الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ٣

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات فرهنگ اسلامى
المطبعة: اسماعيليان
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٥٢

١
٢

٣
٤

الفهرس

الصيام حكمه وأحكامه بصورة مقارنة ، حد المرض والسفر المفطر.................. ٨ ـ ٢٣

طبقات المكلفين أمام الصيام................................................ ٢٣ ـ ٢٩

لا يجوزر السفر المفطر لشاهدي الشهر إلا لضرورة............................. ٣٩ ـ ٤٧

حكم الرد والقبول في حقل الدعاء........................................... ٤٧ ـ ٥٥

هل يجوز الدحول مجنبا في فجر الصيام ، وحد الفجر........................... ٥٥ ـ ٧١

حدود الاعتكاف وأمكنته.................................................. ٧١ ـ ٧٥

حقل الاكل بالباطل في قول فصل ـ الأهلة.................................... ٧٧ ـ ٩٤

حدود القتال في سبيل الله ... «حتى لا تكون فتنة»؟........................ ٩٤ ـ ١٠٧

حدود التهلكة المحظورة وحقولها........................................... ١٠٧ ـ ١١٥

ما هو اتمام الحج والعمرة؟ وجوب العمرة المفردة كسائر العُمر.................. ١١٧ ـ ١٢٤

فوارق بين اقسام الحج ، وفوارق بين عمرتي التمتع والإفراد................... ١٢٤ ـ ١٢٧

الاحصار والصد في حج أو عمرة في قول فصل............................ ١٢٧ ـ ١٣٧

حج التمتع وموقف الخليفة عمر من تحريمه................................. ١٣٧ ـ ١٥٩

رفث وفسوق وجدال في احرام الحج والعمرة ، هذه الثلاث تحلق على كل محرمات الاحرام ـ مدرسة الإحرام التربوية العالية ـ احكام الاحرام في قول فصل................................................................. ١٥٩ ـ ١٧٢

عرفات والمشعر الحرام في الفقه الاكبر والاصغر بقول فصل................... ١٧٢ ـ ٢٠٥

«ربنا آتنا ف الدنيا حسنة ...»؟ مُنى بأحكامها........................... ٢٠٥ ـ ٢١٤

مقارنة بين «من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ...» و «من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله» أبعاد إهلاك الحرث والنسل في السلطات الفاسقة..................................................................... ٢١٨ ـ ٢٢٩

«أدخلو في السلم كافة»................................................ ٢٢٩ ـ ٢٣٤

كيف «كان الناس امة واحدة» ولايزالون مختلفين........................... ٢٤٤ ـ ٢٥٥

فريضة القتال بأبعادها ـ في الشهر الحرام................................... ٢٦٥ ـ ٢٧٩

قول فصل حول الخمر والميسر في مختلف الحقول وبصورة مقارنة ـ موقف الخليفة عمر الحاد

٥

في شرب الخمر............................................................... ٢٩٠

ما هو العفوفي واجب الانفاق وراجحه........................................ ٣٠٥ ـ ٨

اصلاح لليتامى في مخالطة اوسواها.......................................... ٣٠٨ ـ ١٧

احكام التناكح بين المسلمين وسواهم..................................... ٣١٧ ـ ٣٢٧

المحيض واحكامه في قولفصل مقارن....................................... ٣٢٨ ـ ٣٤٤

هل يجوز اتيان النساء في أدبارهن......................................... ٣٤٥ ـ ٣٥٢

٦

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣) أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٤) شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٨٥) وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (١٨٦) أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ

٧

أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (١٨٧))

آيات خمس تتكفل بيان فرض الصوم بشروط وجوبه او السماح له ، وكذلك حرمته في غيرها ، اللهم إلّا آية الدعاء ، ولكنها ايضا لها صلة وثيقة بزمن الصيام سؤالا ودعاء في أيامه ولياليه ، ولقد كان فرض الصوم ـ على هذه الأمة المفروض عليها مختلف الجهاد في سبيل الله ـ كان فرضا طبيعيا لزاما عليها لتقرير المسير الشائك الطويل الطويل ، تقريرا لعازم الارادة وثابت الجزم انفصالا عن شهواتها وأريحياتها! ، واتصالا روحيا بربها ، فانه مجال الاستعلاء على ضرورات الجسد ، واحتمال لضغوطها وأثقالها ، إيثارا لما عند الله ، واتقاء عما لا يرضاه الله (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ١٨٣.

أترى فرض الصيام هو «للمؤمنين خاصة»؟ (١) حيث الخطاب هنا

__________________

نور الثقلين ١ : ١٦٢ عن تفسير العياشي عن البرقي عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله ـ

٨

يخصهم ، أم «تجمع الضلّال والمنافقين وكل من أقربا لدعوة الظاهرة»؟ (١) وصفة الإيمان خاصة بمن دخل الإيمان قلبه : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ)! (٤٩ : ١٤).

إنه لواقع الإتّباع فرض المؤمنين خاصة حيث المنافق وسواه ، ممن أقر بالدعوة الظاهرة ، ليس ليتبع امر الله إلّا أحيانا مصلحية الحفاظ على ظاهرة الإسلام ، او نظرة أن يسلم ولمّا.

ثم إنه لعموم التكليف فرض على كل من أقربا لدعوة الظاهرة ، بل ومن لم يقربها ، حيث الكفار ، مكلّفون بالفروع تكليفهم بالأصول ، وخطاب الإيمان ـ إذا ـ ناظر الى مختلف مراحله حيث يعم المسلم الذي لمّا يدخل الإيمان في قلبه ، والمنافق المشرك في باطنه ، وقد سماهم كلهم ربهم بسمة الإيمان : (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) (١٢ : ١٠٦) حيث تعم شرك النفاق إلى جانب شرك الرئاء.

ف «آمنوا» هناك كما هنا تشمل كل مراتب الإيمان ، إقرارا باللسان وتصديقا بالجنان وعملا بالأركان ، و «لم تؤمنوا» ردا على مسلمي الأعراب ، سلب لإيمان القلب دون مطلق الإيمان ، فالمؤمن بقلبه يتأثر بخطابه قضية الإيمان ، والمسلم البدائي ولمّا يدخل الإيمان في قلبه يتأثر به حبا للإيمان ومغبة دخوله في قلبه ، والمسلم المنافق يتأثر ظاهريا رغم أنفه بغية التحسب من المسلمين ، وقد يتقدمهم في مظاهر الإيمان تثبيتا لدعواه ، فحين يقرن الإيمان

__________________

ـ (عليه السّلام) في قوله عزّ وجلّ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) قال : هي للمؤمنين خاصة.

(١) المصدر عن المصدر عن جميع بن دراج قال سألت أبا عبد الله (عليه السّلام) عن الآية قال فقال : «هذه كلها تجمع ..».

٩

بالإسلام او بما هو قرينة لخاصة الإيمان فهو إيمان القلب ثم الجوارح ، واما حين يطلق دون قرين ولا قرينة فهو شامل لمثلث الإيمان ، حيث الجامع بينها الإيمان باللسان ، ومهما غلب «الذين آمنوا» في الذين آمنوا بقلوبهم ـ وهم الذين يتطوعون عمل الإيمان ـ ولكنه يحلّق على كل من أقربا لدعوة الظاهرة.

ثم المماثلة هنا في «كما كتب» لا تعني إلّا المماثلة في أصل الكتابة في مطلق الصيام ام هو القدر المعلوم منها ، حيث النص «كتب كما كتب» لا انه صيام كصيام ، فضلا عن أيامه المعدودات ، فقد تصدق الرواية القائلة باختصاص فرض صيام الإسلام بأمته وكل الرسل قبل رسول الإسلام (صلّى الله عليه وآله وسلّم) دون أممهم ، مهما كان لهم صيام بكيفية أخرى وأيام أخر ، و «أولهم آدم (عليه السّلام)» (١).

ف (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) تعم كافة الرسل والمرسل إليهم طول تاريخ الرسالات ، فرضا للصيام عليهم ككل ، مهما اختلفت شكلياته بين الأمم ، واتحدت بين الرسل كما لهذه الأمة المرحومة برسولها : «ثم آثرتنا به على سائر الأمم واصطفيتنا دون أهل الملل ، فصمنا بأمرك نهاره وقمنا بعونك ليله» (٢).

__________________

(١) تفسير الكشاف ١ : ١٦٩ قال علي (عليه السّلام) اوّلهم آدم.

(٢) نور الثقلين ١ : ١٦٣ عن الصحيفة السجادية تعريفا بصوم رمضان ، وفيه عمن لا يحضره الفقيه روى سليمان بن داود المنقري عن حفص بن غياث النخعي قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السّلام) يقول : إن شهر رمضان لم يفرض الله صيامه على احد من الأمم قبلنا ، فقلت له فقول الله عزّ وجلّ (.. كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ)؟ قال : انما فرض الله صيام شهر رمضان على الأنبياء دون الأمم ففضل الله به هذه الأمة وجعل صيامه فرضا على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعلى أمته.

وفيه عن الخصال عن علي (عليه السّلام) قال : جاء نفر من اليهود الى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فسأله أعلمهم عن مسائل فكان فيما سأله ان قال : لاي شيء فرض الله الصوم على ـ

١٠

وليس (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) هم الرسل فقط ، حيث التنظير كما هو بين الكتابتين كذلك وبين المكتوب عليهم ، ثم ولا يطلق (الَّذِينَ آمَنُوا) على الرسل إلّا باتحاد التكليف ، فهم ـ إذا ـ مؤمنوا الأمم السابقة ومعهم رسلهم ، ففرض الصيام يشملهم كلهم مهما اختص رسلهم بصيامنا تشريفا لهم كما هو تشريف لنا.

والصيام في (كَما كُتِبَ) هو مطلق الصيام وليس هو الصيام المكتوب علينا ، فانما كتابة ككتابة ، وصيام كصيام في أصله ، وأما في كمه وكيفه فلا كما وتدل عليه : (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا).

ثم الصوم لغويا هو مطلق الكف عن مشتهيات ، وليس الكف المطلق عنها فضلا عما سواها فإنه كف عن الحياة ، فكل إمساك عن أي مشتهى صوم ، فصوم اللسان إمساكه ، وصوم سائر الجوارح والجوانح إمساكها عما يتعوده من

__________________

ـ أمتك بالنهار ثلاثين يوما وفرض على الأمم اكثر من ذلك؟ فقال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إن آدم (عليه السّلام) لما أكل من الشجرة بقي في بطنه ثلاثين يوما ففرض الله على ذريته ثلاثين يوما ففرض الله على أمته ثلاثين يوما الجوع والعطش والذي يأكلونه فضل من الله تعالى عليهم وكذلك كان على آدم ففرض الله تعالى ذلك على أمتي ثم تلا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هذه الآية قال اليهودي صدقت يا محمد.

وفيه عن الكافي عن أبي جعفر (عليهما السّلام) قال قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لما حضر شهر رمضان وذلك في ثلاث بقين من شعبان قال لبلال : ناد في الناس فجمع الناس ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : ايها الناس إن هذا الشهر قد خصكم الله به وحضركم وهو سيد الشهور.

أقول في الرواية الثانية مجالات من النظر والنقد منها كيف يؤخذ ولد آدم او أمته وامة الإسلام فقط بما عصى في اكله من الشجرة ، ثم كيف استثنيت امة آدم مع امة الإسلام دونما فضل لهم على الأمم الوسطى ، وكيف يكون «الذي يأكلونه فضل» ونفس الصيام من أفضل الفضل لمكان (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ...) وكذلك الاولى تفسير للذين من قبلكم بالأنبياء.

١١

حاجيات ، ف «صامت الريح» إذا ركدت ، وصام الفرس إذا قام على غير اعتلاف ، وبكرة صائمة إذا قامت فلم تدر ، ومصامّ الشمس استواؤها في منتصف النهار ، وهكذا كل سكون عن حراك هي لزام الكائن هو صومه ، ولم يرد منه في القرآن إلّا صوم الإسلام ، وصوم الصمت في شرعة التوراة : (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) (١٩ : ٢٦).

هذا! ولكنه لا يكفي تنظيرا لكلفة الصوم المفروض على المؤمنين في هذه الشرعة الأخيرة ، فان كلفة الكف عن مشتهيات البطن والفرج أكثر من كلفة الصمت ، ثم «صوما» دون «الصوم» قد تلمح أنه كان من صومهم الذي قد يفرض بنذر أمّا شابه ، أما أن صومهم محصور فيه فلا ، فليكن لهم صوم هو في كلفته كصومنا أو أكثر منه فإن شريعتنا سهلة سمحاء.

هذا ولكن تفريع «فلن أكلم اليوم» على الصوم لا يدل على اكثر من ان من صومهم ما فرض عليهم الصمت عن كلام البشر ، لا انه صوم خاص ، فقد يكون صوما فيه واجب الصمت عن كلام البشر كما الإمساك عن الأكل والشرب وما أشبه ، ولا يهون التكليف على أمة إلّا بما كلّفت أمم قبلها مثله أم زاد ، فلنفتش عن صيام الذين من قبلنا؟ فإليكم خاصرا غير حاصر من صيام العهدين :

«إنه كان من الطقوس المتعوّدة بين كافة المليين معمولا عندهم في البأساء والضراء غير المترقبة (يونس ٥ : ٣) ولقد صام موسى وإيليا والمسيح (عليهم السّلام) أربعين يوما (تث ٩ : ٩ ـ ١ ملوك ١٩ : ٨ مت ٤ : ٢) واليهود كانوا يصومون إظهارا للمسكنة وتخضعا عند الله واعترافا بخطاياهم وتوبة الى الله بغية مرضاة الله (داود ٢٠ : ٢٦ واسمو ٧ : ٦ و ٢ سمو ١٢ : ١٦ نح ٩ : ١ ـ ١ ، ٣٦ : ٩) ولا سيما عند المصائب كانوا يصومون ويصوّمون

١٢

الرضّع بل والحيوان (يوئيل ٢ : ١٦ ـ دا ١٠ : ٢ ، ٣) بداية الصوم عندهم إمساكا عن الأكل والشرب كان منذ غروب الشمس الى غروب ثان وذلك هو الصوم الأعظم لكل سنة مرة مرسومة عندهم (اع ٢٧ : ٩) وكانوا يصومون أياما كذكرى لانهدام أورشليم (ار ٣٩ : ٢ و ٥٢ : ١٢ ـ ١٤ زك ٧ : ٣ ـ ٥) وكان الأتقياء منهم يصومون كل أسبوع يومي الثاني والخامس (لو ١٨ : ١٢) ولقد قال المسيح (عليه السّلام) إن تلاميذه سوف يصومون بعده (لو ٥ : ٣٤ و ٣٥) فحياة الحواريين ـ إذا ـ والمؤمنين كانت حياة نكران اللذات والمشتهيات ، والصيامات (٢ قر ١١ : ٢٧) ولقد كان السيد المسيح يصوم ، والحواريون عند اللزوم (مت ٦ : ١٦ ـ ١٨ ـ اع ١٣ : ٣) فالصوم عون للتوبة والقدسية والتقوى (اش ٥٨ : ٤ ـ ٧) ..» (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).

ذلك هو المذكور في العهدين دون ضمان لصحتها بخصوصياتها ، اللهم إلّا أصلا شاملا هو الصيام المكتوب على اليهود والنصارى بأسباب عدة واجبة او مستحبة وصيغة «الصيام» دون «الصوم» هنا مما تدل على زائد المعنى المرام ، فانها فعال مصدرا للمفاعلة ، وأصلها «الصوام» وصيغتها الأخرى «المصاومة والصوام».

فهي مصاومة بين الصائم وصومه ، فالصائم يكف عن نفسه ما يكف ، ونفس الكف يكفه زائدا عما يكف ، فهو تعبير آخر عن «تتقون» فما حافظت على صيامك يحافظ عليك صيامك.

فالصيام هو قضية الإيمان حيث يخاطب به المؤمنون ، يعم كل حقول الإيمان طول الزمن الرسالي ، ومن قضيته المرموقة العالية هي التقوى (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).

ذلك الاتقاء كخلفية مرجوّة للصيام يعم كل المحاظير روحية وجسدية ،

١٣

فردية وجماعية ، دنيوية واخروية أمّاهيه من حقول التقوى المفروضة على المؤمنين ، وقد نجدها ككلّ في الأحاديث المستعرضة لحكم الصيام وفوائده وعوائده ف : «صوموا تصحوا» (١) صحة في الأرواح والأبدان ف «لكل شيء زكاة وزكاة الأجساد الصيام» (٢) و «ليجد الغني مضض الجوع فيحنو على الفقير» (٣) و «لكي يعرفوا ألم الجوع والعطش فيستدلوا على فقر الآخرة وليكون الصائم خاشعا ذليلا مستكينا مأجورا محتسبا عارفا صابرا على ما أصابه من الجوع والعطش فيستوجب الثواب مع ما فيه من الإمساك عن الشهوات ويكون ذلك واعظا لهم في العاجل ورائضا لهم على أداء ما كلفهم ودليلا لهم في الآجل ، وليعرفوا شدة مبلغ ذلك على اهل الفقر والمسكنة في الدنيا فيؤدوا إليهم ما افترض الله لهم في أموالهم»(٤).

كل هذه بيان لأطراف ل (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) حيث تحلّق على كل ما يجب أن يتقى قضية الإيمان ام هو راجح ، فالصيام كسياج عام على كافة المحاظير الروحية والجسدية دون إبقاء ، وذلك كله إلى جانب كل ما يتكشف على مدار الزمن من آثار صحية للصيام ، ومن ذلك فرض الحمية على قسم من المرضى حيث تنفعهم أكثر من كافة الأدواء.

فالفوائد الصحية هي لزام الصوم شاء ام لم يشاء ، وفائدة التقوى عن المعاصي تحضيرية وباختيار ، لان الصائم أطلق لنفسه وأردع لها من مواقعة

__________________

(١) الدر المنثور ١ : ١٨٢ ـ أخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة قال قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اغزوا تغنموا وصوموا تصحوا وسافروا تستغنوا.

(٢) وسائل الشيعة ٧ : ٣ عن الفقيه عن الصادق (عليه السّلام).

(٣) المصدر عن حمزة بن محمد عن أبي محمد (عليهما السّلام).

(٤) المصدر عن العلل عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السّلام) قال : انما أمروا بالصوم ...

١٤

السوء ، ف «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فانه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطيع فعليه بالصوم فإن الصوم له وجاء» (١) «وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم) خصاء امتي الصيام والقيام» (٢) فانه يميت الشهوات ويشغل عن اللذات ويكسر النزوات.

ولقد «بني الإسلام ـ فيما بني ـ على خمس شهادة ألّا إله إلّا الله وأن محمدا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وإقام الصلاة وإيتاء الزكوة وصوم رمضان والحج» (٣).

ولأن الصيام مطلق في الكف فلا بد له من بيان لحدوده في هذه الشرعة كما حددت للذين من قبلنا ، ولم يذكر في هذه الآيات إلّا ثلاثة هي الأكل والشرب والرفث الى النساء ، مما يؤكد أنها هي الأصيلة في الكف لصيام الإسلام ، ثم هنالك فروع تبينها السنة.

فروع واجبة الرعاية في فقه الشرعة ، المذكورة في محلها ، واخرى تراعى في فقه السرّ والمعرفة ، ف «إذا صمت فليصم سمعك وبصرك وشعرك وجلدك و.. لا يكون يوم صومك كيوم فطرك» (٤) ف «ان الصيام ليس من الطعام والشراب وحده ، قالت مريم : (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً) ، اي : صمتا ، فإذا

__________________

(١) الدر المنثور ١ : ١٧٥ ـ أخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي والبيهقي عن ابن عمر عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال : بني الإسلام على خمس ...

(٢) كما في المنتقى ٦ : ١٠٦ نيل الأوطار عن ابن مسعود قال قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يا معشر الشباب ...

ورواه اصحاب الصحاح الست واحمد وأخرجه البيهقي ٤ : ٢٩٦ و ٧ : ٧٧ والمنذري في الترغيب والترهيب ٣ : ٤٠ والمحدث النوري في المستدرك عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

(٣) فيض القدير ٣ : ٤٤٠ عن احمد والطبراني الكبير.

(٤) الفقيه ٣ : ٦٧ والتهذيب ٤ : ١٩٤ والكافي ١ : ١٨٦.

١٥

صمتم فاحفظوا ألسنتكم وغضوا ابصاركم ولا تنازعوا ولا تحاسدوا» (١) ف «إذا صمت فليصم معك سمعك وبصرك من الحرام والقبيح ودع المراء وأذى الخادم وليكن عليك وقار الصيام ولا تجعل يوم صومك كيوم فطرتك» (٢).

وثالث هو الصيام عن كل ما سوى الله ، دون اتجاه في الحياة كلها الى غير الله ، فالأول صيام المؤمنين البسطاء ، والثاني للأتقياء الوسطاء ، والثالث للأولياء والعرفاء ، فهم جامعون بين هذه الثلاثة ، فليكن المؤمن دائم الصيام في المرحلة الثانية ثم الثالثة ، مهما اختص فرض الصيام الأول برمضان.

(أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ١٨٤.

آية فرض الصيام فرضته ـ كضابطة ـ على الذين آمنوا دونما استثناء ولا بيان لأيامه المعدودات ، وهذه تستثني عن فرضه جماعة وعن السماح له آخرين ، إذا فهنا تكاليف ثلاثية في حقل الصوم ، وهو أيام معدودات هي في الآية التالية بين (شَهْرُ رَمَضانَ) كأصل ، وعدة من ايام أخر قضاء عما فات.

وقيلة القائل : إن أياما معدودات هي ثلاثة أيام من كل شهر ويوم عاشوراء فقد كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والمسلمون يصومونها ثم نزل (شَهْرُ رَمَضانَ ..) فنسخ ذلك واستقر الفرض على رمضان.

إنها غيلة وغائلة على شرعة القرآن! فإن (شَهْرُ رَمَضانَ) بيان ل (أَيَّاماً

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٩٤ والكافي ١ : ١٨٧.

(٢) الفقيه ٤ : ٦٨ والتهذيب ٤ : ١٩٤ والكافي ١ : ١٨٧.

١٦

مَعْدُوداتٍ) وكونها ناسخة لها تقتضي استقلالها ، وهي تتمة بيان لمفروض الصوم زمنا وشروطا أخرى ، ف (شَهْرُ رَمَضانَ) خبر لمبتدء محذوف معروف من (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) هو هي ، والأحاديث المروية في ذلك النسخ منسوخة بمخالفة القرآن.

وهل المستثنى هنا عن فرضه في رمضان هو مطلق المريض والمسافر؟ ومن المرضى من ينفعهم الصيام لفرض الحمية عليهم صحيا أم رجحانه ، كمرضى ثقالة الأكل ، والمبتلين بثقل المعدة ، فقد يكون عليهم فرضان في الصيام ، فرض أول قضية تكليف الإيمان ، وفرض ثان صحة في الأبدان ، فقد هرف وخرف وانحرف القائل بإطلاق المرضى في سماح الإفطار سنادا الى الإطلاق المزعوم من «مريضا» كما (عَلى سَفَرٍ)! (١) ، ذلك كما ان من المسافرين من لا يعسره الصوم ، ف (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) تخرجهما عن (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ)!.

هنا فرضان هما الصيام ، وان يكون في رمضان ، وعاذرة المرض او السفر لا تعذر إلّا الثاني قدرهما ، فالمعذور مرضا او سفرا في رمضان يصومه بعد رمضان ، كلّا إذا حلّق العذر كله ، ام بعضا حين يختص أحدهما ببعضه ثم (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ..) بعد زوال العذر ، فإذا بقي المرض فلا بديل كما لا أصيل ، والمستفاد من الحكمة الحكيمة العامة في كافة التكاليف الشرعية (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) أن المرض المعسر في صيام رمضان او

__________________

(١) ذهب الى الإطلاق بعض إخواننا فأباح الإفطار بمطلق المرض قائلا : ان الله لم يخص مرضا دون مرض كما لم يخص سفرا دون سفر ، واليه ذهب ابن سيرين ، روي أنه دخل عليه قوم في شهر رمضان وهو يأكل فاعتل بوجع إصبعه ، واعتبر بعضهم ان يجهده الصوم جهدا لا يحتمل ، وأصحابنا توسعوا بين طرفي النقيض كما قلناه فاجمعوا عليه وتظافرت به أخبارهم.

١٧

السفر المعسر فيه ، هما يقضيان على فرض صيامه وعلى سماحه ، فان ظاهر التعبير او نصه تعيّن التكليف إذا بعدة من ايام أخر ، دون تخيير بينهما او سماح لصيام رمضان في عسر مرض او سفر.

وقد تعني (كانَ مِنْكُمْ) تعميق المرض فهو ـ إذا ـ معسر يزداد بصيام أم يتعسر علاجه أو يتأخر ، فلا تشمل المرض المستجد او الذي يحصل بصيام إلّا بحكمة عسره دون يسره.

والعسر عسران ، عسر في مرض او سفر فترك الصيام فيه عزيمة لا رخصة لظاهر النص : (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) وعسر في غير مرض ولا سفر وهو إطاقة الصوم ان يستأصل الطاقة دون حرج فصيامه رخصة ، وعسر هو حرج و (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) فهو كعسر المرض والسفر إذ لا رخصة ـ إذا ـ في صومه.

ان المرض العسر عسر والسفر العسر عسر ، فلا يسمح الله لعسر الصيام في عسر المرض او السفر ، ومن المرض الذي يعسر معه الصوم هو المعلوم او المظنون حصوله بالصوم او المحتمل عقلائيا ، او الذي يشتد او يصعب علاجه ام يتباطئ بالصوم ، كل ذلك يعسر معه الصوم ، مهما كان المذكور في (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً) هو المرض السابق على الصوم ، فان حكمة الحكم (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) توسّع نطاق المرض من الماضي الى الواقع حاله ، او المتوقع عنده او بعده أمّا ذا من عسر في الصوم : عسرا صحيا ام عسرا روحيا كالخائف ان يمرض بالصوم ، فان تكليفة بالصوم ـ إذا ـ تكليف بالعسير غير اليسير ، وقد تدل على حد المرض الذي لا يسمح معه الصيام معتبرة عدة كالموثق : سألته ما حد المرض الذي يجب على صاحبه فيه الإفطار كما يجب عليه في السفر (مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ)؟ قال : «هو مؤتمن عليه

١٨

مفوض اليه فان وجد ضعفا فليفطر فان وجد قوة فليصم كان المرض ما كان» (١).

والصحيح «الصائم إذا خاف على عينه من الرمد أفطر وكل ما اضربه الصوم فالإفطار له واجب» (٢).

ولأن (الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) «فذاك اليه هو اعلم بنفسه» (٣). والمعيار في المرض المعسر هو الأشخاص دون الأكثرية بخلاف السفر كما هو المستفاد من الآية والخبر.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٢٤ والاستبصار ٣ : ١١٤ عن سماعة قال سألته ...

(٢) الفقيه باب حد المرض الذي يفطر فيه الصائم عن حريز عن أبي عبد الله (عليه السّلام).

(٣) الوسائل ٧ : ١٥٧ ح ٥ عن عمر بن أذينة قال : كتبت الى أبي عبد الله (عليه السّلام) اسأله ما حد المرض الذي يفطر فيه صاحبه والمرض الذي يدع صاحبه الصلاة من قيام؟ قال : بل الإنسان ...

وفيه ح ٦ عن عمار بن موسى عن أبي عبد الله (عليه السّلام) في الرجل يجد في رأسه وجعا من صداع شديد هل يجوز له الإفطار؟ قال : إذا صدع صداعا شديدا وإذا حم حمّى شديدة وإذا رمدت عيناه رمدا شديدا فقد حل له الإفطار.

وفيه ح ٧ عن محمد بن عمران عن أبي عبد الله (عليه السّلام) في حديث القوم الذين رفعوا إلى علي (عليه السّلام) وهم مفطرون في شهر رمضان انه قال لهم : أسفر أنتم؟ قالوا : لا ، قال : فيكم علة استوجبتم الإفطار لا نشعر بها فإنكم أبصر بأنفسكم لان الله تعالى يقول (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ).

وفيه ح ٨ عن بكر بن أبي بكر الحضرمي قال : سأله أبي ـ يعني أبا عبد الله (عليه السّلام) ـ وأنا لم أسمع ما حدّ المرض الذي يترك معه الصوم؟ قال : إذا لم يستطع ان يتسحّر ، أقول عدم استطاعة التسحر يلازم عدم استطاعة الصيام من جهتين ، هما الجوع والعلة التي لا يستطيع من أجلها ان يتسحر.

وفيه ح ٩ علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السّلام) قال : سألته عن حد ما يجب على المريض ترك الصوم؟ قال : كل شيء من المرض أضرّبه الصوم فهو يسعه ترك الصوم.

١٩

وترى إذا صام المريض وهو يضر به هل يقضي ام يكفيه؟ ظاهر النص (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) وجوب القضاء صام أم لم يصم (١) ، اللهم إلّا إذا جهل الحكم قاصرا ام يجهل مرضه (٢) فلا قضاء عليه ، واما إذا صامه علما بالحرمة ثم تبين انه لم يضره فقد يقال انه لا قضاء عليه لأنه لا يشمله هنا (مَنْ كانَ مَرِيضاً) إذ لم يمرض او لم يضر بمرضه ، ولكنه يبقى اشكال نية القربة التي لا تجتمع مع العبادة ، وان العبادة بحاجة الى امر وهو هنا منفي وان كان في ظاهر الحال فالأقوى ـ إذا ـ وجوب القضاء ، ذلك حد المرض الذي يجب فيه الإفطار ، فما هو حد السفر؟ إنه :

(أَوْ عَلى سَفَرٍ) وطبعا هو السفر الذي يعسر معه الصوم بنفس الحكمة (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) فلا هو مطلق السفر ، ولا المحدد بثمانية فراسخ ، بل هو السفر المعسر في نفسه حيث يعسر فيه الصوم ، المحدد في المعتبرة ب «مسيرة يوم» وهي تختلف باختلاف وسائل السفر نوعيا ، فلكل زمن مسيرة يوم تختلف عن سائر الزمن.

__________________

(١) الوسائل ٧ : ١٦٠ ح ١ عن علي بن الحسين (عليهما السّلام) قال : فان صام في السفر او في حال المرض فعليه القضاء فان الله عزّ وجلّ يقول (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ).

(٢) وتدل عليه جملة من الصحاح منها صحيحة ليث عن أبي عبد الله (عليه السّلام) إذا سافر الرجل في شهر رمضان أفطر وان صامه بجهالة لم يقضه (الكافي ٤ : ١٢٨).

والتلازم الثابت بين القصر والإفطار يحكم بان الإفطار كالقصر كما الصوم مثل التمام كما في صحيح معاوية بن وهب عن الصادق (عليه السّلام) هما (يعني التقصير والإفطار) واحد إذا قصرت أفطرت وإذا أفطرت قصرت ، (رواه الصدوق في الفقيه).

وعليه يحمل ما رواه عقبة بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السّلام) عن رجل صام رمضان وهو مريض؟ قال : يتم صومه ولا يعيد(الوسائل ح ٢).

٢٠