مستمسك العروة الوثقى - ج ٨

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٨

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٤

ـ كغبار الدقيق ـ أو الحرام ، كغبار التراب ونحوه [١].

وسواء كان بإثارته بنفسه ـ بكنس أو نحوه ـ أو بإثارة غيره ، بل أو بإثارة الهواء مع التمكين منه وعدم تحفظه [٢]. والأقوى إلحاق البخار الغليظ ، ودخان التنباك [٣] ونحوه. ولا بأس بما‌

______________________________________________________

[١] بلا إشكال ظاهر. وخصوصية مورد النص ملغاة في نظر العرف إذ المفهوم من النص عندهم ـ بقرينة مناسبة الحكم والموضوع ـ دخول نفس الغبار كما لا يخفى. مضافاً إلى أصالة المنع ، بناء عليها.

[٢] قد يظهر من محكي كشف الغطاء : عدم مفطريته حينئذ ولو مع عدم التحفظ. لكن الفرق بينه وبين غيره غير ظاهر.

[٣] حكي عن المتأخرين : إلحاقهما بالغبار. وكأن الوجه فيه : استفادته من نص الغبار ، أو أصالة المنع. ولأجل الإشكال في ذلك ـ كما عرفت ـ استبعد الإلحاق في المدارك ، والكفاية ، والذخيرة. بل عن التنقيح : الجزم بعدمه في الدخان ، لموثق عمرو بن سعيد المتقدم ، الواجب تقديمه على الوجهين المذكورين حجة للإلحاق ، على تقدير تماميتهما.

ومن ذلك يظهر الإشكال في البناء على مفطرية دخان التتن ، والترياك ونحوهما. وكونه ـ بواسطة الاعتياد والتلذذ ـ يقوم مقام القوت ، ويكون أشد من الغبار ، غير واضح. ومثله : ما قيل : من استقرار سيرة المسلمين على الاجتناب عنه. لانقطاع السيرة المذكورة. وكذا ما يقال : من أنه ماح لصورة الصوم بحسب ارتكاز المتشرعة. فإنه بنحو يكون حجة أول الكلام. فتأمل.

بل لعل استقرار سيرة المسلمين على الدخول إلى الحمامات في نهار رمضان من دون أقل استشكال في ذلك دليل على جواز جذب البخار : ولا فرق في ارتكازهم بين الغليظ وغيره. فالتعدي منه إلى الدخان ـ لتناسبهما‌

٢٦١

يدخل في الحلق غفلة ، أو نسياناً ، أو قهراً [١] ، أو مع ترك التحفظ بظن عدم الوصول [٢] ، ونحو ذلك.

السابع : الارتماس في الماء [٣]. ويكفي فيه رمس‌

______________________________________________________

جداً ـ غير بعيد ، لو لا بلوغ الحكم المذكور من الاستبشاع في هذه الأعصار حداً يلحقه بمخالفة الضروري. وقال شيخنا الأعظم (ره) في محكي صومه : « الأقوى الإلحاق لو عممنا الغبار لغير الغليظ ، لتنقيح المناط ، والأولوية وإن قيدناه بالغليظ فالأقوى عدم اللحوق ، لأن الأجزاء الترابية تلصق بالحلق وتنزل مع الريق ، بخلاف الأجزاء اللطيفة الرمادية في الدخان ، فإنها تدخل في الجوف مصاحبة للدخان النازل ، ولا تلصق بالحلق ، ولا ينزل مع الريق منها شي‌ء. والدخان ليس مما يؤكل ، والأجزاء الرمادية ليست منفردة عن الدخان حتى يصدق الأكل بنزولها .. ».

وما ذكره في وجه الفرق بين الدخان والغبار مانع من الجزم بالأولوية على تقدير تعميم الغبار لغير الغليظ. مع أن اللصوق بالحلق والنزول مع الريق ليسا مناطاً في مفطرية المفطرات ، ليكون الفرق المذكور فارقاً ، حيث لا يظن الإشكال في مفطرية دخول الجرم إلى الجوف ، ولو مع انتفاء الريق أصلا ، ووجود الحائل على الحلق ، بحيث لا يلصق به الجرم. مع أن الفرق المذكور في نفسه غير ظاهر ، أو ممنوع. فلاحظ.

[١] على ما سيأتي ـ إن شاء الله ـ في اعتبار العمد في الإفطار.

[٢] إطلاق النص ، بضميمة قرينة أن الغبار مما يكون الداعي النفساني موجباً لعدم ابتلاعه ، يقتضي حصول الإفطار به في الصورة المذكورة.

[٣] على المشهور شهرة عظيمة ، بل ادعي عليه الإجماع. للنصوص الناهية عنه ، الظاهرة في الإرشاد إلى مفطريته ، كغيرها مما ورد في أمثال المقام. وأظهر منه في ذلك صحيح ابن مسلم : « سمعت أبا جعفر (ع)

٢٦٢

الرأس فيه [١] ، وإن كان سائر البدن خارجاً عنه. من غير‌

______________________________________________________

يقول : لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال : الطعام والشراب ، والنساء ، والارتماس في الماء » (١) ، والمرفوع المروي عن الخصال ، عن أبي عبد الله (ع) : « خمسة أشياء تفطر الصائم .. » ، وعد منها : الارتماس في الماء (٢).

نعم يعارض ذلك كله : موثق إسحاق بن عمار : « رجل صائم ارتمس في الماء متعمداً ، عليه قضاء ذلك اليوم؟ قال (ع) : ليس عليه قضاؤه ولا يعودن » (٣). والجمع العرفي بينهما يوجب حمل ما سبق على الكراهة ، كما عن المرتضى في أحد قوليه ، وابن إدريس وغيرهما.

ومن ذلك يظهر ضعف ما عن الشيخ في الاستبصار ، والعلامة ، وولده والشهيد الثاني وغيرهم : من حمل النهي على الحرمة التكليفية ـ واختاره في الشرائع والمدارك ـ فإنه خلاف المعهود بينهم في الجمع بين النهي والرخصة الواردين في مقام بيان الماهيات ، فان بناءهم على حمل النهي على الكراهة الوضعية. ولا ينافيه في المقام : قوله (ع) في الموثق : « ولا يعودن » لقرب حمله على ذلك أيضاً ، كما يظهر بأقل ملاحظة لنظائر المقام. فراجع.

[١] لاشتمال جملة من النصوص عليه ، كصحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال : « الصائم يستنقع في الماء ، ويصب على رأسه ، ويتبرد بالثوب ، وينضح بالمروحة ، وينضح البوريا تحته ، ولا يغمس رأسه في الماء » (٤). ونحوه غيره. ولا تنافي بينه وبين ما تضمن النهي عن الارتماس الظاهر في ارتماس تمام البدن. لإمكان حمله على الأول ، ويكون كل منهما مفطراً.

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٦.

(٣) الوسائل باب : ٦ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٢.

٢٦٣

فرق بين أن يكون رمسه دفعة ، أو تدريجاً [١] على وجه يكون تمامه تحت الماء زماناً. وأما لو غمسه على التعاقب ـ لا على هذا الوجه ـ فلا بأس به وإن استغرقه [٢]. والمراد بالرأس ما فوق الرقبة بتمامه [٣] ، فلا يكفي غمس خصوص المنافذ في البطلان [٤]. وإن كان هو الأحوط. وخروج الشعر لا ينافي صدق الغمس [٥].

( مسألة ٣٠ ) : لا بأس برمس الرأس ، أو تمام البدن في غير الماء من سائر المائعات [٦] ، بل ولا رمسه في الماء المضاف. وإن كان الأحوط الاجتناب ، خصوصاً في الماء المضاف.

______________________________________________________

ومنه يظهر ضعف ما في محكي الدروس : من التوقف في الإفطار برمس الرأس ، وما عن ظاهر الميسي : من منعه.

[١] كما نص عليه في الجواهر. للإطلاق.

[٢] لعدم صدق الارتماس والانغماس ، الظاهرين في كون الرأس بتمامه تحت الماء آنا ما. فاحتمال تحريمه ـ كما في المدارك ـ ضعيف.

[٣] لأنه الظاهر منه لغة وعرفاً.

[٤] لقصور الأدلة عن شموله. وما في المدارك : من أنه لا يبعد تعلق التحريم بغمس المنافذ كلها دفعة ، وإن كانت منابت الشعر خارجة عن الماء ضعيف.

[٥] لخروج الشعر عن مفهوم الرأس.

[٦] إذ لم أقف على إطلاق يقتضي الاكتفاء بمطلق الارتماس. ولو فرض وجوده ـ كما هو ظاهر الجواهر ـ فهو مقيد بصحيح ابن مسلم. وحمل ذكر الماء فيه على ارادة التمثيل لمطلق المائع خال عن القرينة. اللهم إلا أن يكون الوجه في تخصيصه بالذكر : كونه الغالب في الارتماس.

٢٦٤

( مسألة ٣١ ) : لو لطخ رأسه بما يمنع من وصول الماء إليه ثمَّ رمسه في الماء ، فالأحوط ، بل الأقوى بطلان صومه [١]. نعم لو أدخل رأسه في إناء ـ كالشيشة ونحوها ـ ورمس الإناء في الماء ، فالظاهر عدم البطلان.

( مسألة ٣٢ ) : لو ارتمس في الماء بتمام بدنه إلى منافذ رأسه ، وكان ما فوق المنافذ من رأسه خارجاً عن الماء ، كلا أو بعضاً ، لم يبطل صومه على الأقوى [٢]. وإن كان الأحوط البطلان برمس خصوص المنافذ ، كما مر.

( مسألة ٣٣ ) : لا بأس بإفاضة الماء على رأسه [٣] وإن اشتمل على جميعه ، ما لم يصدق الرمس في الماء. نعم لو أدخل رأسه أو تمام بدنه في النهر المنصب من عال إلى السافل ـ ولو‌

______________________________________________________

لكنه غير ظاهر.

ومن ذلك يظهر ضعف ما عن المسالك : من أن في حكم الماء : مطلق المائع وإن كان مضافاً ، كما نبه عليه بعض أهل اللغة والفقهاء. انتهى. إذ لا ريب في كون الماء حقيقة في المطلق. وإطلاقه على غيره مجاز ، محتاج في الحمل عليه إلى قرينة. ومثله : ما عن كشف الغطاء : من تقوية إلحاق خصوص المضاف بالماء.

[١] كما في محكي كشف الغطاء. لصدق الارتماس معه. لكن تنظر فيه في الجواهر. وكأنه لدعوى الانصراف ، وإن صدق معه الارتماس.

[٢] لعدم تحقق الارتماس ، كما تقدم.

[٣] كما تقدم في صحيح ابن مسلم (١). والظاهر أنه لا إشكال فيه.

__________________

(١) تقدم قريباً في السابع من المفطرات.

٢٦٥

على وجه التسنيم ـ فالظاهر البطلان ، لصدق الرمس [١]. وكذا في الميزاب إذا كان كبيراً ، وكان الماء كثيراً ، كالنهر مثلا.

( مسألة ٣٤ ) : في ذي الرأسين إذا تميز الأصلي منهما فالمدار عليه. ومع عدم التميز يجب عليه الاجتناب عن رمس كل منهما [٢]. لكن لا يحكم ببطلان الصوم [٣] إلا برمسهما ولو متعاقباً.

( مسألة ٣٥ ) : إذا كان مائعان يعلم بكون أحدهما ماء‌

______________________________________________________

[١] وكون الماء جارياً وواقفاً لا أثر له في الفرق.

[٢] يعني : إذا كان يحرم عليه الإفطار. إذ حينئذ يعلم إجمالا بحرمة رمس أحدهما ، فيجب عقلا الاحتياط. أما لو كان الصوم مندوباً فحكم العقل إرشادي إلى عدم الاجتزاء بالصوم مع الارتماس في طرف الشبهة. لأن منجزية العلم الإجمالي لا تختص بالأحكام الإلزامية ، فكما يمنع العلم من جريان الأصل المنافي في الأحكام الإلزامية ، يمنع منه في الأحكام غير الإلزامية.

[٣] لاحتمال كون المرموس الرأس الزائد. وإن كان يعاقب على تقدير المصادفة للرأس الأصلي ، بل مطلقاً ، بناء على قبح التجري عقلا بحيث يوجب العقاب.

هذا ويمكن أن يقال : إنه وإن لم يحكم بالإفطار واقعاً أو ظاهراً شرعاً إلا أنه بمقتضى العلم الإجمالي يحكم عقلا بعدم الاجتزاء به ، لاحتمال مصادفة الواقع المنجز. كما لو توضأ من أحد الإناءين المشتبهين ، أو صلى في أحد الثوبين كذلك. واستصحاب الصحة لا يجري في قبال العلم الإجمالي المنجز ، كما هو لازم القول بالحرمة. وبالجملة : وجوب الاجتناب عقلا تابع لتنجز الواقع ، وهو مانع من جريان الأصل المؤمن منه.

٢٦٦

يجب الاجتناب عنهما ، ولكن الحكم بالبطلان يتوقف على الرمس فيهما [١].

( مسألة ٣٦ ) : لا يبطل الصوم بالارتماس سهواً ، أو قهراً ، أو السقوط في الماء من غير اختيار [٢].

( مسألة ٣٧ ) : إذا ألقى نفسه من شاهق في الماء بتخيل عدم الرمس ، فحصل ، لم يبطل صومه [٣].

( مسألة ٣٨ ) : إذا كان مائع لا يعلم أنه ماء أو غيره ، أو ماء مطلق أو مضاف ، لم يجب الاجتناب عنه [٤].

______________________________________________________

[١] بناء على اختصاص الحكم بالماء المطلق فالكلام في الفرض كما سبق في ذي الرأسين. ولو عمم لمطلق المائع كفى الرمس في أحدهما في الإفطار.

[٢] لاعتبار العمد في المفطرية ، كما سيأتي إن شاء الله.

[٣] لعدم العمد.

[٤] لأصالة البراءة عن مفطرية الارتماس فيه. ودعوى : أنه إنما يصح جريانها لو كان المفطر ملحوظاً في وجوب الصوم عنه بنحو الطبيعة السارية ، إذ حينئذ يشك في تعلق التكليف بالإضافة إلى المشتبه بنحو الشبهة الموضوعية. أما لو كان ملحوظاً بنحو صرف الوجود الخارق للعدم ، فلا يصح جريانها ، لأن صرف الوجود مفهوم معين علم بتعلق التكليف بالصوم عنه ، فمع الشك في المائع أنه ماء أولا يشك في الخروج عن عهدة التكليف المعلوم بالارتماس فيه ، ومع الشك في الخروج عن عهدة التكليف المعلوم يجب الاحتياط. مندفعة : بأن مرجع الشك في المقام إلى الشك في اتساع التكليف بنحو يشمل الارتماس في المردد وعدمه ، فيكون الارتماس فيه موضوعاً للشك في التكليف ، والشك في التكليف مطلقاً مجرى لأصالة‌

٢٦٧

( مسألة ٣٩ ) : إذا ارتمس نسياناً أو قهراً ، ثمَّ تذكر أو ارتفع القهر ، وجب عليه المبادرة إلى الخروج ، وإلا بطل صومه [١].

( مسألة ٤٠ ) : إذا كان مكرهاً في الارتماس لم يصح صومه [٢] ، بخلاف ما إذا كان مقهوراً [٣].

______________________________________________________

البراءة. ولا فرق في جريانها بين انحلال التكليف إلى تكاليف متعددة ، متلازمة ثبوتاً وسقوطاً وإطاعة ومعصية ، وبين مثل المقام ، لعدم الفرق في حكم العقل بقبح العقاب من دون بيان بين المقامين.

ولأجل ذلك نقول بالبراءة في الدوران بين الأقل والأكثر الارتباطيين مع انحلال التكليف بالأكثر إلى تكاليف متلازمة ثبوتاً وسقوطاً وإطاعة ومعصية ، وأن التكليف بالأقل مشكوك السقوط مع الاقتصار على الأقل. وتفصيل الكلام موكول إلى محله من الأصول.

[١] لتحقق الارتماس منه عمداً. ودعوى الانصراف إلى الحدوث دون البقاء ممنوعة.

[٢] لعدم الدليل على الصحة. وكون البطلان مقتضى إطلاق الأدلة. وأدلة نفي الإكراه إنما تصلح لنفي المؤاخذة أو سائر الآثار المترتبة على فعل المكره ولا تصلح لإثبات الصحة ، لأن وظيفتها النفي لا الإثبات. ومثله : الكلام فيما لو أكره على ترك الجزء ، أو الشرط ، أو فعل المانع ، في سائر العبادات.

[٣] لانتفاء العمد. وبذلك افترق عن الإكراه ، لتحقق القصد معه لأن الإكراه هو الحمل على فعل المكروه عن إرادة. وكذا الحال لو كان الارتماس واجباً عليه لإنقاذ غريق ، إذ الوجوب المذكور إنما يقتضي وجوب الإفطار ، لا صحة الصوم مع الارتماس ، إذ لا تعرض فيه لذلك.

٢٦٨

( مسألة ٤١ ) : إذا ارتمس لإنقاذ غريق بطل صومه وإن كان واجباً عليه.

( مسألة ٤٢ ) : إذا كان جنباً. وتوقف غسله على الارتماس انتقل إلى التيمم إذا كان الصوم واجباً معيناً [١].

وإن كان مستحباً ، أو كان واجباً موسعاً وجب عليه الغسل [٢] وبطل صومه [٣].

______________________________________________________

[١] فان وجوبه كذلك يوجب حرمة الغسل الارتماسي ، فيكون غير مقدور شرعاً ، فيتعين عليه التيمم.

[٢] لتمكنه منه ، لكون المفروض جواز الإفطار. وربما يتوهم : وجوب التيمم في الفرض أيضاً ، بناء على كونه محرماً تكليفاً ، لا مفطراً إذ أنه بناء على ذلك لا فرق بين الواجب المعين وغيره في كون الارتماس فيه حراماً ، لإطلاق الأدلة ودعوى : قصورها عن شمول النافلة ـ كما احتمله في محكي المدارك ـ ممنوعة. فإذا حرم الغسل الارتماسي تعين التيمم.

وفيه : أنه إذا فرض جواز إفطار الصوم لعدم كونه من الواجب المعين ، كانت الطهارة المائية مقدورة ولو بتوسط الإفطار ، فيجب أن يفطر أولا ، ثمَّ يرتمس بعده ، لئلا يحصل الارتماس حال الصوم المفروض كونه محرماً. فيكون الإفطار في المقام نظير وجوب شراء ماء الغسل لئلا يكون الغسل بالماء المغصوب. فاذاً لا فرق في وجوب الغسل الارتماسي بين القول بمفطرية الارتماس والقول بتحريمه.

[٣] يعني : يبطل بمجرد وجوب الغسل وإن لم يرتمس. لأنه إذا وجب الارتماس للغسل فقد امتنع الأمر بالصوم عنه ، فيبطل لعدم الأمر به ، وامتناع التقرب بفعله.

٢٦٩

( مسألة ٤٣ ) : إذا ارتمس بقصد الاغتسال في الصوم الواجب المعين ، بطل صومه وغسله [١] إذا كان متعمداً. وإن كان ناسياً لصومه صحا معاً [٢]. وأما إذا كان الصوم مستحباً ، أو واجباً موسعاً ، بطل صومه ، وصح غسله [٣].

( مسألة ٤٤ ) : إذا أبطل صومه بالارتماس العمدي ، فان لم يكن من شهر رمضان ، ولا من الواجب المعين غير رمضان ، يصح له الغسل حال المكث في الماء ، أو حال الخروج [٤]. وإن كان من شهر رمضان يشكل صحته حال المكث ، لوجوب الإمساك عن المفطرات فيه بعد البطلان أيضاً. بل يشكل صحته حال الخروج أيضاً ، لمكان النهي السابق ، كالخروج من الدار الغصبية إذا دخلها عامداً [٥]. ومن هنا يشكل صحة الغسل في الصوم الواجب المعين أيضاً ، سواء كان في حال المكث ، أو حال الخروج.

______________________________________________________

[١] أما بطلان صومه فللارتماس فيه عمداً. وأما بطلان غسله فللنهي عنه ، لكونه مفطراً.

[٢] أما الصوم فلعدم انتقاضه بالارتماس السهوي. وأما الغسل فلعدم النهي عنه ، لعدم كونه مفطراً.

[٣] يعني : إذا كان متعمداً. ووجه الحكم فيهما يظهر مما سبق.

[٤] المراد من حال الخروج : حال المكث تحت الماء مقارناً لحركته للخروج. ثمَّ إنه لا فرق بين الحالين في كون الغسل في كل منهما مأموراً به بلا شائبة نهي عنه ، لكون المفروض كون الصوم مما يجوز نقضه بالمفطر.

[٥] فان الخروج المذكور مورد الخلاف بين الاعلام. فقيل بوجوبه‌

٢٧٠

( مسألة ٤٥ ) : لو ارتمس الصائم في الماء المغصوب‌

______________________________________________________

مقدمة للكون في المكان المباح ، وليس منهياً عنه ، لا فعلا ، ولا سابقاً على الدخول. وهو المنسوب إلى فقهائنا ( رض ). وقيل : بأنه واجب وحرام فعلا. وهو المنسوب إلى أبي هاشم. وقيل : بأنه واجب وليس بحرام فعلا ، ولكنه كان حراماً قبل الدخول. وهو المنسوب إلى الرازي.

والتحقيق : أنه ليس بواجب ، لا نفسياً ـ كما هو ظاهر ـ ولا غيرياً لعدم كونه مقدمة لواجب. وكونه مقدمة للكون في المكان المباح ـ لو سلم ـ لا يقتضي وجوبه غيرياً ، لعدم وجوب الكون في المكان المباح ، بل ليس الثابت في الشريعة المقدسة إلا حرمة الكون في المكان المغصوب. نعم لا بأس بدعوى وجوبه عقلا ، فراراً عن الغصب في الزمان الزائد على زمان الخروج من باب وجوب ارتكاب أقل القبيحين.

فان قلت : الفرار عن الغصب في الزمان الزائد واجب ، فاذا توقف الفرار على الخروج كان واجباً أيضاً. وهذا معنى ما اشتهر : من وجوبه مقدمة للتخلص عن الغصب. قلت : الفرار عن الغصب وإن كان واجباً ، إلا أن الخروج ليس مقدمة له ، بل هو ملازم له ، لأنه أقل القبيحين ، الملازم لعدم أكثرهما.

كما أن التحقيق أنه ليس بحرام فعلا ، لخروجه عن الاختيار المانع من التكليف به. وإنما الإشكال في أنه كان حراماً سابقاً ، فيقع على وجه المبغوضية ، فيكون مبعداً ، وموجباً للعقاب ـ وهو المعبر عنه بحكم المعصية ـ أولا. وجهان ، ناشئان من كونه اختيارياً ـ ولو في الزمان السابق ـ أولا فعلى الأول يكون مبعداً وموجباً للعقوبة ، لأنه مخالفة للنهي عنه ، ولو سابقاً. وعلى الثاني لا يكون كذلك.

واختار بعض الأعيان الثاني ، مدعياً أن للخروج عدمين : عدم في‌

٢٧١

______________________________________________________

ظرف عدم الدخول ، وعدم في ظرف الدخول. والاختياري هو الأول ، لا الثاني ، فإنه ليس اختيارياً من الأزل ، فلا يصح تعلق التكليف به من الأزل. وفيه : أنه لا يظهر وجه للتفكيك بين العدمين في الاختيار وعدمه فكما أن عدم الخروج على تقدير الدخول ليس اختيارياً بل واجب ، كذلك عدمه على تقدير عدم الدخول ، فإنه أيضاً ليس اختيارياً بل ممتنع ، فاما أن يلتزم بامتناع التكليف بالخروج على كل تقدير ، وإما أن يلتزم بجوازه كذلك.

والتحقيق هو الثاني ، سواء أكان الدخول مقدمة للخروج أم ملازماً له. إذ على الأول : يكون اختياره باختيار الدخول كاختيار سائر المعلولات باختيار عللها ، ويكفي مثله في صحة التكليف. وعلى الثاني : يكون اختياره ملازماً لاختيار الدخول ، كما في سائر المتلازمات ، ويكفي أيضاً مثله في صحة التكليف. وهذا الذي ذكرنا هو الموافق لمرتكزات العرف والعقلاء. وتحقيق الكلام موكول إلى محله في الأصول. وعليه يمتنع الغسل في حال الخروج ، لحرمته المانع من إمكان التقرب به.

وربما يتوهم الفرق بين المقام وبين الخروج من الدار المغصوبة ، بأن دليل حرمة الغصب نسبته إلى الدخول والخروج نسبة واحدة ، بخلاف حرمة استعمال المفطر في المقام ، فإن حرمة الاستعمال الأول من باب حرمة الإفطار ، وحرمة الاستعمال الثاني من باب وجوب الإمساك على المفطر ، فحرمة الثاني مشروطة بالإفطار ، وإذا كانت مشروطة به امتنع أن تقتضي المنع عما كان معلولا للإفطار ، لأنه يلزم أن يكون الإفطار المذكور علة لوجود المعلول وعلة لعدمه ، أما الأول : فلكونه المفروض ، وأما الثاني : فلأنه مقتضى علية الإفطار للحرمة ، التي هي علة العدم. فحينئذ نقول : الخروج إذا كان معلولا للارتماس الدخولي امتنع أن يكون محرماً بالحرمة المشروطة به ، لأنه يلزم أن يكون الارتماس الدخولي علة للخروج ولعدمه.

٢٧٢

فان كان ناسياً للصوم وللغصب صح صومه وغسله [١]. وإن كان عالماً بهما بطلا معاً ـ وكذا إن كان متذكراً للصوم ناسياً للغصب ـ [٢]. وإن كان عالماً بالغصب ناسياً للصوم صح الصوم ، دون الغسل [٣].

( مسألة ٤٦ ) : لا فرق في بطلان الصوم بالارتماس‌

______________________________________________________

ودفعه أولا : بعدم المقتضي للالتزام بكون حرمة الاستعمال ثانياً مشروطة بالإفطار ، ولم لا يكون الدليل الدال على وجوب الإمساك دالا على كون وجوب الإمساك عن المفطرات ثابتاً على من يجب عليه الصوم من أول النهار إلى آخره وإن أفطر في بعض النهار؟! فتكون حرمة استعمال المفطر نظير حرمة الغصب التي لا فرق فيها بين الدخول والخروج.

وثانياً : بأن الارتماس المفطر الذي هو شرط حرمة استعمال المفطر ثانياً آني ، ولا يكون علة للارتماس في الآن الثاني ، وانما الذي يكون كذلك هو خصوص الارتماس مع البعد عن سطح الماء ، وليس هو المفطر لاستناد الإفطار إلى أول مراتب وجوده.

وثالثاً : بالإشكال في إمكان كون الحدوث من علل البقاء ، لأن الحدوث والبقاء وجود واحد ، لا وجودان مترتبان ، كما هو الحال في العلة والمعلول ، ليكون الأول علة للثاني. فلاحظ.

[١] أما الأول : فلعدم القصد الى المفطر. وأما الثاني : فللجهل بالغصبية ، المصحح للتقرب بالغسل ، على ما تقرر في محله. ومنه يظهر وجه بطلانهما لو علم بهما.

[٢] إذ يكفي في بطلان الغسل الالتفات إلى كونه مفطراً محرماً.

[٣] يعلم وجهه مما سبق.

٢٧٣

بين أن يكون عالماً بكونه مفطراً أو جاهلا [١].

( مسألة ٤٧ ) : لا يبطل الصوم بالارتماس في الوحل ، ولا بالارتماس في الثلج [٢].

( مسألة ٤٨ ) : إذا شك في تحقق الارتماس بنى على عدمه [٣].

الثامن : البقاء على الجنابة عمداً إلى الفجر الصادق [٤] ،

______________________________________________________

[١] لإطلاق الأدلة من دون مقيد. وسيأتي في الفصل الآتي.

[٢] لعدم كونهما من الماء ، بل هما أولى بالعدم من الماء المضاف الذي عرفت عدم قدح الارتماس فيه.

[٣] لأصالة عدمه.

[٤] على المشهور ، بل عده في الجواهر من القطعيات ، وأنه لم يتحقق فيه خلافاً. وعن الخلاف ، والوسيلة ، والغنية ، والسرائر ، وظاهر التذكرة والمنتهى وغيرها : الإجماع عليه ، بل في محكي الانتصار : دعوى الإجماع المتكرر عليه.

ويدل عليه جملة من النصوص. وفي الرياض : أنها قريبة من التواتر إذ منها ما دل على ثبوت الكفارة ، كموثق أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ، ثمَّ ترك الغسل متعمداً حتى أصبح. قال (ع) : يعتق رقبة ، أو يصوم شهرين متتابعين ، أو يطعم ستين مسكيناً » (١) ونحوه رواية المروزي عن الفقيه (٢) ومرسل ابن عبد الحميد (٣) مع التصريح فيهما بالقضاء. ولأجلهما تكون الكفارة في‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٦ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٦ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ١٦ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٤.

٢٧٤

______________________________________________________

الموثق للإفطار ، لا لمجرد المعصية.

ومنها : ما ورد في النائم ، كصحيح الحلبي عنه (ع) : « في رجل احتلم أول الليل أو أصاب من أهله ، ثمَّ نام متعمداً في شهر رمضان حتى أصبح. قال (ع) : يتم صومه ذلك ، ثمَّ يقضيه إذا أفطر من شهر رمضان ويستغفر ربه » (١) وصحيح البزنطي عن أبي الحسن (ع) : « عن رجل أصاب من أهله في شهر رمضان أو أصابته جنابة ، ثمَّ ينام حتى يصبح متعمداً قال (ع) : يتم ذلك اليوم ، وعليه قضاؤه » (٢) ونحوهما غيرهما.

نعم يعارضها جملة أخرى دالة على الجواز وعدم الإفطار ، كصحيح حماد عن الخثعمي عن أبي عبد الله (ع) : « كان رسول الله (ص) يصلي صلاة الليل في شهر رمضان ، ثمَّ يجنب ، ثمَّ يؤخر الغسل متعمداً حتى يطلع الفجر » (٣) ونحوه غيره.

لكنها لا مجال للعمل بظاهرها بعد ما عرفت : من حكاية الإجماعات الكثيرة على خلافها. فلا بد من حملها على التقية ، كما يشير اليه ما رواه في المقنع عن حماد بن عثمان. « أنه سأل أبا عبد الله (ع) عن رجل أجنب في شهر رمضان من أول الليل ، فأخر الغسل حتى يطلع الفجر. فقال (ع) : كان رسول الله (ص) يجامع نساءه من أول الليل ، ثمَّ يؤخر الغسل حتى يطلع الفجر! ولا أقول كما يقول هؤلاء الأقشاب (٤) ، يقضي يوماً مكانه » (٥) ورواية إسماعيل بن عيسى قال : « سألت الرضا (ع) عن رجل أصابته‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٦ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٥ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ١٦ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٥.

(٤) جمع قشب ككتف وهو من لا خير فيه من الرجال.

(٥) الوسائل باب : ١٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٣.

٢٧٥

في صوم شهر رمضان ، أو قضائه [١] ، دون غيرهما من‌

______________________________________________________

جنابة في شهر رمضان ، فنام عمداً حتى يصبح ، أي شي‌ء عليه؟ قال (ع) : لا يضره هذا ، ولا يفطر ، ولا يبالي. فان أبي (ع) قال : قالت عائشة : إن رسول الله (ص) أصبح جنباً من جماع غير احتلام » (١). أما ما لا صراحة فيه في العمد ـ كصحيح العيص : « أنه سأل أبا عبد الله (ع) عن رجل أجنب في شهر رمضان في أول الليل ، فأخر الغسل حتى طلع الفجر. فقال (ع) : يتم صومه ، ولا قضاء عليه » (٢). ونحوه غيره ـ فمحمول على غير العامد ، جمعاً بينه وبين ما سبق مما هو صريح في العامد ، أو ظاهر فيه.

ومن ذلك يظهر ضعف ما عن ظاهر الصدوقين : من عدم الإفطار بذلك. وعن الداماد في شرح النجاة ، والأردبيلي في آيات أحكامه وشرح الإرشاد ، والكاشاني في المعتصم : القول به ، أو الميل اليه.

[١] كما هو ظاهر الأصحاب. ويقتضيه ـ مضافاً الى أنه مقتضى قاعدة اتحاد القضاء مع الأداء ـ : صحيح عبد الله بن سنان : « أنه سأل أبا عبد الله (ع) عن الرجل يقضي شهر رمضان ، فيجنب من أول الليل ، ولا يغتسل حتى يجي‌ء آخر الليل وهو يرى أن الفجر قد طلع. قال (ع) : لا يصوم ذلك اليوم ، ويصوم غيره » (٣) وصحيحه الآخر : « كتب أبي إلى أبي عبد الله (ع) ـ وكان يقتضي شهر رمضان ـ وقال : إني أصبحت بالغسل وأصابتني جنابة ، فلم أغتسل حتى طلع الفجر. فأجابه (ع) : لا تصم هذا اليوم ، وصم غداً » (٤) ونحوهما موثق سماعة (٥)

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ١٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ١٩ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ١٩ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٢.

(٥) الوسائل باب : ١٩ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٣.

٢٧٦

الصيام الواجبة والمندوبة على الأقوى [١]. وإن كان الأحوط‌

______________________________________________________

وحينئذ فما عن المنتهى : من التردد فيه ، وعن المعتبر : من الميل إلى عدمه ، في غير محله. وما يظهر من تعليل الأول ذلك : باختصاص النصوص بشهر رمضان كما ترى.

[١] أما في المندوبة فهو المشهور بين من تعرض له. ويدل عليه : صحيح عبد الله بن المغيرة عن حبيب الخثعمي : « قلت لأبي عبد الله (ع) : أخبرني عن التطوع وعن صوم هذه الثلاثة أيام إذا أجنبت من أول الليل فأعلم أني أجنبت ، فأنام متعمداً حتى ينفجر الفجر ، أصوم أو لا أصوم؟ قال (ع) : صم » (١) وخبر عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله (ع) : « سئل عن رجل طلعت عليه الشمس وهو جنب ، ثمَّ أراد الصيام بعد ما اغتسل ومضى ما مضى من النهار. قال (ع) : يصوم إن شاء ، وهو بالخيار الى نصف النهار » (٢) وقريب منهما موثقه عنه (ع) (٣) وما قد يظهر من المشهور أو ينسب إليهم من المنع في غير محله.

وأما الواجبة فصريح جماعة المنع فيها ، كرمضان وقضائه ، بل هو ظاهر المشهور والمنسوب إليهم. حملا له عليها. ولا مجال لحمله على التطوع ، لمعلومية التسامح فيه بما لا يتسامح في غيره ، كصلاة التطوع.

وفيه : أن قاعدة الإلحاق وإن كانت تامة في الجملة ، وقد استقر بناء الأصحاب عليها في كثير من الموارد. إلا أنها لا مجال لها في المقام. إذ الوجه فيها ـ كما أشرنا إليه في بعض مباحث الطهارة من الشرح ـ إما ظهور الدليل الوارد في المورد الخاص في كونه لبيان نفس الماهية من حيث هي. أو الإطلاق‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٩ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ١٩ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٢.

٢٧٧

تركه في غيرهما أيضاً [١]. خصوصاً في الصيام الواجب ، موسعاً كان أو مضيقاً. وأما الإصباح جنباً من غير تعمد فلا يوجب البطلان [٢].

______________________________________________________

المقامي لدليل مشروعية الملحق ، الموجب لحمله على الملحق به. وكلاهما لا مجال لهما في المقام. إذ الأول ينافيه ما دل على الجواز في المندوب. والإطلاق كما يمكن أن يكون الوجه فيه : الاكتفاء ببيان صوم شهر رمضان وقضائه يمكن أن يكون الاكتفاء ببيان صوم المندوب.

ولو فرض أن البيان في الأول أولى بالاعتماد عليه ، للمشاركة في الوجوب ، أمكن أن يقال : إن الوجه في الإطلاق : الاعتماد على ما ورد في مطلق الصوم مما ينفي اعتبار ذلك فيه ، مثل صحيح ابن مسلم : « سمعت أبا جعفر (ع) يقول : لا يضر الصائم إذا اجتنب ثلاث خصال : الطعام والشراب ، والنساء ، والارتماس في الماء » (١) فإنه يدل على عدم قدح البقاء على الجنابة في طبيعة الصوم من حيث هي. فإذا دل دليل على دخله في خصوص صوم رمضان لم يكن وجه لإلحاق غيره به ، بل المرجع فيه الدليل المذكور.

[١] بل هو المختار في الجواهر ، وعن المصابيح ، ناقلا الإجماع عليه وفي محكي مفتاح الكرامة : « لم أجد في علمائنا المتقدمين من خالف في ذلك أو تردد ، سوى المحقق في المعتبر ». ونحوه كلام غيره. وقد عرفت ضعفه وان كان لا ينبغي ترك الاحتياط ، لما عرفت من الشبهة. لكن يتم ذلك في الصيام الواجب ، دون المندوب ، فان في الاحتياط تفويتاً للمندوب ، الذي دل الدليل على صحته.

[٢] كما هو ظاهر الأصحاب ، لأنهم قيدوا الإفطار بصورة العمد.

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١.

٢٧٨

______________________________________________________

بل يظهر ذلك مما عن الخلاف : من الإجماع على صحة الصوم لو نام وقد نوى الغسل. وفي الجواهر : « لا خلاف أجده فيه ». وعن المدارك : إنه مذهب الأصحاب ، لا أعلم فيه مخالفاً ».

وكيف كان يدل عليه : صحيح البزنطي عن القماط : « سئل أبو عبد الله (ع) عمن أجنب في شهر رمضان في أول الليل ، فنام حتى أصبح قال (ع) : لا شي‌ء عليه. وذلك أن جنابته كانت في وقت حلال » (١) وصحيح ابن رئاب : « سئل أبو عبد الله (ع) ـ وأنا حاضر ـ عن الرجل يجنب بالليل في شهر رمضان ، فينام ولا يغتسل حتى يصبح. قال (ع) : لا بأس ، يغتسل ويصلي ويصوم » (٢) ونحوهما غيرهما.

ولا ينافيها : ما دل على الفساد بالنوم جنباً حتى يصبح ، كصحيح ابن مسلم عن أحدهما قال : « سألته عن الرجل تصيبه الجنابة في شهر رمضان ثمَّ ينام قبل أن يغتسل. قال (ع) : يتم صومه ، ويقضي ذلك اليوم » (٣) ونحوه غيره ـ لوجوب حملها على العامد ، جمعاً بينهما ، بشهادة صحيح الحلبي المتقدم (٤) إذ بعد تقييد ما سبق به ـ لاختصاصه بالعامد ـ يبقى تحت ما سبق غير العامد ، فيكون أخص من مثل صحيح ابن مسلم. وهذا نحو من الجمع العرفي ، كما حقق في مبحث التعارض.

هذا كله في رمضان. أما غيره من أنواع الواجب المعين ، فإن أمكن إلحاقه برمضان من جهة النصوص المذكورة ، بدعوى إلغاء خصوصية موردها فهو. وإلا كفى أصل البراءة في الإلحاق فيه وفي غير المعين ، أو عموم حصر المفطر في غيره.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٧.

(٣) الوسائل باب : ١٥ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٣.

(٤) تقدم قريباً في أول الأمر الثامن مما يجب الإمساك عنه في الصوم.

٢٧٩

إلا في قضاء شهر رمضان [١] على الأقوى. وإن كان الأحوط إلحاق مطلق الواجب غير المعين به في ذلك [٢]. وأما الواجب‌

______________________________________________________

[١] كما نسب الى الشيخ ، والفاضلين ، والمحقق الثاني وغيرهم ، بل عن الأخير : نسبته إلى الشيخ والأصحاب. لإطلاق صحيحي ابن سنان المتقدمين (١) ودعوى : اختصاصهما بالعمد ـ لأن الظاهر من قول السائل في الأول : « ولا يغتسل حتى .. » ، وقوله في الثاني : « أصبحت بالغسل فلم أغتسل حتى .. » : أن ذلك عن عمد ، كما هو الأصل في نسبة الفعل إلى الفاعل ـ ممنوعة. والأصل المذكور لا أصل له.

نعم يشكل التمسك بموثق سماعة : « سألته عن رجل أصابته جنابة في جوف الليل في رمضان ، فنام ـ وقد علم بها ـ ولم يستيقظ حتى أدركه الفجر. فقال (ع) : عليه أن يتم صومه ، ويقضي صوما آخر. فقلت : إذا كان ذلك من الرجل وهو يقضي رمضان؟ قال (ع) : فليأكل يومه ذلك ، وليقض ، فإنه لا يشبه رمضان شي‌ء من الشهور » (٢) لظهور صدره في عدم الصحة في رمضان في مورد السؤال ، فلا بد من حمله على العمد ـ كما هو الظاهر ـ أو على تعدد الانتباه ، فيختص الذيل بذلك.

لكن في غيره من النصوص كفاية. ولأجلها لا مجال للتمسك في المقام بقاعدة المساواة بين القضاء والأداء ، فإن نسبة النصوص إلى القاعدة نسبة الخاص الى العام ، الواجب تقديمه عليه.

[٢] كما نسب إلى الشيخ وجماعة من المتأخرين ، بل عن جامع المقاصد وفوائد الشرائع : نسبته إلى الشيخ والأصحاب. وليس له وجه ظاهر إلا دعوى استفادته من نصوص القضاء ، بإلغاء خصوصية موردها ، وأن المفهوم‌

__________________

(١) تقدما قريباً في أوائل هذا الأمر.

(٢) الوسائل باب : ١٩ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٣.

٢٨٠