مستمسك العروة الوثقى - ج ٨

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٨

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٤

قبل الدخول في الركعة الثالثة أتمها قصراً ، واجتزأ بها [١]. وإن كان بعده بطلت ، ورجع إلى القصر ما دام لم يخرج [٢] وإن كان الأحوط إتمامها تماما ، وإعادتها قصراً ، والجمع بين القصر والإتمام ما لم يسافر [٣] ، كما مر.

( مسألة ٢٧ ) : لا فرق في إيجاب الإقامة لقطع حكم السفر وإتمام الصلاة بين أن تكون محللة أو محرمة [٤] ، كما إذا قصد الإقامة لغاية محرمة ، من قتل مؤمن ، أو سرقة ماله أو نحو ذلك ، كما إذا نهاه عنها والده ، أو سيده ، أو لم يرض بها زوجها.

( مسألة ٢٨ ) : إذا كان عليه صوم واجب معين غير رمضان كالنذر ، أو الاستيجار ، أو نحوهما ـ وجب عليه الإقامة مع الإمكان [٥].

______________________________________________________

[١] بلا إشكال فيه على الظاهر ، بناء على عدم الاكتفاء في البقاء على وجوب التمام بمجرد الدخول في الصلاة بنية التمام. أما بناء على الاكتفاء بذلك ـ كما تقدم نقله عن الشيخ ـ أتمها تماماً ، وبقي على التمام. وقد عرفت فيما سبق أن هذا المبنى خلاف ظاهر صحيح أبي ولاد (١)

[٢] إذا كان بعد الدخول في ركوع الثالثة. وقد تقدم الكلام في ذلك في المسألة الخامسة عشرة. فرجع.

[٣] مبنى الاحتياط : الإشكال في الاكتفاء بهذا المقدار من الأثر في البقاء على التمام وغيره ، مما عرفت ضعفه.

[٤] للإطلاق.

[٥] اعلم : أن الحضر إذا كان شرطاً لوجوب الصوم ـ كما يقتضيه‌

__________________

(١) تقدم ذلك في المسألة : ١٥ من هذا الفصل.

١٤١

______________________________________________________

ظاهر الآية (١) وبعض النصوص (٢) كان السفر موجباً لعدم المصلحة في الصوم. وحينئذ لا يكون ترك الصوم تفويتاً ، ولا عدمه فوتاً. ولا وجه لوجوب القضاء لما فات في السفر ، بل إن وجب بعد ذلك في الحضر لم يكن قضاء لما فات ، بل هو واجب آخر أجنبي عنه. وهو خلاف ضرورة الفقه ، بل خلاف مرتكزات المتشرعة. وان كان الحضر شرطاً لوجوده ، كان اللازم وجوب تحصيله ، فلا يجوز السفر. ولأجل أن المشهور المنصور جواز السفر اختياراً في شهر رمضان ، وجب الالتزام بأن الشرط ليس وجود الحضر مطلقاً ، بل وجوده من باب الاتفاق. وحينئذ يجوز تفويته اختياراً ، كما يجوز تفويت شرائط الوجوب ، ولكن يجب القضاء.

هذا في صوم رمضان. أما غيره فمقتضى قاعدة الإلحاق جريان ذلك فيه أيضاً ، فيكون الحضر شرطاً لوجود الصوم ، لا مطلقاً ، بل خصوص وجوده من باب الاتفاق. وعليه فيجوز السفر اختياراً في كل صوم واجب معين ، بالأصل أو بالعارض ، كما اختاره في نجاة العباد ، وأمضاه شيخنا الأعظم (ره) والسيد المحقق الشيرازي ( قده ) وغيرهما من محشيها. ويشهد به في النذر بعض النصوص ، كرواية عبد الله بن جندب : « سمعت من زرارة عن أبي عبد الله (ع) أنه سأله عن رجل جعل على نفسه نذراً صوماً. فحضرته نية في زيارة أبي عبد الله (ع). قال (ع) : يخرج ، ولا يصوم في الطريق. فاذا رجع قضى ذلك » (٣) وقريب منها غيرها. وعلى هذا فلا موجب للإقامة. نعم لا يبعد ذلك في الاستئجار ، لظهور الإجارة في كونها إجارة على الإقامة والصوم معاً ، لا على الصوم على تقدير الإقامة.

__________________

(١) وهي قوله تعالى : ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ .. ) البقرة : ١٨٥.

(٢) تأتي الإشارة إليها ـ ان شاء الله تعالى ـ في المسألة : ١ من فصل شرائط وجوب الصوم.

(٣) الوسائل باب : ١٠ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ٥.

١٤٢

( مسألة ٢٩ ) : إذا بقي من الوقت أربع ركعات ، وعليه الظهران ، ففي جواز الإقامة إذا كان مسافراً ، وعدمه من حيث استلزامه تفويت الظهر وصيرورتها قضاء ، إشكال [١] فالأحوط عدم نية الإقامة مع عدم الضرورة. نعم لو كان حاضراً ، وكان الحال كذلك لا يجب عليه السفر لإدراك الصلاتين في الوقت.

( مسألة ٣٠ ) : إذا نوى الإقامة ، ثمَّ عدل عنها ، وشك في أن عدوله كان بعد الصلاة تماماً حتى يبقى على التمام أم لا ، بنى على عدمها [٢] ، فيرجع إلى القصر.

( مسألة ٣١ ) : إذا علم بعد نية الإقامة بصلاة أربع ركعات والعدول عن الإقامة ، ولكن شك في المتقدم منهما مع‌

______________________________________________________

ومنه يظهر أنه لو كان مرجع النذر إلى نذر الإقامة والصوم معاً ، وجبت الإقامة أيضاً. وانما لا تجب الإقامة ـ حسبما قلنا ـ إذا كان النذر للصوم المشروع في الزمان المعين ، لا غير. وقد تقدم الكلام في هذه المسألة في المسألة التاسعة والثلاثين من الفصل السابق. وتمام الكلام في المقام موكول إلى محله من كتاب الصوم.

[١] لكنه ضعيف ، لأن التفويت المحرم ترك الواجب في ظرف الفراغ عن وجوبه ، ولا يشمل ترك تبديل الواجب ، الذي لا يقدر عليه المكلف بواجب يقدر عليه ، لعدم الدليل على حرمة مثل ذلك ، والأصل البراءة. ولأجل ذلك لم يجب السفر في الفرض الآتي. إذ لا فرق بين الفرضين في ذلك. وقد تقدم في المسألة الثالثة من فصل القراءة ما له تعلق بالمقام.

[٢] لأصالة عدمها ، فيثبت موضوع وجوب القصر بكلا جزئية ،

١٤٣

الجهل بتاريخهما رجع إلى القصر ، مع البناء على صحة الصلاة [١] لأن الشرط في البقاء على التمام وقوع الصلاة تماماً ، حال العزم على الإقامة ، وهو مشكوك [٢].

______________________________________________________

أحدهما بالوجدان ، وهو العدول ، والثاني بالأصل ، وهو عدم الصلاة تماماً.

[١] هذا يوجب المخالفة القطعية للعلم الإجمالي بالتكليف ، لأنه إن كان العدول بعد الصلاة تماماً وجب عليه البقاء على التمام. وان كان قبلها وجب عليه الإعادة لما مضى والقصر لما يأتي ، فالبناء على صحة الصلاة ، والرجوع إلى القصر مخالفة قطعية للتكليف المعلوم بالإجمال.

[٢] هذا إنما يصلح تعليلا للرجوع الى القصر ، لو جرت أصالة عدم وقوع الصلاة تماماً الى حين العدول. لكنه يمتنع جريانها ، إما لمعارضتها بأصالة عدم وقوع العدول إلى حين الصلاة تماماً ، كما هو المشهور. أو لعدم حجية الأصل المذكور ذاتاً ، كما هو التحقيق ، حسبما حررناه في تعليقتنا على الكفاية : ( حقائق الأصول ) ، في استصحاب مجهول التاريخ ، وتقدم في مباحث خلل الوضوء.

ولأجل أنه لا يجري الأصل الموضوعي المذكور ، فالمرجع الأصل الحكمي وهو استصحاب وجوب التمام لو أمكن. وإلا ـ كما لو كان العدول المحتمل قبل الوقت ، وبني على عدم حجية الاستصحاب التعليقي ـ تعين الجمع بين التمام والقصر ، من جهة العلم الإجمالي. كما أن عليه إعادة القصر ، لأنها بعض المعلوم بالإجمال.

هذا كله بناء على عدم الرجوع الى العام في الشبهة المصداقية. أما بناء على الرجوع اليه فيكون الحكم التمام ، لعموم ما دل على التمام بنية الإقامة المقتصر في الخروج عنه على صورة العلم بالعدول ، قبل الصلاة تماماً ، لا القصر لعموم ما دل على القصر للمسافر ، للعلم بتخصيصه بأدلة الإقامة ، المعلوم‌

١٤٤

( مسألة ٣٢ ) : إذا صلى تماماً ثمَّ عدل ، ولكن تبين بطلان صلاته ، رجع إلى القصر ، وكان كمن لم يصل [١]. نعم إذا صلى بنية التمام ، وبعد السلام شك في أنه سلم على الأربع أو على الاثنين أو الثلاث ، بنى على أنه سلم على الأربع ويكفيه في البقاء على حكم التمام إذا عدل عن الإقامة بعدها [٢]

( مسألة ٣٣ ) : إذا نوى الإقامة ، ثمَّ عدل عنها بعد خروج وقت الصلاة ، وشك في أنه هل صلى في الوقت حال العزم على الإقامة أم لا ، بنى على أنه صلى. لكن في كفايته في البقاء على حكم التمام إشكال [٣] ، وإن كان لا يخلو من‌

______________________________________________________

انطباقه في المقام.

هذا ويمكن أن يقال : إن موضوع وجوب التمام على من عدل عن نية الإقامة ، هو نية الإقامة مع الصلاة تماماً ، فاذا ثبتت صحت الصلاة بأصالة الصحة فقد تحقق موضوعه. وعدم العدول قبل الصلاة تماماً ، لا دخل له في وجوب التمام ، إلا من حيث اقتضائه صحة الصلاة ، لا أنه شرط آخر في قبال الصلاة تماماً صحيحة. فليس الشرط في وجوب التمام إلا صحة الصلاة تماماً ويمكن إثبات ذلك بأصل الصحة.

[١] لما عرفت من عدم الاكتفاء بمطلق الأثر الشرعي لنية الإقامة ، فضلا عن الأثر الخارجي.

[٢] لإطلاق دليل قاعدة البناء على الأكثر ، الشامل لمثل الأثر المذكور.

[٣] لاحتمال اختصاص دليل قاعدة الشك بعد خروج الوقت ـ وهو صحيح زرارة والفضيل ـ بنفي الإعادة ، للاقتصار فيه على ذلك ، قال (ع) : « وإن شككت بعد ما خرج وقت الفوت ، وقد دخل حائل فلا إعادة‌

١٤٥

قوة خصوصاً إذا بنينا على أن قاعدة الشك بعد الفراغ ، أو بعد الوقت ، إنما هي من باب الأمارات ، لا الأصول العملية [١].

( مسألة ٣٤ ) : إذا عدل عن الإقامة ، بعد الإتيان بالسلام الواجب ، وقبل الإتيان بالسلام الأخير ، الذي هو مستحب ، فالظاهر كفايته في البقاء على حكم التمام [٢] ، وفي تحقق الإقامة. وكذا لو كان عدوله قبل الإتيان بسجدتي السهو إذا كانتا عليه. بل وكذا لو كان قبل الإتيان بقضاء الأجزاء المنسية ، كالسجدة والتشهد المنسيين. بل وكذا لو كان قبل‌

______________________________________________________

عليك من شك حتى تستيقن .. » (١) لكن لا يبعد أن يكون ذكر نفي الإعادة لأجل كونه أحد الآثار المترتبة على الوجود ، لا لخصوصية فيه. وإذا رجعت القاعدة المذكورة إلى قاعدة التجاوز فالأمر أظهر ، لما عرفت في أوائل مبحث الخلل ، من صلاحية القاعدة المذكورة لإثبات الوجود المطلق بلحاظ جميع الآثار.

[١] هذا لا أثر له في الفرق في الاكتفاء وعدمه. إذ لو كان دليل القاعدة شاملا بإطلاقه للأثر المذكور ، اكتفي بها على كلا المذهبين. وإلا لم يكتف بها على كليهما أيضاً. نعم لو لم يكن الأثر المذكور شرعياً أمكن أن يدعى الفرق بين المذهبين في ذلك. لكنه شرعي على كل حال. فمنشأ الإشكال : عدم عموم الدليل له ، ولو كان عاماً له ارتفع الاشكال ، وإن لم تكن القاعدة من الامارات ، ولم نقل بحجية الأصل المثبت.

[٢] لصدق أنه صلى فريضة بتمام ، فيجب عليه البقاء على التمام. وكذا في الفرضين الأخيرين. نعم لو قيل بأن الأجزاء المنسية أجزاء للصلاة أشكل الحكم في الفرض الثاني منهما. لكنه خلاف التحقيق ، كما تقدم.

__________________

(١) الوسائل باب : ٦٠ من أبواب المواقيت حديث : ١.

١٤٦

الإتيان بصلاة الاحتياط ، أو في أثنائها [١] إذا شك في الركعات وإن كان الأحوط فيه الجمع ، بل وفي الأجزاء المنسية.

( مسألة ٣٥ ) : إذا اعتقد أن رفقاؤه قصدوا الإقامة فقصدها ، ثمَّ تبين أنهم لم يقصدوا ، فهل يبقى على التمام أو لا؟ فيه صورتان :

إحداهما : أن يكون قصده مقيداً بقصدهم [٢].

الثانية : أن يكون اعتقاده داعياً له إلى القصد ، من غير أن يكون مقيداً بقصدهم. ففي الأولى يرجع إلى التقصير [٣].

______________________________________________________

[١] هذا غير ظاهر ، لأن احتمال نقص الركعة أو الأكثر موجب لاحتمال عدم صدق التمام. ومنه يظهر أنه لا يجب عليه صلاة الاحتياط ، بل يجب عليه الاستئناف قصراً ، كما لو عدل قبل السلام.

والظاهر أنه لا فرق في ذلك بين البناء على كون التسليم على الصلاة المشكوكة تسليما على نقص غير مخرج ، كما استظهرناه ، وبين البناء على كونه مخرجاً ، لأجل البناء على انقلاب التكليف بصلاتين ، على ما يظهر من جماعة. إذ المراد من الصلاة بتمام ـ على هذا المعنى ـ هو تمام الصلاتين. فتأمل جيداً.

[٢] بأن يكون قصده الخارجي ثابتاً في فرض ثبوت قصدهم ، نظير الإرادة في الوجوب المشروط ، فإن الإرادة الخارجية الحاصلة للآمر حاصلة له فعلا في فرض وجود الشرط اللحاظي. أو بأن يكون موضوع قصده هو موضوع قصدهم ، غاية الأمر أنه كان يعتقد أن موضوع قصدهم عشرة ومقتضى الجمود على عبارة المتن إرادة الأول. لكن المظنون قوياً هو الثاني.

[٣] أما على تقدير الاحتمال الثاني فظاهر ، لكون المفروض أنه لم‌

١٤٧

وفي الثانية يبقى على التمام. والأحوط الجمع في الصورتين.

الثالث من القواطع : التردد في البقاء وعدمه ثلاثين يوماً [١] ، إذا كان بعد بلوغ المسافة. وأما إذا كان قبل بلوغها‌

______________________________________________________

يقصد إقامة عشرة ، وإنما قصد إقامة المدة المنوية لرفقائه ، فاذا كانت في الواقع دون عشرة أيام لم يكن قد نوى مدة عشرة. ومجرد علمه بأن تلك المدة عشرة ، غير مجد في وجوب التمام ، ما لم يوجب العلم بإقامة العشرة الذي هو غير المفروض.

ونظيره : ما لو نوى الإقامة إلى يوم العيد ، وكان يعتقد أن ما بين زمان الإقامة والعيد عشرة أيام ، ولم يكن في الواقع كذلك. وأما على تقدير الاحتمال الأول فإنه وإن كان نوى إقامة عشرة لكن نيته ليست مطلقة ، بل مشروطة حسب الفرض بنية رفقائه ، فإذا لم يكن الشرط حاصلا في الواقع ، لم تكن النية داخلة في إطلاق النصوص ، لأن النية المنوطة بشرط غير حاصل بمنزلة العدم في نظر العرف. وإن كان التحقيق ـ حسب ما ذكرنا في الواجب المشروط ـ أنها موجودة حقيقة ، غاية الأمر أنها منوطة لا مطلقة. ومجرد عدم حصول المنوط به خارجاً ، لا يوجب عدم حصولها ، لأن المنوط به حقيقة وجود الشرط الفرضي اللحاظي ، لا الخارجي الحقيقي. لكن الوجود التعليقي بدون وجود المعلق عليه ليس موضوعاً للحكم بوجوب التمام ، كما هو واضح.

[١] على المشهور ، بل عن ظاهر الروض أو صريحه : مساواته لمحل الإقامة في حكاية الإجماعات. ولم يعرف مخالف في ذلك إلا المحقق البغدادي (ره) فقد حكي عن ظاهره أو صريحه : أنه ليس من القواطع ، ولا يحتاج في تحديد الترخص الى قصد مسافة مستأنفة. وكأنه جمود منه على نصوص وجوب التمام بعد التردد ، والرجوع بعد الخروج عن مكان التردد الى عمومات‌

١٤٨

فحكمه التمام حين التردد ، لرجوعه إلى التردد في المسافرة وعدمها [١]. ففي الصورة الأولى إذا بقي في مكان متردداً في البقاء والذهاب أو في البقاء والعود إلى محله ، يقصر إلى ثلاثين يوماً ، ثمَّ بعده يتم ما دام في ذلك المكان [٢] ، ويكون بمنزلة من‌

______________________________________________________

الترخص للمسافر.

وفيه : أن النصوص المذكورة وإن لم يصرح فيها بقاطعية التردد ، إلا أن المنسبق إلى الذهن منها كون وجوب التمام إنما هو لقدح الإقامة الطويلة في عنوان المسافر ، المأخوذ موضوعاً للترخص ، فتكون نظير الحاكم على أدلته ، لا المخصص البحت. وهذا هو العمدة في تسالم الأصحاب على القاطعية وإلا فمن البعيد وقوفهم على ما لم نقف عليه. وكيف كان لا ينبغي التأمل فيما ذكرنا.

[١] هذا يتم إذا كان تردده في الإقامة عشرة أيام وعدمها ، فإن الإقامة إذا كانت منافية للسفر كان تردده فيها تردداً في السفر. وكذا لو كان تردده في البقاء دون العشرة والعود الى وطنه. أما لو كان تردده في الإقامة دون العشرة والذهاب ، كما لو تردد في بعض منازل سفره في إقامة يوم أو يومين أو أكثر ـ إلى تسعة أيام ـ والذهاب ، ثمَّ لم يزل كذلك حتى مضى عليه ثلاثون يوماً ، وجب عليه القصر إلى نهاية الثلاثين ، لعدم منافاته لقصد السفر بوجه.

[٢] إجماعاً ، كما عن الخلاف والمدارك ، وظاهر المنتهى والذخيرة والرياض. وتدل عليه النصوص المستفيضة ، كصحيح أبي ولاد عن أبي عبد الله (ع) : « إن شئت فانو المقام عشراً وأتم ، وإن لم تنو المقام فقصر ما بينك وبين شهر. فاذا مضى لك شهر فأتم الصلاة » (١) وصحيح زرارة‌

__________________

(١) تقدم ذلك في المسألة : ١٥ من هذا الفصل.

١٤٩

نوى الإقامة عشرة أيام ، سواء أقام فيه قليلا أو كثيراً ، حتى إذا كان بمقدار صلاة واحدة [١].

( مسألة ٣٦ ) : يلحق بالتردد ما إذا عزم على الخروج غداً أو بعد غد ، ثمَّ لم يخرج. وهكذا ، إلى أن مضى ثلاثون يوماً ، حتى إذا عزم على الإقامة تسعة أيام مثلا [٢] ، ثمَّ بعدها عزم على إقامة تسعة أيام أخرى. وهكذا. فيقصر إلى ثلاثين يوماً ، ثمَّ يتم ، ولو لم يبق إلا مقدار صلاة واحدة.

______________________________________________________

عن أبي جعفر (ع) : « وإن لم تدر ما مقامك بها ، تقول غداً أخرج أو بعد غد ، فقصر ما بينك وبين أن يمضي شهر. فاذا تمَّ لك شهر فأتم الصلاة ، وإن أردت أن تخرج من ساعتك » (١) ومصحح ابن أبي أيوب : « قال : سأل محمد ابن مسلم أبا عبد الله (ع) [ أبا جعفر (ع). خ تهذيب ] (٢) .. إلى أن قال (ع) : فان لم يدر ما يقيم يوماً أو أكثر ، فليعد ثلاثين يوماً ، ثمَّ ليتم وإن كان أقام يوماً ، أو صلاة واحدة » (٣) ونحوها غيرها.

[١] كما في مصحح ابن أبي أيوب المتقدم‌.

[٢] ففي خبر أبي بصير : « وإن كنت تريد أن تقيم أقل من عشرة أيام فأفطر ما بينك وبين شهر ، فاذا تمَّ الشهر فأتم الصلاة والصيام » (٤) وفي صحيح معاوية بن وهب عن أبي عبد الله (ع) ـ في حديث ـ قال (ع) :

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٩.

(٢) راجع التهذيب ج ٣ صفحة ٢١٩ طبع النجف الأشرف. وفي الوسائل نقل الرواية عن الشيخ (ره) بإسناده عن أبي عبد الله (ع) ، ثمَّ أردفها برواية الكافي عنه (ع). ولعل المقصود بذلك إنما هو رواية الشيخ (ره) في الاستبصار. راجع الاستبصار ج ١ صفحة ٢٣٨ طبع النجف الأشرف. والكافي ج ٣ صفحة ٤٣٦ طبع إيران الحديثة.

(٣) الوسائل باب : ١٥ من أبواب صلاة المسافر حديث : ١٢.

(٤) الوسائل باب : ١٥ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٣.

١٥٠

( مسألة ٣٧ ) : في إلحاق الشهر الهلالي إذا كان ناقصاً بثلاثين يوماً إذا كان تردده في أول الشهر وجه ، لا يخلو عن قوة [١]. وإن كان الأحوط عدم الاكتفاء به.

______________________________________________________

« وإن أقمت تقول غداً أخرج أو بعد غد ، ولم تجمع على عشرة فقصر ما بينك وبين شهر. فاذا تمَّ الشهر فأتم الصلاة » (١).

[١] الموجود في مصحح ابن أبي أيوب المتقدم ذكر الثلاثين ، وفيما عداه من النصوص ذكر الشهر. كما أن الموجود في عبارات الأكثر التعبير بالشهر. وفي النهاية وأكثر كتب المتأخرين : التعبير بالثلاثين. ولا خلاف ـ كما في مفتاح الكرامة ، وغيره ـ في اعتبار الثلاثين إذا لم يكن ابتداء التردد في أول الشهر. إنما الخلاف فيما لو كان أول يوم منه. والمعروف اعتبار الثلاثين فيه أيضاً. وعن مجمع البرهان : الاكتفاء بالشهر الهلالي ، وتبعه غير واحد.

ووجه القول الأول ، بناء على كون الشهر حقيقة في الثلاثين ظاهر لاتفاق النصوص عليه. أما بناء على كونه حقيقة في خصوص ما بين الهلالين أو مشتركاً لفظياً بينهما ، أو مشتركاً معنوياً ، فإن رواية الثلاثين تكون حينئذ نسبتها إلى رواية الشهر نسبة القرينة الصارفة عن الحقيقة إلى المجاز ، أو المعينة للمشترك اللفظي ، أو المقيدة للمشترك المعنوي. كذا قرر هذا الوجه في الجواهر وغيرها.

ووجه القول الثاني : أن لفظ ( الشهر ) حقيقة فيما بين الهلالين ، فيجب حمله عليه. ولا تصلح رواية الثلاثين لصرفه ، لعدم التنافي بينهما. إذ يمكن أن يكون كل منهما موضوعاً للحكم ، فيكون التردد فيما بين الهلالين موجباً للتمام كالتردد ثلاثين. ويختص الأول بما لو وقع التردد في أول الشهر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب صلاة المسافر حديث : ١٧.

١٥١

( مسألة ٣٨ ) : يكفي في الثلاثين التلفيق إذا كان تردده في أثناء اليوم [١] ، كما مر في إقامة العشرة. وإن كان الأحوط عدم الاكتفاء ومراعاة الاحتياط.

( مسألة ٣٩ ) : لا فرق في مكان التردد بين أن يكون بلداً ، أو قرية ، أو مفازة [٢].

______________________________________________________

ويختص الثاني بغيره.

والتحقيق : أن الشهر وإن كان حقيقة فيما بين الهلالين لا غير ، فإنه موضوع لغة وعرفاً للجامع بين الشهور العربية الاثني عشر ، من محرم إلى ذي الحجة. إلا أنه يمتنع حمله في النصوص المذكورة عليه. إذ لازمه اختصاص تلك النصوص بصورة وقوع التردد في أول آنات الشهر ، ويكون المراد منها أنه إذا تردد المسافر في تمام محرم ، أو صفر ، أو غيرهما من الشهور العربية ، فعليه التمام. ولا تعرض فيها لصورة وقوع التردد في ثاني آنات اليوم الأول من الشهور ، فضلا عن صورة وقوعه في غير اليوم الأول من الأيام. وهذا مما لا يمكن الالتزام به ضرورة. فلا بد أن يكون المراد منها مقدار الشهر ، وحيث أن الشهر يختلف بالتمام والنقصان ، يتعين حمله على خصوص التام ، فإنه مقتضى الإطلاق المقامي ، فضلا عن كونه مقتضى رواية الثلاثين. ومما ذكرنا يظهر لك ضعف الوجه الذي أشار إليه في المتن.

[١] لما عرفت من ظهور الأدلة في المقدار الحاصل مع التلفيق وغيره‌

[٢] كما في الجواهر ، حاكياً عن بعض التصريح به. ويقتضيه إطلاق كلامهم ، كإطلاق جملة من النصوص. وعن الدروس واللمعة : التقييد بالمصر. وكأنه وارد مورد التمثيل. وإلا فمن الواضح خلافه ، فإنه تقييد لنصوص البلد والأرض من غير وجه.

١٥٢

( مسألة ٤٠ ) يشترط اتحاد مكان التردد [١] ، فلو كان بعض الثلاثين في مكان وبعضه في مكان آخر لم يقطع حكم السفر. وكذا لو كان مشتغلا بالسير وهو متردد ، فإنه يبقى على القصر إذا قطع المسافة. ولا يضر بوحدة المكان ، إذا خرج عن محل تردده إلى مكان آخر ـ ولو ما دون المسافة ـ بقصد العود إليه عما قريب ، إذا كان بحيث يصدق عرفاً أنه كان متردداً في ذلك المكان ثلاثين يوماً ، كما إذا كان متردداً في النجف ، وخرج منه إلى الكوفة لزيارة مسلم ، أو لصلاة ركعتين في مسجد الكوفة ، والعود إليه في ذلك اليوم ، أو في ليلته. بل أو بعد ذلك اليوم.

( مسألة ٤١ ) : حكم المتردد بعد الثلاثين كحكم المقيم في مسألة الخروج إلى ما دون المسافة مع قصد العود إليه [٢] ، في أنه يتم ذهاباً ، وفي المقصد ، والإياب ، ومحل التردد ، إذا كان قاصداً للعود إليه من حيث أنه محل تردده. وفي القصر‌

______________________________________________________

[١] لظهور الأدلة في ذلك ، كما تقدم في الإقامة. إذ لسان الدليل في البابين واحد. ومن ذلك يظهر لك الكلام في الخروج إلى ما دون المسافة بقصد العود اليه عن قريب.

[٢] إذ بعد ما عرفت من البناء على قاطعية التردد للسفر ، وأنه كالإقامة عشرة ، لا بد أن يجري فيه الكلام المتقدم في الخروج الى ما دون المسافة ، بعد نية الإقامة على نسق واحد. نعم لو بني على عدم قاطعيته وجب القصر بمجرد الخروج عن ذلك المكان ، ولو مع عدم الاعراض عنه ، بناء على كون المرجع في المقام عموم وجوب القصر على المسافر ، كما هو الظاهر.

١٥٣

بالخروج إذا أعرض عنه ، وكان العود إليه من حيث كونه منزلا له في سفره الجديد ، وغير ذلك من الصور التي ذكرناها.

( مسألة ٤٢ ) : إذا تردد في مكان تسعة وعشرين يوماً أو أقل ، ثمَّ سار الى مكان آخر وتردد فيه كذلك ـ وهكذا ـ بقي على القصر ما دام كذلك [١] إلا إذا نوى الإقامة في مكان أو بقي متردداً ثلاثين يوماً في مكان واحد.

( مسألة ٤٣ ) : المتردد ثلاثين يوماً إذا أنشأ سفراً بقدر المسافة لا يقصر إلا بعد الخروج عن حد الترخص ، كالمقيم ، كما عرفت سابقاً [٢].

______________________________________________________

[١] لعدم الدليل على وجوب التمام ، ليخرج عن عموم وجوب القصر فالعموم المذكور محكم.

[٢] وعرفت وجهه في المسألة الخامسة والستين في مبحث حد الترخص والله سبحانه أعلم.

١٥٤

فصل في أحكام صلاة المسافر

مضافاً إلى ما مر في طي المسائل السابقة

قد عرفت أنه يسقط ـ بعد تحقق الشرائط المذكورة ـ من الرباعيات ركعتان [١]. كما أنه تسقط النوافل النهارية [٢] أي نافلة الظهرين. بل ونافلة العشاء ـ وهي الوتيرة ـ أيضاً على الأقوى [٣].

______________________________________________________

فصل في أحكام صلاة المسافر‌

[١] تقدم في أول صلاة المسافر.

[٢] بلا إشكال. وعن جماعة : الإجماع عليه صريحاً وظاهرا. والنصوص الدالة عليه كثيرة ، منها : صحيح ابن مسلم عن أحدهما (ع) : « عن الصلاة تطوعاً في السفر. قال (ع) : لا تصل قبل الركعتين ولا بعدهما شيئاً نهاراً » (١) ونحوه غيره.

[٣] كما هو المشهور. وعن المنتهى : نسبته إلى علمائنا. وعن الحلي : الإجماع عليه. ويقتضيه إطلاق بعض النصوص (٢) وعن الشيخ في النهاية جواز فعلها. لخبر الفضل بن شاذان عن الرضا (ع) : « إنما صارت العتمة مقصورة ، وليس تترك ركعتاها ، لان الركعتين ليستا من الخمسين وإنما هي زيادة في الخمسين تطوعاً ، ليتم بهما بدل كل ركعة من الفريضة ركعتين من التطوع » (٣) وعن الذكرى : « إنه قوي ». وهو في محله‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢١ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢١ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث : ٢ ، ٣ ، ٧.

(٣) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث : ٣.

١٥٥

وكذا يسقط الصوم الواجب عزيمة [١] ، بل المستحب أيضاً ، إلا في بعض المواضع المستثناة. فيجب عليه القصر في الرباعيات فيما عدا الأماكن الأربعة [٢].

ولا يجوز له الإتيان بالنوافل النهارية. بل ولا الوتيرة إلا بعنوان الرجاء واحتمال المطلوبية ، لمكان الخلاف في سقوطها وعدمه. ولا تسقط نافلة الصبح ، والمغرب ، ولا صلاة الليل [٣]. كما لا إشكال في أنه يجوز الإتيان بغير الرواتب من الصلوات المستحبة [٤].

( مسألة ١ ) : إذا دخل عليه الوقت وهو حاضر ، ثمَّ سافر قبل الإتيان بالظهرين ، يجوز له الإتيان بنافلتهما سفراً [٥] ، وإن كان يصليهما قصراً. وان تركها في الوقت يجوز له قضاؤها.

______________________________________________________

فإنه مقتضى الجمع العرفي بين النصوص. لو لا شبهة الاعراض عن الخبر الموجب لسقوطه عن الحجية. وقد تقدم في أوائل الصلاة ما له نفع في المقام‌

[١] كما تقدمت الإشارة الى ذلك. وتفصيله يأتي ـ إن شاء الله ـ في محله من كتاب الصوم.

[٢] على ما يأتي قريباً إن شاء الله.

[٣] بلا خلاف. والنصوص به متظافرة ، ففي رواية الحرث : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « كان أبي (ع) لا يدع ثلاث عشرة ركعة في الليل ، في سفر ولا حضر » (١).

[٤] لإطلاق أدلتها.

[٥] هذا خلاف ما دل على سقوط نافلة المقصورة. واحتمال اختصاصه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث : ١.

١٥٦

( مسألة ٢ ) : لا يبعد جواز الإتيان بنافلة الظهر في حال السفر [١] إذا دخل عليه الوقت وهو مسافر ، وترك الإتيان بالظهر حتى يدخل المنزل ، من الوطن ، أو محل الإقامة‌

______________________________________________________

بغير هذه الصورة ، فيرجع الى عموم ثبوتها. غير ظاهر. نعم قد يقتضي ذلك موثق عمار عن أبي عبد الله (ع) : « عن الرجل إذا زالت الشمس وهو في منزله ، ثمَّ يخرج في السفر ، فقال (ع) : يبدأ بالزوال فيصليها ثمَّ يصلي الأولى بتقصير ركعتين ، لأنه خرج من منزله قبل أن تحضر الأولى وسئل : فإن خرج بعد ما حضرت الأولى. قال (ع) : يصلي الأولى أربع ركعات ، ثمَّ يصلي بعد النافلة ثمان ركعات ، لأنه خرج من منزله بعد ما حضرت الأولى. فإذا حضرت العصر صلى العصر بتقصير ، وهي ركعتان لأنه خرج في السفر قبل أن تحضر العصر » (١) إلا أن في جواز العمل به ـ مع ابتناء الحكم فيه على كون العبرة بحال الوجوب ، وعلى عدم دخول وقت الظهر بمجرد الزوال ـ إشكالا. ولا سيما مع مخالفته لعموم سقوط نافلة المقصورة. ولذا اختار في المدارك العدم ، حيث قيد جواز الإتيان بها في السفر بصورة فعل الفريضة تماماً في الحضر. وإن قال في الجواهر : « فيه نظر » ، ولم يتعرض لوجهه. اللهم إلا أن يكون مراده صورة فوات وقت النافلة. إذ حينئذ يكون عموم ما دل على قضائها محكماً. لكن الظاهر أن كلام المدارك لا يختص بذلك. وكيف كان فالإنصاف يقتضي جواز العمل بالموثق ، لأنه من قسم الحجة. ولم يثبت إعراض منهم يوجب وهنه فلا مانع من تخصيصه لعمومات السقوط. كما لا مانع من التفكيك بين دلالته في الحجية. فتأمل.

[١] هذا أيضاً خلاف إطلاق ما دل على سقوط نافلة المقصورة ، إذ‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث : ١.

١٥٧

وكذا إذا صلى الظهر في السفر ركعتين ، وترك العصر إلى أن يدخل المنزل ، لا يبعد جواز الإتيان بنافلتها في حال السفر. وكذا لا يبعد جواز الإتيان بالوتيرة في حال السفر إذا صلى العشاء أربعاً في الحضر ثمَّ سافر ، فإنه إذا تمت الفريضة صلحت نافلتها [١].

( مسألة ٣ ) : لو صلى المسافر ـ بعد تحقق شرائط القصر ـ تماماً ، فاما أن يكون عالماً بالحكم والموضوع [٢] ، أو جاهلا بهما ـ أو بإحداهما ـ ، أو ناسياً. فان كان عالماً بالحكم والموضوع عامداً ـ في غير الأماكن الأربعة ـ بطلت‌

______________________________________________________

المفروض أنه في السفر وظيفته القصر ، ومقتضى الإطلاق المتقدم سقوط نافلتها. ومجرد كونه في الواقع يصليها تماماً بعد الوصول إلى وطنه لا يوجب انقلاب تكليفه فعلا ، وإنما يوجب انقلاب تكليفه بعد ذلك ، فيلحقه حينئذ حكم النافلة ، لا فعلا. وكذا الحال في الفرض اللاحق.

[١] كأنه إشارة إلى ما في الصحيح عن أبي يحيى الحناط : « سألت أبا عبد الله (ع) عن صلاة النافلة بالنهار في السفر ، فقال (ع) : يا بني لو صلحت النافلة في السفر تمت الفريضة ». (١) ولكنه يدل على أنه مهما لا تتم الفريضة في سفر لا تشرع النافلة فيه. وإذ أن السفر في الفرض لا تتم فيه الفريضة ، فيجب أن لا تشرع فيه النافلة. لا أنه إذا صليت الفريضة تماماً ، في حضر أو سفر ، جاز الإتيان بنافلتها ، ولو سفراً ، ليدل على مشروعية النافلة في المقام.

[٢] إمكان التقرب من العالم العامد إنما يكون بالتشريع في تطبيق المأمور به على المأتي به ، لا في الأمر. والا كان خالياً عن التقرب.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢١ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث : ٤.

١٥٨

صلاته. ووجب عليه الإعادة في الوقت والقضاء في خارجه [١]. وإن كان جاهلا بأصل الحكم ، وأن حكم المسافر التقصير ، لم تجب عليه الإعادة ، فضلا عن القضاء. وأما إن كان عالماً‌

______________________________________________________

[١] إجماعاً ، كما عن الانتصار ، والغنية ، والتذكرة ، والدروس ، وشرح المفاتيح ، وظاهر المنتهى ، والنجيبية ، والذخيرة. وهو الذي يقتضيه إطلاق دليل الواقع ، حيث لا دليل على الاجزاء يقتضي الخروج عنه. مضافاً إلى صحيح زرارة ومحمد قالا : « قلنا لأبي جعفر (ع) : رجل صلى في السفر أربعاً ، أيعيد ، أم لا؟ قال (ع) : إن كان قرئت عليه آية التقصير وفسرت له ، فصلى أربعاً أعاد. وإن لم يكن قرئت عليه ، ولم يعلمها ، فلا إعادة عليه » (١) وفي خبر الأعمش : « ومن لم يقصر في السفر لم تجز صلاته ، لأنه زاد في فرض الله عز وجل » (٢) وصحيح عبيد الله ابن علي الحلبي : « قلت لأبي عبد الله (ع) : صليت الظهر أربع ركعات وأنا في سفر. قال (ع) : أعد » (٣) والظاهر أن المراد من الصحيح الأخير السؤال عن القضية الفرضية ، فإطلاقه كإطلاق غيره يشمل العامد ، لا عن القضية الخارجية ، كي يجب حمله على غير صورة العلم والعمد ، لمكان جلالة الحلبي ورفعة مقامه.

نعم يمكن أن يستشكل في اقتضائه الإعادة في خارج الوقت في العامد لوجوب تقييده بصحيح العيص بن القاسم قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل صلى وهو مسافر فأتم الصلاة. قال (ع) : إن كان في وقت فليعد ، وإن كان الوقت قد مضى فلا » (٤). بل قد يستشكل في‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ١٧ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٨.

(٣) الوسائل باب : ١٧ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٦.

(٤) الوسائل باب : ١٧ من أبواب صلاة المسافر حديث : ١.

١٥٩

______________________________________________________

الاستدلال بالصحيح الأول على الإعادة في خارج الوقت في العامد ، نظراً إلى أن بين صدره وهذا الصحيح عموماً من وجه ، لعموم هذا الصحيح للجاهل والعالم ، وعموم الأول للوقت وخارجه. وهذا التعارض بعينه جار في الجاهل بالنسبة إلى الإعادة في الوقت ، فان مقتضى إطلاق الصحيح الأول عدم وجوبها ، ومقتضى إطلاق الثاني وجوبها.

والتحقيق أن يقال : بعد صراحة الصحيح الأول بالتفصيل بين العالم والجاهل وصراحة الصحيح الثاني بالتفصيل بين الوقت وخارجه ، يمتنع الجمع بينهما بالتصرف في أحدهما دون الآخر ، لأن ذلك خلاف صريح التفصيل المذكور فيه. مثلا : التصرف في الأول ، بحمل نفي الإعادة فيه في الجاهل على نفيها في خارج الوقت ، ووجوب الإعادة المذكور فيه في العالم على وجوبها في داخل الوقت ، خلاف صريح التفصيل فيه ، لأن التفصيل إنما يحسن مع تنافي الحكمين. وكذلك التصرف في الصحيح الثاني بحمل وجوب الإعادة فيه على خصوص العالم ، ونفي القضاء فيه على خصوص الجاهل ، فإنه أيضاً خلاف صريح التفصيل بين الوقت وخارجه المذكور فيه ، لما عرفت من توقف صحة التفصيل على تباين الحكمين. فيتعين في مقام الجمع ارتكاب التصرف فيهما معاً.

وذلك ، إما بأن تحمل الإعادة وعدمها في الأول على خارج الوقت فيلزم حمل الثاني على خصوص الجاهل ، فيكون حكمه التفصيل بين الوقت وخارجه ، دون العالم ، فإنه يعيد في الوقت وخارجه. وإما بأن يحمل الأول على داخل الوقت ، فيلزم حمل الثاني على خصوص العالم. فيكون التفصيل بين الوقت وخارجه مختصاً بالعالم ، دون الجاهل ، فإنه لا يعيد لا في الوقت ولا في خارجه. وإما بأن يحمل الثاني على العالم ، فيلزم تقييد صدر الأول بالحمل على الإعادة في خصوص الوقت ، ويبقى ذيله على إطلاقه في نفي‌

١٦٠