مستمسك العروة الوثقى - ج ٨

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٨

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٤

بل وكذا لو بدا له السفر لا بقصد الفرار [١] على الأقوى. وكذا لو سافر فأفطر قبل الوصول إلى حد الترخص. وأما لو أفطر متعمداً ، ثمَّ عرض له عارض قهري ، من حيض ، أو نفاس ، أو مرض ، أو جنون ، أو نحو ذلك من الأعذار ففي السقوط وعدمه وجهان ، بل قولان ، [٢] أحوطهما الثاني وأقواهما الأول [٣].

( مسألة ١٢ ) : لو أفطر يوم الشك في آخر الشهر ثمَّ تبين أنه من شوال فالأقوى سقوط الكفارة [٤]. وإن كان الأحوط عدمه. وكذا لو اعتقد أنه من رمضان ثمَّ أفطر متعمداً فبان أنه من شوال ، أو اعتقد في يوم الشك في أول الشهر أنه من رمضان فبان أنه من شعبان.

______________________________________________________

التكليف بالصوم من الأول ، فيجري عليه حكم المانع غير الاختياري.

اللهم إلا أن يقال : إن دعوى كون السفر ونحوه إذا وقع في أثناء النهار كان مبطلا للصوم من أول الأمر مما لا شاهد عليها. إذ يحتمل كونه مبطلا له وناقضاً له من حينه. فاذاً لا يبعد البناء على وجوب الكفارة مطلقاً.

[١] كما هو المشهور. وعن المختلف : السقوط فيه. ووجهه يعلم مما سبق ، لأنهما من باب واحد.

[٢] حكي ثانيهما عن الأكثر ، وعن الشيخ : الإجماع عليه ، وحكي أولهما عن بعض ، وفي الجواهر : إنه لم يتحقق قائله.

[٣] يعلم وجهه مما سبق ، الذي عرفت الاشكال فيه.

[٤] لعدم وجوب الصوم واقعاً ، وظاهر الكفارة اختصاصها به. ودعوى : أنها من آثار التجرؤ والتمرد ، الحاصل بمخالفة الحكم الظاهري غير متحققة. ومثله : الفرض الثاني.

٣٦١

( مسألة ١٣ ) : قد مر [١] أن من أفطر في شهر رمضان عالماً عامداً إن كان مستحلا فهو مرتد ، بل وكذا إن لم يفطر ولكن كان مستحلا له. وإن لم يكن مستحلا عزر بخمسة وعشرين سوطاً ، فان عاد بعد التعزير عزر ثانياً ، فان عاد كذلك قتل في الثالثة. والأحوط قتله في الرابعة.

( مسألة ١٤ ) : إذا جامع زوجته في شهر رمضان [٢] وهما صائمان مكرهاً لها كان عليه كفارتان ، وتعزيران : خمسون سوطاً [٣] ، فيتحمل عنها الكفارة والتعزير. وأما إذا طاوعته في الابتداء فعلى كل منهما كفارته وتعزيره [٤]. وإن أكرهها‌

______________________________________________________

[١] تقدم ذلك في أول كتاب الصوم ، ومر الكلام فيه.

[٢] هذا القيد غير مذكور في الخبر الآتي ، غاية الأمر أن ذكر الكفارة والتعزير في الجواب ظاهر في خصوص الصوم الذي فيه الكفارة والتعزير ، فيعم جميع أفراده.

[٣] إجماعاً ، كما عن جماعة. لخبر المفضل بن عمر عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل أتى امرأته وهو صائم وهي صائمة. فقال (ع) : إن كان استكرهها فعليه كفارتان ، وإن طاوعته فعليه كفارة وعليها كفارة. وإن كان أكرهها فعليه ضرب خمسين سوطاً نصف الحد ، وإن كانت طاوعته ضرب خمسة وعشرين سوطاً ، وضربت خمسة وعشرين سوطاً » (١) وضعفه منجبر بالإجماع المدعى ، ونفي الخلاف. وخلاف العماني ، حيث نسب اليه القول باتحاد الكفارة عليه ـ مع أنه غير محقق ـ غير قادح.

[٤] إجماعاً على الظاهر. لصدق الإفطار العمدي بالنسبة الى كل منهما فيشمله ما دل على وجوبها على من أفطر متعمداً. مضافاً الى إمكان دخوله‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١.

٣٦٢

في الابتداء ثمَّ طاوعته في الأثناء فكذلك على الأقوى [١] ،

______________________________________________________

في الخبر ـ كما هو الظاهر ـ لصدق أنها طاوعته. والإكراه بعد ذلك لا أثر له ، لعدم تأثير الجماع حينئذ الكفارة عليها مع المطاوعة ، فضلا عن الإكراه.

[١] كأنه لظهور الخبر في استمرار الإكراه إلى الفراغ ، فلا يشمل المقام ، فيرجع فيه الى الضوابط المقتضية لكون على كل منهما كفارة واحدة كذا في الجواهر. وفيه : أنه مبني على كون جماعها في الابتداء عن إكراه غير مفطر لها ، فإنه حينئذ تجب عليه لأجله كفارة واحدة ، فإذا طاوعته وجبت عليها كفارة لافطارها باستدامة الجماع بلا إكراه. أما بناء على أنها تفطر بالإكراه ، يكون مقتضى القواعد أن عليه كفارة واحدة دونها ، لأن مطاوعتها بعد ذلك لا توجب الإفطار العمدي ، لتحقق الإفطار باكراهها في الابتداء ، فلا مقتضى للكفارة.

نعم لو ثبت أن الجماع بعد الإفطار عن عذر موجب للكفارة ، كان البناء على أن عليها كفارة في محله. ولكنه غير ظاهر وإن قلنا بتكرر الكفارة بتكرر الجماع ، لاختصاصه بصورة تحقق الإفطار الموجب للكفارة لا مطلق الجماع ولو بعد الإفطار عن عذر ، فالمكره على الإفطار إذا أفطر ثمَّ جامع عمداً لا دليل على وجوب الكفارة عليه. وإذ عرفت سابقا : أن استعمال المفطر عن إكراه مفطر ، تعرف أن مقتضى القواعد في المقام وجوب كفارة واحدة عليه دونها.

نعم مقتضى إطلاق النص : تعدد الكفارة عليه ، لصدق الإكراه على صرف ماهية الجماع. ولا ينافيه صدق المطاوعة له أيضاً ، لأن ذلك إنما هو بلحاظ البقاء ، لا صرف الوجود ، والظاهر من الخبر كون المعيار في تعدد الكفارة عليه الإكراه في صرف وجود المفطر ، وفي كون كفارة واحدة على كل منهما المطاوعة في صرف الوجود المفطر.

٣٦٣

وإن كان الأحوط كفارة منها وكفارتين منه. ولا فرق في الزوجة بين الدائمة والمنقطعة [١].

( مسألة ١٥ ) : لو جامع زوجته الصائمة وهو صائم في النوم [٢] لا يتحمل عنها الكفارة ، ولا التعزير [٣]. كما أنه ليس عليها شي‌ء ، ولا يبطل صومها بذلك [٤]. وكذا لا يتحمل عنها إذا أكرهها على غير الجماع من المفطرات [٥] حتى مقدمات الجماع ، وإن أوجبت إنزالها.

( مسألة ١٦ ) : إذا أكرهت الزوجة زوجها لا تتحمل عنه شيئاً.

( مسألة ١٧ ) : لا تلحق بالزوجة الأمة إذا أكرهها على الجماع وهما صائمان [٦] ، فليس عليه إلا كفارته وتعزيره‌

______________________________________________________

هذا بناء على أن المراد بالإكراه في النص : ما لا يرتفع معه الاختيار أما لو أريد منه ما يعم الإجبار وفرض ذلك ، كان اللازم البناء على وجوب كفارتين عليه للنص ، وكفارة واحدة عليها بالمطاوعة ، للقواعد الأولية الموجبة للكفارة بمطلق الإفطار العمدي.

[١] كما نسب التصريح به إلى الأصحاب. ويقتضيه إطلاق النص.

[٢] يعني : وهي نائمة.

[٣] للأصل ، بعد عدم الدليل عليه ، وعدم دخوله في الخبر. وما عن الشيخ (ره) : من وجوب الكفارتين عليه غير ظاهر.

[٤] للأصل ، بعد عدم تحقق الإفطار العمدي منها.

[٥] للأصل ، بعد عدم الدليل عليه ، وعدم شمول النص له. وكذا في المسألة الآتية.

[٦] لظهور النص في الزوجة. وكون إضافة الامرأة إلى الضمير‌

٣٦٤

وكذا لا تلحق بها الأجنبية إذا أكرهها عليه على الأقوى [١]. وإن كان الأحوط التحمل عنها ، خصوصاً إذا تخيل أنها زوجته فأكرهها عليه.

( مسألة ١٨ ) : إذا كان الزوج مفطراً ، بسبب كونه مسافراً ، أو مريضاً ، أو نحو ذلك ، وكانت زوجته صائمة ، لا يجوز له إكراهها على الجماع [٢] ، وإن فعل لا يتحمل عنها‌

______________________________________________________

يكفي فيها أدنى ملابسة ، ولو لكونها أمته خلاف الظاهر. ومنه يظهر ضعف ما عن المختلف من الإلحاق.

[١] للأصل ، وعدم دخوله في النص. وعن المختلف : الإشكال في ذلك ، لأن الكفارة عقوبة على الذنب ، وهو هنا أفحش. ولأنه قد يكون الذنب قوياً ، فلا تجدي الكفارة في تخفيفه. انتهى. وقد يظهر من الشيخ (ره) ذلك أيضاً. والأصل يقتضي عدم الإلحاق.

[٢] على الأصح. لأصالة عدم جواز إجبار المسلم على غير الحق الواجب عليه. كذا عن المدارك. وفي الجواهر : « فيه بحث ». وكأنه لعموم ما دل على ثبوت حق الانتفاع بالبضع للزوج ، الذي لا ينافيه حرمة التمكين تكليفاً من جهة الإفطار عمداً. نظير وجوب أكل مال الغير عند المخمصة الذي لا ينافي ملك الغير له ، فيجوز للزوج الإكراه ، ويجب عليها الامتناع حسب الإمكان.

نعم لو كانت حرمة الإفطار مانعة من ثبوت حق الانتفاع للزوج ، كان عدم جواز الإجبار في محله ، لأنه إجبار على غير الحق. لكن عرفت عدم المنافاة ، فلا وجه للمنع.

إلا أن يقال : لم يثبت ما يدل على عموم الحق المذكور ، والعمدة فيه : إطلاق وجوب الإطاعة ، فإذا ثبت تقييده بغير المعصية ، فلا طريق‌

٣٦٥

الكفارة ، ولا التعزير [١]. وهل يجوز له مقاربتها وهي نائمة إشكال [٢].

( مسألة ١٩ ) : من عجز عن الخصال الثلاث في كفارة مثل شهر رمضان تخير [٣] بين أن يصوم ثمانية عشر يوماً ، أو يتصدق بما يطيق [٤].

______________________________________________________

إلى ثبوته. ومن ذلك يظهر الإشكال في دعوى استفادته من قوله تعالى : ( نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ ... ) (١). فتأمل جيداً.

ويشهد بنفي الحق المذكور : أنه خلاف السيرة الارتكازية القطعية على عدم جواز منع الزوجة من الصوم والصلاة ، ومقدماتهما من طهارة حدثية أو خبثية أو نحوهما ، وغيرهما من الواجبات الشرعية.

[١] للأصل ، بعد عدم دخوله في النص ، كما سبق في نظيره. فما عن بعض ـ من القول بوجوب كفارة عنها عليه ـ غير ظاهر.

[٢] يبتني على ثبوت الحق وعدمه في المقام ، نظير ما تقدم في الإكراه.

[٣] كذا حكي التعبير عن الأكثر. وفي الشرائع : « كل من وجب عليه شهران متتابعان ، فعجز ، صام .. ».

[٤] كما عن المختلف ، والدروس ، وغيرهما. لأنه مقتضى الجمع بين ما دل على بدلية خصوص صوم الثمانية عشر ـ كخبر أبي بصير وسماعة بن مهران قالا : « سألنا أبا عبد الله (ع) عن الرجل يكون عليه صيام شهرين متتابعين ، فلم يقدر على الصيام ، ولم يقدر على العتق ، ولم يقدر على الصدقة. قال (ع) : فليصم ثمانية عشر يوماً ، على كل عشرة مساكين ثلاثة أيام » (٢) ، وخبر أبي بصير قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن‌

__________________

(١) البقرة : ٢٢٣.

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب بقية الصوم الواجب حديث : ١. ثمَّ إن الشيخ (ره) ـ رواها عن أبي بصير وسماعة في التهذيب ج ٤ : ص ٢٠٨ طبع النجف الأشرف ، والاستبصار ج ٢ ص ٩٢ طبع النجف الأشرف بدون قوله : « ولم يقدر على العتق ». ورواها في التهذيب ج ٤ صفحة ٣١٢ عن أبي بصير ، كما في الوسائل. فلاحظ.

٣٦٦

______________________________________________________

رجل ظاهر من امرأته ، فلم يجد ما يعتق ، ولا ما يتصدق ، ولا يقوى على الصيام. قال (ع) : يصوم ثمانية عشر يوماً ، لكل عشرة مساكين ثلاثة أيام » (١) ـ وبين ما دل على بدلية خصوص الصدقة ، كصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل أفطر في شهر رمضان متعمداً يوماً واحداً من غير عذر. قال (ع) : يعتق نسمة ، أو يصوم شهرين متتابعين ، أو يطعم ستين مسكيناً. فان لم يقدر تصدق بما يطيق » (٢) ومصححه الآخر عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل وقع على أهله في شهر رمضان ، فلم يجد ما يتصدق به على ستين مسكيناً. قال (ع) : يتصدق بقدر ما يطيق » (٣).

وفيه : أن الجمع بذلك فرع التعارض ، المتوقف على اتحاد المورد ، ولكنه غير ظاهر. إذ ثاني الأولين صريح في كون مورده كفارة الظهار وأولهما إن لم يكن ظاهراً في المرتبة ـ بقرينة ما في ذيل الجواب : من توزيع الصيام على الصدقة على ستين مسكيناً ، الظاهر في كونه بدل الصدقة على ستين مسكيناً المتعينة ـ فلا أقل من عدم ظهوره في العموم. والأخيران موردهما كفارة شهر رمضان. وعليه فيجب العمل بكل في مورده من دون مقتض للتصرف في كل منهما بالحمل على التخيير. على أنه لو سلم عموم الأول لكفارة شهر رمضان وجب تخصيصه بالأخير ، جمعاً بين العام والخاص.

__________________

ـ رواها عن أبي بصير وسماعة في التذيب ج ٤ : ص ٢٠٨ طبع النجف الاشرف ، والاستبصار ج ٢ ص ٩٢ طبع النجف الأشرف بدون قوله : « ولم يقدر على العتق ». ورواها في التهذيب ج ٤ صفحة ٣١٢ عن أبي بصير ، كما في الوسائل. فلاحظ.

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب الكفارات حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٣.

٣٦٧

ولو عجز أتى بالممكن منهما [١]. وإن لم يقدر على شي‌ء منهما‌

______________________________________________________

ومنه يظهر ضعف ما عن المفيد والسيد والحلي : من بدلية الأول مطلقاً. كضعف ما عن الإسكافي والمقنع والمدارك والذخيرة : من بدلية الثاني مطلقا لضعف الخبرين الأولين سنداً. إذ فيه : أن الضعف يجبر بالعمل. ولو سلم فلا مجال للتعدي عن مورد الصحيحين الأخيرين.

ثمَّ إن المذكور في صحيح أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : « قال : كل من عجز عن الكفارة التي تجب عليه ، من صوم ، أو عتق ، أو صدقة في يمين أو نذر ، أو قتل. أو غير ذلك مما يجب على صاحبه فيه الكفارة ، فالاستغفار له كفارة ، ما خلا يمين الظهار » (١) فيمكن الجمع بينه وبين ما سبق ، بحمل الكفارة المعجوز عنها على ما يشمل البدل ، كالصدقة بما يطيق ، أو صوم الثمانية عشر يوماً. إذ عليه ترتفع المنافاة بينهما.

نعم في صحيح ابن جعفر (ع) : « إذا عجز عن الخصال الثلاث فليستغفر » (٢) ومقتضاه كون الاستغفار في رتبة الصدقة. والجمع بينهما بالترتيب لا شاهد له. إلا أن يكون هو الإجماع.

[١] كأنه لقاعدة الميسور. لكن في تماميتها إشكالا أشرنا إليه فيما سبق. مع أنه غير معقول بالنسبة إلى الصدقة ، إذ مع فرض العجز عن الصدقة بما يطيق كيف يمكن تكليفه بالممكن منهما؟! اللهم إلا أن يكون المراد من الصدقة بما يطيق : الصدقة على ستين مسكيناً بما يطيق وإن لم يكن مداً ، وحينئذ فالبدل في حال العجز عنه هو ما يمكنه لكنه ـ مع أنه غير ظاهر من العبارة ـ غير ظاهر من الدليل.

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب الكفارات حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٩. وهو منقول بالمعنى. إلا إذا كان المراد غيره.

٣٦٨

استغفر الله تعالى ولو مرة [١] بدلا عن الكفارة ، وإن تمكن بعد ذلك منها أتى بها [٢].

______________________________________________________

[١] بلا خلاف فيه ، على الظاهر. لما عرفت : من أنه مقتضى الجمع بين نصوص المقام ، وصحيح أبي بصير وابن جعفر ( ع. ومقتضاه الاكتفاء بالمرة للإطلاق.

[٢] هذا ينافي البناء على بدلية الاستغفار ، إذ مقتضى البدلية الاجزاء اللهم إلا أن تختص بدليته بالعجز المستمر ، فاذا تمكن بعد ذلك انكشف عدم البدلية. وعليه فاللازم البناء على ذلك في بدلية الصوم ثمانية عشر ، والصدقة بما يطيق ، لعدم الفرق بين المقامين.

فالأولى أن يقال : إنه إن بني على عدم فورية وجوب الكفارة ، فتخصيص البدلية بالعجز المستمر وان كان يساعده الارتكاز جداً ، وعليه بنينا على عدم جواز البدار لذوي الأعذار في الواجبات الموقتة ، إلا أن حمل الدليل عليه في المقام بعيد جداً ، لندرة العجز المستمر عن الصدقة بالقليل كما لا يخفى. فالاكتفاء بالعجز العرفي مطلقاً ، أو مع عدم ظهور أمارة المكنة لا يخلو من قوة.

نعم في مصحح إسحاق : « الظهار إذا عجز صاحبه عن الكفارة فليستغفر ربه ، وينوي أن لا يعود قبل أن يواقع ، ثمَّ ليواقع وقد أجزأه ذلك من الكفارة. فإذا وجد السبيل إلى ما يكفر يوماً من الأيام فليكفر .. » (١) ومورده وإن كان الظهار ، لكن لا يبعد استفادة الحكم في غيره منه ، كما يساعده الارتكاز العرفي. ولا سيما مع البناء على وجوبه مع فعل الكفارة ، كما يظهر من بعض نصوص قصة الأعرابي الذي واقع أهله في شهر رمضان‌ (٢)

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب الكفارات حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٢ ، ٥.

٣٦٩

( مسألة ٢٠ ) : يجوز التبرع بالكفارة عن الميت [١] ، صوماً كانت أو غيره. وفي جواز التبرع بها عن الحي إشكال [٢] والأحوط العدم. خصوصاً في الصوم.

______________________________________________________

وعلى هذا فالمسقط للكفارة عدم الوجدان ، لا فعل الاستغفار لأنه بدل فلاحظ.

[١] بلا خلاف معتد به ، على ما تقدم في مبحث قضاء الصلوات.

[٢] بلا خلاف. فعن المبسوط : الجواز مطلقاً ، وعن المختلف وغيره موافقته. وعن المدارك وغيره : العدم مطلقاً ، وقواه في الجواهر ، وقال : « لعله المشهور ». وفي الشرائع : التفصيل بين الصوم فالثاني ، وغيره فالأول.

واستدل للأول : بأن الكفارة دين كسائر الديون التي يجوز التبرع فيها. ولما ورد في قصة الأعرابي الذي ادعى العجز عن الكفارة ، حيث قال له النبي (ص) : خذ هذا التمر ، وتصدق به » (١) ولما ورد في قصة الخثعمية المشهورة ، حيث قال النبي (ص) لها : « فدين الله أحق بالقضاء » وقد تقدمت في قضاء الصلوات (٢).

وفيه : أن كونها كسائر الديون مصادرة. مع أن صحة التبرع في وفاء دين الحي محل إشكال ، ففي حاشية الكركي المنع عنها بلا إذن منه. فتأمل. وما ورد في قصة الأعرابي ليس من التبرع الذي هو محل الكلام بل من باب الاذن في إخراج الكفارة من ماله (ص).

نعم لو كان المراد من التبرع في المقام بذل الأجنبي للمال ، في مقابل إخراج المكلف لها من ماله ، أمكن الاستدلال به على الجواز. مع إمكان الإشكال فيه : باحتمال كونه من باب التمليك ، لا الاذن في الصدقة بماله (ص)

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٢.

(٢) الحدائق ج : ١١ صفحة : ٣٩ الطبعة الحديثة وتقدم التعرض لها في المسألة : ٣ من فصل صلاة الاستيجار ج ٧ صفحة ١١٧ الطبعة الثالثة.

٣٧٠

______________________________________________________

نعم في موثق سماعة عن أبي بصير ، الوارد في كفارة الظهار : « فقال رسول الله (ص) : أنا أتصدق عنك ، فأعطاه تمراً لإطعام ستين مسكيناً. قال (ص) : اذهب فتصدق بها .. » (١)

وأما ما ورد في قصة الخثعمية ، فمع أنه ضعيف السند ، وأن من المحتمل كون مورده الميت ، مما لا مجال للعمل بإطلاقه في الحي إجماعاً ، بل ضرورة فيجب الاقتصار فيه على مورده ، للبناء على إجماله.

واستدل للثاني : بأن ظاهر الخطاب الموجه الى شخص بشي‌ء وجوب مباشرته له ، فيجب العمل به. إلا أن يقوم ما يقتضي جواز التبرع ، وهو في المقام مفقود.

ووجه الثالث : أما في الصوم فلما ذكر. وأما في غيره فلأنه لا إشكال عندهم في صحة الوكالة في العتق ، والإطعام ، وقد ادعى في الجواهر : الإجماع المحقق على الصحة فيما لو أعتق الأجنبي عبده عن غيره بمسألته. والاشكال في صحة التبرع بالعتق من بعض ، ليس لبنائه على عدم كون الكفارة مورداً للتبرع ، بل لشبهة أنه لا عتق إلا في ملك ، بناء على كون المراد منه في ملك المعتق عنه. إذ لا مجال للبناء على الدخول في ملك المعتق عنه في التبرع لانتفاء السبب.

وعلى هذا فلا مجال للإشكال في صحة التبرع بغير الصوم. إذ المنشأ فيه إن كان احتمال اعتبار المباشرة التي يقتضيها ظاهر الخطاب فيدفعه الإجماع المذكور ، المساعد له ارتكاز العرف والمتشرعة في أمثال ذلك ، مما لم يكن الغرض من الأمر فيه محض تكميل النفس ، كما في الصوم ، والصلاة ، ونحوهما ، بل كان الغرض منه أيضاً شيئاً آخر يقوم بفعل الغير.

وإن كان احتمال اعتبار كون العتق والإطعام من ماله ، فهو خلاف‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب الكفارات حديث : ١.

٣٧١

( مسألة ٢١ ) : من عليه كفارة إذا لم يؤدها حتى مضت عليه سنين لم تتكرر [١].

( مسألة ٢٢ ) : الظاهر أن وجوب الكفارة موسع ، فلا تجب المبادرة إليها [٢]. نعم لا يجوز التأخير إلى حد التهاون.

______________________________________________________

إطلاق النص. وعدم الاجتزاء بالتصدق بمال الغير ، إنما هو لعدم السلطنة عليه ، لا لقصور الدليل عن شموله. مضافاً الى ظاهر موثق سماعة ، وأبي بصير. وإن كان احتمال اعتبار الاذن من المكلف تعبداً فهو مما لا مجال للركون اليه.

وإن كان لاحتمال دخل إذنه في كون فعل الغير له ، بنحو يترتب عليه آثاره وفوائده ، بحيث لو لم يأذن لغيره في أن يفعل عنه لا تصح نسبة الفعل اليه بوجه ، ولا ترجع فوائده إليه. ففيه : أنه خلاف بناء العرف ، لاستقرار بنائهم على رجوع فوائده إليه بمجرد وقوعه من الغير بقصد أن يكون له إذا كان مما يقبل النيابة ، ولا يتوقف ترتب الفائدة ورجوعها الى المنوب عنه على إذن منه. وهذا البناء كاف في حكم العقل بالخروج عن عهدة التكليف ، لتحقق الإطاعة عند العقلاء ، كما في سائر الموارد. فتأمل جيداً.

وبالجملة : لا ينبغي التأمل في الجواز بعد الإجماع على صحة الاذن والوكالة. فلاحظ.

[١] للأصل ، بعد عدم الدليل على التكرر.

[٢] يظهر من الدروس وغيره المفروغية عنه ، ويقتضيه إطلاق الأدلة. نعم يمكن أن يستشكل في ذلك : بأن مقتضى كونها كفارة للذنب وجوب المبادرة إليها عقلا ، نظير وجوب المبادرة إلى التوبة ، فكما يحكم العقل بوجوب الإطاعة وحرمة المعصية ، فراراً عن الوقوع في الذنب ، يحكم بوجوب المبادرة‌

٣٧٢

( مسألة ٢٣ ) : إذا أفطر الصائم بعد المغرب على حرام ـ من زنا ، أو شرب الخمر ، أو نحو ذلك ـ لم يبطل صومه [١] ، وإن كان في أثناء النهار قاصداً لذلك.

( مسألة ٢٤ ) : مصرف كفارة الإطعام للفقراء [٢] ،

______________________________________________________

إليها أيضاً ، فراراً عن بقاء الذنب ، لعدم الفرق بين الحدوث والبقاء في نظر العقل ، لأن في كل منهما خطراً. بل لعل ذلك منشأ لانصراف الأدلة إلى الفورية. فتأمل.

[١] لعدم الدليل عليه ، والأصل البراءة.

[٢] بلا خلاف معتد به ، فإن الآية (١) والنصوص (٢) وإن كانت مشتملة على المسكين ، إلا أن الإجماع ـ صريحاً ، وظاهراً ، محكياً عن جماعة ـ على أن الفقير والمسكين يراد كل منهما من الآخر عند الانفراد. قال في محكي المبسوط : « لا خلاف في أنه إن أوصى للفقراء منفردين ، أو للمساكين كذلك ، جاز صرف الوصية إلى الصنفين جميعاً » ومثله : ما عن نهاية الأحكام وفي محكي المسالك : « واعلم أن الفقراء والمساكين متى ذكر أحدهما دخل فيه الآخر بغير خلاف ». وعن الروضة ، ومحكي الميسية : الإجماع على ذلك ، وفي الحدائق : نفي الخلاف فيه ، ويظهر من كلامهم في الكفارات المفروغية عنه. فما في القواعد ـ من الإشكال في إجزاء الإعطاء للفقير في الكفارة ـ ضعيف. ولا سيما بملاحظة ما في مصحح إسحاق ، الوارد في إطعام عشرة مساكين أو إطعام ستين مسكيناً : « قلت : فيعطيه الرجل قرابته إن كانوا محتاجين؟ قال (ع) : نعم » (٣).

__________________

(١) البقرة : ١٨٤.

(٢) تقدم ذكرها في المسألة : ١ من هذا الفصل.

(٣) الوسائل باب : ١٦ من أبواب الكفارات حديث : ٢.

٣٧٣

إما بإشباعهم [١] ، وإما بالتسليم إليهم. كل واحد مداً [٢] ،

______________________________________________________

[١] بلا خلاف ولا إشكال ، كما في الجواهر. ويدل عليه مصحح أبي بصير : « سألت أبا جعفر (ع) عن ( أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ ) (١) قال (ع) : نعم ، ما تقوتون به عيالكم من أوسط ذلك. قلت : وما أوسط ذلك؟ فقال : الخل ، والزيت ، والتمر ، والخبز ، يشبعهم به مرة واحدة » (٢) واختصاصه بكفارة اليمين لا يقدح في جواز التعدي إلى المقام وسائر الكفارات ، لعدم الفصل.

ومنه يظهر ما في ما عن المفيد : من أنه اعتبر في كفارة اليمين أن يشبعهم طول يومهم. ويشهد له رواية سماعة ـ المروية عن تفسير العياشي ـ عن أبي عبد الله (ع) : « سألته عن قول الله عز وجل ( مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ ) في كفارة اليمين. قال (ع) : ما يأكل أهل البيت يشبعهم يوماً. وكان يعجبه مد لكل مسكين » (٣) لضعف الرواية بالإرسال ، مع لزوم حملها على الاستحباب ، جمعاً بينها وبين المصحح.

[٢] كما هو المشهور ، ولا سيما بين المتأخرين. للنصوص الكثيرة الدالة على الاكتفاء به ، بل لعلها متواترة ، الوارد بعضها في كفارة قتل الخطا (٤) وبعضها في كفارة اليمين (٥) وبعضها في كفارة شهر رمضان (٦) بضميمة عدم القول بالفصل بين أنواع الكفارات.

__________________

(١) المائدة : ٨٩.

(٢) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الكفارات حديث : ٥.

(٣) الوسائل باب : ١٢ من أبواب الكفارات حديث : ٩.

(٤) الوسائل باب : ١٠ من أبواب الكفارات حديث : ١.

(٥) راجع الوسائل باب : ١٢ من أبواب الكفارات.

(٦) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١٠ ، ١٢.

٣٧٤

والأحوط مدان ، من حنطة ، أو شعير ، أو أرز ، أو خبز أو نحو ذلك [١] ولا يكفي في كفارة واحدة إشباع شخص واحد مرتين‌

______________________________________________________

وعن الشيخ في الخلاف والمبسوط والنهاية والتبيان : أنها مدان ، ووافقه عليه غيره ، وعن الخلاف : الإجماع عليه. ويشهد له مصحح أبي بصير في كفارة الظهار : « تصدق على ستين مسكيناً ثلاثين صاعاً ، لكل مسكين مدين مدين » (١) وفيه : أنه إن أمكن تخصيصه بمورده وجب الاقتصار عليه ، لعدم معارض له فيه. وإلا ـ كما هو الظاهر ، من جهة عدم الفصل بين الموارد ـ فاللازم حمله على الاستحباب ، جمعاً عرفيا بينه وبين ما سبق. وأما دعوى الإجماع ، فموهونة بمخالفة الأكثر ، كما لا يخفى.

[١] مما يسمى طعاماً ، كما هو المشهور ، بل في محكي الخلاف : الإجماع عليه. لإطلاق الأدلة. وما في بعض كتب اللغة : من أنه قد يختص الطعام بالبر لا يقدح فيما ذكرنا ، ـ لأنه لو تمَّ ـ فهو خلاف الاستعمال الشائع ، الذي يحمل عليه اللفظ عند الإطلاق. مع أنه مختص بلفظ الطعام ، ولا يجري فيما اشتملت عليه النصوص ، وهو الإطعام. فالبناء على إطلاقه ، الشامل لكل ما يطعم ، المقابل لما يشرب ، متعين.

نعم ورد في نصوص كفارة اليمين التقييد بالحنطة ، والدقيق ، والخبز ففي صحيح الحلبي : « يطعم عشرة مساكين لكل مسكين مد من حنطة ، أو مد من دقيق » (٢) ، وفي صحيح الثمالي : « إطعام عشرة مساكين مداً مداً ، دقيق ، أو حنطة » (٣). وفي مصحح هشام بن الحكم : « مد مد من حنطة » (٤). وفي مصحح أبي بصير : « قلت : وما أوسط ذلك؟

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الكفارات حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب الكفارات حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١٢ من أبواب الكفارات حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الكفارات حديث : ٤.

٣٧٥

______________________________________________________

فقال (ع) : الخل ، والزيت ، والتمر ، والخبز ، يشبعهم به مرة واحدة » (١) ونحوها غيرها. وعليه فالجمع العرفي يقتضي التقييد بذلك في خصوص كفارة اليمين. والتعدي إلى غيرها يتوقف على عدم الفصل ، وهو غير ثابت. فعن الحلي : « يجوز أن يخرج حباً ، ودقيقاً ، وخبزاً ، وكلما يسمى طعاماً إلا كفارة اليمين ، فإنه يجب عليه أن يخرج من الطعام الذي يطعم أهله ، للآية ». وفي التحرير : « يجوز إخراج الخبز ، والدقيق ، والسويق ، والحب ـ لا السنبل ـ من كل ما يسمى طعاماً ، في جميع الكفارات. إلا كفارة اليمين ، فان الواجب فيها الإطعام من أوسط ما يطعم أهله. ولو أطعم مما يغلب على قوت البلد جاز ».

وأما التقييد في الآية بالأوسط ـ وكذا في جملة من النصوص ـ فقد اختلفت النصوص في تفسيره. ففي بعضها : إرادة الوسط في المقدار ، ففي مصحح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « في قول الله عز وجل ( مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ ) قال (ع) : هو كما يكون في البيت : من يأكل المد ، ومنهم من يأكل أكثر من المد ، ومنهم من يأكل أقل من المد ، فبين ذلك. وإن شئت جعلت لهم أدماً. والأدم أدناه ملح ، وأوسطه الخل والزيت ، وأرفعه اللحم » (٢). ونحوه غيره. وفي بعضها : إرادة الوسط في الجنس ، كمصحح أبي بصير المتقدم. ونحوه مصحح البزنطي عن أبي جميلة (٣) ، وخبر زرارة (٤) وغيرهما.

ويجب حمل الأخير على الاستحباب ، لما في مصحح الحلبي المتقدم ،

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الكفارات حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الكفارات حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الكفارات حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الكفارات حديث : ٩.

٣٧٦

أو أزيد ، أو إعطاؤه مدين أو أزيد [١] ، بل لا بد من ستين نفساً.

______________________________________________________

من قوله (ع) : « وإن شئت جعلت .. ». الظاهر في نفي الوجوب.

فالمتحصل من مجموع الأدلة كتاباً وسنة : الاكتفاء بمطلق ما يسمى إطعاماً في جميع الكفارات ، عدا كفارة اليمين ، فإنه يتعين فيها إما الخبز ، أو الحنطة ، أو الدقيق. ومقتضى إطلاق الخبز والدقيق في النصوص ـ وكذا ما في الجواهر : من نفي الاشكال في أجزائهما ـ عدم الفرق بين ما يكون من الحنطة ومن غيرها. اللهم إلا أن يكون ذكر الحنطة مع الدقيق في الصحيحين موجباً لانصرافه إلى دقيق الحنطة ، بل لعل الاقتصار على الحنطة في مصحح هشام يقتضي ذلك ، بأن يكون الجمع بينه وبينهما موجباً لحمل الحنطة على ما يعم الدقيق.

ومن هنا يشكل إطلاق الخبز في مصحح أبي بصير ، فلعل الجمع أيضاً يقتضي حمله على خبز الحنطة. بل يمكن الاشكال فيه أيضاً : بعدم وروده في مقام البيان من هذه الجهة. فتأمل.

وأما ما ورد في قصة الأعرابي الذي أفطر شهر رمضان ، أو الذي ظاهر من امرأته : من إعطاء النبي (ص) له التمر ليتصدق به (١) ، فلا يصلح لتقييد الأدلة ، لعدم ظهوره في التقييد ، كما هو ظاهر. والله سبحانه أعلم.

[١] إجماعا ظاهراً. لعدم الإتيان بالمأمور به ، وهو إطعام الستين. مضافاً إلى مصحح إسحاق بن عمار : « سألت أبا إبراهيم (ع) عن إطعام عشرة مساكين أو إطعام ستين مسكيناً ، أيجمع ذلك لإنسان واحد يعطاه؟ فقال (ع) : لا ، ولكن يعطى إنساناً إنساناً ، كما قال الله عز وجل » (٢).

__________________

(١) تقدم ذكرهما في المسألة : ٢٠ من هذا الفصل.

(٢) الوسائل باب : ١٦ من أبواب الكفارات حديث : ٢.

٣٧٧

نعم إذا كان للفقير عيال متعددون ـ ولو كانوا أطفالا صغاراً [١]

______________________________________________________

قال في الجواهر : « نعم لو دفعه لواحد ، ثمَّ اشتراه منه ، ثمَّ دفعه لآخر .. وهكذا إلى تمام الستين ـ أجزأه ، بلا خلاف ولا إشكال ». ويقتضيه إطلاق الصدقة في كثير من النصوص ، لتحققها بالتمليك ، فلا مانع من الشراء بعده.

وتوهم : أنه لا بد من أكل الفقير لها ، ليتحقق الإطعام المعتبر في الكفارة كتاباً وسنة. مندفع : بأن الإطعام مفسر في النصوص ببذل الطعام لهم ليأكلوه ، أو تمليكهم إياه ، فلا يعتبر في الأول التمليك ، ولا يعتبر في الثاني الأكل. ولو اعتبر الأكل في الجميع لزم عدم الاجتزاء بمجرد التصدق حتى يتحقق الأكل في الخارج ، وهو خلاف المقطوع به من النصوص.

ثمَّ إن ما ذكر ـ من عدم الاكتفاء بإعطاء الواحد مرتين في كفارة واحدة ـ إنما هو مع التمكن من المستحق. أما مع التعذر ، ففي الشرائع وغيرها : أنه يجوز ، بل في الجواهر : لم أقف فيه على مخالف صريح معتد به ، وعن ظاهر الخلاف : الاتفاق عليه. ويشهد له خبر السكوني : « قال أمير المؤمنين (ع) : إن لم يجد في الكفارة إلا الرجل والرجلين. فليكرر عليهم حتى يستكمل العشرة ، يعطيهم اليوم ، ثمَّ يعطيهم غدا » (١). واختصاص مورده بكفارة العشرة لا يقدح في التمسك به على عموم الحكم بناء على إلغاء خصوصيته عرفاً ، أو عدم الفصل.

نعم ظاهره ملاحظة التعدد في الأيام. إلا أن يحمل على الإشباع بملاحظة المتعارف فيه ، فلا يكون خصوصية لذلك ، نظير خصوصية الغد. فتأمل.

[١] الظاهر أنه لا إشكال ولا خلاف في جواز إعطاء الصغار كالكبار فيما لو كان الإطعام بنحو التمليك. كما يقتضيه ـ مضافاً إلى إطلاق الأدلة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٦ من أبواب الكفارات حديث : ١.

٣٧٨

يجوز إعطاؤه بعدد الجميع لكل واحد مداً [١].

______________________________________________________

لصدق المسكين عليهم كصدقه على الكبار ـ صحيح يونس بن عبد الرحمن عن أبي الحسن (ع) : « عن رجل عليه كفارة إطعام عشرة مساكين ، أيعطي الصغار والكبار سواء ، والنساء والرجال ، أو يفضل الكبار على الصغار ، والرجال على النساء؟ فقال (ع) : كلهم سواء » (١).

وأما في الإشباع ، فالمحكي عن المفيد : المنع من إعطائهم مطلقاً ، وفي الشرائع : « يجوز إطعامهم منضمين. ولو انفردوا احتسب الاثنان بواحد ». وكأنه لخبر غياث : « لا يجزي إطعام الصغير في كفارة اليمين ولكن صغيرين بكبير » (٢). وفي خبر السكوني : « من أطعم في كفارة اليمين صغاراً وكباراً فليزود الصغير بقدر ما أكل الكبير » (٣). لكن الأول شامل لصورة الانضمام أيضاً ، بل الثاني ظاهر فيها ـ كما في الجواهر ـ إلا أنه ظاهر في لزوم تزويد كل صغير بقدر ما أكل الكبير ، لا في احتساب الاثنين بواحد. اللهم إلا أن يجمع بينه وبين الأول بالتخيير بين الأمرين. أو يحمل الأول على صورة الانفراد ، فيختص التزويد بصورة الانضمام. ولعل الثاني أقرب. وعليه : تشكل دعوى عموم احتساب الاثنين بواحد لصورتي الانضمام والانفراد ، كما عن الرياض.

نعم في عموم الحكم لغير كفارة اليمين نظر ، لاختصاص الخبرين بها اللهم إلا أن يتمم في غيرها بعدم الفصل. ولا سيما بملاحظة اختصاص دليل مشروعية الإشباع بها لا غير.

[١] للإطلاق. ولصحيح يونس عن أبي الحسن (ع) : « ويتمم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب الكفارات حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ١٧ من أبواب الكفارات حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١٧ من أبواب الكفارات حديث : ٢.

٣٧٩

( مسألة ٢٥ ) : يجوز السفر في شهر رمضان لا لعذر وحاجة [١] ،

______________________________________________________

إذا لم يقدر على المسلمين وعيالاتهم تمام العدة التي تلزمه أهل الضعف ممن لا ينصب » (١).

ثمَّ إن عبارة المتن ظاهرة في جواز إعطاء المعيل بقدر عدد العيال ، وإن لم يكن وكيلا عنهم إذا كانوا كباراً ، ولا ولياً عليهم إذا كانوا صغاراً. لكنه غير ظاهر الوجه إذا كان بنحو التمليك ، إذ التملك يحتاج سلطنة. نعم إذا كان بنحو الإشباع أمكن ذلك بلا توكيل أو ولاية ، لكون المعيل حينئذ واسطة في الإشباع. لكن لا بد حينئذ من العلم بحصول الإشباع ، ولا تفرغ الذمة إلا به.

[١] على المشهور شهرة عظيمة. لمصحح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « عن الرجل يدخله شهر رمضان وهو مقيم لا يريد براحاً ، ثمَّ يبدو له ـ بعد ما يدخل شهر رمضان ـ أن يسافر. فسكت ، فسألته غير مرة ، فقال (ع) : يقيم أفضل. إلا أن تكون له حاجة لا بد له من الخروج فيها ، أو يتخوف على ماله » (٢) وصحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (ع) : « عن الرجل يعرض له السفر في شهر رمضان وهو مقيم وقد مضى منه أيام. فقال (ع) : لا بأس بأن يسافر ، ويفطر ولا يصوم » (٣) وقريب منهما غيرهما.

وعن الحلبي : أنه لا يحل اختياراً ، لإطلاق ما دل على وجوب الصوم بناء على كون الحضر من شرائط الوجود ، لا الوجوب. مضافاً الى مصحح‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٨ من أبواب الكفارات حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٣ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ٢.

٣٨٠