مستمسك العروة الوثقى - ج ٨

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٨

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٤

المعين ـ رمضاناً كان أو غيره ـ فلا يبطل بذلك. كما لا يبطل مطلق الصوم ـ واجباً كان أو مندوباً ، معيناً أو غيره ـ بالاحتلام في النهار [١]. ولا فرق في بطلان الصوم بالإصباح جنباً عمداً بين أن تكون الجنابة بالجماع في الليل أو الاحتلام [٢] ، ولا بين أن يبقى كذلك متيقظاً أو نائماً [٣] بعد العلم بالجنابة مع العزم على ترك الغسل [٤]. ومن البقاء على الجنابة عمداً :

______________________________________________________

منها عرفاً : كون الموضوع فيها كونه غير معين. لكن في جواز الاعتماد عليها إشكال ، بل منع. فأصل البراءة محكم ، كما أشرنا إليه سابقاً.

[١] بلا خلاف ، بل الإجماع بقسميه عليه ـ كما في الجواهر ـ بل لعله ضروري. ويدل عليه النصوص المستفيضة ، كصحيح عبد الله بن ميمون عن أبي عبد الله (ع) : « ثلاثة لا يفطرن الصائم : القي‌ء ، والاحتلام ، والحجامة » (١) وصحيح العيص : « أنه سأل أبا عبد الله (ع) عن الرجل ينام في شهر رمضان فيحتلم ، ثمَّ يستيقظ ، ثمَّ ينام قبل أن يغتسل قال (ع) : لا بأس » (٢) ونحوهما غيرهما.

[٢] كما صرح بكل منهما في جملة من النصوص ، كصحيحي الحلبي والبزنطي (٣) وغيرهما.

[٣] لإطلاق النص والفتوى. مع التصريح في جملة من النصوص بالثاني ، المقتضي لثبوت الحكم في الأول بطريق أولى‌ (٤)

[٤] كما يقتضيه ظاهر التعمد المذكور في صحيحي الحلبي والبزنطي.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٥ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣٥ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٣.

(٣) تقدما في أول الأمر الثامن مما يجب الإمساك عنه في الصوم.

(٤) لاحظ ما تقدم في أول الأمر الثامن.

٢٨١

الاجناب قبل الفجر متعمداً [١] في زمان لا يسع الغسل ولا التيمم. وأما لو وسع التيمم خاصة فتيمم ، صح صومه. وإن كان عاصياً في الاجناب [٢]. وكما يبطل الصوم بالبقاء على الجنابة متعمداً كذا يبطل بالبقاء على حدث الحيض والنفاس‌

______________________________________________________

[١] كما نص عليه في الجواهر وغيرها. وفي كلام بعض : نفي الاشكال فيه. وعن الخلاف : الإجماع عليه. لأن مورد النصوص المتقدمة وإن كان مختصاً بصورة كون البقاء جنباً بنفسه اختيارياً مع قطع النظر عن الحدوث ، إلا أن الظاهر منها : كون المفطر مجرد الاختيار في البقاء ولو بتوسط الاختيار في الحدوث ، كما في الفرض.

[٢] أما الصحة فلعموم بدلية التراب عن الماء ، الشامل لما نحن فيه. وما عن المنتهى وغيره : من المنع عن البدلية عن الغسل في المقام ـ وعن المدارك اختياره ـ لأن أدلة البدلية مثل قولهم (ع) : « التراب أحد الطهورين » ونحوه (١) ظاهر في قيام التيمم مقام الغسل أو الوضوء في ترتيب آثار الطهارة. ولم يظهر من نصوص المقام كون صحة الصوم منها ، بل الظاهر منها : كون نفس الغسل شرطاً في صحة الصوم ، لا الطهارة. فيه : أن الظاهر من دليل اعتبار الغسل : اعتباره من أجل اعتبار ما يترتب عليه من الطهارة ، لا من حيث هو.

ومثله في الضعف : ما قد يقال : من اختصاص أدلة البدلية بصورة اعتبار الطهارة المطلقة ، لا مطلق الطهارة ، ولو كان خصوص الطهارة من الجنابة. إذ فيه أيضاً : أن ذلك خلاف إطلاق أدلة البدلية.

ومثلهما في الضعف : ما قد يقال : من أن أدلة المقام إنما تدل على‌

__________________

(١) تقدم في فصل ما يصح التيمم به من الجزة : ٤ من هذا الشرح ، وكذا في مسألة : ٢٤ من فصل أحكام التيمم من الجزء المذكور ما يدل على ذلك. فراجع.

٢٨٢

______________________________________________________

قدح الجنابة في الصوم ، فيكون البطلان من آثار الجنابة ، ولما كان التحقيق أن التيمم ليس رافعاً لها ، لم يجد التيمم في تصحيح الصوم. وهذا وإن كان لا يخلو من وجه ، إلا أن الأوجه خلافه : أولا : من جهة اشتمال جملة من نصوص المقام على ذكر الغسل ، بنحو يكون مقتضى الجمود على ظاهرها : شرطية الغسل والطهارة ، لا مانعية الجنابة. وثانياً : من جهة أن الطهارة وإن كانت صفة وجودية ضد الحدث ، إلا أن المراد منها ـ في موضوعيتها للاحكام ـ الخلو من الحدث ، ولذا تضاف الى حدث معين ، فيقال : طاهر من الأكبر ، أو الأصغر ، أو من الجنابة أو من الحيض ، أو غير ذلك. ودليل البدلية ظاهر في ترتيب آثار الخلو من الحدث الخاص سواء ألوحظ الحدث مانعاً ، أم الخلو عنه شرطاً ، لرجوع الأول إلى الثاني ولأجل ذلك كان من الضروري صحة الصلاة مع التيمم ، مع تسالمهم على كون الحدث قاطعاً ، كما يقتضيه الجمود على ظاهر جملة من النصوص وهكذا الحال في الطهارة المقابلة للنجاسة ، فإنها يراد منها عدم النجاسة. ولذا يرجع إلى قاعدة الطهارة في الشبهة الموضوعية حتى في الموارد التي كان ظاهر الدليل مانعية النجاسة فيها.

وبالجملة : لو بني على فتح هذا الباب لأشكل الحكم في كثير من الغايات المترتبة على الطهارة من الحدث والخبث ، التي يكتفى في ترتيبها بالتيمم وأصالة الطهارة ، مع أن مقتضى الجمود على ظاهر أدلتها مانعية الحدث والنجاسة. فلاحظ باب حرمة دخول المساجد ، وقراءة العزائم على الجنب وغيرها. وتأمل.

وأما العصيان فمبني على عدم وفاء التيمم بتمام مصلحة الغسل. ويقتضيه الجمع العرفي بين إطلاق دليل الطهارة المائية وتقييد دليل الطهارة الترابية بتعذر الماء ، فان العرف في مثله يحكم : بأن الوجه في إطلاق الدليل الأول :

٢٨٣

إلى طلوع الفجر [١] ، فاذا طهرت منهما قبل الفجر وجب عليها الاغتسال أو التيمم ، ومع تركهما عمداً يبطل صومها ،

______________________________________________________

تعين المائية في مقام الوفاء بالمصلحة. وكذا الحال في سائر الابدال الاضطرارية. وقد أشرنا الى ذلك في غير مقام من كتاب الطهارة. فراجع.

[١] كما هو المشهور بين من تعرض له. بل عن جامع المقاصد : نفي الخلاف فيه.

ويدل عليه في الأول : موثق أبي بصير (١) عن أبي عبد الله (ع) : « قال : إذا طهرت بليل من حيضها ، ثمَّ توانت أن تغتسل في رمضان حتى أصبحت ، عليها قضاء ذلك اليوم » (٢) وعن المعتبر والذكرى : التردد فيه. بل عن نهاية الأحكام الميل الى العدم ، بل يستظهر من عدم التعرض له في كثير من كتب السيدين والشيخين وغيرهما. ويستدل له : بالأصل ، مع عدم صحة الرواية. وفيه ما لا يخفى. إذ يكفي في الحجية كونها من الموثق. ولا سيما وكونها من روايات بني فضال ، التي أمرنا بالخصوص بالأخذ بها.

وفي الثاني : القاعدة المجمع عليها ، من أن النفساء كالحائض. والكلام فيها تقدم في مبحث النفاس.

هذا ومقتضى عموم ما دل على وجوب الكفارة بتعمد المفطر : وجوب الكفارة أيضاً. لكن في المستند وغيره : عدمها. ووجهه غير ظاهر. وأصل البراءة لا مجال له مع الدليل.

__________________

(١) رواه الشيخ (ره) بإسناده عن علي بن الحسن ، عن علي بن أسباط ، عن عمه يعقوب ابن سالم الأحمر ، عن أبي بصير. ( منه قدس‌سره ). راجع التهذيب ج ١ صفحة ٣٩٣ طبع النجف الأشرف.

(٢) الوسائل باب : ٢١ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١.

٢٨٤

والظاهر : اختصاص البطلان بصوم رمضان [١]. وإن كان الأحوط إلحاق قضائه به أيضاً ، بل إلحاق مطلق الواجب ، بل المندوب أيضاً. وأما لو طهرت قبل الفجر في زمان لا يسع الغسل ولا التيمم ، أو لم تعلم بطهرها في الليل حتى دخل النهار فصومها صحيح [٢] ، واجباً كان أو ندباً على الأقوى.

( مسألة ٤٩ ) : يشترط في صحة صوم المستحاضة [٣]

______________________________________________________

[١] لاختصاص النص به ، والمرجع في غيره عموم حصر المفطر في غيرهما ، الموافق لأصل البراءة. ولأجل العموم المذكور يشكل البناء على قاعدة الإلحاق ، كما أشرنا إليه سابقاً.

ودعوى : كون المفهوم من الموثق المتقدم : منافاة حدث الحيض للصوم مطلقاً ، عهدتها على مدعيها. فما في نجاة العباد : من إلحاق غير شهر رمضان من النذر المعين ونحوه به ضعيف. نعم لا يبعد الإلحاق في قضاء رمضان. لظهور دليل القضاء في اتحاده مع المقضي في جميع الخصوصيات عدا الزمان.

[٢] لعدم الدليل على المفطرية حينئذ. لاختصاص الموثق المتقدم بصورة التواني عن الغسل ، غير الصادق فيما نحن فيه. وما في نجاة العباد : من تخصيص الصحة في الواجب المعين ، دون الموسع والمندوب ، ضعيف ونحوه : ما عن كشف الغطاء : من تخصيص الصحة بغير الموسع.

[٣] على المشهور شهرة عظيمة. بل عن جماعة : الإجماع عليه. ويدل عليه صحيح ابن مهزيار : « وكتبت اليه (ع) : امرأة طهرت من حيضها أو من دم نفاسها في أول يوم من شهر رمضان ، ثمَّ استحاضت ، فصلت وصامت شهر رمضان كله من غير أن تعمل ما تعمل المستحاضة ، من الغسل لكل صلاتين ، هل يجوز صومها وصلاتها أم لا؟ فكتب (ع) : تقضي‌

٢٨٥

ـ على الأحوط ـ الأغسال النهارية التي للصلاة [١] ، دون ما لا‌

______________________________________________________

صومها ، ولا تقضي صلاتها. لأن رسول الله (ص) كان يأمر فاطمة (ع) والمؤمنات من نسائه بذلك » (١) وإضماره لا يقدح ، كما تكرر غير مرة. وكذا اشتماله على ما لا يقول به الأصحاب من عدم قضاء الصلاة. لامكان التفكيك بين فقرات الحديث الواحد في الحجية. وكذا اشتماله على الأمر لفاطمة ـ التي تكاثرت الأخبار : بأنها (ع) لم تر حمرة أصلا ، لا حيضاً ولا استحاضة ـ لامكان أن يكون المراد منها بنت أبي حبيش. أو لكون الأمر لفاطمة الزهراء (ع) لأجل أن تعلم المؤمنات ، لا لعمل نفسها. ولا سيما وكون المحكي عن الفقيه والعلل روايته هكذا : « كان يأمر المؤمنات .. » (٢) ومن ذلك يظهر ضعف الوجه في توقف المصنف (ره) عن الجزم بالاشتراط.

[١] أقول : مقتضى الجمود على عبارة النص كون الوجه في فساد الصوم : ترك الغسل للصلاتين ، الظهرين والعشاءين ، إذ لا تعرض فيه لغسل الفجر. لكن الظاهر ـ بل المقطوع به ـ إرادة ترك الغسل للصلاة أصلا حتى للفجر. وحينئذ فبطلان الصوم عند ترك الجميع لا يدل على اعتبار كل واحد منها فيه ، وإنما يدل على اعتبارها في الجملة ، كلا أو بعضاً. ولما كان لا يحتمل اعتبار غسل العشاءين فقط ، بل التردد إنما هو في اعتبار غسل النهار فقط ، أو مع غسل الليل ، يكون غسل الليل مشكوك الشرطية ويكون المرجع فيه أصل البراءة ، على التحقيق من جريانه مع الشك في الشرطية ، كالجزئية.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١ ، باب : ٤١ من أبواب الحيض حديث : ٧.

(٢) الفقيه ج ١ صفحة ١٤٢ طبع النجف الأشرف. هذا والمذكور في الكافي ، والتهذيب وموضع أخر من الفقيه هو ما تقدم أولا. لاحظ الكافي ج ٤ صفحة ١٣٦ طبع إيران الحديثة والتهذيب ج ٤ صفحة ٣١٠ طبع النجف الأشرف ، والفقيه ج ٢ صفحة ٩٤ طبع النجف الأشرف.

٢٨٦

يكون لها. فلو استحاضت قبل الإتيان بصلاة الصبح أو الظهرين بما يوجب الغسل ـ كالمتوسطة [١] ، أو الكثيرة ـ فتركت الغسل بطل صومها. وأما لو استحاضت بعد الإتيان بصلاة الفجر ، أو بعد الإتيان بالظهرين ، فتركت الغسل إلى الغروب لم يبطل صومها [٢]. ولا يشترط فيها الإتيان بأغسال الليلة المستقبلة [٣] ، وإن كان أحوط. وكذا لا يعتبر فيها الإتيان‌

______________________________________________________

ثمَّ نقول : إن تمَّ إجماع على اعتبار غسلي النهار معاً فهو. وإلا كان كل منهما طرفاً للعلم الإجمالي ، فيجب الاحتياط بفعلهما معاً. اللهم إلا أن يكون غسل الفجر متيقناً أيضاً ، إذ لم يقل أحد بالاقتصار على غسل الظهرين دونه ، مع احتمال الاقتصار على غسل الفجر قبل الصوم دون غسل الظهرين كما عن العلامة (ره) في النهاية.

لكن هذا المقدار لا يوجب العلم التفصيلي ، بنحو ينحل به العلم الإجمالي ليرجع في غسل الظهرين إلى أصالة البراءة.

[١] لا يخفى أن مورد الصحيح هو الكثيرة ، ولأجل ذلك خص الحكم بها في الجامع ، والبيان ، والموجز ، وشرحه ، والجعفرية. بل لعله ظاهر كل من عبر بالأغسال. لكن عن جامع المقاصد وغيره : التصريح بعدم الفرق بين الكثيرة والمتوسطة. وهو غير ظاهر الوجه. إلا دعوى : كون المفهوم من النص مانعية الحدث الأكبر للصوم. وعهدتها على مدعيها. مع أني لم أجد التصريح بعدم الفرق في جامع المقاصد. وحينئذ فما في الجواهر ـ من رمي التقييد بالكثيرة بالشذوذ ، أو كونه محمولا على ما يقابل القليلة ـ لم يصادف محله ،

[٢] لعدم فوات الغسل النهاري.

[٣] فإنه لا يعتبر ذلك في الصحة قطعاً ، كما في جامع المقاصد.

٢٨٧

بغسل الماضية ، بمعنى : أنها لو تركت الغسل الذي للعشاءين لم يبطل صومها لأجل ذلك. نعم يجب عليها الغسل حينئذ لصلاة الفجر ، فلو تركته بطل صومها من هذه الجهة. وكذا لا يعتبر فيها ما عدا الغسل من الأعمال [١]. وإن كان الأحوط اعتبار جميع ما يجب عليها من الأغسال ، والوضوءات ، وتغيير الخرقة ، والقطنة. ولا يجب تقديم غسل المتوسطة والكثيرة على الفجر [٢] ، وإن كان هو الأحوط.

( مسألة ٥٠ ) : الأقوى بطلان صوم شهر رمضان بنسيان غسل الجنابة ليلا قبل الفجر [٣] حتى مضى عليه يوم‌

______________________________________________________

ويقتضيه الأصل ، كما تقدم في غسل الليلة الماضية. ومنه يظهر : أنه لا فرق في جريان الأصل بين أن تغتسل لصلاة الصبح قبل الفجر ـ كما سيأتي ـ وأن تغتسل بعد الفجر ، فان الوجه المتقدم يقتضي جريان الأصل النافي لاعتبار الغسل لليلة الماضية في صحة صوم النهار اللاحق.

[١] لعدم الدليل عليه. فما عن ظاهر السرائر ، ونهاية الأحكام وغيرهما ، ـ من التوقف عليه ، حيث علق الفساد فيها على الإخلال بما عليها ـ في غير محله ، أو يكون المراد منه خصوص الغسل.

[٢] لعدم الدليل عليه. والنص إنما تضمن الغسل للصلاة ولو بعد دخول وقتها. ومجرد دلالة الرواية على كون المنع للحدث لا يجدي في وجوب التقديم. إلى أن يدل الدليل على منع الدخول في الصوم مع الحدث ، وهو غير ثابت. وحينئذ فما عن العلامة في النهاية ـ من احتمال اشتراط الصوم بغسل الفجر خاصة مع وجوب تقديمه عليه ـ ضعيف.

[٣] كما عن الصدوق ، والشيخ في النهاية والمبسوط ، والمحقق في المعتبر‌

٢٨٨

______________________________________________________

وابن سعيد ، والعلامة ، وأكثر المتأخرين. بل نسب إلى الأكثر ، والأشهر. ويدل عليه صحيح الحلبي : « أنه سأل أبا عبد الله (ع) عن رجل أجنب في شهر رمضان ، فنسي أن يغتسل حتى خرج شهر رمضان. قال (ع) : عليه أن يقضي الصلاة والصيام » (١) ، وخبر إبراهيم بن ميمون : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يجنب بالليل في شهر رمضان. ثمَّ ينسى أن يغتسل حتى يمضي لذلك جمعة ، أو يخرج شهر رمضان. قال (ع) : عليه قضاء الصلاة والصوم » (٢). وقريب منهما مرسل الفقيه (٣).

وعن الحلي : العدم ، بل في محكي كلامه : أنه لم يقل أحد من محققي أصحابنا بوجوب القضاء. وفي الشرائع والنافع : أنه أشبه. وكأنه لما دل على رفع النسيان (٤) ولمساواته للنوم ، الذي سيأتي عدم المفطرية معه. ولما دل على حصر المفطر في غيره. والجميع ـ كما ترى ـ لا يصلح لمعارضة ما سبق. مع أن حديث رفع النسيان إنما يصح تطبيقه لو ثبت عموم يقتضي قدح مطلق الجنابة ، وهو مفقود. ولو ثبت فلا يصلح الحديث لتصحيح الناقص ، بنحو لا يحتاج إلى الإعادة والقضاء. إذ غاية ما يقتضي رفع التكليف بالتمام ، لا ثبوت التكليف بالناقص حال النسيان ليصح ، كما أشرنا إلى ذلك آنفا. والمساواة للنوم إن أريد بها المساواة في العذرية عقلا فلا تجدي فيما نحن فيه ، وإن أريد بها المساواة شرعاً في الأحكام فهي مصادرة.

وربما يتوهم : معارضة النصوص المذكورة بما ورد في عدم قضاء الجنب إذا نام حتى أصبح (٥) ، لأن بينها وبين نصوص المقام عموما من‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب من يصح الصوم منه حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب من يصح الصوم منه حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب من يصح الصوم منه حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٥٦ من أبواب جهاد النفس.

(٥) تقدم ذلك في الأمر الثامن مما يجب الإمساك عنه في الصوم.

٢٨٩

أو أيام. والأحوط إلحاق غير شهر رمضان ـ من النذر المعين ونحوه ـ به ، وإن كان الأقوى عدمه [١]. كما أن الأقوى عدم إلحاق غسل الحيض والنفاس لو نسيتهما بالجنابة في ذلك [٢] وإن كان أحوط.

______________________________________________________

وجه. ولكنه في غير محله ، لدلالة تلك النصوص على عدم اقتضاء الجنابة من حيث النوم للإفطار ، ودلالة نصوص المقام على اقتضائها له من حيث النسيان ، فلا تنافي بينهما ، كما لا تنافي بين المقتضي واللامقتضي في سائر المقامات وعليه فلو نسي الجنابة ثمَّ نام حتى أصبح ، أو نام ثمَّ استيقظ فنسي حتى أصبح كان مفطراً ، وعليه القضاء ، لتحقق المقتضي بلا مانع.

[١] لاختصاص النص بشهر رمضان ، والتعدي منه إلى مطلق الصوم محتاج إلى فهم عدم الخصوصية لرمضان ، بنحو يقدم على عموم ما دل على حصر المفطر في غيره ، وهو غير ثابت. فالعموم المذكور ، المطابق لأصل البراءة محكم.

ومنه يظهر : ضعف ما استظهره في الجواهر : من عدم الفرق بين الأقسام في الاشتراط. نعم يلحق برمضان قضاؤه ، لما دل على اتحاد المقضي وقضائه ، لما أشرنا إليه سابقاً. ولا سيما مع إمكان دخوله في صحيحي ابن سنان المتقدمين في قضاء رمضان (١). [٢] لما سبق في نظيره : من اختصاص النصوص بالجنابة ، فالتعدي منها إليها يحتاج الى دليل مفقود. وفهم عدم الخصوصية للجنابة غير ثابت ولا سيما بملاحظة عموم حصر المفطرات في غيره. وما في الجواهر ـ من استظهار الإلحاق بالجنابة ـ غير ظاهر. وتعليله : بأنهما أقوى ، لأنه لم يرد فيهما ما ورد فيه مما يوهم أن الشرط إنما هو تعمد البقاء. ممنوع ، لاختصاص‌

__________________

(١) تقدم ذكرهما في الأمر الثامن مما يجب الإمساك عنه في الصوم.

٢٩٠

( مسألة ٥١ ) : إذا كان المجنب ممن لا يتمكن من الغسل لفقد الماء ، أو لغيره من أسباب التيمم ـ وجب عليه التيمم [١] ، فان تركه بطل صومه [٢]. وكذا لو كان متمكناً من الغسل وتركه حتى ضاق الوقت [٣].

( مسألة ٥٢ ) : لا يجب على من تيمم بدلا عن الغسل أن يبقى مستيقظاً حتى يطلع الفجر ، فيجوز له النوم بعد التيمم قبل الفجر على الأقوى [٤]. وإن كان الأحوط البقاء مستيقظاً ، لاحتمال بطلان تيممه بالنوم ، كما على القول بأن التيمم بدلا عن الغسل يبطل بالحدث الأصغر.

______________________________________________________

النص المتقدم في الحيض بصورة التواني في الغسل (١) مع أن هذا المقدار ـ لو تمَّ ـ لا يوجب الأقوائية. بل كثرة النصوص في قدح الجنابة عمداً ، وقلتها في قدحهما كذلك ، ربما يقتضي أقوائيتها منهما. مع أن الأقوائية في العمد لا تقتضي الأقوائية في المقام ، لاختلاف الجهات. فالتعدي عن عموم حصر المفطر بغيرهما غير ظاهر الوجه.

[١] لما عرفت من كون المورد من موارد عموم كونه أحد الطهورين وأنه بمنزلة الغسل ، فيترتب على فعله وتركه ما يترتب على فعل الغسل وتركه.

[٢] لأنه بقاء على الجنابة عمداً.

[٣] يعني : ضاق عن الغسل ، فلم يغتسل ، ولم يتيمم. أما لو ضاق الوقت عن الغسل فتيمم صح صومه. فالمراد من العبارة : أن ضيق الوقت عن الغسل كغيره من الأعذار موجب للتيمم ، وتركه موجب للبطلان.

[٤] يعني : بناء على ما اختاره من عدم انتقاض التيمم الذي هو بدل الغسل بالحدث الأصغر كالنوم ، كما أشار الى ذلك في المتن.

__________________

(١) تقدم ذلك في الأمر الثامن مما يجب الإمساك عنه في الصوم.

٢٩١

( مسألة ٥٣ ) : لا يجب على من أجنب في النهار بالاحتلام أو نحوه من الأعذار أن يبادر إلى الغسل فوراً [١] وإن كان هو الأحوط.

( مسألة ٥٤ ) : لو تيقظ بعد الفجر من نومه ، فرأى نفسه محتلماً لم يبطل صومه ، سواء علم سبقه على الفجر ، أو علم تأخره ، أو بقي على الشك. لأنه لو كان سابقاً كان من البقاء على الجنابة غير متعمد. ولو كان بعد الفجر كان من الاحتلام في النهار. نعم إذا علم سبقه على الفجر لم يصح منه صوم قضاء رمضان [٢] مع كونه موسعاً. وأما مع ضيق وقته فالأحوط الإتيان به وبعوضه [٣].

______________________________________________________

[١] بلا خلاف ، بل الإجماع بقسميه عليه ، كما في الجواهر. وعن التذكرة : نسبته إلى علمائنا. وعن المنتهى ، والذخيرة ، والحدائق : نفي العلم بالخلاف فيه. ويدل عليه صحيح العيص عن أبي عبد الله (ع) المتقدم في عدم مفطرية الاحتلام (١) وما في مرسل إبراهيم بن عبد الحميد : « إذا احتلم نهاراً في شهر رمضان فلا ينام حتى يغتسل » (٢) محمول على الندب وكأنه هو الوجه في الاحتياط.

[٢] لما عرفت من إطلاق النص الدال على قدح الجنابة فيه ، الشامل لغير العمد.

[٣] منشؤه : التوقف في أن قولهم (ع) : « لا تصم هذا اليوم ، وصم غداً » (٣) هل له ظهور أو انصراف الى الموسع أو لا؟ فعلى الأول‌

__________________

(١) تقدم ذلك في الأمر الثامن مما يجب الإمساك عنه في الصوم.

(٢) تقدم ذلك في الأمر الثامن مما يجب الإمساك عنه في الصوم.

(٣) تقدم ذلك في الأمر الثامن مما يجب الإمساك عنه في الصوم.

٢٩٢

( مسألة ٥٥ ) : من كان جنباً في شهر رمضان في الليل لا يجوز له أن ينام قبل الاغتسال إذا علم أنه لا يستيقظ قبل الفجر للاغتسال [١]. ولو نام واستمر إلى الفجر لحقه حكم البقاء متعمداً [٢] ، فيجب عليه القضاء والكفارة. وأما إن احتمل الاستيقاظ جاز له النوم وإن كان من النوم الثاني أو الثالث أو الأزيد فلا يكون نومه حراماً [٣]. وإن كان الأحوط‌

______________________________________________________

يجب أن يصومه لصحته ، ولا موجب لصوم غيره. وعلى الثاني يجب أن يصوم غيره لبطلانه. والأظهر الثاني.

[١] لأن في ذلك تعمد البقاء على الجنابة ، المؤدي إلى تعمد الإفطار المحرم.

[٢] بل هو بالخصوص مورد بعض النصوص المتقدمة.

[٣] كما عن صريح جماعة من المتأخرين ، واختاره في المدارك ، حاكياً له عن المنتهى. للأصل ، وعدم الدليل على الحرمة. وفي المسالك : الحرمة في النوم الثاني مطلقاً ، وفي الأول مع عدم العزم على الغسل ، أو عدم اعتياد الانتباه. وكأنه لما في صحيح معاوية بن عمار : « قلت لأبي عبد الله (ع) : الرجل يجنب في أول الليل ، ثمَّ ينام حتى يصبح في شهر رمضان. قال (ع) : ليس عليه شي‌ء. قلت : فإنه استيقظ ثمَّ نام حتى أصبح. قال (ع) : فليقض ذلك اليوم عقوبة » (١) وفيه : أن العقوبة بالقضاء لا تلازم الحرمة وإنما يلازمها العقوبة الأخروية لا غير. مع أن الصحيح خال عن التعرض لحكم النومة الأولى ، وربما كان ظاهراً في جوازها ولو مع عدم اعتياد الانتباه فاذاً لا معدل عما يقتضيه أصل البراءة.

وقد يظهر من الجواهر القول بالحرمة لخبر إبراهيم بن عبد الحميد : « وإن أجنب ليلا في شهر رمضان فلا ينام ساعة حتى يغتسل » (٢) لكنه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١.

(٢) تقدم ذلك في الأمر الثامن مما يجب الإمساك عنه في الصوم.

٢٩٣

ترك النوم الثاني فما زاد وإن اتفق استمراره إلى الفجر [١] ، غاية الأمر : وجوب القضاء أو مع الكفارة في بعض الصور ، كما سيتبين.

( مسألة ٥٦ ) : نوم الجنب في شهر رمضان في الليل مع احتمال الاستيقاظ أو العلم به إذا اتفق استمراره إلى طلوع الفجر على أقسام ، فإنه إما أن يكون مع العزم على ترك الغسل وأما أن يكون مع التردد في الغسل وعدمه ، وإما أن يكون مع الذهول والغفلة عن الغسل ، وأما أن يكون مع البناء على الاغتسال حين الاستيقاظ مع اتفاق الاستمرار. فان كان مع العزم على ترك الغسل أو مع التردد فيه لحقه حكم تعمد البقاء جنباً [٢] ،

______________________________________________________

ـ مع إرساله ـ مروي في الوسائل المصححة هكذا : « فلا ينام إلا ساعة حتى يغتسل. فمن أجنب في شهر رمضان فنام حتى يصبح فعليه .. » ودلالته غير ظاهرة ، بل هو على الجواز أدل.

وربما يتوهم : أن مقتضى استصحاب بقاء النوم إلى الصبح حرمته ، لأن النوم على الجنابة إلى الفجر حرام. وفيه : أن الحرام تعمد البقاء على الجنابة إلى الفجر ، وهذا المعنى لا يثبت بالاستصحاب المذكور ، ولو ثبت لا يوجب حرمة النوم الخارجي حتى يعلم بترتبه عليه ، كما لعله ظاهر بالتأمل.

[١] لأن اتفاق استمراره لا يوجب صدق تعمد البقاء ، فلا يقتضي ثبوت الحرمة ، كما هو محل الكلام.

[٢] أما في الأول فعن المعتبر والمنتهى : نسبته إلى علمائنا ، وفي الرياض الاتفاق عليه. لوضوح كونه من تعمد البقاء على الجنابة ، فيدل على حكمه ما تقدم في تعمد البقاء : من الإجماع والنصوص ، مطلقها ومقيدها.

٢٩٤

______________________________________________________

وأما في الثاني : فهو المحكي عن جماعة. وربما كان إطلاق ما عن المنتهى من أنه لو نام غير ناو للغسل فسد صومه ، وعليه القضاء. ذهب إليه علماؤنا انتهى. ظاهر في الإجماع عليه. إلا أن استدلاله عليه : بأن العزم على ترك الغسل يسقط اعتبار النوم ، يقتضي اختصاص كلامه بالأول ، كما اعترف به في الرياض وغيره.

وكيف كان فاستدل له بالنصوص المتقدمة في حكم تعمد البقاء على الجنابة. وفيه : أن المطلق منها وإن كان يشمل المقام ، لكنك عرفت حمله على صورة تعمد البقاء ، جمعاً بينه وبين ما دل على نفي المفطرية مطلقا. والمقيد منها بالعمد ظاهر في العمد الى النوم حتى يصبح ، أو في مطلق العمد إلى البقاء على الجنابة حتى يصبح ، وليس المقام كذلك ، كما هو ظاهر. ولأجل ذلك تأمل في المدارك في وجوب القضاء في الفرض.

اللهم إلا أن يقال : التردد في الغسل ينافي نية الصوم ، لأنه إذا كانت الطهارة في أول الفجر معتبرة في قوامه ، فنيته عين نية الطهارة في الحال المذكورة ، ومع عدمها لا نية للصوم المأمور به. فان قلت : المعتبر في الصوم الطهارة من الجنابة العمدية ، لا من مطلق الجنابة ، فلا موجب لنية الطهارة من الجنابة مطلقاً. قلت : التردد في الغسل وعدمه الذي هو محل الكلام ، هو التردد في الطهارة من الجنابة في حال الالتفات إليها وفي البقاء عليها ، فيكون تردداً في البقاء على الجنابة العمدية ، فيكون تردداً في الصوم ، وهو ينافي نية الصوم.

نعم إذا كان التردد في الغسل للتردد في الاستيقاظ وعدمه فلا منافاة بينه وبين نية الصوم. وكذا لو كان للتردد في وجوب الغسل وعدمه ، بناء على ما سبق : من عدم منافاة نية فعل المفطر لنية الصوم إجمالا. فلاحظ.

٢٩٥

بل الأحوط ذلك إن كان مع الغفلة والذهول أيضاً [١]. وإن كان الأقوى لحوقه بالقسم الأخير. وإن كان مع البناء على الاغتسال ، أو مع الذهول ـ على ما قوينا ـ فان كان في النومة الأولى بعد العلم بالجنابة فلا شي‌ء عليه ، وصح صومه [٢].

______________________________________________________

[١] الذهول أولى من التردد بعدم وفاء النصوص المتقدمة بقدحه. وأما من حيث المنافاة لنية الصوم فالظاهر عدمها ، لا مكان ارتكاز نية الصوم المأمور به شرعاً في ذهنه مع الغفلة عن مفطر بعينه ، فيلحق الذهول المذكور حكم نية الغسل ، كما قواه في المتن. وإن كان ظاهر الجماعة خلافه.

[٢] بلا خلاف ظاهر ، بل الظاهر الاتفاق عليه. وعن الخلاف : الإجماع عليه. ويدل عليه ـ مضافاً إلى إطلاق النصوص النافية للبأس عن النوم بعد الجنابة حتى يصبح ـ : صحيح معاوية بن عمار المتقدم (١) وصحيح ابن أبي يعفور : « قلت لأبي عبد الله (ع) : الرجل يجنب في شهر رمضان ثمَّ يستيقظ ، ثمَّ ينام ، ثمَّ يستيقظ ، ثمَّ ينام حتى يصبح. قال (ع) : يتم صومه ، ويقضي يوماً آخر. وإن لم يستيقظ حتى يصبح أتم صومه وجاز له » (٢) وحمل نفي الاستيقاظ في الشرطية الثانية على نفي أصل الاستيقاظ ، لا الاستيقاظ الثاني خلاف الظاهر ، لأنه يوجب عدم التعرض لبعض الصور المفروضة ، وهو خلاف الظاهر ، بل يوجب عدم التعرض لما هو أولى من غيره بالتعرض فلاحظ.

لكن عن موضع من المعتبر : « لو أجنب فنام ناوياً للغسل حتى أصبح فسد صومه ذلك اليوم ، وعليه قضاؤه. وعليه أكثر علمائنا » وهو غير ظاهر. ومثله : ما حكي عنه : من استدلاله على ذلك بصحيح ابن أبي يعفور المذكور وصحيح ابن مسلم عن أحدهما (ع) قال : « سألته عن الرجل تصيبه الجنابة‌

__________________

(١) راجع المسألة : ٥٥ من هذا الفصل.

(٢) الوسائل باب : ١٥ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٢.

٢٩٦

وإن كان في النومة الثانية ـ بأن نام بعد العلم بالجنابة ، ثمَّ انتبه ونام ثانياً ـ مع احتمال الانتباه ، فاتفق الاستمرار وجب عليه القضاء فقط [١] ، دون الكفارة على الأقوى [٢]. وإن كان‌

______________________________________________________

في شهر رمضان ، ثمَّ ينام قبل أن يغتسل. قال (ع) : يتم صومه ، ويقضي ذلك اليوم ، إلا أن يستيقظ قبل أن يطلع الفجر. فان انتظر ماء يسخن أو يستقي فطلع الفجر فلا يقضي صومه ( يومه. خ ل ) » (١) إذ الصحيح الأول قد عرفت مفاده. والصحيح الثاني ـ كغيره من المطلقات ـ محمول على العمد ، جمعاً بينه وبين غيره ، كما عرفت آنفاً.

[١] بلا خلاف يعرف. وعن المدارك : نسبته إلى الأصحاب. وعن المنتهى : نسبته إلى علمائنا ، وعن الخلاف : الإجماع عليه. وفي المستند : « استفاض نقل الإجماع عليه ». ويدل عليه صحيحا معاوية وابن أبي يعفور المتقدمان.

[٢] كما نسب الى ظاهر الأصحاب ، بل قيل : إنه نقل الإجماع عليه للأصل ، مع عدم الدليل عليها ، عدا ما يقال : من أصالة وجوب الكفارة عند وجوب القضاء ، وخبر المروزي عن الفقيه (ع) : « إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل ولا يغتسل حتى يصبح ، فعليه صوم شهرين متتابعين مع صوم ذلك اليوم. ولا يدرك فضل يومه » (٢) وما في مرسل إبراهيم ابن عبد الحميد : « فمن أجنب في شهر رمضان فنام حتى يصبح ، فعليه عتق رقبة أو إطعام ستين مسكيناً ، وقضاء ذلك اليوم ، ويتم صيامه. ولن يدركه أبداً » (٣)

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ١٦ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ١٦ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٤.

٢٩٧

في النومة الثالثة فكذلك على الأقوى [١].

______________________________________________________

والجميع محل إشكال : أما القاعدة فلا دليل عليها ، كما سيأتي إن شاء الله وأما الخبر الأول فخال عن ذكر النوم. وتقييده بالنوم الثاني ليس أولى من تقييده بالعمد ، بل الثاني أظهر ، ولا سيما بملاحظة موثق أبي بصير المصرح فيه بالتقييد بذلك (١) وأما الثاني ـ فمع ضعفه في نفسه ـ ظاهر في النومة الأولى. ومجرد عدم إمكان العمل بإطلاقه غير كاف في حمله على النومة الثانية ، لقرب حمله على صورة العمد ، بل هو الأقرب جمعاً فيتعين. فلا معدل عن العمل بالأصل ، المؤيد أو المعتضد بسكوت الصحيحين المتقدمين عن الكفارة (٢).

[١] أما وجوب القضاء فالظاهر عدم الخلاف فيه. ويقتضيه : ما تقدم في النوم الثاني. وأما عدم وجوب الكفارة فهو المحكي عن المعتبر ، والمنتهى والمدارك وجماعة من متأخري المتأخرين. لما تقدم في النوم الثاني أيضاً : من الأصل ، وعدم الدليل. لكن المحكي عن الشيخين ، وابني حمزة وزهرة والحلبي ، والحلي ، والعلامة ، والشهيد ، والمحقق الثاني في جملة من كتبهم وغيرهم : وجوبها. بل عن الغنية ، والخلاف ، والوسيلة ، وفي جامع المقاصد : الإجماع عليه. لما تقدم أيضاً في وجه وجوب الكفارة في النوم الثاني ، مما عرفت الاشكال فيه.

وأما الإجماع المحكي في لسان الجماعة فيشكل الاعتماد عليه بعد مخالفة من عرفت. بل من الغريب دعوى الإجماع على وجوب الكفارة من مثل جامع المقاصد مع خلاف المعتبر والمنتهى ، وتردد الشرائع فيه بعد نسبته الى قول مشهور. وكأنه يريد الإجماع ممن سبق المحقق. لكن مخالفته ومخالفة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٦ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٢.

(٢) المراد بهما : صحيحا معاوية بن عمار وابن أبي يعفور المتقدمين قريباً.

٢٩٨

وإن كان الأحوط ما هو المشهور [١] : من وجوب الكفارة أيضاً في هذه الصورة ، بل الأحوط وجوبها في النومة الثانية أيضاً. بل وكذا في النومة الأولى أيضاً إذا لم يكن معتاد الانتباه [٢] ولا يعد النوم الذي احتلم فيه من النوم الأول ، بل المعتبر فيه النوم بعد تحقق الجنابة ، فلو استيقظ المحتلم من نومه ثمَّ نام كان من النوم الأول لا الثاني [٣].

______________________________________________________

غيره مانعة من جواز الاعتماد عليه ، كما عرفت.

[١] قد عرفت وجه الاحتياط.

[٢] كأنه لاحتمال صدق العمد.

[٣] كما عن الفخر في شرح الإرشاد ، والشهيدين ، والمدارك ، واختاره في الجواهر وغيرها. وقد يشهد له صحيح العيص بن القاسم : « أنه سأل أبا عبد الله (ع) عن الرجل ينام في شهر رمضان فيحتلم ، ثمَّ يستيقظ ، ثمَّ ينام قبل أن يغتسل قال (ع) : لا بأس » (١) فتأمل. مضافاً الى قصور دليله عن شمول نوم الاحتلام. وأما صحيح معاوية بن عمار ، المتقدم في المسألة الخامسة والخمسين (٢) فهو إما مختص بالجنابة بغير الاحتلام ، فلا يكون مما نحن فيه. وإما مطلق شامل لما نحن فيه فمقتضى قوله : « ثمَّ ينام » أن يكون المراد غير نومة الاحتلام. فلاحظه.

وأما صحيح ابن أبي يعفور المتقدم (٣) فمورد الحكم بالقضاء فيه ـ على ما في الوسائل المصححة ـ النوم إلى الصبح بعد يقظتين ، يقظة بعد نومة الاحتلام ويقظة أخرى. نعم فيما يحضرني من نسختي الوسائل المطبوعة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٥ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٣.

(٢) من هذا الفصل.

(٣) تقدم ذلك قريباً في هذه المسألة.

٢٩٩

______________________________________________________

والحدائق ـ وعن الفقيه والوافي عنه ـ روايته هكذا : « يجنب في شهر رمضان ثمَّ ينام ، ثمَّ يستيقظ ، ثمَّ ينام » (١) فيكون حاله حال صحيح معاوية إما ظاهر في غير الاحتلام ، أو شامل له. وبقرينة : ( ثمَّ ) يراد من النوم فيه غير نومة الاحتلام. وفيما يحضرني من نسخة الجواهر ، والمستند والمعتبر والمنتهى ، والمختلف ، ومجمع البرهان ، والذخيرة ، وعن التهذيب ، والوافي عنه روايته هكذا : « يجنب في شهر رمضان ، ثمَّ يستيقظ ، ثمَّ ينام حتى يصبح » (٢) وحينئذ يكون مقتضاه احتساب المقدار الواقع بعد الاحتلام وربما كان نحوه موثق سماعة : « سألته (ع) عن رجل أصابته جنابة في جوف الليل في رمضان ، فنام وقد علم بها ، ولم يستيقظ حتى يدركه الفجر. فقال (ع) : عليه أن يتم صومه ، ويقضي يوماً آخر » (٣) لكن الموثق غير ظاهر في النومة الثانية. وحينئذ كما يمكن حمله على النومة الثانية لنومة الاحتلام ، يمكن حمله على التعمد كغيره مما ورد في مطلق النوم بعد الجنابة وقد عرفت أنه الأظهر.

وأما النسخة الأخيرة لصحيح ابن أبي يعفور فلا مجال للاعتماد عليها في قبال غيرها ، ولا سيما مع استبعاد الفرق بين يقظة الجنابة إذا أجنب في اليقظة وبين الانتباهة بعد نومة الاحتلام. فاذاً لا موجب لطرح الأصل وعموم حصر المفطر اللذين هما العمدة في المقام.

__________________

(١) كما في الفقيه ج ١ صفحة ١٣٦ الطبعة الايرانية بعنوان ( نسخة ). وأما الطبعة الأخرى من الفقيه فلم تشتمل على ذلك. لاحظ الفقيه ج ٢ صفحة ٧٥ طبع النجف الأشرف ، والوافي ص ٣٤٨ والوسائل باب : ١٥ من أبواب ما يجب الإمساك عنه حديث : ٢ ، الطبعة الايرانية الحديثة.

(٢) التهذيب ج ٤ صفحة ٢١١ طبع النجف الأشرف ، الاستبصار ج ٢ صفحة ٨٦ ، الوافي صفحة ٣٤٨.

(٣) الوسائل باب : ١٥ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٥.

٣٠٠