الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ١٠

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات فرهنگ اسلامى
المطبعة: اسماعيليان
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٤

ذلك ، ولصراط الله منعة تمنع عن التفرق والانزلاق والانحياق ، كما ولسائر السبل منعة تمنع عن الانسلاك إلى صراط الله ف (لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ) المختلفة عن سبيل الله (فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ).

صحيح أن سبيل الله أيضا سبل ولكنها سبل تنتهي بسلاكها إلى الصراط حيث الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق : (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ. يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٥ : ١٦) ـ (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (٢٩ : ٦٩) ثم المسلك النهائي لهذه السبل : (وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).

فأين سبل الظلام التي تتفرق بكم عن سبيله من سبل السلام التي توصلكم إلى سبيله؟.

ذلك ، وفي نظرة أخرى شاملة إلى هذه الآيات الثلاث نجدها تحمل أحكاما تشترك فيها كلّ شرائع الدين ، ومثلث التعبير ب «وصاكم» فيها قد يشير إلى ذلك الاشتراك وكما في آية الشورى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ..) (٤٢ : ١٣) فإن في هذه الوصايا العشر نجد أصل الدين ككلّ ، ففيها الحفاظ عليه كأصل.

__________________

ـ القمي عن الامام الباقر (ع) في الآية قال : نحن السبيل فمن ابى فهذه السبل.

أقول : وفي معناه روايات عدة تعني تفسير الجري والتطبيق على ثاني المصداقين لداعية الصراط ، وهكذا يجري في العلماء الربانيين العارفين العاملين بكتاب الله وسنة رسول الله (ص).

٣٤١

ثم وتذييل الآية الأولى ب (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) علّه لأن ما تشمله من حرمات هي قضية أصيلة للفطرة والعقلية الإنسانية غير المعقولة بعقالات الهوى.

وتذييل الثانية ب (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) يعني تذكّر ما في الفطرة والعقل بتأمل فإن ما تحمله ليست كما الأولى في ظهورها وبهورها ، فقد يحتاج في عقلها بتعبئة العقل بتذكر وتعمل وتأمل.

وتذييل الثالثة ب (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) يعني واقع التقوى الحاصلة بذلك التعقل والتذكر ، اتقاء عما يخالف الفطرة والعقلية الصالحة ، وكلّ ذلك بذلك الوحي المنيف ، اجتماعا لمثلث الوحي فطرة وعقلية وشرعة ، والأخيرة هي المكملة لما في الأولين.

فقد يكون الإنسان على صراط التقوى ما دام هو في صراط التعقل والتذكر ، تبنيا للفطرة كأصل أوّل ، وللشرعة كأصل آخر ، فبينهما التعقل والتذكر ، عقلا عن كلا الفطرة والشرعة ، وتذكرا لأحكامهما حسب المستطاع والمقدرة ، ف (لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها).

(ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ)(١٥٤) :

ترى ما هو دور «ثم» هنا و (تَعالَوْا أَتْلُ) تلاوة قرآنية ليست إلّا بعد (آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ)؟ اللائح من (أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ..) كما اسبقناه أن هذه التلاوة تحمل إجمالا عن كافة شرائع الدين ، المتلوة على كافة الأمم الرسالية ، وحيث لا يحمل تفصيلها في هذه الخمس إلّا شريعة التوراة ومن ثم القرآن ، فقد تعني «ثم» تراخي التفصيل في هذين الكتابين عن الإجمال المتلو لهذه العشرة الكاملة.

ف «ثم» بعد تقرير هذه العشرة من أصول التشريعات المشتركة بين كلّ

٣٤٢

الشرائع (آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً) دون نقصان كتفصيل أول للردح الزمني الخاص لشرعة التوراة (تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) الله من إجمال هذه العشر ، تماما على قراره وغراره لموسى ، فهو تفصيل أوّل تام على ضوء ذلك الإجمال الهام ، و (تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) محمد (ص) من تلاوة ما حرم عليكم ، و (تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) موسى من جهاده في رسالته وجهوده و (تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) من بني إسرائيل في تطبيق هذه النواميس العشرة ، كما (وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها) (٧ : ١٤٥) فإن أحسنها هذه العشرة.

و«تماماما على الذي أحسن» هنا تطبيق لما وعد المحسنين من ذي قبل : (وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ)(٢ : ٥٨).

و (تَماماً عَلَى الَّذِي) هو «أحسن» مما سبقه من كتابات الوحي ، فإن فيها تماما للنواميس العشرة حسب الحاجات في أدوارها ، ولكن الشرعة التوراتية هي تمام أحسن من التمام في سائر الكتب السابقة عليه.

ذلك وقد تعني (تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) خماسية الأحسن قضية حذف الفاعل والمتعلّق ، فذلك الجمع الخماسي هو تمام على الذي أحسن في أدب اللفظ وحدب المعنى.

ف «الكتاب» هنا على أية حال يحمل أوّل تمام لتفصيل النواميس العشرة (تَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ) منها دون إبقاء ، «تفصيلا» أوّل كما يناسب الردح الزمني للشرعة التوراتية «وهدى» للعالمين «ورحمة» لهم كما يقتضيه ذلك الدور المحدد (لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ) : لقاء معرفيا وعبوديا هنا ، فلقاء يوم الحساب للثواب والعقاب ، وفي «لعلهم ..»

٣٤٣

تعريض ببني إسرائيل حيث أنكروا لقاء الله لحدّ حذفوا آيات القيامة عنها اللهم إلّا شذرة مشيرة!.

ذلك ، وكما نرى الشرعة التوراتية ترتكن على النواميس العشرة مهما وضحت لها فروعا هي المعنية ب (وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ) وليس الإنجيل شرعة جديدة بعد التوراة اللهمّ إلّا في تحليل ما حرم فيها عقوبة كما مضت (وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ).

لذلك لا يذكر الإنجيل هنا بعد التوراة في حقل التفصيل ، وكما لم يذكره الجن الذين استمعوا القرآن إذ (قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ) (٤٦ : ٣٠) فإنما يذكر القرآن هنا وهناك دون فصل.

أجل (ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً ...) إيحاء بأن هذا الصراط المستقيم ممتد من ذي قبل في كلّ رسالات الله ، وأتم شرعة من ذلك الصراط قبل شرعة القرآن هي التوراة ، ثم القرآن تكملة له وتكملة لسائر الشرائع كما يحق ويمكن ، حاملا في صرحه لبنات الخلود دون زوال ولا اضمحلال :

(وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)(١٥٥) :

أف «هذا» القرآن (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ) كبركة التوراة دون زيادة عنه؟ إذا فلا جديد فيه حتى يتبع بعد التوراة ما فيه! إنه «مبارك» بصورة طليقة تحلق على أرض التكليف جغرافيا وتأريخيا إلى يوم الدين ، فأين مبارك من مبارك ، وليس (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) إلّا لذلك المبارك لما انقضى دور الأوّل؟.

وقد «يمثل القرآن» على ما يروى من رسول القرآن حجة للمؤمنين به

٣٤٤

العاملين ، وحجة على الكافرين به والتاركين (١).

لقد أنزل ذلك الكتاب المبارك قطعا لأية حجة وبيّنة طليقة من الرب حليقة على كلّ الطلبات ، حقيقة بالاتباع إلى يوم الدين :

(أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ)(١٥٦) :

والطائفتان المنزل عليهما الكتاب المفصل بعد إجمال النواميس العشرة هما اليهود والنصارى ، وهذه دلالة ثالثة قرآنية على أن التورات كتاب شرعة أحكامية لكلا اليهود والنصارى ، كما وهو للعالمين أجمعين حتى زمن نزول القرآن.

فاختصاص نزول الكتاب المفصل بطائفتين دون نزول ثان على الأميين وهم قوم لدّ ليسوا ليحنّوا إلى كتاب أنزل على غيرهم ، ذلك حجة قد تقطع عذرهم عما هم (وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ) (٤١ : ٤٤) (وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ. فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ) (٢٦ : ١٩٨).

__________________

(١) الدر المنثور ٣ : ٥٦ ـ اخرج ابن أبي شيبة وابن الضريس عن أبيه عن جده سمعت رسول الله (ص) يقول : يمثل القرآن يوم القيامة رجلا فيؤتى الرجل قد حمله فخالف أمره فينتثل له خصما فيقول يا رب حملته إياي فبئس حاملي تعدى حدودي وضيع فرائضي وركب معصيتي وترك طاعتي فما يزال يقذف عليه بالحج حتى يقال فشأنك فيأخذ بيده فما يرسله حتى يكبه على منخره في النار ويؤتى بالرجل الصالح قد كان حمله وحفظ أمره فينتثل خصما دونه فيقول يا رب حملته اياي فحفظ حدودي وعمل بفرائضي واجتنب معصيتي واتبع طاعتي فما يزال يقذف له بالحجج حتى يقال له : شأنك به فيأخذ بيده فما يرسله حتى يلبسه حلة الإستبرق ويعقد عليه تاج الملك ويسقيه كأس الخمر».

أقول : هي كما يقول الله «لا غول فيها ولا تأثيم».

٣٤٥

وترى كيف يصدق (أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا) والتوراة شرعة عالمية؟ ذلك تخيّل منهم وكثير هؤلاء الذين يعيشون هذا التخيل رغم نصوص القرآن بأمميته التوراة ، أو اعتذار أن محور الدعوة التوراتية هم طائفتان من قبلنا ، ولغتهم غير لغتنا ، ودعوتها ـ على أية حال ـ ما وصلت إلينا (وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ) كيفما كانت الغفلة ، تقصيرا من حملتها حيث لم يبلغوها إلينا أم بلغوها محرفة عن جهات أشراعها.

لا سيما (وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ) لهذا الكتاب «لغافلين» فقد درسوا الكتاب النازل عليهم صالحة أم طالحة ونحن عنها غافلون إذ لم تصل إلينا من دراستهم شيء إلّا إنذار رسالة بتحريفات وتجديفات ، فكيف نكلّف بكتاب ما وصلت إلينا دعوته إلّا محرفة مزورة لا تكفينا الآن حجة فضلا عن الغافلين ، وحتى لو كانت غفلتنا معمدة فنحن الآن حيارى إذ حرفوا الكتاب فلا يفيدنا ـ إذا ـ كما لا يفيدهم ، فلنذكّر بكتاب لا يحمل ما حملته التوراة من تحريفات وتجديفات : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (١٦ : ٤٤) (وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (١٦ : ٦٤).

ذلك ، وحتى لو كانت التوراة نازلة علينا كما لهم فواقع التحريف فيه يفرض تجديد الوحي مع جديد استمراره واستقراره واستقطابه كافة المكلفين إلى يوم الدين ، فهاتان حجتان اثنتان ، ثم ثالثة :

(أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللهِ وَصَدَفَ عَنْها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ) (١٥٧):

(وَأَقْسَمُوا بِاللهِ) لو لم ينزل عليكم القرآن (لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا

٣٤٦

أَهْدى مِنْهُمْ) (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً) (٣٥ : ٤٢).

ذلك ، ولا تختص تلك الأعذار بالأميين العرب ، المخاطبين الأول بالقرآن ، بل هي تحلّق على كافة المكلفين ، لمكان تحرف التوراة فلا تظل حجة على الأجيال ، وأنها تحمل من أحكام مؤقتة لا تتحمل لقضية الخلود ، فإنما يذكر هنا أعذار الأميين لأنهم هم المواجهون الأولون لوحي القرآن ، فلتقطع أعذار الحملة الأولى لهذه الرسالة القرآنية ومن ثم العالمون أجمعون.

ذلك (فَقَدْ جاءَكُمْ) عربا وسواهم آية (بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) تحمل كافة البينات : (أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى)؟ (٢٠ : ١٣٣) بينة ليست فوقها بينة «من ربكم» على مدار الزمن الرسالي ككلّ (وَهُدىً وَرَحْمَةٌ) تحملان كلّ هدى الله ورحماته ، إذا (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللهِ) هذه البينات القاطعات لكلّ الأعذار (وَصَدَفَ عَنْها) منعا وإعراضا شديدا مديدا إعراضا لأنفسهم وإعراضا لآخرين ، حيث الصدف هو المنع والإعراض ، (سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا) أيا كان وأيان في حقل القرآن «سنجزي» (سُوءَ الْعَذابِ) هو دقيقه دون رقيقه ، فإن دقيقه عدل ورقيقه فضل وهم أولاء الأنكاد يستحقون فضلا وإن في العذاب (بِما كانُوا يَصْدِفُونَ) ويعرضون.

(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ

٣٤٧

مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (١٥٨) إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (١٥٩) مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١٦٠) قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٦١) قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦٢) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (١٦٣) قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (١٦٤) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ

٣٤٨

الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (١٦٥)

لقد تمت الحجة وحقت كلمة الله على ناكريها دونما إبقاء لأيّة عاذرة إلّا غادرة حاسرة خاسرة ، فحتى متى ينكرون بينات الله المكرورة المتواترة على أعينهم وأسماعهم فما ذا ينتظرون؟.

(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) (١٥٨) :

استفهامات إنكارية هي في الحق استفحامات لناكري بينات الله ، هي في ثالوث المستحيل ذاتيا أو مصلحيا في صالح الدعوة ، والضلع الأوسط منه هو من المستحيل ذاتيا أن (يَأْتِيَ رَبُّكَ) بنفسه إلى هؤلاء الأغباش الأنكاد ليخبرهم بنفسه أنه واحد لا شريك له وأن محمدا (ص) رسوله ، فحتى لو أمكن إتيان ربك إليهم ـ ولا يمكن إتيانه إليك وأنت أفضل رسله ـ فهل ينحصر تصديقه بإتيانه نفسه ، فهلّا تصدقون أنتم أي رسول في تعاملاتكم المتعودة إلّا أن يأتيكم المرسل بنفسه؟ تلك إذا قسمة ضيزى!

وأما تفسير إتيان الرب بإتيان موقف الحساب فلا مجال له هنا وصحيح التعبير عنه وفصيحه «أن يأتي يوم القيامة» ثم وهم ناكروه فكيف هم ناظروه؟ فإتيان الرب هنا نظرة غالطة للمشركين وكما في البقرة : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) (٢١٠) فهو نظرة رؤية الله كما سألها اليهود: (أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ ..) (٢ : ١٠٨).

فمجيء المرب بربوبية الجزاء يوم الجزاء حتم لا مرد له وهو مجيء الحساب فالثواب والعقاب ، وإتيانه يوم الدنيا بهذه الربوبية مستحيلة

٣٤٩

مصلحيا ، فان اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل ، ثم إتيانه بذاته مستحيل ذاتيا على أية حال.

وأما (أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ) رسلا إليهم؟ ف (لَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ) (٦ : ٩) وقد سبق في قول فصل أن الرسالة الملائكية إلى البشر غير صالحة في كلّ أبعادها.

أو أن تأتيهم ملائكة مصدقين للرسول : (أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ) (١١ : ١٢) أم (لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً) (٢٥ : ٧) ثالوث منحوس من متطلبات لهم جاهلة.

فرؤية الملائكة لهم ـ على أية حال ـ ممنوعة إلّا يوم الموت (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً) (٢٥ : ٢٢) (لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ. ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ) (١٥ : ٨).

وأما أن (يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) غير الرسولية ولا الرسالية ، فآيات العذاب المزمجر المدمّر فتلجأوا إلى الايمان مخافة البأس؟ فحينئذ (لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ) حيث الإيمان عند رؤية البأس (١) كاذب ملجأ : (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ

__________________

(١) نور الثقلين ١ : ٧٨٠ في عيون الأخبار في باب ما جاء عن الرضا (ع) من العلل باسناده الى أبي ابراهيم بن محمد الهمداني قال قلت لأبي الحسن الرضا (ع) لأي علة غرق الله تعالى فرعون وقد آمن به وأقر بتوحيده؟ قال : لأنه آمن عند رؤية البأس والايمان عند رؤية البأس غير مقبول وذلك حكم الله تعالى ذكره في السلف والخلف قال الله تعالى : (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) وقال عزّ وجل : (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً).

٣٥٠

مُشْرِكِينَ. فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ) (٤٠ : ٨٥).

ذلك مهما شذ عنه شاذ يؤمن حقا عند رؤية البأس : (فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ) (١٠ : ٩٨) فهم قد كسبوا في إيمانهم خيرا وكما هنا (أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً) فالإيمان مكسب وليس غاية ، فكسب الخير في الإيمان هو ـ فقط ـ المؤمّن للمؤمن ، دون صورة منه بلا سريرة وسيرة ، فالنفس التي آمنت من قبل ولمّا تكسب في إيمانها خيرا لا ينفعها إيمانها عند رؤية البأس ، كما التي تؤمن عندها دون كسب لخير ، وليس من الخير عمل الإيمان دون إيمان في القلب ، مهما كان إيمان في القلب خيرا وإن لم يلحقه العمل كما يجب ، ف «خيرا» هو إيمان القلب ، ثم عمل الإيمان ، و«خيرا» دون «الخير» لمحة إلى أن إيمانا ما في القلب كسب في الإيمان ينفع صاحبه عند البأس إذا عمل صالحا على ضوءه ف (فِي إِيمانِها) دليل على واقع الإيمان دون صورته فقط ودعواه ، فكسب الخير فيه أن يبرز في عمل صالح ما قلّ منه أو كثر ، حيث التارك لأي من الصالحات ليس إيمانه إلّا دعوى فارغة ف «الرجل يكون مصرا ولم يعمل عمل الإيمان ثم تجيء الآيات فلا ينفعه إيمانه» (١) فالإيمان الراكد غير الكاسب خيرا لحيلولة المعاصي والتوغّل فيها لا يفيد صاحبه (٢) ، إذ

__________________

(١) نور الثقلين ١ : ٧٨١ في تفسير العياشي عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام في قوله (يَوْمَ يَأْتِي ...) قال : طلوع الشمس من المغرب وخروج الدابة والدجال والرجل يكون مصرا.

(٢) وفيه عن عمرو بن شمر عن أحدهما عليهما السلام في قوله (أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً) قال : المؤمن حالت المعاصي بينه وبين ايمانه لكثرة ذنوبه وقلة حسناته فلم يكسب في ايمانه خيرا.

٣٥١

لا توبة له ولا سيما عند بأس الموت : «وليست التوبة للذين يعملون السيآت حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن» (٤ : ١٨).

والمستفاد من (أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً) أن الإيمان دون عمل صالح ـ هو قضيته ـ لا ينفع صاحبه ، أم هو ليس واقع الإيمان بل هو دعواه حيث الإيمان أيّا كان يظهر في العمل على قدره : (بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٢ : ٨١) فالعمل الصالح ترجمان الايمان.

وترى ما هي (بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ)؟ إنها آيات عذاب الاستئصال في دار الدنيا (١) قبل الرجعة أو بعدها.

ثم ما هي بعض آيات ربك هنا وكم هي؟ إنها بطبيعة الحال للجوءهم إلى إيمان هي من الآيات البينات بعد القرآن ، التي لا تبقي مجالا للناكرين إلّا الإيمان ، تخوفا من آية تدمرهم أماهيه مما يلجئ إلى ايمان.

فليست هي كلّ حادثة مكرورة مرّ الزمن كالطوفانات والبركانات واضرابهما من مكرورات الآيات مما يؤوّل إلى قضية الطبيعة في مختلف تحولاتها ، بل هي آية تدل الناكرين لوجود الله أو توحيده أم رسالاته على أنه الحق لا ريب فيه ، كرجوع فرق من الموتى عن أجداثهم وخروج صاحب الأمر بآياته السماوية والأرضية ، وهو في أصل ظهوره وفصله أكبر آية ، وظهور غرائب من علامات ظهوره ، آيات خارقة العادة كآيات الرسالات رغم انقطاع الرسالات بأسرها ، مما تدل على حقها في حاقها.

__________________

(١) نور الثقلين ١ : ٧٨٠ في كتاب الاحتجاج عن امير المؤمنين (ع) حديث طويل وفيه معنى الآية «فانما خاطب نبينا (ص) هل ينظر المنافقون والمشركون إلّا ان تأتيهم الملائكة فيعاينوهم أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يعني بذلك امر ربك والآيات هي العذاب في دار الدنيا كما عذب الأمم السالفة والقرون الخالية.

٣٥٢

ولقد تواترت الروايات حول ظهور صاحب الأمر بمثلث آياته قبله ومعه وبعده فهو عجل الله تعالى فرجه الشريف ـ نفسه ـ من (بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) في طول عمره وسعة أمره وتأسيس دولته العالمية الكبرى على ضوء القرآن (١).

ومن الآية (دَابَّةُ الْأَرْضِ) كما في النمل : (وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ) (٢٧ : ٨٢).

ومنها كأغربها معنى «طلوع الشمس من مغربها» كما تواتر عن النبي (ص) وأئمة أهل بيته عليهم السلام (٢).

ولا تنافي عديد الآيات (بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) حيث إن بعض المجموع يعمّ الواحد منه والعديد ، كما وأن (يَوْمَ يَأْتِي) لا يختص بيوم واحد ، فقد يشملان إتيان آيات في أيام.

__________________

(١) نور الثقلين ١ : ٧٨١ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة عن أبي عبد الله (ع) قال في قول الله عزّ وجل : (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ ...) فقال : الآيات هم الأئمة عليهم السلام والآية المنتظر القائم (ع) فيومئذ لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل» قيامه بالسيف وإن آمنت بمن تقدمه من آباءه عليهم السلام.

(٢) في الدر المنثور ٣ : ٥٧ ـ ٦٣ ـ اخرج آية «طلوع الشمس من مغربها» عن جماعة عن النبي (ص) منهم أبو سعيد الخدري وأبو هريرة وعبد الله بن عمر وحذيفة بن اليمان وأبو ذر وابن عباس وعبد الله بن أبي أوفى وصفوان بن عسال ومعاوية بن أبي سفيان وعبد الله بن عمرو العاصي وانس والحسن وأبو أمامة وحذيفة بن السيد ، هؤلاء الأربعة عشر الذين اخرج عنهم عن النبي (ص) ان «طلوع الشمس من مغربها» هذه او من هذه الآية ، ثم الراوون عن أئمة اهل بيته كأمثال هؤلاء ام يزيدون.

٣٥٣

وترى في الحق إن الشمس سوف تطلع من مغربها قبل يوم القيامة؟ وفي ذلك خراب العالم بتساقط المنظومة الشمسية وسائر المنظومات!.

فهل إنه مأول بطلوع شمس الإسلام من المغرب حيث يتهافت أهله في دولة المهدي (ع) إلى تقبل الإسلام قبل سائر المسلمين ، فلذلك لا تذكر في روايات الظهور حروب آنذاك على صاحب الأمر (ع) إلّا من بلاد إسلامية دون سائر البلاد.

ولكنه يعارض نصوصا من التواتر عن النبي (ص) أنه في الحق واقع الطلوع المعاكس للشمس من مغربها ، فليصدق ذلك الطلوع ما لم يطلع معارضا لثابت العلم والقانون الكوني ، إلّا أن تواتر طلوع الشمس من مغربها يقل عن تواتر رد الشمس وهما بمعنى واحد وخلفية واحدة من الناحية الكونية ، ومهما لا نصدّق رد الشمس لفرض أداء صلاة العصر في وقتها لما فيه من مناحرات العدالة فضلا عن العصمة واضرابها ، فقد نصدق طلوع الشمس من مغربها بوجه مشترك بينهما ، وغاية الأمر هنا أن نقول : لا ندري هنا دونما هناك.

ومن هذه الآيات المزمجرة فتح يأجوج ومأجوج المصرح به في القرآن ، وأمثالها من ثابتات الآيات بثابت السنة القدسية (١).

(قُلِ انْتَظِرُوا) ممكنة الآيات (إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) (بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) يوم الدنيا ، و«منتظرون» إتيان الملائكة يوم الموت ويوم الأخرى.

__________________

(١) في تفسير الفخر الرازي ١٤ : ٧ عن البراء بن عازب قال : كنا نتذاكر امر الساعة إذ أشرف علينا رسول الله (ص) فقال : ما تتذاكرون؟ قلنا نتذاكر أمر الساعة قال : إنها لا تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات : الدخان ودابة الأرض وخسفا بالمشرق وخسفا بالمغرب وخسفا بجزيرة العرب والدجال وطلوع الشمس من مغربها ويأجوج ومأجوج ونزول عيسى ونار تخرج من عدن.

٣٥٤

هذه نماذج من آيات ظهور صاحب الأمر ، ولكنها ليست كلها بالتي نمنع عن قبول الإيمان ، اللهم إلّا التي هي من آيات البأساء الملجأة إلى الإيمان ، وأما صاحب الأمر نفسه وصوت الحق السائر منه الذي يحمله الأثير إلى كافة العالمين وما أشبه ، فليس الإيمان عندها مرفوضا محظورا بل هو مفروض من محبور.

أجل ، فالآية المخوفة هي التي عندها (لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً) دون الآيات غير المخوفة.

ولأن الأصل في عدم نفع الإيمان أن يكون دعواه الفارغة دون حقيقته ، فقد تعم هذه الآية إلى المخوفة منها غير المخوفة ، إذا ف (بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) قد تشملهما ، مهما كانت المخوفة هي الأصيلة بدورها في سلبية النفع.

فالمؤمنون الحقيقيون عند هذه الآيات ولا سيما المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرجه ينفعهم إيمانهم الجادّ أو المتجدد قضية صادق الإيمان ، وأنه (ع) تملأ به الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ، والذين محضوا الكفر محضا من الراجعين بعد الموت أو الكائنين عند ظهور ولي الأمر ، هؤلاء لا ينفعهم إيمانهم لعدم كونه صادقا كما في الآخرين ، أم مضى دور قبول إيمانهم كالراجعين ، فإنما المؤمنون الذين يؤمنون حقا ، والكاسبون في إيمانهم خيرا هم الذين ينفعهم إيمانهم.

(إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ) (١٥٩):

(الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ) أيا كان ، إشراكا أم توحيدا ، فمهما كان تفريق الدين في الإشراك طبيعته ، فالتفريق لدين التوحيد هو خلاف طبيعته بل وتخلف عن طريقته ، بل هو نقض له ونقص في كيانه ف : (لا تَكُونُوا مِنَ

٣٥٥

الْمُشْرِكِينَ ، مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) (٣٠ : ٣٢) (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ) (٣ : ١٠٥) فقد (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ..) (٤٢ : ١٣).

أجل و (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ) مؤمنين إلى مشركين ومشركين إلى مؤمنين (وَكانُوا شِيَعاً) متفرقين منذ كانوا أم منذ مديد من الزمن ، فشرعة الشيع هي التي تنحو منحى تفريق الدين : تفرقا على تفرق (ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ)! (لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) فإنك رسول التوحيد ، فلا أمر لك معهم سلبا أو إيجابا حيث لا ينحون نحو الوحدة لا نصيب لك منهم إذ لست منهم في شيء من الحق ، حيث لا نصيب من الحق في حقل تفرق الدين وتمزّق اليقين ، فليس لك شيء من أمرهم المفرق لمكان المفاصلة التامة بين الدين الموحّد والدين المفرّق اللهم إلّا أن يثوبوا إلى الدين الموحّد الحق.

ف (إِنَّما أَمْرُهُمْ) الإمر (إِلَى اللهِ) في يوم الله (ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ) من شيعهم وتفرقهم في دينهم ، إنباء بحقيقة باطلهم حيث تظهر يوم تبلى السرائر ، وإنباء بجزاءهم الذي هو في الحق تفرقهم عن الحق وتفرقهم في الحق.

وترى الذين وحدوا دينهم لغير الله طاعة لطاغوت واحد فلم يفرقوه ، أليسوا هم معهم من الموبّخين؟ (فَرَّقُوا دِينَهُمْ) تعم هؤلاء وإياهم حيث فرقوا طاعتهم عن طاعة الله ، ف «دينهم» إن كانت طاعة الله فهي تفرقة في طاعة الله بسائر التفرقات ومنها (نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ) كما منها طاعة الله في بعض وطاعة أهواءهم في بعض ، وإن كان طاعة غير الله فهي المفرقة عن بكرتها عن طاعة الله.

٣٥٦

فإن دين الفطرة والعقلية السليمة هو حقا دين الحق ، والتخلف عن ذلك الدين هو تفرق الدين عن قضية الفطرة والعقلية.

إذا ف (فَرَّقُوا دِينَهُمْ) تعم دينهم الطاعة الباطلة حيث فرقوها عن الدين الحق ، ودينهم الفطري إذ فرقوا عنه قضيتها ، ودينهم الطاعة الحق حين يفرقون فيها فيتفرقون بمختلف التفرقات والتفرّقات ، حيث الزوايا الثلاث هي كلها فارغات عن الحق المرام ، وكضابطة ثابتة ليس تفريق الدين محظورا إلّا ما نحي منحى الباطل تقصيرا في الدين الحق ، فتفريق الحق عن الباطل فرض على أهل الحق مهما فرق بين أهل الحق المجاهيل ، والتوحيد في الحق فرض مهما حاول المدعون الحق في الفرقة بين أهل الحق.

ولو أن التفريق ـ ككلّ ـ كان محظورا لكانت الدعوات المفرقة الرسالية بين المؤمنين والكافرين محظورة ، فانما التفريق القاصد الظالم هو المحظور المحظور.

وبصيغة واحدة التفرق في دين الله كما التفرق عن دين الله هو فراق فارغ عن دين الله ف (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) (٣ : ١٩) (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) (٣ : ٨٥).

فالمفرقون دينهم عن دين الله ، والمفرقون بين دين الله ، تفريقا بين الله وبين رسل الله (وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ) (٤ : ١٥٠).

أم تفريقا بين رسل الله ، أم بين رسالات الله (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) (٤ : ١٥٢) ، أم اي تفريق يناحر طبيعة دين الله الموحّد وهو الإسلام لله ، هؤلاء كلهم من (الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ) مهما كانوا دركات كما المسلمون لله درجات.

٣٥٧

هؤلاء المفرقون دينهم (لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) من دينهم ، لأنك داعية الوحدة والتوحيد ، وكلّ شيء منك كرسول موحّد يختلف عن كلّ شيء منهم مفرقين (إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ) لا إليك حيث نفضت يديك عن بلاغهم المفروض وليس عليك إبلاغهم واقعيا إلى الحق ف (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (٢٨ : ٥٦) (ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ).

فاليهود والنصارى على تفرقهم إياي سبا في دينهم هم من الذين فرقوا دينهم عن دين الإسلام وكانوا قبل ذلك شيعا متفرقة في دينهم ، ومنهم «أهل البدع والأهواء من هذه الأمة لا» (١) والخوارج (٢) ، ومن هؤلاء هم الذين فارقوا باب مدينة علم النبي (ص) عليا (ع) وصاروا أحزابا (٣) كما منهم الشيعة الذين لم يشايعوه كما يحق فأصبحوا عليه شينا وشنيعة ، ولا سيما العلماء المتفرقون عن كتاب الله كأصل ، فمفرّقون أتباعهم أيادي سبا إذ لم يرتكنوا إلى ركن وثيق ، هو بالاتباع الطليق حقيق ، تاركين للاعتصام بحبل الله ، معتصمين بظنونات ومشكوكات ، معتبرين إياها حججا وليست إلّا لججا غامرة هامرة.

__________________

(١) الدر المنثور ٣ : ٦٣ ـ اخرج الحكيم الترمذي وابن جرير والطبراني والشيرازي في الألقاب وابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي (ص) في قوله : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً) قال : هم اهل البدع والأهواء من هذه الأمة.

(٢) المصدر عن أبي امامة عن رسول الله (ص) انهم الخوارج ، وفيه عن عمر بن الخطاب ان رسول الله (ص) قال لعائشة يا عائش : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً) هم أصحاب البدع وأصحاب الأهواء واصحاب الضلالة من هذه الأمة ليست لهم توبة يا عائشة إن لكلّ صاحب ذنب توبة غير اصحاب البدع واصحاب الأهواء ليس لهم توبة أنا منهم بريء وهم مني براء.

(٣) نور الثقلين ١ : ٧٨٢ في تفسير القمي عن أبي جعفر عليهما السلام في الآية قال : فارقوا امير المؤمنين (ع) وصاروا أحزابا.

٣٥٨

فلو أن علماء الإسلام اتخذوا القرآن نبراسهم الوحيد ومتراسهم الوطيد لم يعيشوا ذلك الاختلاف العارم.

ذلك ، ولكن المحور الأصيل في ذلك التنديد المديد هم المشركون وأهل الكتاب الذين لا يؤمنون فإنهم أولاء هم واجهة الخطاب العتاب من ذي قبل مهما شمل التنديد كلّ هؤلاء الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا.

فذلك مفرق الطريق بين الرسول (ص) ودينه كله وبين كلّ المفرقين دينهم ، سواء أكانوا من المشركين الذين تمزقهم أوهام الجاهلية شيعا ، أو من اليهود والنصارى الذين مزقتهم المذهبيات الشاردة عن شرعة الله ، فأصبحوا مللا ونحلا ومعسكرات ودولا ، أو من غيرهم ما كان وما هو كائن وما سيكون من مذاهب مختلفة مختلفة بين المسلمين.

فالوقفة الأولى لأي مسلم أمام عقيدة غير إسلامية هي المفرقة الأولى عن الإسلام ، كما الوقفة أمام أي حكم وسلطة غير إسلامية هي من أهم المفرقات ، وبينهما متوسطات من المفرقات ، فإنما الإسلام للجماهير المسلمة هو الالتقاء على محض الإسلام والإسلام المحض والسلام.

فيا ويلاه من أهل الرأي والهوى ، فقد «ترد على أحدهم القضية في حكم من الأحكام فيحكم فيها برأيه ، ثم ترد تلك القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلافه ، ثم يجتمع القضاة عند الإمام الذي استقضاهم فيصوب آراءهم جميعا ، وإلههم واحد ونبيهم واحد وكتابهم واحد ، أفأمرهم الله سبحانه بالاختلاف فأطاعوه ، أم نهاهم عنه فعصوه ، أم انزل الله سبحانه دينا ناقصا فاستعان بهم على إتمامه ، أم كانوا شركاء له فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضي؟ أن أنزل الله دينا تماما فقصر الرسول (ص) عن تبليغه وأداءه والله سبحانه يقول : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) وقال (تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) وذكر أن الكتاب يصدق بعضه بعضا وأنه لا اختلاف فيه

٣٥٩

فقال سبحانه : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (١).

ذلك «وآخر قد تسمى عالما وليس به فاقتبس جهائل من جهال وأضاليل من ضلال ونصب للناس أشراكا من حبائل غرور وقول زور ، قد حمل الكتاب على آراءه وعطف الحق على أهواءه .. يقول : أقف عند الشبهات وفيها وقع ويقول : أعتزل البدع وبينها اضطجع» (٨٥ / ١٥٤).

ف «المعروف فيهم ما عرفوا والمنكر عندهم ما أنكروا مفزعهم في المعضلات إلى أنفسهم ، وتعويلهم في المهمات على آرائهم ، كأن كل امرئ منهم إمام نفسه قد أخذ منها فيما يرى بعرى ثقات وأسباب محكمات» (٨٦ / ١٥٧).

فقد «خاضوا بحار الفتن وأخذوا بالبدع دون السنن» (١٥٢ / ٢٧٠).

«فلما أفضت (الخلافة» إليّ نظرت إلى كتاب الله وما وضع لنا وأمرنا بالحكم به فاتبعته ، وما استن به النبي (ص) فاقتديته فلم أحتج في ذلك إلى رأيكما ـ طلحة والزبير ـ ولا رأي غير كما ، ولا وقع حكم جهلته فأستشيركما وإخواني من المسلمين ، ولو كان ذلك لم أرغب عنكما ولا عن غيركما ، وأما ما ذكرتما من أمر الأسوة ـ التسوية بين المسلمين في تقسيم الأموال ـ فإن ذلك أمر لم أحكم أنا فيه برأيي ولا وليته هوى مني ، بل وجدت أنا وأنتما ما جاء به رسول الله (ص) قد فرغ منه ، فلم أحتج إليكما فيما قد فرغ الله من قسمته وأمضى فيه حكمه ، فليس لكما والله عندي ولا لغيركما في هذا عتبى ، أخذ الله بقلوبنا وقلوبكم إلى الحق وألهمنا وإياكم الصبر» (٢٠٣ / ٣٩٧).

__________________

(١) نهج البلاغة الخطبة ١٨ : ٦٢ عن الامام امير المؤمنين عليه السلام وبقية الجمل حسب ارقام الخطب كلها من نهج البلاغة عنه (ع).

٣٦٠