مستمسك العروة الوثقى - ج ٨

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٨

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٤

التضييق في دائرة المقام [١] ، كما لا يجوز التوسيع كثيراً ، بحيث يخرج عن صدق وحدة المحل. فالمدار على صدق الوحدة عرفاً وبعد ذلك لا ينافي الخروج عن ذلك المحل إلى أطرافه ، بقصد العود اليه ، وإن كان الى الخارج عن حد الترخص ، بل الى ما دون الأربعة ، كما ذكرنا في البلد. فجواز نية الخروج إلى ما دون الأربعة لا يوجب جواز توسيع محل الإقامة كثيراً ، فلا يجوز جعل محلها مجموع ما دون الأربعة ، بل يؤخذ على المتعارف ، وإن كان يجوز التردد الى ما دون الأربعة ، على وجه لا يضر بصدق الإقامة فيه.

( مسألة ١٠ ) : إذا علق الإقامة على أمر مشكوك الحصول لا يكفي ، بل وكذا لو كان مظنون الحصول ، فإنه ينافي العزم على البقاء المعتبر فيها. نعم لو كان عازماً على البقاء لكن احتمل حدوث المانع لا يضر [٢].

( مسألة ١١ ) : المجبور على الإقامة عشراً والمكره عليها يجب عليه التمام ، وإن كان من نيته الخروج على فرض رفع الجبر والإكراه ، لكن بشرط أن يكون عالماً بعدم ارتفاعهما ، وبقائه عشرة أيام كذلك [٣].

______________________________________________________

[١] قد عرفت فيما سبق الكلام في هذه المسألة.

[٢] لأنه مع وجود المقتضيات للعزم ـ من الميل والرغبة ـ يتحقق وإن احتمل عروض الرافع المزاحم. وبذلك افترق عن الفرض السابق ، لأن التعليق راجع الى تعليق مقتضيات العزم وعدم فعليتها. فتأمل جيداً.

[٣] إذ بذلك وإن لم يدخل في العازم يدخل في المتيقن ، وقد عرفت‌

١٢١

( مسألة ١٢ ) : لا تصح نية الإقامة في بيوت الأعراب ونحوهم ما لم يطمئن بعدم الرحيل عشرة أيام [١]. إلا إذا عزم على المكث بعد رحلتهم إلى تمام العشرة.

( مسألة ١٣ ) : الزوجة والعبد إذا قصدا المقام بمقدار ما قصده الزوج والسيد والمفروض أنهما قصدا العشرة ـ لا يبعد كفايته في تحقق الإقامة بالنسبة إليهما ، وإن لم يعلما حين القصد أن مقصد الزوج والسيد هو العشرة. نعم قبل العلم بذلك عليهما التقصير ، ويجب عليهما التمام بعد الاطلاع. وإن لم يبق إلا يومان أو ثلاثة ، فالظاهر وجوب الإعادة أو القضاء عليهما بالنسبة إلى ما مضى مما صليا قصراً. وكذا الحال إذا قصد المقام بمقدار ما قصده رفقاؤه ، وكان مقصدهم العشرة. فالقصد الإجمالي كاف [٢] في تحقق الإقامة. لكن الأحوط الجمع في الصورتين. بل لا يترك الاحتياط.

______________________________________________________

أن اليقين بالبقاء كالعزم عليه.

[١] إذ لولاه لا يحصل العزم ، ولا اليقين ، ومعه يحصل العزم.

[٢] هذا غير ظاهر ، إذ لا يخرج به عن كونه متردداً في إقامة العشرة المحكوم بوجوب القصر. ومثله : ما لو نوى الإقامة إلى أجل مردد بين العشرة وما دونها ، مثل قدوم الحاج ، وقضاء الحاجة ، ونزول المطر ، وأمثال ذلك ، فإنه لا يوجب عليه التمام واقعاً ، وإن كان الأجل لا ينقضي قبل العشرة بل هو من المتردد الذي يجب عليه القصر نصاً وفتوى.

ولا مجال لقياس المقام على ما لو قصد السفر إلى مكان معين عنده ، ولكن لا يعلم أن المسافة إليه تبلغ ثمانية فراسخ ، حيث تقدم كفاية القصد‌

١٢٢

______________________________________________________

الإجمالي للثمانية في وجوب القصر. إذ التردد هنا في حد الزمان الإجمالي ، وأنه ينتهي إلى العشرة أو الى ما دونها ، وهناك لا تردد في حد المسافة ، وإنما التردد في أن المسافة المحدودة تبلغ ثمانية أو لا تبلغ ، والفرق بينهما ظاهر.

نعم نظير المقام : ما لو قصد مكان ضالته الذي لا يعلم أنه في الكوفة أو في الحلة أو في ذي الكفل ، نظراً الى أن المتردد فيه حدود المسافة. ولذا تقدم وجوب التمام على المسافر المذكور ، وان كان مقصده الإجمالي ينطبق واقعاً على نهاية مسافة.

وبالجملة : تارة : يكون المسافر متردداً في حد ذات الزمان الذي يقيم فيه ، وأنه الأقل أو الأكثر ، وإن كان جازماً بعنوانه من حيث المقدار على كل من تقديري الأقل والأكثر ، كما إذا كان عالماً بأن الزمان الذي يقيم فيه إن كان منتهاه يوم الجمعة فهو تسعة أيام ، وإن كان منتهاه يوم السبت فهو عشرة أيام ، ولكنه متردد في حده ، وأنه الجمعة أو السبت. وفي هذه الصورة يجب البقاء على التقصير واقعاً ، لعدم تحقق قصد الإقامة منه في زمان هو عشرة أيام ، لاحتمال انتهاء الإقامة بيوم الجمعة لا يوم السبت.

وأخرى : يكون جازماً بحد الزمان الذي يقيم فيه ، وهو يوم السبت في المثال ، وان كان متردداً في انطباق عنوان العشرة أيام عليه ، لتردده في اليوم الذي بدأ فيه الإقامة ، كما لو دخل البلد عند الزوال ، وهو لا يدري أن اليوم يوم الأربعاء أو الخميس ، فنوى الإقامة إلى زوال السبت ، وتبين أن يوم دخوله كان هو الأربعاء. وفي هذه الصورة يجب عليه التمام ، لتحقق قصد الإقامة منه في زمان هو عشرة أيام في الواقع ، وإن لم يدر أن ذات الزمان معنون بعنوان عشرة أيام ، لأن الغرض من ذكر العشرة تحديد الأمد فلا يلزم ملاحظتها موضوعاً للقصد. وكذا الحال إذا نوى الإقامة إلى آخر الشهر ، وكان متردداً في أن النية كانت في زوال يوم العشرين أو زوال‌

١٢٣

( مسألة ١٤ ) : إذا قصد المقام إلى آخر الشهر ـ مثلا ـ وكان عشرة كفى ، وإن لم يكن عالماً به حين القصد ، بل وإن كان عالماً بالخلاف. لكن الأحوط في هذه المسألة أيضاً الجمع بين القصر والتمام بعد العلم بالحال ، لاحتمال اعتبار العلم حين القصد.

( مسألة ١٥ ) : إذا عزم على إقامة العشرة ، ثمَّ عدل عن قصده ، فان كان صلى مع العزم المذكور رباعية بتمام بقي على التمام ما دام في ذلك المكان [١]. وإن لم يصل أصلا ، أو‌

______________________________________________________

الواحد والعشرين. أما إذا علم أنه زوال العشرين ، ولكن كان متردداً في أن الشهر ناقص أو كامل فعليه القصر ، كما عرفت.

وهذا التفصيل الذي ذكرناه في قصد الإقامة بعينه جار في قصد المسافة وأنه إن كانت ذات المسافة المقصودة معلومة الحد ، وإنما الشك في انطباق عنوان الثمانية فراسخ عليها ، وجب القصر. وإن كانت مجهولة الحد ، وأنه الموضع الفلاني أو الموضع الفلاني وجب التمام ، وان علم العنوان على تقدير أن يكون الحد هو الموضع الخاص. ومن ذلك تعرف الاشكال فيما ذكر في المسألة الآتية.

[١] بلا خلاف ، كما عن جماعة بل عن جماعة : الإجماع عليه. لصحيح أبي ولاد : « قلت لأبي عبد الله (ع) : إني كنت نويت حين دخلت المدينة أن أقيم بها عشرة أيام ، وأتم الصلاة ، ثمَّ بدا لي بعد أن لا أقيم بها ، فما ترى لي أتم ، أم أقصر؟ قال (ع) : إن كنت دخلت المدينة ، وصليت بها صلاة فريضة واحدة بتمام ، فليس لك أن تقصر حتى تخرج منها. وإن كنت حين دخلتها على نيتك التمام ، ولم تصل فيها صلاة فريضة واحدة بتمام حتى بدا لك أن لا تقيم ، فأنت في تلك الحال بالخيار ، إن شئت فانو المقام‌

١٢٤

صلى مثل الصبح والمغرب ، أو شرع في الرباعية. لكن لم يتمها وإن دخل في ركوع الركعة الثالثة ، رجع الى القصر [١].

______________________________________________________

عشراً وأتم ، وإن لم تنو المقام فقصر ما بينك وبين شهر. فاذا مضى لك شهر فأتم الصلاة » (١) مضافاً إلى إطلاق نصوص الإقامة ، لتعليق التمام فيها على مجرد نية الإقامة ولو حدوثاً ، ولا مقيد لها بصورة البقاء.

وخبر حمزة بن عبد الله الجعفري : « لما نفرت من منى نويت المقام بمكة ، فأتممت الصلاة ، ثمَّ جاءني خبر من المنزل ، فلم أجد بداً من المصير إلى المنزل ، ولم أدر أتم أم أقصر ، وأبو الحسن (ع) يومئذ بمكة ، فأتيته وقصصت عليه القصة ، فقال (ع) : ارجع الى التقصير » (٢) لا يصلح لمعارضة ما سبق ، لوهنه في نفسه بإهمال الجعفري ، وبإعراض الأصحاب عنه.

ثمَّ إن التفصيل المذكور إنما هو للعدول في الأثناء. أما لو كان بعد تمام العشرة بقي على التمام ، وإن لم يصل فريضة بتمام.

[١] لأن الظاهر من الشرط في الشرطية الثانية أن لا يفرغ من صلاة فريضة تامة غير مقصورة ، وهو حاصل في جميع الفروض المذكورة. بل لا اشكال فيه بالنسبة إلى الأول. وكذا الثاني ، وإن احتمل في الحدائق : كون المراد من الشرط في الأولى أن يصلي فريضة مطلقاً ، بعد قصد التمام في المقصورات. إذ هو احتمال غريب ، ولذا جعله بعيداً ، وجعل الظاهر خلافه. وكذا في الثالث ، وان كان ظاهر محكي المبسوط وغيره : الاكتفاء بمجرد الشروع في الرباعية ، وإن لم يدخل في ركوع الثالثة. وكأنه حملاً للنص على ما يعم الشروع في الرباعية بقصد التمام. أو لدعوى انصراف النص عن مثله ، فالمرجع فيه إطلاق التمام على المقيم ، أو استصحابه ، بناء على‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٨ من أبواب صلاة المسافر حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٨ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٢.

١٢٥

وكذا لو أتى بغير الفريضة الرباعية ، مما لا يجوز فعله للمسافر كالنوافل والصوم ونحوهما ، فإنه يرجع الى القصر مع العدول.

______________________________________________________

كونه المرجع ، دون عموم القصر.

وفيه : أن الانصراف ممنوع. وعن التذكرة والمختلف : الاكتفاء بالدخول في ركوع الثالثة ، لأنه يلزم من الرجوع الى القصر ابطال العمل المنهي عنه. وفيه : أن تحريم الابطال لا ينافي سببية العدول لتبدل الحكم ، فيكون انبطالا لا إبطالا. وأما عدم اندراجه في قوله (ع) : « وإن شئت فانو المقام وأتم » حيث لا يتصور التخيير بين القصر والتمام ، بعد ما بدا له بعد الركوع الثالث ، من جهة تعذر جعل صلاته قصراً. فغير ظاهر لإمكان القصر له بالاستئناف. وأضعف من ذلك : الاكتفاء بمجرد القيام إلى الثالثة وكون الزيادة عمدية مبطلة لو بني على القصر ـ لو سلم لا يجدي في الاكتفاء المذكور بعد صدق عدم الصلاة تماماً. ومما ذكرنا يظهر وجه الحكم في بقية الفروض.

نعم قد يدعى : أن ذكر الصلاة تماماً مبني على الغالب ، والمراد مجرد فعل ما هو من أحكام الإقامة ، بأن يشرع في الرباعية بقصد إتمامها أربعاً كما أشرنا إليه في توجيه ظاهر محكي المبسوط وغيره. أو يدعى : أن فعل ذلك إما أن يحكم بصحته ، أو ببطلانه. لا سبيل الى الثاني ، للأمر به واقعاً فيتعين الأول. ولا بد أن يكون من جهة الحكم بصحة الإقامة. وقد تقدم أنها من قواطع السفر ، فاذا صحت احتيج في جواز التقصير إلى إحداث سفر جديد ، ولا يكفي فيه العدول عن نية الإقامة. وفي الأول : أنه خروج عن الظاهر من غير وجه ظاهر. وفي الثاني : ( أولا ) : النقض بصورة ما لو كان العدول قبل فعل شي‌ء ، فإنه قبل العدول آناً ما محكوم بأحكام الحاضر ، فيكشف ذلك عن صحة إقامته. ولازمه عدم الرجوع الى‌

١٢٦

نعم الأولى الاحتياط مع الصوم ، إذا كان العدول عن قصده بعد الزوال. وكذا لو كان العدول في أثناء الرباعية ، بعد الدخول في ركوع الركعة الثالثة ، بل بعد القيام إليها ، وإن لم يركع بعد.

( مسألة ١٦ ) : إذا صلى رباعية بتمام ، بعد العزم على‌

______________________________________________________

التقصير بمجرد العدول ، مع أنه خلاف الإجماع. ( وثانياً ) : إن ما ذكر أشبه بالاجتهاد في قبال النص ، فان صحيح أبي ولاد يدل على الرجوع الى التقصير بمجرد العدول إذا لم يكن صلى تماماً ، وإن لم يحدث سفراً جديداً فكيف يبني على رفع اليد عن مدلوله لما ذكر؟!.

ثمَّ إن في إلحاق الصوم الواجب بالفريضة في البقاء على التمام أقوالا : الإلحاق بمجرد الشروع فيه ، حكي عن العلامة في جملة من كتبه ، وعن الموجز الحاوي ، وغاية المرام ، وإرشاد الجعفرية ، والمقاصد العلية ، والمسالك وغيرها. وعلل : بتحقق أثر النية. والإلحاق بشرط الرجوع عن نية الإقامة بعد الزوال ، نسب إلى جامع المقاصد ، وفوائد الشرائع ، والتنقيح ، والهلالية وغيرها. وعلل : بأنه ـ لأجل عدم جواز الإفطار حينئذ ـ بمنزلة ما لو رجع بعد الغروب. والإلحاق بشرط أن يكون العدول بعد الغروب ، نسب إلى جماعة. وعلل : بأن المراد من الفريضة التامة مطلق العمل التام ، ولما يستفاد من رواية معاوية بن وهب ، من أن الصوم والصلاة واحد (١). والجميع ـ كما ترى ـ خروج عن ظاهر النص بلا قرينة. وأما رواية معاوية فظاهرة في اتحادهما في الترخص وعدمه ، وأنه إذا أفطر قصر ، وإذا قصر أفطر ، وليست متعرضة لما نحن فيه. فالأقوى عدم الإلحاق ، كما عن مجمع الفائدة ، والمدارك ، والكفاية ، والذخيرة ، والحدائق ، والرياض وغيرها.

__________________

(١) تقدم ذلك في المسألة : ٣١ من فصل صلاة المسافر.

١٢٧

الإقامة ، لكن مع الغفلة عن اقامته ، ثمَّ عدل ، فالظاهر كفايته في البقاء على التمام [١]. وكذا لو صلاها تماماً لشرف البقعة [٢] كمواطن التخيير ، ولو مع الغفلة عن الإقامة [٣]. وإن كان الأحوط الجمع بعد العدول حينئذ. وكذا في الصورة الأولى.

( مسألة ١٧ ) : لا يشترط في تحقق الإقامة كونه مكلفاً بالصلاة [٤] ، فلو نوى الإقامة وهو غير بالغ ، ثمَّ بلغ في أثناء العشرة ، وجب عليه التمام في بقية الأيام. وإذا أراد التطوع بالصلاة قبل البلوغ يصلي تماماً [٥]. وكذا إذا نواها وهو مجنون [٦] ، إذا كان ممن يتحقق منه القصد ، أو نواها حال الإفاقة ، ثمَّ جن ، ثمَّ أفاق [٧].

______________________________________________________

[١] لإطلاق الصحيح المتقدم. ودعوى : انصرافه الى خصوص صورة الفعل ، جرياً على نية الإقامة. ممنوعة ، بل الانصراف بدوي لا يعول عليه في رفع اليد عن الإطلاق.

[٢] للإطلاق أيضاً. لكن لا تبعد دعوى الانصراف الى خصوص صورة كون الصحة من آثار نية الإقامة. إلا أن يقال : الصحة في المقام مستندة إلى نية الإقامة ، غاية الأمر أنه لو لا النية لصحت أيضاً من جهة الخصوصية في المكان ، فالصحة لها سببان على البدل.

[٣] لا يمكن فرض ذلك في حال الالتفات ، بل لا بد فيه من الغفلة‌

[٤] لإطلاق الأدلة. والاشكال في قصد الصبي قد عرفت دفعه في قصد المسافة. ثمَّ إنه لا يطرد في صورة العلم بالإقامة عشرة أيام.

[٥] لأنه كالبالغ في كيفية العمل ، سواء أكانت أعماله شرعية أم تمرينية‌

[٦] للإطلاق.

[٧] إذ الجنون ـ لو سلم كونه رافعاً للقصد ـ لا يقدح عروضه ،

١٢٨

وكذا إذا كانت حائضاً حال النية [١] ، فإنها تصلي ما بقي بعد الطهر من العشرة تماماً. بل إذا كانت حائضاً تمام العشرة يجب عليها التمام ، ما لم تنشئ سفراً.

( مسألة ١٨ ) : إذا فاتته الرباعية بعد العزم على الإقامة ثمَّ عدل عنها بعد الوقت ، فان كانت مما يجب قضاؤها ، وأتى بالقضاء تماماً ثمَّ عدل ، فالظاهر كفايته في البقاء على التمام [٢]. وأما إن عدل قبل إتيان قضائها أيضاً فالظاهر العود إلى القصر ، وعدم كفاية استقرار القضاء عليه تماماً. وإن كان الأحوط الجمع حينئذ ، ما دام لم يخرج. وإن كانت مما لا يجب قضاؤه كما إذا فاتت لأجل الحيض ، أو النفاس ، ثمَّ عدلت عن النية ، قبل إتيان صلاة تامة ، رجعت إلى القصر. فلا يكفي مضي وقت الصلاة في البقاء على التمام [٣].

( مسألة ١٩ ) : العدول عن الإقامة قبل الصلاة تماماً قاطع لها من حينه ،

______________________________________________________

لعدم الدليل على اعتبار استمرار القصد ، وإنما دل على قدح التردد والبداء ولذا لا يقدح النوم ، ولا النسيان.

[١] للإطلاق.

[٢] للإطلاق. إذ اعتبار خصوص الأداء لا وجه له. والانصراف إليه بدوي.

[٣] كما عن الذكرى. لصدق أنه لم يصل فريضة بتمام. وفي نجاة العباد لم يستبعد الاكتفاء ، تبعاً لما عن التذكرة وغيرها ، لاستقرارها في الذمة تماماً. وهو كما ترى.

١٢٩

وليس كاشفا عن عدم تحققها من الأول [١]. فلو فاتته حال العزم عليها صلاة أو صلوات أيام ، ثمَّ عدل قبل أن يصلي صلاة واحدة بتمام ، يجب عليه قضاؤها تماماً. وكذا إذا صام يوماً أو أياماً حال العزم عليها ، ثمَّ عدل قبل أن يصلي صلاة واحدة بتمام ، فصيامه صحيح. نعم لا يجوز له الصوم بعد العدول ، لأن المفروض انقطاع الإقامة بعده [٢].

( مسألة ٢٠ ) : لا فرق في العدول عن قصد الإقامة بين أن يعزم على عدمها ، أو يتردد فيها [٣] ، في أنه لو كان بعد الصلاة تماماً بقي على التمام ، ولو كان قبله رجع إلى القصر.

( مسألة ٢١ ) : إذا عزم على الإقامة فنوى الصوم ، ثمَّ عدل بعد الزوال قبل الصلاة تماماً ، رجع إلى القصر في صلاته [٤]. لكن صوم ذلك اليوم صحيح ، لما عرفت من‌

______________________________________________________

[١] لأن ظاهر الصحيح التعرض للبقاء على التمام ، لا لأصل الحدوث فإطلاق ما دل على أن حدوث نية الإقامة مطلقا كاف في وجوب التمام محكم بلا معارض. مضافاً الى أن فعل الفريضة لو كان شرطاً في صحة الإقامة لزم الدور ، لأن نية الإقامة شرط في صحة التمام والأمر به. فتأمل.

[٢] على ما عرفت : من عدم الاكتفاء بالصوم في البقاء على التمام.

[٣] لما في ذيل الصحيح المتقدم : من أن البقاء على التمام مشروط بالبقاء على النية ، فإذا لم ينو الإقامة ـ ولو كان متردداً ـ وجب القصر ، إذا لم يصل فريضة بتمام (١)

[٤] لما عرفت.

__________________

(١) راجع المسألة : ١٥ من هذا الفصل.

١٣٠

أن العدول قاطع من حينه ، لا كاشف ، فهو كمن صام ، ثمَّ سافر بعد الزوال [١].

( مسألة ٢٢ ) : إذا تمت العشرة لا يحتاج في البقاء على التمام إلى إقامة جديدة. بل إذا تحققت بإتيان رباعية تامة كذلك ، فما دام لم ينشئ سفراً جديداً يبقى على التمام [٢].

( مسألة ٢٣ ) : كما أن الإقامة موجبة للصلاة تماماً ، ولوجوب ـ أو جواز ـ الصوم ، كذلك موجبة لاستحباب النوافل الساقطة حال السفر ، ولوجوب الجمعة ، ونحو ذلك من أحكام الحاضر [٣].

( مسألة ٢٤ ) : إذ تحققت الإقامة وتمت العشرة أولا وبدا للمقيم الخروج إلى ما دون المسافة ولو ملفقة ، فللمسألة صور :

الأولى : أن يكون عازماً على العود إلى محل الإقامة‌

______________________________________________________

[١] لإطلاق الأخبار الدالة على أن من سافر بعد الزوال أتم صومه مثل صحيح ابن مسلم : « إذا سافر الرجل في شهر رمضان ، فخرج بعد نصف النهار ، عليه صيام ذلك اليوم » (١) فإنه ظاهر الشمول لما نحن فيه. كما أن مقتضى استصحاب وجوب الصوم ذلك. لكن في الاعتماد عليه ، في قبال عموم وجوب الإفطار على المسافر إشكال ظاهر. فلاحظ.

[٢] أما في الأول فلإطلاق ما دل على أن نية الإقامة موجبة للتمام. وأما في الثاني فللتصريح في صحيح أبي ولاد بوجوب الإتمام حتى يخرج (٢) [٣] لما عرفت من انها من قواطع السفر ، وأن المقيم في البلد بمنزلة أهله.

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب من يصح الصوم منه حديث : ١.

(٢) تقدم في المسألة : ١٥ من هذا الفصل.

١٣١

واستئناف إقامة عشرة أخرى. وحكمه : وجوب التمام [١] في الذهاب ، والمقصد ، والإياب ، ومحل الإقامة الأولى. وكذا إذا كان عازماً على الإقامة في غير محل الإقامة الأولى ، مع عدم كون ما بينهما مسافة [٢].

الثانية : أن يكون عازماً على عدم العود إلى محل الإقامة وحكمه : وجوب القصر إذا كان ما بقي من محل إقامته إلى‌

______________________________________________________

[١] إجماعاً ، كما عن الروض ، والمقاصد العلية ، والمصابيح. وعن الغرية : عليه عامة الأصحاب. وعن الصيمري في كشف الالتباس : انه لا شك ولا خلاف فيه. وعن مجمع البرهان : ان دليله واضح لا إشكال فيه. ووجهه : ما عرفت ، من كون الإقامة قاطعة لموضوع السفر ، فالرجوع إلى القصر بعدها محتاج إلى سفر جديد ، وهو غير حاصل في الفرض. بل لو قلنا بكونها قاطعة لحكمه تعين أيضاً البناء على التمام ، بناء على الرجوع في مثل المقام الى استصحاب حكم المخصص ، لا عموم أدلة القصر.

وعن بعض : وجوب القصر ، ونسب الى المقدس البغدادي (ره) ، والشيخ محمد طه نجف (ره) وكأنه لبنائهم على كون الإقامة رافعة لحكم السفر ، لا قاطعة لنفسه ، وعلى كون المرجع في مثل المقام عموم أدلة التقصير ، لا استصحاب التمام. أو على إطلاق الخروج في صحيح أبي ولاد (١) وكلاهما ضعيف. إذ الأول عرفت حاله في شروط المسافة. والثاني ـ لو سلم ـ لا مجال للأخذ به بعد البناء على قاطعية الإقامة للسفر ، للإجماع على عدم جواز التقصير لغير المسافر.

[٢] كما نص عليه في محكي مجمع البرهان وغيره ، لجريان ما سبق فيه لكونهما من باب واحد.

__________________

(١) تقدم في المسألة : ١٥ من هذا الفصل.

١٣٢

مقصده مسافة [١] ، أو كان مجموع ما بقي مع العود إلى بلده أو بلد آخر مسافة ، ولو كان ما بقي أقل من أربعة ، على الأقوى من كفاية التلفيق ، ولو كان الذهاب أقل من أربعة [٢].

الثالثة : أن يكون عازماً على العود إلى محل الإقامة ، من دون قصد إقامة مستأنفة ، لكن من حيث أنه منزل من منازله في سفره الجديد. وحكمه : وجوب القصر أيضاً في الذهاب ، والمقصد ، ومحل الإقامة [٣].

______________________________________________________

[١] يعني : إذا كان ما بين محل إقامته ومقصده مسافة. والتعبير عنه بما بقي بلحاظ سفره قبل نية الإقامة. وفي الجواهر : « الظاهر أنه لا خلاف فيه ، فان الباحثين عنها والمتعرضين لها اتفقوا على ذلك ، من دون نقل خلاف ، ولا إشكال ، بل اعترف بعضهم بظهور الاتفاق عليها » ، ويقتضيه ما دل على وجوب القصر على المسافر ، من دون معارض. وهذا مما لا إشكال فيه. نعم في جعل هذا من صور مسألة الخروج الى ما دون المسافة ولو ملفقة ـ كما في المتن ـ غير ظاهر.

[٢] لكن عرفت إشكاله في مبحث التلفيق. هذا بالنسبة إلى الرجوع الى بلده. أما بالنسبة إلى الرجوع إلى غير بلده ، فليس هو من التلفيق ، بل يجري عليه حكم الامتداد ، فإنه نوع منه. إذ لا يعتبر استقامة خط السير ، بل يشمل غير المستقيم أيضاً.

[٣] كما عن الشيخ ، والقاضي ، والحلبي ، والعلامة في كثير من كتبه وغيرهم ، بل عن الشهيد : نسبته إلى المتأخرين. وهو إنما يتم بناء على ضم الذهاب مطلقاً ـ ولو كان دون الأربعة ـ إلى الإياب. أما بناء على عدمه ، واعتبار كون الذهاب أربعة ، فغير ظاهر ، لان المفروض كون‌

١٣٣

______________________________________________________

الذهاب الى المقصد دون الأربعة. ودعوى : كفاية قصد السفر بالإياب ، فهو من حين خروجه عن محل الإقامة يصدق أنه مسافر ، بلحاظ قصد الإياب ، فيجب عليه التقصير. مندفعة : بما عرفت في أحكام المسافة ، من أن ظاهر الأدلة اعتبار السير في المسافة في وجوب التقصير ، فاذا لم يكن السير الذهابي جزءاً من السفر الموجب للقصر ، لم يشرع القصر حاله. ولذا حكي عن جماعة : الاقتصار في وجوب التقصير على الإياب ، ومحل الإقامة وأوجبوا التمام في الذهاب ، والمقصد.

وهذا القول وإن كان أقرب من الأول إلى القواعد ، لعدم ورود الاشكال المتقدم فيه. إلا أنه استشكل فيه أيضاً جماعة : بأن جعل الشروع في الإياب شروعاً في السفر يتوقف على ضم الإياب إلى الخروج ثانياً عن محل الإقامة ، وكونهما سفراً واحداً عرفاً ، وهو لا يطرد في جميع الصور. ولذا فصل ـ في المتن وغيره ـ بين الصورة الثالثة والرابعة ، فأوجب القصر في الإياب في الاولى ، والتمام فيه في الثانية ، لأنه يصدق على الإياب والخروج عن محل الإقامة أنهما سفر واحد عرفاً في الاولى ، ولا يصدق ذلك عليهما في الثانية.

وفيه : أن عدم الصدق في الثانية مبني على المسامحة ، إذ لا ينبغي التأمل في كون المسافر عند شروعه في الإياب قاصداً للسفر إلى بلده حقيقة ، غاية الأمر أنه ـ بلحاظ كونه لما لم يقض وطره من محل الإقامة ـ يقال ـ بنحو من العناية ـ إنه ذاهب إلى محل الإقامة ، لا إلى بلده. وهذا المقدار لا يدور عليه الحكم. ونظيره : من خرج من وطنه لحاجة له في موضع على رأس ثلاثة فراسخ ، لكنه لا يتمكن من النزول فيه عند الوصول اليه ، لعدم وقوف القطار فيه مثلا ، بل كان يقف على رأس أربعة فراسخ ، فإنه إذا وقف القطار على رأس الأربعة فرجع الى مقصده ، يقال عند شروعه في الرجوع‌

١٣٤

______________________________________________________

إليه : أنه قاصد السفر إلى المقصد ، لا إلى بلده ، مع أنه لا يظن من أحد التوقف في وجوب القصر عليه في الذهاب ، والإياب ، لما ذكرنا من كونه قاصداً حقيقة الرجوع إلى بلده ، وان كان يمر بمقصده. ولذا اتفق النص والفتوى على انحصار قواطع السفر بالمرور بالوطن ، والإقامة عشراً ، والتردد ثلاثين يوماً. بل من ضروريات نصوص الإقامة : أن الإقامة دون عشرة في الضياع والقرى المملوكة لا يقطع السفر ، ولا يقدح في اتصال السفر قبلها بما بعدها على أي نحو كانت ، فكيف يكون المقام في موضع الإقامة قاطعاً في المقام؟! فتأمل جيداً. فاذاً التفصيل المذكور لا يخلو من إشكال.

مضافاً الى ما يمكن أن يشكل به على أصل الحكم بالتقصير في الإياب بجميع صوره ، وذلك أنه بناء على كون الإقامة قاطعة لنفس السفر المأخوذ موضوعاً لوجوب التقصير ، لا بد في جواز التقصير من قصد السفر عن محل الإقامة ، بحيث يكون الكون في محل الإقامة خارجاً عنه. وهذا المعنى إنما ينطبق على الخروج عن محل الإقامة كلية بعد العود اليه ، ولا ينطبق على الإياب إليه ، لأن انطباقه على الإياب يلازم كون المرور بمحل الإقامة جزءاً من السفر عنه ، وقد عرفت أنه غير جائز. فالقول بالتمام في الذهاب والمقصد ، والإياب ، ومحل الإقامة ، الى أن يخرج عنه كلية ـ كما عن غير واحد من متأخري المتأخرين ، وفاقاً لما عن العلامة في جواب المسائل المهنائية ونسب الى ولده في بعض الحواشي ـ في محله. وما عن غير واحد : من نفي الخلاف في وجوب القصر في الإياب ، أو دعوى الإجماع عليه. ليس بنحو يصلح أن يعتمد عليه في رفع اليد عما تقتضيه القواعد. ومن ذلك تعرف حال الصورة الرابعة.

اللهم إلا أن يقال : لا دليل على اعتبار تحقق السفر عن محل الإقامة في المترخص ، بل اللازم ـ بعد البناء على قاطعية الإقامة للسفر ـ اعتبار‌

١٣٥

الرابعة : أن يكون عازماً على العود إليه من حيث أنه محل إقامته ، بأن لا يكون حين الخروج معرضاً عنه ، بل أراد قضاء حاجة في خارجه والعود إليه ، ثمَّ إنشاء السفر منه ولو بعد يومين ، أو يوم ، بل أو أقل. والأقوى في هذه الصورة البقاء على التمام في الذهاب ، والمقصد ، والإياب ، ومحل الإقامة ما لم ينشئ سفراً. وإن كان الأحوط الجمع في الجميع ، خصوصاً في الإياب ، ومحل الإقامة.

الخامسة : أن يكون عازماً على العود الى محل الإقامة ، لكن مع التردد في الإقامة بعد العود وعدمها. وحكمه أيضاً وجوب التمام [١]. والأحوط الجمع ، كالصورة الرابعة.

السادسة : أن يكون عازماً على العود ، مع الذهول عن‌

______________________________________________________

تحقق السفر غير السفر السابق المنقطع بالإقامة ، وهذا متحقق في المقام وفيه : أن ظاهر صحيح أبي ولاد (١) اعتبار السفر عن محل الإقامة ، والخروج عنه مسافراً ، بحيث يكون خط السير في خارجه.

[١] كما عن المدارك ، والذخيرة ، والمصابيح. أما بناء على الاشكال المتقدم فظاهر. وأما بناء على القصر في الإياب في الصورة الثالثة ، فلعدم قصد السفر به ، لأن التردد في الإقامة تردد في السفر غير المنقطع بها ، ومعه لا بد من التمام ، كما تقدم في الشرط الرابع من شروط القصر. ومن ذلك يظهر ضعف ما عن الغرية وإرشاد الجعفرية. من الحكم بالقصر ، وعن فوائد الشرائع وحاشية الإرشاد : انه الأقوى ، وما عن جامع المقاصد والجعفرية : من أن فيه وجهين.

__________________

(١) تقدم في المسألة : ١٥ من هذا الفصل.

١٣٦

الإقامة وعدمها. وحكمه أيضا : وجوب التمام [١]. والأحوط الجمع ، كالسابقة.

السابعة : أن يكون متردداً في العود وعدمه [٢] ،

______________________________________________________

[١] يظهر وجهه مما سبق في الصورة الخامسة ، لأن الذهول عن الإقامة وعدمها مناف لقصد السفر ، كالتردد فيها هناك ، بناء على وجوب القصر في الإياب. أما بناء على وجوب التمام فيه ، فوجه التمام أظهر.

[٢] عدم العود تارة : يكون بمعنى الإقامة في المقصد ، وأخرى : بمعنى السفر إلى أهله. فعلى الأول يكون محصل الفرض : أنه قصد الذهاب الى المقصد ، متردداً بين الإقامة فيه والعود الى محل الإقامة. وينبغي الجزم بوجوب التمام في الذهاب ، لأن التردد في الإقامة مانع من الترخص فيه ، سواء أكان قاصداً ـ على تقدير العود ـ الإقامة في محل الإقامة ثانياً ، أم الذهاب إلى أهله ، أم تردد في ذلك. وعلى الثاني فاما أن يكون بناؤه ـ على تقدير العود ـ الإقامة في محل الإقامة ثانياً ، وإما أن يكون بناؤه ـ على تقديره ـ السفر إلى أهله ، أو تردد في ذلك. فعلى الأول يكون محصل الفرض : أنه سافر إلى المقصد ، متردداً بين الذهاب منه الى أهله ، وبين العود والإقامة. وينبغي الجزم بوجوب التمام أيضاً في الذهاب ، لما عرفت من أن التردد في الإقامة مانع عن القصر. وكذا لو كان متردداً في الإقامة ولا فرق في ذلك بين القول بالترخص في الإياب في الصورة الثالثة والرابعة والقول بالتمام فيه. وعلى الثاني يكون محصل الفرض : أنه سافر إلى المقصد متردداً بين السفر منه إلى أهله وبين العود الى محل الإقامة والذهاب منه إلى أهله. وينبغي الجزم بأن حكمه التمام في الذهاب ، على تقدير كون رجوعه إلى محل الإقامة من قبيل الرجوع إليه في الصورة الرابعة ، وأن حكمه القصر لو كان من قبيل الرجوع إليه في الصورة الثالثة ، بناء على القصر في الإياب‌

١٣٧

أو ذاهلا عنه [١]. ولا يترك الاحتياط بالجمع فيه في الذهاب والمقصد ، والإياب ، ومحل الإقامة ، إذا عاد إليه إلى أن يعزم على الإقامة ، أو ينشئ السفر. ولا فرق في الصور التي قلنا فيها بوجوب التمام بين أن يرجع الى محل الإقامة في يومه ،

______________________________________________________

فيها. أما بناء على التمام فيه فيهما ـ بناء على الاشكال المتقدم ـ فالحكم التمام هنا على التقديرين ، لعدم تحقق قصد السفر الخارج عن محل الإقامة.

وهذا الكلام كله في الذهاب. وقد عرفت أنه قد يجب فيه التمام ، وقد يجب فيه القصر. كما أن وجوب القصر ـ على تقديره ـ مبني على القول بالضم مطلقاً. أما بناء على اعتبار الأربعة في جواز الضم فلا مجال للقصر فيه في جميع الصور. وأما الإياب فلا يعرف حكمه إلا بعد الشروع فيه ، ليعلم أنه كان بأي قصد. وحينئذ يعرف حكمه مما سبق في الصور السابقة. لكن لا بد من ملاحظة ما يأتي في ذيل المسألة الخامسة والعشرين ، فقد يجب فيه القصر ، مع وجوب التمام فيه فيما سبق ، وذلك إذا انقطعت الإقامة في الذهاب ، حيث يجب فيه التقصير. فلاحظ.

[١] الذهول عن العود إن كان بمعنى الذهول عنه وعما ينافيه ـ من الإقامة في المقصد ، والسفر منه الى أهله ـ فهو يلازم عدم قصد السفر إلا إلى المقصد. وحينئذ فلا بد من التمام فيه ، لعدم قصد المسافة الموجبة للقصر وإن كان بمعنى الغفلة عنه فقط ، بأن عزم على السفر إلى المقصد ومنه إلى أهله ، أو بنى على الإقامة فيه ، أو تردد بين الأمرين ، وجب القصر في الذهاب في الأول ، والتمام في الأخيرين. هذا حكم الذهاب. وأما الإياب فلا يعرف حكمه إلا بعد الشروع فيه ، كما سبق. ومما ذكرنا كله تعرف أنه لا وجه ظاهر لتوقف المصنف (ره) عن الفتوى في هذه المسألة ، مع ما عرفت من وضوح حكمها في جميع الصور.

١٣٨

أو ليلته ، أو بعد أيام [١].

هذا كله إذا بدا له الخروج إلى ما دون المسافة ، بعد العشرة أو في أثنائها ، بعد تحقق الإقامة. وأما إذا كان من عزمه الخروج في حال نية الإقامة ، فقد مر [٢] أنه إن كان من قصده الخروج والعود عما قريب. وفي ذلك اليوم ، من غير أن يبيت خارجاً عن محل الإقامة ، فلا يضر بقصد اقامته ويتحقق معه ، فيكون حاله بعد ذلك حال من بدا له. وأما إن كان من قصده الخروج إلى ما دون المسافة في ابتداء نيته ، مع البيتوتة هناك ليلة أو أزيد ، فيشكل معه تحقق الإقامة. والأحوط الجمع من الأول إلى الآخر. إلا إذا نوى الإقامة بدون القصد المذكور جديداً ، أو يخرج مسافراً.

( مسألة ٢٥ ) : إذا بدا للمقيم السفر ، ثمَّ بدا له العود إلى محل الإقامة والبقاء عشرة أيام ، فإن كان ذلك بعد بلوغ أربعة فراسخ ، قصر في الذهاب ، والمقصد ، والعود [٣]. وإن كان قبله فيقصر حال الخروج [٤] ـ بعد التجاوز عن حد الترخص ـ [٥] إلى حال العزم على العود ، ويتم عند‌

______________________________________________________

[١] لأن التفصيل بين الأمرين إنما قيل به في قصد المسافة التلفيقية ، لا فيما نحن فيه.

[٢] قد مر الكلام فيه.

[٣] لكونه مسافراً في الجميع ، كالخارج من وطنه.

[٤] لكونه شارعاً في سفر مقصود له.

[٥] على ما تقدم.

١٣٩

العزم عليه [١]. ولا يجب عليه قضاء ما صلى قصراً [٢]. وأما إذا بدا له العود ، بدون إقامة جديدة ، بقي على القصر حتى في محل الإقامة ، لأن المفروض الاعراض عنه [٣]. وكذا لو ردته الريح ، أو رجع لقضاء حاجة ، كما مر سابقاً [٤].

( مسألة ٢٦ ) : لو دخل في الصلاة بنية القصر ، ثمَّ بدا له الإقامة في أثنائها أتمها ، وأجزأت [٥]. ولو نوى الإقامة ودخل في الصلاة بنية التمام ، فبدا له السفر ، فان كان‌

______________________________________________________

[١] لأن العدول عن السفر مانع من البقاء على القصر ، لاعتبار استمرار قصده ، كما عرفت.

[٢] لما تقدم في المسألة الرابعة والعشرين من أول المبحث.

[٣] يعنى : فلا مجال لتوهم أن الرجوع الى موضع الإقامة ملحق بالإقامة السابقة ، لعدم منافاة هذا المقدار من الخروج لها ، فان الخروج حال الاعراض مانع عن ذلك ، ولا دليل على أن العدول عنه موجب للرجوع الى التمام ، فالمرجع عموم القصر.

[٤] في المسألة التاسعة والستين من الفصل الأول.

[٥] بلا خلاف ظاهر ، بل عن التذكرة ، وإرشاد الجعفرية ، وظاهر الذخيرة : الإجماع عليه. ويدل عليه ـ مضافاً الى إطلاق أدلة التمام على المقيم ـ صحيح علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه‌السلام : « عن الرجل يخرج في السفر ، ثمَّ يبدو له في الإقامة ، وهو في الصلاة. قال (ع) : يتم إذا بدت له الإقامة » (١) ونحوه خبر سهل (٢).

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب صلاة المسافر حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٢.

١٤٠