من هدى القرآن - ج ٩

السيّد محمّد تقي المدرّسي

من هدى القرآن - ج ٩

المؤلف:

السيّد محمّد تقي المدرّسي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار محبّي الحسين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-5648-12-2
ISBN الدورة:
964-5648-03-3

الصفحات: ٤٩٣

وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا

وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ

هدى من الآيات :

تأكيدا لامتحان الله للإنسان في إيمانه تذكرنا آيات هذا الدرس ان الإيمان انما هو وقر في القلب ، وملكة نفسية قبل أن يكون شعارا ، وإن بعض الناس الذين يدّعون الإيمان حينما يفتنون في سبيل الله بسبب إيمانهم ينهارون أمام الفتن ، ويتنصلون عن إيمانهم ، وإن ربنا سبحانه يرد على هؤلاء مستنكرا : ان هذا العذاب البسيط الذي لا يعدو كونه فتنة لا يساوي ذلك العذاب الشديد الدائم الذي ينتظركم.

إن هناك فرقا في التعبير القرآني بين الفتنة والعذاب ، حيث نستوحي من لفظة الفتنة محدوديتها زمانا ومكانا ، بالنسبة للفرد أو الجماعة ، وأن الهدف منها هو اختبار الإنسان في إيمانه ليس إلّا ، أما العذاب فانه نتيجة لتلك الفتنة ، فحينما يذهب المرء إلى قاعة الامتحانات فانه لا يلبث إلّا قليلا ثمّ يعود بعدها إلى منزله ، ولكن نتيجة تلك السويعات القليلة تستمر معه بعد ذلك وربما تصل إلى سنين

٤٢١

عديدة ، فالفتنة إذا تساوي بمحدوديتها العذاب بدوامه واستمراره ، وقد ورد في الدعاء :

«يا رب وأنت تعلم ضعفي عن قليل من بلاء الدنيا وعقوباتها ، وما يجري فيها من المكاره على أهلها ، على أن ذلك بلاء ومكروه قليل مكثه ، يسير بقاؤه ، قصير مدته ، فكيف احتمالي لبلاء الآخرة؟! وجليل وقوع المكاره فيها؟! وهو بلاء تطول مدته ، ويدوم مقامه ، ولا يخفف عن أهله ، لأنه لا يكون إلّا عن غضبك وانتقامك وسخطك» (١)

وتشير الآيات القرآنية بعد ذلك إلى الأخطاء المنتشرة في المجتمع ، ولكنها قبلئذ تذكر بأن الأفكار الخاطئة تشبه الجرائم الخطيرة التي إذا تكاثرت على قلب الإنسان حجبته عن الخير ، وقضت على كلّ أثر للسلامة عنده «كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ» ومثل على هذه الأفكار أن يقول إنسان لآخر : اعمل ما آمرك به وأنا المسؤول عن ذلك غدا عند الله. إن هذا القول لا ينفي مسئولية المنفذ ، إذ أن من يتّبع إنسانا مفسدا فانه لا يستطيع الادعاء بأنه بريء ، ولا شك ان المتبوع مسئول عند الله سبحانه ، ذلك لأن الإنسان يتحمل تبعة تضليل الآخرين فيعاقب عليها ، دون أن يسقط عنهم العقاب.

وحين يبين القرآن الكريم هذه الحقيقة فلكي نتجنب الأفكار التبريرية التي تحول بين الإنسان ورؤيته للحقيقة ، والتي تجعل الفكر مقيدا بحدود ضيقة ، لا يرى خلالها الواقع كما هو.

بدلا من تبني هذه الأفكار الخاطئة أو اعتناقها ، فان على الإنسان أن ينفتح على الحياة ، ويرى الحقائق ببصيرة ثاقبة دون حجب ، وينزع عن عينيه تلك النظارات القاتمة.

__________________

(١) مفاتيح الجنان / دعاء كميل.

٤٢٢

وهناك كثير من الناس يضع على عينيه نظّارات حمراء وخضراء وسوداء ، ولكن على شكل مجلات ، وجرائد ، وإعلام مضّلل ، فلا ينتبهون لذلك الاعلام المضلل ، إن تلك المجلات الزاهية ذات الورق المصقول ، والصور الملونة ، تزرّق في الأذهان تفسيرات خاطئة للأحداث وتبريرات مبتدعة للجرائم وتشوية للحقائق الواضحة ، هذا عدا اللغو والكذب والبهتان.

فعلى المؤمن أن لا يعطل عقله ويأخذ ما في هذا الاعلام أخذ المسلمات ، بل عليه أن يستخدم عقله ، ويعمل على تغذيته بقراءات موجهة هادفة ، ليرى العالم على حقيقته لا كما يراه الآخرون.

وبعد عرض وجهات النظر القرآنية حول بعض الأفكار ، يضرب ربنا سبحانه وتعالى الأمثال من واقع الأمم السابقة ، وكيف ان المؤمنين قاوموا الصعوبات وهم يدعون إلى ربهم ، دون أن ينهاروا إزاء الأذى والصعوبات التي تعرضوا لها.

استمر نوح (عليه السلام) خمسين وتسعمائة سنة. يدعو قومه دون أن يستجيبوا له ، حتى اضطر أن يستقل ظهر السفينة عند ما أراد الله إهلاكهم ، فأنقذه الله سبحانه والذين آمنوا معه من الطوفان ، وهذا النبي إبراهيم (عليه السلام) يمكث في قومه زمنا طويلا فلم يكن جزاؤه إلّا الإلقاء في النار ، ولما نجّاه الله نفوه بعيدا عن بلاده ، وهذه الامتحانات لا تدل على ان الله سبحانه لا يحب الإنسان ، بل على العكس تماما ، فقد تكون الفتنة في كثير من الأحيان دليلا على حب الله للمفتون ، ولرفع درجته عنده.

جاء في الأثر : ان الامام الحسين (ع) رأى جده رسول الله (ص) في المنام ذات مرة فشكا إليه جفاء قومه ، فقال له الرسول (ص) : «يا بني! إن لك عند الله درجة

٤٢٣

مغشّاة بنور الله ولست تنالها إلّا بالشهادة» (٢)

وجاء في الحديث المعروف : «أشد الناس بلاء الأنبياء ثمّ الذين يلونهم الأمثل فالأمثل» (٣)

بينات من الآيات :

[١٠] (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ)

ادعاء وليس اعتقادا.

(فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللهِ)

وهل تقاس الفتنة التي يمتحن الله بها عباده بعذابه؟! انه قياس باطل ، فأين الفتنة المحدودة البسيطة التي قد تنطوي على هدف كريم من العذاب الشديد الدائم ، الذي يعني نقمة الله وهوانه على من فشل في دار الفتنة ، وما الأذى الذي كان يلحق بالمؤمنين الصادقين من العلويين إلّا لأنهم كانوا يثورون ضد السلطان الجائرة الفاسدة ، ولا يتوانون عن الثورة رغم ما كانوا يلاقونه من قمع وإرهاب. كانوا يلقون بالثلاثة أو الأربعة منهم في سجن مظلم لا يميّز فيه الليل عن النهار ، كانوا يتناوبون على قراءة القرآن لتحديد مواعيد الصلاة ، فمثلا يقرأ الأول ثلث القرآن فيصلون الصبح ، ويقرأ الثاني الثلث الثاني من القرآن فيصلون الظهر والعصر ، ويقرأ الثالث الثلث الأخير من القرآن فيصلون المغرب ، أما غذاؤهم فلا يأتيهم إلّا مرة واحدة في اليوم يرمى به إلى طامورتهم المغمورة الرطبة ، التي تنتشر فيها الجراثيم والحشرات السامة ، وفي تلك الظروف الحرجة حيث القاذورات

__________________

(٢) مقتل أبي مخنف ص ٢٤

(٣) الكافي ج ٢ ص ٢٥٢.

٤٢٤

والروائح الكريهة وإذا مات أحدهم ، يبقى على وضعه حتى ينتن جثمانه ، ويتفسخ ، ثم يموت الآخرون الواحد بعد الآخر فيهدم عليهم السجانون الطامورة بعد أن أضحى الجميع رميما.

وبالرغم من تلك الفتنة المجهدة كان الواحد منهم ـ لو كتب له الخروج من تلك الطامورة ـ انما يخرج ليشهر سيفه ثائرا ، وما كان ذلك الإرهاب ليلويهم عن أهدافهم ، لأنهم قد اختاروا طريقهم بوعي ، وآمنوا بما عملوا إيمانا حقيقيا ، ولأنهم عرفوا أن هذا الأذى الدنيوي أمره حقير ، وخطره يسير ، وأمده قصير ، إذا ما قورن بما ينتظر أعداءهم يوم القيامة ، ذلك العذاب الذي يتمنّى الإنسان لو أن عنده ملء الأرض ذهبا فيفدي نفسه به.

(وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ)

أيتصور هؤلاء إن ادعاءهم الإيمان سينقذهم؟! يقولون : نحن مع المؤمنين حينما تكون عند المسلمين دولة ، ولكنهم مع الكفار حينما يتعرض المسلمون للسجن والقتل!

(أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ)

بلى ان الله سبحانه يعلم ما في صدر هذا وذاك ، وما يكنّونه من الايمان أو الكفر.

[١١] (وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ)

فالله يعلم من الذي آمن وصبر ، كما يعلم من هم الذين آمنوا ثم انهاروا ، والمنافقون هم أولئك.

[١٢] (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ

٤٢٥

خَطاياكُمْ وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ)

تعالى معي وانا أتحمل عنك تبعات عملك. انه منطق مرفوض قرآنيا ، وهل يعمل الإنسان عملا دون ان يسأل عنه ويحاسب عليه؟! انك ستحاسب عليه يوم القيامة مع من أغواك ، ويتبرأ منك.

[١٣] (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ)

كل مخطئ يتحمل خطاياه بقدر عمله ونيته ، ويحمل مع أوزاره أوزار من تبعوه.

ان كل خطيئة تتحول يوم القيامة الى غلّ يناط بعنق المذنب ، فكم سيحمل الجاني المضلل من أغلال يوم القيامة؟!

من يظلم إنسانا ، أو لا يعطي حقّا من حقوق الله كالزكاة أو الخمس ، أو يغتصب أرضا فان ذلك يتحول الى ثقل يحمله على ظهره يوم القيامة. وفي الحديث : روى الطبرسي عن رسول الله (ص) انه قال :

«ما من رجل لا يؤدي زكاة ماله الا جعل في عنقه شجاع يوم القيامة» (٤)

ثم يذكرنا الرب ـ مرة أخرى ـ بقصة نوح فإبراهيم ، ويعود السؤال الى أذهاننا : لماذا هذا التكرار؟ ونقول : ان الحوادث التي خلّدها القرآن كانت ذات أهمية قصوى ، فليست حادثة الطوفان ، أو مجمل قصص إبراهيم وسائر المسلمين هيّنة نسمعها مرة ونمضي عنها ، لا بد أن تحفر في قلوبنا ، وتتحول الى وعي ايماني عميق ، يسمو بالبشرية أبدا الى التّكامل المعنوي ، وهكذا يكرر الذكر هذه الظواهر المرة تلو

__________________

(٤) شجاع بضم الشين وكسرها : ضرب من الحيات. بحار الأنوار ج (٧) ص (١٤١) الحديث طويل أخذنا موضع الحاجة.

٤٢٦

الاخرى ، ويعتصر منها عبرها وآياتها وحكمها ، ويلعن الظالمين ليصبحوا عبرة ، ويكرم أنبياءه الكرام ليصبحوا أئمة وهداة.

[١٤] (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً)

ورغم هذه المئات التسع والخمسين نة لم يؤمن قوم نوح به ، فاضطر (ع) ان يدعو ربّه لينزل عليهم العذاب.

(فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ)

لم يأخذهم الطوفان الا لأنهم كانوا ظالمين.

[١٥] (فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْناها آيَةً لِلْعالَمِينَ)

حيث أهلك الله أولئك الظالمين جميعا بذلك الطوفان الرهيب الذي وسع البسيطة ، الا فئة محدودة كان الله قد أمرها بصنع سفينة في الفلاة ، ثم ركبوها وبدأ الطوفان. أو ليس في ذلك آية للعالمين؟!

[١٦ ـ ١٧] (وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً)

دعا إبراهيم (ع) قومه الى عبادة الله وتقواه ، مبينا ان ذلك أفضل لهم ، ثم حدد لهم ماهيّة افكارهم وواقعها عبر الأسلوب الرسالي الذي يتكرر في كل رسالة ، والذي يعتمد على نقطتين :

الف : بيان بصيرة التوحيد التي تحقق للمجتمع حريته واستقلاله ، وتمنحه القيم الانسانية الراقية من الحق ، والعدالة ، والسلام.

٤٢٧

باء : تعرية الواقع الفاسد ، وتسليط الضوء عليه ليتبين لأفراد المجمع خطورة الفساد الذي هم فيه.

أوضح النبي إبراهيم (ع) لقومه وضعهم المزيف بقوله : «إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً».

ثم ان هذه الأوثان التي تعبدون أنتم صنعتموها ، ثم أضفيتم عليها صبغة الواقعية ، ولكن مهما فعلتم فانها تفتقر الى الواقعية ، ولعلنا نستوحي من قوله سبحانه : «وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً» حقيقة نجدها في آيات أخرى أيضا هي : أن الناس هم الذين يخلقون الطاغوت دون نفسه ، لأن الطاغوت أضعف من ذلك ، ان الذين يرضون بالطاغوت ، ويسكتون عليه ، والذين يلتفون حوله ، ويسمعون أوامره ، ويحاربون معه ، أولئك هم الذين يخلقونه.

(وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً)

اي تخلقون كيانا باطلا كذبا.

(إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً)

انكم أنتم الذين تعطون لما خلقتم القوة ، وأنتم الذين تقتطعون لهم من أرزاقكم وليسوا هم ، وهل يستطيع الطاغوت ان يعيش دون ضرائب يفرضها على أبناء الشعب؟

(فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ)

فانبذوا هذا الواقع المزيف ، واطلبوا من بارئكم الحق رزقكم ، فهو الجدير بالطاعة ، والخضوع ، والتسليم ، ثم ...

٤٢٨

(وَاشْكُرُوا لَهُ)

والشكر هو العبادة العملية ، كما قال : «اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً» وهذا يعني : ان تكون أعمالكم وسلوكياتكم بحيث تجلب لكم المزيد من النعم والبركات ، وكذلك فان من يشكر يزداد رزقه ، ونستوحي هذا المعنى من قوله تعالى : «فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ» أي أنّ من يريد الرزق فليبتغه من الله بالعبادة والشكر ، وقد قال تعالى : «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ».

(إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)

وبالتالي ستعودون الى ربكم.

ومرة أخرى يؤكد الذكر الحكيم ان كل الصفات الحسنة ، والأخلاق الفاضلة انما تأتي من الايمان الصادق بالله واليوم الآخر ، فمن يؤمن بيوم الجزاء سيجعل من حياته هذه مزرعة للخيرات ، وقنطرة للسعادة في الآخرة ، كما يستمر السقف صحيحا ما دامت أسسه سليمة ، فكذلك حياة الإنسان تعمر وتزدهر كلما كانت عقائده صحيحة وواقعية.

٤٢٩

وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٨) أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (١٩) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٠) يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (٢١) وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٢٢) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٣) فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٢٤)

٤٣٠

قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ

هدى من الآيات :

يوصينا القرآن الكريم ـ مرة بعد أخرى ـ بضرورة العودة الى التاريخ للاعتبار بسير السابقين بنفس القدر الذي يؤكد فيه على ضرورة البحث المباشر ، والتطلع الى ما يحيط بالإنسان من مظاهر طبيعية ، واثار تحمل اخبار الماضين ، وما يكتنف الحياة عموما من السنن والحقائق والتطورات.

والتأكيد على هاتين القضيتين تحقق عدة أهداف :

أولا : ان سعة الأفق العلمي ، وشمول المعرفة البشرية يساعد الإنسان على النهوض من واقع التخلف ، والتسامي الى سماء القيم بعيدا عن الخرافات والأساطير ، ذلك لأنه ليس ايمان الجاهل كايمان العالم ، فكلما تقدم العالم في ميدان العلم ، اقترب أكثر فأكثر من حقيقة الايمان بالله ، ونشأة الكون ، وبدء الحياة ، ولذلك فالإيمان بالله هو قمة العلم والمعرفة.

٤٣١

ثانيا : معرفة أحوال الأمم السابقة ، وكيفية نشوئها وتطورها ، والأدوات التي استخدموها ، لا يتم الا بدراسة الآثار التي تحمل مخلفاتهم ، ومطالعة كتاباتهم ، ونوع تفكيرهم وفنونهم ، عبر النقوش على الصخور والكهوف ، وبتلك الدراسة المستوفاة ، نستطيع التعرف على الأمم السابقة ، وكيف تقدمت ولماذا بادت.

ثالثا : ان الحياة لم تكن على وتيرة واحدة ، وانما منح ربنا سبحانه الحياة الكمال شيئا فشيئا ، وخلقا بعد خلق ، وليس الأمر كما يقول الجاهلون بأن الطبيعة كانت شعلة متوهجة منذ البداية ، وستبقى هكذا الى النهاية ، ولو كانت شعلة منذ الأزل لانتفى الكمال ، ذلك لان فلسفة الكمال تتخلص في : ان المسيرة ابتدأت من وضع غاية في البساطة ، ثم راحت تتصاعد في مدارج الكمال عبر ملايين السنين ، حتى وصلت الى ما نحن عليه الآن ، وستواصل المسيرة في المستقبل الى ان تصل القمة التي شاءها الله ، فيأذن بأمره.

والعلم الحديث قد توصل الى هذه النتيجة بدليل علمي وهو قدرة العلماء على اكتشاف عمر الإنسان من الحفريات والآثار التي يعثرون عليها ، عن طريق التحليل الطيفي لذرة الكربون الموجودة في الكائنات العضوية ـ الحيوان والنبات ـ وكلما مرّ قرن من الزمان على ذرة الكربون زاد في عدد نيوتروناتها واحد ، وبقدر ما في الذرة من نيوترونات يعرفون عدد القرون التي مرت على هذه الذرة ، وبالتالي يعرف عمر الجمجمة مثلا بعد معرفة عدد السنين التي مرت على هذه الذرة ، وان دل هذا الاكتشاف على شيء فانما يحمل دلالة على ان الإنسان كانت له بداية وكذلك كل الخلائق ، والسير في الأرض هو من أجل معرفة تلك البداية ، وإذا كان الله سبحانه هو الذي أوجد الإنسان في البدء ولم يكن شيئا مذكورا ، أو ليس بقادر على أن يعيده مرة أخرى؟! ولا يستطيع أحد ان يقول ان الله ليس بقادر لأن ابتداع الخلق من بعد العدم أصعب بذاته من إعادته ، بعد ان كان ـ وبالطبع ـ ليس

٤٣٢

أصعب على الله سبحانه ، لان الأمور عند الباري سواء.

رابعا : لكي نعتبر من التاريخ العام بعد التعرف الدقيق على سير الأمم التي سبقتنا ، يجب ان نتيقّن بأننا مسئولون عن أعمالنا ، وأن السنن التي حكمت السابقين تحكمنا أيضا ، والقرآن الحكيم حينما يحدثنا عن التاريخ فانه لا يتحدث بأسلوب علمي محض لمجرد نقل الخبر ، وانما يخترق الفواصل الزمنية ليبين : ان سنة الله تجري فيمن يأتي بمثل ما جرت على من مضى.

واكتشاف القانون لتطبيقه على الواقع الحاضر هو الهدف القرآني ، من هنا نرى ان النظرة الاسلامية للتاريخ (نظرة عبرية) ليتحول التاريخ من حقيقة علمية الى حقيقة سلوكية في حياتنا ، والى حقيقة ايمانية في أذهاننا.

ومن سنن الله :

أولا : ان الله يفعل ما يشاء ، يرحم أو يعذب من يشاء ، دون ان يقدر أحد على تحدي مشيئة الرب سبحانه ، مما يجعلنا أكثر واقعية وان الناس يرجعون ـ بالتالي ـ الى ربهم ليوفيهم الجزاء الوفاق.

ثانيا : ان البشر لا يقدر على مقاومة قدره الالهي ، فاذا نزل به فلا شيء ولا أحد ينصره أو يواليه.

ثالثا : الكفار لن ينالوا رحمة الله في الدنيا ، وينزل بهم في الآخرة عذاب اليم.

كل ذلك قاله إبراهيم (عليه السلام) لقومه ، ولكنهم كذبوه ، وأرادوا ان يحرّقوه فأنجاه الله من النار.

٤٣٣

بينات من الآيات :

[١٨] (وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ)

لستم أول من كذب ، فقبلكم أمم قد كذبت ، وحاق بها العذاب ، فاعتبروا! وليس على الرسول الا ان يبلغكم ، وقد سبق القول : ان من مشاكل الإنسان النفسية انه يعتقد بان الهداية ليست من مسئوليته ، ولكن القرآن الكريم يؤكد على ان السعي وراء الهداية من مسئولية البشر نفسه ، وليست مسئولية الأنبياء ، فمسئولية الأنبياء تنتهي بمجرّد التبليغ ، وعلى الإنسان ان يسلك بقية الطريق.

[١٩] (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ)

ان بعض أنواع المخلوقات لها أعمار مديدة جدا ، والعرب يضربون المثل في طول العمر بالغراب ، يقال : (عند ما يشيب الغراب) لأن الاباء والأبناء يرون الغراب نفسه رغم تعاقب الأجيال ، وهذه الأنواع لا يمكن للفرد مراقبة أطوار حياتها ، وهناك أنواع أخرى قصيرة الأجل كالذبابة أو البعوضة التي لا تعيش أكثر من ثلاثة أيام ، وكذلك هناك بعض الحشرات التي لا تلبث سوى ساعتين هما كل عمرها ، ويمكن للإنسان ان يراقب ولادته ونهايته ببساطة ليعرف كيف يولد بيسر ، وكيف ينتهي بلا ضوضاء ، وليعتبر ان عودته كما بدايته سهلة ولا يعجز الله شيء ، ولا يصعب عليه فعل سبحانه.

(إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ)

فإرادته سبحانه بين الكاف والنون.

[٢٠] (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ)

٤٣٤

ان قضية السير في الأرض لا يمكن ان تدرس في الغرفة المغلقة ، وانما على الطبيعة. ينقّب الإنسان عن الآثار ، ويبحث في الطبقات ، ويدرس الحفريات ، حتى يفهم كيف ابتدع الله الخلق ابتداعا.

وكل واحد قادر على ان يلاحظ تطورات الحياة ، من خلال سيره في الأرض ، بأعين مفتوحة ، وقلب واع ، وضمير يقظ.

(ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ)

إذا عرفنا ان الخليقة لم تكن ثم كانت ، وان تحريكها يتم بصورة غيبية (اي بتدخل قوة خارجية في الكون) نعرف بان الله هو الذي خلقها ، ونعرف ان الذي خلقها قادر على ان يعيدها بعد ان يميتها وآنئذ نؤمن.

(إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)

لأنه يقلب الحياة خلقا بعد خلق ، ونشأة بعد نشأة.

[٢١] (يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ)

لأنه هو المالك المتصرف ، ولا أحد يستطيع الاعتراض على مالكيته ـ شاء أم أبى ـ فهو الذي خلق ، ووهب الحياة ، وأهدى الوجود ، ورزق الكائنات ، فان عذب فبعدله ، وان رحم فبعفوه وتجاوزه.

(وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ)

الى الله المآب والمرجع.

[٢٢] (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ)

٤٣٥

فلا تمنى نفسك بالتهرب من الجزاء ، كما يمنّي المجرم نفسه بالفرار ، فان عرف المرء منذ البداية انه لا فرار من العقوبة فسوف يرتدع عن الجريمة.

(وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ)

وهذا ردّ لمن يمنّي نفسه بالشفاعات ، ويظن مثلا ان عيسى (ع) سيفديه بنفسه ، ويدرأ عنه العذاب ، الا ان الحق تبارك وتعالى يقول : لا عيسى ولا سائر الأنبياء ولا الأولياء يستطيعون ان ينقذوكم من عذابه الا بإذن منه.

وينذر ربنا الكفار الذين لا يؤمنون بيوم القيامة ، بأنهم يائسون من رحمته ، فلا ينتظروا منه رحمة ـ وهو الذي وسعت رحمته كل شيء ـ فلا يتمنوا عليه ان يدخلهم جنات النعيم ، الا بعد الايمان وإصلاح أنفسهم.

[٢٣] (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي)

ولعل الآية تشمل فيمن تشملهم أولئك الذين يدّعون الإيمان بالآخرة ، ولكنهم يبنون عملهم وسلوكهم على أساس عدم وجود النشور.

(وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)

وأحد أنواع العذاب اليأس.

ان المؤمن على العكس من ذلك ، فهو يعيش الرجاء ، فالرجاء يعطي فرصة التفكير في المستقبل ، والتخطيط للنجاح ، وبلوغ الأهداف ، وقد صدق الشاعر حين قال :

أعلّل النفس بالآمال أرقبها

ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل

٤٣٦

فالعيش ضيق ، والعمر كئيب ، والحياة مظلمة لولا فسحة الأمل ، ولكن الكافر لا يملك فسحة الأمل ، ولا روح الرجاء ، لأنه لا يثق بالله سبحانه ، لذلك يعيش الألم.

[٢٤] تلك كانت خلاصة ما قاله النبي إبراهيم (ع) لقومه : إذ أمرهم بالفتح لأعينهم ، والسير في الأرض ، والنظر في سير الآخرين ، والاستخدام لعقولهم.

(فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ)

طلب إبراهيم (ع) من قومه التعقل والتروّي قبل الحكم السريع ، ومناقشة واقعهم الفاسد على ضوء الادلة ، ومع ذلك لم يبدو منهم الا العناد والرد القبيح بالقتل أو الحرق.

(فَأَنْجاهُ اللهُ مِنَ النَّارِ)

وما أوسع رحمة الله إذ لم يأخذهم بالعذاب بغتة ، فنحن لم نقرأ في التاريخ أو في القرآن : ان الله عذب قوم نمرود أو دمرهم ، أو انزل عليهم رجزا من السماء ، وانما قرأنا ان الله سبحانه أنجى نبيه من نارهم ، فخرج مهاجرا عن القوم الظالمين.

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)

أجل. ينبغي ان يكون أملنا بالله تعالى قويا ، فرحمته وسعت كل شيء ، وقد سبقت رحمته غضبه ، فهو مولانا. عليه توكلنا ، واليه أنبنا ، واليه المصير.

٤٣٧

وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٢٥) فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٦) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧) وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (٢٨) أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ

___________________

٢٩ [ناديكم] : النادي المجلس إذا اجتمعوا فيه.

٤٣٨

أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٩) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (٣٠) وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ (٣١) قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٣٢) وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٣٣) إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (٣٤) وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٣٥)

___________________

٣٣ [ضاق بهم ذرعا] : أي ضاق قلبه وقيل حيلته فيما أراد من حفظهم.

٣٤ [رجزا] : أي عذابا.

٤٣٩

وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ

هدى من الآيات :

يواصل السياق بيان قصة إبراهيم (ع) وقومه وكيف هاجر مجتمعة الفاسد ، فآمن له لوط. ويبين ان التجمع الصنمي لا ينفع شيئا عند الله ، إذ يكفرون ببعضهم يوم القيامة ، ويتلاعنون ، ومصيرهم جميعا جهنم ولا يتناصرون ، ولقد هاجر هو ولوط الذي آمن معه ، ورزقه الله اسحق ويعقوب ، وجعل النبوة والرسالة في ذريتهما ، وآتاه أجره في الدنيا ، وادخله في الآخرة في زمرة الصالحين ، ثم يبين قصة لوط وكيف واجه فساد قومه الفاحش من إتيان الرجال ، وقطع السبيل ، والإجهار بالمنكرات. اما قومه فقد طالبوه بالعذاب ، فدعا ربه فنصره إلا أن الملائكة أصروا على إبراهيم قبل ان يصبوا العذاب على قوم لوط (ع) فجادلهم بان في القرية لوطا ، فأخبروه بأن الله سوف ينجيه واهله إلّا امرأته ، وهكذا أنجاهم الله ودمر الباقين.

ولان سورة العنكبوت تشدد على ضرورة جعل محور العلاقة بين الإنسان ونظيره الإنسان علاقة الايمان بالله ، ورفض المحاور الوثنية الأخرى ، لأنها زائلة وضاره ،

٤٤٠