من هدى القرآن - ج ٥

السيّد محمّد تقي المدرّسي

من هدى القرآن - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد تقي المدرّسي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار محبّي الحسين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-5648-08-4
ISBN الدورة:
964-5648-03-3

الصفحات: ٤٩٦

الشقاء الى سعادة ، وبر الوالدين يزيد في العمر ، واصطناع المعروف يقي مصارع السوء»

٢ ـ عن أبي عبدالله (ع) قال :

«يمحو الله ما يشاء ويثبت» وقال : «وهل يمحي الله الا ما كان ثابتا ، وهل يثبت الّا ما لم يكن»

من هذا الحديث نرى أنه لا حتمية في الحياة ، وأن الحياة في حالة تطور ، وهي ليست حياة استاتيكية قائمة على نظم لا تتغير .. كلا.

٣ ـ عن أبي جعفر الباقر عن فضيل بن يسار ، قال : سمعت أبا جعفر (ع) يقول

«من الأمور أمور محتومة كائنة لا محالة ، ومن الأمور أمور موقوفة عند الله ، يقدّم فيها ما يشاء ، ويثبت منها ما يشاء ، لم يطلع على ذلك أحدا ـ يعني الموقوفة ـ فأما ما جاءت به الرسل فهي كائنة ، لا يكذب نفسه ولا نبيّه ولا ملائكته»

٤ ـ عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال : كان علي بن الحسين عليهما السلام يقول :

«لو لا آية في كتاب الله لحدثتكم بما كان وبما يكون الى يوم القيامة ، فقلت له : أيّة آية؟ فقال : قال الله : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ).

[٤٠] (وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ)

من العذاب في حياتك أو بعد موتك ، وعلى ذلك فليحذر الكافرون وأعداء الرسالة ان يصيبهم الله بعذاب من عنده ان هم تمادوا في غيّهم ، فاما يدركهم سراعا فينتقم الله لرسوله ، أو يؤخرهم فيأخذهم أخذ عزيز مقتدر.

٣٦١

(فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ)

لا يد للرسول على قومه سوى تبليغ رسالة الله ، وعلى الله الحساب في أن يأخذهم متى شاء ، ولا يعني ذلك أنه لا يستطيع ان يدعو عليهم بالعذاب ، أو أن الله لا يستجيب له ، وأن الله إذا أراد أن يصب العذاب على قوم فلن يستطيع الأنبياء ردّه ، كما لم يستطع نوح ان يرد العذاب عن ابنه.

[٤١] (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها)

فقد يكون نقص الأرض من أطرافها باهلاك البشر المكذبين كما قال تعالى : (بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أَفَهُمُ الْغالِبُونَ) (٤٤ / الأنبياء)

وقد يكون بذهاب العلماء فاذا نقصوا أو قلّوا رزأت الرحمة (اي ولّت) عنهم ، فالعلماء هم بمثابة الجبال الراسيات في الأرض.

وهنا تفسير كوني يقال : أن الأرض آخذة في التقلص ، وربما هذه الآية تدل على ان الأرض مفلطحة من القطبين.

(وَاللهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ)

ان الله هو الحاكم الفعلي في الحياة ، وإذا أراد شيئا لن يتوانى ذلك الشيء عن الاستجابة له ، وإذا حكم بشيء فلن يستطيع أحد ان يغيّر حكمه سبحانه.

(وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ)

[٤٢] (وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً)

٣٦٢

قد يحسب الإنسان أنه قادر على شيء ، فيجيبه الله : ان كنت تحاول المكر فأنا أشدّ منك مكرا لأن مكري الاملاء والامهال.

(يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ)

من خير أو شر.

(وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ)

سيعلمون حين لا ينفع العلم ان المؤمنين هم أصحاب الجنة.

(كَفى بِاللهِ شَهِيداً) :

[٤٣] (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً)

يلخص الله مواقف الكفار من الرسالة ، وما يجب ان يكون عليه موقف الرسول ، فالكفار يتهمون الرسول بأنه غير مرسل من الله ، فما الرد الأفضل للرسول؟

(قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ)

ولأن الله هو الحق وقد شهد على الرسالة ، فلا يهم بعدها ان شهد الكفار أو لم يشهدوا أليس الله هو الشاهد الأكبر.

(وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ)

لكي يقرب الله فكرة صدق الرسول للكفار فانه يعطيهم مقاييس يؤمنون بها ، فما داموا هم بشر فإنهم سوف يؤمنون بالمقاييس البشرية ، فهم ان كذبوا الرسالة ، فان هناك آخرين يحملون العلم يصدّقون الرسول ، ومن ظاهر هذه الآية يتضح ان من عنده علم الكتاب هم اليهود والنصارى.

٣٦٣
٣٦٤

سورة إبراهيم

٣٦٥
٣٦٦

بسم الله الرحمن الرحيم

أحاديث في فضل السورة :

عن الإمام الحسين (ع) قال :

«من قرأ سورة إبراهيم والحجر في كلّ ركعتين جميعا في كلّ جمعة لم يصبه فقر ولا جنون ولا بلوى»

مجمع البيان ـ ص ٣٠١ ـ ج ٦

وعن النبي محمد (ص) قال :

«من قرأ سورة إبراهيم والحجر أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من عبد الأصنام وبعدد من لم يعبدها»

٣٦٧
٣٦٨

الإطار العام

سميت هذه السورة باسم إبراهيم رمز التوحيد ، ومحطم الأصنام ، لأنها تدور حول رسالة التوحيد التي يحملها الأنبياء ويخلصون من أجلها.

وفيما يبدو من سياق دروس السورة أنها تذكرنا بالجانب الإلهي من رسالة الأنبياء ، وكيف انهم يذكّرون بالله ، بل يجسدون بدعوتهم أعلى مثل للتوحيد ، إذ لا يخشون أحدا الا الله ، وهدفهم فقط نجاة البشرية من ظلمات التقليد والجهل والتبعية الى نور العقل والأيمان.

وقال العلامة الطباطبائي «رض» الكلام في هذه السورة فيما يقتضيه الصفات الثلاث : توحده تعالى بالربوبية وعزته ، وكونه حميدا في أفعاله ، فليخف من عزته المطلقة ، وليشكر ، وليوثق بما وعده ، وليتذكر من آيات ربوبيته.

ويبدو ان سياق السورة يثير فينا الاحساس الفطري بالشكر للمنعم ، والتذكرة بان ابرز الشكر هو معرفة المنعم والتسليم له ، والعمل بأهداف النعم النبيلة.

٣٦٩

سورة إبراهيم مكية وهي

اثنتان وخمسون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (١) اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ (٢) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (٣)

____________________

٣ [يستحبون] : الاستحباب طلب المحبة بالتعرض لها ، والمحبة ارادة منافع المحبوب ، وقد يستعمل بمعنى ميل الطباع.

٣٧٠

وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٤) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٥)

____________________

٥ [صبّار] : الصبار كثير الصبر.

٣٧١

مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ

هدى من الآيات :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

باسم الله كانت دعوة الأنبياء .. بها ابتدأت وبها صبغت ، فاسم الله هو صفاته الحسنى التي تتجلى في الجلال والجمال ، في القوة والروعة ، في الرحمة الواسعة المستمرة ، واسم الله الرحمن الرحيم ، هو النقطة المركزية للإشعاع في القلب والعقل والسلوك.

[١] والهدف من الرسالات ومن كتاب الله الأخير «القرآن» إخراج الناس من الظلمات التي هم فيها الى النور النازل عليهم.

(الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ)

أولا : الكتاب الذي يرمز اليه الألف واللام والراء ، انزل من السماء ، وانتقل الى الرسول دون ان يكون فيه أثر من شخصه.

٣٧٢

ثانيا : إنه لجميع الناس ، وهذا دليل انه جاء من أعلى ، دون ان يخضع لحدود الزمان والمكان ، ومحددات المادة.

ثالثا : الظلمات هي الحالة الأولى التي كان البشر فيها على حالة من العجز والنقص ، وغلظة الروح ، وانغلاق النفس والجهل ، وغلبة الشهوات ، وبتعبير آخر : إنها حالة العدمية المحيطة بالخلق من قبل أن يرشّ عليها ربنا من نوره ، خلقا وإنشاء وقوة وعلما.

والرب الحميد الذي نفخ في هذا الإنسان من نور الإيجاد ما أخرجه به من ظلمات العدم الى نور الخلق. هو الذي بعث بنور الرسالة ليخرجه به من ظلام الجهل الى نور العقل والعلم ، ومن ظلام الجهالة والجاهلية والفوضى الى نور التزكية والتسليم والنظام.

(بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)

فليس الله باعث النور فقط ، بل هو الذي يرعاه أيضا لحظة بلحظة ، وخطوة بخطوة ، فلو لا تأييده لرسله لم يقدروا على إنقاذ البشر من الظلام ، واشاعة النور في حياتهم.

والنور الإلهي هو الهداية الى السبيل المؤدي الى الله العزيز ، الذي قهر بقوته كل شيء ، والحميد الذي وسعت رحمته كل شيء ، فلم يأخذ أحدا بقوته الا بعد ان أتم عليه حجته وأسبغ عليه من نعمه ظاهرة وباطنة.

(وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ) :

[٢] السماوات والأرض لله ، فمن أعز منه جانبا ، ومن هو أحق بالخوف منه وهو الذي لا يرحم الكافرين ، بل يهددهم بعذاب شديد ، وويل وثبور.

٣٧٣

(اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ)

هذا صراط العزيز الذي أحاط بملكوته ما في السموات والأرض ، وينتقم بشدة ممن يكفر به ، أو يتنكب عن صراطه.

[٣] لا يجوز لنا نحن البشر ان نتكئ على رحمه الله وننسى عقابه ، ونأمن من انتقامه ، لان تجربتنا في الحياة كشفت لنا عن وجود الآلام والمآسي الى جانب البركات والرحمات ، ولكن بالرغم من ذلك نجد البعض يغترون بالجانب المخملي من الدنيا. لأنهم يفضّلون العاجلة على الآخرة.

(الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ)

فهم كالطفل لا ينظر ابعد من واقعه الحاضر ، ولا يؤمنون الا باللحظة التي هم فيها. أما المستقبل والعاقبة ، فهم يكفرون بهما ، شأنهم شأن الأنعام.

وهذه الجاهلية هي التي تدفعهم الى الكفر بما رواء حاضرهم المشهود من غيب معلوم.

وتراهم يصدون الآخرين عن سبيل الله ، ولا يدعون الناس يؤمنون باليوم الآخر ، ربما من أجل ابتزازهم واستغلالهم ، بل أكثر من هذا فهم يحتالون على فكر الناس ويضلونهم بغير علم ، من أجل تحكيم سيطرتهم على المستضعفين.

(وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ)

إن الكافر الذي حليت الدنيا في عينه ، لا يردعه عن الشهوات والمصالح دين ، فاذا علم ان مصالحه تتعارض وتعاليم الدين فسوف يعارضها ، وإن وجد مقاومة من

٣٧٤

قبل الملتزمين بالدين ، فسّرها حسبما شاء كما تفعل الصحف اليوم ، وقديما الأنظمة الفاسدة التي تمنع انتشار الوعي الديني الّا أنها كانت تنشر الضلالة باسم الدين.

(وَيَبْغُونَها عِوَجاً)

يريدون دينا يدعم مصالحهم ، ويؤيد استغلالهم للناس.

(أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ)

فهم يحسبون الدنيا خالدة ، ويزعمون ان اللذات العاجلة كل شيء بالنسبة إليهم! كلا .. أنها سبيلهم الى عذاب شديد.

إتمام الحجة :

[٤] كون ربنا عزيزا فانه حميد أيضا ، لا يعذب الناس الّا بعد ان يتم حجته عليهم. ولكن كيف؟ قال تعالى :

(وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ)

بكل وضوح وبعبارات مفهومة وأمثلة وقصص ، لتذكر من أراد الآخرة ، وسعى لها سعيها فان الله يهديه إليها ، ومن اعرض عنها واستحب الدنيا ، فان الله يضله.

(فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)

فلا يضل أحدا أو يهديه الا بحكمته البالغة.

(٥) والتاريخ يشهد على هذه الحقيقة ، فعند ما أرسل ربنا موسى بآياته التي تستجلي الفطرة ، وتبهر العقل ، بعصاته ويده البيضاء ، وأمره الله بان يذكرهم بأيام الله حين ينتصر المظلوم على الظالم في الدنيا والآخرة ، لعله يخرجهم بهذه التذكرة من

٣٧٥

ظلمات الإرهاب والعذاب وعبادة الطاغوت الى نور الحرية والرفاه وعبادة الرحمن.

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ)

فجاء ذلك اليوم الذي أغرق الله فيه فرعون وقومه سريعا ، وأورث بني إسرائيل أرضهم وديارهم ، ولكن لم يتم ذلك ولم يكن ليتم الا بالصبر والشكر ، والمزيد من تحمل الصعاب ، والمزيد من العمل الذي يفتح العقل ويهدي به الله السبيل.

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)

٣٧٦

سورة إبراهيم

وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (٦) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ (٧) وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (٨) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللهُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ

٣٧٧

مُرِيبٍ (٩) قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (١٠) قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١١) وَما لَنا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (١٢)

____________________

٩ [مريب] : الريب أخبث الشك ، والمريب المتهم وهو الذي يأتي بما فيه التهمة ، يقال : أراب يريب إذا أتى بما يوجب الريبة.

٣٧٨

طاعة الرسل .. هداية ونجاة

هدى من الآيات :

الصراط الذي يدعو اليه الرسل ، هو صراط العزيز الحميد كما قال موسى لقومه :

بان يحمدوا ربهم بذكر نعمة النجاة من فرعون الذي كان يذيقهم سوء العذاب ، فيقتل أبناءهم ويبقي نساءهم لخدمته ، فكان ذلك امتحانا عسيرا من ربهم ، وقد أعلن الله لهم ان لو شكروا لأكثر نعمة عليهم ، وهذا مظهر اسم الحميد لله ، بينما لو كفروا لساقهم بعذاب شديد ، وهذا مظهر اسم الله «العزيز».

ولان ربنا عزيز ، فلو أن أهل الأرض جميعا كفروا به لم ينقصه شيء ، لأنه الغني الحميد.

فكما قال موسى ، قال الرسل لاقوامهم فكفروا فأخذهم الله بعزته بعد أن أتم حجته عليهم ، ونبأ ذلك ان الذين كانوا من قبل قوم موسى مثل قوم نوح وعاد وثمود ، والذين من بعدهم أولئك قد نسيهم التاريخ فلا يعلم قصصهم الّا الله ، حيث

٣٧٩

جاءتهم رسلهم بالحجج الواضحة فردّوا أيديهم في أفواهم ، وقالوا : إنا كفرنا بما أرسلتم به ، وأنا لفي شك مما تدعونا اليه مريب ، فقالت رسلهم : فيم تشكون أفي الله؟! وهو الذي لا شك فيه ، وقد فطر السماوات والأرض ، يدعوكم ليغفر لكم بعض ذنوبكم ، ويمنع عنكم الآثار السلبية للذنوب على حياتكم حتى ينتهي أجلكم الذي حدده الله لكم.

ولكنهم عاندوا ، وقالوا : نعم لا شك في الله ، ولكنكم بشر مثلنا ، ثم أنتم تدعوننا لمخالفة سيرة آبائنا ، ولا تملكون سلطانا مبينا ، وحجة واضحة بما فيه الكفاية.

قالت رسلهم : أجل نحن بشر مثلكم ولكن الله منّ علينا برسالاته كما يفضّل بعض الناس بمنه على بعض ، ولذلك فنحن لا نملك من دون الله ميزة عليكم ، وإذا كنا نملك سلطانا فمن الله وباذنه.

وقوة الرسل هي بتوكلهم على الله ، وبسلامة ووضوح رؤيتهم ، وان على الله يتوكل المتوكلون.

بينات من الآيات :

(اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ) :

[٦] للعادة سلبيات سلوكية ، والركون الى النعم عادة سلبية إذ ينسى البشر أسبابها ، وعلينا مقاومة حالة الاطمئنان الساذج بهذه النعم عن طريق تذكر الأوضاع السابقة ، وتذكر الذي غيّرها بأحسن منها وهو الله ، ونتساءل أبدا كيف كنا ، ولماذا أنجانا الله؟!

وهكذا أمر موسى قومه بتذكر أيام استضعاف فرعون لهم ، وكيف أنجاهم الله من عذابه.

٣٨٠