مستمسك العروة الوثقى - ج ٨

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٨

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٤

عدم الضرر فبان الخلاف بعد الفراغ من الصوم ففي الصحة إشكال [١] ، فلا يترك الاحتياط بالقضاء. وإذا حكم الطبيب بأن الصوم مضر ، وعلم المكلف من نفسه عدم الضرر يصح صومه [٢]. وإذا حكم بعدم ضرره ، وعلم المكلف أو ظن‌

______________________________________________________

ثبوت الإطلاق في الرواية تأملا ، لورودها في مقام إرجاع الأمر إليه ، لا في مقام بيان مرتبة المرض. فتأمل.

[١] ينشأ : من كونه مريضاً واقعا. فيكون خارجاً عن موضوع الأمر بالصوم فيبطل ، كما لو صام المسافر بزعم الحضر. وفي رواية الزهري : « فإن صام في السفر أو في حال المرض فعليه القضاء ، فان الله عز وجل يقول : ( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ ... ) » (١) ومن أن الظاهر من استثناء المريض في الآية والرواية ـ بقرينة مناسبة الحكم والموضوع ـ كونه من باب التزاحم بين وجوب الصوم وحفظ النفس وأهمية الثاني ، لا لعدم الملاك في صوم المريض ، ليكون استثناؤه من باب التخصيص. وحينئذ فلو صام كان صومه واجداً لملاك الأمر ، فيصح.

ولا يرد : أن لازم ذلك الصحة حتى مع زعم ثبوت الضرر ووجوده واقعاً. لأنه مع اعتقاده الضرر ـ أو ظنه الذي هو حجة ـ يتنجز النهي عن الصوم ، لكونه علة الحرام ، فيكون معصية فيبطل ، لوقوعه على غير وجه العبادة. وعليه تحمل رواية الزهري الضعيفة. وهذا هو الأقوى ، كما مال إليه في الجواهر.

[٢] لما تقدم من موثق سماعة (٢) ونحوه غيره مما دل على رجوعه إلى نفسه. ولا دليل على حجية قول الطبيب مطلقاً حتى لو ظن بخطئه ،

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ٢.

(٢) تقدم ذلك كله في أول الشرط السادس من هذا الفصل.

٤٢١

كونه مضراً وجب عليه تركه [١] ، ولا يصح منه.

( مسألة ١ ) : يصح الصوم من النائم [٢] ولو في تمام‌

______________________________________________________

فضلا عما لو علم بخطئه ، بل الحجية حينئذ ممتنعة. وعليه يتعين عليه وجوب الصوم. وكذا لو فرض قيام البينة على الضرر ، وبني على عموم حجيتها بنحو يشمل المقام.

هذا مع احتمال الإصابة. أما مع العلم بالخطإ فلا مجال للحجية ، فيصح الصوم ، بل يجب ، كما عرفت.

[١] لما عرفت من النصوص الدالة على رجوعه إلى نفسه. ولا فرق في ذلك بين تحقق الضرر واقعاً وعدمه. أما الأول فواضح مما أشرنا اليه. وأما الثاني فلأن انتفاء الضرر واقعاً إنما يمنع عن صدق المعصية على الصوم لكنه يكون تجرؤا لمخالفة الحجة الظاهرية ، والتجرؤ يمنع من وقوع الفعل على وجه العبادة كالمعصية الحقيقية.

تنبيه : قد يستشكل في المقام وأمثاله في أن موضوع الحكم بالإفطار هو المرض الواقعي ـ كما يقتضيه ظاهر الآية (١) وجملة من الروايات ـ أو العلم به أو خوفه ـ كما يقتضيه صحيح حريز (٢) وموثق سماعة (٣) أو مجموعهما ، أو كل منهما ، كما قد يقتضيه الجمع العرفي بين الأدلة؟ لكن المتعين في الجمع العرفي : الالتزام بأن موضوع الحكم الواقعي هو المرض واقعاً. وثبوت الحكم مع العلم أو الخوف من باب الحكم العقلي الطريقي ، أو الشرعي الظاهري ، لا أنه موضوع لحكم واقعي آخر ـ ليلزم منه اجتماع حكمين مع خوف الضرر إذا كان موجوداً واقعاً ، الذي هو خلاف المرتكز العرفي ـ ولا أنه جزء موضوعه ، ليلزم تقييد إطلاق الطائفتين معاً ، كما لا يخفى.

[٢] قد عرفت في مبحث النية : أن الصوم ليس على حد غيره من‌

__________________

(١) ، (٢) ، (٣) تقدم ذلك كله في أول الشرط السادس من هذا الفصل.

٤٢٢

النهار ، إذا سبقت منه النية في الليل. وأما إذا لم تسبق منه النية ، فإن استمر نومه إلى الزوال بطل صومه ، ووجب عليه القضاء إذا كان واجباً [١]. وإن استيقظ قبله نوى وصح. كما أنه لو كان مندوباً واستيقظ قبل الغروب يصح إذا نوى.

( مسألة ٢ ) : يصح الصوم وسائر العبادات من الصبي المميز على الأقوى من شرعية عبادته [٢].

______________________________________________________

العبادات يجب وقوعه في الخارج عن داعي الأمر به كما يجب وقوعها كذلك بل يكفي وقوعه في الخارج بلا اختيار ، فضلا عن وقوعه بداع آخر. نعم لا بد من أن يكون المكلف عازماً على أنه لو تمكن من المفطرات أو بعضها وكان له دواع نفسانية إليها لكان يتركها بداعي الأمر. ولذا يصح ممن لا يتمكن من فعل المفطرات ، كالمسجون في سجن يتعذر فعل أحد المفطرات فيه ، والنائم ، ومن لا يجد داعياً إلى فعلها ، ومن يجد الصوارف الأكيدة عن فعلها.

نعم الفرق بين صوم الأخيرين وبين سائر عباداتهما إنما يتم بناء على اعتبار عدم الضميمة المستقلة غير الشرعية في صحة التقرب والتعبد. أما بناء على الاكتفاء باستقلال داعوية الأمر لو انفردت وان كانت معها ضميمة غير شرعية صالحة للاستقلال في الداعوية ، فلا فرق بين صومهما وسائر عباداتهما. ولما ذكرنا صحح الأصحاب صوم النائم من أول الفجر الى الغروب وإن كان نومه بلا اختيار.

[١] تقدم في فصل النية : الوجه في البطلان هنا ، والصحة في الفرض الآتي.

[٢] لما عرفته غير مرة : من أن مقتضى إطلاق أدلة مشروعية العبادات‌

٤٢٣

ويستحب تمرينه عليها [١] ، بل التشديد عليه لسبع. من‌

______________________________________________________

عدم الفرق بين الكبير والصغير. وحديث : رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم (١) ، لما كان امتنانياً لا يصلح أن يرفع نفس المشروعية التي هي من لوازم ملاك الأمر أو الرجحان ، إذ ليس في رفعها امتنان ، وإنما يرفع مجرد الإلزام ، لأن في رفعه كمال الامتنان.

[١] بلا خلاف ولا إشكال. وإنما الخلاف في مبدئه ، فعن المفيد (ره) وغيره : أنه إذا قدر على صيام ثلاثة أيام متواليات. وقد يشهد له خبر السكوني عن أبي عبد الله (ع) : « إذا أطاق الغلام صوم ثلاثة أيام متتابعة فقد وجب عليه صوم شهر رمضان » (٢) ‌وعن المعتبر : أنه يمرن لست سنين. وليس عليه دليل ظاهر. وعن المبسوط وجماعة : أنه يمرن لسبع وقد يشهد له مصحح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) ـ في حديث ـ « إنا نأمر صبياننا بالصيام إذا كانوا بني سبع سنين بما أطاقوا من صيام اليوم ، فان كان إلى نصف النهار ، أو أكثر من ذلك ، أو أقل. فإن غلبهم العطش والغرث (٣) أفطروا حتى يتعودوا الصوم ويطيقوه. فمروا صبيانكم إذا كانوا بني تسع سنين بالصوم ما أطاقوا من صيام فاذا غلبهم العطش أفطروا » (٤) وفي دلالته تأمل ظاهر. فالأولى أن يجعل دليلا على ما عن النهاية : من أنه يمرن لتسع ، كمرسل الفقيه عن الصادق (ع) : « الصبي يؤخذ بالصيام إذا بلغ تسع سنين على قدر ما يطيقه ، فإن أطاق إلى الظهر أو بعده صام إلى ذلك الوقت ، فاذا غلب عليه الجوع والعطش أفطر » (٥). نعم عن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب مقدمات العبادات حديث : ١١.

(٢) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ٥.

(٣) الغرث : بالتحريك الجوع.

(٤) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ٣.

(٥) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ١١.

٤٢٤

غير فرق بين الذكر والأنثى في ذلك كله [١].

( مسألة ٣ ) : يشترط في صحة الصوم المندوب مضافاً إلى ما ذكر ـ : أن لا يكون عليه صوم واجب [٢] ، ـ من‌

______________________________________________________

المختلف : رواية المصحح في المقامين : ( سبع ) (١) وعليه يتم الاستدلال.

وكيف كان فمقتضى الجمع بين هذه النصوص وغيرها من المطلقات : البناء على اختلاف مراتب التأكيد باختلاف مراتب العمر. وما في المتن ـ تبعاً للشرائع وغيرها ـ إنما يتم بناء على ثبوت رواية السبع. اللهم إلا أن يكتفى بفتوى الشرائع وغيرها في الحكم.

[١] في محكي المدارك : « قطع الأصحاب باستحباب تمرينها قبل البلوغ والتشديد عليها لسبع. ولا ريب في استحباب التمرين. إلا أن تعيين مبدئه يتوقف على الدليل ». وكأنه لاختصاص النصوص بالذكر ، فالتعدي إلى الأنثى محتاج إلى قرينة مفقودة. ولا سيما بملاحظة اختلافهما في وقت الوجوب. وقاعدة الاشتراك لا مجال لها ، لعدم الدليل عليها فيه.

[٢] كما هو المشهور شهرة عظيمة ، بل قيل لا خلاف فيه إلا من السيد (ره) في المسائل الرسية ، وعن جماعة موافقته ، منهم العلامة في القواعد ويشهد للأول صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « سألته عن ركعتي الفجر قال (ع) : قبل الفجر .. الى أن قال : أتريد أن تقايس؟ لو كان عليك من شهر رمضان أكنت تتطوع إذا دخل عليك وقت الفريضة! فابدأ بالفريضة » (٢) ومصحح الحلبي : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل عليه من شهر رمضان طائفة ، أيتطوع؟ فقال (ع) : لا ، حتى يقضي ما عليه من شهر رمضان » (٣) ومثله خبر الكناني عنه (ع) (٤).

__________________

(١) راجع المختلف صفحة : ٦٤.

(٢) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ٥.

(٤) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ٦.

٤٢٥

قضاء ، أو نذر ، أو كفارة ، أو نحوها ـ [١].

______________________________________________________

ومنهما يظهر ضعف القول الثاني. إذ ليس المستند فيه إلا الإطلاق الواجب تقييده بما عرفت. أو القياس على الصلاة ، بناء على الجواز فيها وهو لا مجال للعمل به. ولا سيما في قبال النص.

[١] كما عن ظاهر الأكثر. ويشهد له ما في الوسائل عن الفقيه ، بإسناده عن الحلبي ـ وبإسناده عن أبي الصباح الكناني ـ جميعاً ، عن أبي عبد الله (ع) : « لا يجوز أن يتطوع الرجل بالصيام وعليه شي‌ء من الفرض » (١) قال : « وقد وردت بذلك الأخبار والآثار عن الأئمة عليهم‌السلام » (٢) وفي كتاب المقنع : « اعلم أنه لا يجوز أن يتطوع الرجل وعليه شي‌ء من الفرض كذلك وجدته في كل الأحاديث » (٣).

ومنه يظهر ضعف ما عن السيد (ره) ، وظاهر الكليني ، والمدارك وبعض من تأخر عنه. من الجواز في مطلق الواجب غير قضاء رمضان ، للأصل. إذ لا مجال للأصل مع النصوص. وتوهم : أنه لا مجال للأخذ بها لتعارضها ، لإطلاق بعضها ، وتقييد الآخر بمن عليه قضاء شهر رمضان ويحمل المطلق على المقيد. مندفع : بأن الحمل إنما يكون مع التنافي ، ولا تنافي بين إطلاق المنع وخصوصه.

هذا ولكن قد يشكل العمل بالرواية العامة ، فإن الموجود في الفقيه هكذا : « باب الرجل يتطوع بالصيام وعليه شي‌ء من الفرض : وردت الاخبار والآثار عن الأئمة عليهم‌السلام أنه لا يجوز أن يتطوع الرجل بالصيام وعليه شي‌ء من الفرض. وممن روى ذلك الحلبي وأبو الصباح‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ٤.

٤٢٦

مع التمكن من أدائه [١]. وأما مع عدم التمكن منه ـ كما إذا كان مسافراً وقلنا بجواز الصوم المندوب في السفر ، أو كان في المدينة وأراد صيام ثلاثة أيام للحاجة ـ فالأقوى صحته. وكذا إذا نسي الواجب وأتى بالمندوب فإن الأقوى صحته [٢] إذا تذكر بعد الفراغ. وأما إذا تذكر في الأثناء قطع. ويجوز‌

______________________________________________________

الكناني عن أبي عبد الله (ع) » (١). وهو مخالف لما تقدم في الوسائل. والمظنون قوياً : أن الصدوق (ره) عنى ـ بالروايتين في كلامه المذكور ـ الروايتين السابقتين في قضاء شهر رمضان ، المرويتين في الوسائل عن الكافي في آخر الباب المعقود له (٢) ، وفهم الصدوق (ره) منهما مطلق الفرض ، لا روايتين غيرهما. ولأجل ذلك اقتصر في الكافي والتهذيب على روايتهما فقط (٣). فلاحظ. والمظنون قوياً أيضاً : أنهما المعني بالمرسل في المقنع. وعليه فيشكل ما عليه المشهور ، إذ لا مأخذ له على هذا. فتأمل جيداً.

[١] كما عن ظاهر جماعة ، منهم الدروس والمدارك. لأن إطلاق النصوص منصرف إلى ذلك ، بتوسط ارتكاز أهمية الفرض المانعة من صلاحية التطوع لمزاحمته. ولا مجال لذلك مع عدم التمكن منه.

[٢] كما جزم به في الجواهر. وقرب العدم في صورة عدم التمكن من الواجب. وكأنه فرق من دون فارق ، لعين الوجه السابق. إذ غاية ما يقتضيه النسيان عدم التمكن من المنسي ، بل الصحة مع النسيان أخفى ، لإمكان دعوى الانصراف إلى صورة عدم التمكن من غير جهته ، كما لا يخفى.

__________________

(١) الفقيه ج ٢ صفحة ٨٧ طبع النجف الأشرف.

(٢) المراد بهما : ما رواه في الوسائل باب : ٢٨ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث : ٥ ، ٦.

(٣) لاحظ الكافي ج ٤ صفحة ١٢٣ طبع إيران الحديثة ، التهذيب ج ٤ ص ٢٧٦ طبع النجف الأشرف.

٤٢٧

تجديد النية حينئذ للواجب مع بقاء محلها [١] ، كما إذا كان قبل الزوال. ولو نذر التطوع على الإطلاق صح [٢] وإن كان عليه واجب ، فيجوز أن يأتي بالمنذور قبله بعد ما صار واجباً [٣]. وكذا لو نذر أياماً معينة يمكن إتيان الواجب قبلها [٤]. وأما لو نذر أيام معينة لا يمكن إتيان الواجب قبلها ففي صحته اشكال ، من أنه بعد النذر يصير واجباً ، ومن أن التطوع قبل الفريضة غير جائز فلا يصح نذره.

ولا يبعد أن يقال : إنه لا يجوز بوصف التطوع [٥] ، وبالنذر يخرج عن الوصف ، ويكفي في رجحان متعلق النذر‌

______________________________________________________

[١] على ما سبق.

[٢] لأن اشتغال الذمة بالواجب إنما يمنع عن صحة التطوع لا عن صحة نذره.

[٣] لا يخلو من إشكال ، لأنه إذا كان لا يجوز التطوع لمن عليه الفرض ، فلا يجوز أن يكون للمنذور إطلاق يشمله ، بل يختص بغيره ، فلا يكون الإتيان به قبل الواجب فرداً للمنذور.

[٤] الاشكال فيه كما سبق. وحينئذ فلو نذر كذلك ، وقصد الصوم الصحيح شرعاً ، وجب الإتيان بالواجب من باب المقدمة لصحة المنذور ، ثمَّ يأتي بالمنذور بعده.

[٥] هذا غير معقول ، لأن ذات التطوع إن كانت راجحة امتنع النهي عن التطوع بها ، لأن التطوع بالراجح من المستقلات العقلية ، كالتطوع بالواجب. وإن كانت مرجوحة امتنع نذرها ، لاعتبار الرجحان في متعلق النذر.

٤٢٨

رجحانه ولو بالنذر [١]. وبعبارة أخرى : المانع هو وصف الندب ، وبالنذر يرتفع المانع.

( مسألة ٤ ) : الظاهر جواز التطوع بالصوم إذا كان ما عليه من الصوم الواجب استئجارياً [٢]. وإن كان الأحوط تقديم الواجب.

______________________________________________________

[١] هذا ـ مع أنه خلاف ظاهر الأدلة ـ خلاف مضمون صيغة النذر فان ما لا يكون راجحاً عنده سبحانه لا يمكن أن يجعل له تعالى على المكلف كما أن ما لا يكون محبوباً لزيد لا يمكن جعله لزيد شرطاً في عقد ، بل إذا كان مبغوضاً له يكون عليه لا له ، فتقول : « لزيد علي أن أعطيه درهماً » ولا تقول : « لزيد علي أن آخذ منه درهماً ». إلا أن يكون أخذ الدرهم منه محبوباً له ولو بالعرض. وقد أشرنا إلى ذلك أيضاً في مبحث التطوع بالصلاة لمن عليه فريضة.

[٢] الصورة المتصورة في المقام أربع ، لأنه تارة : يكون الواجب والتطوع لنفسه ، وأخرى : يكونان لغيره ، وثالثة : يكون الواجب لنفسه والتطوع لغيره ، ورابعة : بالعكس.

والمتيقن من النصوص السابقة : الصورة الأولى. ويجري حكمها في الثانية ، لأنه إذا لم يشرع للمنوب عنه التطوع ـ لثبوت الواجب عليه ـ لا يشرع للنائب ، لتفرع المشروعية للنائب على المشروعية للمنوب عنه. اللهم إلا أن يكون عدم المزاحمة للواجب من شرائط الأداء ، لا من شرائط المؤدى كما هو الأقرب. ومنه يظهر : أن حكم الثالثة البطلان ، فإن أداء التطوع ولو عن الغير لا يصح لمن عليه الفرض.

والظاهر الصحة في الصورة الرابعة المذكورة في المتن ، لأن الواجب بالاستيجار ليس على المتطوع ، بل على المنوب عنه ، والنائب يؤدي ما هو

٤٢٩

فصل في شرائط وجوب الصوم

وهي أمور : الأول والثاني : البلوغ والعقل ، فلا يجب على الصبي ، والمجنون [١]. إلا أن يكملا قبل طلوع الفجر [٢] ، دون ما إذا كملا بعده ، فإنه لا يجب عليهما وإن لم يأتيا بالمفطر [٣] بل وإن نوى الصبي الصوم ندباً [٤]. لكن الأحوط ـ مع عدم‌

______________________________________________________

فرض على غيره ، فلا تشمله النصوص. وقواه في الجواهر وغيرها.

فصل في شرائط وجوب الصوم

[١] إجماعاً. لحديث رفع القلم عنهما‌ (١)

[٢] فلا خلاف ولا إشكال في وجوب الصوم عليهما ـ كما في الجواهر ـ لإطلاق دليل الوجوب.

[٣] خلافاً لما عن الوسيلة : من وجوب الصوم عليه حينئذ ، لإطلاق دليله. وفيه : أنه لا دليل على الاجتزاء بالنية من حين البلوغ ، بل لا بد فيه من اعتبار النية من حين الفجر ، والمفروض عدمها. فتأمل ، وراجع ما سبق في النية. ولو كان قد أتى بالمفطر فلا ريب في عدم وجوب الصوم إذ لا يشرع صوم البعض.

[٤] خلافاً لما عن الخلاف والمعتبر والمدارك : من وجوب الصوم عليه حينئذ ، لإطلاق الدليل. وفيه : ما عرفت. اللهم إلا أن يقال : بناء‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب مقدمات العبادات حديث : ١١.

٤٣٠

إتيان المفطر ـ الإتمام ، والقضاء [١] إذا كان الصوم واجباً معيناً. ولا فرق في الجنون بين الإطباقي والأدواري [٢] إذا كان يحصل في النهار ولو في جزء منه [٣]. وأما لو كان دور جنونه في الليل ، بحيث يفيق قبل الفجر فيجب عليه.

الثالث : عدم الاغماء ، فلا يجب معه الصوم ولو حصل في جزء من النهار. نعم لو كان نوى الصوم قبل الإغماء فالأحوط إتمامه [٤].

______________________________________________________

على التحقيق من شرعية عبادات الصبي ، وأنها كعبادة البالغ ، غير أنها قد رفع الإلزام بها لمصلحة اقتضت ذلك ، فاذا نوى الصبي الصوم قبل الفجر فصام ، وفي أثناء النهار بلغ ، اختص رفع الإلزام بما قبل البلوغ ، وأما بعده فدليل اللزوم بحاله. ودعوى : أن موضوع اللزوم على البالغ هو تمام اليوم لا بعضه. ممنوعة على نحو الكلية ، بل يجوز تكليف البالغ بالبعض المتمم للكل إذا ساعدت عليه الأدلة ، كما في المقام ، فان تفويت المصلحة الملزمة لو لا الصبا حرام ، وهو يترتب على الإفطار حين البلوغ في الأثناء. ونظير المقام : ما لو صلى في آخر الوقت وقد بلغ في الأثناء ، فإنه يجب عليه إتمام صلاته.

[١] يعني : القضاء على تقدير عدم الإتمام ، إذ مع الإتمام لا فوت للصوم ، كي يحتمل وجوب قضائه. ويحتمل أن يكون إطلاق القضاء في العبارة خروجاً عن شبهة خلاف ما عن الاقتصاد : من وجوب القضاء عليه مع عدم وجوب الإمساك.

[٢] لإطلاق دليل حكمه.

[٣] لما تقدم : من منافاته للصوم ، وليس هو كالإغماء.

[٤] يجري فيه ما تقدم في الصبي ، بناء على أن الإغماء غير مناف‌

٤٣١

الرابع : عدم المرض [١] الذي يتضرر معه الصائم. ولو برئ بعد الزوال ولم يفطر لم يجب عليه النية والإتمام [٢] وأما لو برئ قبله ولم يتناول مفطراً. فالأحوط أن ينوي ويصوم [٣] ، وإن كان الأقوى عدم وجوبه.

______________________________________________________

للصوم ، كما تقدم في الفصل السابق. وعليه يجب إتمامه ويصح صوماً إذا بقي محل النية.

[١] بلا خلاف ولا إشكال ، بل لعله ضروري. لاتفاق الكتاب المجيد ، والسنة المتواترة عليه.

[٢] لفوات محل النية.

[٣] كما هو المشهور ، وفي المدارك : نسبته إلى علمائنا أجمع ، وعن المفاتيح : أنه لا خلاف فيه ، وفي الذخيرة : حكاية الإجماع من بعض عليه وهو في محله بناء على أن الأصل يقتضي بقاء محل النية إلى الزوال. وإلا فلا وجه له إلا استفادته مما ورد في المسافر والجاهل ، ومن دعوى الإجماع المتقدمة. والاستفادة محل نظر. وما في المدارك ـ من أن المريض أعذر من المسافر ـ لا يجدي في الاستفادة ، لعدم إحراز المناط. وثبوت الإجماع بنحو يصح الاعتماد عليه مشكل ، وان كان قريباً ، إذ أنه لا يظهر خلاف فيه من أحد. وما عن ابني زهرة وحمزة ـ من استحباب إمساك المريض إذا برئ ـ ليس فيما نحن فيه. فراجع.

ثمَّ إن محل الكلام إن كان في مريض كان لا يضره الصوم ، بشهادة أنه أمسك وبرئ ، غاية الأمر أنه كان يعتقد أنه يضره الصوم تمام اليوم فلما برئ في الأثناء انكشف خطأه ، فمثله يجب عليه الصوم واقعاً ، فبعد انكشاف الحال كيف يحتمل أنه مفطر وأنه يجوز له الأكل والشرب؟! بل يكون كالجاهل الذي علم في أثناء النهار أن اليوم من رمضان. نعم‌

٤٣٢

الخامس : الخلو من الحيض والنفاس [١] ، فلا يجب معهما وإن كان حصولهما في جزء من النهار.

السادس : الحضر ، فلا يجب على المسافر الذي يجب عليه قصر الصلاة ، بخلاف من كان وظيفته التمام ـ كالمقيم عشراً والمتردد ثلاثين يوماً ، والمكاري ، ونحوه ، والعاصي بسفره ـ فإنه يجب عليه التمام. إذ المدار في تقصير الصوم على تقصير الصلاة ، فكل سفر يوجب قصر الصلاة يوجب قصر الصوم وبالعكس [٢].

( مسألة ١ ) : إذا كان حاضراً فخرج إلى السفر ، فان كان قبل الزوال وجب عليه الإفطار [٣] ، وإن كان بعده‌

______________________________________________________

يبقى الإشكال في الاكتفاء بصومه من جهة عدم النية أول النهار. وان كان في مريض كان يضره الصوم ولو أول النهار ، فكان إمساكه موجباً تضرره المحرم ، وبعد تضرره برئ وبقي متضرراً ، فلا يظن من أحد الالتزام بصحة صومه بعد البرء ، لوقوعه على الوجه المحرم ، المنافي لعباديته ـ كالرياء ـ حسبما تقدم.

نعم لو كان الإمساك حرجاً عليه ، فأقدم عليه مدة من أول النهار ثمَّ ارتفع الحرج ، كان الإشكال في صحة صومه من جهة عدم النية عند الفجر في محله. وحينئذ يكون حكمه حكم المغمى عليه أول النهار إذا أفاق قبل الزوال. وقد تقدم. فلاحظ.

[١] كما تقدم.

[٢] تقدم الكلام فيه في الفصل السابق.

[٣] تقدم الكلام فيه.

٤٣٣

وجب عليه البقاء على صومه. وإذا كان مسافراً وحضر بلده أو بلداً يعزم على الإقامة فيه عشرة أيام ، فإن كان قبل الزوال ولم يتناول المفطر وجب عليه الصوم [١] ،

______________________________________________________

[١] بلا خلاف ظاهر. لموثق أبي بصير : « سألته عن الرجل يقدم من سفر في شهر رمضان. فقال (ع) : إن قدم قبل زوال الشمس فعليه صيام ذلك اليوم ، ويعتد به » (١) وموثق سماعة : « إن قدم بعد زوال الشمس أفطر ، ولا يأكل ظاهراً. وإن قدم من سفره قبل زوال الشمس فعليه صيام ذلك اليوم إن شاء » (٢) ورواية البزنطي : « سألت أبا الحسن (ع) عن رجل قدم من سفر في شهر رمضان ولم يطعم شيئاً قبل الزوال. قال (ع) : يصوم » (٣) ومصحح يونس : « قال في المسافر يدخل أهله وهو جنب قبل الزوال ولم يكن أكل ، فعليه أن يتم صومه ، ولا قضاء عليه » (٤) ونحوها غيرها.

نعم يظهر من جملة أخرى خلاف ذلك ، كصحيح ابن مسلم : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يقدم من سفر في شهر رمضان ، فيدخل أهله حين يصبح ، أو ارتفاع النهار. قال (ع) : إذا طلع الفجر وهو خارج ولم يدخل أهله فهو بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر » (٥) وصحيحه الآخر عن أبي عبد الله (ع) : « فاذا دخل أرضاً قبل طلوع الفجر وهو يريد الإقامة بها فعليه صوم ذلك اليوم. وان دخل بعد طلوع الفجر فلا‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ٦ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ٧.

(٣) الوسائل باب : ٦ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ٦ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ٥.

(٥) الوسائل باب : ٦ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ٣.

٤٣٤

وإن كان بعده ، أو تناول فلا [١] ، وإن استحب له الإمساك‌

______________________________________________________

صيام عليه ، وإن شاء صام » (١) بل قد يظهر ذلك من موثق سماعة المتقدم. لكن يجب حملها على التخيير قبل القدوم بين الإمساك إلى أن يدخل فيصوم ، وبين الإفطار والبقاء عليه بعد الدخول ، كما قد يظهر من صحيحة رفاعة بن موسى قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يقبل في شهر رمضان من سفر حتى يرى أنه سيدخل أهله ضحوة أو ارتفاع النهار. قال (ع) : إن طلع الفجر وهو خارج ولم يدخل فهو بالخيار إن شاء صام ، وإن شاء أفطر » (٢) فالخيار له في حال كونه خارجاً ولم يدخل لا بعد ما دخل. فان لم يمكن ذلك الحمل فلتطرح ، لإعراض الأصحاب عنها. فما عن ابن زهرة : من إطلاق استحباب الإمساك للمسافر إذا قدم أهله ، ضعيف. أو محمول على ما لا يخالف ما ذكر.

ثمَّ إن إطلاق فرض السؤال في مصحح يونس المتقدم وان كان بمقتضى ترك الاستفصال العموم للجنابة العمدية ، لكن قول الامام (ع) في الجواب « أن يتم صومه » دليل على أن المراد بالجنابة الاحتلام ونحوه مما لا يضر في الصوم ، فيكون موضوع الحكم : الذي لم يستعمل جميع المفطرات في ذلك اليوم إلى أن دخل البلد. فالاخبار واردة لتشريع الامتثال ، لا لتشريع موضوع الامتثال.

[١] بلا خلاف فيه ظاهر أيضاً. لموثق سماعة المتقدم‌ ، بعد حمله على ما سبق. ومعتبر ابن مسلم : « عن الرجل يقدم من سفر بعد العصر في شهر رمضان ، فيصيب امرأته حين طهرت من الحيض ، أيواقعها؟ قال (ع) : لا بأس به » (٣) فما عن الشيخ (ره) ـ من إطلاق وجوب‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٦ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٧ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ٤.

٤٣٥

بقية النهار [١]. والظاهر أن المناط كون الشروع في السفر قبل الزوال أو بعده [٢] ، لا الخروج عن حد الترخص. وكذا في الرجوع المناط دخول البلد. لكن لا يترك الاحتياط بالجمع إذا كان الشروع قبل الزوال والخروج عن حد الترخص بعده وكذا في العود إذا كان الوصول إلى حد الترخص قبل الزوال والدخول في المنزل بعده.

( مسألة ٢ ) : قد عرفت التلازم بين إتمام الصلاة والصوم ، وقصرها والإفطار. لكن يستثنى من ذلك موارد :

أحدها : الأماكن الأربعة ، فإن المسافر يتخير فيها بين القصر والتمام في الصلاة ، وفي الصوم يتعين الإفطار [٣].

الثاني : ما مر من الخارج إلى السفر بعد الزوال [٤] ،

______________________________________________________

الصوم ، وسقوط القضاء عنه ، إذا لم يكن قد فعل ما ينقض الصوم ـ محمول على ما قبل الزوال. أو مدفوع بما عرفت. وعن السرائر : أنه مخالف للإجماع.

[١] كما يشهد به جملة من النصوص ، كموثق سماعة : « سألته عن مسافر دخل أهله قبل زوال الشمس وقد أكل. قال (ع) : لا ينبغي له أن يأكل يومه ذلك شيئاً. ولا يواقع في شهر رمضان » (١) ونحوه غيره.

[٢] لأن الظاهر من أدلة حد الترخص كونها مقيدة لإطلاق أدلة أحكام المسافر ، لا حاكمة عليها بجعل ما دون الحد من البلد ، كي يكون حد الترخص حداً للسفر ابتداء وغاية ، بل الحد حد للترخص ، لا للسفر.

[٣] تقدم الكلام فيه في صلاة المسافر.

[٤] مر الكلام فيه.

__________________

(١) الوسائل باب : ٧ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ١.

٤٣٦

فإنه يتعين عليه البقاء على الصوم ، مع أنه يقصر في الصلاة [١].

الثالث : ما مر من الراجع من سفره ، فإنه إن رجع بعد الزوال يجب عليه الإتمام ، مع أنه يتعين عليه الإفطار.

( مسألة ٣ ) : إذا خرج إلى السفر في شهر رمضان لا يجوز له الإفطار إلا بعد الوصول إلى حد الترخص [٢]. وقد مر سابقاً : وجوب الكفارة عليه إن أفطر قبله [٣].

( مسألة ٤ ) : يجوز السفر اختياراً في شهر رمضان [٤] ،

______________________________________________________

[١] هذا على المشهور ـ وكذا ما يأتي في الثالث ـ حسبما تقدم في صلاة المسافر.

[٢] بلا خلاف ولا إشكال ـ كما في الجواهر ـ في وجوب الكفارة عليه لو أفطر قبله ، فضلا عن وجوب القضاء. للقاعدة المتقدمة ، المتضمنة للملازمة بين التقصير والإفطار.

[٣] مر في المسألة الحادية عشرة من فصل الكفارة.

[٤] على المشهور شهرة عظيمة كادت أن تكون إجماعاً. إذ لا يعرف الخلاف فيه إلا من الحلبي ، فإنه حكي عنه أنه قال : إذا دخل الشهر على حاضر لم يحل له السفر مختاراً. لقوله تعالى ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) (١) بناء على أن المراد منه الحاضر في أوله ، كما يشهد له جملة من النصوص الآتية. ولخبر أبي بصير ، الذي رواه المشايخ الثلاثة على اختلاف يسير لا يضر بالاستدلال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الخروج إذا دخل شهر رمضان. فقال (ع) : لا ، إلا فيما أخبرك به : خروج إلى مكة ، أو غزو في سبيل الله تعالى ، أو مال تخاف هلاكه ، أو أخ تخاف هلاكه. وإنه ليس أخاً من الأب والأم » (٢) ومرسل علي بن‌

__________________

(١) البقرة : ١٨٥.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ٣.

٤٣٧

______________________________________________________

أسباط عن رجل عن أبي عبد الله (ع) : « إذا دخل شهر رمضان فلله تعالى فيه شرط قال الله تعالى ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ). فليس للرجل إذا دخل شهر رمضان أن يخرج ، إلا في حج ، أو عمرة ، أو مال يخاف تلفه ، أو أخ يخاف هلاكه ، وليس له أن يخرج في إتلاف مال أخيه. فإذا مضت ليلة ثلاث وعشرين فليخرج حيث يشاء » (١) ونحوهما خبر أبي بصير الآخر (٢) وحديث الأربعمائة عن علي (ع) (٣) وخبر الحسين بن المختار عن أبي عبد الله (ع) (٤).

نعم يعارضها : صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (ع) : « عن الرجل يعرض له السفر في شهر رمضان ، وهو مقيم وقد مضى منه أيام. فقال (ع) : لا بأس بأن يسافر ، ويفطر ولا يصوم » (٥) ولو بني على كون مقتضى الجمع : تقيد الصحيح بموارد الاستثناء فيها. أو ظهوره في كون السؤال فيه عن حكم الإفطار والصوم في السفر ، لا السؤال عن حكم نفس السفر ، كفى في وجوب رفع اليد عن النصوص الأول صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال : « سألته عن الرجل يدخل شهر رمضان وهم مقيم لا يريد براحاً ، ثمَّ يبدو له بعد ما يدخل شهر رمضان أن يسافر. فسكت ، فسألته غير مرة ، فقال (ع) : يقيم أفضل إلا أن تكون له حاجة لا بد له من الخروج فيها ، أو يتخوف على ماله » (٦). المعتضد أو المؤيد بحسن حماد :

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ٧.

(٣) الوسائل باب : ٣ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ٣ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ٨.

(٥) الوسائل باب : ٣ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ٢.

(٦) الوسائل باب : ٣ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ١.

٤٣٨

بل ولو كان للفرار من الصوم [١] ، كما مر. وأما غيره من الواجب المعين فالأقوى عدم جوازه [٢] ، إلا مع الضرورة. كما أنه لو كان مسافراً وجب عليه الإقامة لإتيانه مع الإمكان.

______________________________________________________

« رجل من أصحابنا جاءني خبره من الأعوص ، وذلك في شهر رمضان ، أتلقاه وأفطر؟ قال (ع) : نعم. قلت : أتلقاه وأفطر ، أو أقيم وأصوم قال (ع) : تلقاه وأفطر » (١) والمرسل الوارد في تفصيل السفر لمشايعة المؤمن والإفطار على الإقامة والصوم (٢).

هذا ومقتضى صحيح الحلبي أفضلية الإقامة من جهة إدراك الصوم ، ولا يبعد أن يكون النهي عن السفر في النصوص الأول عرضياً لملازمته لترك الأفضل.

[١] للإطلاق المتقدم.

[٢] لأن الحضر من شرائط الواجب ، فيجب تحصيله ، كسائر شرائط الواجب. ويشهد لذلك : صدق الفوت بترك الصوم في السفر ، ووجوب القضاء ، ولو كان من شرائط الوجوب التي لا يجب تحصيلها لم يكن وجه لذلك ، لأن انتفاء شرائط الوجوب يقتضي انتفاء الملاك المشرع للواجب ، ومع انتفائه لا معنى للفوات والقضاء.

فان قلت : لو كان الحضر من شرائط الوجود لحرم السفر في شهر رمضان ، لاقتضائه ترك الصوم الواجب ، فجوازه دليل على أنه من شرائط الوجوب. قلت : وجوب تحصيل شرط الواجب يتوقف على أخذ مطلق وجوده شرطاً للواجب. أما لو كان المأخوذ شرطاً له وجوده لا بداعي الأمر امتنع وجوب تحصيله ، للزوم الخلف ، فان حصوله يكون بداعي‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٠ من أبواب صلاة المسافر حديث : ٣.

٤٣٩

______________________________________________________

الأمر ، كما هو ظاهر.

فان قلت : إذا كان المأخوذ شرطاً للصوم الحضر من باب الاتفاق ـ لا من قبل الأمر ـ لم يجب تحصيله مطلقاً ، بلا فرق بين شهر رمضان وغيره من الواجب المعين ، فلا وجه لدعوى وجوب الإقامة في الواجب المعين غير رمضان. قلت : قيام الدليل الخاص على كون الشرط خصوص الوجود من باب الاتفاق في شهر رمضان لا يقتضي جواز التعدي عنه إلى سائر أنواع الصوم الواجب المعين.

اللهم إلا أن يقال : إذا ثبت كون الشرط في صوم رمضان الحضر من باب الاتفاق ، فلا بد من التعدي إلى غيره ، كما تقتضيه قاعدة الإلحاق التي استقر بناؤهم على العمل بها في سائر الحدود المعتبرة في صوم رمضان وسائر الموارد ، إلا أن يقوم دليل على خلافها. ولا سيما بملاحظة اعتضادها بما ورد في المعين بالنذر ، كرواية عبد الله بن جندب : « سمعت من زرارة عن أبي عبد الله (ع) : أنه سأله عن رجل جعل على نفسه نذر صوم (*) يصوم ، فحضرته نية في زيارة أبي عبد الله (ع). قال (ع) : يخرج ولا يصوم في الطريق ، فاذا رجع قضى ذلك » (١) وقريب منه غيره مما هو مذكور في باب صوم النذر في السفر. ولذلك اختار في الجواهر : عدم وجوب الإقامة في الصوم المعين مطلقاً ، رمضان كان ، أو قضاؤه ، أو كفارة أو نذر ـ وكذا في نجاة العباد ـ وأمضاه شيخنا الأعظم (ره) ، وسيدنا‌

__________________

(*) كذا في صوم الوسائل عن التهذيب. وفي كتاب النذر عن الكافي : « نذراً صوما » (٢) وبين المتنين اختلافات أخر. فراجع. منه قدس‌سره.

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ٥ ، التهذيب ج ٤ صفحة ٣٣٣ ، ج ٧ صفحة ٣٠٦ طبع النجف الأشرف.

(٢) الوسائل باب : ١٣ من أبواب النذر حديث : ١ ، الكافي ج ٧ صفحة ٤٥٧ طبع إيران الحديثة.

٤٤٠