٥٠ ـ (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً ...) أي جعلناهما معجزة أظهرناها للنّاس بقدرتنا لأن عيسى عليهالسلام ولد من غير أب وتكلّم في المهد صبيّا وله معاجز كثيرة ذكرناها سابقا ، ولأن أمّة سلام الله عليها حملت به من غير أن يمسّها بشر ، فكانا معجزتين عجيبتين (وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ) أسكنّاهما في أرض مرتفعة هي بيت المقدس ، أو هي دمشق أو مصر وهي كلّها أراض مرتفعة (ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ) أي مستوية يستقرّ عليها والمراد بالمعين هو الماء الجاري الصافي الهنيء. وفي الكافي عن الصادق عليهالسلام قال الربوة نجف الكوفة ، والقرار مسجد الكوفة والمعين : الفرات.
٥١ ـ (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ ...) أي المستلذّات المباحات (وَاعْمَلُوا صالِحاً) أي الإتيان والعمل بأوامره وترك نواهيه. وتقدّم أكل الطيّب على العمل الصّالح لأن الثاني نتيجة الاول. وقال بعض أهل المعرفة إن اللقمة بذر ، وكلّما كان البذر أحسن فالزرع أحسن فالثمر أعلى وأرقى ، وأكل الحلال يظهر أثره في جميع أحوال الإنسان وبالأخصّ في الرغبة إلى طاعة الله تعالى وفي كيفيّة العبادة بحيث يصير مصداقا للآية المباركة ، ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ، بخلاف أكل الحرام أعاذنا الله منه حيث إن الإنسان يصير خاتمة أمره وعاقبته أن يكذّب بآيات الله وأحكامه ويستهزئ وتصير أحكامه تعالى كبيرة عليه كالجبال الراسيات. اللهم إلّا أن يوفّق للتّوبة ويترك الحرام وان كان بعيدا وهيهات هيهات أين يخليه الشيطان ويتركه حتى يوفق للتوبة وفي الحديث : إن الله طيب لا يقبل إلّا الطيّب (إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) هذا البيان داع للعبد الى إصلاح عمله لأن العاقل إذا عمل عملا لمن يرى ويعلم حقيقة عمله ويجري على طبق ما يعمل ويعطى الأجرة على مقدار استحقاقه بعمله فالعامل طبعا يجدّ ويجتهد بتمام بذل وسعه حتى يصلح عمله ويأتيه على وفق مقصود آمره به فهذه التنبيهات لطف منه تعالى للعباد.
٥٢ ـ (وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً ...) أي أن هذه الأمم التي هي أممكم وأرسلتكم إليهم واحدا بعد واحد ، لا بدّ وأن تكونوا على مذهب