مستمسك العروة الوثقى - ج ٤

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٠٩

١
٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

فصل في أحكامِ الأموات‌

اعلم أن أهم الأمور ، وأوجب الواجبات التوبة [١] من المعاصي.

______________________________________________________

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

فصل في أحكام الأموات‌

[١] إجماعاً كما عن غير واحد. وظاهر العلامة في شرح التجريد ، والمجلسي في شرح أصول الكافي : دعوى إجماع الأمة : وفي الذخيرة : « الظاهر أن التوبة من الذنب واجبة اتفاقاً من غير فرق بين الصغيرة والكبيرة. قيل : ويدل عليه من الكتاب قوله تعالى ( تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ .. ) الآية (١) ، وقوله تعالى : ( وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (٢) ، ومن السنة ما لا يحصى. وأما العقل فالظاهر أنه حكم بوجوبها عقلا كل من قال بالحسن والقبح العقليين ».

أقول : أما الآيات الشريفة المذكورة : فالظاهر منها الوجوب الإرشادي ـ كما يظهر من ذكر الغايات المترتبة عليها ـ وأما النصوص : فهي كثيرة ، وقد عقد لها في الوسائل أبواباً في كتاب الجهاد ، إلا أن‌

__________________

(١) التحريم : ٨.

(٢) النور : ٣١.

٣

______________________________________________________

الجميع ـ عدا النادر منها ـ إنما تضمن ذكر الفوائد المترتبة عليها ، منها : صحيح معاوية بن وهب : « سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : إذا تاب العبد توبة نصوحا أحبه الله تعالى فستر عليه في الدنيا والآخرة .. » (١) ومصحح أبي عبيدة « سمعت أبا جعفر (ع) يقول : إن الله تبارك وتعالى أشد فرحاً بتوبة عبده من رجل أضل راحلته وزاده في ليلة ظلماء فوجدها .. » (٢) ، وخبر ابن قبيصة : « التائب من الذنب كمن لا ذنب له » (٣). وبعضها وإن تضمن الأمر بها ، إلا أنه يتعين حمله على الإرشادي أيضاً إلى حكم العقل ، إذ لو بني على الوجوب المولوي يلزم أن يكون تركها معصية أخرى ، فتجب التوبة عنها ، فيكون تركها معصية ثالثة ، وهكذا ، ـ نظير ما يقرر في وجوب الإطاعة لو كان مولوياً ـ فيلزم تكثر المعاصي والعقوبات بمجرد ترك التوبة في زمان ، ووجوب التوبات الكثيرة الطويلة ، وهو مما لا يظن الالتزام به ، بل خلاف المقطوع به من الكتاب ، والسنة ، ومرتكزات المتشرعة ، فوجوبها ـ كوجوب الإطاعة ، وحرمة المعصية ـ إما فطري بملاك دفع الضرر المحتمل ، أو عقلي ـ بناء على القول بالحسن والقبح العقليين ـ بملاك شكر المنعم. ويفترق الحكمان في التوبة عن الصغيرة ، فعلى الأول : ليست بواجبة ، لتكفيرها بترك الكبيرة فيحصل الأمن من العقاب. وعلى الثاني : واجبة ، لعدم الفرق في الحسن بين التوبة في الكبيرة والصغيرة ، كعدم الفرق في وجوب الإطاعة عقلا بين الأمر في الكبيرة والأمر في الصغيرة. ومن ذلك يظهر صحة ما ذكره العلامة في شرح التجريد من وجوب التوبة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨٦ من أبواب جهاد النفس ، حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٨٦ من أبواب جهاد النفس ، حديث : ٦.

(٣) الوسائل باب : ٨٦ من أبواب جهاد النفس ، حديث : ١٤.

٤

وحقيقتها : الندم [١]. وهو من الأمور القلبية ، ولا يكفي‌

______________________________________________________

عن كل معصية ، وحكاه عن جماعة من المتكلمين ، وضعف ما حكاه عن جماعة من المعتزلة من أنها لا تجب عن الصغائر المعلوم أنها صغائر. هذا ، وقال المجلسي في شرح الكافي : « سقوط العقاب مما أجمع عليه أهل الإسلام ، وإنما الخلاف في أنه هل يجب على الله تعالى حتى لو عاقب بعد التوبة كان ظلما ، أو هو تفضل بفعله سبحانه كرماً منه ورحمة بعباده؟المعتزلة على الأول ، والأشاعرة على الثاني ، واليه ذهب الشيخ أبو جعفر (ره) في كتاب الاقتصار ، والعلامة في بعض كتبه الكلامية ، وتوقف المحقق الطوسي طاب ثراه في التجريد .. ( إلى أن قال ) : والحق ما اختاره الشيخ (ره) ، كما يظهر من كثير من كتب الأخبار ، وأدعية الصحيفة الكاملة ، وغيرها ، ودليل الوجوب ضعيف ». ونحوه ما ذكره في البحار. أقول : الاستدلال بالأخبار والأدعية غير ظاهر في الأحكام العقلية. فالعمدة نفي الحكم العقلي ، إذ ليست التوبة عقلا إلا مرتبة من الانقياد والتذلل ليس من مقتضاها محو الاستحقاق ، كغيرها من الطاعات.

[١] الظاهر من التوبة : الرجوع ـ كما صرح به أهل اللغة ـ ويشهد به ملاحظة موارد الاستعمال ، منها : قوله تعالى ( وَإِلَيْهِ مَتابِ ) (١) فالتوبة إليه ـ سبحانه ـ معناها الرجوع اليه ، إلا أنه لما امتنع الرجوع الحقيقي كان المراد منها الرجوع الادعائي الحاصل بالندم ، فكأن العبد بفعل الذنب ذاهب عن الله تعالى ومنصرف عنه ، فاذا التفت إلى ما يترتب على فعله من الخسران والهلاك فندم عليه فقد رجع إلى الله تعالى. وفي رواية أبي بصير عن الصادق (ع) : « يا داود إن عبدي المؤمن إذا أذنب‌

__________________

(١) الرعد : ٣٠.

٥

مجرد قوله : « استغفر الله » [١] بل لا حاجة اليه مع الندم القلبي [٢] ، وإن كان أحوط. ويعتبر فيها العزم على ترك العود إليها [٣].

______________________________________________________

ذنباً ثمَّ رجع وتاب من ذلك الذنب وأستحيي مني عند ذكره غفرت له .. » الحديث (١).

[١] لعدم صدق التوبة عليه.

[٢] لعدم توقف مفهوم التوبة عليه ، كما يشهد به صحيح ابن أبي عمير عن علي الجهضمي ( الأحمسي ، كافي ) عن أبي جعفر (ع) : « كفى بالندم توبة » (٢) بل يظهر من حديث سماعة المشتمل على بيان جنود العقل والجهل (٣) : مغايرة الاستغفار للتوبة ، حيث عدهما جندين للعقل ، وجعل ضد التوبة الإصرار ، وضد الاستغفار الاغترار. ومثله بعض الأدعية والمناجات. ولا ينافي ذلك ما ورد من أنه لا كبيرة مع الاستغفار (٤) ودواء الذنوب الاستغفار (٥) ، ونحو ذلك ، لإمكان كون الاستغفار ماحيا كالتوبة ، أو يراد منه ما سيجي‌ء في كلام أمير المؤمنين (ع).

[٣] كما عن ظاهر الأكثر ، بل ظاهر البحار المفروغية عنه : والظاهر أن المراد به بلوغ الندم ـ الذي هو نوع من التألم النفساني ـ حداً يوجب انزجار النفس عن المعصية بقول مطلق ، بحيث يرى أن فعلها مرجوح على جميع التقادير ، والعوارض الشهوية أو الغضبية الموجبة لترجيح فعل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨٦ من أبواب جهاد النفس ، حديث : ٩.

(٢) الوسائل باب : ٨٣ من أبواب جهاد النفس حديث : ٦ ـ ورواه بلفظ ( الأحمسي ) في باب ٨٢ من أبواب جهاد النفس حديث : ١.

(٣) الكافي ، كتاب العقل والجهل ، حديث : ١٤.

(٤) الوسائل ، باب : ٤٧ من أبواب جهاد النفس ، حديث : ١١.

(٥) الوسائل ، باب : ٨٥ من أبواب جهاد النفس ، حديث : ١١.

٦

______________________________________________________

المعصية على تركها ، فيوجب كراهتها في الأزمنة اللاحقة. أما العزم ـ الذي هو فعل اختياري للقلب زائداً على الإرادة والكراهة ـ فلا دليل على اعتباره لا في مفهومها ، ولا في ترتب الأثر عليها. بل قد يظهر من بعض النصوص خلافه ، ففي رواية أبي بصير : « قلت لأبي عبد الله (ع) : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً ) ، قال : هو الذنب الذي لا يعود فيه أبدا. قلت وأينا لم يعد؟ فقال (ع) : يا أبا محمد إن الله يحب من عباده المفتن التواب » (١) ، ونحوها رواية أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله (ع) ( ٢) بناءً على أن المراد بالمفتن من يتوب ثمَّ يذنب ثمَّ يتوب ، كما احتمله المجلسي (ره) في شرح الكافي ، واحتمل أيضاً أن يكون المراد منه من لا يعود إلى الذنب بعد التوبة ، لكن الأول أظهر بقرينة السؤال الثاني. نعم يظهر منهما اعتباره في التوبة النصوح ، بل هو صريح مرسل الصدوق : « روي أن التوبة النصوح هو أن يتوب الرجل من الذنب وينوي أن لا يعود إليه أبداً » (٣).

وبالجملة : لا دليل على اعتبار العزم بهذا المعنى في مفهوم التوبة ، أو في صحتها ، بل قد يكون اعتباره في ذلك موجباً لامتناع وقوعها من أكثر المذنبين الذين يثقون من أنفسهم بالعود ، لامتناع العزم المذكور حينئذ. اللهم الا أن يقال : العود الصادر من المكلف بالاختيار لا ينافي العزم المذكور ، بل يؤكده ، لأن العود حينئذ يكون من باب انتقاض العزم ، وانتقاض الشي‌ء فرع وجوده. نعم إذا كان العود لا بالاختيار يكون مانعاً عن العزم على تركه ، لأن الوثوق بالقدرة على الشي‌ء شرط لتحقق‌

__________________

(١) الوسائل ، باب : ٨٦ من أبواب جهاد النفس ، حديث : ٣.

(٢) الوسائل ، باب : ٨٦ من أبواب جهاد النفس ، حديث : ٤.

(٣) الوسائل ، باب : ٨٧ من أبواب جهاد النفس ، حديث : ٣.

٧

والمرتبة الكاملة منها ما ذكره أمير المؤمنين عليه‌السلام [١].

( مسألة ١ ) يجب عند ظهور أمارات الموت أداء حقوق الناس الواجبة [٢] ورد الودائع ، والأمانات التي عنده مع‌

______________________________________________________

العزم على تركه ، لكنه ليس مما نحن فيه. لكن الإنصاف : أنه لا فرق في امتناع العزم على الشي‌ء مع العلم بعدم حصوله بين أن يكون لعدم القدرة عليه ، أو لتبدل إرادة المكلف وكراهته. ومما ذكرنا يظهر أن ما حكي في الذخيرة وغيرها عن جمع من العلماء من عدم اعتبار العزم بهذا المعنى في التوبة في محله.

[١] على ما رواه الشريف الرضي (ره) في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين (ع) : « إن قائلا قال بحضرته : أستغفر الله. فقال : عليه‌السلام : ثكلتك أمك أتدري ما الاستغفار؟ الاستغفار درجة العليين وهو اسم واقع على ستة معان : أولها : الندم على ما مضى. والثاني : العزم على ترك العود إليه أبداً. والثالث : أن تؤدي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله عز وجل أملس ليس عليك تبعة. والرابع : أن تعمد إلى كل فريضة عليك ضيعتها فتؤدي حقها. والخامس : أن تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان حتى يلصق الجلد بالعظم ، وينشأ بينهما لحم جديد. والسادس : أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية ، فعند ذلك تقول : أستغفر الله » (١) وهذا منه (ع) وان كان بياناً للاستغفار الكامل ، لا للتوبة ، إلا أنه يصح أن يكون بياناً للتوبة الكاملة ، لاشتماله على الندم والعزم ، وزيادة.

[٢] بلا خلاف ظاهر ، ولا إشكال في الجملة ، كما يستفاد من‌

__________________

(١) الوسائل ، باب : ٨٧ من أبواب جهاد النفس ، حديث : ٤.

٨

الإمكان ، والوصية بها مع عدمه ، مع الاستحكام على وجه لا يعتريها الخلل بعد موته [١].

______________________________________________________

كلماتهم هنا. وفي الوصية ، والوديعة ، وفي قضاء الصلوات. وكأن الوجه فيه استقرار سيرة العقلاء على عدم المعذورية في الفوات لو أخر مع ظهور أمارات عدم القدرة على الأداء على تقدير التأخير. وفي الجواهر ـ في شرح ما في الشرائع في مبحث الوديعة من قوله : « وإذا ظهر للمودع امارة الموت وجب الاشهاد » ـ قال : « كما صرح به غير واحد ، بل لا أجد فيه خلافاً بينهم ». نعم عبر بعضهم بالإشهاد » وآخر بالوصية كما في القواعد ، والمصنف (ره) عبر بالأداء في الحقوق والودائع. لكن وجوب الأداء تعييناً إن أمكن في الحقوق الواجبة بحيث لا يجوز له الاعتماد على الوصي في ذلك غير ظاهر ، إذ ليس حال الوصي إلا حال الوكيل في حال الحياة نعم لا بأس به فيما لو كان الحق فورياً ، فإنه لا يجوز تأخيره إلى ما بعد الوفاة ، لكنه لا يختص ذلك بما لو ظهرت أمارات الموت كما لا يخفى. كما أنه لا بأس به أيضاً في الوديعة إذا علم من حال المالك عدم الرضا بتسليم الودعي إلى غيره ، كما يقتضيه عقد الوديعة ـ كما مال إليه في الجواهر ـ خلافاً لما في الشرائع من التعبير بالإشهاد ، ولما في القواعد من التعبير بالوصية فإن ذلك منهما خلاف ما يقتضيه عقد الوديعة كما عرفت. وبالجملة : وجوب أحد الأمرين من الأداء والوصية مما لا ينبغي التأمل فيه ، إنما التأمل في وجوب الأداء تعييناً مطلقاً إن أمكن ، لعدم ظهور دليل عليه ، فلا يبعد في الحقوق الواجبة جواز الوصية إلى الثقة بدفعها.

[١] لإحراز الأداء الواجب عليه.

٩

( مسألة ٢ ) إذا كان عليه الواجبات التي لا تقبل النيابة حال الحياة [١] كالصلاة ، والصوم ، والحج ، ونحوها ـ وجب الوصية بها إذا كان له مال [٢] ، بل مطلقاً إذا احتمل وجود متبرع [٣] وفيما على الولي كالصلاة والصوم التي فاتته لعذر يجب إعلامه ، أو الوصية باستئجارها أيضاً [٤].

( مسألة ٣ ) يجوز له تمليك ماله بتمامه لغير الوارث [٥] : لكن لا يجوز له تفويت شي‌ء منه على الوارث بالإقرار كذباً ، لأن المال بعد موته يكون للوارث ، فإذا أقر به لغيره كذباً فوَّت عليه ماله [٦]. نعم إذا كان له مال مدفون في مكان‌

______________________________________________________

[١] أما ما يقبلها فيدخل في المسألة الاولى من وجوب أدائه ولو بالاستنابة.

[٢] لما سبق.

[٣] لوجوب الاحتياط عقلا عند الشك في القدرة.

[٤] لأنها لما كانت تقبل النيابة بعد الوفاة كان أداؤها ممكناً ، فيجب عليه التسبيب اليه مهما أمكن ، ومنه الوصية ، فتجب لوجوب أدائها ، إذ تكون بعد الوفاة نظير ما يقبل النيابة حال الحياة.

[٥] لقاعدة السلطنة.

[٦] يعني : التفويت بنحو التسبيب لا بنحو المباشرة. وتحريم ذلك يستفاد مما دل على وجوب إقامة الشهادة (١) ، وتحريم شهادة الزور (٢) وتحريم الوصية بحرمان بعض الورثة من الميراث (٣) ، ونحو ذلك مما يدل‌

__________________

(١) الوسائل ، باب : ٢ من كتاب الشهادات.

(٢) الوسائل ، باب : ٩ من كتاب الشهادات.

(٣) الوسائل ، باب : ٩٠ من كتاب الوصايا ويستفاد من باب : ٥ و ٨ و ١٠ و ١١ و ١٦ و ٣٨ من أبواب الوصايا بل ويستفاد من غيرها. فراجع.

١٠

لا يعلمه الوارث يحتمل عدم وجوب إعلامه [١] ، لكنه ـ أيضاً ـ مشكل. وكذا إذا كان له دين على شخص : والأحوط الاعلام. وإذا عد عدم الاعلام تفويتاً فواجب يقيناً.

( مسألة ٤ ) لا يجب عليه نصب قيم على أطفاله [٢] ، إلا‌

______________________________________________________

على تحريم مثل هذا التسبيب. ويمكن أن يكون تحريم الإقرار المذكور لأنه تسبيب إلى وقوع غيره في الحرام ، لكن عرفت في مبحث وجوب الإعلام بالنجاسة الإشكال في حرمة التسبيب المذكور ، لعدم الدليل عليه إلا فيما علم من الشارع الأقدس كراهة ذلك الحرام من جميع المكلفين ، كقتل النفس المحترمة. وحينئذ فيحرم كل ماله دخل في وقوع الحرام فعلا كان أو تركاً ، تسبيباً كان أو غيره. أما ما لا يعلم من الشارع كراهة وقوعه من جميع المكلفين ، فلا دليل على حرمة التسبيب إلى وقوعه. نعم إذا كان المقر له عالماً بكذب الإقرار ، يكون أخذه للمال المقر به حراماً عليه ، فالإقرار كذباً حرام ، لكونه إعانة له على الحرام. وأما تحريم الإقرار المذكور من جهة أنه كذب فلا ريب فيه ولا خلاف. ومن ذلك يظهر تحريم الإقرار المذكور في صورة علم المقر له بكذبه من وجوه ثلاثة : كونه كذباً ، وكونه إعانة على الحرام ، وكونه تفويتاً على الغير حقه.

[١] لعدم ثبوت كون ترك الاعلام تسبيباً ، وكذا في الفرض الآتي : فما عن جامع المقاصد من وجوب الوصية على كل من له حق يخاف ضياعه ، مبني على كون تركه تسبيباً ، وكون التسبيب اليه حراماً ، وكلاهما محل إشكال. وقد اعترف بخلو ما وقف عليه من العبارات عنه. نعم قد يومئ ما دل على وجوب أداء الشهادة إلى وجوب الاعلام في المقام.

[٢] للأصل.

١١

إذا عد عدمه تضييعاً لهم أو لمالهم [١] ، وعلى تقدير النصب يجب أن يكون أميناً. وكذا إذا عين على أداء حقوقه الواجبة شخصاً يجب أن يكون أميناً. نعم لو أوصى بثلثه في وجوه الخيرات غير الواجبة لا يبعد عدم وجوب كون الوصي عليها أميناً [٢] ، لكنه ـ أيضاً ـ لا يخلو عن إشكال [٣] ، خصوصاً إذا كانت راجعة إلى الفقراء [٤].

______________________________________________________

[١] فإنه خلاف مقتضى ولايته عليهم بحفظهم ، وحفظ مالهم. ولأجل ذلك يجب في القيم أن يكون أميناً ، وإلا بطل نصبه. ومنه يظهر حال ما بعده. ثمَّ إن عده تضييعاً يختص بما إذا لم يوجد أمين يتولى أمورهم بعد وفاته ، وإلا فلا يكون تضييعاً لهم ،

[٢] لأن الثلث ماله ، فكما له أن يتصرف فيه بأي وجه ، له أن يجعل الولاية عليه لأي شخص ، نظير إبداع الخائن ، وتوكيله في صرف ماله في بعض وجوه الخير.

[٣] لاحتمال عدم صلاحية الخائن للولاية على أي أمر من الأمور ، لأن فيه تعرضاً للندامة. ولكنه ـ كما ترى ـ ضعيف.

[٤] فإن الوصية بالمال إلى الفقراء موجبة لثبوت حق لهم فيه ، فيكون الإيصاء إلى الخائن تولية له على حق الغير ، الموجبة لضياعه ، نظير تولية الخائن على مال الصغار. ودعوى : أن الموصي إنما جعل الحق للغير على هذا الوجه الخاص ، ولم يجعل له الحق مطلقاً ، حتى تكون توليته عليه منافية لمراعاة مصلحته. مندفع : بمنع ذلك التقييد ، ولذا لو بطلت الوصية المذكورة لموت الوصي ، أو ظهور خيانة ، بقيت الوصية للفقراء بحالها. فجعل الولاية المذكورة من قبيل الشرط في ضمن العقد ،

١٢

فصل في آداب المريض

وما يستحب عليه ، وهي أمور : ( الأول ) : الصبر والشكر لله تعالى. ( الثاني ) : عدم الشكاية من مرضه إلى غير المؤمن. وحد الشكاية أن يقول : ابتليت بما لم يبتل به أحدا ، وأصابني ما لم يصب أحدا. وأما إذا قال : سهرت‌

______________________________________________________

لا يجوز أن يكون منافياً لمقتضى العقد. ولأجل ما ذكر حكي عن بعض : التفصيل ـ في اعتبار العدالة ـ بين ما يتعلق بحق الغير ـ ولو كان ثبوت الحق بنفس الوصية ـ وبين ما لا يتعلق بحق الغير أصلا. لكن لم يتضح ما في المتن من الفرق بين ما يكون راجعاً الى الفقراء ، وبين ما يكون راجعاً إلى غيرهم ، لأن الجعل للفقراء إذا كان يستوجب الحق للفقراء ، كان كذلك بالنسبة إلى غيرهم. وأيضاً فإن ثبوت الحق المذكور غير ظاهر كلية ، إذ قد يكون الجعل كذلك كما إذا قال : « ثلثي للفقراء أو للمسجد » ، وقد لا يكون كذلك كما إذا قال : « اصرف ثلثي في المسجد أو في الفقراء » ، والكلام في الجميع بنحو واحد ، وهو : أن الوصية للفقراء ، أو للجهات أو فيها منافية للولاية المذكورة ، فلا مجال للأخذ بها معها. ولا مجال لدعوى : أن جعل الولاية فيها راجع إلى الوصية بما زاد على مورد الخيانة فكأنه قال : « أعط للفقراء الزائد على ما ترغب فيه ». إذ فيها : أن جعل الولاية ليس فيه ترخيص في أخذ المال ، وإلا كان خلفاً ، ولم يكن خائناً ولا عاصياً كما هو ظاهر. وتمام الكلام في ذلك موكول الى محله من كتاب الوصية.

١٣

______________________________________________________

البارحة ، أو كنت محموما ، فلا بأس به. ( الثالث ) : أن يخفي مرضه إلى ثلاثة أيام. ( الرابع ) : أن يجدد التوبة. ( الخامس ) : أن يوصي بالخيرات للفقراء من أرحامه وغيرهم ( السادس ) : أن يعلم المؤمنين بمرضه بعد ثلاثة أيام : ( السابع ) : الاذن لهم في عيادته. ( الثامن ) : عدم التعجيل في شرب الدواء ومراجعة الطبيب إلا مع اليأس من البرء بدونهما. ( التاسع ) : أن يجتنب ما يحتمل الضرر. ( العاشر ) : أن يتصدق هو وأقرباؤه بشي‌ء‌ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « داووا مرضاكم بالصدقة » (١) ( الحادي عشر ) : أن يقر ـ عند حضور المؤمنين ـ بالتوحيد ، والنبوة ، والإمامة ، والمعاد ، وسائر العقائد الحقة. ( الثاني عشر ) : أن ينصب قيما أميناً على صغاره ، ويجعل عليه ناظراً. ( الثالث عشر ) : أن يوصي بثلث ماله إن كان موسراً. ( الرابع عشر ) : أن يهي‌ء كفنه. ومن أهم الأمور : إحكام أمر وصيته ، وتوضيحه وإعلام الوصي والناظر بها. ( الخامس عشر ) : حسن الظن بالله عند موته ، بل قيل بوجوبه في جميع الأحوال ، ويستفاد من بعض الاخبار وجوبه حال النزع (٢).

فصل

عيادة المريض من المستحبات المؤكدة ، وفي بعض الاخبار.

__________________

(١) الوسائل ، باب : ٢٢ من أبواب الاحتضار ، حديث : ١.

(٢) الوسائل : باب : ٣١ من أبواب الاحتضار.

١٤

______________________________________________________

أن عيادته عيادة الله تعالى ، فإنه حاضر عند المريض المؤمن‌ (١) ولا تتأكد في وجع العين والضرس والدمّل ، وكذا من اشتد مرضه أو طال. ولا فرق بين أن تكون في الليل أو في النهار بل يستحب في الصباح والمساء ولا يشترط فيها الجلوس ، بل ولا السؤال عن حاله ، ولها آداب : ( أحدها ) أن يجلس ، ولكن لا يطيل الجلوس ، إلا إذا كان المريض طالباً. ( الثاني ) : أن يضع العائد إحدى يديه على الأخرى ، أو على جبهته حال الجلوس عند المريض. ( الثالث ) : أن يضع يده على ذراع المريض عند الدعاء له ، أو مطلقاً : ( الرابع ) : أن يدعو له بالشفاء. والأولى أن يقول : « اللهم اشفه بشفائك ، وداوه بدوائك ، وعافه من بلائك » (٢) ( الخامس ) : أن يستصحب هدية له من فاكهة أو نحوها مما يفرحه ويريحه. ( السادس ) : أن يقرأ عليه فاتحة الكتاب سبعين ، أو أربعين مرة ، أو سبع مرات ، أو مرة واحدة ، فعن أبي عبد الله عليه‌السلام : « لو قرئت الحمد على ميت سبعين مرة ثمَّ ردت فيه الروح ما كان ذلك عجبا » (٣). وفي الحديث : « ما قرئت الحمد على وجع سبعين مرة إلا سكن بإذن الله ، وإن شئتم فجربوا ولا تشكوا » (٤) وقال الصادق عليه‌السلام : « من نالته علة فليقرأ في جيبه الحمد سبع مرات ، وينبغي أن ينفض لباسه بعد قراءة الحمد‌

__________________

(١) الوسائل ، باب : ١٠ من أبواب الاحتضار ، حديث : ١٠ ـ ١١ ، وقد نقله في المتن بالمعنى.

(٢) مستدرك الوسائل ، باب النوادر ـ ٣٩ ـ من أبواب الاحتضار ، حديث : ٢٢.

(٣) الوسائل ، باب : ٣٧ من أبواب قراءة القرآن ، حديث : ١.

(٤) الوسائل ، باب : ٣٧ من أبواب قراءة القرآن ، حديث : ٦.

١٥

عليه » (١). ( السابع ) : أن لا يأكل عنده ما يضره ويشتهيه. ( الثامن ) : أن لا يفعل عنده ما يغيظه ، أو يضيق خلقه. ( التاسع ) : أن يلتمس منه الدعاء ، فإنه ممن يستجاب دعاؤه‌ فعن الصادق صلوات الله عليه : « ثلاثة يستجاب دعاؤهم : الحاج ، والغازي ، والمريض » (٢).

فصل فيما يتعلق بالمحتضر

مما هو وظيفة الغير ، وهي أمور :

الأول : توجيهه إلى القبلة بوضعه على وجه لو جلس كان وجهه إلى القبلة [١]. ووجوبه لا يخلو عن قوة [٢].

______________________________________________________

فصل فيما يتعلق بالمحتضر

[١] إجماعاً ، كما عن الخلاف ، والتذكرة ، وظاهر كشف اللثام. وفي المعتبر نسبته إلى علمائنا أجمع. وقد صرحت به النصوص ، وسيأتي بعضها.

[٢] كما هو المشهور ـ كما في الروضة ، والكفاية ، وعن المدارك ـ ونسب إلى الأشهر ، وإلى الأكثر أيضاً. ويدل عليه موثق معاوية بن عمار : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الميت. فقال : استقبل بباطن قدميه القبلة » (٣)

__________________

(١) الوسائل ، باب : ٣٧ من أبواب قراءة القرآن ، حديث : ٧ ، ولكنه خال عن قوله : ( وينبغي .. ) ولم أعثر عليه في مظانه من الوسائل والمستدرك.

(٢) الوسائل ، باب : ١٢ من أبواب الاحتضار ، حديث : ٢.

(٣) الوسائل ، باب : ٣٥ من أبواب الاحتضار ، حديث : ٤.

١٦

______________________________________________________

والمناقشة في سنده بعدم الصحة. وفي دلالته باحتمال كون السؤال عن كيفية الاستقبال به ، أو عن حكم الميت بعد موته ، لظهور المشتق في المتلبس. مندفعة بأن الموثق حجة. وبأن الظاهر من السؤال : السؤال عن حكم الميت نفسه ، لا كيفية توجيهه. وبان المشتق وإن كان ظاهراً في المتلبس لكن يأبى حمله على ذلك الجواب ، لعدم كون التوجيه إلى القبلة من أحكام الميت بعد الموت ، ولذا قال الصادق (ع) في الصحيح عن ذريح : « فاذا مات الميت فخذ في جهازه وعجله » (١). فإطلاق الأمر بالاستقبال يقتضي إرادة المحتضر من الميت. لكن الإنصاف أن الاعتماد في القول بالوجوب على مثل هذا الظهور لا يخلو من إشكال ، لقرب حمله على إرادة الأمر بكيفية الاستقبال ما دام في الأرض ، كما يشهد به مصحح سليمان بن خالد : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إذا مات لأحدكم ميت فسجوه تجاه القبلة ، وكذلك إذا غسل ، يحفر له موضع المغتسل تجاه القبلة ، فيكون مستقبل باطن قدميه ووجهه إلى القبلة » (٢) فإن ظهور الأمر بالتسجية تجاه القبلة فيما بعد الموت لا ينبغي أن ينكر. ( وحمله ) على إرادة « إذا أراد أن يموت » بقرينة قوله (ع) في ذيله : « وكذلك إذا غسل » ، لأن المراد منه « إذا أريد أن يغسل » بقرينة قوله (ع) : « يخفر له .. » ( بعيد ). لأن القرينة المذكورة تقتضي حمل أداة الشرط على التوقيت محضاً من دون أن تكون مراداً منها الاشتراط وحمل أداة الشرط على ذلك في الصدر بقرينة السياق يقتضي إرادة الأمر بالاستقبال حين الموت ، فلا يشمل حال الاحتضار قبل الموت ، ولا سيما بملاحظة الأمر بالتسجية التي هي التغطية ، إذ هي من أحكام الميت لا المحتضر‌

__________________

(١) الوسائل ، باب : ٣٥ من أبواب الاحتضار ، حديث : ١.

(٢) الوسائل ، باب : ٣٥ من أبواب الاحتضار ، حديث : ٢.

١٧

______________________________________________________

وحمل التسجية على التوجيه إلى القبلة خلاف الظاهر.

ودعوى : أن التصرف في الأداة بحملها على التوقيت ليس بأولى من التصرف في الشرط بحمله على إرادة أن يغسل ، فيكون معنى‌ « إذا غسل » : إذا أشرف على التغسيل ، فيكون مقتضى السياق حمل : « إذا مات » على معنى : إذا أشرف على الموت ، فيتم الاستدلال بالرواية على الوجوب حال الاحتضار.

يدفعها : أن الظاهر من أداة الشرط ـ حين لا يمكن حملها على الاشتراط ـ إرادة التوقيت ، كما يظهر من ملاحظة النظائر ، مثل : « إذا صليت فأقبل على صلاتك » ، و« إذا صمت فليصم سمعك وبصرك » ، ونحوهما ، فيكون التصرف فيها لا في الشرط. مع أنه لو سلم عدم الظهور فيما ذكرنا فلا أقل من الاجمال الموجب للسقوط عن الحجية. مضافاً إلى ما أشار إليه شيخنا الأعظم (ره) من أن‌ قوله عليه‌السلام : « إذا مات لأحدكم ميت » يجب حمل « الميت » فيه على المشرف على الموت ، لامتناع تعلق الموت بالميت ، نظير : « من قتل قتيلا ». وحينئذ يمتنع أن يحمل « إذا مات » على معنى : إذا أشرف على الموت. إذ لو حمل على ذلك احتيج إلى تصرف آخر ، لامتناع تعلق الاشراف على الموت بالمشرف على الموت ، نظير الإشكال في : « من قتل قتيلا ». ولزوم مثل ذلك بعيد في الكلام ، فلا مجال للعمل بقرينة السياق. لكن يشكل ما ذكره بأن التصرف في : « من قتل قتيلا » ، وفي قوله : « إذا مات الميت » ليس بحمل القتيل أو الميت على المشرف على القتل أو الموت ، بل بحمل الوصف على كونه مرآة إلى الذات نفسها مجرّدة عن الوصف. وحينئذ لا مانع من حمل : « إذا مات » على معنى : إذا أشرف.

١٨

بل لا يبعد وجوبه على المحتضر نفسه أيضاً [١]. وإن لم يمكن‌

______________________________________________________

وكيف كان مما ذكرنا يظهر ضعف الاستدلال على وجوب الاستقبال المذكور للمحتضر بالمصحح المذكور كما ذكره جماعة من القائلين بالوجوب وأضعف من ذلك الاستدلال على الوجوب بمرسل الفقيه عن الصادق (ع) : « أنه سئل عن توجيه الميت. فقال : استقبل بباطن قدميه القبلة. قال : وقال : أمير المؤمنين (ع) : دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على رجل من ولد عبد المطلب وهو في السوق ، وقد وجه إلى غير القبلة فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وجهوه إلى القبلة فإنكم إذا فعلتم ذلك أقبلت عليه الملائكة ، وأقبل الله عز وجل عليه بوجهه فلم يزل كذلك حتى يقبض » (١). وعن العلل وثواب الأعمال روايته مسندا (٢). إذ فيه ـ مضافاً إلى ما في الخبر من الضعف بالإسناد والإرسال ـ أنه ـ بقرينة التعليل ـ ظاهر في الاستحباب. وأما صدره فأجنبي عن الوجوب ولأجل ما ذكرنا اختار جمع من الأساطين ـ منهم السيد المرتضى ، والشيخ في الخلاف والنهاية ، والمحقق في المعتبر ، وكثير من المتأخرين ـ الاستحباب وعن الخلاف : الإجماع عليه. وتردد فيه آخرون. والاحتياط لا ينبغي تركه.

[١] كما في طهارة شيخنا الأعظم حاكياً التصريح به عن بعض ، معللا له : « بأن الظاهر من الأخبار أن المطلوب وجود التوجه في الخارج لا عن مباشر ». وما في بعض الأخبار من توجيه الخطاب إلى غيره ، إنما هو لظهور عجزه غالباً عن ذلك. وفي طهارة شيخنا : « انه لا يبعد تقدّمه في التكليف على غيره » ، وقريب منه ما في الجواهر. وهو غير بعيد ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٥ من أبواب الاحتضار حديث : ٥ ـ ٦‌

(٢) الوسائل باب : ٣٥ من أبواب الاحتضار ، ملحق الحديث السادس.

١٩

بالكيفية المذكورة فبالممكن منها [١] ، وإلا فبتوجيهه جالساً ، أو مضطجعاً على الأيمن ، أو على الأيسر مع تعذر الجلوس. ولا فرق بين الرجل والامرأة [٢] ، والصغير والكبير ، بشرط أن يكون مسلماً [٣]. ويجب أن يكون ذلك بإذن وليه مع الإمكان [٤] ،

______________________________________________________

وإن كان هو خلاف مقتضى الجمود على ما تحت عبارة النصوص.

[١] لا وجه له ظاهر غير قاعدة الميسور التي لا تخلو من إشكال ، وكذا حال ما بعده.

[٢] للإطلاق ، فإن الظاهر أن الميت أعم من الذكر والأنثى.

[٣] بلا إشكال على الظاهر. وقد صرّح بذلك غير واحد مرسلين له إرسال المسلمات. وهذا هو العمدة ، وإلا فإطلاق بعض النصوص شامل لغيره. أما المخالف : فقد يقال ـ كما في الروض ـ بعدم وجوب توجيهه ، لقاعدة الإلزام. لكن في حاشية الجمال : « الظاهر أن المناط رأي الحاضر لا الميت ». وهو كما ترى ، فان ذلك من حقوق الميت. ولا سيما وأن لازمه عدم وجوب توجيه الموافق إذا كان الحاضر مخالفاً. نعم قد يستشكل في شمول النصوص له وللكافر بأنه إكرام للميت ، وتهيئة له للرحمة ـ كما يشير الى ذلك المرسل المتقدم ـ وهما غير صالحين لذلك.

[٤] لما سيأتي من أن أولى الناس بالميت أولاهم بميراثه ، بناء على عمومها للمقام ، كما يقتضيه عموم بعض معاقد الإجماع ، حيث جعل موضوعها : جميع أحكام الميت. اللهم إلا أن تختص بالأحكام بعد الموت فلا تشمل ما نحن فيه. أو لعموم قوله تعالى ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ) » (١). إلا أن يدعى اختصاصه بما يرجع فيه الى معين ،

__________________

(١) الأنفال : ٧٥.

٢٠