تفسير التّحرير والتّنوير - ج ٢٥

الشيخ محمّد الطاهر ابن عاشور

تفسير التّحرير والتّنوير - ج ٢٥

المؤلف:

الشيخ محمّد الطاهر ابن عاشور


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٠

١

٢

٣
٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

٤١ ـ سورة فصلت

تسمى حم السجدة بإضافة حم إلى السجدة كما قدمناه في أول سورة المؤمن ، وبذلك ترجمت في «صحيح البخاري» وفي «جامع الترمذي» لأنها تميزت عن السور المفتتحة بحروف حم بأن فيها سجدة من سجود القرآن. وأخرج البيهقي في «شعب الإيمان» عن خليل بن مرّة (١) : «أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان لا ينام حتى يقرأ : تبارك ، وحم السجدة (٢).

وسميت في معظم مصاحف المشرق والتفاسير سورة السجدة ، وهو اختصار قولهم : حم السجدة وليس تمييزا لها بذات السجدة. وسميت هذه السورة في كثير من التفاسير سورة فصّلت. واشتهرت تسميتها في تونس والمغرب سورة فصّلت لوقوع كلمة (فُصِّلَتْ آياتُهُ) [فصلت : ٣] في أولها فعرّفت بها تمييزا لها من السور المفتتحة بحروف حم. كما تميزت سورة المؤمن باسم سورة غافر عن بقية السور المفتتحة بحروف حم.

وقال الكواشي : وتسمى سورة المصابيح لقوله تعالى فيها : (وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ) [فصلت : ١٢] ، وتسمى سورة الأقوات لقوله تعالى : (وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها) [فصلت : ١٠].

وقال الكواشي في «التبصرة» : تسمى سجدة المؤمن ووجه هذه التسمية قصد تمييزها عن سورة الم السجدة المسماة سورة المضاجع فأضافوا هذه إلى السورة التي قبلها وهي

__________________

(١) هو خليل بن مرة الضبعي (بضم الضاد المعجمة وفتح الموحدة) البصري الرقّي ، روى عن عطاء وقتادة ، وروى عنه الليث وابن وهب وأحمد بن حنبل. قال البخاري : هو منكر الحديث توفي سنة ستين ومائة.

(٢) المعروف هو حديث الترمذي عن جابر : «كان رسول الله لا ينام حتى يقرأ : الم تنزيل ، وتبارك الذي بيده الملك». ولا منافاة بين الحديثين.

٥

سورة المؤمن كما ميزوا سورة المضاجع باسم سجدة لقمان لأنها واقعة بعد سورة لقمان.

وهي مكية بالاتفاق نزلت بعد سورة غافر وقبل سورة الزخرف ، وعدت الحادية والستين في ترتيب نزول السور. وعدت آيها عند أهل المدينة وأهل مكة ثلاثا وخمسين ، وعند أهل الشام والبصرة اثنتين وخمسين ، وعند أهل الكوفة أربعا وخمسين.

أغراضها

التنويه بالقرآن والإشارة إلى عجزهم عن معارضته. وذكر هديه ، وأنه معصوم من أن يتطرقه الباطل ، وتأييده بما أنزل إلى الرسل من قبل الإسلام. وتلقّي المشركين له بالإعراض وصمّ الآذان. وإبطال مطاعن المشركين فيه وتذكيرهم بأن القرآن نزل بلغتهم فلا عذر لهم أصلا في عدم انتفاعهم بهديه. وزجر المشركين وتوبيخهم على كفرهم بخالق السماوات والأرض مع بيان ما في خلقها من الدلائل على تفرده بالإلهية.

وإنذارهم بما حل بالأمم المكذبة من عذاب الدنيا ووعيدهم بعذاب الآخرة وشهادة سمعهم وأبصارهم وأجسادهم عليهم وتحذيرهم من القرناء المزينين لهم الكفر من الشياطين والناس وأنهم سيندمون يوم القيامة على اتّباعهم في الدنيا وقوبل ذلك بما للموحدين من الكرامة عند الله.

وأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بدفعهم بالتي هي أحسن وبالصبر على جفوتهم وأن يستعيذ بالله من الشيطان. وذكرت دلائل تفرد الله بخلق المخلوقات العظيمة كالشمس والقمر. ودلائل إمكان البعث وأنه واقع لا محالة ولا يعلم وقته إلا الله تعالى. وتثبيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمؤمنين بتأييد الله إياهم بتنزّل الملائكة بالوحي ، وبالبشارة للمؤمنين. وتخلّل ذلك أمثال مختلفة في ابتداء خلق العوالم وعبر في تقلبات أهل الشرك والتنويه بإيتاء الزكاة.

(حم (١))

القول في الحروف الواقعة فاتحة هذه السورة كالقول في (الم).

[٢ ـ ٤] (تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٢) كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣) بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (٤))

افتتح الكلام باسم نكرة لما في التنكير من التعظيم. والوجه أن يكون (تَنْزِيلٌ)

٦

مبتدأ سوّغ الابتداء به ما في التنكير من معنى التعظيم فكانت بذلك كالموصوفة وقوله : (مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) خبر عنه. وقوله : (كِتابٌ) بدل من (تَنْزِيلٌ) فحصل من المعنى : أن التنزيل من الله كتاب ، وأن صفته فصّلت آياته ، موسوما بكونه قرآنا عربيا ، فحصل من هذا الأسلوب أن القرآن منزّل من الرحمن الرحيم مفصلا عربيا. ولك أن تجعل قوله : (مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) في موضع الصفة للمبتدإ وتجعل قوله : (كِتابٌ) خبر المبتدأ ، وعلى كلا التقديرين هو أسلوب فخم وقد مضى مثله في قوله تعالى : (المص كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ) [الأعراف : ١ ، ٢].

والمراد : أنه منزّل ، فالمصدر بمعنى المفعول كقوله : (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ) [الشعراء : ١٩٢ ، ١٩٣] وهو مبالغة في كونه فعل الله تنزيله ، تحقيقا لكونه موحى به وليس منقولا من صحف الأولين. وتنكير (تَنْزِيلٌ) و (كِتابٌ) لإفادة التعظيم.

والكتاب : اسم لمجموع حروف دالة على ألفاظ مفيدة وسمي القرآن كتابا لأن الله أوحى بألفاظه وأمر رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأن يكتب ما أوحي إليه ، ولذلك اتخذ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم كتّابا يكتبون له كل ما ينزل عليه من القرآن. وإيثار الصفتين (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) على غيرهما من الصفات العلية للإيماء إلى أن هذا التنزيل رحمة من الله بعباده ليخرجهم من الظلمات إلى النور كقوله تعالى : (فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ) [الأنعام : ١٥٧] وقوله تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) [الأنبياء : ١٠٧] وقوله : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [العنكبوت : ٥١].

والجمع بين صفتي (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) للإيماء إلى أن الرحمة صفة ذاتيّة لله تعالى ، وأن متعلقها منتشر في المخلوقات كما تقدم في أول سورة الفاتحة والبسملة. وفي ذلك إيماء إلى استحماق الذين أعرضوا عن الاهتداء بهذا الكتاب بأنهم أعرضوا عن رحمة ، وأن الذين اهتدوا به هم أهل المرحمة لقوله بعد ذلك : (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى) [فصلت : ٤٤].

ومعنى : (فُصِّلَتْ آياتُهُ) بينت ، والتفصيل : التبيين والإخلاء من الالتباس. والمراد:أن آيات القرآن واضحة الأغراض لا تلتبس إلا على مكابر في دلالة كل آية على المقصود منها ، وفي مواقعها وتمييز بعضها عن بعض في المعنى باختلاف فنون المعاني التي تشتمل

٧

عليها ، وقد تقدم في طالعة سورة هود.

ومن كمال تفصيله أنه كان بلغة كثيرة المعاني ، واسعة الأفنان ، فصيحة الألفاظ ، فكانت سالمة من التباس الدلالة ، وانغلاق الألفاظ ، مع وفرة المعاني غير المتنافية في قلة التراكيب ، فكان وصفه بأنه عربي من مكملات الإخبار عنه بالتفصيل. وقد تكرر التنويه بالقرآن من هذه الجهة كقوله : (بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) [الشعراء : ١٩٥] ولهذا فرع عليه ذم الذين أعرضوا عنه بقوله هنا (فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) وقوله هنالك : (كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ* لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) [الشعراء : ٢٠٠ ، ٢٠١].

والقرآن : الكلام المقروء المتلوّ. وكونه قرآنا من صفات كماله ، وهو أنه سهل الحفظ ، سهل التلاوة ، كما قال تعالى : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ) [القمر : ٢٢] ولذلك كان شأن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم حفظ القرآن عن ظهر قلب ، وكان شأن المسلمين الاقتداء به في ذلك على حسب الهمم والمكنات ، وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يشير إلى تفضيل المؤمنين بما عندهم من القرآن. وكان يوم أحد يقدم في لحد شهدائه من كان أكثرهم أخذا للقرآن تنبيها على فضل حفظ القرآن زيادة على فضل تلك الشهادة.

وانتصب (قُرْآناً) على النعت المقطوع للاختصاص بالمدح وإلا لكان مرفوعا على أنه خبر ثالث أو صفة للخبر الثاني ، فقوله : (قُرْآناً) مقصود بالذكر للإشارة إلى هذه الخصوصية التي اختص بها من بين سائر الكتب الدينية ، ولو لا ذلك لقال : كتاب فصّلت آياته عربي كما قال في سورة الشعراء [١٩٥] (بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ). ولك أن تجعله منصوبا على الحال.

وقوله : (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) صفة ل (قُرْآناً) ظرف مستقر ، أي كائنا لقوم يعلمون باعتبار ما أفاده قوله : (قُرْآناً عَرَبِيًّا) من معنى وضوح الدلالة وسطوع الحجة ، أو يتعلق (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) بقوله : (تَنْزِيلٌ) أو بقوله : (فُصِّلَتْ آياتُهُ) على معنى أن فوائد تنزيله وتفصيله لقوم يعلمون دون غيرهم فكأنه لم ينزل إلا لهم ، أي فلا بدع إذا أعرض عن فهمه المعاندون فإنهم قوم لا يعلمون ، وهذا كقوله تعالى : (وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) [يونس : ١٠١] وقوله : (وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ) [العنكبوت : ٤٣] وقوله : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [يوسف : ٢] وقوله : (بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) [العنكبوت : ٤٩].

٨

والبشير : اسم للمبشر وهو المخبر بخبر يسر المخبر. والنذير : المخبر بأمر مخوف ، شبه القرآن بالبشير فيما اشتمل عليه من الآيات المبشرة للمؤمنين الصالحين ، وبالنذير فيما فيه من الوعيد للكافرين وأهل المعاصي ، فالكلام تشبيه بليغ. وليس : (بَشِيراً) أو (نَذِيراً) اسمي فاعل لأنه لو أريد ذلك لقيل : مبشرا ومنذرا.

والجمع بين : (بَشِيراً) و (نَذِيراً) من قبيل محسن الطّباق. وانتصب (بَشِيراً) على أنه حال ثانية من (كِتابٌ) أو صفة ل (قُرْآناً) ، وصفة الحال في معنى الحال ، فالأولى كونه حالا ثانية.

وجيء بقوله : (نَذِيراً) معطوفا بالواو للتنبيه على اختلاف موقع كل من الحالين فهو بشير لقوم وهم الذين اتبعوه ونذير لآخرين ، وهم المعرضون عنه ، وليس هو جامعا بين البشارة والنذارة لطائفة واحدة فالواو هنا كالواو في قوله : (ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً) [التحريم : ٥] بعد قوله : (مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ) [التحريم : ٥].

وتفريع (فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ) على ما ذكر من صفات القرآن. وضمير (أَكْثَرُهُمْ) عائد إلى معلوم من المقام وهم المشركون كما هي عادة القرآن في غير موضع. والمعنى : فأعرض أكثر هؤلاء عما في القرآن من الهدى فلم يهتدوا ، ومن البشارة فلم يعنوا بها ، ومن النذارة فلم يحذروها ، فكانوا في أشد الحماقة ، إذ لم يعنوا بخير ، ولا حذروا الشر ، فلم يأخذوا بالحيطة لأنفسهم وليس عائدا لقوم يعلمون لأن الذين يعلمون لا يعرض أحد منهم.

والفاء في قوله : (فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) للتفريع على الإعراض ، أي فهم لا يلقون أسماعهم للقرآن فضلا عن تدبره ، وهذا إجمال لإعراضهم. وتقديم المسند إليه على المسند الفعلي في (فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) دون أن يقول : فلا يسمعون لإفادة تقوّي الحكم وتأكيده.

(وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ (٥))

عطف (وَقالُوا) على (فَأَعْرَضَ) [فصلت : ٤] أو حال من (أَكْثَرُهُمْ) [فصلت : ٤] أو عطف على (لا يَسْمَعُونَ) [فصلت : ٤] ، أو حال من ضميره ، والمعنى : أنهم أعرضوا مصرحين بقلة الاكتراث وبالانتصاب للجفاء والعداء. وهذا تفصيل للإعراض عما

٩

وصف به القرآن من الصفات التي شأنها أن تقربهم إلى تلقيه لا أن يبعدوا ويعرضوا وقد جاء بالتفصيل بأقوالهم التي حرمتهم من الانتفاع بالقرآن واحدا واحدا كما ستعلمه.

والمراد بالقلوب : العقول ، حكي بمصطلح كلامهم قولهم إذ يطلقون القلب على العقل.

والأكنة : جمع كنان مثل : غطاء وأغطية وزنا ومعنى ، أثبتت لقلوبهم أغطية على طريقة التخييل ، وشبهت القلوب بالأشياء المغطّاة على طريقة الاستعارة المكنية. ووجه الشبه حيلولة وصول الدعوة إلى عقولهم كما يحول الغطاء والغلاف دون تناول ما تحته. وما يدعوهم إليه يعم كل ما دعاهم إليه من المدلولات وأدلتها ، ومنها دلالة معجزة القرآن وما تتضمنه من دلالة أمية الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم من نحو قوله تعالى : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ) [العنكبوت : ٤٨].

وجعلت القلوب في أكنة لإفادة حرف (فِي) معنى إحاطة الظرف بالمظروف. وكذلك جعل الوقر في القلوب لإفادة تغلغله في إدراكهم.

و (من) في قوله : (مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ) بمعنى (عن) مثل قوله تعالى : (فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ) [الزمر : ٢٢] وقوله : (قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا) [الأنبياء : ٩٧] ، والمعنى : قلوبنا في أكنة فهي بعيدة عما تدعونا إليه لا ينفذ إليها.

والوقر بفتح الواو : ثقل السمع وهو الصمم ، وكأنّ اللغة أخذته من الوقر بكسر الواو ، وهو الحمل لأنه يثقل الدّابة عن التحرك ، فأطلقوه على عدم تحرك السمع عند قرع الصوت المسموع ، وشاع ذلك حتى ساوى الحقيقة ففتحوا له الواو تفرقة بين الحقيقة والمجاز ، كما فرقوا بين العضّ الحقيقي وعظّ الدهر بأن صيروا ضاده ظاء. وقد تقدم ذكر الأكنة والوقر في قوله : (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) في الأنعام [٢٥] وفي سورة الإسراء [٤٦].

والحجاب : الساتر للمرئيّ من حائط أو ثوب. أطلقوا اسم الحجاب على ما يمنع نفوسهم أن يأخذوا بالدين الذي جاء به النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من كراهية دينه وتجافي تقلده بجامع أن الحجاب يحول بين الرائي والمرئيّ فلا ينظر أحدهما الآخر ولا يصل إليه ، ومرادهم البراءة منه. مثل نبوّ قلوبهم عن تقبّل الإسلام واعتقاده بحال ما هو في أكنّة ، وعدم تأثر أسماعهم بدعوته بصم الآذان ، وعدم التقارب بين ما هم عليه وما هو عليه بالحجاب

١٠

الممدود بينه وبينهم فلا تلاقي ولا ترائي.

وقد جمعوا بين الحالات الثلاث في التمثيل للمبالغة في أنهم لا يقبلون ما يدعوهم إليه.

واجتلاب حرف (مِنْ) في قوله : (وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ) لتقوية معنى الحجاب بين الطرفين وتمكن لازمه الذي هو بعد المسافة التي بين الطرفين لأن (مِنْ) هذه زائدة لتأكيد مضمون الجملة. وضمير (بَيْنِنا) عائد إلى ما عاد إليه ضمير (أَكْثَرُهُمْ) [فصلت : ٤].

وعطف (وَبَيْنِكَ) تأكيد لأن واو العطف مغنية عنه وأكثر استعمال (بين) أن يكون معطوفا عليه مثله كقوله تعالى : (قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ) [الزخرف : ٣٨].

وقد جعل ابن مالك (من) الداخلة على (قبل) و (بعد) زائدة فيكون (بين) مقيسا على (قبل) و (بعد) لأن الجميع ظروف. وهذا القول المحكي عنهم في القرآن ب (قالُوا) يحتمل أن يكون القرآن حكاه عنهم بالمعنى ، فجمع القرآن بإيجازه وبلاغته ما أطالوا به الجدال وأطنبوا في اللجاج ، ويحتمل أنه حكاه بلفظهم فيكون مما قاله أحد بلغائهم في مجامعهم التي جمعت بينهم وبين النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهذا ظاهر ما في سيرة ابن إسحاق ، وزعم أنهم قالوه استهزاء وأن الله حكاه في سورة الكهف.

ويحتمل أن يكونوا تلقفوه ممّا سمعوه في القرآن من وصف قلوبهم وسمعهم وتباعدهم كقوله : (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) في سورة الإسراء [٤٦] ، فإن سورة الإسراء معدودة في النزول قبل سورة فصلت. وكذلك قوله تعالى : (وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً) في سورة الإسراء [٤٥] أيضا ، فجمعوا ذلك وجادلوا به الرسول. فيكون ما في هذه الآية من البلاغة قد اقتبسوه من آيات أخرى. قيل : إن قائله أبو جهل في مجمع من قريش فلذلك أسند القول إليهم جميعا لأنهم مشائعون له.

وقد جاء في حكاية أقوالهم ما فيه تفصيل ما يقابل ما ذكر قبله من صفات القرآن وهي (تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) [فصلت : ٢ ، ٣] ، فإن كونه تنزيلا من الرحمن الرحيم يستدعي تفهمه والانتفاع بما فيه ، فقوبل بقولهم : (قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ) وكونه فصلت آياته يستدعي تلقّيها والاستماع إليها فقوبل بقولهم : (فِي آذانِنا وَقْرٌ) ، أي فلا نسمع تفصيله ، وكونه قرآنا عربيا أشد إلزاما لهم بفهمه فقوبل ذلك بما يقطع هذه الحجة وهو (مِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ) أي فلا يصل كلامه إليهم ولا يتطرق جانبهم ، فهذه تفاصيل إعراضهم عن صفات القرآن.

١١

وقولهم : (فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ) تفريع على تأييسهم الرسول من قبولهم دعوته وجعل قولهم هذا مقابل وصف القرآن بأنه بشير ونذير لظهور أنه تعين كونه نذيرا لهم بعذاب عظيم لأنهم أعرضوا فحكي ما فيه تصريحهم بأنهم لا يعبئون بنذارته فإن كان له أذى فليؤذهم به وهذا كقول فرعون : «ذروني أقتل موسى وليدع ربه».

وحذف مفعولا (اعمل) و (عامِلُونَ) ليعمّ كل ما يمكن عمله كل مع الآخر ما يناسبه. والأمر في قوله : (فَاعْمَلْ) مستعمل في التسوية كقوله عنترة بن الأخرس المعني :

أطل حمل الشّناءة لي وبغضي

وعش ما شئت فانظر من تضير

وكقوله تعالى : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [فصلت : ٤٠].

والخبر في قولهم : (إِنَّنا عامِلُونَ) مستعمل في التهديد.

[٦ ، ٧] (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (٦) الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (٧))

(قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ).

استئناف ابتدائي هو تلقين الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يجيب قولهم : (فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ) [فصلت : ٥] المفرّع على قولهم : (قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ) [فصلت : ٥] إلى آخره جواب المتبرئ من أن يكون له حول وقوة ليعمل في إلجائهم إلى الإيمان لمّا أبوه إذ ما هو إلا بشر مثلهم في البشرية لا حول له على تقليب القلوب الضالة ، إلى الهدى ، وما عليه إلا أن يبلغهم ما أوحى الله إليه. وهذا الخبر يفيد كناية عن تفويض الأمر في العمل بجزائهم إلى الله تعالى كأنه يقول : وما ذا أستطيع أن أعمل معكم فإني رسول من الله فحسابكم على الله.

فصيغة القصر في (إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) تفيد قصرا إضافيا ، أي أنا مقصور على البشرية دون التصرف في قلوب الناس. وبيّن مما تميّز به عنهم على وجه الاحتراس من أن يتلقفوا قوله : (إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) تلقف من حصّل على اعتراف خصمه بنهوض حجته بما يثبت الفارق بينه وبينهم في البشرية ، وهو مضمون جملة (يُوحى إِلَيَ) وذلك للتسجيل عليهم إبطال زعمهم المشهور المكرر أن كونه بشرا مانع من إرساله عن الله تعالى لقولهم : (ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً)

١٢

[الفرقان : ٧] ، ونحوه مما تكرر في القرآن. ومثل هذا الاحتراس ما حكاه الله عن قول الكفار لرسلهم : (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) [إبراهيم : ١٠ ، ١١].

وحرصا على إبلاغ الإرشاد إليهم بيّن له ما يوحى إليه بقوله : (أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) إعادة لما أبلغهم إياه غير مرة ، شأن القائم بهدي الناس أن لا يغادر فرصة لإبلاغهم الحق إلا انتهزها. ونظيره ما جاء في محاورة موسى وفرعون (قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) [الشعراء : ٢٣ ـ ٢٨].

و (إِنَّما) مفتوحة الهمزة ، وهي أخت (إِنَّما) المكسورة وإنما تفتح همزتها إذا وقعت معمولة لما قبلها ولم تكن في الابتداء كما تفتح همزة (أنّ) وتكسر همزة (إن) لأن إنّما أو (أنّما) مركبان من (إنّ) أو (أنّ) مع (ما) الكافة الزائدة للدلالة على معنى (ما) و (إلا) حتى ذهب وهل بعضهم أن (ما) التي معها هي النافية اغترارا بأن معنى القصر إثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه مثل (ما) و (إلّا) ولا ينبغي التردد في كون أنما المفتوحة الهمزة مفيدة القصر مثل أختها المكسورة الهمزة وبذلك جزم الزمخشري في تفسير سورة الأنبياء ، وما رده أبو حيان عليه إنما هو مجازفة ، وقد تقدم ذلك عند قوله تعالى : (قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) في سورة الأنبياء [١٠٨].

فقوله : (أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) إدماج للدعوة إلى الحق في خلال الجواب حرصا على الهدي.

وكذلك التفريع بقوله : (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ) فإنه إتمام لذلك الإدماج بتفريع فائدته عليه لأن إثبات أن الله إله واحد إنما يقصد منه إفراده بالعبادة ونبذ الشرك. هذا هو الوجه في توجيه ارتباط (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ) بقولهم : (قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ) [فصلت : ٥] إلخ.

وموقع (أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) أنه نائب فاعل (يُوحى إِلَيَ) ، أي يوحى إليّ معنى المصدر المنسبك من (أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) وهو حصر صفة الله تعالى في أنه واحد ، أي دون شريك.

١٣

ومماثلته لهم : المماثلة في البشرية فتفيد تأكيد كونه بشرا.

والاستقامة : كون الشيء قويما ، أي غير ذي عوج وتطلق مجازا على كون الشيء حقا خالصا ليست فيه شائبة تمويه ولا باطل. وعلى كون الشخص صادقا في معاملته أو عهده غير خالط به شيئا من الحيلة أو الخيانة ، فيقال : فلان رجل مستقيم ، أي صادق الخلق ، وإن أريد صدقه مع غيره يقال : استقام له ، أي استقام لأجله ، أي لأجل معاملته منه. ومنه قوله تعالى : (فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ) [التوبة : ٧] والاستقامة هنا بهذا المعنى ، وإنما عدّي بحرف (إلى) لأنها كثيرا ما تعاقب اللام ، يقال : ذهبت له وذهبت إليه ، والأحسن أن إيثار (إلى) هنا لتضمين (استقيموا) معنى : توجهوا ، لأن التوحيد توجه ، أي صرف الوجه إلى الله دون غيره ، كما حكى عن إبراهيم : (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [الأنعام : ٧٩] ، أو ضمّن (استقيموا) معنى : أنيبوا ، أي توبوا من الشرك كما دل عليه عطف (وَاسْتَغْفِرُوهُ).

والاستغفار : طلب العفو عما فرط من ذنب أو عصيان وهو مشتق من الغفر وهو الستر.

والمعنى : فأخلصوا إلى الله في عبادته ولا تشركوا به غيره واسألوا منه الصفح عما فرط منكم من الشرك والعناد.

(وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (٧))

وعيد للمشركين بسوء الحال والشقاء في الآخرة يجوز أن يكون من جملة القول الذي أمر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يقوله فهو معطوف على جملة (إِنَّما أَنَا بَشَرٌ). ويجوز أن يكون كلاما معترضا من جانب الله تعالى فتكون الواو اعتراضية بين جملة (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ) وجملة (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ) [فصلت : ٩] أي أجبهم بقولك : أنا بشر مثلك يوحى إليّ ونحن أعتدنا لهم الويل والشقاء إن لم يقبلوا ما تدعوهم إليه ، فيكون هذا إخبارا من الله تعالى.

وذكر المشركين إظهار في مقام الإضمار ويستفاد تعليق الوعيد على استمرارهم على الكفر من الإخبار عن الويل بكونه ثابتا للمشركين والموصوفين بالذين لا يؤتون الزكاة وبأنهم كافرون بالبعث لأن تعليق الحكم بالمشتق يؤذن بعليّة ما منه الاشتقاق ، ولأن الموصول يؤذن بالإيماء إلى وجه بناء الخبر. فأما كون الشرك وإنكار البعث موجبين للويل

١٤

فظاهر ، وأما كون عدم إيتاء الزكاة موجبا للويل فذلك لأنه حمّل عليهم ما قارن الإشراك وإنكار البعث من عدم الانتفاع بالأعمال التي جاء بها الإسلام ، فذكر ذلك هنا لتشويه كفرهم وتفظيع شركهم وكفرانهم بالبعث بأنهما يدعوانهم إلى منع الزكاة ، أي إلى القسوة على الفقراء الضعفاء وإلى الشحّ بالمال وكفى بذلك تشويها في حكم الأخلاق وحكم العرف فيهم لأنهم يتعيرون باللؤم ، ولكنهم يبذلون المال في غير وجهه ويحرمون منه مستحقيه.

ويعلم من هذا أن مانع الزكاة من المسلمين له حظ من الويل الذي استحقه المشركون لمنعهم الزكاة في ضمن شركهم ، ولذلك رأى أبو بكر قتال مانعي الزكاة ممن لم يرتدوا عن الإسلام ومنعوا الزكاة مع المرتدين ، ووافقه جميع أصحاب رسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ف (الزَّكاةَ) في الآية هي الصدقة لوقوعها مفعول (يُؤْتُونَ) ، ولم تكن يومئذ زكاة مفروضة في الإسلام غير الصدقة دون تعيين نصب ولا أصناف الأرزاق المزكّاة ، وكانت الصدقة مفروضة على الجملة ، ولبعض الصدقة ميقات وهي الصدقة قبل مناجاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) [المجادلة : ١٢].

وجملة (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) إما حال من ضمير (يُؤْتُونَ) وإما معطوفة على الصلة. وضمير (هُمْ كافِرُونَ) ضمير فصل لا يفيد هنا إلا توكيد الحكم ويشبه أن يكون هنا توكيدا لفظيا لا ضمير فصل ومثله قوله : (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) في سورة يوسف [٣٧] ، وقوله : (إِنَّنِي أَنَا اللهُ) في سورة طه [١٤].

وتقديم (بِالْآخِرَةِ) على متعلقه وهو (كافِرُونَ) لإفادة الاهتمام.

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٨))

استئناف بياني نشأ عن الوعيد الذي توعّد به المشركون بعد أن أمروا بالاستقامة إلى الله واستغفاره عما فرط منهم ، كأنّ سائلا يقول : فإن اتعظوا وارتدعوا فما ذا يكون جزاؤهم ، فأفيد ذلك وهو أنهم حينئذ يكونون من زمرة (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) ، وفي هذا تنويه بشأن المؤمنين.

وتقديم (لَهُمْ) للاهتمام بهم.

والأجر : الجزاء النافع ، عن العمل الصالح ، أو هو ما يعطونه من نعيم الجنة.

١٥

والممنون : مفعول من المنّ ، وهو ذكر النعمة للمنعم عليه بها ، والتقدير غير ممنون به عليهم ، وذلك كناية عن كونهم أعطوه شكرا لهم على ما أسلفوه من عمل صالح فإن الله غفور شكور ، يعني : أن الإنعام عليهم في الجنة ترافقه الكرامة والثناء فلا يحسون بخجل العطاء ، وهو من قبيل قوله : (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) [البقرة : ٢٦٤] ، فأجرهم بمنزلة الشيء المملوك لهم الذي لم يعطه إياهم أحد وذلك تفضل من الله ، وقريب منه قول لبيد :

غضف كواسب لا يمنّ طعامها

أي تأخذ طعامها بأنفسها فلا منّة لأحد عليها.

(قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ (٩))

بعد أن أمر الله رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يجيب المشركين بأنه بشر يوحى إليه فما يملك إلجاءهم إلى الإيمان أمره عقب ذلك بمعاودة إرشادهم إلى الحق على طريقة الاستفهام عن كفرهم بالله ، مدمجا في ذلك تذكيرهم بالأدلة الدالة على أن الله واحد ، بطريقة التوبيخ على إشراكهم به في حين وضوح الدلائل على انفراده بالخلق واتصافه بتمام القدرة والعلم.

فجملة (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ) إلى آخرها استئناف ابتدائي ثان هو جواب ثان عن مضمون قولهم : (إِنَّنا عامِلُونَ) [فصلت : ٥].

وهمزة الاستفهام المفتتح بها الكلام مستعملة في التوبيخ فقوله : (أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ) كقوله في سورة البقرة [٢٨] (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ).

وفي الافتتاح بالاستفهام وحرفي التوكيد تشويق لتلقي ما بعد ذلك لدلالة ذلك على أن أمرا مهمّا سيلقى إليهم ، وتوكيد الخبر ب (إنّ) ولام الابتداء بعد الاستفهام التوبيخي أو التعجيبي استعمال وارد كثيرا في الكلام الفصيح ، ليكون الإنكار لأمر محقق ، وهو هنا مبني على أنهم يحسبون أنهم مهتدون وعلى تجاهلهم الملازمة بين الانفراد بالخلق وبين استحقاق الإفراد بالعبادة فأعلموا بتوكيد أنهم يكفرون ، وبتوبيخهم على ذلك ، فالتوبيخ المفاد من الاستفهام مسلط على تحقيق كفرهم بالله ، وذلك من البلاغة بالمكانة العليا ، واحتمال أن يكون التوكيد مسلطا على التوبيخ والإنكار قلب لنظام الكلام.

١٦

ومجيء فعل «تكفرون» بصيغة المضارع لإفادة أن تجدد كفرهم يوما فيوما مع سطوع الأدلة التي تقتضي الإقلاع عنه أمر أحق بالتوبيخ. ومعنى الكفر به الكفر بانفراده بالإلهية ، فلما أشركوا معه آلهة كانوا واقعين في إبطال إلهيته لأن التعدد ينافي حقيقة الإلهية فكأنهم أنكروا وجوده لأنهم لمّا أنكروا صفات ذاته فقد تصوروه على غير كنهه.

وأدمج في هذا الاستدلال بيان ابتداء خلق هذه العوالم ، فمحل الاستدلال هو صلة الموصول ، وأما ما تعلق بها فهو إدماج.

و (الْأَرْضَ) : هي الكرة الأرضية بما فيها من يابس وبحار ، أي خلق جرمها. واليومان : تثنية يوم ، وهو الحصة التي بين طلوع الشمس من المشرق وطلوعها ثانية. والمراد : في مدة تساوي يومين مما عرفه الناس بعد خلق الأرض لأن النور والظلمة اللذان يقدّر اليوم بظهورهما على الأرض لم يظهرا إلا بعد خلق الأرض ، وقد تقدم ذلك في سورة الأعراف.

وإنما ابتدئ بذكر خلق الأرض لأن آثاره أظهر للعيان وهي في متناول الإنسان ، فلا جرم أن كانت الحجة عليهم بخلق الأرض أسبق نهوضا. ولأن النعمة بما تحتوي عليه الأرض أقوى وأعمّ فيظهر قبح الكفران بخالقها أوضح وأشنع.

وعطف (وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً) على (لَتَكْفُرُونَ) تفسير لكفرهم بالله. وكان مقتضى الظاهر أن في التفسير لا يعطف فعدل إلى عطفه ليكون مضمونه مستقلا بذاته.

والأنداد : جمع ندّ بكسر النون وهو المثل. والمراد : أنداد في الإلهية.

والتعبير عن الجلالة بالموصول دون الاسم العلم لما تؤذن به الصلة من تعليل التوبيخ ، لأن الذي خلق الأرض هو المستحق للعبادة.

والإشارة ب (ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ) إلى «الذي خلق الأرض في يومين» وفي الإشارة نداء على بلادة رأيهم إذ لم يتفطنوا إلى أن الذي خلق الأرض هو رب العالمين لأنه خالق الأرض وما فيها ، ولا إلى أن ربوبيته تقتضي انتفاء الند والشريك ، وإذا كان هو رب العالمين فهو رب ما دون العالمين من الأجناس التي هي أحط من العقلاء كالحجارة والأخشاب التي منها صنع أصنامهم. وجملة (ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ) معترضة بين المعطوفات على الصلة.

١٧

(وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ (١٠))

عطف على فعل الصلة لا على معمول الفعل ، فجملة (وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ) إلخ صلة ثانية في المعنى ، ولذلك جيء بفعل آخر غير فعل (خلق) لأن هذا الجعل تكوين آخر حصل بعد خلق الأرض وهو خلق أجزاء تتصل بها إما من جنسها كالجبال وإما من غير جنسها كالأقوات ولذلك أعقب بقوله : (فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) بعد قوله : (فِي يَوْمَيْنِ) [فصلت : ٩].

والرواسي : الثوابت ، وهو صفة للجبال لأن الجبال حجارة لا تنتقل بخلاف الرمال والكثبان ، وهي كثيرة في بلاد العرب. وحذف الموصوف لدلالة الصفة عليه كقوله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ) [الشورى : ٣٢] أي السفن الجواري. وقد تقدم تفسيره عند قوله تعالى : (وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ) في سورة الأنبياء [٣١].

ووصف الرواسي ب (مِنْ فَوْقِها) لاستحضار الصورة الرائعة لمناظر الجبال ، فمنها الجميل المنظر المجلّل بالخضرة أو المكسوّ بالثلوج ، ومنها الرهيب المرأى مثل جبال النار (البراكين) ، والجبال المعدنية السود.

و (بارَكَ فِيها) جعل فيها البركة. والبركة : الخير النافع ، وفي الأرض خيرات كثيرة فيها رزق الإنسان وماشيته ، وفيها التراب والحجارة والمعادن ، وكلها بركات. و (قَدَّرَ) جعل قدرا ، أي مقدارا ، قال تعالى : (قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) [الطلاق : ٣]. والمقدار : النصاب المحدود بالنوع أو بالكمية ، فمعنى (قَدَّرَ فِيها أَقْواتَها) أنه خلق في الأرض القوى التي تنشأ منها الأقوات وخلق أصول أجناس الأقوات وأنواعها من الحبّ للحبوب ، والكلأ والكمأة ، والنّوى للثمار ، والحرارة التي يتأثر بها تولد الحيوان من الدواب والطير ، وما يتولد منه الحيتان ودوابّ البحار والأنهار.

ومن التقدير : تقدير كل نوع بما يصلح له من الأوقات من حر أو برد أو اعتدال. وأشار إلى ذلك قوله : (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) [نوح : ١٧] ويأتي القول فيه ، وقوله : (وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) [النحل : ٨١] وقوله : (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً) [النحل : ٨٠] الآية.

وجمع الأقوات مضافا إلى ضمير الأرض يفيد العموم ، أي جميع أقواتها وعمومه

١٨

باعتبار تعدد المقتاتين ، فللدواب أقوات ، وللطير أقوات ، وللوحوش أقوات ، وللزواحف أقوات ، وللحشرات أقوات ، وجعل للإنسان جميع تلك الأقوات مما استطاب منها كما أفاده قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) ومضى الكلام عليه في سورة البقرة [٢٩].

وقوله : (فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) فذلكة لمجموع مدة خلق الأرض جرمها ، وما عليها من رواسي ، وما فيها من القوى ، فدخل في هذه الأربعة الأيام اليومان اللذان في قوله : (فِي يَوْمَيْنِ) [فصلت : ٩] فكأنه قيل : في يومين آخرين فتلك أربعة أيام ، فقوله في (أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) فذلكة ، وعدل عن ذلك إلى ما في نسج الآية لقصد الإيجاز واعتمادا على ما يأتي بعده من قوله : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ) [فصلت : ١٢] ، فلو كان اليومان اللذان قضى فيهما خلق السماوات زائدين على ستة أيام انقضت في خلق الأرض وما عليها لصار مجموع الأيام ثمانية ، وذلك ينافي الإشارة إلى عدّة أيام الأسبوع ، فإن اليوم السابع يوم فراغ من التكوين. وحكمة التمديد للخلق أن يقع على صفة كاملة متناسبة.

و (سَواءً) قرأه الجمهور بالنصب على الحال من (أَيَّامٍ) أي كاملة لا نقص فيها ولا زيادة. وقرأه أبو جعفر مرفوعا على الابتداء بتقدير : هي سواء. وقرأه يعقوب مجرورا على الوصف ل (أَيَّامٍ).

و (لِلسَّائِلِينَ) يتنازعه كل من أفعال (جَعَلَ) و (بارَكَ) و (قَدَّرَ) فيكون (لِلسَّائِلِينَ) جمع سائل بمعنى الطالب للمعرفة ، ويجوز أن يتعلق بمحذوف ، أي بيّنا ذلك للسائلين ويجوز أن يكون ل (السَّائِلِينَ) متعلقا بفعل (قَدَّرَ فِيها أَقْواتَها) فيكون المراد بالسائلين الطالبين للقوت.

(ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (١١))

(ثُمَ) للترتيب الرتبي ، وهي تدل على أن مضمون الجملة المعطوفة أهم مرتبة من مضمون الجملة المعطوف عليها ، فإن خلق السماوات أعظم من خلق الأرض ، وعوالمها أكثر وأعظم ، فجيء بحرف الترتيب الرتبي بعد أن قضي حق الاهتمام بذكر خلق الأرض حتى يوفّى المقتضيان حقّهما. وليس هذا بمقتض أن الإرادة تعلقت بخلق السماء بعد تمام خلق الأرض ولا مقتضيا أن خلق السماء وقع بعد خلق الأرض كما سيأتي.

١٩

والاستواء : القصد إلى الشيء توّا لا يعترضه شيء آخر. وهو تمثيل لتعلق إرادة الله تعالى بإيجاد السماوات ، وقد تقدم في قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) في سورة البقرة [٢٩]. وربما كان في قوله : (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) إشارة إلى أنه تعالى توجهت إرادته لخلق السماوات والأرض توجها واحدا ثم اختلف زمن الإرادة التنجيزي بتحقيق ذلك فتعلقت إرادته تنجيزا بخلق السماء ثم بخلق الأرض ، فعبر عن تعلق الإرادة تنجيزا لخلق السماء بتوجه الإرادة إلى السماء ، وذلك التوجه عبر عنه بالاستواء. ويدل لذلك قوله : (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) ففعل (ائْتِيا) أمر للتكوين.

والدخان : ما يتصاعد من الوقود عند التهاب النار فيه. وقوله : (وَهِيَ دُخانٌ) تشبيه بليغ ، أي وهي مثل الدخان ، وقد ورد في الحديث : «أنها كانت عماء».

وقيل : أراد بالدخان هنا شيئا مظلما ، وهو الموافق لما في «سفر التكوين» من قولها : «وعلى وجه الغمر ظلمة» وهو بعيد عن قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه لم يكن في الوجود من الحوادث إلا العماء ، والعماء : سحاب رقيق ، أي رطوبة دقيقة وهو تقريب للعنصر الأصلي الذي خلق الله منه الموجودات ، وهو الذي يناسب كون السماء مخلوقة قبل الأرض. ومعنى : (وَهِيَ دُخانٌ) أن أصل السماء هو ذلك الكائن المشبه بالدخان ، أي أن السماء كونت من ذلك الدخان كما تقول : عمدت إلى هاته النخلة ، وهي نواة ، فاخترت لها أخصب تربة ، فتكون مادة السماء موجودة قبل وجود الأرض.

وقوله : (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ) تفريع على فعل (اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ) فيكون القول موجها إلى السماء والأرض حينئذ ، أي قبل خلق السماء لا محالة وقبل خلق الأرض ، لأنه جعل القول لها مقارنا القول للسماء ، وهو قول تكوين. أي تعلّق القدرة بالسماء والأرض ، أي بمادة تكوينهما وهي الدخان لأن السماء تكونت من العماء بجمود شيء منه سمي جلدا فكانت منه السماء وتكوّن مع السماء الماء وتكونت الأرض بيبس ظهر في ذلك الماء كما جاء الإصحاح الأول من «سفر التكوين» من التوراة.

والإتيان في قوله : (ائْتِيا) أصله : المجيء والإقبال ولما كان معناه الحقيقي غير مراد لأن السماء والأرض لا يتصور أن يأتيا ، ولا يتصور منهما طواعية أو كراهية إذ ليستا من أهل العقول والإدراكات ، ولا يتصور أن الله يكرههما على ذلك لأنه يقتضي خروجهما عن قدرته بادئ ذي بدء تعين الصرف عن المعنى الحقيقي وذلك بأحد وجهين لهما من

٢٠