مستمسك العروة الوثقى - ج ٨

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٨

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٤

______________________________________________________

شمول المستثنى منه للحكم الوضعي ، ومصحح زرارة : « قلت له : في مسح الخفين تقية؟ فقال (ع) : ثلاثة لا أتقي فيهن أحداً : شرب المسكر ، ومسح الخفين ، ومتعة الحج » (١) وفي رواية أبي الصباح عن جعفر بن محمد (ع) : « ما صنعتم من شي‌ء ، أو حلفتم عليه من يمين في تقية ، فأنتم منه في سعة » (٢) فإن إطلاق السعة يقتضي الصحة. فتأمل ، وموثق سماعة : « وإن لم يكن إمام عدل فليبن على صلاته كما هو ، ويصلي ركعة أخرى ، ويجلس قدر ما يقول : « أشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله » ثمَّ ليتم صلاته معه على ما استطاع فإن التقية واسعة. وليس شي‌ء من التقية إلا وصاحبها مأجور عليها إن شاء الله » (٣). وقريب منها غيرها. وحينئذ لا مانع من الالتزام بالصحة في المقام ، كما هو صريح جماعة ، بل هو المشهور في غير المقام. فراجع ما تقدم في الوضوء.

نعم القدر المتيقن صورة ما لو كان العمل موافقاً لمذهبهم من حيث الحكم الكلي ، مثل استعمال ما ليس مفطراً عندهم مع كونه مفطراً عندنا كالارتماس. أما لو كان موافقاً لمذهبهم من حيث الموضوع الخارجي ، فإن شمول النصوص له غير ظاهر ، كما لو ثبت عندهم هلال شوال فأفطروا ، فإن الإفطار معهم ليس موافقة لهم إلا في اعتقاد كون يوم الإفطار عيداً وهو من قبيل الموضوع لا الحكم. إلا أن يرجع ذلك إلى مذهبهم في الحكم بحجية الشهادة ، أو في حجية حكم حكامهم التي هي من قبيل الحكم الكلي الظاهري. ولا فرق بين الحكم الواقعي والظاهري في دخولهما تحت دليل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب الأمر بالمعروف حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب الأيمان حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٥٦ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٢.

٣٢١

( مسألة ٣ ) : إذا كانت اللقمة في فمه ، وأراد بلعها لنسيان الصوم ، فتذكر وجب إخراجها ، وإن بلعها مع إمكان إلقائها بطل صومه ، بل تجب الكفارة أيضاً. وكذا لو كان مشغولا بالأكل فتبين طلوع الفجر.

______________________________________________________

الاجزاء. ويشير اليه خبر أبي الجارود : « إنا شككنا سنة في عام من تلك الأعوام في الأضحى ، فلما دخلت على أبي جعفر (ع) وكان بعض أصحابنا يضحي ، فقال (ع) : الفطر يوم يفطر الناس ، والأضحى يوم يضحي الناس ، والصوم يوم يصوم الناس » (١).

إلا أن يقال : أدلة الاجزاء مختصة بالعمل الناقص الموافق للتقية ، مثل الوضوء مع المسح على الخف ، أو غسل الرجلين ، والصلاة مع القراءة بدون البسملة ، والصوم مع الارتماس ونحو ذلك. ولا تشمل صورة ترك العمل الواجب بحيث تقتضي عدم وجوب قضائه إذا كان مما يقضى. والإفطار في عيدهم من قبيل ذلك ، لأن الموافقة لهم في جواز الإفطار ، لا في صحة الصوم ، لأنه خلاف معتقدهم ، فنفي القضاء يحتاج الى دليل مفقود. ومجرد كون المورد من باب الموافقة لهم في الحكم الكلي غير كاف في نفي القضاء مع كون مذهبهم جواز الإفطار وعدم صحة الصوم. فالمقام نظير ما لو كان مذهبهم ترك صلاة موقتة ، فتركها تقية ، فإن ذلك لا يوجب نفي القضاء.

وبالجملة : الأدلة ظاهرة في إجزاء العمل الناقص إذا كان الموجب لنقصه التقية ، فيسقط الأمر به ، ولا يحتاج إلى الإعادة. ولا تعرض فيها لسقوط الأمر بالفعل إذا كانت التقية تقتضي تركه. ومن الأول ـ الذي هو موضوع النصوص ـ : الإفطار عند سقوط القرص تقية ، فإنه موافقة لهم في مذهبهم في امتثال الحكم الكلي الواقعي ، وهو انتهاء اليوم بسقوط القرص.

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٧ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٧.

٣٢٢

( مسألة ٤ ) : إذا دخل الذباب ، أو البق ، أو الدخان الغليظ ، أو الغبار في حلقه من غير اختياره لم يبطل صومه.

______________________________________________________

وما في الجواهر من الاشكال فيه وفي الإفطار في عيدهم ـ بالشك في شمول دينية التقية لمثل ذلك ، الذي مرجعه الى موضوع مصداقاً أو مفهوماً لا إلى حكم غير ظاهر ، فان الاختلاف في المسح على الخف ، وجزئية البسملة ، ومانعية التكتف أيضاً اختلاف في مفهوم الموضوع ، ولا ريب في ثبوت التقية فيها ، وأنها من الدين ، فالاختلاف في الموضوعات المستنبطة اختلاف مذهبي تشمله أدلة التقية.

نعم الاختلاف في الموضوع من جهة الأمور الخارجية ليس اختلافاً مذهبياً ، فلا تشمله الأدلة الخاصة بها ، مثل الاختلاف في العيد للاختلاف في الرؤية وعدمها. وأما لو كان من جهة الاختلاف في الحكم الظاهري للاختلاف في حجية الشهادة أو حكم حاكمهم ، فهو وإن كان اختلافاً مذهبياً ـ كما اعترف به في الجواهر ـ لكنه لا تشمله أدلتها بنحو لا توجب القضاء كما عرفت. نعم لو حكم حاكمهم بهلال ذي الحجة فالحج الجاري على مقتضى الحكم المذكور مجزي عن الإعادة. وكذا لو حكم حاكمهم بطهارة ماء فتوضأ به وصلى أجزأت صلاته عن الإعادة والقضاء.

ومما ذكرنا يظهر قوة ما في نجاة العباد : من الاجزاء إذا تناول ما ليس مفطراً عندهم ، أو أفطر قبل الغروب تقية ، ووجوب القضاء لو أفطر في عيدهم. كما يظهر أيضاً ضعف القول بالصحة في الجميع ، اعتماداً على نصوص مشروعية التقية ، كضعف القول بعدم الاجزاء ، اعتماداً على أدلة وجوب القضاء ، بعد الاستشكال في دلالة نصوص التقية على الصحة ، كما في المسالك ، والحدائق.

وبالجملة : التفصيل الذي ذكرناه هو الظاهر من النصوص المتقدمة ،

٣٢٣

وإن أمكن إخراجه وجب ، ولو وصل إلى مخرج الخاء [١].

( مسألة ٥ ) : إذا غلب على الصائم العطش ، بحيث خاف من الهلاك ، يجوز له أن يشرب الماء [٢] ، مقتصراً على مقدار الضرورة [٣] ، ولكن يفسد صومه بذلك [٤].

______________________________________________________

والقول بالصحة مطلقاً ، أو ببطلان الصوم مطلقاً ضعيف. ومن ذلك يظهر : أن مرسل رفاعة المتقدم ـ المتضمن وجوب القضاء على من أفطر في عيدهم تقية (١) موافق لما ذكرنا ، لا مخالف له ، وإن كان هو ضعيفاً لا يصلح للحجية.

[١] لحرمة أكله في نفسه.

[٢] لأدلة وجوب حفظ النفس عن الهلاك. وكذا لو كان حرجاً أو خاف ضرراً ، لدليل نفي الحرج والضرر.

[٣] بلا خلاف ظاهر. ويقتضيه موثق عمار عن أبي عبد الله (ع) : « في الرجل يصيبه العطاش حتى يخاف على نفسه؟ قال (ع) : يشرب بقدر ما يمسك رمقه ، ولا يشرب حتى يروي » (٢) وخبر المفضل قال : « قلت لأبي عبد الله (ع) : إن لنا فتيات وشباناً لا يقدرون على الصيام من شدة ما يصيبهم من العطش. قال (ع) : فليشربوا بقدر ما تروى به نفوسهم وما يحذرون » (٣)

[٤] لاستعمال المفطر اختياراً. وأدلة رفع الاضطرار لا تصلح لتصحيح الصوم (٤).

__________________

(١) راجع أوائل الكلام من هذا الفصل :

(٢) الوسائل باب : ١٦ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١٦ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ٢.

(٤) راجع الوسائل باب : ٥٦ من أبواب جهاد النفس.

٣٢٤

ويجب عليه الإمساك بقية النهار [١] إذا كان في شهر رمضان وأما في غيره من الواجب الموسع والمعين فلا يجب الإمساك [٢] وإن كان أحوط في الواجب المعين.

( مسألة ٦ ) : لا يجوز للصائم أن يذهب إلى المكان الذي يعلم اضطراره فيه إلى الإفطار [٣] بإكراه أو إيجار في حلقه أو نحو ذلك ، ويبطل صومه لو ذهب وصار مضطراً ولو كان بنحو الإيجار. بل لا يبعد بطلانه بمجرد القصد إلى ذلك ، فإنه كالقصد إلى الإفطار [٤].

______________________________________________________

[١] كما يفهم من الخبرين السابقين.

[٢] لعدم الإطلاق في الموثق ، والمتيقن منه شهر رمضان. والخبر ـ مع ضعفه في نفسه ـ لا تبعد أيضا فيه دعوى الانصراف إلى شهر رمضان كما يظهر ذلك بملاحظة السؤال. لا أقل من الاجمال فيه ، فأصالة البراءة من وجوب الإمساك في غير رمضان محكمة.

[٣] يعني : إذا كان صومه معيناً ، فان العمد الى الذهاب عمد إلى الإفطار المحرم ، وقد عرفت : أن الإفطار عمداً مفطر موجب للقضاء.

نعم يمكن الإشكال في الإيجار : بأنه غير مفطر ، نظير الاحتلام ، لأنه مفعول به ، فالعمد اليه ليس عمداً إلى المفطر ، حتى يكون حراماً. فالعمد اليه بالذهاب ليس عمداً إلى الحرام ، كما لو علم أنه إذا نام يحتلم ، أو إذا أكل في الليل شيئاً احتلم.

بل قد يشكل الأمر في القي‌ء ، بناء على ما تقدم من المصنف (ره) : من التوقف في كفاية العمد المصحح للعقاب في تحقق العمد المعتبر في مفطريته.

[٤] فقد تقدم أنه مفطر. هذا والحكم في المسألة الآتية ظاهر.

٣٢٥

( مسألة ٧ ) : إذا نسي فجامع لم يبطل صومه. وإن تذكر في الأثناء وجب المبادرة إلى الإخراج ، وإلا وجب عليه القضاء والكفارة.

فصل في أمور لا بأس بها للصائم

لا بأس للصائم بمص الخاتم أو الحصى ، ولا بمضغ الطعام للصبي ، ولا بزق الطائر ، ولا بذوق المرق ، ونحو ذلك مما لا يتعدى إلى الحلق [١] ،

______________________________________________________

فصل في أمور لا بأس بها للصائم‌

[١] للأصل. وعموم حصر المفطر في غيره. مضافاً الى صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « في الرجل يعطش في شهر رمضان. قال (ع) : لا بأس أن يمص الخاتم » (١) ونحوه صحيح منصور عنه (ع) (٢) وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) ـ في حديث ـ : « أنه سئل عن المرأة يكون لها الصبي وهي صائمة ، فتمضغ له الخبز وتطعمه؟ قال (ع) : لا بأس. والطير إن كان لها » (٣) ونحوه في المضغ خبر مسعدة عنه (ع) (٤) وصحيح حماد قال : « سأل ابن أبي يعفور أبا عبد الله (ع) ـ وأنا أسمع ـ عن الصائم يصب الدواء في أذنه؟ قال (ع) : نعم ، ويذوق المرق ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٢.

٣٢٦

ولا يبطل صومه إذا اتفق التعدي [١] ، إذا كان من غير قصد ولا علم بأنه يتعدى قهراً أو نسياناً. أما مع العلم بذلك من الأول فيدخل في الإفطار العمدي [٢]. وكذا لا بأس بمضغ العلك [٣] ، ولا ببلع ريقه بعده ، وإن وجد له طعماً فيه [٤]

______________________________________________________

ويزق الفرخ » (١) ونحوه في ذوق المرق جملة أخرى.

وأما مصحح سعيد الأعرج : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الصائم يذوق المرق ولا يبلعه. قال (ع) : لا » (٢) فمحمول على الكراهة. وحمله على عدم الحاجة ـ كما عن الشيخ ـ لا شاهد عليه.

[١] لعدم العمد ، الذي هو شرط في الإفطار. وما عن المنتهى : من وجوب القضاء إذا كان الإدخال في الفم لا لغرض صحيح ، ضعيف.

[٢] لأن العمد إلى ما يعلم ترتب الشي‌ء عليه عمد الى ذلك الشي‌ء.

[٣] للأصل. والعموم المتقدم. وصحيح ابن مسلم : « قال أبو جعفر (ع) : يا محمد إياك أن تمضغ علكاً. فإني مضغت اليوم علكاً وأنا صائم فوجدت في نفسي منه شيئاً » (٣) وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : « عن الصائم يمضغ العلك؟ قال (ع) : نعم إن شاء » (٤) ولأجلها يحمل ما في مصحح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) من المنع عنه على الكراهة (٥) كما يشهد به التحذير عنه في الصحيح.

[٤] للإطلاق. بل الصحيح كالصريح فيه.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٧ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٣٧ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٣.

(٥) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٢.

٣٢٧

ما لم يكن ذلك بتفتت أجزاء منه [١] ، بل كان لأجل المجاورة وكذا لا بأس بجلوسه في الماء [٢] ما لم يرتمس ، رجلا كان أو امرأة [٣] ، وإن كان يكره لها ذلك. ولا ببل الثوب ووضعه على الجسد [٤] ،

______________________________________________________

[١] فيدخل في الأكل المفطر. إلا أن تكون الأجزاء مستهلكة في الريق ، فالحكم بالإفطار حينئذ غير ظاهر.

[٢] للأصل. والعموم. وخبر ابن راشد عن أبي عبد الله (ع) ـ في حديث ـ : « قلت فالصائم يستنقع في الماء؟ قال (ع) : نعم. قلت : فيبل ثوباً على جسده؟ قال (ع) : لا » (١) ونحوه غيره ، وقد تقدم بعضه في مبحث الارتماس.

[٣] أما في الأول فلا خلاف فيه يعرف. وأما في الثاني فهو المشهور. وعن الحلبي : وجوب القضاء. وعن القاضي وابن زهرة : وجوبه مع الكفارة. وكأنه لخبر حنان بن سدير : « أنه سأل أبا عبد الله (ع) عن الصائم يستنقع في الماء؟ قال (ع) : لا بأس ، ولكن لا يغمس رأسه. والمرأة لا تستنقع في الماء ، لأنها تحمله بقبلها » (٢) وهو كما ترى. إذ فيه ـ مضافاً إلى إعراض المشهور عنه ـ : قصور الدلالة ، من جهة التعليل. فالمتعين الحمل على الكراهة ، كما هو المشهور.

[٤] بلا خلاف ظاهر ، بل الإجماع في الظاهر ، كما في الجواهر. وبه ـ مضافاً الى عموم حصر المفطر في غير المقام ، وصحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (ع) ، المتضمن : أن الصائم يتبرد بالثوب (٣). فتأمل ـ يحمل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٦.

(٣) الوسائل باب : ٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٢.

٣٢٨

ولا بالسواك باليابس [١] ، بل بالرطب أيضاً [٢]. لكن إذا أخرج المسواك من فمه لا يرده وعليه رطوبة ، وإلا كانت كالرطوبة الخارجية لا يجوز بلعها إلا بعد الاستهلاك في الريق. وكذا لا بأس بمص لسان الصبي ، أو الزوجة [٣]

______________________________________________________

النهي في خبر ابن راشد المتقدم وغيره على الكراهة ، كما يأتي.

[١] بلا خلاف ، بل الإجماع بقسميه عليه ، كما في الجواهر. للأصل والعموم المتقدم. والنصوص المستفيضة الدالة على جوازه مطلقاً ، كصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « يستاك الصائم أي ساعة من النهار أحب » (١).

[٢] كما هو المشهور ، وعن المنتهى : نسبته إلى علمائنا أجمع. لما سبق أيضاً. وعن المختلف ، عن ابن أبي عقيل : المنع عنه. ويقتضيه النهي في جملة من النصوص ، مثل صحيح ابن مسلم عن أبي عبد الله (ع) : « ولا يستاك بعود رطب » (٢) ومصحح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « ولا يستاك بسواك رطب » (٣) ونحوهما غيرهما. لو لا معارضتها بغيرها ، مما يوجب الحمل على الكراهة ، مثل صحيح الحلبي : « سألت أبا عبد الله (ع) : أيستاك الصائم بالماء وبالعود الرطب يجد طعمه؟ فقال (ع) : لا بأس » (٤)

[٣] للأصل. والعموم. ولصحيح ابن جعفر (ع) ، عن أخيه (ع) : « قال سألته عن الرجل الصائم يمص لسان المرأة ، أو تفعل المرأة ذلك؟ قال (ع) : لا بأس » (٥) ويدل أيضاً على جواز مصها للسانه. ونحوه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٨.

(٣) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١٠.

(٤) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٣.

(٥) الوسائل باب : ٣٤ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٣.

٣٢٩

إذا لم يكن عليه رطوبة [١] ، ولا بتقبيلها ، أو ضمها [٢] ، أو نحو ذلك.

( مسألة ١ ) : إذا امتزج بريقه دم واستهلك فيه يجوز بلعه على الأقوى [٣] ، وكذا غير الدم من المحرمات والمحللات. والظاهر عدم جواز تعمد المزج والاستهلاك بالبلع [٤] ، سواء كان مثل الدم ونحوه من المحرمات ، أو الماء ونحوه من المحللات. فما ذكرنا من الجواز إنما هو إذا كان ذلك على وجه الاتفاق.

______________________________________________________

في ذلك خبر أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) (١) ولم أقف على نص في الصبي.

[١] الإطلاق المتقدم يقتضي الجواز معها ، بل هو الغالب. نعم قد يدعى سوق النصوص لحكم مجرد المص ، فلا تدل على جواز ابتلاعها ، فيرجع فيه إلى الأصل المانع. لكنه لا يخلو من تأمل.

[٢] النصوص بذلك مستفيضة ، كصحيح جميل وزرارة وأبي بصير عن أبي جعفر (ع) : « لا تنقض القبلة الصوم » (٢) وموثق سماعة بن مهران قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن القبلة في شهر رمضان للصائم أتفطر؟ قال (ع) : لا » (٣). ونحوهما غيرهما.

[٣] إذا بلعه بعد استهلاك الدم فيه لا يخرج عن كونه بلعاً للريق. المنصوص على جوازه ، كما تقدم.

[٤] وجهه غير ظاهر. لأنه إذا فرض جواز البلع بعد الاستهلاك كان المنع عن الاستهلاك غير ظاهر الوجه ، لأنه محتاج الى دليل ، وهو مفقود ، والأصل يقتضي الجواز.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٤ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١٢.

(٣) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١٤.

٣٣٠

فصل يكره للصائم أمور‌

أحدها : مباشرة النساء ، لمساً ، وتقبيلا ، وملاعبة [١] خصوصاً لمن تتحرك شهوته بذلك [٢]. بشرط أن لا يقصد

______________________________________________________

فصل يكره للصائم أمور‌

[١] لإطلاق جماعة الكراهة. بناء على قاعدة التسامح ، مع الاكتفاء بالفتوى في تطبيقها. مضافاً الى إطلاق بعض النصوص ، مثل ما عن العيون : « ثلاثة لا يعرض أحدكم نفسه لهن وهو صائم : الحجامة ، والحمام ، والمرأة الحسناء » (١) وما عن أبي جعفر (ع) : « عن الرجل يجد البرد ، أيدخل مع أهله في لحاف وهو صائم؟ قال (ع) : يجعل بينهما ثوباً » (٢)

[٢] فقد استفاض في النصوص نهيه عن ذلك ، كصحيح منصور : « ما تقول في الصائم يقبل الجارية والمرأة؟ فقال (ع) : أما الشيخ الكبير مثلي ومثلك فلا بأس. وأما الشاب الشبق فلا ، لأنه لا يأمن ، والقبلة إحدى الشهوتين » (٣) المحمول على الكراهة إجماعاً.

وعن جماعة ـ منهم الفاضلان والشهيدان ـ : تخصيص الكراهة بذلك جمعاً بين النصوص ، وحملا للمطلق منها على المقيد. ولعل الجمع بينها باختلاف مراتب الكراهة أوفق بالقواعد. فتأمل.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٧.

(٣) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٣.

٣٣١

الانزال ، ولا كان من عادته. وإلا حرم إذا كان في الصوم الواجب المعين [١].

الثاني : الاكتحال بما فيه صبر أو مسك أو نحوهما ، مما يصل طعمه أو رائحته إلى الحلق [٢].

______________________________________________________

[١] كما نص عليه في الجواهر ، معللا له : بأنه كتعمد الابطال. وهو بالنسبة إلى الأول ظاهر ، بناء على أن قصد المفطر مفطر. أما بالنسبة إلى الثاني فمحل تأمل ، لأن مجرد الاعتياد غير كاف في منافاة ذلك لقصد الصوم. نعم لو أنزل بطل صومه ، كما تقدم في المسألة الثامنة عشرة.

[٢] بلا خلاف أجده ، كما في الجواهر. وفي موثق سماعة : « عن الكحل للصائم. فقال (ع) : إذا كان كحلا ليس فيه مسك وليس له طعم في الحلق فلا بأس به » (١) وفي صحيح ابن مسلم : « عن المرأة تكتحل وهي صائمة؟ فقال (ع) : إذا لم يكن كحلا تجد له طعماً في حلقها فلا بأس » (٢) وخبر الحسين بن علوان : « كان لا يرى بأساً بالكحل للصائم إذا لم يجد طعمه » (٣) المحمول على الكراهة إجماعاً ، ادعاه غير واحد صريحاً وظاهراً. وللنصوص المطلقة في الجواز المعلل بعضها : بأنه ليس بطعام ولا شراب (٤). وفي بعضها : إنه ليس بطعام يؤكل (٥) وخصوصاً : ما دل على نفي البأس بالاكتحال بما فيه المسك (٦)

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٥.

(٣) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١٢.

(٤) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١.

(٥) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٦.

(٦) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١١.

٣٣٢

وكذا ذر مثل ذلك في العين [١].

الثالث : دخول الحمام إذا خشي منه الضعف [٢].

الرابع : إخراج الدم المضعف [٣] بحجامة أو غيرها.

______________________________________________________

نعم قد يقتضي الجمع بين ما ذكر وما دل على إطلاق النهي عن الاكتحال (١) عموم الكراهة وشدتها فيما له طعم ، كما احتمله في الجواهر والأمر سهل.

[١] لدخول الذر بالاكتحال ، فتشمله النصوص المتقدمة.

[٢] ففي صحيح ابن مسلم : « عن الرجل يدخل الحمام وهو صائم. فقال (ع) : لا بأس ما لم يخش ضعفاً » (٢) المحمول على الكراهة إجماعاً.

[٣] ففي صحيح سعد الأعرج : « عن الصائم يحتجم. فقال (ع) : لا بأس ، إلا أن يتخوف على نفسه الضعف » (٣) وفي صحيح الحلبي : « إني أتخوف عليه ، أما يتخوف على نفسه؟ قلت : ما ذا يتخوف عليه؟ قال (ع) : الغشيان ، وتثور به مرة. قلت : أرأيت إن قوي على ذلك ولم يخش شيئاً؟ قال (ع) : نعم إن شاء » (٤) ومن التعليل يظهر عموم الحكم للحجامة وغيرها. وما في صحيح ابن سنان : « لا بأس أن يحتجم الصائم ، إلا في شهر رمضان ، فإني أكره أن يغرر بنفسه » (٥) لا يبعد حمله على شدة الكراهة في رمضان ، وإن كان قد يأباه التعليل. كما أن إطلاق النهي عن الحجامة (٦) قد يقتضي عموم الكراهة وإن أمن الضعف. فلاحظ‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٣ ، ٨ ، ٩.

(٢) الوسائل باب : ٢٧ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١٠.

(٤) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١.

(٥) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١٢.

(٦) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٧.

٣٣٣

وإذا علم بأدائه إلى الإغماء المبطل للصوم حرم [١]. بل لا يبعد كراهة كل فعل يورث الضعف ، أو هيجان المرة [٢].

الخامس : السعوط [٣] ، مع عدم العلم بوصوله إلى الحلق وإلا فلا يجوز على الأقوى [٤].

السادس : شم الرياحين [٥] ،

______________________________________________________

[١] لأدائه إلى تعمد الإفطار.

[٢] لعموم التعليل المتقدم في صحيح الحلبي‌.

[٣] لموثق ليث : « عن الصائم يحتجم ويصب في أذنه الدهن ، قال (ع) : لا بأس ، إلا السعوط ، فإنه يكره » (١) وخبر غياث : « يكره السعوط للصائم » (٢) وما عن جماعة : من القول بالحرمة ـ منهم المفيد والديلمي ـ غير ظاهر. ومثله : القول بالجواز بلا كراهة ، كما نسب إلى الإسكافي.

[٤] كما عن المبسوط والمختلف وغيرهما. لما دل على عدم جواز الأكل والشرب ، الصادقين مع الوصول الى الحلق. ولا يصلح الخبران لمعارضته لعدم الإطلاق فيهما ، لسوقهما لبيان كراهة السعوط من حيث هو لا غير. فما عن المشهور : من إطلاق الكراهة غير ظاهر.

[٥] إجماعا صريحاً وظاهراً ، محكياً عن جماعة ، ويدل عليه جملة من النصوص ، كخبر الحسن بن راشد : « الصائم لا يشم الريحان » (٣) وفي خبره الآخر : « الصائم يشم الريحان؟ قال (ع) : لا ، لأنه لذة ، ويكره له أن يتلذذ (٤) المحمولة على الكراهة ، كما يقتضيه ظاهر بعضها ، وصريح‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٧ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٧ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٣٢ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١٢.

(٤) الوسائل باب : ٣٢ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٧.

٣٣٤

خصوصاً النرجس [١]. والمراد بها : كل نبت طيب الريح [٢].

السابع : بل الثوب على الجسد [٣].

الثامن : جلوس المرأة في الماء [٤] ، بل الأحوط لها تركه [٥].

التاسع : الحقنة بالجامد [٦].

______________________________________________________

ما دل على الجواز ، كصحيح ابن مسلم : « الصائم يشم الريحان والطيب؟ قال (ع) : لا بأس (١) ونحوه غيره.

[١] للنهي عنه بالخصوص في خبر ابن رئاب ، معللا : بأنه ريحان الأعاجم‌ (٢).

[٢] كما في المجمع. وفي القاموس : إنه أحد معانيه.

[٣] بلا خلاف أجده ، كما في الجواهر. للنهي عنه في خبر ابن راشد (٣) وخبر الصيقل (٤) وفي خبر سنان : « لا تلزق ثوبك إلى جسدك وهو رطب وأنت صائم حتى تعصره » (٥) ولا يبعد كون العصر ينافي البلل ، لأن الظاهر من المبلول ما فيه بلل ، لا مجرد الرطب. ولو بني على منافاته للبلل كان اللازم البناء على خفة الكراهة ، إذ لا مجال لحمل المطلق على المقيد في أمثال المقام.

[٤] كما تقدمت الإشارة إليه (٦).

[٥] للنهي المتقدم (٧)

[٦] قد تقدم الكلام فيه (٨).

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٢ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣٢ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ملحق حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٥.

(٤) الوسائل باب : ٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٤.

(٥) الوسائل باب : ٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٣.

(٦) لاحظ أوائل الكلام من الفصل السابق.

(٧) لاحظ أوائل الكلام من الفصل السابق.

(٨) لاحظ المسألة : ٦٨ من فصل ما يجب الإمساك عنه من المفطرات.

٣٣٥

العاشر : قلع الضرس ، بل مطلق إدماء الفم [١].

الحادي عشر : السواك بالعود الرطب [٢].

الثاني عشر : المضمضة عبثاً [٣]. وكذا إدخال شي‌ء آخر في الفم لا لغرض صحيح.

الثالث عشر : إنشاد الشعر [٤].

______________________________________________________

[١] لموثق عمار : « في الصائم ينزع ضرسه؟ قال (ع) : لا ، ولا يدمي فاه .. » (١)

[٢] للنهي عنه في جملة من النصوص ، المحمول على الكراهة ، كما تقدم (٢).

[٣] الموجود في مرسل حماد : النهي عن المبالغة في المضمضة (٣) وفي خبر يونس : « الأفضل للصائم أن لا يتمضمض » (٤) وفي خبر عمار فيمن تمضمض الثالثة : « أنه قد أساء » (٥) وفي الرضوي : التحذير عن إدخال الماء في الفم للتلذذ في غير وضوء (٦). وأما ما في المتن فلم أقف على ما يدل عليه.

[٤] كما عن بعض. لصحيح حماد : « يكره رواية الشعر للصائم ، وللمحرم ، وفي الحرم ، وفي يوم الجمعة ، وأن يروي بالليل. قلت : وإن كان شعر حق؟ قال (ع) : وإن كان شعر حق » (٧) وفي صحيحه

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٣.

(٢) لاحظ أوائل الكلام من الفصل السابق.

(٣) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٣.

(٥) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٥.

(٦) مستدرك الوسائل باب : ١٤ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٣.

(٧) الوسائل باب : ١٣ من أبواب آداب الصائم حديث : ١.

٣٣٦

ولا يبعد اختصاصه [١] بغير المراثي ، أو المشتمل على المطالب الحقة من دون إغراق ، أو مدح الأئمة (ع). وان كان يظهر من بعض الأخبار التعميم [٢].

الرابع عشر : الجدال ، والمراء ، وأذى الخادم [٣] ،

______________________________________________________

الآخر : « ولا ينشد في شهر رمضان بليل ولا نهار. فقال له (ع) إسماعيل يا أبتاه فإنه فينا؟ قال (ع) : وإن كان فينا » (١).

[١] كما نسب إلى الأصحاب. ويشهد له : ما عن الآداب الدينية للطبرسي ، عن خلف بن حماد : « قلت للرضا (ع) : إن أصحابنا يروون عن آبائك : أن الشعر ليلة الجمعة ، ويوم الجمعة ، وفي شهر رمضان ، وفي الليل مكروه. وقد هممت أن أرثي أبا الحسن (ع) ، وهذا شهر رمضان. فقال (ع) : ارث أبا الحسن (ع) في ليلة الجمعة ، وفي شهر رمضان وفي الليل وفي سائر الأيام. فإن الله عز وجل يكافؤك على ذلك بالثواب الجزيل » (٢) واختصاصه بالمراثي لا يقدح في التعميم ، لامكان التعدي عنها بعدم القول بالفصل ، كما ادعي.

[٢] بل هو صريح ما تقدم. لكن دعوى الهجر عند الأصحاب ، وموافقته للتقية ـ كما قيل ـ توجب ترجح الثاني. فتأمل.

[٣] ففي خبر جراح المدائني : « ولا تنازعوا ، ولا تحاسدوا .. إلى أن قال (ع) : ودع المراء ، وأذى الخادم » (٣). ونحوه ـ في الحسد والتنازع ـ خبر أبي بصير (٤) ، وفيما عن نوادر ابن عيسى : « فاذا‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب آداب الصائم حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٠٥ من أبواب المزار حديث : ٨.

(٣) الوسائل باب : ١١ من أبواب آداب الصائم حديث : ٣.

(٤) الوسائل باب : ١١ من أبواب آداب الصائم حديث : ٤.

٣٣٧

والمسارعة إلى الحلف [١] ، ونحو ذلك من المحرمات والمكروهات في غير حال الصوم ، فإنه تشتد حرمتها أو كراهتها حاله.

فصل فيما يوجب الكفارة

المفطرات المذكورة كما أنها موجبة للقضاء كذلك توجب الكفارة [٢] ،

______________________________________________________

صمتم فاحفظوا ألسنتكم عن الكذب ، وغضوا أبصاركم ، ولا تنازعوا ، ولا تحاسدوا ، ولا تغتابوا ، ولا تماروا ، ولا تكذبوا ولا تباشروا ، ولا تخالفوا ، ولا تغاضبوا ولا تسابوا ، ولا تشاتموا ، ولا تنابزوا ولا تجادلوا ، ولا تباذوا ، ولا تظلموا ولا تسافهوا ، ولا تزاجروا ، ولا تغفلوا عن ذكر الله تعالى .. » (١) ـ الحديث طويل.

[١] لمصحح الفضيل : « إذا صام أحدكم الثلاثة في الشهر فلا يجادلن أحداً ، ولا يجهل ، ولا يسرع إلى الأيمان والحلف بالله تعالى. فان جهل عليه أحد فليتحمله » (٢) فتأمل. ويمكن إدخاله تحت جملة من العناوين المذكورة في النصوص المروية في الوسائل والمستدرك ‌(٣).

فصل فيما يوجب الكفارة‌

[٢] اعلم أنه قد ورد في جملة من النصوص وجوب الكفارة على من‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب آداب الصائم حديث : ١٣.

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب آداب الصائم حديث : ١.

(٣) لاحظ الوسائل باب : ١١ ، ١٢ من أبواب آداب الصائم ، ومستدرك الوسائل باب : ٩ من الأبواب المذكورات.

٣٣٨

إذا كانت مع العمد والاختيار [١] ، من غير كره ولا إجبار [٢]

______________________________________________________

أفطر متعمداً ، كصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل أفطر من شهر رمضان متعمداً يوماً واحداً من غير عذر. قال (ع) : يعتق نسمة أو يصوم شهرين متتابعين ، أو يطعم ستين مسكيناً. فان لم يقدر على ذلك تصدق بما يطيق » (١) ، ومصحح عبد الرحمن البصري عنه (ع) : « عن رجل أفطر يوماً من شهر رمضان متعمداً. قال (ع) : عليه خمسة عشر صاعاً ، لكل مسكين مد بمد النبي (ص) أفضل » (٢) ، وصحيح البزنطي عن المشرقي ، عن أبي الحسن (ع) : « من أفطر يوماً من شهر رمضان متعمداً فعليه عتق رقبة مؤمنة. ويصوم يوماً بدل يوم » (٣). ونحوها غيرها. واختلاف هذه النصوص في نفس الكفارة يأتي الكلام فيه ان شاء الله.

وعليه فكل ما ثبت كونه مفطراً فالعمومات المذكورة تقتضي وجوب الكفارة فيه. مضافاً إلى ما ورد بالخصوص في كثير منها ، كالأكل ، والشرب ، والجماع ، والاستمناء ، وتعمد البقاء على الجنابة ، والغبار بناء على كونه مفطراً.

[١] كما يقتضيه ـ مضافاً إلى اعتباره في الإفطار كما تقدم ـ : التقييد به في الصحيح عن المشرقي‌ ، الدال على عدمها مع عدمه بمفهوم الشرط.

[٢] أما الثاني فلعدم العمد ، فيجري فيه ما سبق. ومثله : صورة السهو عن الصوم ، لانتفاء الإفطار معه. ولرواية عبد السلام ، الآتية في الإفطار على الحرام‌ (٤).

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١٠.

(٣) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ١١.

(٤) لاحظ الأمر الأول من المسألة : ١ من هذا الفصل.

٣٣٩

من غير فرق بين الجميع [١] ، حتى الارتماس ، والكذب على الله وعلى رسوله (ص) ، بل والحقنة ، والقي‌ء على الأقوى.

______________________________________________________

وأما في الأول فلأنه وإن كان يصدق الإفطار عمداً ، لكن ـ لاختصاص الكفارة أو انصرافها إلى خصوص صورة تحقق الإثم والذنب ، وهو منتف في الإكراه ـ لا تشمله أدلتها. مضافاً إلى حديث رفع الإكراه (١) ، ولو بملاحظة تطبيقه في طلاق المكره ، على نحو يدل على عدم صحته وعدم ترتب أثره عليه. وكذلك في المقام.

[١] إذ بعد البناء على مفطريتها تدخل تحت العمومات المتقدمة. ودعوى : انصراف الإفطار إلى غيرها غير ظاهرة. وفي الشرائع : نفى الكفارة في تعمد القي‌ء ، والاحتقان بالمائع ، مع بنائه على وجوب القضاء.

وكأن الوجه في الأول : خلو نصوص المفطرية عن التعرض لها مع تعرضها لوجوب القضاء. وما في رواية مسعدة من قول الصادق (ع) : « من تقيأ متعمداً وهو صائم فقد أفطر ، وعليه الإعادة. فإن شاء الله تعالى عذبه ، وإن شاء غفر له » (٢). فإنه ظاهر في نفي الكفارة ، بل في الجواهر : كالصريح في عدم الكفارة ، التي يفزع إليها في تكفير الذنوب.

ولأجله ـ مضافاً إلى صريح إجماع الخلاف وظاهر غيره ، المؤيد بالتتبع لعدم معرفة القائل بوجوبها ـ مال في الجواهر إلى نفيها ، وأفتى به في نجاة العباد. ولا يخلو من قوة. وإن كان الخروج به عن عموم وجوب الكفارة بالإفطار عمداً لا يخلو من إشكال. وأما وجهه في الثاني : فلعله دعوى الانصراف. لكنها غير ظاهرة.

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٦ من أبواب جهاد النفس.

(٢) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٦.

٣٤٠