الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ٣

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات فرهنگ اسلامى
المطبعة: اسماعيليان
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٥٢

(فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) ٢٠٠.

قضاء المناسك هو الانتهاء عنها كلها حيث لا يبقى منسك إلّا مقضيا ، فليس إلّا بعد ايام معدودات والطوافين والسعي بينهما ، ام هي أصول المناسك ـ إذا ـ ف «قضيتم» تقضي بوجوب الطواف والسعي قبل أيام التشريق لمكان (وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ ..) بعد «قضيتم».

فقبل قضاء المناسك لا ذكر إلّا ذكر الله ، منحصرا في الله منحسرا عما سواه (فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ) مع سائر الذكر التي تتطلبها حياتكم المتعودة حسب الحاجة.

(فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ) لا أن تذكروهم ـ فقط ـ دون الله ، ولا دون ذكر الله ، بل لا أقل من ذكره (كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ) في عديده ، لا في مادته وكيفه ومديده ، بل ذكر الله لأنه الله كما يحق لساحة قدسه ، وذكر الآباء كما يحق ساحة عبوديتهم ، دون إفراط هنا ولا تفريط هناك.

(أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) شدّا في عدّه ، وشدا في سؤال ، وفي شدا في حب حيث (الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) فهو ـ إذا ـ شدّ بكل معانيه ، في كل أسبابه ومغازيه ، مادة ومدة وعدّة وعدّة ، ودون اشراك بالله في ذكرهم فانه محظور مهما كان قليلا.

وقد يروى عن باقر العلوم (عليه السّلام) قوله على ضوء الآية ، انهم كانوا إذا فرغوا من الحج يجتمعون هناك ويعدون مفاخر آباءهم ومآثرهم ويذكرون ايامهم القديمة وأياديهم الجسيمة فأمرهم الله سبحانه ان يذكروه مكان ذكرهم آباءهم في هذا الموضع (أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) او يزيدوا على ذلك بان يذكروا نعم الله سبحانه ويعدوا آلائه ويشكروا نعمائه ، لأن آباءهم وإن كانت لهم عليهم أياد

٢٠١

ونعم ، فنعم الله سبحانه عليهم أعظم ، وأياديه عندهم أفخم ، ولأنه سبحانه المنعم بتلك المآثر والمفاخر على آباءهم وعليهم (١).

هنا (كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ) بل و (أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) لا تعني ان يذكروا الآباء مع الله سوية أو ان الله أشد ذكرا ، كاشراك بالله ، وانما يحمل طابع التنديد بذكرهم آباءهم كأن لا إله يذكر ، ولئن تذكرون آباءكم لا كشركاء ، فليكن أقل من ذكر الله ف (اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً) على أية حال ، في كل حلّ وترحال ، فما آباءكم أو أبناءكم إلّا من خلق الله ، وقد يحتمل (كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ) ذكر الوحدانية ، فان الواحد منكم ان انتسب الى أبوين متشاكسين إستاء وذكر والده الواحد وان لم يكن به ، فاذكروا الله كذلك بوحدته استياء عن شركاء له ، فانه الخالق أحرى بوحدته من الوالد.

ثم (أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) هو تعريف في توحيده أكثر من الأب ، فأين وحدة من وحدة ، فالذكر هنا يحلّق على كل ذكر للآباء ، ذكرا لوحدتهم ، وذكرا لرحمتهم ، وذكرا لسؤددهم وذكرا لهم حين يغضبون او يرضون ، فلتغضب لغضب الله ولترض لرضاه كما لوالديك (أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً).

(فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ)

تخلّل هذه الجملة بين آيات المناسك هو بمناسبة انها انسب المواقف للدعاء ، فهذه تحمل أنحس دعاء ، والتالية أحسن دعاء وبينهما عوان ، كالذي

__________________

(١) في مجمع البيان «كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ» معناه ما روي عن أبي جعفر الباقر (عليهما السّلام) ... وفي تفسير العياشي عن زرارة عن أبي جعفر (عليهما السّلام) في الآية قال : كانت العرب إذا وقفوا بالمشعر يقولون : لا وأبيك لا وأبي فأمرهم الله أن يقولوا : لا والله وبلى والله. أقول وهذا في غير الجدال فانه ممنوع حالة الإحرام.

٢٠٢

يخص دعاءه بحسنة الآخرة (١) ام يجمع بينهما حسنة فيها ودون قيد في الأولى ، ام يطلب حسنة الدنيا دون الآخرة أمّاهيه من دعاء عوان بين (مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا) ، ومن يقول : (رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ).

فلما قال الله (فَاذْكُرُوا اللهَ ..) شاملا لكل ذكر ودعاء ، ومنه تطلب الدنيا وأنت في عمل الآخرة ، ولأن من آداب الدعاء ان تكون بعد ذكر الله بربوبيته وذكر نفسك بعبوديتك وذنوبك ، تأتي (فَمِنَ النَّاسِ ..) تفريعا على (فَاذْكُرُوا اللهَ ..)

ويا له ترتيبا مثلثا رتيبا رفيقا ، ذكر المناسك ، ثم ذكر الله ثم الدعاء ، فلا بد في الدعاء من سعي قبلها ، ثم ذكر لله ينضجه ، ومن ثم الدعاء ، فالدعاء قبلهما فارغة مهما بلغت من الإصرار والتكرار.

__________________

(١) الدر المنثور ١ : ٢٣٣ ـ أخرج ابن أبي شيبة واحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابو يعلى وابن حبان وابن أبي حاتم في الشعب عن أنس ان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عاد رجلا من المسلمين قد صار مثل الفرخ المنتوف فقال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هل كنت تدعو الله بشيء؟ قال : نعم كنت أقول : اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا ، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : سبحان الله إذن لا تطيق ذلك ولا تستطيعه فهلا قلت : ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ودعا له فشفاه الله.

ورواه الطبرسي في الإحتجاج عن موسى بن جعفر عن أبيه عن آباءه عن الحسن بن علي عن أبيه (عليهم السّلام) قال : بينما رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) جالس إذ سأل عن رجل من أصحابه فقالوا يا رسول الله انه قد صار في البلاد كهيئة الفرخ لا ريش عليه فأتاه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فإذا هو كهيئة الفرخ لا ريش عليه من شدة البلاء فقال له : قد كنت تدعو في صحتك دعاء؟ قال : نعم كنت أقول ...

٢٠٣

وكما علمنا الله مناسكنا ، ثم علمنا ذكره ، هكذا يعلمنا بعدهما كيف ندعوه ، تنديدا بطالح الدعاء وتمجيدا لصالحها ، وهنا أخذ الله يقسم الذاكرين له الداعين إياه إلى قسمين رئيسيين يعرف منهما سائر الأقسام.

ف (مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا) ودون تقيد بحسنة ، وانما إيتاء في الدنيا من مال ومنال على اية حال ، أضرت بالآخرة ام نفعتها ، فانما القصد هو الدنيا لا سواها (وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) إذ لم يدع لها ولا سعى سعيها.

وقد يشمل «الناس» هنا النسناس الذين لا يسعون للآخرة كما لا يدعون لها ك (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ) (١١ : ١٥) فدعاء هؤلاء النسناس وهم بين كافر ومشرك ليس «ربنا» في لفظة قول ، بل في همامة تشمل الحال والفعال والقال ، دون اتجاه فيها الى الله.

كما يشمل أشباه الناس الذين هم لحدّ ما مؤمنون ولكنهم لا يسألون حسنة الآخرة فيما يسألون ، وانما يسألون الدنيا ودون تقيد بحسنتها (وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) هنا يخص نصيب الداعين دون كل العاملين ، ودعاء هؤلاء الأشباه للناس وان كان يعم مثلث الدعاء ، ولكنه أحيانا موجّه الى الرب «ربنا ..» فيمن يدعوه من الداعين ، وكما كانوا يدعون في الحج مشركين وموحدين : اللهم اجعله عام غيث وعام خصب وعام ولاد حسن ، لا يذكرون من حسنة الآخرة شيئا! ، وليس هؤلاء كشأن لنزول الآية إلّا نماذج مكرورة على مر الأجيال ، يذكر الدنيا وحدها حتى حين يتوجه إلى الله ، لأنها التي تشغله عن الآخرة وتملأ فراغ نفسه ووفاق سؤله ، وتحيط كل حياته وتغلقه عليه.

ولا تعني الدنيا هنا ـ فقط ـ شهواتها المادية ، بل والمناصب الروحية التي يراد منها نصيب الدنيا وحظوتها ، مهما كانت قيادة روحية إمامة او مرجعية

٢٠٤

أمّاهيه ، بل هي أشهى وأرغب من سائر نصيب الدنيا.

(وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ ٢٠١ أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) ٢٠١.

«يقول» هنا كما «يقول» هناك تعم الحال والفعال إلى القال ، فهو في مثلث الأحوال يطلب مثنّى سؤله (رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ) ، وما هي «حسنة»؟ إنها ـ دون ريب ـ صفة لمحذوف معروف ، ولا أعرف من «حياة» ولا أشمل منها في حسنة او سيئة ، فلو كان الموصوف خاصا لخص بالذكر لأنه غير معروف!.

ف «حسنة» فيهما هي الحياة الحسنة ، وهي المرضية لله تعالى التي تجمع كافة الحسنات ، فحسنة الحياة في الدنيا هي التي يصلح ـ فيما يصلح ـ الآخرة ، كما حسنتها في الآخرة لا تناحر حسنة تناسبها وتعدّ لها في الدنيا ، فإن دنيا المؤمن آخرة ، وآخرته لا تصده عن دنياه ، حيث «الدنيا مزرعة الآخرة» ومطيّتها لمن أبصر بها فبصّرته ، ولم يبصر إليها فأعمته. ف «حسنة» في الأولى هي «حسنة» في الأخرى ، بل وعشر أمثالها ، ثم يزيد الله لمن يشاء ويرضى ، فالإسلام لا يحصر حسنة الحياة في الآخرة وهي الأصيلة فيها ، انما يخرج المحصورين في الدنيا المحسورين عن الآخرة عن حصرهم بأسرهم ، ويطلق الإنسان من أسوار هذه الحياة الفانية ، الى فسيح الحياة الأخرى ، جمعا بين حسنى الحياتين.

فمن حسنة الدنيا العلم النافع والمال الذي يصرف في مرضاة الله وزوجة صالحة وولد صالحون ، ثم والمنال من قيادة زمنية او روحية يتذرع بها الى رضوان من الله (١).

__________________

(١) نور الثقلين ١ : ١٩٩ عن أبي عبد الله (عليه السّلام) في الآية قال : رضوان الله والجنة في ـ

٢٠٥

كما ومن حسنة الدنيا الفقر دون الغنى التي تبعث الإنسان الى عيث الفساد ، وكل ما يقابل الحسنات الإيجابية المذكورة وما أشبهها ، إذا كانت في سلبيتها حسنة تحافظ على كيان الإيمان في الدنيا ، والرضوان في الآخرة.

فهي ـ إذا ـ أجمع دعاء وأجملها ، حيث تضم حسنة الحياة في ميزان الله ورضوانه على طول الخط ، فكل ما يصيب المؤمن بعد هذه الدعاء المستجابة هو حسنة مهما كانت سيئة في الظاهر ، وكما نرى الابتلاءات تترى على الصالحين الأمثل منهم فالأمثل ، وهي في الحق حسنة لهم في الأولى ، مهما كانت تؤلمهم ، فانما «حسنة» هي المعنية في ميزان الله دون أهوائنا ورغباتنا.

ثم (وَقِنا عَذابَ النَّارِ) تشمل النارين في الدنيا والآخرة ، كما شملت «حسنة» النورين فيهما ، فكما أن من نار الدنيا العمل السوء الذي هو نار في الآخرة ، كذلك مزيد النعم التي تغفله وتترفه فتورده موارد السوء.

وكذلك النقم بنفس القياس ، فالفقر الذي كاد أن يكون كفرا أمّا أشبه ، هو كذلك من نار الدنيا التي تؤجج نار الآخرة.

إذا فسؤل المؤمن وسؤاله منحصر في «حسنة» هنا وفي الآخرة ، منحسر عن كل سيئة تسيء حياته هنا ومن وراءها الآخرة.

ويا لها من دعاء عديمة النظير ، لحد يكررها البشير النذير على أية حال كخير دعاء ، ف كان أكثر دعاء يدعو بها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) (١) وفي أقدس مكان «فيما بين الركن اليماني والحجر» (٢) ، هذه أفضل دعاء وتلك ارذلها وبينهما عوان ، ان تطلب ـ فقط ـ حسنة الدنيا دون

__________________

ـ الآخرة والسعة في الرزق والمعاش وحسن الخلق في الدنيا.

(١) الدر المنثور ١ : ٢٣٣ ـ أخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وابو داود والنسائي وابو يعلى عن أنس قال : كان اكثر دعوة يدعو بها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اللهم ربنا ...

٢٠٦

الآخرة ، او حسنة الآخرة دون الدنيا ، والآخرة خير وأبقى ، وانما حسنة الدنيا تعبّد لها.

(أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) ٢٠٢

«أولئك» الذين يطلبون الحسنة فيهما (لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا) من دعاء وسواها ، كما أولئك الذين يطلبون الدنيا (لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا) ف (كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً) ، فلا نصيب لدعاء دون كسب ، كما لا يكفي كسب دون دعاء ، فلا يؤتى خير الدارين إلّا بسعي معه دعاء (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) كسبا ودعاء ، وهو الإحسان الذي يخلّف حسنة : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ) (١٣ : ١٣) (وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) (٤٢ : ٢٣).

ولما ذا (نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا) دون (نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا) ككلّ ، وعدل النصيب

__________________

(٢) المصدر أخرج الشافعي وابن سعد وابن أبي شيبة واحمد والبخاري في تاريخه وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن الجارود وابن حبان والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن عبد الله بن سائب انه سمع النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول فيما بين الركن اليماني والحجر : ربّنا آتنا ...

وفيه اخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ما مررت على الركن إلّا رأيت عليه ملكا يقول آمين ، فإذا مررتم عليه فقولوا : ربنا آتنا ...

وفيه أخرج احمد والترمذي وحسنه عن أنس قال : جاء رجل إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال : يا رسول الله اي الدعاء أفضل؟ قال : تسأل ربك العفو العافية في الدنيا والآخرة ، ثم أتاه من الغد فقال يا رسول الله أي الدعاء أفضل ، قال تسأل ربك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة ، ثم أتاه من الغد فقال يا رسول الله أي الدعاء أفضل ، قال : تسأل ربك العفو والعافية ثم أتاه من اليوم الرابع فقال يا رسول الله اي الدعاء أفضل قال : تسأل ربك العفو والعافية في الدنيا والآخرة فانك إذا أعطيتها في الدنيا ثم أعطيتها في الآخرة فقد أفلحت.

٢٠٧

هو قدر الكسب؟ «نصيب» هنا قد تكون قدر الكسب دعاء وعملا او زاد كنصيب الآخرة ، ام قدره او نقص او زاد كنصيب الدنيا ، فانه ليس إلّا قدر المصلحة والحكمة الربانية ، إذا فنصيب الدنيا في مثلث حسب الحكمة من جراء «ما كسبوا» لها ، ونصيب الآخرة في مثنى ثانيهما قضية الفضل وهو دائب كما وعد الله (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) و «نصيب» يشمل ذلك المخمّس في النشأتين وكما تشمل النصيبين لأهل الدنيا والآخرة (وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً). ف (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً. وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً. كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً) (١٧ : ٣٠).

(وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) حساب نصيب الكسب دونما تأخير هنا وفي الأخرى ، إذ لا مانع لحسابه ، ولا رادع لعدله وفضله ، فلما ذا التباطؤ في حساب الكاسبين : الساعين الداعين.

ولحساب الله تعالى كل حساب ، حساب العدل والفضل في كلّ من الكسب والجزاء ، دونما ظلم ولا نقير ، ودون أي تأخير عن أجله الآجل او العاجل قضية الحكمة الربانية ، فحساب الأخرى هو في الأخرى ، وحساب الأولى في الأولى ، إلّا ما يجازي به في الأخرى.

ذلك وكما الله سريع الحساب في أصل الدعاء ، حيث يجيب دعوة الداع بحسابها وحساب المصلحة ، واقعية وزمنية ، دون إجابة فوضى لأنك دعوت ، فإذا كانت الإجابة صالحة فلا تأخير عن وقتها الصالح.

فهي ـ إذا ـ سرعة عليمة حكيمة قديرة جديرة بساحة الربوبية ، دون تسرّع جاهل ، ام تباطئ قاحل.

٢٠٨

ف (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) (٤٢ : ٣٠) وكل بسريع الحساب.

وحسنة الدنيا والآخرة ـ ككل ـ هي حرث الآخرة كما يتطلبها الصالحون في (رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ).

والحياة الدنيا بأسرها دون حسنة صالحة هي حرث الدنيا ، مهما كانت في صورتها روحية ربانية ، كمن يريدون علوا في الأرض بقيادة روحية لا يريدونها إلّا شهوة الرئاسة وزهوة المقام ، إذا فبقال او حمّال او كنّاس مؤمن يريد وجه الله هو من أهل الآخرة ، وقائد روحي عظيم لا يبتغي وجه الله هو من أهل الدنيا (وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ)!.

(وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) ٢٠٣.

ترى وما هو ذكر الله هنا في ايام معدودات هي ثلاثة التشريق؟ هل هي ـ فقط ـ صلاة العيد؟ وهو قبل الأيام المعدودات : يوم الأضحى ، ثم ونصها الصلاة دون مطلق الذكر! ام هو التكبيرات دبر الصلوات (١)؟ علّه هي ، ولكنه اشمل منها ، وهي القدر المعلوم من ذلك الذكر.

وترى التكبيرات واجبة؟ ظاهر الأمر هو الوجوب ، ومتعارض الرواية

__________________

(١) الدر المنثور ١ : ٢٣٤ ـ أخرج المروزي عن الزهري قال : كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ...

وفي الكافي ١ : ٣٠٦ حسنة محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله (عليه السّلام) عن الآية قال : التكبير في ايام التشريق من صلاة الظهر من يوم النحر الى صلاة الفجر من اليوم الثالث. وروي مثله صحيحا عن علي (عليه السّلام) وحسنة زرارة قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): التكبير في ايام التشريق في دبر الصلوات.

٢٠٩

معروضة على الآية (١) ولأن «أيام» جمع أقلة ثلاثة ، ثم «من تعجل في يومين» تعني من هذه الأيام المعدودات ، «ومن تأخر» تعني عن يومين ، فلتكن هذه الأيام ثلاثة ، وهي حسب مستفيض الرواية أيام التشريق الثلاثة بعد يوم النحر ، وقد «كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يكبر ايام التشريق كلها» كما كان (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول كلما رمى «الله أكبر الله أكبر اللهم اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا وعملا مشكورا» (٢) وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «ايام التشريق ايام أكل وشرب وذكر الله» (٣) فلا صيام فيها إلّا لمن لم يستطع على صيام ثلاثة ايام في الحج إلّا فيها.

وكيف (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) لكلّ ممن تعجل في يومين او تأخر ، ان كان الحاج مخيرا بينهما؟.

ل (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) مراحل عدة ، أولاها إزاحة الشك عمن كان يتعجل ويرى المتأخر عن يومين آثما تاركا سنة الحج ، وعمن كان يتأجل ويرى المتعجل

__________________

(١) فالمخالفة للآية صحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليه السّلام) قال : سألته عن التكبير ايام التشريق ا واجب هو أو لا؟ قال : يستحب وإن نسي فلا شيء عليه ، والموافقة لها ما رواه عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال : سألته عن التكبير فقال : واجب في دبر كل صلاة فريضة او نافلة ايام التشريق ، وروايته الأخرى ع نه (عليه السّلام) قال : سألته عن الرجل ينسى ان يكبر في ايام التشريق؟ قال : إن نسي حتى قام من موضعه فلا شيء عليه.(الاولى في التهذيب ٥ : ٤٨٨ والأخريان فيه ٥ : ٢٧٠).

(٢) المصدر أخرج البيهقي في سننه عن سالم بن عبد الله بن عمر انه رمى الجمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة الله اكبر ... وقال : حدثني أبي ان النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان كلما رمى بحصاة يقول مثل ما قلت.

(٣) المصدر أخرج مسلم والنسائي عن نبيشة الهدبي قال قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : ...

٢١٠

آثما تاركا سنة الحج ، وتثبيتا للإثم على من تعجل قبل يومين ، فلا يجوز النفر في اليوم ، اللهم إلّا خروجا للطواف وأفضله يوم النحر ، ثم إزاحة لكلّ إثم سابق للحاج ، سواء تعجل او تأخر ، حيث ينفر يوم نفره مغفورا له ، ومن ثم حصر التخيير بينهما (لِمَنِ اتَّقى) وإلّا فهو آثم لا خيرة له بينهما ، بل يتأخر إلى الثالث ، ولفظ الآية يتحمل كل هذه الثلاثة.

واللام في (لِمَنِ اتَّقى) لمحة الى سعة التخير بين التعجل والتأخر.

وترى ما هي حدود (لِمَنِ اتَّقى)؟ هل إنه اتقاء الصيد والنساء حالة الإحرام وفي الحرم؟ (١) ولم يسبق ذكره بخصوصه!.

ام هو ـ فقط ـ اتقاء المحرمات في الحرم وحالة الإحرام؟ (٢) وكذلك الأمر!.

بل هو ما سبق ذكره من محظورات الإحرام (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ) (٣) ، فمن اتقى هذه الثلاث فلا إثم عليه في ذلك التخير ،

__________________

(١) نور الثقلين ١ : ٢٠١ في تهذيب الأحكام صحيحة حماد عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال : إذا أصاب المحرم الصيد فليس له ان ينفر في النفر الاول ، ومن نفر في النفر الاوّل فليس له ان يصيب الصيد حتى ينفر الناس وهو قول الله (فَمَنْ تَعَجَّلَ ...). وفي الكافي ١ : ٣٠٨ روى محمد بن المستنير عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال : من أتى النساء في إحرامه لم يكن له ان ينفر في النفر الاول.

أقول : وهذان من باب بيان مصداقين من أهم مصاديق محرمات الإحرام.

(٢) المصدر عن الفقيه في رواية علي بن عطية عن أبيه عن أبي جعفر (عليهما السّلام) في الآية : لمن اتقى الله عزّ وجلّ.

(٣) المصدر عن الفقيه في رواية ابن محبوب عن أبي جعفر الأحول عن سلام بن المستنير عن أبي جعفر (عليهما السّلام) انه قال : لمن اتقى الرفث والفسوق والجدال وما حرم الله عليه في إحرامه.

٢١١

كما لا أثم عليه إطلاقا (١) فهو مطلق في انطلاقه ونفره أيا من اليومين (٢).

ومن لم يتق ، فعليه إثمه رفثا او فسوقا او جدالا في الحج ، ثم لا خيرة له بين اليومين ، فليحبس يوما ثالثا في منى ، تغربا عن أهل النفر المتقين ، وتقربا إلى الله عما أخطأ ، حيث يظلّ في تلك المزبلة العنفة النتنة يوما زائدا على يومي أهل النفر ، فيرمي الجمرات الثلاث مرة ثالثة علّه يتقي ، إذ لم تكفه تجربة الإحرام ، ومعرفيات عرفات ، وشعور المشعر ، ولا الرميات السبع في كلّ سبعا ، بجمع (٤٩) مرة ، فليزد رميات أخرى هي (٢١) علّه يتقي من ذلك الدرس المرير ، حيث البقاء في ثالث التشريق أمر إمر ، وليس التحلل عنه إلّا (لِمَنِ اتَّقى) فلا ينفر في النفر الأول وهو زوال الثاني عشر ، وانما النفر الثاني وهو نهار الثالث عشر في أية ساعة كان.

ثم التعجل والتأخر هنا لا يختصان حالة حياة الحاج في النفرين ، بل ونفرا عن الحياة ، ف «من مات قبل ان يمضي فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى الكبائر» (٣).

__________________

(١) المصدر عن الفقيه وروي انه يخرج من ذنوبه كهيئة يوم ولدته امه ، وروي من وفى وفي الله له ، وفيه عن أبي عبد الله (عليه السّلام) في الآية : يرجع لا ذنب له ، وفي تفسير العياشي عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال : إن العبد المؤمن حين يخرج من بيته حاجا لا يخطو خطوة ولا تخطو به راحلته إلّا كتب الله له بها حسنة ومحا عنه سيئة ورفع بها درجة ، فإذا وقف بعرفات فلو كانت ذنوبه عدد الثرى رجع كما ولدته امه ، يقال له : استأنف العمل يقول الله : (فَمَنْ تَعَجَّلَ ...).

(٢) الوسائل ١٠ : ٢٢٣ الفقيه قال وسئل الصادق (عليه السّلام) عن هذه الآية قال : ليبيتنّ هو على أن ذلك واسع إن شاء صنع ذا وإن شاء صنع ذا ، لكنه يرجع مغفورا له لا اثم عليه ولا ذنب له.

(٣) المصدر في الكافي عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال : سأل رجل أبي بعد منصرفه من الموقف فقال : أترى يخيب الله هذا الخلق كله؟ فقال أبي : ما وقف بهذا الموقف أحد إلّا غفر الله له ، مؤمنا او كافرا إلّا انهم في مغفرتهم على ثلاث منازل ـ الى قوله ـ : منهم من غفر الله له ما تقدم من ـ

٢١٢

هنا (فَمَنْ تَعَجَّلَ) دليل على ان أصل المقام في منى بعد يوم النحر هو كل الأيام المعدودات الثلاثة ، وإلّا فلا دور للتعجل ، ثم سماح التعجل ليس إلّا لمن اتقى ، انطلاقا وتحررا عن ذلك السجن العفن لأنه اتقى ، وإذا تأخر فله أجره فانه الأصل والمتعجّل فيه بديله بديلا عن التقى.

ولا يصدق التعجل في يومين إلّا إذا نفر قبل غروب الشمس (١) ثاني التشريق ، فإذا غربت الشمس فقد مضى اليوم ، فالى اليوم الثالث عشر ، «فإذا ابيضت الشمس فانفر على بركة الله» (٢) ، وقد يكون التأخر لمن اتقى

__________________

ـ ذنبه وما تأخر وقيل له أحسن فيما بقي من عمرك وذلك قوله تعالى : (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) يعني من مات.

(١) وسائل الشيعة ١٠ : ٢٢٤ صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال : من تعجل في يومين فلا ينفر حتى تزول الشمس فان أدركه المساء بات ولم ينفر.

وصحيحته الثانية عنه (عليه السّلام) قال : إذا نفرت في النفر الاوّل فان شئت أن تقيم بمكة وتبيت بها فلا بأس بذلك ، قال وقال : إذا جاء الليل بعد النفر الاول فبت بمنى فليس لك ان تخرج منها حتى تصبح.

وفي صحيحة أبي بصير سألت أبا عبد الله (عليه السّلام) عن الرجل ينفر في النفر الاول؟ قال : له أن ينفر ما بينه وبين ان تسفر الشمس فان هو لم ينفر حتى يكون عند غروبها فلا ينفر وليبت بمنى حتى إذا أصبح وطلعت الشمس فلينفر متى شاء.

(٢) نور الثقلين ١ : ٢٠٢ عن الكافي عن أبي أيوب قال قلت لأبي عبد الله (عليه السّلام) انا نريد ان نتعجل السير ـ وكانت ليلة النفر حين سألته ـ فاي ساعة ننفر؟ فقال لي : ما اليوم الثاني فلا تنفر حتى تزول الشمس ـ وكانت ليلة النفر ـ واما اليوم الثالث فإذا ابيضت ... فان الله تعالى يقول : فَمَنْ تَعَجَّلَ .. فلو سكت لم يبق احد الا تعجل ولكنه قال (وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ... فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى) انما هي لكم والناس سواد وأنتم الحاج.

وفي الوسائل ١٠ : ٢٢٢ عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال : إذا أردت ان تنفر في يومين فليس لك ان تنفر حتى تزول الشمس وان تأخرت الى آخر ايام التشريق وهو يوم النفر الأخير فلا شيء عليك اي ساعة نفرت قبل الزوال او بعده.

٢١٣

أرجح ، رياضة زائدة على واجبه ، وقد تكون التعجل أرجح رعاية لأهله الذين ينتظرونه وكما يروى عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) «إذا قضى أحدكم حجة فليعجل الرحلة إلى أهله فإنه أعظم لأجره» (١).

ثم المستفاد من (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) في التخير لمن اتقى وسواه لسواه ، وجوب البيتوتة ايام التشريق بمنى ، فلا يجوز النفر فيها إلّا خروجا لأداء سائر المناسك أم لضرورة محرجة مخرجة.

(وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (اتَّقُوا اللهَ) على أية حال إحراما وسواه ، رقابة كاملة كافلة لتقواكم عن طغواكم (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ) جميعا بتقواكم وطغواكم «إليه» لا إلى سواه «تحشرون».

ذلك قسم عظيم من الحج وقد يروى عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قوله : «لتأخذوا مناسككم فاني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه» وقدر روى صورة منها جابر مهما سقط منها ما هو بحاجة إلى جابر كطواف النساء والحلق ورميات ايام التشريق أما شابه (٢).

__________________

(١) الدر المنثور ١ : ٢٣٧ ـ أخرج الحاكم وصححه عن عائشة أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: ...

(٢) الدر المنثور ١ : ٢٢٥ ـ اخرج مسلم وابو داود والنسائي عن جابر قال : رأيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يرى على راحلته يوم النحر ويقول : لتأخذوا ... وفيه اخرج ابن أبي شيبة وابو داود والنسائي وابن ماجة عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السّلام) قال : دخلنا على جابر بن عبد الله فقلت : أخبرني عن حجة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال : إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مكث تسع سنين لم يحج ثم اذن في الناس في العاشرة ان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حاج ، فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ويعمل بمثل عمله ، فخرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وخرجنا معه حتى اتينا ذا الحليفة فصلّى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في المسجد ـ

٢١٤

ـ ثم ركب القصواء حتى استوت به ناقته على البيداء ورسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن وهو يعلم تأويله ، فما عمل به من شيء عملنا به فأهل بالتوحيد : لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ، أهل الناس بهذا الذي تهلون به فلم يرد عليهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) شيئا منه ولزم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) تلبيته حتى أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا ومشى أربعا ثم تقدم الى مقام ابراهيم فقرأ (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) فجعل المقام بينه وبين البيت فصلّى ركعتين يقرأ فيها بقل هو الله احد وقل يا ايها الكافرون ، ثم رجع الى البيت فاستلم الركن ثم خرج من الباب الى الصفا فلا دنى من الصفا قرأ : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ) فبدأ بما بدأ الله به فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى رأى البيت فكبر الله وحده قال : (لا إله إلّا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير لا إله الا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده) ، ثم دعا بين ذلك وقال مثل هذا ثلاث مرات ثم نزل الى المروة حتى انصبت قدماه رمل في بطن الوادي حتى إذا صعد مشى حتى أتى المروة فصنع على المروة مثل ما صنع على الصفا حتى إذا كان آخر الطواف على المروة قال : إني لو استقبلت من أمري استدبرت لم اسق الهدى ولجعلتها عمرة فمن كان منكم ليس معه هدى فليحلّل وليجعلها عمرة فحل الناس كلهم وقصروا إلّا النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومن كان معه هدى فلما كان يوم التروية وجهوا الى منى! هلوا بالحج فركب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فصلّى بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس وامر بقية له من شعر فضربت بتمرة فسار رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولا تشك قريش ان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) واقف عند المشعر الحرام بالمزدلفة كما كانت قريش تصنع في الجاهلية فأجار رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حتى أتى عرفة فقد لقيته قد ضربت له بتمرة فنزل بها حتى إذا غربت الشمس أمر القصواء فرحلت فركب حتى أتى بطن الوادي فخطب الناس فقال : إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ، ألا إن كل شيء من امر الجاهلية تحت قدمي موضوع ودماء الجاهلية موضوعة واوّل دم أضعه دم عثمان بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب ، وربا الجاهلية موضوع واوّل ربا أضعه ربا عباس بن عبد المطلب فانه موضوع كله ، اتقوا الله في النساء فانكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله وان ـ

٢١٥

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ (٢٠٤) وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ

__________________

ـ لكم عليهن ألّا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فان فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف وإني قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده ان اعتصمتم به كتاب الله وأنتم مسئولون عنى فما أنتم قائلون؟ قالوا انشهد انك قد بلغت وأديت ونصحت قال : اللهم اشهد ثم اذن بلال ثم اقام فصلّى الظهر ثم اقام فصلّى العصر ولم يصل بينهما شيئا ثم ركب القصواء حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات وجعل حبل الشاة بين يديه فاستقبل القبلة فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا حتى غاب القرص وأردف أسامة خلفه فدفع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقد شنق للقصواء الزمام حتى أن رأسها ليصيب مبرك رحله وهو يقول بيده اليمنى السكينة ايها الناس كلما أتى جبلا من الجبال أرخى لها قليلا حتى صعد حتى أتى المزدلفة فجمع بين المغرب والعشاء باذان واحد وإقامتين ولم يسبح فيها شيئا ثم اضطجع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حتى طلع الفجر فصلّى الفجر حين تبين له الصبح ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فرقى عليه فاستقبل الكعبة فحمد الله وكبره وحده فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا ثم دفع قبل ان تطلع الشمس حتى أتى محشرا فحرك قليلا ثم سلك الطريق الوسطى الذي تخرجك الى الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها فرمى بطن الوادي ثم انصرف رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى المنحر فنحر بيده ثلاثا وستين وأمر عليا فنحر ما غبر وأشركه في هويه ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها ثم ركب ثم أفاض رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى البيت فصلّى بمكة الظهر ثم أتى بني عبد المطلب وهم يسقون على زمزم فقال : انزعوا بني عبد المطلب فلو لا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت عنكم فأدلوه دلوا فشرب منه.

٢١٦

لا يُحِبُّ الْفَسادَ (٢٠٥) وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ (٢٠٦) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (٢٠٧) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٢٠٨) فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٠٩) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٢١٠) سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢١١) زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٢١٢))

٢١٧

هنا تقسيم آخر لمن هم في صورة الناس الى نسناس وناس في سيرة الناس ، الى منافق يعجبك قوله في الحياة الدنيا وهو ألد الخصام ، وإلى من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله ، واين ناس من ناس؟.

ففي ثنايا التوجيهات والتشريعات المشرفة الربانية في القرآن ، تجد منهجا قديما للتربية والترقية الخلقية ، قائما على الخبرة المطلقة الربانية بالنفس الإنسانية ومساربها ومآربها الظاهرة والخفية ، وكما يتضمن رسم نماذج من البشرية الصالحة والطالحة ، واضحة الخصائص ، جاهرة السمات ، حتى كأنها حاضرة ترى بذوات أعيننا.

نرى في هذا الدرس الحاضر ملامح لائحة لنموذجين من نماذج الناس ، المرائي المنافق الشرير الذلق اللسان ، يعجبك قوله بمظهره ويسؤك فعله بمخبره :

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ) ٢٠٤.

«يعجبك» يروقك ويسرك (قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) عرضا لها واعراضا في قالته عنها كزاهد متحمس وتقي مخلص ، ام «يعجبك في الحياة الدنيا» عجابا من ظاهر القول في ظاهرة الحياة الدنيا «قوله» وأما الحياة العليا التي أنت تعيشها وذووك ، فلا يعجبك قوله فيها ، (وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ) أنه يوافق قوله «و» الحال انه (هُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ) ، واللدود هو الشديد اللّدد : صفحة العنق ، حيث لا يتلوى إلى حق ، فضلا عن الألد ، والخصام هم المخاصمون المنازعون ، حيث يتعلق كل واحد بخصم الآخر وجانبه ويجذب خصم الجوالق من جانب ، فجمع المعنى والمعنى الجمع : وهو أشد عنقا استقلالا فيما يهوى ، واستغلالا له كما هوى في خصام الدنيا وزينتها ، مخاصما لدودا كل حق ، مجاذبا كل باطل ، لا يأتي منه أي خير ، فحياة كلها تجمعها «ألد الخصام في الحياة

٢١٨

الدنيا» و «أبغض الرجال الى الله الألد الخصم» (١).

ذلك المنافق النحس النجس لما يتكلم (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) (يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) «وهو ألد الخصام في الحياة الدنيا» ثالوث منحوس يشكل حياته بأسرها.

لسانه ذلق طلق (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) وكأنه زاهد معرض عنها ، وقلبه حالق خلق حيث يبيع الدين بالدنيا ، فحين يواجه النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مقبلا إليه يقول : «جئت أريد الإسلام ويعلم الله اني لصادق فيعجب النبي في ظاهر قوله ، ثم يخرج من عنده فيمر بزرع لقوم من المسلمين وحمر فيحرق الزرع ويعقر الحمر» (٢).

وحين يغيب عنه يضلل من معه في حقل الجهاد «يا ويح هؤلاء المقتولين الذين هلكوا هكذا! لا هم قعدوا في أهلهم ولا هم أدوا رسالة صاحبهم» (٣).

فالمخاطب هنا كل المسلمين ـ بدرجاتهم ـ على مدار الزمن الرسالي ، لا خصوص الرسول ام ومعاصروه ، و «الناس» هم كافة المنافقين بدركاتهم على مدار الزمن الرسالي ، مهما واجه احد منهم أم جماعة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والدين معه في زمنه ، فالآية تنزل في رجل أو رجال ثم تكون عامة

__________________

(١) الدر المنثور ١ : ٢٣٩ عن عائشة عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال : ...

(٢) هنا روايات عدة في الدر المنثور وفي نور الثقلين ان الآية نزلت بشأن الأخنس بن شريق الثقفي حليف لبني زهرة اقبل إلى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) المدينة وقال : جئت أريد الإسلام ... فانزل الله الآية.

(٣) ففي الدر المنثور ١ : ٢٢٨ عن ابن عباس قال : لما أصيب السرية التي فيها عاصم ومرثد قال رجال من المنافقين : ... فأنزل الله (وَمِنَ النَّاسِ ...).

٢١٩

بعد كلما وسع نطاق لفظه ، فإنما العبرة بمطلق اللفظ او عمومه ، لا خصوص المورد ، وإلّا لمات القرآن كله ، إذ مات الذين ورد بشأنهم.

ولقد ورد بشأنهم الشائن في كتب السماء كتفصيل لهذه الآية أحاديث قدسية ، منها : ان الرب تبارك وتعالى قال لعلماء بني إسرائيل : يفقهون لغير الدين ويعلمون لغير العمل ، ويبتغون الدنيا بعمل الآخرة ، يلبسون مسوك الضأن ويخفون أنفس الذئاب ، ويقفون القذى من شرابكم ويبتلعون أمثال الجبال من المحارم ، ويثقلون الدين على الناس أمثال الجبال ، ولا يعينونهم برفع الخناصر ، يبّيضون الثياب ويطيلون الصلاة وينتقصون بذلك مال اليتيم والأرملة ، فبعزتي حلفت لأضربنكم بفتنة يضل فيها رأي ذي الرأي وحكمة الحكيم (١).

ويا لمنافق ـ هو من ألد الخصام ـ من شيطنة مدروسة حتى ليكاد يضلل الصالحين بقولته اللينة المرنة ، يصور نفسه إليك خلاصة من الخير وكلاسة من الإخلاص لله والتجرد والحب والترفع عن دانية الدنيا ، تعجبك ذلاقة لسانه ونبرة صوته ببيانه ، ثم (وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ) زيادة في الإيحاء الإغواء (وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ) تزدحم نفسه بكل خصومة ولدد ، وهو من كل خير بدد.

ذلك ، ومن ثم لمّا يأتي دور الامتحان ، الذي به يكرم المرء أو يهان تراه :

__________________

(١) الدر المنثور ١ : ٢٣٨ ـ أخرج احمد في الزهد عن وهب ان الرب تبارك وتعالى قال ... وفيه اخرج سعيد بن منصور وابن جرير والبيهقي في الشعب عن أبي سعيد المقبري انه ذاكر محمد بن كعب القرظي فقال : ان في بعض كتب الله أن لله عبادا ألسنتهم احلى من العسل وقلوبهم امر من الصبر لبسوا لباس مسوك الضأن من اللين يجترّون الدنيا بالدين قال الله : أعلّي يجترّون وبي يفترون وعزتي لأبعثن عليهم فتنة تترك الحليم منهم حيران فقال محمد بن كعب هذا في كتاب الله (وَمِنَ النَّاسِ ...).

٢٢٠