الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ٣

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات فرهنگ اسلامى
المطبعة: اسماعيليان
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٥٢

فالقوي دون ريب ـ إذا ـ حرمة إنكاح غير المؤمنين المؤمنات ، وتختص حرمة نكاح غير المؤمنات بالمشركات ، مهما كان الأحوط تركه بالموحدات غير الكتابيات ، والجواز اقرب الى ظاهر «المشركات» فإنهن ـ فقط ـ الممنوعات هنا وتقيد بهن الكوافر في الممتحنة على تأمل ، ثم الداعي او الداعية الى النار يحرم إنكاحه ونكاحها بين المسلمين قضية الحكمة المنصوصة هنا لحرمة المشركين والمشركات (أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ).

ومهما كانت آية البقرة نازلة بشأن المشركات والوثنيات خاصة (١) ، فليست صيغة «المشركات» فيها ـ فقط ـ لرعاية شأن نزولها ، بل هي كضابطة في حرمة النكاح.

فان كانت الحرمة عامة بالنسبة لغير المسلمات ككل لكان صحيح التعبير عنهن «الكوافر» كما في الممتحنة ، فلتختص إذا حرمة نكاحهن بالمشركات منهن (حَتَّى يُؤْمِنَّ) فيجوز نكاح غير المشركة مبدئيا ما هي موحدة ، كتابية وسواها ، مهما صرحت المائدة ـ فقط ـ بالكتابية ، ولكن (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) الداخلات في الحل يوم نزول المائدة ، قد تلمح صارحة صارخة ان الخارجات عن الكوافر هن فقط «الكتابيات» فتبقى حرمة نكاح الكوافر على قوتها إلّا الكتابيات ، واما سائر الكوافر الموحدات غير المؤمنات ولا الكتابيات فهن باقيات تحت عموم التحريم ، أم هن عوان بين صريح التحريم والتحليل وعلّه أشبه حيث النص هنا يختص «المشركات» بالذكر ، وهي لا تشمل قطعا

__________________

(١) الدر المنثور ١ : ٢٥٦ ـ اخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر عن مقاتل بن حبان قال نزلت هذه الآية في أبي مرثد الغنوي استأذن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في عناق ان يتزوجها وكانت ذا حظ من الجمال وهي مشركة وابو مرثد يومئذ مسلم فقال يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) انها تعجبني فأنزل الله (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ ...).

٣٢١

الموحدات اللهم إلّا ان «الكوافر» شملت هذه الموحدات ، ثم لم يدل دليل قاطع على حلّهن الا لمحة اختصاص التحريم هنا بالمشركات ، ولكن لا تمانع بقاء حرمة سائر الكوافر ، لا سيما وان آية المائدة تختص الحل فيما بين الكوافر بالمحصنات الكتابيات.

ولان (حَتَّى يُؤْمِنَّ) هي بداية الحلّ كغاية للحرمة ، فقد تدل على حرمة نكاح المنافقات المسلمات ، فلو كان شرط الحل هو الإسلام الأعم من الايمان لكان الصحيح «حتى يسلمن» اللهم الا ان تعني (حَتَّى يُؤْمِنَّ) أوسع من إيمان القلب كما شملت الموحدات غير المسلمات كتابيات وغيرهن.

ذلك ، ولكن الدعوة الى النار حيثما حلت أخلت بحلّ النكاح ، من منافق او منافقة ، ام موحدة غير مسلمة كتابية وسواها ، ام مؤمن منحرف او مؤمنة كشارب الخمر أمن شابه ولكنهم كلهم على هامش المشركين ، فلذلك اختصوا بالذكر والمشركات.

(وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ) تنديدة شديدة بمن يعجبه جمال الأنثى دون كمالها وكما تحيله «لو» للمؤمنين ، ولقد مدح النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من تزوج أمته السوداء رغم ما طعن عليه ناس من المسلمين (١) فالإعجاب المستمد من الغريزة وحدها لا تشترك فيه مشاعر

__________________

(١) الدر المنثور ١ : ٢٥٦ ـ أخرج الواحدي عن طريق السدى عن أبي طالب عن ابن عباس في هذه الآية (وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ ..) قال : نزلت في عبد الله بن رواحة وكانت له أمة سوداء وأنه غضب عليها فلطمها ثم انه فزع فأتى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأخبره خبرها فقال له النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ما هي يا عبد الله؟ قال : تصوم وتصلي وتحسن الوضوء وتشهد ان لا اله الا الله وانك رسوله فقال يا عبد الله هذه مؤمنة فقال عبد الله فو الذي بعثك بالحق لأعتقها ولأتزوجها ففعل فطعن عليه ناس من المسلمين وقالوا نكح أمته وكانوا يريدون ان ينكحوا الى المشركين وينكحوهم ـ

٣٢٢

الإنسان العليا ، ولا يرتفع عن حكم الجوارح والحواس ، وجمال القلب اعمق وأغلى ، وحتى ان كانت المسلمة أمة دميمة ، فان ايمانها يرفعها على المشركة ذات الحسب والنسب والجمال ، فانه نسب الى الله وحسب بالله وجمال في الله.

ان المسلم والمشركة لا يلتقيان في اصل التوحيد ، فكيف يعيشان متضادين كمتعاضدين؟ ولكن المسلم والموحدة يلتقيان في عقيدة التوحيد مهما اختلفت خلفيات التوحيد في مثلث التوحيد القرآني والكتابي والأجرد منهما ، حيث التوحيد كيفما كان يصلح مبدء للسير نحو الكمال بدعوة الزوج المؤمن ، وحتى إذا لم تتغير فليست هي بالتي تغير زوجها عن إسلام التوحيد الى أجرده ام التوحيد الكتابي.

__________________

ـ رغبة في أحسابهم فأنزل الله فيهم (وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ ...)وفيه اخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل ابن حيان في الآية قال : بلغنا أنها كانت أمة لحذيفة سوداء فأعتقها وتزوجها حذيفة.

وفيه اخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد في مسنده وابن ماجة والبيهقي في سننه عن عبد الله بن عمرو عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال : لا تنكحوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن ان يرديهن ولا تنكحوهن على أموالهن فعسى أموالهن ان تطغيهن وانكحوهن على الدين فلأمة سوداء خرماء ذات دين أفضل.

وفيه اخرج البخاري ومسلم وابو داود والنسائي وابن ماجة والبيهقي في سننه عن أبي هريرة عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال : تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذلك تربت يداك.

وفيه اخرج مسلم والترمذي والنسائي والبيهقي عن جابر ان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال له : ان المرأة تنكح على دينها ومالها وجمالها فعليك بذات الدين تربت يداك.

وفيه اخرج الطبراني في الأوسط عن انس عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال : من تزوج امرأة لعزها لم يزده الله إلّا ذلا ومن تزوجها لمالها لم يزده الله إلّا فقرا ومن تزوجها لحسبها لم يزده الله إلّا دناءة ومن تزوج امرأة لم يرد بها إلّا ان يغض بصره ويحصن فرجه او يصل رحمه بارك الله فيها وبارك لها فيه.

٣٢٣

(وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ) تنديد بمن يستخف بضعفاء المؤمنين في اي حقل من الحقول ، ترجيحا للأغنياء عليهم ولا سيما الأغبياء غير المسلمين ، وقد قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في تفضيل الفقير على الغني بمعاكسة الايمان واللاايمان : «هذا خير من ملء الأرض مثل هذا» (١).

(أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) مشركين كانوا ام موحدين كتابين وسواهم ما لم يكونوا مؤمنين ، فان حياة الزوجية هي اقرب حياة ازدواجية خليطة من حيث التأثير للأقوى على سواه ، والرجل بطبيعة الحال هو أقوى من المرأة ، فدعوته الى النار أشجى من دعوتها ان كانت لها دعوة ، وحتى إذا لم تكن للكافر دعوة ودعاية قولية ، فعمله وعشرته الكافرين دعوة ، وحياته بكل جنباتها دعوة ، فتتاثر

__________________

(١) المصدر اخرج البخاري وابن ماجة عن سهل بن سعد قال : مرّ رجل على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال : ما تقولون في هذا؟ قالوا : حري إن خطب ان ينكح وإن شفع ان يشفع وإن قال أن يستمع قال ثم سكت فمر رجل من فقراء المسلمين فقال ما تقولون في هذا؟ قالوا : حري إن خطب ان لا ينكح وإن شفع ألا يشفع وإن قال لا يستمع فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هذا خير من ملء الأرض مثل هذا.

وفيه أخرج الترمذي وابن ماجة والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إن لا تفعلوا تكن في الأرض فتنة وفساد عريض.

وفيه مثله وزيادة : قالوا يا رسول الله وان كان فيه؟ قال : إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه ثلاث مرات.

وفيه اخرج الحاكم وصححه عن معاذ الجهني ان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال : من أعطى لله ومنع الله وأحب لله وابغض لله فقد استكمل ايمانه.

٣٢٤

الزوجة المؤمنة بطبيعة الحال فتتحول الى حاله والى النار.

ان الإشراك بالله في الزوجة عقبة فاصلة بين الزوج المؤمن (حَتَّى يُؤْمِنَّ) فإذا آمنّ وأقله الخروج عن الشرك فقد زالت العقبة الفاصلة ، إذ يلتقي هنا القلبان على توحيد الله ، ثم تأثير دعوة المؤمن وعمله الايماني وعشرته الايمانية تجذبها الى الزاوية الثالثة من الايمان وهي الإسلام ، فتسلم ـ إذا ـ الآصرة الإنسانية بينهما ، مما كان قد يعوّقها ويفسدها ، وقويت بتلك العقدة المتكاملة الجديدة عقدة العقيدة الإسلامية.

ففي زواج المسلم بغير المشركة ، موحدة كتابية ام سواها ، تأمن عقيدة المسلم من الانحراف ، حيث الهيمنة في حياة الزوجية هي للزوج ، فتبقى الهيمنة الاسلامية دونما معارض عريض.

وحصيلة البحث ان القدر المعلوم من حرمة النكاح والإنكاح هو بين المؤمنة والمشرك والمشركة والمؤمن ، ثم المؤمنة لغير المسلم.

كما المعلوم حلّه المحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب للمؤمنين المحصنين ، وأما الموحدة غير الكتابية للمسلم ففيها تردد والأشبه الحل لأصالة الحل بعد تناحر الأدلة بشأن حلها وحرمتها ، فآية الكوافر تقابلها آية المشركات ، والموحدة غير الكتابية هي من الكوافر وليست من المشركات ، وان كان الأحوط حرمتها استظهارا من آية المائدة تأمل.

ثم نقول : إن قضية المرحلية في تحريم الزواج كون آية النور هي الأولى حيث تحرمه في البعد الخلقي : الزنا ، ولما يحرّم في البعد

٣٢٥

العقيدي ، لمكان «إلا زان أو مشرك ـ إلا زانية أو مشركة».

ثم آية البقرة هذه هي الثانية حيث تضيف الى آية النور البعد العقيدي في أبعد تخلفاته «الشرك» كما وتنسخ آية النور في حل نكاح وإنكاح المشركة والمشرك للمسلمين مهما كانوا زانين.

ثم آية الممتحنة هي الثالثة لمكان دائرة البعد العقيدي «الكفر» : (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) حيث تضيف إلى الزانيات والمشركات سائر الكافرات.

ثم آية المائدة تنسخ الممتحنة بالنسبة للمحصنات من الذين أوتوا الكتاب ، وسائر الكوافر باقيات في عموم التحريم حسب آية الممتحنة ، فلا يجوز نكاح الموحدة غير الكتابية ، مهما جاز نكاح المثلثة الكتابية.

ذلك بالنسبة للنساء وأما الرجال ، فآية النور حرمت إنكاح الزانين إلّا بالزانيات والمشركات ، ثم آية البقرة نسختها بالنسبة للمشركين الا تحل لهم المسلمات وان كن زانيات ثم (إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ ... فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) قبل (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ ..) تدل بصراحة أن المؤمنات لا يحللن للكفار وهم غير المؤمنين ككل ، موحدين وسواهم ، أهل كتاب وسواهم ، والزوجة تنتقل بزواجها الى أسرة الزوج وآصرته ، والأولاد منتسبون أصالة الى الزوج ، كما هم محكومون اسلاميا بحكم الآباء ، وذلك عكس لعكسه أن تتزوج مسلمة بغير مسلم مهما كان موحدا كتابيا ، حيث تعكس الهيمنة والأسرة والآصرة والانتساب ، فتعيش بعيدة عن قومها وقد يفتنها ضعفها عن إسلامها ، كما أن أبناءها يدعون الى زوجها ، فتسقط هيمنة

٣٢٦

الإسلام مبدئيا في حياتها الزوجية ، وتستقر سبيل الكافر على المؤمنة قضية طبيعة الزوجية.

والإسلام يحافظ على هيمنته في كل الحقول فردية وجماعية ، ابتداء من حياة الزوجية في بناية المجتمعات ، فانها تبناها على أية حال ، لأنها أعرق الصلات وأعمق الاتصالات في كافة الجهات والجنبات.

وحين تصبح الهيمنة في حياة الزوجية للزوجة ، فإذا كانت كافرة تصبغ بيتها وأولادها وزوجها بصبغتها ، أصبح الزواج محرما بنفس السند (أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ).

وإنما يتحدث القرآن فيما يحكم في جو الهيمنة الإسلامية في حياة الزوجية ، أنها للزوج كأصل حيث (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ) فيحرّم إنكاح الكفار إطلاقا ، في حين يسمح بنكاح غير المشركات ، ولكن الأصلان دائما مرعيان ، عدم السبيل للكافر على المؤمن ـ أولئك يدعون الى النار فحين تتحقق سبيل للكافر على المؤمن أو دعوة الى النار فهو المحظور في الأساس سواء في حقل الزواج أم سواه.

ثم (أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) وعلى ضوء (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) منعت إنكاح أي كافر مسلمة وان كانت زانية ، حتى وان لم يدعها الى الكفر ، فلأن خطر إنكاح الكافر أكثر من نكاح الكافرة نرى أدلة إنكاحه أكثر من أدلة نكاحها.

وقد يأتي القول الفصل في شروط نكاح الكتابيات للمسلمين على ضوء آية المائدة.

وبذلك الترتيب الأديب تبين حكم النكاح والإنكاح المحظور في زواياهما الرئيسية.

٣٢٧

(وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) ٢٢٢.

لم يذكر المحيض في القرآن إلّا ثلاثا ثالثها : (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ..) (٦٥ : ٤).

وهو من الحيض وأصله السيلان من حاضت السمرة : سال صمغها وهو ماء أحمر ، ويسمى الحوض حوضا لسيلان الماء فيه ام سيلان ماءه إلى سواه.

ثم «المحيض» مفعل من الحيض ، جاءت مصدرا واسما واسم مصدر واسم زمان كالمقيل واسم مكان كالمبيت ، وقد يعني السؤال هنا الحيض صادرا ومصدرا وزمانا ومكانا ، كما هو قضية «المحيض» في شمولها لهذه الخمس ، إلّا ما قد يخرج منها بقرينة كما في المحيض الثاني ، حيث الاعتزال لا يناسب إلّا زمان الحيض بمصدره واسمه ، واما المكان فلا يناسبه «في» بعد «فاعتزلوا» كما لا يناسب اسم المصدر وهو حاصله اصل الاعتزال.

ثم الجواب المركب من (هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا ..) قد يؤكد شمولية المعنى ، حيث الأذى ليس زمان الحيض ولا مكانه ، وانما هو الحيض السيلان مصدرا بسببه ونتيجة السيلان

اسم مصدر وهو الحال التي عليها الحائض في حيضها ، ثم امر باعتزال النساء في زمان الحيض ككل الشامل للدبر ، اعتزالا عن كل الإرب الأنثوية منهن وأقلها الجماع في المخرجين.

ولأن «يسألونك» مضارعة تلمح لسؤال مستمر على مر الزمن ، والقرآن كتاب لكل الزمن ، فليعن السؤال هنا كل سؤال عن كل محيض ، ثم الجواب جواب عن كل سؤال عن المحيض ، سواء سبق ام لحق ما يختص بحقل الشرع ام زاد.

٣٢٨

ف «أذى» جواب عن كل سؤال حول اصل الحيض بسببه وحالته كواقع ، ثم «فاعتزلوا ..» بيان لحكم الحائض في عشرتها الأنثوية مع الرجال بسبب أنها في أذى قد تسري الى الزوج والى الأجنة ، كما قد تزداد في الحايض نفسها.

فقد تعني حالة الأذى للحائض كلّ هذه الثلاث ، مهما اختلفت آثارها في كلّ حسب مختلف الحالات والمجالات.

وترى ما هي «أذى»؟ فهل هو الضرر؟ ولا يخلو عن نظر! فانها قد تقابل بالضرر : (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً) (٣ : ١١١) وقد لا تقبل الضرر : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) (٣٣ : ٥٧) فان الله لا ينضرّ بأي ضرر!.

أم هي المرض؟ وقد قوبلت به (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى) (٤ : ١٠٢) ثم المرض والضرر غير مسموعين والأذى مما قد يسمع : (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً) (٣ : ١٨٦) (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) (٢ : ٢٦٤) مهما كانت مما يصيب الإنسان في جسمه كما في المحيض (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ) (٢ : ١٩٦).

قد تعني أذى هنا الانحراف في المزاج عن حالة الاعتدال عوانا بين الصحة والمرض في الحائض ، وما أشبهه في الزوج الذي يقاربها ، والجنين الذي تنعقد نطفته حال الحيض (١) فليست هي المرض المسري الذي يتطلب مفارقة الحائض

__________________

(١) الدر المنثور ١ : ٢٥٩ ـ أخرج ابن المنذر عن أبي إسحاق الطالقاني عن محمد بن حمير عن فلان بن السرى ان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال : اتقوا النساء في المحيض فان الجذام يكون من أولاد الحيض ، وفيه مثله كما اخرج ابو العباس السراج في مسنده عن أبي هريرة قال قال رسول ـ

٣٢٩

في المسكن والمأكل والمشرب حالة الحيض كما كانت من شيمة اليهود (١) ولا هي الصحة الكاملة التي تسمح لها التداوم في كل الإرب الأنثوية كما كانت تفعله النصارى ، بل هي عوان بين الحالين ، فلا هي مرفوضة ككلّ ولا مفروضة على زوجها كسائر حالاتها (فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ ..)

وهل «المحيض» في واجب اعتزال النساء هو المحيض المسئول عنه؟ إنه المأتى : محيض المكان قبلا ، ثم والمأتى دبرا وهو دبر القبل أذى وحالة المحيض المصدر والمحيض الاسم اللهم إلّا اسم المصدر على تأمل.

ولو كان القصد الى خصوص مكان الحيض وهو القبل لأتى باسمه الخاص ، وقد يقرّب القصد العام (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ ..) حيث القرب المسموح

__________________

ـ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «من أتى امرأته وهي حائض فجاء ولده أجذم فلا يلومن إلا نفسه» أقول ورواه مثله في الفقيه عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

(١) الدر المنثور ١ : ٢٥٨ ـ في اخراجات عدة عن أنس ان اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم أخرجوها من البيت ولم يواكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيوت فسئل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن ذلك فأنزل الله الآية. فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) جامعوهن في البيوت واصنعوا كل شيء إلّا النكاح فبلغ ذلك اليهود فقالوا : ما يريد هذا الرجل ان يدع من أمرنا شيئا إلّا خالفنا فيه فجاء أسيد بن حضير وساد بن بشر فقالا يا رسول الله ان اليهود قالت كذا وكذا فلا نجامعهن فتغير وجه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حتى ظننا ان قد وجد عليهما فخرجا فاستقبلهما هدية من لبن الى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأرسل في اثرهما فسقاهما فعرفا انه لم يجد عليهما أقول : «إلا النكاح» يعم المأتيين ، فهل إذا أتاها من دبرها ما نكحها؟.

وفيه اخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس ان القرآن انزل في شأن الحائض والمسلمون يخرجونهن من بيوتهن كفعل العجم فاستفتوا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في ذلك فأنزل الله الآية فظن المؤمنون ان الاعتزال كما كانوا يفعلونه بخروجهن من بيوتهن حتى قرأ آخر الآية ففهم المؤمنون ما الاعتزال إذ قال الله لا تقربوهن حتى يطهرن.

٣٣٠

أنثويا قد يعم المأتيين قبلا ودبرا ، وكيف يخرج وطئها دبرا عن قربها كأنثى ، مهما كان القبل أشد محظورا من الدبر حالة الحيض ، معاكسة لحالة الطهر التي قد يحظر فيها وطئها دبرا أم هو مرجوح!.

ذلك ، وليس فحسب الحظر عن وطئ الحائض قبلا ودبرا ، حيث الصيغة الصالحة له «ولا تطؤا او لا تقاربوا» دون «فاعتزلوا ـ ولا تقربوا» ولم يأت القرب في القرآن ولا مرة يتيمة بمعنى المقاربة ، فهو أعم منها ، فكيف لا يشمل الوطء في الدبر؟ فقد تعني الاعتزال والقرب هنا ـ فيما عنت ـ اعتزال المماسة الجسدية وقد حدّدت فيما ثبت عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) باتزارهن في المحيض (١) ، فما بين السرة والركبة ـ إذا ـ داخل في حد الاعتزال ، فبأحرى

__________________

(١) الحديث عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قولا واحدا او هو الاكثرية المطلقة او الساحقة من المروي عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في اعتزال الحائض هو ما بين السرة والركبة ، ومن طريق أصحابنا مثل الصحيح عن عبيد الله العلي الحلبي وعن حماد بن عثمان انه سأل أبا عبد الله عن الحائض ما يحل لزوجها؟ قال : تتزر بإزار الى الركبتين وتجمع سرتها ثم له ما فوق الإزار ، (الفقيه ١ : ٥٤ والتهذيب ١ : ١٥٤ والاستبصار ١ : ١٢٩).

وموثق أبي بصير بعد ان سأل عن الحائض ما يحل لزوجها منها قال : تتزر بإزار الى الركبتين وتخرج ساقيها وله ما فوق الإزار ، ورواه مثله الدعائم عن الصادق (عليه السّلام) ما في التهذيب والاستبصار عن حجاج الخشاب قال : سألت أبا عبد الله (عليه السّلام) عن الحائض والنفساء ما يحل لزوجها منها فقال : تلبس درعا ثم تضطجع معه.

ومنها ما يمنع عن مطلق وطئها الشامل لدبرها كما في جامع الأحاديث ٣ : ٥٢٧ عن الدعائم روينا عن اهل البيت (عليهم السّلام) في الحائض «وحرم على زوجها وطئها حتى تطهر ... وفيه عن فقه الرضا (عليه السلام) وإياك ان تجامع المرأة حائضا» وفيه عن الجعفريات بسند متصل ان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال : «من أتى حائضا فقد كفر» وفيه عن العوالي عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في حديث : انما أمرتكم ان تعتزلوا مجامعتهن إذا حضن ولم آمركم باخراجهن كفعل الأعاجم.

٣٣١

وفيه عن التهذيب والاستبصار احمد بن محمد عن البرقي عن إسماعيل عن عمر بن حنظلة قال قلت لأبي عبد الله (عليه السّلام) ما للرجل من الحائض؟ قال : ما بين الفخذين.

وقد ورد المنع عن ممارسة كل الارب الأنثوية مع الحائض حتى تطهر كما في جامع الأحاديث عن التهذيب بسند متصل عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال سألت أبا عبد الله (عليه السّلام) عن الرجل ما يحل له من الطامث؟ قال : لا شيء حتى تطهر.

هذا وفي جامع الأحاديث تأييد ذلك كالتالي : وتقدم في رواية خلف بن حماد (٨) باب (٣) قوله (عليه السّلام): وليمسك عنها زوجها حتى ترى البياض وقوله (عليه السّلام) وليمسك عنها بعلها ، وفي رواية زرارة (٣) من باب (٧) حكم الاستظهار لذات العادة قوله : فإذا حلت لها الصلاة حل لزوجها ان يفشيها وفي رواية الدعائم (٤) باب (١٢) قوله (عليه السّلام) وحرم على زوجها وطئها.

أقول : فلم يرد في حصر الحرمة في وطئها في قبلها إلّا شذوذ لا تعد وروايات ثلاث ضعاف ، فكيف تعارض الكتاب وهذه الأحاديث التي هي بين صريحة في التحريم المطلق بين السرة والركبة ام تحريم مطلق الوطء؟.

وقد اخرج واجب الاتزار على الحائض في المضجع جماعة منهم ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وابو داود وابن ماجة عن عائشة قالت : كانت إحدانا إذا كانت حائضا فأراد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ان يباشرها أمرها ان تتزر في فور حيضها ثم يباشرها ، قالت : وأياكم يملك إربه كما كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يملك اربه ، واخرج مثله ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وابو داود والبيهقي عن ميمونة.

وفيه اخرج ابن ماجة عن معاوية بن أبي سفيان انه سأل ام حبيبة كيف كنت تصنعين مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الحيض؟ قالت : كانت إحدانا في فور حيضها اوّل ما تحيض تشد عليها إزارا إلى أنصاف فخذيها ثم تضطجع مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

وفيه اخرج ابو داود وابن ماجة عن عبد الله بن سعد الأنصاري انه سأل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ فقال : لك ما فوق الإزار.

وفيه اخرج احمد وابو داود عن معاذ بن جبل قال سألت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عما يحل للرجل من امرأته وهي حائض؟ قال : ما فوق الإزار ، والتعفف عن ذلك أفضل. أقول : ـ

٣٣٢

الدبر بعد القبل أن يعتزل ، فالآية ـ إذا ـ نص في حرمة إتيانهن في المأتى وسواه ، لا فحسب ، بل وذلك المثلث في حقل الاعتزال هو القدر المعلوم المتيقن منه في المحيض ، فهو ـ إذا ـ زمان الحيض الشامل لمكانه وسواه ، وطئا وسواه ما بين السرة والركبة.

ومتعارض الأحاديث هنا معروض على الآية الناطقة بظهورها الجلي في مثلث اعتزالهن ولا سيما في الجماع قبلا ودبرا ، فيقبل الموافق ويطرح او يئول المخالف وغير الموافق.

فالأخبار الناطقة بجواز التفخيذ (١) وبأحرى الناطقة باختصاص الحرمة جماعا بموضع الدم (٢) هي تعارض القائلة بعد مهما ولا سيما المصرحة بان له ما

__________________

ـ علّ «ذلك» هو فوق ما فوق الإزار ، فان ما تحت الإزار محظور فلا يناسبه أفضل تركا.

وفيه اخرج مالك والبيهقي عن زيد بن اسلم ان رجلا سأل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال : ما ذا يحل لي من امرأتي وهي حائض فقال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لتشد عليها إزارها ثم شأنك بأعلاها.

وفيه اخرج ابن أبي شيبة وابو يعلى عن عمر قال سألت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ما يحل للرجل من امرأته وهي حائض؟ قال : ما فوق الإزار.

وفيه اخرج الطبراني عن ابن عباس ان رجلا قال يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مالي من امرأتي وهي حائض؟ قال : تشد إزارها ثم شأنك بها ، وفيه اخرج ابن أبي شيبة واحمد وعبد بن حميد والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي في سننه عن أبي هريرة عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال : من أتى حائضا او امرأة في دبرها او كاهنا فقد كفر بما انزل على محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

(١) في التهذيب ١ : ١٥٤ ح ٤٤٢ والاستبصار ١ : ١٢٩ ح ٤٤٠.

(٢) كما في الاستبصار ١ : ١٢٨ ح ٤٣٧ وفي جامع الأحاديث ٣ : ٥٣١ عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال : إذا حاضت المرأة فليأتها زوجها حيث شاء ما اتقى موضع الدم. وفي التهذيب (١ : ١٥٤ ح ٤٣٦) عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السّلام) في الرجل يأتي ـ

٣٣٣

فوق الإزار وحرام تحت الإزار (١) والأصل هو الآية الظاهرة في مثلث المحظور.

بل لو لا (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ) لكان اعتزالهن دالا على كل اعتزال ، ولكن «لا تقربوهن» تحدد الاعتزال بما فيه القرب الجنسي الأنثوي بمقدماته القريبة وهي ما بين السرة والركبة حيث القرب أعم من المقاربة.

ذلك ، وأذى الحائض جسديا ونفسيا ، وأذى ريحة الدم الفاسد النتن ، وأذى التلطخ بذلك الدم ، ثم سائر الأذى للزوج والجنين ، كل هذه تتطلب ذلك الاعتزال ، دون اللّااعتزال المطلق كما تفعله النصارى بلا فارق بين حالتي الحيض والطهارة ، ولا الاعتزال المطلق الذي تفعله اليهود عزلا للحائض عن بيت الزوجية كأنما هي حيوان نجس بل وأنجس من اي نجس! إنما هو اعتدال في الاعتزال ، ان يعتزل الزوج الرغبات القريبة الجنسية ، إبقاء لها لحالها الطبيعية لا مرفوضة مرضوضة ، ولا مفروضة كزوجة لكلّ تطلبات الزوجية ، بل كمريضة تدارى وتداوى بكل حنان ورحمة ، دون أية قسوة وزحمة ، ودون تحريك للشهوة ، حيث تمحور المواضع الحساسة وهي في الأغلبية الساحقة او المطلقة تكون في أسافل المرأة ما بين السرة والركبة ، فلا دور للقبلة واللعب بثديها إلّا التهيئة ، ثم مفاتنها التحتانية ، ومن ثم المجامعة قبلا او دبرا.

ثم «فأتوهن» بيان لحد واجب الاعتزال ومحرم القرب ، فإتيان النساء هو

__________________

ـ المرأة فيما دون الفرج وهي حائض؟ قال : «لا بأس إذا اجتنب ذلك الموضع» وفيه عن عمار بن عبد الملك سألت أبا عبد الله (عليه السّلام) ما لصاحب المرأة منها؟ فقال : كل شيء ما عدا القبل بعينه.

(١) الدر المنثور أخرج الطبراني عن عبادة أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) سئل ما يحل للزوج من امرأته وهي حائض؟ قال ما فوق الإزار وما تحت الإزار منها حرام.

٣٣٤

وطئهن قبلا او دبرا بمقدماتها المحركة والمهيئة ما بين السرة والركبة ، ام ولا أقل من مطلق وطيهن ، فهل الذي وطئ امرأته دبرا لم يأتها؟.

فواجب اعتزالهن حالة الحيض وحرمة قربهن وإتيانهن ، تصاريح ثلاث بحرمة وطئهن مطلقا لأقل تقدير ، ثم المفاتن القريبة المقربة للوطي وهي ما بين السرة والركبة.

ولا دور هنا لحمل اخبار المنع على التقية ، بمجرد أنها توافق العامة ، إلّا ان تحمل معها الآية على التقية ، فما دامت الآية ظاهرة الدلالة على المنع فهي المرجع في مختلف الأحاديث دون الآراء ، وميزانية التقية التي هي آخر الموازين في مختلف الحديث.

وأما ان «أذى» لاختصاصها بموضع الحيض تختص الحرمة بنفسه فيرده ان «أذى» هي حالة الحايض عند الحيض ، لا أنها تخص خصوص موضع الحيض ، بل هو أذى عامة للمرأة الحائض.

فمهما كانت المباشرة في المحيض قد تحقق اللذة الحيوانية العمياء ، على أذاها للزوجين والأجنّة ، فليست لتحقق الهدف الأسمى فضلا عن انصراف الفطرة السليمة النظيفة عنها في تلك الفترة الأذى ، وهي حالة لا يصح فيها غرس صالح ولا حرث فالح ، بل هي نفرة روحية جسدية تنفر عنها الفطرة السليمة الإنسانية ، وكفارة الجماع في تلك الحالة بمختلف أقدارها الثلاثة ليست إلّا تنبيهة للمتخلف ، رادعة له عن تكرار التخلف ، واستغفارا عمليا بعد ما يتوب واقعيا.

وترى المحيض أذى بمجرد حيض الدم وفيضه؟ فكذلك الاستحاضة فلما ذا لا يشملها الاعتزال؟ لأن دم الحيض دم فاسد يتولد من فضلة تدفعها طبيعة المرأة من طريق الرحم ولو احتبست تلك الفضلة لمرضت إذا ، فهي أذى كالبول

٣٣٥

والغائط ، واما دم الاستحاضة فهو دم صالح يسيل من عروق تنفجر في عمق الرحم فلا يكون أذى وكما في حديث الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) «انه عرق انفجر» ولكن دم الحيض كما يصفه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) «أسود ثخين محتدم يخرج برفق له رائحة كريهة وهو بحراني» (١).

وترى متى يرفع الخطر عن وطئهن ، أبعد الطهارة بانقطاع الدم ام بعد التطهر بالغسل ام بالاغتسال؟ نص الآية (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) هو الأول حيث الطهارة هي عن دم الحيض والتطهر هو الطهارة عن حدث الحيض وخبثه فهناك مراحل ثلاث ، الأولى انقطاع الدم دون غسل للمخرج فهي طاهرة قذرة دون أذى حيث انقطعت بانقطاع الدم ، والثانية غسل المخرج بعد الانقطاع وقبل الغسل ، والثالثة الغسل.

ف (حَتَّى يَطْهُرْنَ) الظاهرة في طهارتهن عن فيض الحيض وهي انقطاعه ، قد تعني ـ فقط ـ نفس الانقطاع كما وان أذى لم تكن إلّا قبله ، فواجب الاعتزال محدد بما قبله ، فإذا انقطع فلا أذى فلا اعتزال ، ثم و (فَإِذا تَطَهَّرْنَ) تعني الأخريين ، طهارة عن خبث المخرج واخرى عن حدث الحيض ، وأصل التطهر وهو التكلف في الطهارة ، هو الطهارة الشاملة للمتطهر ككلّ ، دون عضو منه خاص إلّا بدليل خاص ، ومن الشاملة (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا).

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ٦ : ٦٤ قال (عليه السّلام) في صفة دم الاستحاضة انه ... ودم الحيض انه ... وفي الوسائل ب ٣ من أبواب الحيض صحيح حفص بن البختري قال : دخلت على أبي عبد الله (عليه السّلام) امرأة فسألته عن المرأة يستمر بها الدم فلا تدري حيض هو او غيره؟ قال فقال لها : ان دم الحيض حار عبيط اسود له دفع وحرارة ودم الاستحاضة اصفر بارد فإذا كان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة ، فخرجت وهي تقول : والله لو كان امرأة ما زاد على هذا.

وفيه صحيح معاوية بن عمار قال قال ابو عبد الله (عليه السّلام): ان دم الاستحاضة والحيض ليس يخرجان من مكان واحد ان دم الاستحاضة بارد وان دم الحيض حار.

٣٣٦

إذا ف (حَتَّى يَطْهُرْنَ) دليل أولا على نجاسة دم الحيض ، وثانيا على حلية قربهن عند انقطاعه مهما كانت على مرجوحية مستفادة من الأمر في (فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ ..) حيث الأمر باتيانهن ليس ليفيد الوجوب فانه بعد حظر ، ولا الجواز المطلق فانه مستفاد من (حَتَّى يَطْهُرْنَ) إذا فهو سماح لاتيانهن دون أية غضاضة ، لا حرمة وقد مضت بانقطاع الدم (حَتَّى يَطْهُرْنَ) ولا غضاضة دونها وقد انقضت بالاغتسال : (فَإِذا تَطَهَّرْنَ ..) كما وهو دليل واجب الغسل عن الحيض ، فالأحاديث المتعارضة في ذلك معروضة على القرآن ، تصديقا للموافق منها وطرحا او تأويلا لما سواه (١).

ذلك وكما ان قراءة «يطّهرهن» بالتشديد خلاف تواتر القرآن في قراءة التخفيف فالقوي دون تردد جواز وطئها بانقطاع الدم على غضاضة وبعد الغسل اقل غضاضة ، ثم لا غضاضة بعد الغسل.

وترى بعد على ما ذا تدل (حَتَّى يَطْهُرْنَ)؟ أعلى خبثها؟ وهو باق بانقطاع

__________________

(١) كما في الوسائل الباب ٢٧ من أبواب الحيض مثل الصحيح عن محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السّلام) في المرأة ينقطع عنها دم الحيض في آخر أيامها؟ قال : إذا أصاب زوجها شبق فليأمرها فلتغسل فرجها ثم يمسها ان شاء.

وفيه الموثق عن علي بن يقطين عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال سألته عن الحائض ترى الطهر ا يقع عليها زوجها قبل ان تغتسل؟ قال : لا بأس وبعد الغسل أحب الي.

وفيه الموثق عن عبد الله بن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال : إذا انقطع الدم ولم تغتسل فليأتها زوجها ان شاء.

أقول : وتعارضها كما تعارض الآية اخبار اخرى فيه كالموثق عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال : سألته عن امرأة كانت طامثا فرأت الطهر أيقع عليها زوجها قبل ان تغتسل؟ قال : لا حتى تغتسل قال : وسألته عن امرأة حاضت في السفر ثم طهرت فلم تجد ماء يوما او اثنين أيحل لزوجها ان يجامعها قبل ان تغتسل؟ قال : لا يصلح حتى تغتسل ، ومثله الموثق عن ابان بن عثمان عن عبد الرحمن ... وقد يعني «لا يصلح» غضاضة دون الحرمة.

٣٣٧

الدم حتى تغسل موضع الدم! ام على حدثها؟ وهو باق حتى تغتسل!.

إن لكلّ من خبث الحيض وحدثه مرحلتين ، فالأولى هي حالة فيض الحيض فهي ـ إذا ـ قذرة بسائل الدم كما هي محدثة به. ولا انقطاع لهما بغسل او غسل ، فقد تفيهما (حَتَّى يَطْهُرْنَ) فانها طهارة نسبية وقد انقطعت حالة الحيض فما هي الآن حائضا مهما كانت محدثة بحدثه وانقطع سيل الدم ، فبإمكانها التطهر عنهما بغسل وغسل ، وهذه هي الطهارة المعنية ب (حَتَّى يَطْهُرْنَ).

ثم الطهارة الثانية هي المعنية ب (فَإِذا تَطَهَّرْنَ) الشاملة للتطهير الشامل بالغسل.

إذا فقد تدل (حَتَّى يَطْهُرْنَ) على خبث الحيض وحدثه المستمر دون نفسه المنقطع بانقطاع الدم ، ثم (فَإِذا تَطَهَّرْنَ) تدل على الحدث المستمر حتى تغتسل ، فحدث الحيض ـ إذا ـ حدثان اثنان ، يزول أولهما بانقطاع الدم فيحكم لها بأحكام الطهارة والنقاء الا ما يشترط فيه الغسل ، ويزول الثاني بالغسل.

فلكلّ من الحدثين والطهارتين أحكامها الخاصة مهما اشتركا في أحكام في الحالتين كحرمة الصلاة والطواف ودخول المسجد.

ومن الأحكام الخاصة بالطهارة الأولى جواز الطلاق ومضي العدة وجواز الوطء مهما كان مرجوحا ، واضرابها.

(فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) وترى ما هو ذلك الحيث المأمور به؟ وما هو الأمر ولا امر إيجابيا بإتيانهن؟ وما هو الحيث غير المأمور به او المنهي عنه.

«فأتوهن» لا تعني إيجابا لأنها عقيب صريح الحظر (فَاعْتَزِلُوا ... وَلا

٣٣٨

تَقْرَبُوهُنَّ) وعقيب تلميح لما دون الحظر (حَتَّى يَطْهُرْنَ) مقابلة ل (فَإِذا تَطَهَّرْنَ) فهي ـ إذا ـ سماح دون حضاضة حيث السماح بحضاضة مستفاد من (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) ، و (مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) قد يعني المكان المسموح منهن لاتيانهن ، الشامل لزمانه وكافة الحالات المسموحة ، حيث الحيث لا تعني كأصل اللغة الا المكان مهما شملت الزمان ضمن المكان.

فقد يستثنى بذلك الأمر كل موارد النهي كحالة الصيام والاعتكاف والظهار واللعان وفي المساجد امّا ذا من زمان ومكان وحالة محظورة عن الإتيان.

هذه ـ ولكن (مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) ليست لتعني كل موارد السماح إلّا هذه ، حيث العبارة الصالحة لها : «فأتوهن إلا من حيث نهاكم الله» فقد تعني (مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) احد المأتيين مكانا ، ولا شك هو القبل ، والأمر هو السماح مهما شمل كل أبعاده حتى الوجوب والكراهية ، هذا مهما كان مما أمر هو أمر الزواج فلا يجوز إتيانهن دون زواج أم سائر الحلّ.

ومما أمر بعد نهي هو الرفث ليلة الصيام : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ ... فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ ..) (٢ : ١٨٧) ومما كتب الله طلب الولد بتلك المباشرة ، كما ومما نهى (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ) صراحا ، ومنه الرفث نهار الصيام المستفاد حرمته من (أُحِلَّ لَكُمْ ..) ومما أمر هو إتيانهن في كل اربعة أشهر عند المكنة وهو أمر جازم ، ومما أمركم الله من حيث أمركم ان تعتزلوهن ، فكما وجب الاعتزال يجوز الإتيان حذوا بحذو.

ومتى امر الله بذلك الحيث واين امر؟ انه أمر صراحا في الآية التالية (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ ..) حيث تشمله

٣٣٩

«ما أمركم الله» وأهم الأمر وأفضله هنا أمر الإيلاد ، مهما كان مجرد الأمر به لا يمنع عن السماح لسواه ، كان يطأ في القبل ولا يمني او يفرغ ، فحين لا نجد نهيا عما سوى الاستيلاد ، فقد لا يكون الأمر بسواهما ناهيا عما سواه ، وتضارب الأحاديث في وطئ أدبار النساء معروض على القرآن وعلّه الظاهر في اطلاق التمتع بالنساء ، خرج ما خرج زمانا او مكانا وسواهما وبقي ما بقي تحت إطلاقات الجواز ومنها (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ).

ولكن الأشبه الحرمة لتواتر أحاديثها عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والائمة من آل الرسول (عليهم السّلام) ، وظاهر اطلاق التمتع غير ظاهر إلّا من مواصفات ثلاث للزوجين : (هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ) (٢ : ١٨٧) (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) (٣٠ : ٢١) وكون الأنثى سكنا ليس ظاهره اطلاق الشهوة بل الشهوة الجنسية المتعوّدة من النساء ، فضلا عن كونهن لباسا فانكم ايضا لهن لباس ، فأين ظاهر جواز وطيهن في أدبارهن ، ثم وآية الحرث وهي الثالثة من المواصفات هي بين صريحة او ظاهرة جليه في خصوص إتيانهن في المأتى وهو منبت الإخصاب لا سواه ، وكما تعنيها فيما عنت (مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) حيث الأمر هو السماح وهو خاص بالقبل ، فلو لم يختص لم يكن دور ل (مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) اي سمح ، وان لم يدل ذلك الأمر على شيء فلا أقل من دلالته على واجب السماح في إتيانهن ، ولا سماح في إتيانهن من أدبارهن ، بل وآية الحرث ناهية عمه إضافة إلى قاطع السنة.

ثم و (هؤُلاءِ بَناتِي إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) (١٥ : ٧١) قد تعني خفة الحرمة في وطي النساء من أدبارهن لا سيما وهن محللات ، فليست ظاهرة في طليق الحلّ لإتيانهن من أدبارهن.

٣٤٠