من هدى القرآن - ج ٦

السيّد محمّد تقي المدرّسي

من هدى القرآن - ج ٦

المؤلف:

السيّد محمّد تقي المدرّسي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار محبّي الحسين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-5648-09-2
ISBN الدورة:
964-5648-03-3

الصفحات: ٥٠٢

بالرجوع ثانية ، وهذه حماية الهية لهم من خطر الأعداء ، ففي الأحوال العاديّة قد يخاف المرء من شيء ويهرب منه ثم بعد ما يهدأ ويتروىّ فأنه لا يجد مبررا للخوف ومن ثم يتمكن من العودة لذلك الشيء ثانية. أما بالنسبة الى هؤلاء فانّ أسباب الرعب تبقى عند من يراهم حتى بعد ان يتركهم.

[١٩] لقد ناموا هذه الفترة الطويلة ، ولكنهم بعد ذلك بعثوا من قبل الله سبحانه وتعالى لكي يسأل بعضهم بعضا.

(وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ)

هنا نتوقف قليلا لنطرح هذا السؤال : ما هي العلاقة بين بعثهم وايقاظهم من الرقاد وبين سؤال بعضهم بعضا؟

ربما تكون العلاقة بين بعثهم وتساؤلهم ، أن الإنسان حينما يكون نائما فأنه يكون غافلا عمّا حوله ، وحينما يستيقظ فأنه يفهم ويعلم وينشط فكره ، وأول شيء يأتي الى الإنسان بعد اليقظة هو عقله حتى قبل ان تسمع أذنه ، أو ترى عينه ، وتتحرك يده ، فأن عقله يتحرك وعند ما يتحرك العقل فأنه يبحث عن معلومة جديدة.

وهذه الحالة توجد عند الإنسان حينما يبعث في يوم القيامة ، حيث يتساءل الناس بينهم يومئذ : كم لبثنا في قبورنا؟

فبعضهم يقول : يوما ، وبعضهم يقول : ساعة من نهار ، المهم أنهم يطرحون هذا السؤال بينهم ويناقشونه ، وهناك علاقة وثيقة بين قصة أصحاب الكهف والعبرة منها ، وبين قصة الإنسان في رحلته الطويلة من الحياة الى الموت ، ومن الموت الى الحياة سنذكرها مستقبلا إنشاء الله.

٣٨١

(قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ)

في البداية قالوا : يوما وكانوا يعتقدون انهم ناموا يوما كاملا ، ثم بعد ما حددوا مسير الشمس وفكروا جيدا ، توصلوا الى انهم لم يناموا هذا المقدار فاستدركوا قائلين : أو بعض يوم.

(قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ)

بعدئذ أخذوا يفكرون أكثر وبرزت امامهم عدة تساؤلات .. فربما كانت هناك شجرة امام الكهف فلم يجدوها ، أو شاهدوا هنا صخرة لم تكن من قبل ، وبلا شك فأن بعض التطورات والتغيرات حدثت في البيئة المحيطة بالكهف ، فتراجعوا عن قولهم ، وعلموا بأن هناك حقيقة مجهولة لا تزال غامضة عليهم ، وهي طول مدة نومهم ، لذلك سكتوا عن هذا الأمر وقالوا : ربكم أعلم كم لبثتم؟ وكيف لبثتم؟

الطريق الى العلم :

وقبل ان ننتقل الى المجموعة الثانية من الآيات ، لا بأس ان نتدبر قليلا في هذه الآية ، ان رحلة الإنسان من الشك الى اليقين ، ومن الجهل الى العلم ، ومن الغرور الى التبصر ، تشبه الى حد بعيد رحلة الإنسان من النوم الى اليقظة ، فالنوم وسبات الجسم يشبه سبات العقل والعلم أي الجهل ، فكما ان الله سبحانه هو الذي ينقل الجسم من حالة النوم والسكون الى حالة اليقظة والحركة ، فهو أيضا الذي ينقل العقل من حالة الجهل والركود الفكري الى العلم والنشاط الفكري الخلاق ، فعلى الإنسان اولا : ان يهتدي الى جهله وهذه بداية مسيرة العلم ، فيقول : انني لا اعلم ، ولكن ذلك لا يعني ان العلم غير موجود ، فالله يعلم ، ولأن الله يعلم وأنا لا أعلم فلا بدّ أن أتحرك نحو الله حتى اقتبس من نور علمه.

٣٨٢

وكلمة لبثتم تشمل عدة تساؤلات : كيف لبثتم؟ كم لبثتم؟ ما هي مجريات الأمور وتطورات الأحداث التي أحاطت بكم في هذه الفترة؟

(فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ)

في حصول الإنسان على العلم عليه الا يصبح متجردا عن الواقعيات ، فأجتهد في تحصيل العلم الذي ينفعك ، ولا تبحث في أمور بيزنطية جدلية ، فالقرآن يقول : أن هؤلاء جلسوا وخططوا وفكروا وقالوا : حسنا كم بقينا على حالنا؟ وكيف بقينا؟ تلك قضية جانبية ، أما القضية الأهم فهي الجوع ، فلنتحرك الى ما يفيدنا ونفكر في ما ينفعنا.

بورقكم : هو السكة الفضية.

(فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ)

ان الإنسان المؤمن يبحث عن ازكى الطعام ، زكاة مادية ومعنوية ، فلا يبحث عن طعام يضره ، كما لا يبحث عن طعام حرام ، بل يراعي النواحي الصحية والشرعية.

ثم يشير القرآن الى مسألة عدم الإسراف في الأكل ، فلا ينبغي أن يأكل الإنسان بقدر ميزانيته بل بقدر حاجته فقط ، لذلك قالوا : «فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ»

اي بمقدار ما تأكلونه وليس أكثر من ذلك.

(وَلْيَتَلَطَّفْ)

اي ليكن تصرف الذي يذهب ليبحث عن الطعام ويشتريه مهذبا ، وحركاته لطيفة فو قد يشتري الإنسان طعاما بقدر حاجته ، ولكن بعد العراك والخشونة مع الناس ، ولكن القرآن ينهى ايحائيا عن ذلك فيقول : «وَلْيَتَلَطَّفْ» وهذا من آداب

٣٨٣

المعاملة.

(وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً)

وذلك حتى لا يحس الأعداء بهم ، وهذا يفيد بأن الذي يعمل عملا سريا عليه ان يتكتم على عمله ، وأن يعمل بطريقة ذكية بحيث لا يشعر أحدا بأن عنده عملا سري ، ولا يكفي أن يكتم عنهم نوع عمله فحسب بل حتى يكتم شخصه ، وذلك حتى لا يدفعه فضوله الى البحث واكتشاف اسرار ذلك العمل ، وهذا منتهى السرية والكتمان المطلوب في العمل الثوري الناجح.

[٢٠] (إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً)

اما يقتلونكم رجما وهو من أشد أنواع القتل واما يضغطون عليكم فيسببون ارتدادكم عن ايمانكم وفي ذلك ابتعادكم النهائي عن الفلاح والسعادة ، وهذا يعني ان على الإنسان الا يعرض نفسه وبمحض إرادته لتلك الضغوط التي يخشى على نفسه منها ، ولا يقول أحد انا لا يهمني السجن أو التعذيب لأني رجل صامد ، فربما تكون الآن صامدا ، ولكن غدا إذا صبّ عليك العذاب صبا في سجون الطواغيت فقد تفقد ذلك الصمود وتنهار ، وبانهيارك ينهار دينك ، لذلك فأن أصحاب الكهف اتبعوا شروط التقية والسرية من أجل الا تتسبب ضغوط الأعداء عليهم في عودتهم عن دينهم الى دين الملك آنذاك ، وبالتالي يحرمون من الفلاح والسعادة. والواقع انهم كانوا ـ لفترة طويلة ـ يعبدون الله في السر. وأعطاهم الله أفضل الجزاء على ذلك جاء في الحديث الشريف المأثور عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): «إن أصحاب الكهف أسرّوا الأيمان وأظهروا الكفر ، وكانوا على جهار الكفر أعظم اجرا منهم على الأسرار بالأيمان» (١).

__________________

(١) نور الثقلين ج ٣ / ص ٢٤٤

٣٨٤

وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً (٢١) سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً (٢٢) وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (٢٣) إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ

______________________

٢١ [أعثرنا] : عثر على الشيء اطلع عليه.

٢٢ [رجما بالغيب] : ظنا من غير دليل.

[تمار] : من المراء وهو الجدال.

٣٨٥

إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً (٢٤) وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (٢٥) قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (٢٦)

٣٨٦

وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها

هدى من الآيات :

كنّا مع أصحاب الكهف وقد بعثوا بأحدهم الى المدينة ليجلب لهم الطعام بما يكفيهم رزقا ، وذهب الرجل بعد (٣٠٩) سنة وقد دارت الدنيا وتغيّرت الأحوال وتبدلت الملوك ، وجاء بسكة قديمة فعرفها الناس وتيقنوا أن هذا واحد من الذين خرجوا من ديارهم ، وأسسوا نواة الحركة التوحيدية ، تلك الحركة التي كانت في ذلك اليوم وبعد السنين الطويلة حاكمة على البلاد ، ثم ماذا حدث بعد ذلك؟ .. وهل عاد هؤلاء الى كهفهم مرة أخرى وناموا في رقدة طويلة لا يستيقظون منها الا يوم القيامة أو يوم الحشر الأصغر؟ القرآن لا يجيب على ذلك والله وحده العالم.

بيّنات من الآيات :

[٢١] يذكرنا القرآن بحقيقة يجب أن نعتبر بها من خلال قصة أصحاب الكهف ، وهي حقيقة البعث والنشور التي يلخصها الحديث القائل : «كما تنامون تموتون وكما تستيقظون تبعثون» ، وإذا فكر الإنسان بأنه قادر على مقاومة الموت فليبدأ ذلك

٣٨٧

بمقاومة النوم ، وإذا أراد الإنسان ان يعرف كيف يبعث بعد ان يموت فليفكر كيف يستيقظ بعد ان ينام ، وإذا أراد الإنسان آية تدل على ذلك فلينظر الى الحياة كلها ، فالحياة جميعا موت وبعث.

البعث في الحياة ليس شيئا بدعا ، فكل شيء في الحياة له بعث ، وفي الإنسان نفسه دليل على البعث ، كيف كان نطفة في صلب أبيه ، ثم في رحم أمه ، ثم ولد طفلا رضيعا ، ثم نما فأصبح رجلا ضخما قويا أو ليس ذلك بعث؟

وهذه الأرض تراها مرة فينزل الله سبحانه عليها ماء من السماء ، فإذا بها تهتز وتخضر ، ثم لا تلبث هذه الخضرة أن تموت وتصبح هشيما تذروها الرياح. هذه قصة الحياة كلها. أو يكون صعبا على خالق هذه الحياة أن يحيي الناس بعد موتهم؟!

هذا مع العلم بأن عقولنا القاصرة الصغيرة تعتقد بأن الإحياء بعد الموت أسهل عند الله من الإحياء بعد العدم ، وهذه المعادلة خاطئة بالنسبة الى قدرة الله عزّ وجل ، لأن قدرة الله لا متناهية ، وهو لا يبذل مجهودا ولا يتعب حتى يكون عنده شيء أسهل من شيء آخر ، ولكن بحسب مفاهيمنا وخبراتنا الحياتية أن إعادة صنع شيء أيسر من ابتداء صنعه واختراعه ، فكيف نؤمن بأن الحياة لم تكن ثم كانت ولا نؤمن انها بعد اندثارها ستعود ثانية؟

لذلك علينا ان نستفيد ، من قصة أصحاب الكهف ، هذه العبرة.

(وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها)

نستطيع ان نستخلص من هذه الآية ثلاثة أمور :

أولا : صدق وعد الله لعباده المؤمنين الصالحين بالنصر ، حيث نصر أصحاب

٣٨٨

الكهف حين حماهم من بطش الطغاة ، ونصر رسالة أصحاب الكهف حين أباد أولئك الطغاة وحكم الصالحين في البلاد ، وجعلهم خلفاء وأئمة.

ثانيا : أراد الله سبحانه أن يعرّف الإنسان أن الأمور بيده ، وأنه قادر على ان يفعل ما يشاء من الأمور التي يتصور الإنسان انها مستحيلة ، وهي كذلك فعلا حسب قدرة المخلوق المحدودة ، أما حسب قدرة الله المطلقة فهي سهلة وميسورة ، وذلك مثل قضية البعث والأحياء.

ثالثا : ان العلم والجهل ، والهدى والضلال ، انما هو من قبل الله سبحانه وتعالى ، فخلال هذه الفترة الطويلة فتش الناس عن أصحاب الكهف الذين كانوا موجودين في منطقة قريبة جدا منهم ، بدليل أن ذلك الرجل الذي بعثوا به ليشتري الطعام نزل من الكهف وتوجه إلى المدينة من فوره ، الا أنهم لم يجدوا لهم أثرا ، ولكن الله اعثر عليهم عند ما أراد أن يعلموا بالأمر ، فالعلم وأسباب العلم من الله سبحانه.

والسؤال ما هي العلاقة بين أن يكون وعد الله حقا ، وان تكون الساعة لا ريب فيها؟

الجواب : ان الساعة تدخل ضمن وعود الله ، فقد وعد بها الصالحين وتوعّد بها المجرمين ، ونحن نستطيع أن نبصر ذلك من خلال مجريات الأمور في الحياة ، ومن خلال تدبرنا في احداث التاريخ ، وان الله حينما يعد فأنه يفي بوعده في الدنيا ، وحينما وعد ان ينصر الصالحين فعل ، وحينما وعد ان يستخلف المستضعفين فعل ، وحينما وعد ان يعين المتوكلين عليه فعل ، والله سبحانه صادق الوعد ، وما دام كذلك فأنه يوم القيامة أيضا يفي بوعده.

زيارة القبور :

وقف هؤلاء على باب الكهف ، ووجد ان أولئك الذين كانوا الى ساعة قريبة

٣٨٩

احياء ، قد ماتوا حينما شاء الله ان يموتوا ، فالحياة والموت بيد الله ، فوقفوا مدهوشين :

كيف بقي هؤلاء احياء هذه الفترة الطويلة؟ وكيف ماتوا فجأة؟

(إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ)

ماذا نفعل بهم؟ كيف نمجدهم؟ كيف نبقي ذكرهم حيا في النفوس؟

(قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً)

اتخذ الملك وحاشيته والذين كانوا غالبين على امر الناس ، قرارا ببناء مسجد على مقابر تلك الطلائع الثائرة.

ونتوقف هنا قليلا لندخل في حوار مع بعض المفسرين ، فالمؤمن يجب ان يظل ذكره حيا في النفوس لأنه قدوة حسنة ، والقرآن الحكيم يبين دائما قصص الأنبياء ويمدحهم من أجل ان يجعل منهم قدوات حسنة للأجيال ، ومن آثار المؤمن قبره ، لذلك يستحب شرعا أن يزور المؤمن المقابر.

ان أفضل عمل نقوم به عند مقابر المؤمنين هو ان نتعبّد لله سبحانه وتعالى هناك ، وان نقرأ القرآن ونتذكر الموت ، ويعظ أحدنا الآخر ، ونجدد ذكرى هؤلاء ونبيّن رسالتهم التي عملوا لها وماتوا من أجلها ونصلّي لله ، أو ليس من الأفضل أن نصلي لله ركعات ونبعث بثوابها الى أرواحهم؟

وحينما نريد ان نجعل بيننا وبين الأموات من المؤمنين والشهداء رابطة ، أو ليست أعمال الخير والبر ، والصلاة ، والدعاء ، وتلاوة القرآن وما أشبه خير رابطة؟! بلى من هنا يذكرنا القرآن في هذه الآية : «الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ» (ويبدو أنهم كانوا من المؤمنين) قالوا : لنتخذن عليهم مسجدا نتعبّد فيه لله ، ونتذكر القيامة ، ونتذاكر سيرتهم ، والقرآن يوحي لنا بأن هذا العمل عمل مشروع ، بدليل انه ذكره

٣٩٠

ولم يستنكره أو ينهى عنه .. كيف ذلك؟

اقرأوا القرآن وتدبروا فيه ، لتعلموا ان هذا الكتاب الذي أرسله ربّ حكيم لا يتكلم الا بميزان دقيق ، وهو لا يذكر لنا قصة تاريخية ولا عملا قام به الأولون الا لأحد أمرين : أما لكي ينهى عنه أو لكي يأمر به ، فإذا لم ينه عنه فهو يأمر به.

وهذا ردّ حاسم على البعض الذين يفتون بأن زيارة قبور الأنبياء والأئمة المعصومين (ع) والصالحين ، والصلاة والتعبّد في مقاماتهم الشريفة ، بدعة وضلالة وحرام ، ونحن نتساءل : من الذي قال أنه كذلك؟

ان القرآن في هذه الآية بالذات يبيّن لنا ان هذا العمل كان جيدا ومشروعا ، والقرآن جاء ليطبق لا لكي يناقش في آياته حسب الأهواء ، أو حتى حسب الأحاديث غير المعروف صحتها ووثاقة سندها ، ثم ان الحديث مهما كان موثق السند ، فأنه لا ينسخ القرآن ، والحديث الذي يتضارب مع القرآن لا بد ان نضرب به عرض الحائط!

المنهج العلمي لا الرجم بالغيب :

[٢٢] (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ)

اي ان الذي يتكلم دون ان يستند الى معلومات وحقائق ثابتة ، فمثله كمن يقذف حجرا في الظلام الدامس ، لا يعرف أحد اين يقع؟

(وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ)

لقد جاءت الآية بكلمة رجما بالغيب قبل ان تقول سبعة وثامنهم كلبهم ، مما

٣٩١

يوحي بأن هذه الفكرة ليست رجما بالغيب.

(قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً)

هنا تنتقل الآيات من الحديث عن البعث وعن وعد الله سبحانه ، الى الحديث عن قضية اخرى وتلك هي قضية العلم ، وماذا يجب على الإنسان أن يقول ويعتقد؟

ان عليه ألا يرجم بالغيب والا يغتر بمعلوماته لأن علمه مهما بلغ فهو قليل ، والذي عنده علم ، عليه الا يضع علمه للمراء والجدال ، بل يمر على المسائل الجدلية العقيمة مسرعا ما أمكن ، أي يؤمن بالحقيقة ويبيّن حجتها ثم يذهب ، لأن المراء يفسد العلم ، ويجعل فكر الإنسان متجها الى وسائل الاستعلاء على الآخرين ، وليس الى الحقيقة ، وبالتالي يصبح فكرا مستعليا مستكبرا لا يستوعب الحقائق ، والعلم هو ابن التواضع ، والمعرفة بنت الخلق السمح ، كما ان الاستكبار حجاب العلم ، والاستعلاء يهدم المعرفة.

(وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً)

لو فرضنا أن جاهلا يريد ان يستفتي ، فهل يبحث عن كل جاهل مغرور يجمع ركام الخرافات على ظهره ويستفتيه في أمور دينه ودنياه؟ كلا ..

وربما تدل هذه الآية على ما قلناه آنفا ، وهو ان القرآن لا ينسخ بالحديث ، وعلينا الا نحجب انظارنا عن القرآن بحجب التاريخ ، حيث نجعله منظارا ننظر من خلاله الى القرآن ان علينا ان ننظر الى القرآن وكأنه أنزل علينا هذه اللحظة ، والا نجعل آيات القرآن مدفونة في أضلع التاريخ قبل ١٤٠٠ عام ، وكأن هذه الآية نزلت لفلان ، والآية تلك نزلت لفلان ، والآية تلك نزلت لفلان ، وان الحادثة الفلانية هي

٣٩٢

التي استنزلت القرآن في بدر أو أحد أو غيرهما ، لقد انزل الله القرآن ، لكل زمان ومكان وإنسان ، فعلينا ان نقرأه بهذه الطريقة ، ولعل هذه الآية تشير الى هذه الحقيقة ، وانه ما دام القرآن قائم بيننا ، فلم نذهب الى التوراة والإنجيل ، والأفكار الموجودة في الكتب المنحرفة والأساطير المبثوثة عند الناس ، ونستفتي من يعرفها ويحملها؟

الحياة بين تدبير الرب وتقدير العبد :

[٢٣] (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً)

[٢٤] (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً)

لأول وهلة تبدو هاتان الآيتان غير مترابطتين مع بعضهما ، ولكن لنتدبر فيهما قليلا ..

لما كانت الحياة تتطور باستمرار ، كانت رسالات الله قد وضعت حسابات دقيقة لمتغيرات الزمان ، وتطورات الأحداث ، فيجب على الإنسان ان يضع الرسالة التي أنزلت عليه نصب عينيه في كل تصرفاته واعماله ، ولا يتركها لأن فلانا قال كذا ، أو أن السابقين عملوا هكذا.

والقرآن الحكيم يأمرنا بهذا في الآية الأولى ، أما في الآية الثانية فأنه يوجهنا الى موضوع دقيق ، فيقول : ان على الإنسان الا يضع لنفسه برنامجا طويل المدى دون ان يحسب حساب متطورات الزمان في برنامجه ، فالله سبحانه لا يأمر بشيء جامد ، وانما يأمر بأتباع القيم التي تطبق في كل وقت بصورة معينة.

ليس لك ان تقول غدا سأعمل العمل الفلاني ، لأنه قد يأتي الغد وتتطور

٣٩٣

الأحداث فيه ، ويكون الواجب عليك عملا آخر يختلف عما عزمت عليه ، فعليك ان ترتبط بالله ورسالته التي أنزلت عليك ، والتي يفهمها عقلك ارتباطا وثيقا مباشرا ، ولا ترتبط بخطة معينة أو بتاريخ معين ، أو بأفكار سابقة ، أو بكتب مكتوبة ، أو ببرامج جامدة ، وهذا هو منتهى (التقدمية) في القرآن ان صح التعبير.

أما ربط العمل بالمشيئة فله معنيان :

الأول : المعنى الظاهر والمعروف ، وهو ان مواهبي وامكاناتي كإنسان ، وامكانات الطبيعة وفرص العمل ، كلها متصلة بإرادة الله سبحانه ، فان له ان يوفقني غدا لعمل أو لا يوفقني ، وهذا الاستثناء بالمشيئة هو المعنى المألوف.

ومن هنا يقول الأمام علي (ع): «عرفت الله بفسخ العزائم ونقض الهمم» اي اني عزمت على شيء فجاء القضاء وفسخ عزيمتي ، وهممت بشيء فجاء القدر ونقض همتي.

الثاني : ان الله إذا أمرني غدا بهذا العمل فسوف أعمله ، وإذا نهاني فسوف اتركه ، فعملي وعدم عملي غدا مرتبط بما يأمر به الله غدا وليس اليوم ، فقد يكون أفضل عمل اليوم هو الصلاة والتعبد في المسجد ، ولكن غدا قد يكون أفضل عمل هو الاشتراك في التظاهرات ، وبعد غد أفضل عمل هو العمل المسلح ، وبعده أفضل عمل ان اجلس على أريكة الحكم وادير شؤون الناس ، فعليّ دائما ان أضع خططي حسب ما يأمر به الله وليس حسب مشيئتي ورغبتي ، واجعل هواي باستمرار موافقا لما يريده الله سبحانه.

جاء رجل الى الامام الصادق (ع) فقال له الأمام : «كيف أصبحت؟ فقال : أصبحت والله والمرض خير لي من الصحة ، والفقر خير لي من الغنى ، والذل خير لي من العزة .. إلخ. فقال الأمام : اما نحن فلسنا كذلك. قال : فكيف أنتم؟ قال :

٣٩٤

نحن إذا أحب الله ان يمرضنا ، فالمرض أحب إلينا من الصحة ، وإذا أحب ان يرزقنا الصحة فالصحة أحب ، فالفقر أحب مع رضا الله والغنى أحب مع رضا الله ، وان كان الذل في سبيل الله فهو محبوب ، وإذا كان العز في سبيل الله فهو المحبوب»

هذه هي أهم صفة للمؤمن وهي : أن يكون راضيا برضا الله ، وان يعمل بما يأمر به الله وإذا وصلت الى هذه الدرجة فأحمد الله أنك قد بلغت مستوى رفيعا من الايمان ، والا فاسع للوصول الى هذا المستوى.

ولا بأس أن أضع برنامج للمستقبل ، ولكن على شرط أن أستثني فيه وأقول : إنشاء الله ، بحيث إذا تغيرت الظروف وتغير امر الله بالنسبة لهذا البرنامج ، فاني سوف أغيره تبعا لذلك التغيير.

في بعض الأوقات يدخل الإنسان الى حزب باعتباره وسيلته الى الله سبحانه ، ولكن شيئا فشيئا يتحول الحزب الى اله يعبد من دون الله ، وفي اخرى يتبع الإنسان أحدا على أساس انه رجل مؤمن عالم ، ويجعله سببا بينه وبين الله يبتغي بذلك مرضاة ربه ، ولكن شيئا فشيئا يتحول هذا الرجل الى صنم يعبد من دون الله ، وكذلك في بعض الأوقات يضع الإنسان لنفسه برنامجا ليطبقه امتثالا لأمر الله ، ولكن شيئا فشيئا يتحول البرنامج في حياته الى برنامج ضلالة وجبت.

حينما تتبع أحدا وظن نفسك على أن تتبعه من أجل الله ، وكذلك حينما تنمي الى جماعة فاجعل انتماءك الى الله أقوى من انتمائك إليهم ، واطلب دائما من الله ان يرشدك الى أتباع العالم الأفضل ، والبرنامج الأكمل ، والجماعة الأكثر ايمانا وتقوى ، وكن دائما أمام زمانك ، ولا تسمح لنفسك أن تصبح قطعة متحفية مرتبطة بالتاريخ ، أو حتى بما قبل التاريخ.

٣٩٥

[٢٥] (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً)

كيف لبثوا هذه المدة؟ وباية حالة وبتدبير اية قوة؟

[٢٦] (قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا)

لا تبحث حول هذا الموضوع ، فالله اعلم كيف ومتى وانّى لبثوا!

(لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ)

ابصر واسمع وما أشبه صيغ لغوية تفيد المبالغة والتعجب ، اي أعظم الله بما يراه بصرك أو تسمعه أذنك إذ كل شيء تراه أو تسمعه فهو اية لله سبحانه.

(ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً)

ليس لله شركاء من آلهة الثقافة والحكم أو كهنة المعابد ، انه الواحد الأحد ولا يشرك في حكمه أحدا ، لذلك على الإنسان ان يتصل مباشرة بالله سبحانه ، ولا يجعل بينه وبين الله واسطة الا إذا امر الله بها وفي حدود ذلك لا أكثر.

٣٩٦

وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (٢٧) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (٢٨) وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها

______________________

٢٧ [ملتحدا] : ملجأ تعدل إليه.

٢٨ [لا تعد] : من عدى يعدو بمعنى تجاوز.

[فرطا] : سرفا وافراطا.

٢٩ [سرادقها] : السرادق هو الفسطاط المحيط بما فيه ـ ويقال السرادق ثوب يدار حول الفسطاط ـ وشبّه به لهب النار لأنه مخروطي الشكل يحيط بما حوله.

٣٩٧

وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً (٢٩) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (٣٠) أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (٣١)

______________________

[كالمهل] : كل شيء أذيب كالنحاس والرصاص ...

[مرتفقا] : متكأ ، أو مقرا.

٣١ [الأرائك] : جمع أريكة وهي السرير.

٣٩٨

زينة الحياة وضمانات الاستقامة

من الإطار العام :

إن من مظاهر اعجاز القرآن الحكيم ، ان آياته الكريمة تتبع عدة خطوط متوازية ومتناسبة ، تتظافر على توجيه فكر الإنسان الى قضية جوهرية معينة. فالسورة الواحدة من القرآن تتحدث عن عدة أمور تبدو متباعدة ، ولكنها آخر الأمر تصل الى هدف واحد ، أو عدة أهداف محددة ومترابطة.

وفي سورة الكهف ، وكما اكدنا على ذلك في بدايتها ، نجد ان الموضوع الرئيسي فيها هو علاقة الإنسان بالحياة الدنيا ، وموقفه من زينة الأرض ومتاع الغرور وهي أشياء زائلة ، إذ أن يد القدرة المطلقة وهي يد الله سوف تمسح زينة الحياة ، وتدع الأرض صعيدا جرزا في لحظة واحدة.

ولذلك فأن على الإنسان الا يربط علاقته بهذه الزينة ربطا متينا ، بل تكون العلاقة المتينة مع الله رب هذه الحياة ورب هذه الأرض ، وتكون علاقته بزينة الحياة علاقة فوقية يتملكها دون ان تتملكه.

٣٩٩

في قصة أصحاب الكهف كانت العبرة الرئيسية هي : إقلاع هؤلاء من ارض الزينة ، وتحليقهم في سماء القيم ، وقدرتهم على تجاوز ضغط السلطة الطاغية ، والقرآن يحدثنا عن صورة اخرى متقابلة ومعاكسة لصورة أصحاب الكهف ، وهي صورة ذلك الرجل الذي اخلد الى الأرض واتبع هواه ، وتملكته زينة السلطة ، ولم تنفعه نصيحة صاحبه.

هدى من الآيات :

لقد كان أصحاب الكهف مثلا لفرار البشر من جاذبية المادة وزينة الحياة الدنيا. والسؤال كيف نصبح أمثالهم ، الجواب بما يلي :

أولا : العمل بالضمانات الوقائية التي تخلص الإنسان من ضغوط زينة الحياة ، وكيف يمكن للإنسان ان يسوّر نفسه بقلاع تحفظه وتمنعه من تلك الضغوط.

وأولها : تلاوة القرآن والارتباط المباشر بآياته الكريمة ، تلك الآيات التي لا تتبدل بالرغم من تبدل الحياة وتطورها ، وهذا هو المهم ، إذ حينما تتعلق بزينة الحياة فأنك سوف تتعلق بشيء يزول ولا يبقى ، انه حبل ينقطع وجدار ينقض إذا ، لا بد أن تتعلق بحبل متين وتعتمد على جدار راسخ ، وهو كتاب الله.

ثانيا : ان يكون انتماؤك الى التجمع الايماني ، وحينما تنتمي الى مثل هذا التجمع وتختار الأفراد على أساس القيم الرسالية ، فسوف تحصن نفسك بسور آخر من أسوار الحماية ضد ضغط الزينة.

ثالثا : التحدي والاستعداد للصراع ، وهذا يعني استعداد الإنسان للصراع مع العدو ومواجهته ، وهو سور آخر يحتمي به الإنسان من مغريات زينة الحياة ومتاعها الزائل.

٤٠٠