الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ٣

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات فرهنگ اسلامى
المطبعة: اسماعيليان
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٥٢

(وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ) ٢٠٥.

«تولى» الطليقة هنا عن كل تعلق ، تتولى كلّا من الانصراف «الى» ك (ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ) او «عن» : (تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ) (٩ : ٩٢) وهما الخروج من عند من كنت عنده ، كما تولى الأخنس عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وفعل ما فعل ككل نسناس خناس ، وكذلك تولي الحكم تقبلا للولاية بتكلف عارم وهمّ صارم ك (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ) (٤٧ : ٢٢) حيث التولي المطلق ظاهرة في الولاية والزعامة ، ولكن الثاني ألمح من جوّ الآية وألمع ، فإن الإفساد في الأرض وإهلاك الحرث والنسل بحاجة إلى سلطة على أية حال ، ثم (أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ) دليل ثان على تولي الحكم مهما كان قليلا ، إذ العزة هنا هي سلطة مّا بها يستطيع على الإفساد قدرها.

هذا! إلّا أن لفظ الآية يشملهما ، حيث السلطة المقتضية للإفساد والإهلاك تقدر بقدرهما ، فقد تكون قدر الإفساد الذي يسطعه ككل مفسد في الأرض ، وأخرى إفسادا واسعا في بلد او قطر أما زاد حسب سعة السلطة.

إذا فكل تولّ فاسد مفسد تشمله (وَإِذا تَوَلَّى) وأصدق مصاديقها السلطات الشريرة على مرّ الزمن فانها بدورها (سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ).

إهلاك الحرث والنسل هما من أنحس مصاديق الإفساد في الأرض ، وترى الحرث ـ إذا ـ تختص بحرث الزرع حنطة وشعيرا وما أشبه ، وإهلاك حرث الدين والعقيدة أهلك وأحلك ، تسويدا لصفحة الإنسانية ، وإهلاكا لكل حيويتها!.

٢٢١

«الزرع» هنا تعم كل المحاصيل الإنسانية الصالحة ، مادية وروحية : (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) (٤٢ : ٢٠) ، وحرث الآخرة هو الإيمان والعمل الصالح المعبر عنهما ب «الدين» (١) وهو الحياة الإيمانية المحلقة على حسنة الدنيا والآخرة ، فمهما شمل «الحرث» هنا الزرع (٢) ، ولكنه ليس ليختص به.

ثم ومن الحرث النساء : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) (٣ : ٢٢٣) ، ومن إهلاكهن هو إهلاك الأنثوية الصالحة لهن بدعارة وتخلّف جنسي ، ام نشوز جماعي ، ولا سيما في حقل الزوجية وبالنسبة للناشئة الوليدة ، والنسل هو الذرية المنتسلة ، وإهلاك النسل يعم «الناس» (٣) ككل فإنهم متنسلون عن الأبوين الأولين ومن بعدهما من الآباء ، فهو ـ إذا ـ إبادة الناس بحرب وسواها.

وكذلك ذرية الناس إجهاضا للأجنة ، أم قتلا لهم بعد الولادة صغارا وكبارا ، ثم وإفسادا للنسل بضروب التخلفات الجنسية لواطا ومساحقة وزنا ، ومن ثم إهلاكا خلقيا وعقائديا للناشئة ، هذا وقد يشمل النسل الصالح لسائر الحيوان ، حيث النسل هنا لم يختص بنسل الإنسان ، فقد انتظمت الآية أصول الإفساد في الأرض بثالوثها : عقائديا واقتصاديا وأنفسيا ، في كل أبعاد الفساد (وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ).

__________________

(١) نور الثقلين ١ : ٣٠٤ عن المجمع وروي عن الصادق (عليه السّلام) ان الحرث هنا الدين.

(٢) المصدر عن أبي الحسن (عليه السّلام) والحرث الزرع ، وفيه عن الصادقين (عليهما السّلام) والحرث الأرض.

(٣) المصدر عن المجمع عن الصادق (عليه السّلام) «والنسل الناس».

٢٢٢

واصول الحرمات والنواميس وهي ناموس النفس والعقل والعرض والدين والمال ، كما هي مشمولة ل «يفسد في الأرض» وهي أرض الحيوية الإنسانية ، كذلك تشمله (وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ) فاي حرث للإنسان أحرث من دينه ، وعقله الذي يعرف به دينه ، وعرضه الذي هو أهم من ماله او نفسه ، ومن ثم ماله وكل ما له حاجية لحياته.

وإي نسل أنسل من حياته ، ومن ذريته الصالحة انتسالا وتربية ، ف (يُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ) هو هو الإفساد في الأرض ككل ، ام هما أهم ما فيه من إفساد.

وهؤلاء الساعون في الأرض إفسادا يقرر جزاءهم باستئصال أيدي الفساد قدر الإمكان : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ..) (٥ : ٣٣) ـ (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) (٢ : ٢٥١).

(وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ) ٢٠٦.

فمن السياج على تخلفات المفسدين هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وقد ينتظمهما (اتَّقِ اللهَ) ومن ثم الثورة الجماهيرية اجتثاثا لجرثومة الإفساد.

وهذا اللدود الخصيم ، المنافق اللئيم ، حين يتولى فيسعى فيما يسعى (إِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ) في أرض الله وبين عباد الله (أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ) فعزة التولي الحاصلة بالإثم أخذته بالإثم.

فالباء في الأولى للسببية والثانية للتعدية ، وقضيتها إن عنيت وحدها «إلى

٢٢٣

الإثم» إلّا أن عنايتهما مع بعض تقتضي الباء.

وبطبيعة الحال العزة الحاصلة بالإثم ، ودون حق إلّا رعونة السلطة وحظوة الرئاسة ، هي تأخذ صاحبها كل مأخذ من إثم ، ليّا لعنق الغي ، وإصرارا على الإفساد أو يزيد ، كيف لا؟ وقد تأخذ العزة الحاصلة بغير إثم ـ وبحق وصلاح ـ تأخذ صاحبها اخذة الغرور والاستكبار ، فتحمله على الإفساد ، ولكن أين أخذة من أخذة ، وأين إفساد من إفساد ف : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (٢٨ : ٨٣).

عزة الطغوى ـ هي بطبيعة الحال ـ تأخذ بالإثم ، وأحيانا تأخذك إليه عزة التقوى ، كمن اتقى ويرى نفسه فوق العظة فيتأنف على من يقول له (اتَّقِ اللهَ) ولكن التقي الصالح ليس ليتجبر بتقواه ، فتحمله على طغواه أمام من يعظه ، بل هو صاغ له بكلّ إنصات ، اللهم إلّا لمن يسخر منه في عظته ، او يفتري عليه فيها ، يقول له اتق الله وصم حال أنه غير صائم ، فهو هنا وهناك يعظه لكي يردعه عن عظته الطالحة الى عظة صالحة.

فكما على التقي النقي ان يصغي الى عظة ربه ، كذلك إلى عظة الواعظين عن ربه ، استصلاحا لنفسه ، وتعبيدا لسبيل الإصلاح للمصلحين ، وخلقا لجوّ العظة الصالحة من الصالحين مهما كانوا فقراء ضعفاء لا دور لهم في دنيا الحياة.

فلتكن العظة الصالحة بشروطها طليقة في كل الوجوه وبكل الوجوه ، إنارة للوجوه ، وإضاءة للأجواء بصالح الأخلاق.

فذلك النسناس الخناس الذي تأخذه العزة بالإثم ، عليه ما عليه في الحياة الدنيا ثم (فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ) ممهّدة له بما مهّد ، ومعدّة بما أعدّ ، فانه بنفسه ونفسياته هنا جهنم ، فحسبه نفسه البارزة في الأخرى جهنم يصلاها

٢٢٤

وبئس المصير ، هؤلاء ناس هم في الحق نسناس ، ليست لهم من ميّزات الناس أي نبراس ومتراس ـ ثم :

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) ٢٠٧.

شراء النفس له درجات أدناها أن يشري نفسه خوفا من النار ، ثم من يشري نفسه طمعا في الجنة ، ف (الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ) (٤ : ٧٤) تشملهما حيث الآخرة الصالحة تتبدد بالبعد عن النار ثم إلى الجنة. وقد تختص بالفريق الثاني (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) (٩ : ١١١) ، كما وينادى لهم على طول الخط في أخرى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ. تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (٦١ : ١٢).

فالفريق الأول المتّقون من خوف النار هم العبيد ، والآخرون المتقون رغبة في الجنة هم التجار ، وهنا فرقة ثالثة (يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) لا بابتغاء البعد عن النار ، ولا بابتغاء الجنة ، حتى ولا بابتغاء مرضات الله ، ان يجعلها ثمنا لشراءه ، فانما (ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) مترفعين عن كل بديل وثمن ، متحررين في شراء أنفسهم كل تجارة وبغية مبادلة ، إلّا غاية واحدة هي (ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) حتى لو لم يدخل به الجنة او يدخل به النار ، فانما بغيتهم في شراءهم هي فقط (مَرْضاتِ اللهِ) لا سواها ولا سواه ، وهؤلاء هم أفضل الأحرار.

وأصدق المصداق منهم في المتقين بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله

٢٢٥

وسلّم) هو علي أمير المؤمنين (عليه السّلام) ليلة المبيت إذ صان بنفسه نفس الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فاستحق بذلك النزول : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ)!

وقد أخرج قصة ليلة المبيت ونزول آية الشراء بشأنها في علي (عليه السّلام) فيما حضر عندنا واحد وثلاثون من مؤلفي إخواننا السنة (١) بمختلف

__________________

(١) وهم : ١ أحمد بن حنبل في مسنده (١ : ٣٣١) ٢ والطبري في تفسيره (٩ : ١٤٠) باربعة أسانيد والحاكم في المستدرك ٣ والحافظ الحاكم في المستدرك ج ٣ (١) ٤ والذهبي في تلخيص المستدرك (٣ : ٤) ٥ والثعلبي في تفسيره على ما في تفسير اللوامع (٢ : ٣٧٦) ٦ والحافظ ابو نعيم الاصفهاني في كتابه : ما نزل في شأن علي ـ على ما في اللوامع (٣ : ٣٧٥) ٧ والغزالي في إحياء العلوم ٨ وموفق بن احمد الخطيب الخوارزمي على ما في اللوامع (٢ : ٣٧٥) ٩ والفخر الرازي في تفسيره (٥ : ٢٢٣) ١٠ وعز الدين الجزري المعروف بابن الأثير في اسد الغابة (٤ : ٢٥) ١١ والسبط بن الجوزي في التذكرة ص ٢٠٨ ١٢ واللجي الشافعي في كفاية الطالب ص ١١٤ ١٣ والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن ج ٣ ١٤ والحمويني على ما في اللوامع (٢ : ٣٧٧) ١٥ والنيشابوري في تفسيره (٢ : ٢٠٨) ١٦ وابو حيان المغربي الأندلسي في البحر المحيط (٢ : ١١٨) ١٧ والشيخ محمد الكازروني في السيرة المحمدية ١٨ وابن صباغ المالكي في الفصول المهمة ص ٣٠ ١٩ وملّا معين الكاشفي في معارج النبوة في مدارج الفتوة (١ : ٤) ٢٠ والقسطلاني في المواهب اللدنية على ما في اللوامع (٣٧٧) ٢١ وصاحب كتاب المجمع والمباني على ما في اللوامع (٣ : ٣٧٧) ٢٢ والمؤرخ الشهير غياث الدين همام المعروف بخواندمير في حبيب السير (٢ : ٢) ٢٣ والشاه عبد الحق الدهلوي في مدارج النبوة ص ٧٩ ٢٤ والترمذي في مناقب المرتضوي ص ٣٣ ٢٥ والالوسي في تفسير روح المعاني (٣ : ٨٣) ٢٦ والسيد احمد زيني دحلان في السيرة النبوية (١ : ٣٠٦) ٢٧ والقندوزي في ينابيع النبوة ص ٩٢ ٢٨ والشيخ عز الدين عبد الرزاق المحدث الحنبلي على ما في البحار (٩ : ٩١) ٢٩ وصاحب كتاب فضائل الصحابة على ما في البحار (٩ : ٩٢) ٣٠ وابن عقب في الملحمة على ما في البحار (٩ : ٩٢) ٣١ وابو السعادات في فضائل القرة على ما في البحار (٩ : ٩٢).

ننقلهم عن ملحقات احقاق الحق ج ٣ للعلم الحجة السيد شهاب الدين المرعشي النجفي دام ظله.

٢٢٦

التعابير القيمة عن ذلك الموقف العظيم.

فهو «أول من شرى نفسه ابتغاء مرضاة الله» (١) قائلا لأبي بكر : ان نبي الله قد انطلق نحو بئر ميمون فأدركه فانطلق فدخل معه الغار (٢) وقد أمره رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ان ينام مكانه (٣) فلما نام قام جبرئيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه وجبرئيل ينادي : بخ بخ من مثلك يا ابن أبي طالب يباهي الله بك الملائكة ونزلت الآية(٤).

__________________

(١) أخرجه احمد بن حنبل في مسنده عن علي بن الحسين (عليهما السّلام) وفيه قال علي عند مبيته على فراش رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم):

وقيت بنفسي خير من وطئ الحصى

ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر

رسول إله خاف ان يمكروا به

فنجاه ذو الطول الإله من المكر

وبات رسول الله في الغار آمنا

موقى وفي حفظ الأله وفي ستر

وبتّ أراعيهم ولم يتهمونني

وقد وطنت نفسي على القتل والأسر

وعن القسطلاني : فلما كان الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه حتى ينام فيثبوا عليه فأمر عليا فنام مكانه وتغطى ببرد أخضر فكان اوّل من شرى نفسه مرضات الله ...

أقول : اوّل من شرى يأتي في اغلب الروايات عن ليلة المبيت.

(٢) أخرجه الحاكم في المستدرك عن علي بن الحسين.

(٣) أخرجه الثعلبي في تفسيره.

(٤) أخرجه فخر الدين الرازي في تفسيره ويروى انه نام ...

أقول : هنا نكتفي بما أخرجه احمد بن حنبل في مسنده (١ : ٣٣١) قال حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا يحيى بن حماد ثنا ابو عوانة ابو يلح ثنا عمرو بن ميمون قال : اني لجالس إلى ابن عباس إذ أتاه تسعة رهط فقالوا : يا ابن عباس إما ان تقوم معنا واما ان تخلون هؤلاء قال فقال ابن عباس : بل أقوم معكم ، قال : وهو يومئذ صحيح قبل ان يعمى قال فابتدءوا فتحدثوا فلا ندري ما قالوا ، قال : فجاء ينفض ثوبه ويقول : أف وتف وقعوا في رجل له عشر فعد العشرة وقال : وشرى عليّ نفسه لبس ثوب النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ثم نام مكانه قال : وكان المشركون يريدون رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فجاء ابو بكر وعلي نائم قال وابو بكر يحسب أنه نبي الله ـ

٢٢٧

وللرباط الوثيق بين هذه الآية وآية الغار ، قد نأتي على تفصيل هامة الهجرة في آية الغار ، هنا نقارن بين صاحب الغار والفراش أيهما أفدى بنفسه واكثر شاريا إياها ابتغاء مرضاة الله؟.

صاحب الغار صاحب الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حالة الفرار ، وصاحب الفراش ظل على فراش الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) تقبلا وتحملا لكل الأخطار ، فأيهما ـ إذا ـ أفدى بنفسه؟.

وهما هنا فرقدان ، فرقد الليل وفرقد النهار ، فرقد الليل يرقد على فراش الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الخطر القائم الهاجم ، وفرقد النهار يصاحب الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والخطر ناجم ، وترى هاجم الخطر أشجى أم ناجمه؟.

(وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) إذ يبعث رجالا صالحين هكذا ليدفعوا عن بأس أولئك الطالحين وكما قال الله : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ).

هذا ـ وقد لا تنطبق الآية على من يشترى نفسه بماله كصهيب (١) فانه

__________________

ـ قال فقال : يا نبي الله ، قال فقال له علي ان نبي الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد انطلق نحو بئر ميمون فأدركه قال : فانطلق ابو بكر فدخل معه الغار قال : وجعل يرمي بالحجارة كما كان يرمي نبي الله وهو يتضوّر وقد لف رأسه في الثوب لا يخرجه حتى أصبح ، ثم كشف عن رأسه فقالوا : انك للئيم كان صاحبك نراميه فلا يتضور وأنت تتضور وقد استنكرنا ذلك الحديث.

(١) الدر المنثور ١ : ٢٤٠ عن سعيد بن المسيب قال اقبل صهيب مهاجرا نحو النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فاتبعه نفر من قريش فنزل عن راحلته وانتشل ما في كنانته ثم قال : يا معشر قريش قد علمتم أني من أرماكم رجلا وأيم الله لا تصلون إلي حتى أرمي بكل سهم في كنانتي ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي فيه شيء ثم افعلوا ما شئتم وان شئتم دللتكم على مالي وقنيتي بمكة وخليتم سبيلي؟ قالوا : نعم ، فلما قدم على النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال : ربح البيع ربح البيع ونزلت الآية.

٢٢٨

اشتراء وليس شراء ، وهو بمال وليس ابتغاء مرضاة الله مهما كان في مرضاة الله.

إنها منطبقة على كل من شرى نفسه ابتغاء مرضاة الله على مدار الزمن بدرجاتهم في ذلك الشراء ، ومنهم حسب المروي عن أصدق مصداق لهذه الآية «الرجل يقتل على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر».

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) ٢٠٨.

هنا «السّلم» وفي غيرها «السلم والسلم» فالأخير هو تسليم النفس حالة الحرب ، وهو عرض الصلح كما هو لائح من آياته الست وكذلك الثاني من آيته ولكن «السّلم» ـ وهو الوحيد في كل القرآن ـ قد يزيد عليهما لازمه الى متعديه ، فان «الفعل» هو قياس مصدر المعدّى ، و «الفعل» هو هو متحركا ، ولكن «الفعل» يأتي لازما ومتعديا ، فقد يعني «السّلم» لازمه ومتعديه ، أن يكون الإنسان سليما في ذات نفسه مع فطرته وعقليته ، ومع حواسه وأعضاءه وكل نفسياته وذاتياته دونما نشوز وشذوذ ، ومن ثم تسليما كاملا للحق ، فقد يتسلم ظاهرا وليس مسلما في نفسه كمن يجنح للسّلم ، وإنما يسلم أمام القوة خوفة على نفسه ، وأما السّلم فهو السلامة في كافة الحقول أنفسية وآفاقية ولخالق الآفاق والأنفس كأصل للسّلم.

وهنا يؤمر (الَّذِينَ آمَنُوا) ـ وهم درجات ـ أن (ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) حيث البعض غير داخلين ـ بعد ـ في السّلم وهم مؤمنون ، أم داخلون فيه وليس كافة ، أم وكافة ولكنهم يتبعون خطوات الشيطان ، التي تخرجهم عن كافة السلم ام عن السلم كافة.

فمثلت «الدخول في السلم ـ كافة ـ و : (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) هنا مطلوب من (الَّذِينَ آمَنُوا) ولم يدخلوا ـ بعد ـ فيه كلا او بعضا ، ام لم

٢٢٩

يكملوه بعد حيث الإيمان درجات.

فكما يؤمر المؤمنون أن يؤمنوا : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا ..) (٤ : ١٣٦) كذلك يؤمرون ـ وبأحرى ـ ان يدخلوا في السّلم كافة ، حيث الإسلام ولا سيما مثلته الجهات ، هو مرحلة بعد الإيمان ، كما ان إسلام التسليم إقرارا باللسان هو قبل الإيمان.

فهذه دعوة للمؤمنين باسم الإيمان وسمته ان يستزيد وافيه دخولا في السّلم كافة ، وهو الإسلام بكل أبعاده دونما شذوذ او نشوز ، بسلم النفس في ذات نفسها ، وأمام الله بشرعته السليمة ، وأمام رسالات الله والمؤمنين بالله كما حدّه الله وعدّه.

وتوجيه هذه الدعوة الى الذين آمنوا مما يشي لامحة بأنه كانت هناك نفوس مؤمنة ما تزال يثور فيها بعض التردد في السّلم المطلق : من مشرك أسلم وعنده بقية من الطقوس الشركية : (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) (١٢ : ١٠٦) (١).

أم كتابي أسلم وله بقية من الطقوس الكتابية المنسوخة كبعض اليهود (٢) والنصارى ، ومن مؤمن لم يسلم بعد بكل أعماله وأفكاره وإن آمن حدا مّا

__________________

(١) كعدد من المشركين آمنوا واشترطوا في ايمانهم أن لا يكسر الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اللات والعزى!

(٢) في الدر المنثور ١ : ٢٤١ ـ أخرج ابن جرير عن عكرمة في الآية قال : نزلت في ثعلبة وعبد الدين سلام وابن يامين وأسد وأسيد بني كعب وسعيد بن عمرو وقيس بن زيد كلهم من يهود قالوا يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يوم السبت يوم سن نعظمه فدعنا فلنسبت فيه وان التوراة كتاب الله فدعن فلنقم بها بالليل ، فنزلت.

٢٣٠

بقلبه ، حيث الإسلام يزيل كل الرواسب الشركية والكتابية المنسوخة ، الى تسليم ناصع للشرعة القرآنية دون إبقاء ، ثم ومن مسلم بعد إيمانه لم يدخل في السّلم المطلق المطبق ، حيث يشذ عقائديا او عمليا بخطوات من الشيطان ، ومن داخل في السّلم وليس كافة ، في زواياه الثلاث كافة.

ومن داخل كافة وهو بعد في خطر اتباع خطوات الشيطان ، فليس إذا دخولا كافة كما يرام ، والمطلوب هنا من المؤمنين كافة ان يدخلوا في السلم كافة دون اتباع لخطوات الشيطان ، حيث الخطوة هي من خطو القدم في نقلها من مكان الى مكان حتى يبلغ مقصده ، والشيطان يحاول دوما ان يخطو بالإنسان من صغيرة الى كبيرة والى كبرى حتى يورده موارد الضلالة الكبرى ، ولا سيما الإنسان المؤمن المسلم الذي لا يرضى بكبيرة وسواها ، فانه يورده في صغيرة قد يزينها له أنها ليست محظورة حين يترك كبائر المحرمات وإلى خطوات أخرى حتى يأخذ منه حظّه الأوفى.

و «كافة» هي مبالغة الكف ، وانما يقال لمجموعة كافة لأنها تكف بطبيعة الحال عما لا يكف عنه الواحد.

ف «كافة» هنا وفي غيرها تعني في الأصل الكف المطلق المطبق ، فهي هنا سلم يكف عن الداخل في السّلم ما سوى السّلم ، ويكف الجمع الداخل في السّلم عن التفرق والتمزق في تمسكهم بحبل الله جميعا ، كما يكفهم عن خطوات الشيطان.

فليكن دخول المؤمن في السّلم كافة في كافة الجهات والجنبات ، دونما إبقاء على ثغرة ينفذ فيها الشيطان ، إسلاما طليقا في السلم بعد الإيمان يكف عن كتلة الإيمان كل بأس وأذى ، وكل نشوز عن شرعة الله في دواخل أنفسهم علميا وعقائديا وفي النية والطوية ، وفي أعمالهم فردية وجماعية ، وفي كافة الحقول

٢٣١

الحيوية التي رسم الإسلام السّلم رسمها.

فالإسلام يتطلب من المؤمنين به ككل ان يدخلوا في السلم كافة ، دخولا كافة وسلما كافة وتركا لاتباع خطوات الشيطان كافة ، وحين تكتمل هذه الزوايا الثلاث من مثلث الإسلام السلم وسلم الإسلام فهم ـ إذا ـ في القمة المرموقة من الكمال والقوة والسيادة.

فالمؤمن حين يستجيب ذلك النداء الحبيب الرقيب ، يدخل في عالم كله سلم وسلام وإسلام ، كله ثقة واستقرار ، سلم مع نفسه وسلم مع ربه وسلم مع عباد الله ، وسلم مع الكون كله حيث يسمح به ، فان السلم مع معاند الحق المتطاول على أهل الحق حرب مع الإسلام.

وذلك السلم هو لمحة او لمعة من الإسلام الذي كان يتطلبه النبيون لأنفسهم (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) (٢ : ١٢٨) كما ان رسول الإسلام (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اوّل المسلمين : (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ) (٦ : ١٤) ، (وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) (٤٠ : ٦٦) ، (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ) (٤ : ١٤٥) ، (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) (٣١ : ٢٢).

فهناك ـ في البداية ـ إسلام الإقرار باللسان ، ثم الإيمان وهو التصديق بالجنان وعمل بالأركان ، ثم إسلام السرّ والعلن لله دخولا في السلم كافة وتركا لاتباع خطوات الشيطان ، وهو آخر المطاف في التطواف حول الحق المرام مهما كان درجات كما أن لكلّ درجات ، ثم (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) بعد (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) دليل على أن الإيمان دون الدخول في السلم ، ام هما دون كافة ، إنه معرض لخطوات الشيطان ، بل هو نفسه خطوة شيطانية.

٢٣٢

أجل وإنه ليست هناك مناهج عدة في مسلك الإيمان ، فللمؤمن ان يختار واحدا منها او يخلط بعضها ببعض ، بل هو منهج واحد هو الدخول بأقدام الإيمان في السلم كافة ، وما وراءه من خطوات الشيطان ، فليس هنا حلّ وسط ومنهج فيما بين ، ولذلك يقول الله عن مجرد الإيمان دون الإيمان المجرد (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ).

إنما هو حق واحد وباطل بمظاهر عدة ، خالصا ام خليطا بحق كلاهما من خطوات الشيطان ، هنا إسلام وجاهلية ، منهج الرحمان ومنهج الشيطان ، والله يأمر المؤمنين بالدخول في السلم كافة تركا لاتباع خطوات الشيطان وهو كلما وراء الإيمان ووراء دخول المؤمن في السلم كافة مهما كانت دركات كما الإيمان درجات.

فالله يستجيش مشاعر المؤمنين ، دخولا في السلم كافة ، ويستثير مخاوفهم قبل الدخول وبعده تذكيرا بعداء عارم للشيطان (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) ثم يخوفهم عاقبة الزلة بعد البيان :

(فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) ٢٠٩.

(فَإِنْ زَلَلْتُمْ) عن الدخول في السلم ، ام بعد ما دخلتم فيه ، ام بعد كونه او كونكم كافة ، او «زللتم» بخطوة او خطى من خطوات الشيطان ، وكل ذلك (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ) فيما زللتم فيه ، فهنالك الطامة الكبرى فإنها زلة بعد الدّلة ودون علة إلّا عليلة (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ) ذو انتقام «حكيم» على نقمته ، وهنا نعرف ألا عقاب بعد زلة إلّا (بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ) فلا مجال لعقاب او عتاب قبل البيان ، ثم الحكمة الربانية بعد العزة هي الكافلة للغفران بعد الزلة والتوبة (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) عزة بحكمة وحكمة بعزة ، ليس يعذب من زل دون إبقاء ، ولا يبقيه دون عذاب ، فلكلّ مجاله الحكيم.

٢٣٣

وليس المهدّد هنا إلّا من زل بخطوات الشيطان عن أصل عقائدي او عملي في شرعة الحق ، تبقّيا لرواسب شركية أم كتابية أماهيه مما يوعد عليه النار ، دون الصغائر المعفوة بترك الكبائر اللهم إلّا ما هي من خطوات الشيطان الى الكبائر ، كالإصرار على الصغائر أو ترك الندم منها ، ف (خُطُواتِ الشَّيْطانِ) تعم كلّما تسير بالإنسان الى سيء وأسوأ كالتي جعلت مالها هديا وكل مملوك لها حرا ان كلت أختها أبدا (١).

هذا ، واما الكبائر المعفوة بأسبابهما ف (أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ) كما هو «حكيم» وكما يشهد لذلك التحديد :

(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) ٢١٠.

إتيان الله في ظلل من الغمام قد يعني صورته المستحيلة كما (قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً) (٢٥ : ٢١) ، وأخرى الواقعية يوم القيامة بإتيان العذاب ، كما (فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا) (٩٢ : ٣) ـ (فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ) (١٦ : ٢٦) ، هنا ، ويأتيهم بعذابه الأكبر في الأخرى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) (٧ : ١٥٨) على وجه إتيان أمر ربك من إتيان ربك : (هَلْ

__________________

(١) نور الثقلين ١ : ٢٠٧ عن الفقيه روى العلا عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) انه سئل عن امرأت جعلت مالها هديا ... قال تكلمها وليس هذا بشيء ، انما هذا وشبهه من خطوات الشيطان ...

وفيه عن الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام) حديث طويل وفيه : وان حلف على شيء والذي ـ

٢٣٤

يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (١٦ : ٣٣) ـ (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) (٨٩: ٢٢) وهو مجيء ربوبية الجزاء يوم الجزاء ولم تكن جائية يوم التكليف في الأولى ، وهي آتية في الأخرى.

فالنظرة الأولى مستحيلة الذات في المكان فان الله ليس له مكان دون آخر حتى (يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ) ام أيا كان من مكان ، كما تطلّبه جماعة من الذين كفروا واليهود ، واختلقته أقلام سامة حرجة مرجة من الذين آمنوا افتراء فيما يروون على رسول الهدى (صلّى الله عليه وآله وسلّم) (١) ، ام تحريفا للآية خوفة الدلالة على إتيان الله (٢) فإنما الآتي في ظلل من الغمام هو أمر الله فيما أمكن (٣) وهو الله فيما استحال وكانوا ينظرونه.

__________________

ـ عليه إتيانه خير من تركه فليأت الذي هو خفير ولا كفارة عليه انما ذلك من خطوات الشيطان.

(١) الدر المنثور ١ : ٢٤١ ـ أخرج ابن مردويه عن ابن مسعود عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال : يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم قياما شاخصة أبصارهم الى السماء ينظرون فصل القضاء وينزل الله في ظلل من الغمام الى العرش الى الكرسي .. وفيه أخرج ابن جرير والديلمي عن ابن عباس أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال : ان من الغمام طاقات يأتي الله فيها محفوفا بالملائكة وذلك قوله : (هَلْ يَنْظُرُونَ ...).

وفي نور الثقلين ١ : ٢٠٦ ظلمة كهذه رواية عن جابر عن الباقر (عليه السّلام) في الآية قال : ينزل في سبع قباب من نور لا يعلم في أيها هو حين ينزل في ظهر الكوفة فهذا حين ينزل.

(٢) المصدر عن العيون عن الرضا (عليه السّلام) حين سئل عن الآية قال : هل ينظرون «أن يأتيهم بالملائكة في ظلل من الغمام» هذا نزلت ، وقد يعني نزول المعنى.

(٣) المصدر عن عمرو بن شيبة عن أبي جعفر (عليهما السّلام) قال سمعته يقول ابتداء منه : ان الله إذا بدا له أن يبين خلقه ويجمعهم لما لا بد منه أمر مناديا ينادي فاجتمع الإنس والجن في أسرع من طرفة عين ثم أذن لسماء الدنيا فتنزل وكان من وراء الناس وأذن للسماء الثانية فتنزل وهي ضعف التي تليها فإذا رآها أهل السماء الدنيا قالوا جاء ربنا ، قالوا : لا وهو آت يعني امره حتى تنزل كل سماء ـ

٢٣٥

والثانية مستحيلة في حاضر الزمان قبل ان يحين حينه وكما قال الله (وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) اجابة عن النظرة الثانية ثم عن الأولى سائر الآيات المحكمة ان (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) ـ «وهو (بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) ـ (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) أما أشبه.

ف (هَلْ يَنْظُرُونَ) ناظرة إليهما معا مهما كانت الإجابة الحاضرة للثانية ، مما يلمح بأنها هي الأصيلة في ذلك المجال ، مهما كانت الأولى هي المحال ولكنه له مجال آخر غير الحال ، وقد اشارت إليها سابقة الآيات.

ثم ومن النظرة الثانية تعجيل الأجل ام نظرة ان يأتيهم الأجل فهم الى أجلهم وإتيان العذاب في زلتهم باقون وعلى ضلالتهم عاكفون ، و (هَلْ يَنْظُرُونَ) تنديدة ـ ككل ـ بكل هذه النظرات الخاطئة وكما فصلت في آياتها الأخرى ، انتظارات قاحلة جاهلة ، وعلى أية حال ف (هَلْ يَنْظُرُونَ) تهديدة رهيبة بتلك النظرة ، إتيانا في مكان أم إتيانا في زمان ، لاستحالته لذات الله ، مهما أمكن لأمر الله ولكنه لوقت معلوم لا يأتي إلّا يوم القيامة الكبرى ، فلا يبقى مجالا لواقع إتيانه تعالى بذاته في ظلل من الغمام ، ام امكانيته ، مهما الملائكة يأتون فيها لوقته ، كما (وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ).

فهل ينتظر هؤلاء الذين لم يدخلوا في السلم كافة ان يأتيهم الله بنفسه؟ وهو مستحيل ذاتيا! ام ينظرون إتيان أمره في ظلل من الغمام يوم القيام وهو مستحيل عجالة قبل الوقت المعلوم ، ثم ولا ينفعهم يومئذ إذ (قُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) وكما أوعدوا من قبل: (وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).

__________________

ـ يكون واحدة منهما من وراء الأخرى وهي ضعف التي تليها ثم ينزل امر الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر والى ربكم ترجع الأمور ثم يأمر الله مناديا ينادي : يا معشر الجن والأنس ان استطعتم أن تنفذوا ...

٢٣٦

وهنا قفزة لطيفة من الإيمان الى دخول أهله في السلم كافة دون اتباع لخطوات الشيطان الى زلتهم بعد ما جاءتهم البينات وتهددهم بعزة الرحمان والى كفر : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ... هَلْ يَنْظُرُونَ).

وهذه إيقاظة نابهة لكتلة الإيمان أن ليست صبغة الإيمان بمجردها كافية عن الزلات والمضلات ، بل هي بحاجة الى سياج الدخول في السلم كافة وترك اتباع خطوات الشيطان.

وقد تعني (هَلْ يَنْظُرُونَ) اعمّ من (الَّذِينَ آمَنُوا) بضالة ، او الذين لم يؤمنوا وهم على أشرافه ، ام والبعيدين عن الإيمان ، وقد تعنيهم أجمع (فَإِنْ زَلَلْتُمْ ..) زلة عن الإيمان بعد واقعه ، ام زلة عنه ولمّا يقع ام كلّا ، والآية التالية تمحور في هذا البين بني إسرائيل العاكفين على عنصريتهم وقوميتهم :

(سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) ٢١١.

وسؤال بني إسرائيل ـ والسائل هو النبي ـ ليس استعلاما عن جهل ، فكثير من الآيات مكية ومدنية استعرضت آياتهم البينات ، فانما القصد إلى استجوابهم اعترافا منهم ومن كتاباتهم (كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ)؟ وقد أوتوا أكثر من كل الأمم ومنها آيات موسى التسع وستة اخرى او تزيد الى فرعون وملئه ، وهم بالرغم من تلكم الآيات البينات لم يدخلوا في السلم كافة ، ولا حتى في السلم التوراتي فضلا عن القرآني ، حيث ظلوا فيما ضلوا بكل تردد وتلكؤ وتعنت ونكوص عن كل سلم لرب العالمين ، الذي يضلّل كنف الإيمان وحنفه ، وذلك من تبديل نعمة الله كفرا ونعمة :

(وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) ٢١١.

وانها هنا (نِعْمَةَ اللهِ) : الآيات البينات ، وعلى ضوءها (نِعْمَةَ اللهِ) :

٢٣٧

الإيمان ، ومن ثم على ضوء الإيمان (نِعْمَةَ اللهِ) : الدخول في السلم كافة وترك خطوات الشيطان.

نعم ثلاث بدّلت بنقم ثلاث ، نكرانا للبينات تجاهلا عنها ، وتثاقلا عن الإيمان على ضوءها ، ونشوزا عن الدخول في السلم كافة ، تدخلا في اللّاسلم في كافة الحقول العلمية والعقيدية والأخلاقية والسياسية والاقتصادية أمّاهيه.

(فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) جزاء وفاقا عن شدة التباب ، عذابا فوق العذاب ، وليس العقاب الموعود عليهم ـ فقط ـ في الأخرى ، بل وفي الأولى كما. (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ ...) (٣ : ١١٢).

وها هي البشرية الشريرة النكدة الماثلة أمامنا في أنحاء البسيطة تعاني العقاب الشديد والعذاب المديد ، قلقة محتارة ، تأكل بعضها بعضا ، وكل يأكل نفسه ويطاردها مطاردة بالأشباح المطلقة المطبقة والخواء القاتل الغائل ، رغم ما تحاول الحضارة ان يملأها بمسكرات ومحذرات أخرى.

تنظر الى تعاستهم في حيونة الحياة ورقاصتهم المجنونة التائهة ، وأغانيهم المحمومة ، وأوضاعهم المتكلفة الشائهة ، من مائلة برأسها وكاشفة عن صدرها ورافعة ذيلها ، الى مبتدعة قبعة غريبة كهيئة حيوان ، الى واضع رباط عنق مرسول عليه تيتل او فيل! الى لابس قميص تربعت عليه صورة اسد او دب اما شابهه من حيوان ، كل هذه الفوضوية المجنونة في حياة البشرية ، هي من نتائج الهروب عن الحقيقة وبغروب الفطرة والعقلية الإنسانية ، جزاء يوم الدنيا ، ومن ثم يوم الأخرى يجزون الجزاء الأوفى.

(زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) ٢١٢.

٢٣٨

إن قضية تزيين شيء هو كونه قبيحا ام قليل الزينة ، ولكن «زين» تلمح الى واقع القبح للحياة الدنيا لمن أبصر إليها فأعمته ، دون من أبصر بهما فبصرته حيث الدنيا مزرعة الآخرة.

فقد يعني تزيين الحياة الدنيا تصويرها بغير صورتها الحقيقية ، ان تصوّر كأنها الهدف الأسمى من الحياة وهي الحياة الدنيا ، وكل شيء تجاوزه حده المحدود له هو متجاوز طوره المقصود منه ، فحين تزيّن الحياة الدنيا مجاوزة حدّها ، تجاهلا عن غايتها الأخرى وهي الحياة الأخرى فهنالك الطامة الكبرى.

و (لِلَّذِينَ كَفَرُوا) تشمل كل المحجوبين عن واقع الحياة الدنيا ملحدا او مشركا ، او موحدا : كتابيا او مسلما او مؤمنا ، حيث المعاصي ككل هي من خلفيات تزين الحياة الدنيا بشهواتها ولهواتها على دركاتها ، من الأدنى ككل صغيرة ، الى كبيرة عملية والى عقائدية أماهيه من محاصيل ذلك التزيين ، وترى ذلك التزيين وهو إغراء وتمويه هل هو ـ فقط ـ من فعل الشيطان ، ام ومن الرحمن؟ إن الدنيا لها زينتها ابتلاء لمن يعيشها على حدها كما حده الله : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ) (٧ : ٣٢).

ولكن تزيينها أكثر مما هي عليها من زينتها هو إغراء وتمويه من الشيطان : (قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (١٥ : ٤٠).

ثم الله لا يصدّ عن ذلك التزيين ، الذين هم من الغاوين ، جزاء بما كانوا يعملون : (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ) (٢٧ : ٤) ـ (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) وذلك بان (قَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا

٢٣٩

لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ) (٤١ : ٢٥).

فالشيطان يزين لهم الحياة الدنيا وأعمالهم فيها عداء وكما أوعد ، والرحمان يزين ويقيض لهم قرناء جزاء ، ثم الله يصد كيد الشيطان عن كتلة الإيمان على قدر الإيمان : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ) (٧ : ٣٠٤) بل (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ).

(وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) حيث هم يخالفونهم في عشرة الحياة الدنيا ، ساخرين منهم انكم لستم على شيء من نعمة ربكم إذ نحن منها مزودون وأنتم مقلون ، ونحن نحظو حظوتها منها كاملة وأنتم تتزهدون فيها منفقين إياها ، ونحن وأنتم وأنتم ونحن من أمثال هذه الأقاويل الساخرة.

(وَالَّذِينَ اتَّقَوْا) من المؤمنين زهرة الحياة الدنيا هم (فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) فوق الذين كفروا ككل ، وفوق المؤمنين غير المتقين منهم.

ولأن الدار الآخرة هي دار القرار فالميزان في التفوق هو الفوقية يوم القيامة حيث يسخر فيه منهم كما سخر وامن المؤمنين ، وليس زائد الرزق هنا دليلا لفائق السودد والمنزلة للمتفوقين ، بل هو بلاء وعناء.

(وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) في الأولى والأخرى وهي أحرى ، وكيف يكون رزق بغير حساب ومقدار (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ) (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) ـ (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ) (١٣ : ٤٠) ، فالآخرة دار حساب وكما سمّي بيوم الحساب ، وكذلك الأولى مهما اختلف حساب عن حساب؟.

(بِغَيْرِ حِسابٍ) في الأولى لا تعني الفوضى المطلقة اللّاحساب ، وانما

٢٤٠