من هدى القرآن - ج ٥

السيّد محمّد تقي المدرّسي

من هدى القرآن - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد تقي المدرّسي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار محبّي الحسين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-5648-08-4
ISBN الدورة:
964-5648-03-3

الصفحات: ٤٩٦

ويجرمون بحق الناس من أجلها ، ويفسدون في الأرض غرورا بها ، والله لا يهلك قرية صالحة ـ حاشا ربنا عن الظلم ـ انما يهلكهم لفسادهم.

بينات من الآيات :

ولا تركنوا إلى الذين ظلموا :

[١١٣] ليس الظالم وحده مجرم في المجتمع. بل الساكتون عنه أيضا مجرمون ، والمتعاونون معه شركاء في الظلم ، والله سبحانه ينهانا عن الركون الى الظالمين بالمودة القلبية ، وتقديم المشورة الفكرية لهم ، أو طاعتهم ودعمهم ماديا ، لأن كل ذلك سوف يسبب في اشتراكنا معهم في الجريمة ، وبالتالي نيل نصيبنا من العذاب الذي إذا جاء عم الجميع.

(وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ)

والركون ضد النفور وهو السكون الى شيء ، والاعتماد عليه عن رضا. لذلك يجوز السكوت عن الظالم ظاهرا ، تحينا للفرصة المناسبة للإطاحة به.

(وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ)

ان المجتمع الذي يسكت عن الظلم ، أو يسكن الى من يمارس الظلم بحقه لا يجد وليا ولا نصيرا لا في الأرض ولا في السماء ، فلا الله ينصر هذا المجتمع الراضي بالظلم لأنه يأمره بالتمرد على الظالمين ، ولا أولياء الله الذين ينتظرون تحرك المستضعفين ضد الظلمة حتى يتدخلوا الى جانبهم أما ان يحاربوا بديلا عنهم فلا ولا كرامة.

(وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) :

[١١٤] ولكي نقاوم إغراء السلطة والثروة اللتين يعتمد عليهما الظالمون ، ونقاوم

١٤١

ضغوطهما الشديدة ، ولكي تبقى نفوسنا صامدة امام تضليل الظالمين ، ونمتلك ثقة بقدرتنا على تحديهم ، بل وأيضا لكي نستعيد ثقتنا بأنفسنا بعد ان ضيعها الطغاة بأعلامهم وارهابهم ، ونكفر عن الذنب العظيم الذي ترتكبه عادة الجماهير المستضعفة ، وهو يأسهم من روح الله ، وتأليههم للطغاة الظالمين ، واعتقادهم بأنهم لا يقهرون. لكل ذلك لا بد ان نستعين بالصبر والصلاة. كما قال ربنا سبحانه في سورة البقرة : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) (٤٥ / البقرة).

ذلك لان الصلاة تربط العبد بربه وتعطيه الطمأنينة وتحفظه عن السيئات.

(وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ)

اي الصباح قبل طلوع الشمس ، وبعد انبلاج الفجر الذي هو أول النهار ، وأيضا بعد الظهر حين يصلي المسلم صلاتي الظهر والعصر.

(وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ)

اي بعد ان يمضي وقت من الليل ، وهي صلاة المغرب والعشاء اللتين قال عنهما رسول الله (ص):

المغرب والعشاء زلفى الليل

وهكذا يبقى على المؤمن ان يصلي في ثلاث أوقات خمس صلوات كما قال سبحانه في آية اخرى : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) (٧٨ / الإسراء)

وهذه الصلوات تذهب بالسيئات ، فاذا لم يركن قلبك الى الظالم ، ولا أعنته فان صلاتك اليومية سوف تعيد إليك إيمانك المفقود وتذهب بالآثار السلبية الباقية في

١٤٢

قلبك من تأييدك للظالم.

(إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ)

ولكن ليس كل صلاة تذهب بالسيئة ، بل الصلاة التي تتخذ ذكرى ومادة لتطهير القلب من الغفلة. اما الصلاة التي أصبحت عادة ، أو الصلاة رياء وسمعة فانها لا تنفع شيئا. لذلك قال ربنا :

(ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ)

وجاء في الحديث المأثور عن النبي (ص) عن معنى الآية :

أرجى آية في كتاب الله (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ) ..

ثم قرأ الآية كلها ثم قال لعلي (ع):

«يا على! والذي بعثني بالحق بشيرا ونذيرا إن أحدكم ليقوم من وضوئه فتتساقط عن جوارحه الذنوب ، فاذا استقبل الله بوجهه وقلبه لم ينقلب وعليه من ذنوبه شيء. كما ولدته امه ، فان أصاب شيئا بين الصلاتين كان له مثل ذلك من عد الصلوات الخمس ، ثم قال : يا علي! انما منزلة الصلوات الخمس لأمتي كنهر جار على باب أحدكم. كما يظن أحدكم لو كان في جسده درن ، ثم اغتسل في ذلك النهر خمس مرات ، أكان يبقى في جسده درن؟ فكذلك والله الصلوات الخمس لأمتي» (١)

[١١٥] وكما أن الصلاة تعطي قدرة على المقاومة ، وحصانة كافية ضد التأثر بسلبيات النظام الفاسد ، فكذلك الصبر وتحمل الصعاب. انتظارا للمستقبل حيث لا

__________________

(١) نور الثقلين ج ٢ ص ٤٠١

١٤٣

يضيع الله أجر المحسنين ، وهذا هو جوهر الصبر. حيث ان الثقة بأن العمل الصالح يستتبع الجزاء الحسن عاجلا أم أجلا انما تسلي النفس عن الشهوات وعلى الصعوبات.

(وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)

[١١٦] والمقاومة تهدف ـ فيما تهدف ـ إيجاد مجموعة من المؤمنين يكونون تيارا رافضا للأنظمة الفاسدة (حنيفا مسلما).

(فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ)

اي لم تبق الا مجموعة باقية لم تفسد من أبناء المجتمع. لان عملهم كان هو النهي عن الفساد ، ومقاومة الانحراف.

(إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ)

لقد كانت هنالك فعلا مجموعة بسيطة من هؤلاء أنجاهم الله سبحانه ، بينما أهلك الله الآخرين.

(وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَكانُوا مُجْرِمِينَ)

كيف فسد الظالمون؟

لقد اغتروا بتلك النعمة التي وفرها الله لهم ، حتى اتبعوا مسيرة تلك النعمة ، وضيعوا أنفسهم ، وتوحي هذه الآية بأن فساد الناس بالنعمة إنما يتم بسبب ظلم الناس لبعضهم البعض ، وتقدمهم على صفوف الآخرين ، كما ان نوع الفساد يرتبط بنوع النعمة المتوفرة لديهم ، ففساد الثروة غير فساد القوة أو فساد العلم ، والفساد يؤدي الى الجريمة وهي الاعتداء الصارخ على حقوق الناس ، والانتهاك العلني للقيم

١٤٤

والحرمات.

[١١٧] وحين يعم الفساد يهلك الله القوي ، ولكن إذا تحركت اولو بقية من أهل القرى في طريق الصلاح ، فان الله سيرحمهم.

(وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ)

أما إذا فسدت القرية الا قليلا ممن عصمهم الله فان الله سوف ينقذ هؤلاء ، ثم يهلك الآخرين ، كما فعل بعاد وثمود.

١٤٥

سورة هود

وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١١٩) وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (١٢٠) وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ (١٢١) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (١٢٢) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٢٣))

____________________

١٢٠ [نثبّت] : التثبيت تمكين إقامة الشيء من الثبوت.

[فؤادك] : الفؤاد القلب.

١٤٦

وجاءك في هذه الحق

هدى من الآيات :

في نهاية سورة هود يجيب القرآن الحكيم على هذا السؤال : لماذا الصراع؟ ألم يكن ربنا قادرا على توحيد الناس؟ فيقول : بلى ، ولكن الدنيا دار عمل وانتظار ، وسيبقى الناس مختلفين ـ إلّا من رحم الله فهداه الى صراط مستقيم ـ والتاريخ صورة لهذا الصراع الممتد ، والله يقص علينا من أنباء الرسل ليثبت بها قلب الرسول وقلوب المؤمنين ، وليوضح الحق ، وليلقي بالمواعظ ، وليذكر المؤمنين ، فالله قد اعطى في دار الابتلاء فرصة لكل الناس ، ليعملوا ، والمؤمنون بدورهم يعملون ، ولينتظر الجميع.

والله محيط علما وقدرة بغيب السماوات والأرض وبما في مستقبل الأشياء وبحاضرها أيضا ، فعلينا أن نعبد الله ، وأن نتوكل عليه. فالله ليس بغافل عما يعمله الناس ، فعلمه وقدرته محيطة بما يعملون.

وهكذا ينهي القرآن سورة هود ببيان ضرورة التوكل على الله ، وقد دارت أكثر

١٤٧

آياته حول هذا المحور العام.

بينات من الآيات :

سنة الصراع :

[١١٨] الصراع سنة الحياة التي يجب البحث أبدا عن سبل انهائه ، ولكن لا ينبغي السأم منه ، أو الالتفات حوله خشية مجابهته ، فهو كالموت المعلق يمكن تجنبه ، كالتخلف والمرض ، وكالفقر وككل المشاكل الحضارية للبشرية التي يجب السعي من أجل تخفيف ووطأتها أنى استطعنا من دون السأم منها.

(وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً)

فلو شاء الله لخلق الناس مؤمنين منذ البدء كما خلقهم خلقا سويا ، فجعل لهم عينين ولسانا وشفتين ، ولكنه اركز فيهم قوتين مختلفتين (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) وكلفهم باقتحام العقبة بأنفسهم (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ).

(وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ)

دون ان يكون الاختلاف مطلوبا من الله ، ولكن ضعف العقل الذي لم يقسم بين العباد أقل منه ، وقوة الشهوات التي زينت لهم كل ذلك يكرسان الاختلاف فيهم.

[١١٩] ويبقى الناس مختلفين الا الذين رحمهم الله بهداه فانتفعوا به ، واعتصموا بحبله جميعا ، فألف بين قلوبهم بدينه ونوره ، لو أنفقنا ما في الأرض جميعا ما ألفنا بين قلوبهم.

إذا فالوحدة هدف إنساني سام يسعى من أجله البشر ، وهو في ذات الوقت

١٤٨

غاية الخليقة ، فالله لم يخلق الناس ليعذبهم بل ليرحمهم ، ويجعل بعضهم اخوة بعض ، ولكنه سبحانه حملهم مسئولية تحقيق هذا الهدف التشريعي السامي بعد أن هيأ لهم كلّ أسباب تحقيقه. من رسل وقادة وكتب وشرائع.

(إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ)

أما إذا استمروا في ضلالتهم ، وخالفوا الشريعة فإن الله سوف يعذبهم عذابا شديدا لأنهم لم يتحملوا مسئوليتهم.

(وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)

إذا الصراع طبيعة اولوية ، والوحدة غاية تشريعية ، والاختلاف واقع فاسد يجب إزالته ، والا فالنار جزاء آت لا ريب فيه.

شهادة التاريخ :

[١٢٠] والقصص التي تليت من صراع الحق والباطل عبر تاريخ الأنبياء وقومهم الضالين جاءت لتؤكد هذا الصراع ، وتعطينا قدرة على احتمال صعوباته.

(وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ)

وأنباء الرسل تؤكد أيضا على إن الرسالة حق ، وانها منتصرة فعلى البشر أن يعمل بها ، وأن يستشير عقله بذكراها.

(وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُ)

أيّ جاءك في هذه الأخبار من تاريخ الرسالات كلمات الحق.

(وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ)

١٤٩

خلاصة السورة :

[١٢١] والتاريخ يعيد نفسه. ذلك لأن سنن الله واحدة في الماضي والحاضر والمستقبل ، ولذلك فان الزمن يمر في صالح الرسالة.

(وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ)

أيّ اعملوا على طريقتكم.

(إِنَّا عامِلُونَ)

[١٢٢] (وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ)

فنحن واثقون من إن الحق منتصر ، وان صراع الحياة سوف يختم في صالحنا بإذن الله.

[١٢٣] وفي هذا الصراع الممتد عبر التاريخ يتزود الرساليون بالإيمان الصادق بالله ، وبأنه محيط علما ومقدرة بما في غيب السماوات والأرض ، وان إليه مصير الأمور ، فهو مالك سره وخبيئته ، وهو مالك مصيره.

(وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ)

من صغائر الأمور وكبائرها ، ومن وحي هذا الإيمان يأتي إخلاص العبودية والطاعة لله ، وأيضا التوكل عليه والعمل من أجله.

(فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)

١٥٠

سورة يوسف

١٥١
١٥٢

بسم الله الرحمن الرحيم

فضل السورة :

قال النبي محمد (ص):

«علموا أرقّائكم سورة يوسف فأنه أيما مسلم تلاها وعلمها أهله وما ملكت يمينه هوّن الله تعالى عليه سكرات الموت وأعطاه القوّة أن لا يحسد مسلما»

(مجمع البيان ـ ص ـ ٢٠٦ ـ الجزء ـ ٥ ـ)

عن أبي عبد الله (ع) قال :

«من قرأ سورة يوسف في كل يوم وفي كل ليله ، بعثه الله يوم القيامة وجماله على جمال يوسف ، ولا يصيبه فزع يوم القيامة ، وكان من أخيار عباد الله الصالحين»

(نور الثقلين ـ ص ـ ٤٠٩ ـ الجزء ـ ٢)

عن أمير المؤمنين (ع) قال :

«لا تعلّموا نساءكم سورة يوسف ، ولا تقرؤوهن إيّاها ، فان فيها الفتن ، وعلّموهن سورة النور فان فيها المواعظ»

(نور الثقلين ـ ص ـ ٤٠٩ ـ الجزء ـ ٢ ـ)

١٥٣
١٥٤

الإطار العام

الاسم : تكاد قصة يوسف تعم هذه السورة التي سميت باسمه ، بحيث لا تدع مجالا للسؤال :

لماذا الاسم؟

الموضوع : معاناة الرسل الشديدة في الحياة ، وتحديهم للضغوط المختلفة ، انها معراجهم الى حمل رسالة الله الى الأرض ، وفي قصة يوسف بيان تفصيلي لأنواع من المعاناة التي تمخضت عنها شخصية يوسف الرسالية ، التي كانت في الأصل مختارة لهذا المنصب ، وذلك بسبب خصاله الذاتية ، ولكن بعد المعاناة التي كانت بمثابة التدريب العملي له.

أهداف القصة في القرآن :

الرسول ـ كأي بشر ـ غافل عما في الرسالة من ذكر وبصائر ، استثارة للعقل فينزل الله آيات الكتاب واضحة وموضحة «قرآنا عربيا» يهدف دفع الناس باتجاه التفكير والعقل ، ويستفيد القرآن من القصص التاريخية النافعة والجذابة في هذا المجال لتكون أقرب الى مدارك البشر فيذكر بها فيما هو غافل عنها.

١٥٥

سورة يوسف مكية وهي

مائة واحدى عشر آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (١) إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٢) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ (٣)

١٥٦

أحسن القصص

بينات من الآيات :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

كل شيء قائم بالله. وكل شخص حي بالله ، وكل تقدم وتكامل يتحقق باسم الله ، وبتنفيذ برامج الرسالة التي أوحى بها الله. وتكامل شخصية الرسل يكون باسم الله. ذلك لأنه لو لا التوكل على الله لما استطاع الرسل التغلب على مشاكل الحياة ..

الهدف من الكتاب :

[١] [٢] (الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ)

لقد انزل الله الكتاب الذي يبيّن أحكام الله ، ومناهج الرسالة. (واي الكتاب هي هذه الألف واللام والراء ـ التي ترمز إليها) أنزله الله ليقرأ على الناس ، ويقرؤه الناس بلغتهم العربية ، التي تعرب عما في ضمائرهم بوضوح ، والهدف من الكتاب

١٥٧

أن يكون مساعدا لعقل البشر ، مثيرا لدفائنه.

(إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)

[٣] والله يلقي الضوء على بعض الأحداث التاريخية ، ويقصها علينا باعتبارها أحسن القصص ، وأكثرها فائدة للناس ، والوسيلة هي الوحي الذي لولاه لبقي البشر في ضلال بعيد ، وغفلة شاملة.

(نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ)

أي القصص الحسنة ، وبأسلوب حسن أيضا.

(بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ)

الرسول ـ لولا رسالة الله وهدايته ـ واحد من البشر ، وهذا بالذات سرّ عظمة الرسل لأنهم متصلون مباشرة بالله سبحانه ، ولذلك يبقى الرسول غافلا حتى يأتيه الوحي ، كما يبقى البشر غافلا ، ناسيا لما عنده من مواهب معنوية ومادية حتى يهديه الله بالرسول.

١٥٨

سورة يوسف

إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ (٤) قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٥) وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦) لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ (٧) إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٨) اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ

____________________

٦ [يجتبيك] : الاجتباء معالي الأمور للمجتمعين.

٧ [آيات] : عبر.

٨ [عصبه] : العصبة الجماعة التي يتعصب بعضها لبعض ويعين بعضها بعضا.

١٥٩

أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ (٩) قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (١٠)

____________________

٩ [اطرحوه أرضا] : ألقوه في أرض بعيدة.

[يخل لكم وجه أبيكم] : تخلص لكم محبة الأب ، وتملكون قلبه.

١٠ [غيابت الجبّ] : الجب هو البئر وانما سمي البئر جبّا لأنه قطع عنها ترابها حتى بلغ الماء من غير طي ومنه المجبوب ، وكل ما غاب شيء عن الحس بكونه فيه فهو غيابة ، فغيابة البئر شبه لحف أو طاق فوق ماء البئر.

[السيارة] : الجماعة المسافرون ، سمّوا بذلك لأنهم يسيرون في البلاد ، وقيل هم مارّة الطريق.

١٦٠