تفسير التّحرير والتّنوير - ج ٣

الشيخ محمّد الطاهر ابن عاشور

تفسير التّحرير والتّنوير - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد الطاهر ابن عاشور


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٦

١

٢

٣
٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

٣ ـ سورة آل عمران

سمّيت هذه السورة في كلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكلام الصحابة : سورة آل عمران ، ففي «صحيح مسلم» ، عن أبي أمامة : قال سمعت رسول الله يقول : «اقرءوا الزهراوين : البقرة وآل عمران» وفيه عن النّوّاس بن سمعان : قال سمعت النبي يقول : «يؤتى بالقرآن يوم القيامة تقدمه سورة البقرة وآل عمران» وروى الدارمي في «مسنده» : أنّ عثمان بن عفان قال : «من قرأ سورة آل عمران في ليلة كتب له قيام ليلة» وسمّاها ابن عباس. في حديثه في «الصحيح». قال : «بتّ في بيت رسول الله فنام رسول الله حتى إذا كان نصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل استيقظ رسول الله فقرأ الآيات من آخر سورة آل عمران». ووجه تسميتها بسورة آل عمران أنّها ذكرت فيها فضائل آل عمران وهو عمران بن ماتان أبو مريم وآله هم زوجه حنة وأختها زوجة زكرياء النبي. وزكرياء كافل مريم إذ كان أبوها عمران توفي وتركها حملا فكفلها زوج خالتها.

ووصفها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالزّهراء في حديث أبي أمامة المتقدّم.

وذكر الألوسي أنّها تسمّى : الأمان ، والكنز ، والمجادلة ، وسورة الاستغفار. ولم أره لغيره ، ولعلّه اقتبس ذلك من أوصاف وصفت بها هذه السورة ممّا ساقه القرطبي ، في المسألة الثالثة والرابعة ، من تفسير أول السورة.

وهذه السورة نزلت بالمدينة بالاتّفاق ، بعد سورة البقرة ، فقيل : إنّها ثانية لسورة البقرة على أنّ البقرة أول سورة نزلت بالمدينة ، وقيل : نزلت بالمدينة سورة المطفّفين أولا ، ثم البقرة ، ثم نزلت سورة آل عمران ، ثم نزلت الأنفال في وقعة بدر ، وهذا يقتضي : أنّ سورة آل عمران نزلت قبل وقعة بدر ، للاتّفاق على أن الأنفال نزلت في وقعة بدر ، ويبعد ذلك أنّ سورة آل عمران اشتملت على التذكير بنصر المسلمين يوم بدر ، وأنّ فيها ذكر يوم

٥

أحد ، ويجوز أن يكون بعضها نزل متأخّرا. وذكر الواحدي في أسباب النزول ، عن المفسّرين: أنّ أول هذه السورة إلى قوله : (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) [آل عمران : ٨٤] نزل بسبب وفد نجران ، هو وفد السيد والعاقب ، أي سنة اثنتين من الهجرة ، ومن العلماء من قالوا : نزلت سورة آل عمران بعد سورة الأنفال ، وكان نزولها في وقعة أحد ، أي شوال سنة ثلاث ، وهذا وأقرب ، فقد اتفق المفسّرون على أنّ قوله تعالى : (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ) [آل عمران : ١٢١] أنّه قتال يوم أحد. وكذلك قوله : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) [آل عمران : ١٤٤] فإنّه مشير إلى الإرجاف يوم أحد بقتل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ويجوز أن يكون أولها نزل بعد البقرة إلى نهاية ما يشير إلى حديث وفد نجران ، وذلك مقدار ثمانين آية من أولها إلى قوله : (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ) [آل عمران : ١٢١] قاله القرطبي في أول السورة ، وفي تفسير قوله : (ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتابَ) [آل عمران : ٧٩] الآية. وقد تقدم القول في صدر سورة الفاتحة : إنّنا بينا إمكان تقارن نزول سور عدّة في مدة واحدة ، فليس معنى قولهم : نزلت سورة كذا بعد سورة كذا ، مرادا منه أنّ المعدودة نازلة بعد أخرى أنّها ابتدئ نزولها بعد انتهاء الأخرى ، بل المراد أنّها ابتدئ نزولها بعد ابتداء نزول التي سبقتها.

وقد عدت هذه السورة الثامنة والأربعين في عداد نزول سور القرآن.

وعدد آيها مائتان في عدّ الجمهور وعددها عند أهل العدد بالشام مائة وتسع وتسعون.

واشتملت هذه السورة ، من الأغراض : على الابتداء بالتنويه بالقرآن ، ومحمدصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وتقسيم آيات القرآن ، ومراتب الأفهام في تلقّيها ، والتنويه بفضيلة الإسلام وأنّه لا يعدله دين ، وأنّه لا يقبل دين عند الله ، بعد ظهور الإسلام ، غير الإسلام ، والتنويه بالتوراة والإنجيل ، والإيماء إلى أنّهما أنزلا قبل القرآن ، تمهيدا لهذا الدين فلا يحقّ للناس ، أن يكفروا به ، وعلى التعريف بدلائل إلاهية الله تعالى ، وانفراده ، وإبطال ضلالة الذين اتّخذوا آلهة من دون الله : من جعلوا له شركاء ، أو اتّخذوا له أبناء ، وتهديد المشركين بأنّ أمرهم إلى زوال ، وألّا يغرّهم ما هم فيه من البذخ ، وأنّ ما أعدّ للمؤمنين خير من ذلك ، وتهديدهم بزوال سلطانهم ، ثم الثناء على عيسى ـ عليه‌السلام ـ وآل بيته ، وذكر معجزة ظهوره ، وأنّه مخلوق لله ، وذكر الذين آمنوا به حقا. وإبطال إلاهية عيسى ، ومن ثمّ أفضى

٦

إلى قضية وفد نجران ولجاجتهم ، ثم محاجّة أهل الكتابين في حقيقة الحنيفية وأنّهم بعداء عنها ، وما أخذ الله من العهد على الرسل كلّهم : أن يؤمنوا بالرسول الخاتم ، وأنّ الله جعل الكعبة أول بيت وضع للناس ، وقد أعاد إليه الدين الحنيف كما ابتدأه فيه ، وأوجب حجّه على المؤمنين ، وأظهر ضلالات اليهود ، وسوء مقالتهم ، وافترائهم في دينهم وكتمانهم ما أنزل إليهم. وذكّر المسلمين بنعمته عليهم بدين الإسلام ، وأمرهم بالاتّحاد والوفاق ، وذكّرهم بسابق سوء حالهم في الجاهلية ، وهوّن عليهم تظاهر معانديهم من أهل الكتاب والمشركين ، وذكّرهم بالحذر من كيدهم وكيد الذين أظهروا الإسلام ثم عادوا إلى الكفر فكانوا مثلا لتمييز الخبيث من الطيب ، وأمرهم بالاعتزاز بأنفسهم ، والصبر على تلقّي الشدائد ، والبلاء ، وأذى العدوّ ، ووعدهم على ذلك بالنّصر والتأييد وإلقاء الرعب منهم في نفوس عدوّهم ، ثم ذكّرهم بيوم أحد ، ويوم بدر ، وضرب لهم الأمثال بما حصل فيهما ، ونوّه ، بشأن الشهداء من المسلمين ، وأمر المسلمين بفضائل الأعمال : من بذل المال في مواساة الأمة ، والإحسان ، وفضائل الأعمال ، وترك البخل ، ومذّمة الربا وختمت السورة بآيات التفكير في ملكوت الله.

وقد عملت أنّ سبب نزول هذه السورة قضية وفد نجران من بلاد اليمن. ووفد نجران هم قوم من نجران بلغهم مبعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان أهل نجران متديّنين بالنصرانية ، وهم من أصدق العرب تمسّكا بدين المسيح ، وفيهم رهبان مشاهير ، وقد أقاموا للمسيحية كعبة ببلادهم هي التي أشار إليها الأعشى حين مدحهم بقوله :

فكعبة نجران حتم عليك حتّى تناخي بأبوابها

فاجتمع وفد منهم يرأسه العاقب ـ فيه ستون رجلا ـ واسمه عبد المسيح ، وهو أمير الوفد ، ومعه السّيّد واسمه الأيهم ، وهو ثمال القوم وولي تدبير الوفد ، ومشيره وذو الرأي فيه ، وفيهم أبو حارثة بن علقمة البكري ، وهو أسقفّهم وصاحب مدراسهم ووليّ دينهم ، وفيهم أخو أبي حارثة ، ولم يكن من أهل نجران ، ولكنّه كان ذا رتبة : شرّفه ملوك الروم وموّلوه. فلقوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وجادلهم في دينهم ، وفي شأن ألوهية المسيح ، فلمّا قامت الحجة عليهم أصرّوا على كفرهم وكابروا ، فدعاهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المباهلة ، فأجابوا ثم استعظموا ذلك ، وتخلّصوا منه ، ورجعوا إلى أوطانهم ، ونزلت بضع وثمانون آية من أول هذه السورة في شأنهم كما في «سيرة ابن هشام» عن ابن إسحاق. وذكر ذلك الواحدي والفخر ، فمن ظنّ من أهل السير أنّ وفد نجران وفدوا في سنة تسع فقد وهم وهما انجرّ

٧

إليه من اشتهار سنة تسع بأنّها سنة الوفود. والإجماع على أنّ سورة آل عمران من أوائل المدنيّات ، وترجيح أنّها نزلت في وفد نجران يعيّنان أنّ وفد نجران كان قبل سنة الوفود.

(الم (١))

لما كان أول أغراض هذه السورة ، الذي نزلت فيه ، هو قضية مجادلة نصارى نجران حين وفدوا إلى المدينة ، وبيان فضل الإسلام على النصرانيّة ، لا جرم افتتحت بحروف التهجّي ، المرموز بها إلى تحدّي المكذّبين بهذا الكتاب ، وكان الحظّ الأوفر من التكذيب بالقرآن للمشركين منهم ، ثم للنصارى من العرب ؛ لأنّ اليهود الذين سكنوا بلاد العرب فتكلّموا بلسانهم لم يكونوا معدودين من أهل اللسان ، ويندر فيهم البلغاء بالعربية مثل السّموأل ، وهذا وما بعده إلى قوله : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً) [آل عمران : ٣٣] تمهيد لما نزلت السورة بسببه وبراعة استهلال لذلك.

وتقدم القول في معاني (الم) أول البقرة.

[٢ ـ ٤] (اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (٢) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (٣) مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (٤))

(اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (٢) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (٣) مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ).

ابتدئ الكلام بمسند إليه خبره فعليّ : لإفادة تقوية الخبر اهتماما به.

وجيء بالاسم العلم : لتربية المهابة عند سماعه ، ثم أردف بجملة (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) ، جملة معترضة أو حالية ، ردّا على المشركين ، وعلى النصارى خاصة. وأتبع بالوصفين (الْحَيُّ الْقَيُّومُ) لنفي اللبس عن مسمّى هذا الاسم ، والإيماء إلى وجه انفراده بالإلهية ، وأنّ غيره لا يستأهلها ؛ لأنّه غير حيّ أو غير قيّوم ، فالأصنام لا حياة لها ، وعيسى في اعتقاد النصارى قد أميت ، فما هو الآن بقيّوم ولا هو في حال حياته بقيّوم على تدبير العالم ، وكيف وقد أوذي في الله ، وكذّب ، واختفى من أعدائه. وقد مضى القول في معنى (الْحَيُّ الْقَيُّومُ) في تفسير آية الكرسي.

٨

وقوله : (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ) خبر عن اسم الجلالة. والخبر هنا مستعمل في الامتنان ، أو هو تعريض ونكاية بأهل الكتاب : الذين أنكروا ذلك. وجيء بالمسند فعلا لإفادة تقوية الخبر ، أو للدلالة ـ مع ذلك ـ على الاختصاص : أي الله لا غيره نزّل عليك الكتاب إبطالا لقول المشركين : إنّ القرآن من كلام الشيطان ، أو من طرائق الكهانة ، أو يعلّمه بشر.

والتضعيف في (نَزَّلَ) للتعدية فهو يساوي الهمز في أنزل ، وإنّما التضعيف يؤذن بقوة الفعل في كيفيته أو كمّيته ، في الفعل المتعدّي بغير التضعيف ، من أجل أنّهم قد أتوا ببعض الأفعال المتعدّية ، للدلالة على ذلك ، كقولهم : فسر وفسّر ، وفرق وفرّق ، وكسر وكسّر ، كما أتوا بأفعال قاصرة بصيغة المضاعفة ، دون تعدية للدلالة على قوة الفعل ، كما قالوا : مات وموّت وصاح وصيّح. فأما إذا صار التضعيف للتعدية فلا أوقن بأنّه يدلّ على تقوية الفعل ، إلّا أن يقال : إنّ العدول عن التعدية بالهمز ، إلى التعدية بالتضعيف ، لقصد ما عهد في التضعيف من تقوية معنى الفعل ، فيكون قوله : (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ) أهمّ من قوله : (وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ) للدلالة على عظم شأن نزول القرآن. وقد بيّنت ذلك مستوفى في المقدّمة الأولى من هذا التفسير ، ووقع في «الكشاف» ، هنا وفي مواضع متعدّدة ، أن قال : إن نزّل يدل على التنجيم وإنّ أنزل يدل على أنّ الكتابين أنزلا جملة واحدة وهذا لا علاقة له بمعنى التقوية المدّعى للفعل المضاعف ، إلّا أن يعني أنّ نزّل مستعمل في لازم التكثير ، وهو التوزيع ورده أبو حيان بقوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) [الفرقان : ٣٢] فجمع بين التضعيف وقوله : (جُمْلَةً واحِدَةً). وأزيد أنّ التوراة والإنجيل نزلا مفرّقين كشأن كلّ ما ينزل على الرسل في مدة الرسالة ، وهو الحق : إذ لا يعرف أنّ كتابا نزل على رسول دفعة واحدة. والكتاب : القرآن. والباء في قوله : (بِالْحَقِ) للملابسة ، ومعنى ملابسته للحق اشتماله عليه في جميع ما يشتمل عليه من المعاني قال تعالى : (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) [الإسراء : ١٠٥].

ومعنى (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) أنّه مصدق للكتب السابقة له ، وجعل السابق بين يديه : لأنّه يجيء قبله ، فكأنّه يمشي أمامه.

والتوراة اسم للكتاب المنزّل على موسى عليه‌السلام ، وهو اسم عبراني أصله طورا بمعنى الهدي ، والظاهر أنّه اسم للألواح التي فيها الكلمات العشر التي نزلت على موسى عليه‌السلام في جبل الطور ؛ لأنّها أصل الشريعة التي جاءت في كتب موسى ، فأطق ذلك

٩

الاسم على جميع كتب موسى ، واليهود يقولون (سفر طورا) فلمّا دخل هذا الاسم إلى العربية أدخلوا عليه لام التعريف التي تدخل على الأوصاف والنكرات لتصير أعلاما بالغلبة : مثل العقبة ، ومن أهل اللغة والتفسير من حاولوا توجيها لاشتقاقه اشتقاقا عربيا ، فقالوا : إنّ مشتق من الوري وهو الوقد ، بوزن تفعلة أو فوعلة ، وربّما أقدمهم على ذلك أمران : أحدهما دخول التعريف عليه ، وهو لا يدخل على الأسماء العجمية ، وأجيب بأن لا مانع من دخولها على المعرّب كما قالوا : الاسكندرية ، وهذا جواب غير صحيح ؛ لأنّ الإسكندرية وزن عربي ؛ إذ هو نسب إلى إسكندر ، فالوجه في الجواب أنّه إنّما ألزم التعريف لأنّه معرّب عن اسم بمعنى الوصف اسم علم فلمّا عربوه ألزموه اللام لذلك.

الثاني أنّها كتبت في المصحف بالياء ، وهذا لم يذكروه في توجيه كونه عربيا ، وسبب كتابته كذلك الإشارة إلى لغة إمالته.

وأما الإنجيل فاسم للوحي الذي أوحي به إلى عيسى عليه‌السلام فجمعه أصحابه.

وهو اسم معرّب قيل من الرومية وأصله (إثانجيليوم) أي الخبر الطيّب ، فمدلوله مدلول اسم الجنس ، ولذلك أدخلوا عليه كلمة التعريف في اللغة الرومية ، فلمّا عرّبه العرب أدخلوا عليه حرف التعريف ، وذكر القرطبي عن الثعلبي أنّ الإنجيل في السريانية ـ وهي الآرامية ـ (أنكليون) ولعلّ الثعلبي اشتبه عليه الرومية بالسريانية ، لأنّ هذه الكلمة ليست سريانية وإنّما لما نطق بها نصارى العراق ظنّها سريانية ، أو لعلّ في العبارة تحريفا وصوابها اليونانية وهو في اليونانية (أووانيليون) أي اللفظ الفصيح. وقد حاول بعض أهل اللغة والتفسير جعله مشتقا من النجل وهو الماء الذي يخرج من الأرض ، وذلك تعسّف أيضا. وهمزة الإنجيل مكسورة في الأشهر ليجري على وزن الأسماء العربية ؛ لأنّ افعيلا موجود بقلة مثل إبزيم ، وربّما نطق به بفتح الهمزة ، وذلك لا نظير له في العربية.

و (مِنْ قَبْلُ) يتعلّق ب (أَنْزَلَ) ، والأحسن أن يكون حالا أولى من التوراة والإنجيل ، و «هدى» حال ثانية. والمضاف إليه قبل محذوف منويّ معنى ، كما اقتضاه بناء قبل على الضم ، والتقدير من قبل هذا الزمان ، وهو زمان نزول القرآن.

وتقديم (مِنْ قَبْلُ) على (هُدىً لِلنَّاسِ) للاهتمام به. وأما ذكر هذا القيد فلكي لا يتوهّم أنّ هدى التوراة والإنجيل مستمرّ بعد نزول القرآن. وفيه إشارة إلى أنّها كالمقدّمات لنزول القرآن ، الذي هو تمام مراد الله من البشر (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) [آل عمران : ١٩] فالهدى الذي سبقه غير تام.

١٠

و (لِلنَّاسِ) تعريفه إمّا للعهد : وهم الناس الذي خوطبوا بالكتابين ، وإمّا للاستغراق العرفي : فإنّهما وإن خوطب بهما ناس معروفون ، فإنّ ما اشتملا عليه يهتدي به كلّ من أراد أن يهتدي ، وقد تهوّد وتنصّر كثير ممّن لم تشملهم دعوة موسى وعيسى عليهما‌السلام ، ولا يدخل في العموم الناس الذين دعاهم محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لأنّ القرآن أبطل أحكام الكتابين ، وأما كون شرع من قبلنا شرعا لنا عند معظم أهل الأصول ، فذلك فيما حكاه عنهم القرآن لا ما يوجد في الكتابين ، فلا يستقيم اعتبار الاستغراق بهذا الاعتبار بل بما ذكرناه.

والفرقان في الأصل مصدر فرق كالشكران والكفران والبهتان ، ثم أطلق على ما يفرق به بين الحق والباطل قال تعالى : (وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ) [الأنفال : ٤١] وهو يوم بدر. وسمّي به القرآن قال تعالى : (تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ) [الفرقان: ١] والمراد بالفرقان هنا القرآن ؛ لأنّه يفرق بين الحق والباطل ، وفي وصفه بذلك تفضيل لهداه على هدى التوراة والإنجيل ؛ لأنّ التفرقة بين الحق والباطل أعظم أحوال الهدي ، لما فيها من البرهان ، وإزالة الشبهة. وإعادة قوله : (وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ) بعد قوله : (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِ) للاهتمام ، وليوصل الكلام به في قوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ) [آل عمران : ٤] الآية أي بآياته في القرآن.

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ).

استئناف بياني ممهّد إليه بقوله : (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِ) لأنّ نفس السامع تتطلّع إلى معرفة عاقبة الذين أنكروا هذا التنزيل.

وشمل قوله : (الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ) المشركين واليهود والنصارى في مرتبة واحدة ، لأنّ جميعهم اشتركوا في الكفر بالقرآن ، وهو المراد بآيات الله ـ هنا ـ لأنّه الكتاب الوحيد الذي يصح أن يوصف بأنّه آية من آيات الله ؛ لأنّه معجزة. وعبّر عنهم بالموصول إيجازا ؛ لأنّ الصلة تجمعهم ، والإيماء إلى وجه بناء الخبر وهو قوله : (لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ).

وعطف قوله : (وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ) على قوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ) لأنّه من تكملة هذا الاستئناف : لمجيئه مجيء التبيين لشدّة عذابهم ؛ إذ هو عذاب عزيز منتقم كقوله : (فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ) [القمر : ٤٢].

١١

والعزيز تقدم عند قوله تعالى في سورة البقرة [٢٠٩] : (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).

والانتقام : العقاب على الاعتداء بغضب ، ولذلك قيل للكاره : ناقم. وجيء في هذا الوصف بكلمة (ذو) الدالة على الملك للإشارة إلى أنّه انتقام عن اختيار لإقامة مصالح العباد وليس هو تعالى مندفعا للانتقام بدافع الطبع أو الحنق.

(إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (٥))

استئناف يتنزّل منزلة البيان لوصف الحي لأنّ عموم العلم يبيّن كمال الحياة. وجيء ب (شيء) هنا لأنّه من الأسماء العامة.

وقوله : (فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) قصد منه عموم أمكنة الأشياء ، فالمراد من الأرض الكرة الأرضية : بما فيها من بحار ، والمراد بالسماء جنس السموات : وهي العوالم المتباعدة عن الأرض. وابتدئ في الذكر بالأرض ليتسنّى التدرّج في العطف إلى الأبعد في الحكم ؛ لأنّ أشياء الأرض يعلم كثيرا منها كثير من الناس ، أما أشياء السماء فلا يعلم أحد بعضها فضلا عن علم جميعها.

(هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦))

(هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ).

استئناف ثان يبيّن شيئا من معنى القيّومية ، فهو كبدل البعض من الكل ، وخصّ من بين شئون القيّومية تصوير البشر لأنّه من أعجب مظاهر القدرة ؛ ولأنّ فيه تعريضا بالرد على النصارى في اعتقادهم إلاهية عيسى من أجل أنّ الله صوّره بكيفية غير معتادة فبيّن لهم أنّ الكيفيات العارضة للموجودات كلّها من صنع الله وتصويره : سواء المعتاد ، وغير المعتاد.

و (كَيْفَ) هنا ليس فيها معنى الاستفهام ، بل هي دالة على مجّد معنى الكيفية ؛ أي الحالة ، فهي هنا مستعملة في أصلها الموضوعة له في اللغة ؛ إذ لا ريب في أنّ (كيف) مشتملة على حروف مادة الكيفية ، والتكيّف ، وهو الحالة والهيئة ، وإن كان الأكثر في الاستعمال أن تكون اسم استفهام ، وليست (كيف) فعلا ؛ لأنّها لا دلالة فيها على الزمان ، ولا حرفا لاشتمالها على مادة اشتقاق. وقد تجيء (كيف) اسم شرط إذا اتّصلت بها ما

١٢

الزائدة وفي كلّ ذلك لا تفارقها الدلالة على الحالة ، ولا يفارقها إيلاء الجملة الفعلية إياها إلّا ما شذّ من قولهم : كيف أنت. فإذا كانت استفهاما فالجملة بعدها هي المستفهم عنه فتكون معمولة للفعل الذي بعدها ، ملتزما تقديمها عليه ؛ لأنّ للاستفهام الصدارة ، وإذا جرّدت عن الاستفهام كان موقعها من الإعراب على حسب ما يطلبه الكلام الواقعة هي فيه من العوامل كسائر الأسماء.

وأمّا الجملة التي بعدها ـ حينئذ ـ فالأظهر أن تعتبر مضافا إليها اسم كيف ويعتبر كيف من الأسماء الملازمة للإضافة. وجرى في كلام بعض أهل العربية أنّ فتحة (كيف) فتحة بناء.

والأظهر عندي أنّ فتحة كيف فتحة نصب لزمتها لأنّها دائما متّصلة بالفعل فهي معمولة له على الحالية أو نحوها ، فلملازمة ذلك الفتح إياها أشبهت فتحة البناء.

فكيف في قوله هنا (كَيْفَ يَشاءُ) يعرب مفعولا مطلقا «ليصوّركم» ، إذ التقدير: حال تصوير يشاؤها كما قاله ابن هشام في قوله تعالى : (كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ) [الفجر : ٦].

وجوّز صاحب «المغني» أن تكون شرطية ، والجواب محذوف لدلالة قوله :(يُصَوِّرُكُمْ) عليه وهو بعيد ؛ لأنّها لا تأتي في الشرط إلّا مقترنة بما. وأما قول الناس : كيف شاء فعل فلحن. وكذلك جزم الفعل بعدها قد عدّ لحنا عند جمهور أئمّة العربية.

وذلّ تعريف الجزأين على قصر صفة التصوير عليه تعالى وهو قصر حقيقي لأنّه كذلك في الواقع ؛ إذ هو مكوّن أسباب ذلك التصوير وهذا إيماء إلى كشف شبة النصارى إذ توهّموا أن تخلّق عيسى بدون ماء أب دليل على أنّه غير بشر وأنّه إله وجهلوا أنّ التصوير في الأرحام وإن اختلفت كيفياته لا يخرج عن كونه خلقا لما كان معدوما فكيف يكون ذلك المخلوق المصوّر في الرحم إلها.

(لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

تذييل لتقرير الأحكام المتقدّمة. وتقدم معنى العزيز الحكيم في قوله تعالى : (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) وفي افتتاح السورة بهذه الآيات براعة استهلال لنزولها في مجادلة نصارى نجران ، ولذلك تكرّر في هذا الطالع قصر الإلهية على الله تعالى في قوله : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) وقوله : (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ) وقوله : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ).

١٣

(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ (٧))

(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ).

استئناف ثالث بإخبار عن شأن من شئون الله تعالى ، متعلّق بالغرض المسوق له الكلام : وهو تحقيق إنزاله القرآن والكتابين من قبله ، فهذا الاستئناف مؤكّد لمضمون قوله : (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِ) [آل عمران : ٣] وتمهيد لقوله : (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ) لأنّ الآيات نزلت في مجادلة وفد نجران ، وصدّرت بإبطال عقيدتهم في إلاهية المسيح : فالإشارة إلى أوصاف الإله الحقّة ، توجّه الكلام هنا إلى إزالة شبهتهم في شأن زعمهم اعتراف نصوص القرآن بإلهية المسيح ؛ إذ وصف فيها بأنّه روح الله ؛ وأنّه يحيي الموتى وأنّه كلمة الله ، وغير ذلك فنودي عليهم بأن ما تعلّقوا به تعلّق اشتباه وسوء بأويل.

وفي قوله : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ) قصر صفة إنزال القرآن على الله تعالى: لتكون الجملة ، مع كونها تأكيدا وتمهيدا ، إبطالا أيضا لقول المشركين : (إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) [النحل : ١٠٣] وقولهم : (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) [الفرقان : ٥]. وكقوله : (وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ* وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ* إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ) [الشعراء : ٢١٠ ـ ٢١٢] ذلك أنّهم قالوا : هو قول كاهن ، وقول شاعر ، واعتقدوا أنّ أقوال الكهّان وأقوال الشعراء من إملاء الأرئياء (جمع رئي).

ومن بدائع البلاغة أن ذكر في القصر فعل أنزل ، الذي هو مختصّ بالله تعالى ولو بدون صيغة القصر ، إذ الإنزال يرادف الوحي ولا يكون إلّا من الله بخلاف ما لو قال هو الذي آتاك الكتاب.

وضمير (مِنْهُ) عائد إلى القرآن. و «منه» خبر مقدم و (آياتٌ مُحْكَماتٌ) مبتدأ.

والإحكام في الأصل المنع ، قال جرير :

أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم

إنّي أخاف عليكم أن أغضبا

واستعمل الإحكام في الإتقان والتوثيق ؛ لأنّ ذلك يمنع تطرّق ما يضادّ المقصود ، ولذا سمّيت الحكمة حكمة ، وهو حقيقة أو مجاز مشهور.

١٤

أطلق المحكم في هذه الآية على واضح الدلالة على سبيل الاستعارة لأنّ في وضوح الدلالة ، منعا لتطرّق الاحتمالات الموجبة للتردّد في المراد.

وأطلق التشابه هنا على خفاء الدلالة على المعنى ، على طريقة الاستعارة لأنّ تطرّق الاحتمال في معاني الكلام يفضي إلى عدم تعيّن أحد الاحتمالات ، وذلك مثل تشابه الذوات في عدم تمييز بعضها عن بعض.

وقوله : (أُمُّ الْكِتابِ) أمّ الشيء أصله وما ينضمّ إليه كثيره وتتفرّع عنه فروعه ، ومنه سمّيت خريطة الرأس ، الجامعة له : أمّ الرأس وهي الدماغ ، وسمّيت الراية الأمّ لأنّ الجيش ينضوي إليها ، وسمّيت المدينة العظيمة أمّ القرى ، وأصل ذلك أنّ الأمّ حقيقة في الوالدة ، وهي أصل للمولود وجامع للأولاد في الحضانة ، فباعتبار هذين المعنيين ، أطلق اسم الأمّ على ما ذكرنا ، على وجه التشبيه البليغ. ثم شاع ذلك الإطلاق حتى ساوى الحقيقة ، وتقدّم ذلك في تسمية الفاتحة أمّ القرآن.

والكتاب : القرآن لا محالة ؛ لأنّه المتحدّث عنه بقوله : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ) فليس قوله : (أُمُّ الْكِتابِ) هنا بمثل قوله : (وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) [الرعد : ٣٩].

وقوله : (وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) المتشابهات المتماثلات ، والتماثل يكون في صفات كثيرة فيبين بما يدل على وجه التماثل ، وقد يترك بيانه إذا كان وجه التماثل ظاهرا ، كما في قوله تعالى : (إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا) [البقرة : ٧٠] ولم يذكر في هذه الآية جهة التشابه.

وقد أشارت الآية : إلى أنّ الآيات القرآن صنفان : محكمات وأضدادها ، التي سميت متشابهات ، ثم بيّن أنّ المحكمات هي أمّ الكتاب ، فعلمنا أنّ المتشابهات هي أضداد المحكمات ، ثم أعقب ذلك بقوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ) [آل عمران : ٧] أي تأويله الذي لا قبل لأمثالهم به فعلمنا أنّ المتشابهات هي التي لم يتّضح المقصود من معانيها ، فعلمنا أنّ صفة المحكمات ، والمتشابهات ، راجعة إلى ألفاظ الآيات.

ووصف المحكمات بأنّها أمّ الكتاب فاحتمل أن يكون المراد من الأمّ الأصل ، أو المرجع ، وهما متقاربان : أي هنّ أصل القرآن أو مرجعه ، وليس يناسب هذين المعنيين إلّا دلالة القرآن ؛ إذ القرآن أنزل للإرشاد والهدي ، فالمحكمات هي أصول الاعتقاد والتشريع والآداب والمواعظ ، وكانت أصولا لذلك : باتّضاح دلالتها ، بحيث تدل على

١٥

معان لا تحتمل غيرها أو تحتمله احتمالا ضعيفا غير معتدّ به ، وذلك كقوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورة : ١١] ـ لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ) [الأنبياء : ٢٣] ـ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ) [البقرة : ١٨٥] ـ وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ) [البقرة : ٢٠٥] ـ وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) [النازعات : ٤٠]. وباتّضاح معانيها بحيث تتناولها أفهام معظم المخاطبين بها وتتأهّل لفهمها فهي أصل القرآن المرجوع إليه في حمل معاني غيرها عليها للبيان أو التفريع.

والمتشابهات مقابل المحكمات ، فهي التي دلّت على معان تشابهت في أن يكون كلّ منها هو المراد. ومعنى تشابهها : أنّها تشابهت في صحة القصد إليها ، أي لم يكن بعضها أرجح من بعض. أو يكون معناها صادقا بصور كثيرة متناقضة أو غير مناسبة لأن تكون مرادا ، فلا يتبيّن الغرض منها ، فهذا وجه تفسير الآية فيما أرى.

وقد اختلف علماء الإسلام في تعيين المقصود من المحكمات والمتشابهات على أقوال : مرجعها إلى تعيين مقدار الوضوح والخفاء ، فعن ابن عباس : أنّ المحكم ما لا تختلف فيه الشرائع كتوحيد الله تعالى ، وتحريم الفواحش ، وذلك ما تضمنته الآيات الثلاث من أواخر سورة الأنعام [١٥١] : (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) والآيات من سورة الإسراء [٢٣] : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) ، وأن المتشابه المجملات التي لم تبيّن كحروف أوائل السور.

وعن ابن مسعود ، وابن عباس أيضا : أنّ المحكم ما لم ينسخ والمتشابه المنسوخ وهذا بعيد عن أن يكون مرادا هنا لعدم مناسبته للوصفين ولا لبقية الآية.

وعن الأصم : المحكم ما اتّضح دليله ، والمتشابه ما يحتاج إلى التدبّر ، وذلك كقوله تعالى : (وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ) [الزخرف : ١١] فأولها محكم وآخرها متشابه.

وللجمهور مذهبان : أولهما أنّ المحكم ما اتّضحت دلالته ، والمتشابه ما استأثر الله بعلمه ، ونسب هذا القول لمالك ، في رواية أشهب ، من جامع العتبيّة ، ونسبه الخفاجي إلى الحنفية وإليه مال الشاطبي في الموافقات.

وثانيهما أنّ المحكم الواضح الدلالة ، والمتشابه الخفيها ، وإليه مال الفخر : فالنص والظاهر هنا المحكم ، لاتّضاح دلالتهما ، وإن كان أحدهما أي الظاهر يتطرّقه احتمال

١٦

ضعيف ، والمجمل والمؤوّل هما المتشابه ، لاشتراكهما في خفاء الدلالة وإن كان أحدهما : أي المؤول دالا على معنى مرجوح ، يقابله معنى راجح ، والمجمل دالا على معنى مرجوع يقابله مرجوع آخر ، ونسبت هذه الطريقة إلى الشافعية.

قال الشاطبي : فالتشابه : حقيقي ، وإضافي ، فالحقيقي : ما لا سبيل إلى فهم معناه ، وهو المراد من الآية ، والإضافي : ما اشتبه معناه ، لاحتياجه إلى مراعاة دليل آخر. فإذا تقصّى المجتهد أدلّة الشريعة وجد فيها ما يبيّن معناه ، والتشابه بالمعنى الحقيقي قليل جدّا في الشريعة وبالمعنى الإضافي كثير.

وقد دل هذه الآية على أنّ من القرآن محكما ومتشابها ، ودلت آيات أخر على أنّ القرآن كلّه محكم ، قال تعالى : (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ) [هود : ١] وقال : (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ) [يونس : ١] والمراد أنّه أحكم وأتقن في بلاغته ، كما دلت آيات على أنّ القرآن كلّه متشابه ، قال تعالى : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً)[الزمر : ٢٣] والمعنى أنّه تشابه في الحسن والبلاغة والحقيّة ، وهو معنى : «ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا» فلا تعارض بين هذه الآيات : لاختلاف المراد بالإحكام والتشابه في مواضعها ، بحسب ما تقتضيه المقامات.

وسبب وقوع المتشابهات في القرآن : هو كونه دعوة ، وموعظة ، وتعليما ، وتشريعا باقيا ، ومعجزة ، وخوطب به قوم لم يسبق لهم عهد بالتعليم والتشريع ، فجاء على أسلوب مناسب لجمع هذه الأمور ، بحسب حال المخاطبين الذين لم يعتادوا الأساليب التدريسية ، أو الأمالي العلمية ، وإنّما كانت هجّيراهم الخطابة والمقاولة ، فأسلوب المواعظ والدعوة قريب من أسلوب الخطابة ، وهو لذلك لا يأتي على أساليب الكتب المؤلّفة للعلم ، أو القوانين الموضوعة للتشريع ، فأودعت العلوم المقصود منه في تضاعيف الموعظة والدعوة ، وكذلك أودع فيه التشريع ، فلا تجد أحكام نوع من المعاملات ، كالبيع ، متّصلا بعضها ببعض ، بل تلفيه موزّعا على حسب ما اقتضته مقامات الموعظة والدعوة ، ليخفّ تلقّيه على السامعين ، ويعتادوا علم ما لم يألفوه في أسلوب قد ألفوه فكانت متفرّقة يضمّ بعضها إلى بعض بالتدبّر. ثم إنّ إلقاء تلك الأحكام كان في زمان طويل ، يزيد على عشرين سنة ، ألقي إليهم فيها من الأحكام بمقدار ما دعت إليه حاجتهم ، وتحمّلته مقدرتهم ، على أنّ بعض تشريعه أصول لا تتغيّر ، وبعضه فروع تختلف باختلاف أحوالهم ، فلذلك تجد بعضها عاما ، أو مطلقا ، أو مجملا ، وبعضها خاصا ، أو مقيدا ، أو مبيّنا ، فإذا كان بعض

١٧

المجتهدين يرى تخصيص عموم بعض عموماته بخصوص بعض الخصوصات مثلا ، فلعلّ بعضا منهم لا يتمسّك إلّا بعمومه ، حينئذ ، كالذي يرى الخاص الوارد بعد العام ناسخا ، فيحتاج إلى تعيين التاريخ ، ثم إنّ العلوم التي تعرّض لها القرآن هي من العلوم العليا : وهي علوم فيما بعد الطبيعة ، وعلوم مراتب النفوس ، وعلوم النظام العمراني ، والحكمة ، وعلوم الحقوق. وفي ضيق اللغة الموضوعة عن الإيفاء بغايات المرادات في هاته العلوم ، وقصور حالة استعداد أفهام عموم المخاطبين لها ، ما أوجب تشابها في مدلولات الآيات الدالة عليها. وإعجاز القرآن : منه إعجاز نظمي ومنه إعجاز علمي ، وهو فنّ جليل من الإعجاز بيّنته في المقدمة العاشرة من مقدّمات هذا التفسير. فلمّا تعرض القرآن إلى بعض دلائل الأكوان وخصائصها ، فيما تعرّض إليه ، جاء به محكيا بعبارة تصلح لحكاية حالته على ما هو في نفس الأمر ، وربّما كان إدراك كنه حالته في نفس الأمر مجهولا لأقوام ، فيعدّون تلك الآي الدالة عليه من المتشابه فإذا جاء من بعدهم علموا أنّ ما عدّه الذين قبلهم متشابها ما هو إلّا محكم.

على أنّ من مقاصد القرآن أمرين آخرين :

أحدهما كونه شريعة دائمة ، وذلك يقتضي فتح أبواب عباراته لمختلف استنباط المستنبطين ، حتى تؤخذ منه أحكام الأولين والآخرين ، وثانيهما تعويد حملة هذه الشريعة ، وعلماء هذه الأمة ، بالتنقيب ، والبحث ، واستخراج المقاصد من عويصات الأدلة ، حتى تكون طبقات علماء الأمة صالحة ـ في كلّ زمان ـ لفهم تشريع الشارع ومقصده من التشريع ، فيكونوا قادرين على استنباط الأحكام التشريعية ، ولو صيغ لهم التشريع في أسلوب سهل التناول لاعتادوا العكوف على ما بين أنظارهم في المطالعة الواحدة. من أجل هذا كانت صلوحية عباراته لاختلاف منازع المجتهدين ، قائمة مقام تلاحق المؤلّفين في تدوين كتب العلوم ، تبعا لاختلاف مراتب العصور.

فإذا علمت هذا علمت أصل السبب في وجود ما يسمّى بالمتشابه في القرآن. وبقي أن نذكر لك مراتب التشابه وتفاوت أسبابها. وأنّها فيما انتهى إليه استقراؤنا الآن عشر مراتب :

أولاها : معان قصد إيداعها في القرآن ، وقصد إجمالها : إمّا لعدم قابلية البشر لفهمها ، ولو في الجملة ، إن قلنا بوجود المجمل ، الذي استأثر الله بعلمه ، على ما سيأتي ، ونحن لا نختاره. وإمّا لعدم قابليتهم لكنه فهمها ، فألقيت إليهم على وجه الجملة أو لعدم

١٨

قابلية بعضهم في عصر ، أو جهة ، لفهمها بالكنة ومن هذا أحوال القيامة ، وبعض شئون الربوبية كالإتيان في ظلل من الغمام ، والرؤية ، والكلام ، ونحو ذلك.

وثانيتها : معان قصد إشعار المسلمين بها ، وتعيّن إجمالها ، مع إمكان حملها على معان معلومة لكن بتأويلات : كحروف أوائل السور ، ونحو (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) [طه : ٥](ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) [البقرة : ٢٩](١).

ثالثتها : معان عالية ضاقت عن إيفاء كنهها اللغة الموضوعة لأقصى ما هو متعارف أهلها ، فعبّر عن تلك المعاني بأقصى ما يقرّب معانيها إلى الأفهام ، وهذا مثل أكثر صفات الله نحو الرحمن ، الرءوف ، المتكبّر ، نور السموات والأرض.

رابعتها : معان قصرت عنها الأفهام في بعض أحوال العصور ، وأودعت في القرآن ليكون وجودها معجزة قرآنيّة عند أهل العلم في عصور قد يضعف فيها إدراك الإعجاز النظمي ، نحو قوله : (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها) [يس : ٣٨](وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ) [الحجر : ٢٢](يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ) [الزمر : ٥](وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) [النمل : ٨٨](تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) [المؤمنون : ٢٠](زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) [النور : ٣٥](وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) [هود : ٧](ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ) [فصلت : ١١] وذكر سدّ يأجوج ومأجوج(٢).

خامستها : مجازات وكنايات مستعملة في لغة العرب ، إلّا أنّ ظاهرها أوهم معاني لا يليق الحمل عليها في جانب الله تعالى : لإشعارها بصفات تخالف كمال الإلهية ، وتوقّف فريق في محملها تنزيها ، نحو : (فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا) [الطور : ٤٨](وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ) [الذاريات : ٤٧](وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ) [الرحمن : ٢٧](٣).

وسادستها : ألفاظ من لغات العرب لم تعرف لدى الذين نزل القرآن بينهم : قريش

__________________

(١) لعل لفعل استوى خصوصية في اللغة أدركها أهل اللسان يومئذ كان بها أجدر بالدلالة على معنى تمكن الخالق من مخلوقه ولذلك اختير في الآيتين دون فعل غلب أو تمكن.

(٢) هذه الآيات دلت على معان عظيمة كشفتها العلوم الطبيعية والرياضية والتاريخية والجغرافية وتفصيلها يحتاج إلى تطويل.

(٣) إذ تطلق العين على الحفظ والعناية قال النابغة ـ عهدتك ترعاني بعين بصيرة ـ وتطلق اليد على القدرة والقوة قال : وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ. ويطلق الوجه على الذات تقول : فعلته لوجه زيد.

١٩

والأنصار مثل : (وَفاكِهَةً وَأَبًّا) [عبس : ٣١] ومثل (أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ) [النحل : ٤٧](١) (إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) [التوبة : ١١٤](وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ) [الحاقة : ٣٦](٢).

سابعتها : مصطلحات شرعية لم يكن للعرب علم بخصوصها ، فما اشتهر منها بين المسلمين معناه ، صار حقيقة عرفية : كالتيمّم ، والزكاة ، وما لم يشتهر بقي فيه إجمال : كالربا قال عمر : «نزلت آيات الربا في آخر ما أنزل فتوفّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يبيّنها» وقد تقدم في سورة البقرة.

ثامنتها : أساليب عربية خفيت على أقوام فظنّوا الكلام بها متشابها ، وهذا مثل زيادة الكاف في قوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : ١١] ومثل المشاكلة في قوله : (يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ) [النساء : ١٤٢] فيعلم السامع أنّ إسناد خادع إلى ضمير الجلالة إسناد بمعنى مجازي اقتضته المشاكلة.

وتاسعتها : آيات جاءت على عادات العرب ، ففهمها المخاطبون ، وجاء من بعدهم فلم يفهموها ، فظنّوها من المتشابه ، مثل قوله : (فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) [البقرة : ١٥٨] ، في «الموطأ» قال ابن الزبير : «قلت لعائشة ـ وكنت يومئذ حدثا لم أتفقّه ـ لا أرى بأسا على أحد ألّا يطوف بالصفا والمروة» فقالت له : «ليس كما قلت إنّما كان الأنصار يهلون لمناة الطاغية» إلخ. ومنه : (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ) [البقرة : ١٨٧](لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا) [المائدة : ٩٣] الآية فإنّ المراد فيما شربوا من الخمر قبل تحريمها.

عاشرتها : أفهام ضعيفة عدت كثيرا من المتشابه وما هو منه ، وذلك أفهام الباطنية ، وأفهام المشبّهة ، كقوله تعالى : (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ) [القلم : ٤٢].

وليس من المتشابه ما صرّح فيه بأنّا لا نصل إلى علمه كقوله : (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ

__________________

(١) روي أن عمر قرأ على المنبر أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فقال : ما تقولون في التخوف فقام شيخ من هذيل فقال : هذه لغتنا ، التخوف التنقص فقال عمر : هل تعرف العرب ذلك في أشعارها قال : نعم قول أبي بكر يصف ناقته ـ تخوف الرجل منها تامكا قردا ـ كما تخوف عود النبعة السفن.

(٢) عن ابن عباس : لا أدري ما الأواه وما الغسلين.

٢٠