مستمسك العروة الوثقى - ج ٨

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٨

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٤

لتكتب صلاته صلاة الصائم [١]. إلا أن يكون هناك من ينتظره للإفطار [٢] ، أو تنازعه نفسه على وجه يسلبه الخضوع والإقبال [٣] ـ ولو كان لأجل القهوة والتتن والترياك ـ فإن الأفضل حينئذ الإفطار ، ثمَّ الصلاة مع المحافظة على وقت الفضيلة بقدر الإمكان.

______________________________________________________

أن يحبسهم عن عشائهم فليفطر معهم. وإن كان غير ذلك فليصل ، ثمَّ ليفطر » (١). ونحوه غيره. وليس فيها التنصيص على ذكر العشاءين ، بل الظاهر من الصلاة فيها المغرب لا غير. وكذا فيما عن دعائم الإسلام : « السنة تعجيل الفطر ، وتأخير السحور ، والابتداء بالصلاة ، يعني : صلاة المغرب .. » (٢).

[١] كذا في نجاة العباد. وظاهرهما : أنه مضمون رواية ، ولم أعثر عليها. نعم في موثق زرارة وفضيل عن أبي جعفر (ع) ـ في حديث ـ : « تصلي وأنت صائم ، فتكتب صلاتك تلك فتختم بالصوم أحب إلي » (٣) وفي محكي المقنعة روايتها : « وتكتب صلاتك وأنت صائم أحب الي » (٤).

[٢] كما تضمنته جملة من النصوص ، منها صحيح الحلبي المتقدم‌ (٥).

[٣] ففي مرسل المقنعة : « وإن كنت ممن تنازعك نفسك للإفطار ، وتشغلك شهوتك عن الصلاة ، فابدأ بالإفطار ، ليذهب عنك وسواس النفس اللوامة ، غير أن ذلك مشروط : بأن لا تشتغل بالإفطار قبل الصلاة إلا أن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٧ من أبواب آداب الصائم حديث : ١.

(٢) مستدرك الوسائل باب : ٦ من أبواب آداب الصائم حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٧ من أبواب آداب الصائم حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٧ من أبواب آداب الصائم حديث : ٤.

(٥) تقدم ذلك قريباً في هذه المسألة.

٤٠١

( مسألة ١ ) : لا يشرع الصوم في الليل [١] ، ولا صوم مجموع الليل والنهار. بل ولا إدخال جزء من الليل فيه إلا بقصد المقدمية.

فصل في شرائط صحة الصوم

وهي أمور :

الأول : الإسلام ، والايمان ، فلا يصح من غير المؤمن [٢]

______________________________________________________

يخرج وقت الصلاة » (١).

[١] هذا وما بعده من القطعيات ، كما عرفت.

فصل في شرائط صحة الصوم‌

[٢] إجماعاً محققاً. ويشهد له من الكتاب ـ في الأول ـ قوله تعالى : ( وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلاّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ ) (٢) وقوله تعالى ( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ) (٣) ، وقوله تعالى : ( وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً ) (٤) ومن السنة فيهما أخبار كثيرة ، عقد لها في الوسائل باباً في مقدمات العبادات أوائل الجزء الأول (٥) فلاحظها.

__________________

(١) الوسائل باب : ٧ من أبواب آداب الصائم حديث : ٥.

(٢) التوبة : ٥٤.

(٣) الزمر : ٦٥.

(٤) الفرقان : ٢٥.

(٥) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب مقدمة العبادات.

٤٠٢

ولو في جزء من النهار [١]. فلو أسلم الكافر في أثناء النهار ـ ولو قبل الزوال ـ لم يصح صومه. وكذا لو ارتد ثمَّ عاد إلى الإسلام بالتوبة ، وإن كان الصوم معيناً وجدد النية قبل الزوال على الأقوى.

الثاني : العقل ، فلا يصح من المجنون [٢] ـ ولو أدواراً‌

______________________________________________________

[١] كما عن العلامة ، والشهيد غيرهما. لإطلاق الأدلة المتقدمة ، المقتضي لبطلان الجزء ، الموجب لبطلان الكل.

وعن المبسوط ، والمحقق ، والحلي ، وابن سعيد : الصحة ، لعدم الدليل على البطلان. وقوله تعالى : ( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ... ) إنما يدل على البطلان بالشرك عند الموت ، لا مطلقاً. وفيه : أن الدليل لا ينحصر بالآية الشريفة ، لما عرفت : من اتفاق الكتاب والسنة على بطلان الأعمال الواقعة حال الكفر. مع أن ما ذكر في معنى الآية مناف لإطلاقها. اللهم إلا أن يدعى الانصراف إلى العمل التام الصادر على النحو الصحيح. لكن تدل على المقام بالأولوية.

ودعوى أن بطلانه قبل الزوال لا ينافي تجديد النية حينئذ ، فيصح كما في الناسي والجاهل. مندفعة : بأن جواز تجديد النية في موارد مخصوصة لا يقتضي جوازه بنحو الكلية. اللهم إلا أن يستشكل في وجوب إيقاع النية في أول الصوم ، كما سبق.

[٢] بلا خلاف ، كما عن جمع ، والعمدة فيه : كون الصوم من العبادات الموقوفة على النية ، وهي لا تتأتى منه. وأما حديث رفع القلم فهو إنما يدل على رفع التكليف ، وهو أعم من البطلان ، ولذا يصح الصوم من النائم مع أنه ممن رفع عنه القلم (١).

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٦ من أبواب جهاد النفس.

٤٠٣

وإن كان جنونه في جزء من النهار ـ ولا من السكران ، ولا من المغمى عليه ـ ولو في بعض النهار وإن سبقت منه النية على الأصح.

الثالث : عدم الإصباح جنباً [١] ، أو على حدث الحيض والنفاس بعد النقاء من الدم ، على التفصيل المتقدم.

الرابع : الخلو من الحيض والنفاس في مجموع النهار [٢] فلا يصح من الحائض والنفساء إذا فاجأهما الدم ولو قبل‌

______________________________________________________

ومنه يظهر : أنه لو فرض سبق النية قبل الفجر ثمَّ طرأ الجنون كان كالنائم في صحة الصوم ، كما عن الشيخ في الخلاف. اللهم إلا أن يدعى ـ كما هو الظاهر ـ منافاة الجنون للنية بجميع مراتب وجودها فعلية وفاعلية ، بخلاف النوم فإنه إنما ينافي النية الفعلية ـ كالغفلة ـ لا الفاعلية المقومة لعبادية الصوم كما سبق في أول الكتاب.

ومنه يظهر الحكم في المغمى عليه والسكران ، فإنه لا مانع من دعوى صحة صومهما إذا سبقت منهما النية ، كما عن الشيخين في الأول. ولا مجال لدعوى منافاة السكر والاغماء للنية الفاعلية. إذ الظاهر كونهما كالنوم.

[١] تقدم الكلام فيه في المفطرات.

[٢] إجماعاً قطعياً. وتدل عليه النصوص الكثيرة المدعى تواترها ، كموثق العيص عن أبي عبد الله (ع) قال : « سألته عن امرأة طمثت في شهر رمضان قبل أن تغيب الشمس. قال (ع) : تفطر حين تطمث » (١) وحسن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (ع) : « قال : أي ساعة رأت الدم فهي تفطر الصائمة إذا طمثت » (٢) ومصحح الحلبي عن أبي عبد الله (ع)

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ٤.

٤٠٤

الغروب بلحظة ، أو انقطع عنهما بعد الفجر بلحظة ، ويصح من المستحاضة إذا أتت بما عليها من الأغسال النهارية [١].

الخامس : أن لا يكون مسافراً [٢]

______________________________________________________

« عن امرأة أصبحت صائمة ، فلما ارتفع النهار أو كان العشي حاضت ، أتفطر؟ قال (ع) : نعم ، وان كان وقت المغرب فلتفطر. وسألته عن امرأة رأت الطهر في أول النهار من شهر رمضان ، فتغتسل ولم تطعم ، فما تصنع في ذلك اليوم؟ قال (ع) : تفطر ذلك اليوم ، فإنما فطرها من الدم » (١) وصحيح ابن الحجاج قال : « سألت أبا الحسن (ع) عن المرأة تلد بعد العصر ، أتتم ذلك اليوم أم تفطر؟ قال (ع) : تفطر ، وتقضي ذلك اليوم » (٢) إلى غير ذلك.

[١] تقدم الكلام فيه في المفطرات.

[٢] إجماعاً بقسميه ، كما في الجواهر. والنصوص الدالة عليه لعلها متواترة ، أو متجاوزة حد التواتر ، الوارد جملة منها في مطلق الصوم ، كصحيح صفوان بن يحيى عن أبي الحسن (ع) : « عن الرجل يسافر في شهر رمضان فيصوم. قال (ع) : ليس من البر الصيام في السفر » (٣) وموثق سماعة قال : « سألته عن الصيام في السفر. فقال (ع) : لا صيام في السفر قد صام ناس على عهد رسول الله (ص) فسماهم العصاة. فلا صيام في السفر ، إلا الثلاثة أيام التي قال الله عز وجل في الحج » (٤) ، وموثق عمار : « لا يحل له الصوم في السفر ، فريضة كان أو غيره. والصوم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ١٠.

(٤) الوسائل باب : ١١ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ١.

٤٠٥

______________________________________________________

في السفر معصية » (١).

وجملة منها في صيام شهر رمضان ، وهو كثير جداً ، كرواية يحيى ابن أبي العلاء عن أبي عبد الله (ع) : « الصائم في السفر في شهر رمضان كالمفطر فيه في الحضر » (٢).

وجملة منها في قضائه ، كصحيح علي بن جعفر (ع) عن أخيه أبي الحسن (ع) : « عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان وهو مسافر أيقضي إذا أقام في المكان؟ قال (ع) : لا ، حتى يجمع على مقام عشرة أيام » (٣).

وجملة منها في النذر ، كصحيح ابن مهزيار فيمن نذر أن يصوم كل سبت : « لا تتركه الا من علة. وليس عليك صومه في سفر ، ولا مرض إلا أن تكون نويت ذلك .. » (٤).

وبعضها في صوم الكفارة. كموثق ابن مسلم : « وإن ظاهر وهو مسافر أفطر حتى يقدم. وإن صام فأصاب ما لا يملك فليقض الذي ابتدأ فيه » (٥).

هذا وقد يظهر من محكي المقنعة : جواز صوم الكفارة مطلقاً ، بل نسب إلى المفيد (ره) : جواز صوم الواجب عدا شهر رمضان. ومستنده غير ظاهر في قبال ما عرفت من النصوص.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ٨.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ٥.

(٣) الوسائل باب : ٨ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ١٠ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ١.

(٥) الوسائل باب : ٩ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ١.

٤٠٦

سفراً يوجب قصر الصلاة [١] ، مع العلم بالحكم [٢] ، في الصوم الواجب. إلا في ثلاثة مواضع :

أحدها : صوم ثلاثة أيام بدل هدي التمتع [٣].

الثاني : صوم بدل البدنة ممن أفاض من عرفات قبل الغروب عامداً [٤] ، وهو ثمانية عشر يوما.

______________________________________________________

[١] للتلازم بين قصر الصلاة والإفطار ، كما في مصحح معاوية بن وهب ، عن أبي عبد الله (ع) ـ في حديث ـ : « إذا قصرت أفطرت ، وإذا أفطرت قصرت » (١) وقريب منه غيره.

[٢] لما سيأتي.

[٣] فإن من لا يجد هدي التمتع ولا ثمنه صام بدله عشرة أيام : ثلاثة في سفر الحج ، وسبعة إذا رجع إلى أهله ، بلا خلاف فيه ولا إشكال. لاتفاق الكتاب والسنة عليه ، لقوله تعالى ( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ) (٢) وموثق سماعة المتقدم (٣) وصحيح معاوية بن عمار : « عن متمتع لم يجد هدياً. قال (ع) : يصوم ثلاثة أيام في الحج : يوماً قبل التروية ، ويوم التروية ، ويوم عرفة .. » (٤) ونحوهما غيرهما. ويأتي الكلام فيه في محله إن شاء الله تعالى.

[٤] فإنه لما كان يجب الوقوف بعرفات الى الغروب ، فلو أفاض قبله عمداً كان عليه كفارة بدنة ، فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوماً على المشهور. ويدل عليه صحيح ضريس : « عن رجل أفاض من عرفات من قبل أن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ١.

(٢) البقرة : ١٩٦.

(٣) تقدم ذكره في أول الشرط الخامس من شروط صحة الصوم.

(٤) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب الذبح حديث : ٤.

٤٠٧

الثالث : صوم النذر المشترط فيه سفراً خاصة ، أو سفراً وحضراً [١] ،

______________________________________________________

تغيب الشمس. قال (ع) : عليه بدنة ينحرها يوم النحر. فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوماً بمكة ، أو في الطريق ، أو في أهله » (١) وعن الجمل ، والاقتصار ، والمراسم ، والوسيلة ، والغنية : الاقتصار في الاستثناء على غير المقام. ولعله لعدم صراحة الرواية في جواز إيقاع الصوم في السفر الموجب للقصر ، لجواز كون الصوم بعد نية الإقامة بمكة أو في الطريق ، فيتعين حملها على ذلك ، جمعاً بينها وبين ما دل على المنع عن الصوم في السفر. لكن لا تبعد دعوى ظهورها في السفر. بل الظاهر أن التنصيص على مكة والطريق لنفي تعين إيقاع بعضها بمكة وبعضها عند أهله ، كما في العشرة السابقة ، فيكون المراد : أن له إيقاعها ـ كلها أو بعضها ـ في الحضر والسفر. فتأمل.

[١] كما هو المعروف ، وفي الجواهر : لا أجد فيه خلافا ، وعن المنتهى : نفي الخلاف فيه ، وعن الحدائق : الاتفاق عليه. وما في الشرائع ـ من نسبته الى قول مشهور ـ ليس لوجود خلاف فيه ـ وإن كان ظاهره ذلك ـ بل لضعف الرواية في نظر مصنفه ، كما صرح به في المعتبر ، وهي : صحيحة ابن مهزيار المتقدمة في الشرط الخامس.

ولا تقدح فيها جهالة الكاتب ـ وهو بندار مولى إدريس ـ بعد قراءة ابن مهزيار. ولا الإضمار ، لإثباتها في الكتب المعتبرة التي ألفها أصحابها الأعاظم قدس‌سرهم لجمع أحاديث المعصومين (ع). ولا ظهورها في جواز الصوم حال المرض إذا نوى ذلك ، مع أن جوازه وعدمه لا يناطان بالنية ، وإنما يناطان بالضرر وعدمه. لا مكان إرجاع الاستثناء الى السفر لا غير. ولا اشتمال ذيله على كون كفارة النذر إطعام سبعة مساكين ، المخالف‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب الوقوف بعرفة حديث : ٣.

٤٠٨

دون النذر المطلق [١].

______________________________________________________

لغيره من الأدلة الدالة على أنها كفارة يمين ، أو كبرى مخيرة ككفارة شهر رمضان. لأن سقوط بعض فقرات الرواية عن الحجية للمعارض لا يوجب سقوط الجميع عنها. على أنك عرفت أن في نسخة المقنع : « عشرة » بدل « سبعة » (١). فالتوقف في الحكم ـ كما هو ظاهر الشرائع ، وعن المعتبر ـ غير ظاهر.

[١] كما هو المشهور. وتدل عليه النصوص التي منها : صحيح ابن مهزيار المتقدم‌ ، ومصحح كرام : « إني جعلت على نفسي أن أصوم حتى يقوم القائم (ع). فقال (ع) : صم ، ولا تصم في السفر .. » (٢) وموثق زرارة قال : « قلت لأبي جعفر (ع) : إن أمي جعلت عليها نذراً ـ إن رد الله تعالى عليها بعض ولدها من شي‌ء كانت تخافه عليه ـ أن تصوم ذلك اليوم الذي يقدم ما بقيت ، فخرجت معنا مسافرة إلى مكة ، فأشكل علينا لمكان النذر ، أتصوم أم تفطر فقال (ع) : لا تصوم قد وضع الله عنها حقه ، وتصوم هي ما جعلت على نفسها. قلت : فما ترى إذا هي رجعت إلى المنزل ، أتقضيه؟ قال (ع) : لا. قلت أفتترك ذلك؟ قال (ع) : لا ، لأني أخاف أن ترى في الذي نذرت فيه ما تكره » (٣) الى غير ذلك.

وعن المفيد والمرتضى ، وسلار : وجوب الصوم ولو مع إطلاق النذر. لعموم الوفاء به. ولرواية عبد الحميد عن أبي الحسن (ع) قال : « سألته عن الرجل يجعل لله عليه صوم يوم مسمى. قال (ع) : يصومه أبداً في السفر والحضر » (٤) وفيه : أن عموم الوفاء مختص بصورة رجحان‌

__________________

(١) لاحظ القسم الثالث من المسألة : ١ من فصل ما يوجب الكفارة.

(٢) الوسائل باب : ١٠ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ٩.

(٣) الوسائل باب : ١٠ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ٣.

(٤) الوسائل باب : ١٠ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ٧.

٤٠٩

بل الأقوى عدم جواز الصوم المندوب في السفر أيضاً [١].

______________________________________________________

المنذور ، فأخبار المنع حاكمة عليه رافعة لموضوعه. ورواية عبد الحميد مقيدة بالصحيح.

[١] كما عن الصدوقين ، والقاضي ، والحلي ، وجماعة من المتأخرين ، بل عن الحلي : نسبته إلى الفقهاء المحصلين من أصحابنا ، بل عن المفيد : نسبته الى المشهور عند القدماء. لصحيح البزنطي : « سألت أبا الحسن (ع) عن الصيام بمكة والمدينة ونحن في سفر. قال (ع) : أفريضة؟ فقلت : لا ولكنه تطوع كما يتطوع بالصلاة ، فقال (ع) : تقول اليوم وغداً. قلت : نعم. فقال (ع) : لا تصم » (١) وما في موثق عمار : « لا يحل له الصوم في السفر فريضة كان أو غيره ، والصوم في السفر معصية » (٢) والمروي عن تفسير العياشي : « لم يكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصوم في السفر تطوعاً ، ولا فريضة » (٣) المعتضدة بعمومات المنع.

وعن ابن حمزة : الجواز ، لمرسل إسماعيل بن سهل عن رجل قال : « خرج أبو عبد الله (ع) من المدينة في أيام بقين من شعبان فكان يصوم ثمَّ دخل عليه شهر رمضان ـ وهو في السفر ـ فأفطر ، فقيل له : أتصوم شعبان ، وتفطر شهر رمضان؟! فقال (ع) : نعم ، شعبان إلي إن شئت صمت وإن شئت لا ، وشهر رمضان عزم من الله عز وجل على الإفطار » (٤) ومرسل الحسن بن بسام عن رجل : « كنت مع أبي عبد الله (ع) فيما بين مكة والمدينة في شعبان وهو صائم ، ثمَّ رأينا هلال شهر رمضان فأفطر.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ٢.

(٢) تقدم ذلك في أول الشرط الخامس من شروط صحة الصوم.

(٣) الوسائل باب : ١٢ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ٦.

(٤) الوسائل باب : ١٢ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ٤.

٤١٠

إلا ثلاثة أيام للحاجة في المدينة [١]. والأفضل إتيانها في‌

______________________________________________________

فقلت له : جعلت فداك أمس كان من شعبان وأنت صائم ، واليوم من شهر رمضان وأنت مفطر! فقال (ع) : إن ذلك تطوع ، ولنا أن نفعل ما شئنا. وهذا فرض فليس لنا أن نفعل إلا ما أمرنا » (١) وصحيح سليمان بن جعفر الجعفري : « سمعت أبا الحسن (ع) يقول : كان أبي (ع) يصوم يوم عرفة في اليوم الحار في الموقف ، ويأمر بظل مرتفع فيضرب له » (٢).

وعن جماعة : الجواز مع الكراهة ، بل نسب ذلك إلى الأكثر ، جمعاً بين الطائفتين ، وحملا للأولى على الكراهة. ولا يخفى : أن صحيح الجعفري ـ مع أنه في مورد خاص ـ مجمل محتمل لكون الصوم فرضاً ولو بالنذر. وليس قول أبي الحسن (ع) : « كان أبي .. » وارداً مورد تشريع الصوم في السفر ، وإنما هو وارد لدفع توهم عدم مشروعية صوم يوم عرفة على النحو الخاص. ولو سلم فهو مقيد بما سبق ، فيحمل على صورة نذره بالسفر بالخصوص. وأما المرسلان فضعفهما ظاهر ، وانجبارهما بالعمل غير ثابت. مع أن الحمل على الكراهة بعيد عن قوله (ع) في الموثق : « والصوم في السفر معصية » ، كبعد ارتكابهم (ع) لمثل هذه المعصية. والله سبحانه أعلم.

[١] بلا خلاف ، كما في الجواهر. لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « قال (ع) : إن كان لك مقام بالمدينة ثلاثة أيام صمت أول يوم الأربعاء ، وتصلي ليلة الأربعاء عند أسطوانة أبي لبابة ـ وهي أسطوانة التوبة ، التي كان ربط إليها نفسه حتى نزل عذره من السماء ـ وتقعد عندها يوم الأربعاء ، ثمَّ تأتي ليلة الخميس التي تليها ما يلي مقام‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ٣.

٤١١

الأربعاء والخميس والجمعة [١]. وأما المسافر الجاهل بالحكم لو صام فيصح صومه ويجزؤه [٢] ـ حسبما عرفته في جاهل حكم الصلاة ـ إذ الإفطار كالقصر ، والصيام كالتمام في الصلاة‌

______________________________________________________

النبي (ص) ليلتك ويومك ، وتصوم يوم الخميس ، ثمَّ تأتي الأسطوانة التي تلي مقام النبي (ص) ومصلاه ليلة الجمعة ، فتصلي عندها ليلتك ويومك ، وتصوم يوم الجمعة. وان استطعت أن لا تتكلم بشي‌ء في هذه الأيام إلا ما لا بد لك منه ، ولا تخرج من المسجد إلا لحاجة ، ولا تنام في ليل ولا نهار فافعل ، فان ذلك مما يعد فيه الفضل. ثمَّ احمد الله سبحانه في يوم الجمعة ، وأثن عليه ، وصل على النبي (ص) ، وسل حاجتك. وليكن فيما تقول : اللهم ما كانت لي إليك من حاجة ، شرعت أنا في طلبها والتماسها أو لم أشرع ، سألتكها أو لم أسألكها ، فإني أتوجه إليك بنبيك محمد (ص) نبي الرحمة في قضاء حوائجي ، صغيرها وكبيرها. فإنك حري أن تقضى حاجتك إن شاء الله تعالى » (١) وقريب منه مصحح الحلبي (٢) والمروي عن مزار ابن قولويه مرسلا عن بعضهم (ع) (٣).

[١] لم أقف على رواية مطلقة ، لتكون مستنداً لاستحباب مطلق الثلاثة. والروايات التي وجدتها كلها قد خص الاستحباب فيها بالثلاثة لا غير.

[٢] إجماعاً محققاً. ويشهد له جملة من الصحاح ، كصحيح ليث عن أبي عبد الله (ع) : « إذا سافر الرجل في شهر رمضان أفطر. وإن صامه بجهالة لم يقضه » (٤) ونحوه صحاح عبد الرحمن البصري ، والحلبي‌ ، والعيص‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب المزار حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب المزار حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ١١ من أبواب المزار حديث : ٥.

(٤) الوسائل باب : ٢ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ٦.

٤١٢

لكن يشترط أن يبقى على جهله إلى آخر النهار ، وأما لو علم بالحكم في الأثناء فلا يصح صومه [١]. وأما الناسي فلا يلحق بالجاهل في الصحة [٢]. وكذا يصح الصوم من المسافر إذا سافر بعد الزوال [٣].

______________________________________________________

ابن القاسم‌ ، وعبد الرحمن البجلي (١) وغيرها.

[١] إذ لو صام كان قد صام بعلم لا بجهالة ، فلا يصح صومه ، فلا يجزي. وإن شئت قلت : يخرج الفرض عن النصوص المتقدمة ، فيبقى داخلا تحت أدلة المنع.

[٢] لإطلاق النصوص المتقدمة. وقيل : يلحق به ، لاشتراكهما في العذر ، ورفع الحكم ، وعدم التقصير. وفيه : ما لا يخفى ، إذ ليس الوجه في الصحة في الجاهل ما ذكر ، ليشترك معه فيها ، بل الوجه النصوص ، وهي غير مشتركة بينهما.

[٣] كما عن الإسكافي ، والكليني ، والمفيد ، والصدوق في الفقيه والمقنع ، والعلامة في أكثر كتبه ، وولده ، والشهيدين في اللمعة والروضة وغيرهم من المتأخرين. ويشهد له صحيح ابن مسلم عن أبي عبد الله (ع) : « إذا سافر الرجل في شهر رمضان فخرج بعد نصف النهار ، فعليه صيام ذلك اليوم ، ويعتد به من شهر رمضان » (٢) وصحيح الحلبي عنه (ع) : « عن الرجل يخرج من بيته وهو يريد السفر وهو صائم. قال (ع) : إن خرج من قبل أن ينتصف النهار فليفطر ، وليقض ذلك اليوم. وإن خرج بعد الزوال فليتم يومه » (٣) ومصحح عبيد بن زرارة عنه (ع) : « في‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ٢ و ٣ و ٥ وملحق حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٥ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ٢.

٤١٣

______________________________________________________

الرجل يسافر في شهر رمضان ، يصوم أو يفطر؟ قال (ع) : إن خرج قبل الزوال فليفطر. وإن خرج بعد الزوال فليصم. فقال (ع) : يعرف ذلك بقول علي (ع) : أصوم وأفطر حتى إذا زالت الشمس عزم ، يعني : على الصيام » (١) وموثقه عنه (ع) : « إذا خرج الرجل في شهر رمضان بعد الزوال أتم الصيام ، فاذا خرج قبل الزوال أفطر » (٢).

وعن الشيخ في النهاية والمبسوط والاقتصاد والجمل ، والقاضي ، وابن حمزة ، والمعتبر ، والشرائع ، والنافع ، والتلخيص : أنه إن بيت نية السفر ليلا أفطر ولو خرج بعد الزوال ، وإلا صام وإن خرج قبله. ويشهد له مصحح رفاعة قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يعرض له السفر في شهر رمضان حين يصبح. قال (ع) : يتم صومه » (٣) وموثق علي ابن يقطين عن أبي الحسن موسى (ع) : « في الرجل يسافر في شهر رمضان أيفطر في منزله؟ قال (ع) : إذا حدث نفسه في الليل بالسفر أفطر إذا خرج من منزله ، وإن لم يحدث نفسه من الليلة ثمَّ بدا له في السفر من يومه أتم صومه » (٤) ومرسل إبراهيم بن هاشم ، عن رجل ، عن صفوان عن الرضا (ع) : « لو أنه خرج من منزله يريد النهروان ذاهباً وجائياً لكان عليه أن ينوي من الليل سفراً ، والإفطار. فإن هو أصبح ولم ينو السفر ، فبدا له من بعد أن أصبح في السفر قصر ، ولم يفطر يومه ذلك » (٥) ومرسل صفوان عمن رواه عن أبي بصير : « إذا خرجت بعد طلوع الفجر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ٥ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ٥.

(٤) الوسائل باب : ٥ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ١٠.

(٥) الوسائل باب : ٥ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ١١.

٤١٤

______________________________________________________

ولم تنو السفر من الليل ، فأتم الصوم واعتد به من شهر رمضان » (١) ومرسل سماعة وابن مسكان ، عن رجل ، عن أبي بصير قال : « سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : إذا أردت السفر في شهر رمضان فنويت الخروج من الليل ، فان خرجت قبل الفجر أو بعده فأنت مفطر ، وعليك قضاء ذلك اليوم » (٢).

وعن رسالة ابن بابويه : عدم اعتبار شي‌ء من الأمرين ، فيكفي مطلق السفر في لزوم الإفطار وإن خرج بعد الزوال ولم يبيت النية ، ونسبه في المعتبر والمنتهى : إلى علم الهدى. ويشهد له ـ مضافاً الى إطلاق الآية (٣) وإطلاق ما دل على التلازم بين التقصير والإفطار (٤) ـ : رواية عبد الأعلى : « في الرجل يريد السفر في شهر رمضان. قال (ع) : يفطر وان خرج قبل أن تغيب الشمس بقليل » (٥).

وظاهر محكي المبسوط : اعتبار تبييت النية والخروج قبل الزوال في الإفطار ، وان انتفى أحدهما لزمه الصوم ، ولا قضاء عليه. وكأن وجهه : تقييد إطلاق كل مما دل على الإفطار بالخروج قبل الزوال ، وعلى الإفطار إذا بيت النية بالآخر.

وعن التهذيب والاستبصار : وان لم يبيت النية صام مطلقاً. وإن بيتها ، فان خرج قبل الزوال لزمه الإفطار ، وان خرج بعد تخير بينه وبين الصوم. وعن ابن حمزة : إن خرج قبل الزوال ناوياً للسفر في الليل أفطر وقضى. وإن لم يكن ناوياً صام ولا يقضي. وإن خرج بعد الزوال صام وقضى.

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ١٢.

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ١٣.

(٣) البقرة : ١٨٤ ـ ١٨٥.

(٤) تقدم ذلك في أوائل الشرط الخامس من شروط صحة الصوم.

(٥) الوسائل باب : ٥ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ١٤.

٤١٥

______________________________________________________

وعن الشيخ في النهاية : أنه إن بيت النية وخرج قبل الزوال أفطر. وإن خرج بعد الزوال أمسك وعليه القضاء. وإن لم يبيت النية صام على كل حال.

وهذه الأقوال الثلاثة لا يتضح لها شاهد. والتعرض لتقريب الشواهد لها لا يساعد عليه الوقت. فالأولى التعرض لحال شواهد الأقوال السابقة إجمالا ، فنقول :

الطائفة الأولى من النصوص قد صرحت بشرطيتين : إحداهما : إذا خرج قبل الزوال أفطر ، وثانيتهما : إن خرج بعد الزوال صام. وكذا الطائفة الثانية أيضاً تعرضت لشرطيتين : إحداهما : إذا بيت النية أفطر ، وثانيتهما : إذا لم يبيت النية صام. وحينئذ يدور الأمر في مقام الجمع بين الطائفتين إما بتقييد الأولتين منهما إحداهما بالأخرى ، ولازمه اعتبار أمرين في الإفطار : الخروج قبل الزوال ، وتبييت النية معاً. وإما بتقييد الثانيتين منهما إحداهما بالأخرى ، ولازمه اعتبار أمرين في الصوم : الخروج بعد الزوال ، وعدم تبييت النية. ولا يمكن البناء على الجمع بين التقييدين معاً ، للزوم التناقض فان مفاد التقييد الأول : اعتبار أمرين في الإفطار ، وكفاية عدم أحدهما في الصوم ، ومفاد الثاني : اعتبار عدم كل منهما في الصوم ، وكفاية أحدهما في الإفطار. فيتعين إما البناء على الأول ، أو على الثاني. وإذ لا مرجح ، لا مجال للبناء على أحدهما ، لأنه بلا شاهد. ويجب الرجوع حينئذ إلى قواعد التعارض ، المقتضية لتقديم الطائفة الأولى ، لصحة سندها. ومخالفتها للمحكي عن مالك وأبي حنيفة والشافعي والأوزاعي وأبي ثور وغيرهم وعن المعتبر والمنتهى : أنهما رويا حديث رفاعة : « حتى يصبح » بدل « حين يصبح » (١) وعليه فهو ظاهر في خلاف القول الثاني.

ومما ذكرنا اتضح لك ضعف القول الرابع ومثله : القول الثالث.

__________________

(١) الموجود في المعتبر المطبوع : « حين يصبح ». لاحظ المسألة : ٢ من اللواحق ص ٣١٩.

٤١٦

كما أنه يصح صومه إذا لم يقصر في صلاته [١] ، كناوي الإقامة عشرة أيام ، أو المتردد ثلاثين يوماً ، وكثير السفر ، والعاصي بسفره وغيرهم ممن تقدم تفصيلا في كتاب الصلاة.

______________________________________________________

إذ لا مجال للأخذ بالإطلاقات ورواية عبد الأعلى في قبال ما عرفت.

وهنا أخبار أخر لم يعرف قائل بها ، كصحيح رفاعة قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يريد السفر في شهر رمضان. قال (ع) : إذا أصبح في بلده ثمَّ خرج ، فان شاء صام ، وإن شاء أفطر » (١) ، وموثق سماعة : « سألته عن الرجل كيف يصنع إذا أراد السفر؟ قال (ع) : إذا طلع عليه الفجر ولم يشخص فعليه صيام ذلك اليوم. وإن خرج من أهله قبل طلوع الفجر فليفطر ولا صيام عليه » (٢) وخبر سليمان بن جعفر الجعفري قال : « سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام .. الى أن قال (ع) : إذا أصبح في أهله فقد وجب عليه صيام ذلك اليوم. إلا أن يدلج دلجة » (٣) فإن أمكن حملها على ما سبق فهو ، وإلا فهي مطروحة.

[١] بلا خلاف فيه في الجملة. ويشهد له ما تقدم : من صحيح معاوية (٤) وغيره. نعم يستثنى من ذلك : السفر بعد الزوال ـ على ما عرفت ـ والسفر للتجارة ـ على إشكال تقدم في صلاة المسافر ـ والمسافر الذي لا يريد الرجوع ليومه. فعن الشيخ (ره) : أنه يتم الصوم ، ويتخير في الصلاة بين الإتمام والقصر. والسفر في مواضع التخيير. فتأمل جيداً.

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ٧.

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ٨.

(٣) الوسائل باب : ٥ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ٦.

(٤) لاحظ أوائل الكلام في الشرط الخامس من شروط صحة الصوم.

٤١٧

السادس : عدم المرض أو الرمد الذي يضره الصوم [١] لإيجابه شدته [٢] ، أو طول برئه ، أو شدة ألمه ، أو نحو ذلك. سواء حصل اليقين بذلك ، أو الظن ، بل أو الاحتمال‌

______________________________________________________

[١] بلا خلاف ـ كما عن جماعة ـ بل إجماعاً ، كما عن آخرين. ويشهد له ـ مضافاً الى قوله تعالى ( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ) (١) ـ النصوص المستفيضة ، لو لم تكن متواترة ، كموثق سماعة قال : « سألته : ما حد المرض الذي يجب على صاحبه فيه الإفطار كما يجب عليه في السفر ، من كان مريضاً أو على سفر؟ قال (ع) : هو مؤتمن عليه مفوض إليه ، فإن وجد ضعفاً فليفطر ، وإن وجد قوة فليصمه كان المرض ما كان » (٢) وصحيح حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « الصائم إذا خاف على عينيه من الرمد أفطر » (٣) ، وموثق عمار عن أبي عبد الله (ع) : « في الرجل يجد في رأسه وجعاً من صداع شديد ، هل يجوز الإفطار؟ قال (ع) : إذا صدع صداعاً شديداً وإذا حم حمى شديدة ، وإذا رمدت عيناه رمداً شديداً فقد حل له الإفطار » (٤) وصحيح ابن جعفر عليه‌السلام عن أخيه موسى بن جعفر (ع) ـ في حديث ـ قال : « كل شي‌ء من المرض أضر به الصوم فهو يسعه ترك الصوم » (٥) ونحوها غيرها.

[٢] بلا خلاف. لظهور بعض الأدلة ، وإطلاق الآخر.

__________________

(١) البقرة : ١٨٤.

(٢) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ٦.

(٤) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ٩.

(٥) الوسائل باب : ١٩ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ١.

٤١٨

الموجب للخوف [١] ، بل لو خاف الصحيح من حدوث المرض لم يصح منه [٢]. وكذا إذا خاف من الضرر في نفسه ، أو غيره ، أو عرضه ، أو عرض غيره ، أو في مال يجب حفظه وكان وجوبه أهم في نظر الشارع من وجوب الصوم [٣]. وكذا إذا زاحمه واجب آخر أهم منه. ولا‌

______________________________________________________

[١] كما يقتضيه إطلاق الأكثر للخوف ، لصدقه مع الاحتمال. ويشهد له صحيح حريز. وتعليق الحكم من بعض على اليقين والظن في غير محله إن أريد التخصيص بهما. وأشكل منه : ما عن شرح اللمعة : من التصريح بعدم الاكتفاء بالاحتمال. لثبوت التكليف وعدم العلم بالمسقط. إذ فيه : أنه لا مجال للرجوع إلى الأصل مع الدليل.

اللهم إلا أن يكون منهم تشكيكاً في صدق الخوف مع الاحتمال. إلا أنه في غير محله أيضاً ، لصدقه بمجرد الاحتمال المعتد به وإن كان دون الاحتمال المساوي.

[٢] كما يفهم من الأدلة المتقدمة. ولا يضر في ذلك كون موردها المريض ، إذ الظاهر منها : كون المانع هو حدوث مرتبة من المرض ، سواء كانت قبلها مرتبة أخرى أم لم تكن. بل ظاهر صحيح حريز المتقدم خوف حدوث الرمد.

[٣] فان الأهمية موجبة لترجحه في مقام الامتثال ، فيسقط وجوب الصوم عنه. نعم يتم هذا لو أحرز وجود المزاحم بقيام العلم أو العلمي على وجوده. أما مع الشك فيه فلا وجه لرفع اليد عن التكليف المعلوم. اللهم إلا أن يستفاد من أدلة المقام طريقية الاحتمال الموجب للخوف مطلقاً حتى في المقام ، كما لعله ظاهر الأصحاب. وهو غير بعيد.

نعم لو زاحمه واجب آخر غير الضرر ، فلا بد من إحرازه بالعلم أو‌

٤١٩

يكفي الضعف [١] وإن كان مفرطاً ما دام يتحمل عادة. نعم لو كان مما لا يتحمل عادة جاز الإفطار [٢]. ولو صام بزعم‌

______________________________________________________

ما يقوم مقامه. ومجرد احتمال المزاحمة أو ظنها غير كاف في رفع اليد عن الواجب المعلوم الثبوت ، بل قاعدة الاشتغال تقتضي وجوب امتثاله. كما أن الحكم بالبطلان مطلقاً في صورة التزاحم بالواجب الأهم مبني على حرمة الضد المزاحم بالضد الأهم. وإلا توقف البطلان على مقدمية ترك الصوم لذلك الواجب. وإلا صح الصوم وإن لزم فوات الواجب الأهم. غاية الأمر : أنه يعصي بتفويت الواجب ، كما هو موضح في مسألة الضد من مباحث الأصول ، وأشرنا إليه مكرراً في كتاب الطهارة.

فلا ينبغي سوق جميع صور التزاحم مساق المرض في عدم صحة الصوم إذ الصوم علة المرض المحرم ، وليس اللازم في غيره أن يكون كذلك ، بل قد يكون الصوم فيه كذلك وقد لا يكون. فلاحظ.

[١] بلا خلاف ظاهر. لعموم دليل الوجوب ، كيف وهو من اللوازم الغالبية؟!.

[٢] لعموم دليل نفي الحرج (١) وعليه يحمل إطلاق رواية سماعة : « فإن وجد ضعفاً فليفطر » (٢) أو على ما يخاف منه المرض. والموجب لهذا التقييد : هو الانصراف الناشئ عن مناسبة الحكم لموضوعه المرتكزة في أذهان العرف ، ولا سيما بملاحظة حصوله غالباً. مضافاً الى أن قوله (ع) : « وإن وجد قوة فليصم » ظاهر في أن المراد من الضعف الضعف عن الصوم ، لا مطلق الضعف ولو ببعض مراتبه ، وإلا فهو لا يقابل القوة. مع أن في‌

__________________

(١) لاحظ ما علقناه على ذلك في المسألة : ١٠ من فصل ماء البئر ج ١ صفحة ٢٠٣ الطبعة الثالثة.

(٢) المراد به هي الرواية المتقدمة في أول الأمر السادس من هذا الفصل.

٤٢٠