما في رواية الحسين المتقدمة ، على ما رواها في المعتبر (٦) والذكرى (٧) بزيادة قوله : « الأول للإزالة والثاني للإنقاء » ‌،

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب النجاسات حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب النجاسات حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب النجاسات حديث : ٧.

(٤) الوسائل باب : ١ من أبواب الماء المطلق حديث : ٥.

(٥) الوسائل باب : ٢٦ من أحكام الخلوة حديث : ٥ ، ٧ ويشتمل الباب المذكور على أكثر ما نحن فيه.

(٦) المعتبر في مسائل أحكام النجاسات ص : ١٢١.

(٧) الذكرى في أحكام النجاسات ص : ١٥ رواها خالية من السند والصدر.

١٢

______________________________________________________

فإنه مع اليبس لا حاجة إلى غسلة الإزالة. ولكنه في غير محله ، لعدم ثبوت الزيادة المذكورة ، وعن المعالم : « لم أر لهذه الزيادة أثراً في كتب الحديث الموجودة الآن بعد التصفح بقدر الوسع ، ولكنها موجودة في المعتبر ، وأحسبها من كلامه » ، ونحوه ما عن الذخيرة ، والحدائق. ولو سلم ثبوتها فلا تصلح للتصرف في النصوص المذكورة ، لأنه يؤدي الى حمل النصوص على صورة وجود العين ، وهو خلاف الغالب ، وإلى حمل الأمر بالغسلة الأولى على الحكم العرفي لا الشرعي ، وعلى التخييري لا التعييني ، لأن الإزالة كما تكون بالغسل تكون بالشمس ، وبالهواء ، وبالمسح بشي‌ء ، وبغيرها ، وكل ذلك خلاف الظاهر ، بل خلاف السياق مع الأمر بالغسلة الثانية ، كما لا يخفى ، ولا يمكن ارتكاب جميع ذلك بمجرد هذه الزيادة ، بل حمل الإزالة على إزالة المرتبة الشديدة وحمل الإنقاء على إزالة المرتبة الضعيفة التي لا يعتدّ بها أولى. وكأنه لذلك جزم في الذكرى بوجوب التعدد ، واستدل له بالرواية المذكورة مع الزيادة.

وفي المدارك وعن المعالم الاكتفاء بالمرة في البدن ، استضعافاً لنصوص التعدد ، وعملاً بغيرها من المطلقات. ويشكل بأن الروايات الواردة في البدن هي الروايات المذكورة أخيراً. وليس في الاولى من يتوقف في روايته إلا الحسين ، لعدم توثيق الشيخ والنجاشي صريحاً إياه. ولكن حكى ابن داود عن شيخه ابن طاوس في البشرى تزكيته ، وهو ظاهر عبارة النجاشي حيث قال في ترجمته : « وأخواه علي وعبد الحميد ، روى الجميع عن أبي عبد الله (ع) ، وكان الحسين أوجههم .. » وقد نصوا على توثيق عبد الحميد أخيه ، فيدل الكلام المذكور على أنه أوثق منه. وحمل « الأوجه » على غير هذا المعنى خلاف الظاهر. وليس في الرواية الثانية من يتوقف‌

١٣

______________________________________________________

في روايته إلا أبو إسحاق النحوي ، وهو ثعلبة بن ميمون ، الذي قال النجاشي في ترجمته : « إنه كان وجهاً من أصحابنا قارئاً فقيهاً نحوياً لغوياً رواية ، وكان حسن العمل كثير العبادة والزهد » ، ونحوه كلام غيره. وقال الكشي : « ذكر حمدويه عن محمد بن عيسى أن ثعلبة بن ميمون مولى محمد بن قيس الأنصاري ، هو ثقة خير فاضل مقدم معلوم في العلماء والفقهاء الأجلة من هذه العصابة ». وقال الوحيد (ره) : « هو من أعاظم الثقات والزهاد والعباد والفقهاء والعلماء الأمجاد .. ». وأما الثالثة ففيها ابن إدريس ، وحاله في الجلالة والوثاقة مما لا مجال للريب فيه ، كما لا مجال للريب في صحة روايته عن الأصول المذكورة في مستطرفاته. فاذا : التفصيل المذكور ضعيف.

هذا ومقتضى إطلاق النصوص عدم الفرق بين بول الآدمي وغيره ، ونجس العين وغيره. ودعوى الانصراف إلى الآدمي ، أو خصوص المسلم ، ممنوعة. نعم تمكن دعوى كون نظر النصوص إلى النجاسة البولية ، أما من حيث إضافته إلى نجس العين ـ كالكلب ، والكافر ـ فيرجع في تطهيرها إلى ما يرجع إليه في نجاسة سائر النجاسات ، وسيأتي الكلام فيها ، وفي موثق سماعة (١) : « أن بول الكلب كبول الإنسان ». فتأمل.

ثمَّ إنه قد اقتصر في النصوص ، وكثير من فتاوى الأصحاب ، على الثوب والبدن ، فالتعدي إلى غيرهما محتاج إلى دعوى إلغاء خصوصيتهما عرفاً ، كما هو الظاهر ، وقد قيل أن التوقف فيه من الخرافات. هذا كله في التطهير بالقليل ، أما الكثير فيكفي فيه المرة. لصحيح محمد بن مسلم‌ (٢) المتضمن للاكتفاء بها في الجاري. ولما ورد في ماء المطر من.

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب النجاسات حديث : ٧.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب النجاسات حديث : ١‌

١٤

غير المتغذي بالطعام [١] فيكفي صب الماء مرة [٢] ، وإن كان المرتان أحوط [٣]. وأما المتنجس بسائر النجاسات ـ عدا الولوغ ـ

______________________________________________________

الطهارة به بمجرد الرؤية‌ (١) ، بناءً على إمكان التعدي من موردهما إلى مطلق المعتصم ، كما هو الظاهر. وسيأتي في المسألة الثالثة عشرة ما له نفع في المقام. فراجع.

[١] كما سيأتي.

[٢] أما الاكتفاء بالصب ، فهو المعروف الذي حكى عليه الإجماع صريحاً وظاهراً .. جماعة ، والنصوص به وافية. وأما الاكتفاء بالمرة فعن المحقق في المعتبر وجماعة من المتأخرين التصريح به ، بل لعله ظاهر كل من أفرده بالذكر مع عدم تنصيصه على التعدد. والعمدة فيه ما في ذيل حسن الحسين المتقدم من‌ قوله : « وعن الصبي يبول على الثوب. قال (ع) : تصب عليه الماء قليلا ثمَّ تعصره » (٢) ‌، لظهور عدم ذكر العدد فيه مع ذكره فيما قبله في عدم اعتباره. وأما‌ مصحح الحلبي : « سألت أبا عبد الله (ع) عن بول الصبي. قال (ع) : تصب عليه الماء ، فان كان قد أكل فاغسله بالماء غسلا » (٣) ‌فلا إطلاق له ، لقرب احتمال كونه في مقام الاكتفاء بالصب في مقابل الغسل. وأما إطلاق‌ موثق سماعة : « عن بول الصبي يصيب الثوب. فقال : اغسله .. » (٤) ‌فمحمول على من أكل ، بقرينة الأمر بالغسل ، وتقييده بالمرتين أولى من التصرف في الغسل.

[٣] وعن كشف الغطاء تعينهما ، وفي الجواهر : « لم أعثر على موافق‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب الماء المطلق حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب النجاسات حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٣ من أبواب النجاسات حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٣ من أبواب النجاسات حديث : ٣.

١٥

فالأقوى كفاية الغسل مرة [١] بعد زوال العين ،

______________________________________________________

له صريحا ». وكأن الوجه فيه اشتمال رواية الحسين على الأمر بالعصر ، الذي لا يجب في غير المتغذي إجماعاً ، فإن حمل الصبي فيه على المتغذي ، تعين الأخذ بظاهر الأمر بالعصر ، وبإطلاق ما دل على لزوم التعدد في البول وإن حمل الصبي على غير المتغذي لزم التصرف بظاهر الأمر بالعصر بحمله على الاستحباب ، وبإطلاق لزوم التعدد في البول بحمله على المتغذي ، والأول أولى. نعم يعارض ذلك أيضاً لزوم التصرف في ظهور ترك ذكر التعدد في الصبي في عدم لزومه إذا حمل على المتغذي ، لكن لو سلم عدم رجحان الأول تكون الرواية مجملة ، وتسقط عن صلاحية الاستدلال بها على المقام ، ويتعين الرجوع إلى غيرها من المطلقات.

[١] كما هو المنسوب إلى الأكثر. لإطلاق الأمر بالغسل فيها ، مثل ما‌ ورد في الكلب : « إذا مسسته فاغسل يدك » (١) ‌، و‌في الخنزير : « قلت : وما على من قلب لحم الخنزير؟ قال (ع) : يغسل يده » (٢) ‌، و‌في الكافر : « فان صافحك بيده فاغسل يدك » (٣) ‌و‌في أوانيه : « إذا اضطررتم إليها فاغسلوها بالماء » (٤) ‌، و‌في عرق الجلال : « وإن أصابك من عرقها شي‌ء فاغسله » (٥) ‌، و‌في المني : « إن عرفت مكانه فاغسله » (٦). و‌في الميتة : « وإن أخذت منه بعد أن يموت فاغسله » (٧) ‌،

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب النجاسات حديث : ٩.

(٢) الوسائل باب : ١٣ من أبواب النجاسات حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ١٤ من أبواب النجاسات حديث : ٥.

(٤) الوسائل باب : ١٤ من أبواب النجاسات حديث : ١٢.

(٥) الوسائل باب : ١٥ من أبواب النجاسات حديث : ١.

(٦) الوسائل باب : ١٦ من أبواب النجاسات حديث : ١.

(٧) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب الأطعمة المحرمة : ٣‌

١٦

______________________________________________________

و‌في الميت : « في الرجل يصيب ثوبه جسد الميت. فقال (ع) : يغسل ما أصاب الثوب » (١) ‌، و‌في المسكر : « إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ مسكر فاغسله إن عرفت موضعه » (٢) ‌، و‌في القدر التي وقع فيها المسكر : « واللحم اغسله » (٣) .. إلى غير ذلك ، مما ورد في المذكورات وغيرها. والمناقشة في ثبوت الإطلاق لهذه النصوص لو تمت في بعضها فلا تتم في الجميع.

نعم يشكل الحكم في نجاسة لا يكون لدليل التطهير منها إطلاق ، أو ليس في الأدلة تعرض للتطهير منها ، وإنما تعرضت لنجاستها ، أو كان دليل نجاستها منحصرا في الإجماع. إلا أن يتمم الحكم في الجميع بعدم القول بالفصل ، أو يكون دليل مطلق في التطهير عن مطلق النجاسات. لكن الأول محل تأمل وإن ادعاه في الذخيرة ، ويساعده التتبع كما في الجواهر وغيرها. والثاني لم أقف عليه وإن ادعاه غير واحد.

نعم يمكن أن يستفاد من إطلاق ما دل على مطهرية الماء ، والعمدة فيه النبوي الذي رواه المؤالف والمخالف ـ كما‌ عن السرائر ـ « خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شي‌ء إلا ما .. » (٤) ‌، بناء على إطلاقه بلحاظ المطهر ـ بالفتح ـ كما هو الظاهر ، وكما أشرنا إليه في صدر الفصل. واحتمال عدم وروده في مقام البيان مندفع بالأصل. ( ودعوى ) : كونه مسوقا لمجرد الإيجاب الجزئي ، توطئة لقوله (ص) : « لا ينجسه شي‌ء » ‌، وكأنه قيل : لما كان مطهرا كان لا ينجسه شي‌ء ، ولأجل اختصاص الثاني بالكثير‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٤ من أبواب النجاسات حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب النجاسات حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب النجاسات حديث : ٨.

(٤) الوسائل باب : ١ من أبواب الماء المطلق ملحق حديث : ٩‌

١٧

______________________________________________________

يختص الأول به ، فلا يجدي في إثبات حكم التطهير بالقليل ( غير ظاهرة ) لعدم المناسبة بين الكلامين ، لأن المطهرات العرفية من شأنها الانفعال بالقذارة التي تطهر فيها ، فلو كان المقصود من الجملة الأولى التوطئة ، فهي توطئة تعبدية لا عرفية ، والتوطئة التعبدية لا تنافي الاختلاف بينهما بالإطلاق والتقييد.

وأضعف منها دعوى كون وحدة السياق تقتضي اختصاص الأول بالكثير ، إذ من المعلوم أن وحدة السياق إنما تقتضي المساواة في الخصوص إذا استند إلى قرينة في نفس الكلام ، لا ما إذا استند إلى قرينة خارجية ـ كما في المقام ـ فالعمومات الواقعة في سياق واحد إذا خصص بعضها بمخصص منفصل ، لا يسري التخصيص منه إلى غيره بقرينة وحدة السياق.

ثمَّ إنه حيث يثبت إطلاقه من حيث المطهر ـ بالفتح ـ فمقتضى الإطلاق المقامي الرجوع الى العرف في كيفية التطهير ـ كما اعترفت به شيخنا الأعظم (ره) ـ وإن استشكل فيه في الجواهر ، ولا ريب في كفاية المرة في التطهير عند العرف. والرجوع إليهم في كيفية إزالة القذارات التي عندهم شاهد بذلك ( ودعوى ) : أن بناء العرف على الاكتفاء بالمرة إذا علم بزوال القذارة لا إذا شك فيه ، والمقام من الثاني ( مندفعة ) بأن الشك في المقام في زوال النجاسة للشك في الكيفية المعتبرة عند الشارع ، فاذا علم بأن الكيفية المعتبرة عنده هي الكيفية العرفية فلا شك في زوال النجاسة.

هذا ولو لم يتم الإطلاق المذكور كان المرجع استصحاب النجاسة ( ودعوى ) : أن النجاسة اعتبار منتزع من الحكم التكليفي بالغسل مرة أو مرتين ، فالشك فيها راجع إلى الشك في وجوب الغسل مرة أو أكثر ، واللازم في مثله الرجوع في الزائد إلى أصالة البراءة ، ( مندفعة ) بأن‌

١٨

______________________________________________________

الحكم بوجوب الغسل قد أخذ في موضوعه النجاسة ، فيمتنع أن تكون النجاسة منتزعة منه. مضافا إلى أن النصوص الواردة في أحكام النجاسة ظاهرة في كون النجاسة أثراً عينياً حقيقياً يحصل من ملاقاة النجس أو المتنجس ، لا مجرد الحكم بوجوب الغسل ، كما لا يخفى.

ومثلها في الاشكال دعوى : أن استصحاب النجاسة من قبيل استصحاب الفرد المردد بين طويل العمر وقصيره ، والتحقيق أنه ليس بحجة إذ فيها : أن ذلك إنما يقدح في حجية الاستصحاب إذا كان الأثر الشرعي للنجاسة متعلقا بالفرد ، ولكنه خلاف ظاهر الأدلة في المقام ، فان المستفاد من النصوص الواردة في الموارد المتفرقة ـ المتضمنة لعدم صحة الصلاة ، أو لحرمة الشرب ، أو نحو ذلك ـ أن الأثر للجهة المشتركة بين الأفراد ـ أعني ، طبيعة النجاسة ـ لا لنفس الأفراد ، بل‌ قوله (ع) في رواية خيران الخادم الواردة في الثوب يصيبه الخمر ، ولحم الخنزير : « لا تصل فيه فإنه رجس » (١) ‌كالصريح في كون ذلك حكما لكلي الرجس. فلاحظ ، ولو سلم فكون المقام من قبيل الفرد المردد لا يخلو من خفاء ، بل الظاهر كونه من قبيل الفرد المعين ، وكون التردد في رافعه.

وأضعف من ذلك دعوى أن الغسلة الأولى مزيلة لبعض مراتب النجاسة فيرجع الشك في الطهارة إلى الشك في وجود مرتبة اخرى زائدة على تلك المرتبة ، والأصل عدمها. إذ فيها : أن المرتبة المشكوكة معدودة عرفا من وجود المرتبة المعلومة الزوال بالغسلة الأولى ، نظير السواد الضعيف المعدود من مراتب وجود القوي ، فالشك يكون في البقاء لا في الحدوث على أن كون الغسلة الأولى مزيلة لبعض المراتب غير ظاهر ، لجواز كونها.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب النجاسات حديث : ٤‌

١٩

فلا تكفي الغسلة المزيلة لها [١] ، إلا أن يصب الماء مستمراً بعد زوالها ،

______________________________________________________

من قبيل الشرط لتأثير الغسلة الثانية في رفع النجاسة.

ثمَّ إنه قد يستدل على وجوب التعدد بما‌ في صحيح ابن مسلم عن أبي عبد الله (ع) : « قال ذكر المني فشدده وجعله أشد من البول » (١) ‌وما‌ في روايتي الحسين والبزنطي من قوله (ع) : « صب عليه الماء مرتين فإنما هو ماء » (٢) ‌فان ذلك إذا اقتضى التعدد فالثخانة والقوام أولى بالاقتضاء. وفيه : أنه لا يظهر من الأول الجهة الملحوظ فيها الأشدية فمن الجائز أن يكون ذلك من جهة المانعية للصلاة ، كما يناسبه‌ قوله (ع) « إن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة .. » ‌لا زيادة العدد في مقام التطهير. وأما الثاني فالظاهر كونه تعليلا للاكتفاء بالصب.

ثمَّ إن الظاهر الاتفاق على كفاية المرتين ، وبه ترفع اليد عن استصحاب النجاسة لو كان هو المرجع. وإن كان ظاهر الاستدلال على إلحاق سائر النجاسات بالبول ، اعتماداً على ما في صحيح ابن مسلم‌ ، من أشدية المني ، وما في روايتي البزنطي‌ والحسين‌ ، من التعليل بأنه ماء ، عدم الاكتفاء بالمرتين.

[١] كما عن جماعة ممن اكتفى بالمرة ، منهم المحقق في المعتبر ، قال فيه : « وهل يراعى العدد في غير البول؟ فيه تردد ، وأشبهه يكفي المرة بعد إزالة العين ، لقوله (ع) في دم الحيض : حتيه ثمَّ اغسليه » (٣) ‌لكن فيه : أنه يمتنع حمل الأمر على الوجوب ، للقطع ، بعدم وجوب‌

__________________

(١) الوسائل باب ١٦ من أبواب النجاسات حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب النجاسات حديث : ٤ ، ٧.

(٣) المعتبر المسألة السادسة من أحكام النجاسات ص ١٢١.

٢٠