من هدى القرآن - ج ٦

السيّد محمّد تقي المدرّسي

من هدى القرآن - ج ٦

المؤلف:

السيّد محمّد تقي المدرّسي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار محبّي الحسين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-5648-09-2
ISBN الدورة:
964-5648-03-3

الصفحات: ٥٠٢

على المروة ، وطلبت اليه قريش ان يتركه وكان مسخا ، فلم يتركه ، ثم امر بكسره فنزلت الآية (١).

ولعل الآية توحي بان الداعية قد يهم لتغيير بعض بنود رسالته طمعا في إدخال الناس في الدين وهذا بدوره خطأ ، والروايتان تشهدان على هذا التفسير.

بالرغم من ان عصمة الرسول التي تدل عليها الآية (٧٤) بصراحة تشهد على ان الرسول لم يعزم أبدا على تقديم تنازل للمشركين ، ولعله استعرض ذلك في ذهنه كأحد الخيارات المطروحة ، الا انه سرعان ما نبذه بسبب عصمة الله له ، وروي عنه انه صلى الله عليه وآله قال بعد نزول الآيات «اللهم لا تكلني الى نفسي طرفة عين أبدا» (٢)

[٧٥] (إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ)

اي لأذقناك ضعف العذاب في الدنيا والآخرة ، ونظرا لمقام الرسول وعظم مسئولياته فانه يحاسب بقدر تلك المسؤوليات فكلما ارتفعت مسئولية الإنسان ، كلما حوسب أكثر بعكس الذين لا يحملون مسئولية كبيرة ، لان انحراف القيادة يعني انحراف قطاع كبير من الامة.

(ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً)

هذه الآية هي جواب على الآيات الاولى (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ ، وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً) اي لو انحرفت فقد تجد من ينصرك في الدنيا ، ولكن من الذي ينصرك من عذاب الله.

__________________

(١ ، ٢) : تفسير الصافي ص ٢٠٨ ج ٣

٢٨١

[٧٦] (وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها)

الإنسان الذي يحمل الرسالة لا بد ان يضع في اعتباره انه سوف يتعرض للضغوط الاجتماعية ، والمادية ، ومن ضمن هذه الضغوط (الإخراج والتهجير والمقاطعة الاجتماعية والإيذاء) ومن يقرأ ما عانى رسول الله من الإيذاء لا يمتلك دموعه وخاصة عند ما فقد عمه وزوجته في عام الأحزان ، ولم يجد أحدا يمنع المشركين عن أذاه ، فاشتد ايذاؤهم له ، وتولى ابو لهب سيادة قريش ، ويزداد أذى له وهو عمه وأقرب الناس اليه ، وإذا كان عمه هكذا فكيف يكون المشركون؟!

ثم بعد ما ضاقت عليه الأرض بما رحبت هاجر الى الطائف ، ولقي من العنت مثلما لقي في مكة ، فاذا بصبيانها يدمون رجلي الرسول بالحجارة ، وعند ما تأزمت الأمور أكثر بين الرسول وأهل مكة حاولوا إخراجه ، ومن ثم تآمروا على قتله ، فهاجر الى المدينة ليفتح بذلك صفحة جديدة أطلت على التاريخ ببوارق الأمل.

«يستفزونك» اي يخرجونك وينفرونك ، وهذه ثانية خطط إبليس وشياطينه حيث انهم حين يفشلون في تغيير الرسالة لتوافق مصالحهم ، ولا أقل لكي لا تضرها رغم اغرائهم لصاحب الرسول بأنهم سوف يدخلون في دينه لو فعل ذلك ـ أقول بعد فشلهم هذا يتوسلون بالارهاب ، ويحاولون طرد صاحب الرسالة ـ من أرضهم.

ونلاحظ ان القرآن أشار الى هاتين الخطتين في الآية (٦٣) حيث قال : «وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ».

وكأن السياق هنا يذكرنا بفشل إبليس مع نبينا ، وان علينا الا ندعه ينجح معنا أيضا ، أو لسنا اتباع ذلك الرسول؟!

(وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلاً)

٢٨٢

اي لن يستطيعوا ان يواجهوك بعد ما يخرجوك. لعل الآية تشير الى سنة إلهية ، قضاها الرب لعباده : ان رسل الله ، والذين هم يسيرون على نهجهم ، أوتاد الأرض ، فمن دونهم تسيخ بأهلها ، بهم يحفظ الله العصاة ان يدمرهم شر تدمير ، فاذا طغى الناس واخرجوا هؤلاء من بلادهم فان العذاب يصبّ عليهم صبا. ولو لا ان نبينا (ص) اختار الهجرة الى المدينة لكان أهل مكة يتعرضون لعذاب شديد ، بل انك ترى انهم تعرضوا للقتل والأسر ، وفتح بلدهم لأنهم هموا بإخراج الرسول.

[٧٧] (سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً)

سنة الله لن تتغير حتى يوم القيامة ، فهذه من الحتميات الالهية ، والتحويل هو تحويل الشيء الى غيره ، وسنة الله المتمثلة بنصر الرسل ، سنة ابديّة محتومة ، كما ان الظروف الطبيعية تحتمها ، لان الكفر يسير ضد التيار العام للطبيعة ، بينما تنتصر رسالات الله ، لأنها تتحرك باتجاه التيار الطبيعي للحياة ، كما انها تتوافق مع الفطرة.

الصلاة :

[٧٨] كيف يقاوم المرء ضغوط الشيطان؟ يجيب السياق القرآني عن هذا السؤال بعد ان بيّن خطط إبليس في إغواء بني آدم ، وسوقهم الى النار ويتلخص الجواب في اقامة الصلوات المفروضة ، والتهجد بالليل ، والصدق في المدخل والمخرج ، والتوكل على الله ، والثقة بنصره ، فهذه خمسة برامج يتحدى بها المؤمن مكر الشيطان وكيده.

[٧٨] (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ)

٢٨٣

دلوك الشمس اي زوالها ، وسمى الدلوك دلوكا ، لان الإنسان يدلك عينه عنده لشدة شعاعها انئذ ، وقال البعض ان الدلوك هو الميل ، وسمي الزوال دلوكا لان الشمس تميل عنده الى جهة المغرب ، كما ان المغرب سمي به أيضا لان الشمس تميل الى الغروب.

(إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ)

غسق ـ دلجة ـ ظلمة ـ بمعنى واحد وهو شدة الظلام ، وشموله ، ولعله يتم عند منتصف الليل.

(وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً)

قرآن الفجر هو صلاة الصبح ، وصلاة الصبح مشهودة من قبل ملائكة الليل وملائكة النهار ، لذلك استحب استحبابا مؤكدا صلاة الفجر في أول وقتها.

نلاحظ ان الله سبحانه حدد أوقات الصلاة بثلاث أوقات بدل ان تكون خمسة أوقات ، نظرا لتقارب وقتي الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء.

[٧٩] (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ)

نافلة الليل هي الصلاة غير المكتوبة ، ولو كتب على المؤمن غير الفرائض الخمس لكان المكتوب صلاة الليل لما فيها من الثواب ، ومباهات الله ملائكته بمن يصليها.

التهجد : السهر لصلاة الليل ، وأخذت الكلمة من الهجود وهو النوم ، وكأن المتهجد يغالب نومه.

(عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً)

٢٨٤

هذه فائدة صلاة الليل والمقام المحمود للرسول الشفاعة ، وللمؤمنين درجات الكمال ، حيث جاءت الأحاديث تؤكد على صلاة الليل ، وتوضح فوائدها ، فهي تزيد في الرزق ، وتزيد في العمر ، وترفع عذاب القبر وهي نور في القبر ، ونور يوم القيامة ، وترفع اسم الإنسان ، وتزيد في بهاء وجهه ، وتزرع الخشية في قلبه ، وتحببه الى إخوانه وعشرات من الفوائد العظيمة.

شفاعة الرسول في أمته :

عن الامام الصادق (ع): عن آية «عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً» سأله رجل عن قول الرسول في تفسير هذه الآية «انا سيد ولد آدم ولا فخر» قال (ع) «نعم يأخذ حلقة من باب الجنة فيفتحها ، فيخر ساجدا ، فيقول الله : ارفع رأسك .. اشفع تشفّع ، .. اطلب تعطى فيرفع رأسه ثم يخر ساجدا ، فيقول الله : ارفع رأسك .. اشفع تشفّع .. اطلب تعطى ، ثم يرفع رأسه فيشفع فيشفّع ، ويطلب فيعطى».

وفي رواية اخرى عن الامام الصادق (ع) رواها عنه الامام الكاظم (ع) : يقوم الناس يوم القيامة مقدار أربعين يوما ، وتؤمر الشمس فتنزل على رؤوس العباد ، وينجم العرق ، وتؤمر الأرض الا تستقبل من عرقهم شيئا ، فيذهبون الى آدم فيشفعونه ، فيدلهم على نوح ، يقول : اذهبوا الى نوح ، ويدلهم نوح الى إبراهيم ، ويدلهم إبراهيم الى موسى ويدلهم موسى الى عيسى ، ويدلهم عيسى على محمد ، فيقول : عليكم بمحمد خاتم النبيين ، فيقول محمد (ص) : أنالها ، فينطلق حتى يأتي باب الجنة ، فيدق الباب ، ويقال : من هذا؟ فيقول محمد : افتحوا ، فاذا فتح الباب ، واستقبل ربه ، فخر ساجدا لا يرفع رأسه حتى يقول الله له : تكلم ، فاسأل تعطى ، واشفع تشفّع ، فيرفع رأسه فيستقبل ربه ، فيخر ساجدا ، فيقال له مثلها ، فيرفع حتى انه ليشفع من قد حرّق بالنار ، (وما) أحد من الناس يوم القيامة في جميع الأمم أوجه

٢٨٥

من محمد ، وهو قول الله تعالى : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً).

وبالرغم من ان الآيات تخاطب النبي صلى الله عليه وآله ، وفسرت في أكثر النصوص المأثورة عن علماء المسلمين جميعا بالشفاعة التي خص بها الرب حبيبه محمدا صلى الله عليه وآله ـ بالرغم من ذلك ـ الا ان القرآن نزل على لغة «إياك اعني واسمعي يا جارة» حسب النصوص المأثورة.

وهكذا نعرف انّ نافلة الليل هي معراج المؤمن الى الكمال ، انها تطهر القلب عن عقده واحقاده ، واهتماماته بصغائر الأمور ، وتوسع الصدر لاستقبال المسؤوليات العظام ، وتشحذ العزيمة لتحدي العقبات ، وتنهض الإرادة الخاملة ، وتعطى النفس قوة دفع ذاتية ، وكل ذلك بفضل القرب الى الرب ، ولعل كلمة «عسى» في هذه الآية كما لفظة لعل في آيات اخرى تذكرنا بان هذه الحقائق ليست مثل الحقائق الفيزيائية التي تقضي بحتميّة النتائج بعد الأسباب ، بل انها حقائق فوق مادية تتبع مشيئة الله ، والله سبحانه لا يتقبل العمل الا بالتقوى والإخلاص ، وهو ينظر الى روح العمل قبل مظهره ، فعلى الإنسان ان يستمر في الاجتهاد ، ويرجو رحمة الله ، فعسى ان يبلغه الله النتائج وبذلك يحرّض القرآن المؤمنين على المزيد من العمل والمزيد من التضرع الى الله ليبلغوا المقام المحمود بفضله.

نصرة الله :

[٨٠] (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ)

الالتزام بالصدق في المواقف ، في كل مدخل ومخرج منها هو أهم واجبات الرسول والرسالي ، ولان الإنسان يحتمل ان يدخل فيما يكرهه الله ، أو يخرج عما يحبه الله ، فهو بحاجة الى حاجز يمنعه عن الانحراف ، وهذا الحاجز انما هو من عند الله سبحانه ، والمراد من هذه الآية : يا رب ادخلني في الأمور إدخالا صادقا ، واخرجني

٢٨٦

منها إخراجا صادقا.

(وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً)

إذا التزم الإنسان بالواجبات الشرعية ، وجسد الشخصية القرآنية انئذ يصبح تحت ظلال رحمة الله في الأرض ، فيصبح سلطانا من قبل الله ، بالطبع ليس سلطانا ماديا ، بل سلطانا ربانيا رحمانيا ، ويبعث الله من ينصره من المؤمنين والملائكة.

إذا أردت ان تكون قائدا أصلح نفسك وكن مع الله ، لأنه من كان مع الله كان الله معه.

جاء في وصية الامام الحسن (ع) لجنادة :

«يا جنادة من أراد عزا بلا عشيرة ، وهيبة بلا سلطان فليخرج من ذل معصية الله الى عز طاعته»

ولو عمل المسلمون بهذه الآية الكريمة لاغنتهم عما في ايدي أعدائهم ، وهيأت لهم استقلالا اقتصاديا ، وثقافيا ، وسياسيا ، كيف؟

لقد أودع الله في الإنسان معادن لا تنفد ولا تحد ، وسخر له الطبيعة بما أعطاه من علم وارادة وقوة. ومن أعظم المواهب التي أتاها الرب للخلق الطموح ، فكل واحد يتطلع الى العظمة ، ويحب الكمال وهذا التطلع هو جناح المرء في تحليقه في فضاء التقدم. الا ان الشيطان يغويه ، ويوجه طموحه في الاتجاه الخاطئ ، انه يلوي مقود سيارته عن الشارع المعبد الذي يمهده الجهد الصادق باتجاه الصخور الوعرة ، ويهمس في اذنه هذا هو طريق المجد ، الكذب ، الغش ، السرقة ، وانتهاب ثروات الآخرين ، واستغلالهم ، أو استجداء العون منهم ، وهكذا يخدعه مرتين حين يسلب عنه عزيمته ، وحين يخيل اليه ان الآخرين ينفعونه.

٢٨٧

اما المؤمن فأنه يعلم ان قوة ساعده ، ونفاذ بصيرته ، ومضاء عزمه كل أولئك كفيل بتقدمه ، وان رزقه موجود في الطبيعة ، في الأرض التي يزرعها ، في المعادن التي يستخرجها ويسخرها ، وبالتالي في التعامل الشريف مع الناس.

وهكذا يبني بناءه على الصدق ، فان دخل في عمل ، في مشروع ، في حركة ، في شركة ، دخل بنية صادقة فلم يدخل ليستغل جهد الآخرين ، ولا ليستريح من بذل الجهد ، ثم لا يخرج الا بصدق فيكمل مسيرته حتى النهاية ، ويتم عمله بأحسن وجه دون ان يخدعه الشيطان ، فيدفعه لترك العمل. متى ما رأى فيه صعوبة.

ولعل صدق العمل في المدخل والمخرج هو التحدي المناسب لخطة إبليس في مشاركة الأموال والأولاد ، حيث قال الله سبحانه في آية مضت بينت مكر إبليس في تضليل البشر قال : «وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً».

إذ ان صدق المؤمن لا يدع مجالا لمشاركة إبليس الذي يهدف إفساد الاقتصاد والتربية ، وكيف يفسد اقتصاد قوم لا يأكلون الحرام ، ولا يسرقون جهد بعضهم ، ولا يتعاملون بغش ، أو تطفيف ، أو تغرير ، أو كذب!

ونستوحي من تواصل بداية الآية وخاتمتها ان الصدق في الدخول والخروج وسيلة لنزول نصر الله ، وبلوغ القوة (السلطان) والعزة (النصر).

والصدق في البداية هو خلوص العمل ، بينما الدعاء في الخاتمة هو التوكل وهما العمل الصادق والتوكل على الله يتكاملان فلا توكل من دون عمل ، ولا ينفع العمل من دون التوكل.

[٨١] (وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً)

٢٨٨

سبب ارتفاع الباطل هو خفوت نور الحق وتقوقعه ، ومتى ما وجد الحق غاب الباطل.

وهذه الآية تعطي الثقة بالمستقبل ولعلها تعالج غرور الشيطان الذي أشير اليه ، وقول ربنا سبحانه : (وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً) فبينما الشيطان يخدع الإنسان ، ويمنيه بالمستقبل كذبا ، فان الله سبحانه يعده صادقا ، إذ انه يبشره بان العاقبة للمتقين ، وان الحق منتصر وان الباطل كان زهوقا.

وهكذا يقاوم المؤمن كل مكر شيطاني بخطة رشيدة ، وعمل مبارك :

١ ـ يتحدى صوته المضلل ببصائر الوحي.

٢ ـ خيله ورجله وبالتالي ارهابه بالصلاة والتهجد.

٣ ـ ٤ ـ مشاركته في الأموال والأولاد بالصدق والتوكل.

٥ ـ وعوده وغروره بالثقة بوعد الله والأمل في المستقبل.

عاذنا الله من شر الشيطان وكيده ومكره.

٢٨٩

وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَساراً (٨٢) وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً (٨٣) قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً (٨٤) وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (٨٥) وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً (٨٦) إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً (٨٧) قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (٨٨) وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ

______________________

٨٨ [ظهيرا] : الظهير المعين وأصله من الظهر.

٢٩٠

إِلاَّ كُفُوراً (٨٩) وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً (٩٠) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً (٩١) أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً (٩٢) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً (٩٣)

______________________

٩٢ [كسفا] : وهي جمع كسفة بمعنى القطعة.

[قبيلا] : مقابلة وعيانا.

٢٩١

القرآن بلسم الحياة وشفاء الإنسان

هدى من الآيات :

يبدو أن آيات هذا الدرس تتركز في بيان الموضوع الرئيسي لسورة الإسراء ، وهو الوحي ، وتعالج الموقف السلبي الذي اتخذه الكفار من القرآن.

كلما نزلت آية من القرآن كانت شفاء عن داء ، ورحمة للمؤمنين ، بينما الظالمون لا تزيدهم الا خسارا. لماذا؟

لان الإنسان يتكل على النعم ، ويغتر بها ، فاذا أنعم الله عليه بنعمة اعرض عن ربه واستكبر ، فلما زالت النعمة عنه استبد به اليأس ، ولعل هذا أعظم سبب للجحود والكفر بالقرآن ، كما يظهر من خاتمة هذا الدرس.

وكل إنسان يعمل حسب ما بنيت شخصيته عليه ، والله اعلم بمن هو أهدى سبيلا ، ولعل هذا هو السبب الثاني الذي يجعل الكفار يخسرون نعمة القرآن ، ولا

٢٩٢

يستفيدون منه ، لا شفاء ولا رحمة.

والوحي نعمة من الله وليس من الرسول نفسه ولو شاء الله لذهب به دون أن يقدر أحد على المطالبة به ، وانه لرحمة من الله ، وفضل عظيم ، ولعل زعمهم بان الوحي من الرسول سبب ثالث لكفرهم وهو معجز لأنه لو اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثله لا يقدرون على ذلك حتى ولو تعاون بعضهم مع البعض الآخر.

وهو يحتوي على امثلة الحياة التي لو ساروا عليها لاهتدوا ولكن أكثر الناس يكفرون بهذه النعمة ، وتراهم يطالبون الرسول بأن يفجر لهم من الأرض ينبوعا حتى يؤمنوا به ، أو تكون له جنة من نخيل وعنب فيفجر الأنهار خلالها تفجيرا.

وقد يطالبونه بالعذاب كأن يسقط السماء عليهم كسفا ، أو يأتي بالله والملائكة قبيلا ، أو يقولون له لو كان لك بيت من زخرف ، أو رقيت الى السماء ، وأنزلت معك كتابا نقرؤه لآمنّا بك وهم يغفلون عن حقيقة هامة هي ان الرسول بشر مثلهم يوحى اليه ، وان القرآن ليس منه انما هو من الله سبحانه.

بينات من الآيات :

شفاء القرآن :

[٨٢] القرآن شفاء ورحمة ، شفاء يطهر القلب والبدن والمجتمع من الجراثيم ، ورحمة تنمي فيها الخير والفضيلة.

(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)

كل القرآن شفاء الأمراض ، وبعض القرآن شفاء لذلك المرض الذي جاء من أجل شفائه ، ولان القرآن نزّل حسب الظروف تنزيلا فقد كانت آياته شفاء

٢٩٣

للامراض التي نزلت لعلاجها ، ولعل كلمة «من» تدل على ذلك.

والسؤال هنا هو : كيف يكون القرآن شفاء ورحمة للمؤمنين؟

اختلف المفسرون حول معنى الشفاء وابعاده ، ولكن الشفاء المقصود به هنا هو :

شفاء عام لكل جوانب الحياة.

القرآن شفاء القلب والمجتمع والبدن :

أولا : بين الإنسان ومعرفة الحقائق حجب متراكمة من ضغوط الشهوة ، وعقد النفس ، وقيود المجتمع ، وتخلص الإنسان من هذه الحجب لا يكون الا بإثارة دفائن عقله ، وهزة ضميره ، والقرآن يقوم بهذا الدور ، إذ انه كالصاعق الكهربائي الذي يهز ضمير الإنسان ووجدانه من الصميم ، فيتحرك العقل من الداخل ليخترق حجب الجهل والضلال ، والغرور هو أعظم حاجز بين الإنسان والحقيقة ، لذلك تصب هذه الآيات حمم الإنذار من خلال تصوير مشاهد يوم القيامة ، وهلاك السابقين ، ليقطع الاسترسال في الغفلة وأحلام اليقظة ، وفي هذا السبيل يضع شرائع مفصلة لتنمية المواهب الخيرة في القلب بعد تطهيره من امراض الاستكبار ، والحسد ، والحقد ، والعجب ، والغرور و.. و..

إذ القرآن يعالج تفكير الإنسان لئلا يقع في الاخطاء المنهجية لفهم الحقائق ، وذلك عبر تقديمه للمنهج الصحيح.

ثانيا : والقرآن الحكيم شفاء للامراض الاجتماعية حيث يعطينا برنامجا في الاقتصاد ، والسياسة والتربية ، والاسرة لنحل به جميع المشاكل ، ولا يدع شاردة أو واردة بلا حكم واضح.

٢٩٤

ثالثا : ويقدم القرآن لنا نصائح توجيهية للحفاظ على الجسد ، فهو يؤكد على ضرورة الطهارة والنظافة ، وضرورة العمل ، ورفع الكسل والتواني ، وينظم للإنسان حياته الاجتماعية ، والاقتصادية ، وغيرها ليجنبه الأمراض الروحية والجسدية.

ونحن عند أصابتنا باي مرض في اي مجال نحتاج الى التسلح بالإرادة والحيوية ، وحينما تخلص نيتك لله ، فانه سيمن عليك بشفائه من حيث تعرف أو لا تعرف.

وهكذا جاء في الحديث المأثور عن الامام الصادق عليه السلام «إنما الشفاء في علم القرآن» لقوله : «وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ» لأهله لا شك فيه ولا مريه ، واهله أئمة الهدي الذين قال الله «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا» (١).

وجاء في حديث آخر ، مأثور عن الامام الباقر (ع):

«ما اشتكى أحد من المؤمنين شكاية قط ، وقال : بإخلاص نية ومسح موضع العلة»

«وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً» الا عوفي من تلك العلة ، أية علة كانت ، ومصداق ذلك في الآية حيث يقول : «شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ» (٢)

السعادة وأبعادها :

للسعادة جزءان الاول : (رفع النقمة) وهو الشفاء و (جلب النعمة) وهو الرحمة ، ويعني رفع الألم والفقر والمرض ، ومنع حدوث الفتن والحروب وما شابه.

__________________

(١) تفسير الصافي ج ٣ ص ٢١٣

(٢) المصدر

٢٩٥

اما الجزء الثاني للسعادة فهو : السكينة والاطمئنان ببلوغ الإنسان غاياته. وهكذا كان القرآن شفاء ورحمة.

(وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً)

ان في القرآن منهاجك الذي يصل بك الى اهدافك ، ولكن لا يستفيد من هذا المنهج الا المؤمنون الذين يطبقون القرآن بوعي واستقامة وإخلاص ، اما الظالمون الذين يغيرون معاني آيات القرآن حسب مصالحهم فان القرآن سيكون لهم شقاء في الدنيا ، وخسارة في الآخرة ، فهو لا يدع مناسبة الا ذمّ فيها هؤلاء الظالمين بائعي الحق ، وعبدة الشيطان والهوى ، ونتساءل : لماذا خصت الآية الظالمين بالذكر والجواب :

أولا : ان الظلم ظلام القلب ، وحجاب وظلمات يوم القيامة.

ثانيا : لان الظالم يفسق عن حدود الله ، ويعبد شهواته فانه يفسر آيات القرآن حسب اهوائه ، وبدل ان تدله آيات الذكر على صراط الجنة تهدية الى سواء الجحيم ، لأنه هو الذي حرفها ، وغير معانيها ويكون مثله كمثل الذي يغير علامات الطريق ، فتضله عن الجادة ، ولو لم يتبع هواه إذا لاهتدى الى الجادة.

[٨٣] كيف لا ينتفع الظالمون من القرآن الا خسارا؟

يبدو ان السياق يجيب عن ذلك في الآيتين التاليتين ، حيث ان الآية الاولى تبين طبيعة الإنسان والتي لا تقضي استقبال النعم ، والانتفاع بها اما الآية الثانية فتوضح اثر العادة في سلوك البشر وحيث ان ما تعود عليه الظالمون وهم سائر الناس غير المؤمنين من الذين انزل عليهم القرآن فلم يستجيبوا له أقول : ان سائر الناس قد جبلوا على الاعراض عند النعم ، كما انهم يعملون على الشاكلة التي ساروا عليها سابقا ،

٢٩٦

فلا يتركونها بسهولة الى القرآن ، بلى المؤمنون وحدهم يتجاوزون هذه الحالة ، ويرتفعون الى مستوى الايمان.

(وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ)

قالوا : بان معنى الآية انه يعرض عن ذكر ربه عند النعمة ، ويبطر بها ويتولى ، فالآية حسب قولهم نظير قوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً).

ولعل الأقرب الى السياق أن نقول : ان هذه الآية تبين صفة اخرى للإنسان وهي الاستهانة بالنعم ، وعدم الاستفادة منها ، وعدم تقديرها حق قدرها ، والاعراض هنا عن النعم ذاتها وليس عن الله ، بلى ان الاعراض عن الله وعن نعمه ينبع من صفة واحدة ، ذلك لان من يعرض عن ربه ولا يشكر نعمه ، ويزعم انما اوتي النعم بعلمه وجهوده ، بل يرى ان النعم جزء من ذاته ، وان له طبيعة مميزة عن غيره بدليل انه خص دون غيره بالنعم فعنصره أفضل من سائر الناس.

أقول ان مثل هذا الفرد يستهين أيضا بالنعم ويعرض عنها ، وبالتالي فان هاتين الصفتين تنتهيان الى طبيعة واحدة.

ولان الإنسان يعرض عن النعمة ، ويتعالى عليها ، ويتولى بركنه ، وينأى بجانبه ، فانه لا ينتفع بالقرآن الحكيم ، ولا يكون القرآن بالنسبة اليه شفاء ، وهذا أكبر ظلم ذاتيّ ان يترك المرء الاستفادة من أكبر النعم استهانة بها.

بلى يبذل المؤمن جهدا كبيرا حتى يستفيد من نعمة الوحي ، لأنه يتواضع له ، ويسمع ويطيع ويقنت لله بخضوعه لكتابه ، فيكون الكتاب شفاء له ، وهكذا سائر النعم في الحياة.

٢٩٧

أو ليس العلم نعمة ، ولكن من الذي ينتفع به ، هل الذي يستهين به أو يتعالى عليه أم الذي يقدره ويكرم مقامه.

وحتى الثمرة الناضجة لا ينتفع بها الا من يقطفها وينظفها ثم يطعمها ، اما من يتولى عنها فهل يستفيد منها؟!

(وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً)

لان الإنسان يرى النعم من ذاته فانه يرى استمرارها ، فيتكّل عليها ، فاذا زالت تصيبه الصدمة وينهار لأنه قد سقط متكأه ومعتمده ، وهكذا يستبد به اليأس.

أما المؤمن فيشافيه الله بالقرآن الذي يكمل هذا النقص من طبيعة الإنسان ، ويجعله يعتمد على الله ، ويلهمه الصبر والأمل.

الشخصية ونهج العمل :

[٨٤] ويختلف الناس في مدى انتفاعهم بالوحي ، وينبع الاختلاف من شخصياتهم الداخلية ، التي تكون بالصفات والعادات المتباينة.

وبالرغم من ان الله قد وهب للإنسان من القدرة والمعرفة ما يمكنه من صياغة شخصيته حسب ما يشاء ، الا انه لو لم يفعل ذلك فسوف يقاد بلجام شخصيته ، وستكون اعماله في تجاه شخصيته ، حتى مواقفه من المعارف الالهية سوف تتأثر بنوع شخصيته ، وصفاته ، وعاداته ، وملكاته.

(قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ)

الشاكلة مشتقة من كلمة (الشكل) وهو الجام الدابة ، والشكل لجام الدابة ،

٢٩٨

ويبدو ان المعنى المناسب لهذه الكلمة بالنظر الى أصل معناها اللغوي وسياق ذكرها هنا هو الطريقة والمذهب ، أو الطبيعة أو الخلقة ، فيكون معنى الآية كل شخص يعمل حسب طريقته وطبيعته ، وبالتالي فان مظهر عمله ينبئ عن مخبر ضميره ونيته ، وهكذا تكون اعمال الناس تعبيرا عن طرائقهم ، ومذاهبهم ، وطبائعهم ، وعاداتهم ، وعلينا ان نكتشف من خلالها نيّاتهم ، ونصبغ أعمالهم بها.

من هنا جاء في الحديث المأثور عن الامام الصادق (ع) :

«النية أفضل من العمل. الا وان النية هي العمل».

ثم تلا «(قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ)».

وقد تكون الأعمال متشابهة الا ان اختلاف النيات ، وشخصيات العاملين ، واهداف العمل يجعلها متناقضة ، فالصلاة والصيام والحج قد يقوم بها المخلص فتكون معراجا وجنة وجهادا أكبر ، وقد يقوم بها المرائي فتكون وبالا على صاحبها.

والله سبحانه وتعالى هو الحكم الذي يقضي بسلامة النية أو الغلّ فيها.

(فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً)

وإذا كنت تحب عملا ، أو تهوى طريقة أو تعودت على سلوك ومذهب فلا يعني ان كل ذلك حق ، بل مقياس الحق والباطل هو الله الذي اوحى بالكتاب ليكون فرقانا ، ويهدينا الى سبل السلام ، فلا تزك نفسك ، ولا تجعلها مقياس الحق والباطل.

(قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) :

[٨٥] من انزل القرآن من عند الله على قلب الرسول؟ ومن يسدد الأنبياء ويؤيدهم بإذن الله؟

٢٩٩

أو ليس هو الروح الذي قال عنه ربنا سبحانه وتعالى :

«نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ» (١٩٣ / الشعراء)

فما هو الروح ومن أين يأتي ومن يسوقه؟

(وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي)

وهذا الروح ملك من ملائكة الله ، مخلوق مدبر ، وهو الذي ينزل في ليلة القدر حيث يقول ربنا سبحانه.

«تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها» وهو الذي يسدد الله به الأنبياء وهو أعظم من جبرئيل وميكائيل ، وكذلك جاء في الأحاديث وأضاف بعضها :

«له سبعون الف وجه لكل وجه سبعون الف لسان يسبح الله بجميع ذلك» (١)

ويرى بعض المفسرين ان الروح هنا هو روح الإنسان ، والكائنات الحية ، بيد ان سياق الآية يدل على ان المراد منه هو روح القدس ، أو ليس الحديث لا يزال عن القرآن وهو الذي نزل به الروح الأمين ، بلى لا يمكننا ان نقول روح الإنسان ، وجميع الأحياء بل حتى أرواح الملائكة تقتبس الحياة من ذلك الروح ، والروح واسطة بين الإنسان والحياة ، وهناك العقل هو ظل من ظلال الروح ، والعلم الانساني جزء من علم الروح ، ذلك الملك العظيم ، وهكذا اختلفت الأحاديث المأثورة عن مصادر الوحي في معنى الروح هنا ، فبينما نجد بعضها يؤكد على انه الملك العظيم ، يقول : بعضها بأنه روح الإنسان ، والواقع انهما معا من مشكاة واحد ، تعال نقرأ معا بعض تلك النصوص :

__________________

(١) راجع كتاب نور الثقلين ج ٣ ص (٢١٥ / ٢١٩)

٣٠٠