من هدى القرآن - ج ٥

السيّد محمّد تقي المدرّسي

من هدى القرآن - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد تقي المدرّسي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار محبّي الحسين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-5648-08-4
ISBN الدورة:
964-5648-03-3

الصفحات: ٤٩٦

وكيف ان الله لطيف يجري سننه برفق. وبحسن تدبير وهو عليم حكيم. ثم استغل المناسبة لكي يدعو الله ويحدد موقفه من الملك الذي أنعم به الله عليه. فقال ان الله أتاه الملك وعلمه من تأويل الأحاديث لذلك فهو يطلب منه مزيدا من الفضل ـ وهو فاطر السموات والأرض وهو الولي في الدنيا ـ ذلك الفضل هو ابقاؤه في الدنيا على الإسلام وإلحاقه بالصالحين في الآخرة. كل ذلك كانت قصة يوسف (ع) التي اوحى بها ربنا الى قلب الرسول ، وكيف احتوت على أدق التفاصيل الهامة مثل مباحثاتهم وهم يجمعون أمرهم ويخططون لإلقائه في غيابت الجب.

بينات من الآيات :

نسائم البشرى :

[٩٤] حينما تحركت القافلة التي تحمل قميص يوسف (ع) تجدد الأمل في قلب يعقوب برؤية ابنه المختطف بعد طول المعاناة فقال لمن حوله اني أجد ريح يوسف.

(وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ)

بيد ان من حوله لم يكونوا يصدقوه.

أولا : لأنهم اعتقدوا أن أمل يعقوب نابع من حبه العميق لابنه يوسف.

ثانيا : لأنه لم يكن معقولا عندهم ان يجد أحد ريح ابنه من بعيد خصوصا من مسافة عشرة أيام سيرا لذلك قال يعقوب :

(لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ)

أي تضعفون رأيي. وتحاولون إبطاله .. ويبقى هذا السؤال هل ان الحاسة السادسة .. التي هي قد تكون تركيزا. لمجمل القوى العلمية عند البشر هي التي

٢٦١

كشفت ليعقوب تحرك العير بقميص يوسف. أم انه كان إعجازا غيبيا؟!

[٩٥] وبالرغم من ان يعقوب أكّد لهم ان تفنيدهم لرأيه لا يؤويه عنه وهو متشبث برأيه بالرغم من مخالفتهم وبالرغم من ذلك نجدهم يؤكدون له معارضتهم ويحلفون بالله أنه في ذات الضلالة القديمة التي كانت عنده.

(قالُوا تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ)

حيث أنه لا يزال ينتظر ابنه الذي ضاع في دنيا المآسي وفي عالم الإنسان أقل قيمة فيه من أي شيء آخر.

(فَارْتَدَّ بَصِيراً) :

[٩٦] ما لبث أن وصل البشير يحمل قميص يوسف. وربما بعد عشرة أيام من السير الحثيث لقطع المسافة بين فلسطين ومصر .. فأخذ القميص وألقاه على وجه يعقوب فعاد اليه بصره ربما بسبب الفرح الذي طرأ بصورة مفاجئة أو بسبب غيبي الهي.

(فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ)

حيث علم يعقوب بتفسير رؤيا يوسف انه يبقى حتى يصبح ملكا تخضع له أعناق اخوته كما علم بالغيب ان يوسف لم يمت ولقد وعده الله بإعادته اليه.

[٩٧] وهنا لك فقط اعترف اخوة يوسف ـ ويبدو أنهم الباقون منهم عند أبيهم يعقوب ـ اعترفوا بذنبهم ، وطلبوا من أبيهم ان يشترك في الاستغفار لهم.

(قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ)

٢٦٢

[٩٨] ووعدهم يعقوب الاستغفار مستقبلا وأملهم في مغفرة ربهم كما فعل يوسف بسائر اخوته! وكما يفعل الصالحون بالمذنبين ، والسبب ان اليأس من جنود الشيطان. ومن عوامل الانحراف.

(قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)

ويبقى سؤال ـ لماذا أخر الاستغفار؟

والجواب : ان للاستغفار شروطا : إصلاح ما فسد والعزم على عدم التكرار ، وتزكية النفس وتطهيرها من رواسب الذنب ، ثم الاستغفار في أوقات خاصة. بعد صلاة خاشعة. وهكذا. لذلك جاء في الحديث المأثور عن الصادق عليه السلام :

«إنّ يعقوب أخرّ أبناءه الى وقت السحر لأنه أقرب الى إجابة الدعاء» (١)

ثم أن الذنب لا يكفيه مجرد طلب المغفرة مرة واحدة بل لا بد من الاستمرار على الاستغفار المرة بعد الاخرى هذا لا يحصل الّا عبر أيام متطاولة ، ولذلك قال يعقوب لهم سوف ... وقالوا : ان يعقوب كان يصف أولاده عشرين سنة يدعو ويؤمنون على دعائه واستغفاره لهم.

وتحقق الحلم :

[٩٩] جمع يعقوب أبناءه وأمتعته وساروا الى مصر حيث الملك العادل. فاستقبل يوسف عند المدينة أبويه يعقوب. وزوجته التي هي خالته. وراحيل امه الحقيقية.

(فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ

__________________

(١) نور الثقلين ج ٢ ص ٤٦٦ رقم ١٩٧

٢٦٣

آمِنِينَ)

ان أعظم نعم الله على أصحاب المدن هو الأمان. والابتعاد عن الحر والبرد والحيوانات الضارية. والغزو والنهب وما أشبه.

[١٠٠] أما أبواه فقد استقرا عند يوسف على عرش الملك. بينما سجد الجميع لله شكرا لهذه النعمة.

(وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً)

قال بعضهم إن السجود كان باتجاه يوسف فعلا ولكنه لم يكن بمعنى الوقوع على الأرض. انما الانحناء التام احتراما لمقام الملك. والإكرام يجوز. فيما تحرم العبادة إذ ان الحرام هو تقديس أحد ورفعه الى مستوى الالوهية. سواء كان ذلك عن طريق السجود له أو الطاعة المطلقة له أو حتى رفع اليد ، فحتى رفع اليد إذا كان إشارة الى ان صاحبه إله. فهو حرام وشرك .. وأما لو كان الاحترام بهدف الإكرام لا التقديس ، وإذا كانت الطاعة بهدف عبادة الله والخضوع لأمره بطاعة ولي الأمر. فان السجود امامه. لا يكتب حرمة. إلّا إذا كان السجود بذاته رمزا للألوهية كما الحال بيننا نحن المسلمين.

وإن كثيرا من الشعوب ينحنون الى حد الركوع أو أكثر تحية للقاء بينهم. ولا يعني ذلك أبدا معنى الاعتقاد بألوهية من يفعلون أمامه ذلك .. وبالتالي لا يحرم عليهم ذلك بينما يحرم علينا لان الركوع قد تحول بذاته الى رمز للعبادة ، واختص به الله. وحين فعل أخوه يوسف أمامه ما فعلوه التفت يوسف الى أبيه.

(وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ)

فالشمس والقمر هما والداه ، والأحد عشر كوكبا هم أخوته الذين سجدوا أمامه

٢٦٤

جميعا.

وهكذا جعل ربنا تلك الرؤيا حقيقية. بينما كان من الممكن لو لم يوفر يوسف شروط تحقيقها في نفسه وبسعيه وحسن إختياره إذا بقيت حلما وأماني.

(قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ)

ركز حديثه على مرحلة السجن لأهميتها ولبعد المسافة بين السجين المتهم بجريمة شرف وبين الملك العزيز الذي بيده كل شيء.

(وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ)

أي من حياة الصحراء الى العيش بمصر. حيث المدينة.

(مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي)

أي أفسد العلاقة بيني وبين اخوتي. ثم أكد ان أمر الله ينفذ برفق بين ثنايا الحياة كما الماء في مسارب الرمال. بحيث لا يعرف أحد كيف تم التحول.

(إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ)

حيث أن تدبيره يوغل برفق ومن دون صخب أو صعوبة بين صخور الحياة دون أن يقدر أحد على الوقوف أمامه.

(إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)

فبعلمه سبحانه أحاط بسبل الحياة. وبحكمته أجرى تدبيره عبرها حتى النهاية.

٢٦٥

[١٠١] في عزة قدرته وملكه لم يغفل يوسف عليه السّلام ربه. ولم ينس أنه هو الذي آتاه الملك ، وان ما عنده جزء من الملك الأكبر الذي يملكه الله سبحانه فخوّله إياه. كما ان علمه جزء مما عند الله .. وبالتالي فانه بحاجة الى ربه ليأتيه المزيد من الملك. ويعلمه المزيد من تأويل الأحاديث.

(رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ)

ان نشوة الانتصار لم تدع يوسف الى الانتقام لايام الذلة والعذاب. حيث ألقي في الجب ، وحيث وجد نفسه عبدا يتبادله الناس بثمن بخس دراهم معدودة. وحيث تسجنه امرأة العزيز زورا ، ويعاني في السجن الأمرّين ذلك لان قلبه كان عامرا أبدا بنور الله فلم يصب بعقدة النقص والانهيار والسلبية. كما لم يصب بالغرور والفخر لأنه كان يعلم ان الشر والخير فتنة ، وان البلاء رحم العظمة وقد تكون النعمة سبيل الهاوية.

كما كان يؤمن بان الحياة الدنيا بما فيها من خير وشر. قنطرة الى الآخرة التي هي الحيوان لذلك لم ينس تفاهة الدنيا بخيرها وشرها ، بسجنها وملك مصرها ، لذلك قال. وهو يدعو ربه.

(فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)

ان الهدف الأسمى للإنسان ينبغي ان يكون الاستمرار على خط الإسلام حتى الموت. ومن ثم ان يحشر مع الصالحين.

[١٠٢] وهكذا انتهت قصة يوسف يوحيها ربنا على قلب الرسول ، ويعلمنا بأدق التفاصيل فيها وبعدها ، وكيف ان المكر لا ينفع صاحبه ، وانه لا يحيق المكر

٢٦٦

السيء إلا بأهله.

(ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ)

وفي الدروس القادمة. نجد المزيد من عبر هذه القصة الحكيمة.

٢٦٧

سورة يوسف

وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (١٠٣) وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (١٠٤) وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ (١٠٥) وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ (١٠٦) أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٠٧) قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٠٨) وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ

____________________

١٠٣ [حرصت] : الحرص طلب الشيء باجتهاد في اصابته.

١٠٧ [غاشية] : الغاشية المجلّلة للشيء بانبساطها عليه ، والغشاء الغطاء.

[بغتة] : البغتة الفجأة وهو مجيء الشيء من غير توقع.

١٠٨ [سبيلي] : السبيل الطريق وهو المكان المهيأ للسلوك.

٢٦٨

مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٠٩) حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (١١٠) لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١١١))

____________________

١١ [استيأس] : استيأس بمعنى يئس كأنه طلب اليأس لعلمه بامتناع الأمر.

[بأسنا] : البأس الشدة وهو شدة الأمر على النفس ، ومنه البؤس الفقر.

١١١ [الألباب] : العقول ، مفردها لب وانما سمي بذلك لأنه أنفس شيء في الإنسان ، ولب كل شيء خياره.

٢٦٩

في قصصهم عبرة

هدى من الآيات :

انتهت قصة يوسف (ع). وبقيت عبرتها المتمثلة في طبيعة البشر المعاندة للحق ، فأكثر الناس رغم حرص الرسول وأصحاب الحق ليسوا بمؤمنين ، ويحسبون ان الرسالة خسارة بينما هي ذكر. وتوجيه للعاملين الى الحق الذي غفلوا عنه ، وكم هي الآيات المنتشرة في السماوات والأرض يمرون عليها. دون ان ينتفعوا بها بل هم معرضون عنها. إن ايمان أكثرهم مخلوط بالشرك. وبالتالي فهو ليس بأيمان. ولا يدرى هل هم قد أخذوا صك الأمان من عذاب الله الذي يشملهم إذا جاء ومن الساعة التي تأتيهم فجأة في الوقت الذي هم لا يشعرون.

ولكن الرسول يدعوهم الى سبيل واضحة هي الدعو الى الله على بصيرة ورؤية واضحة له ولمن يتبعه ، وهي بصيرة التوحيد وتنزيه الله عن اي نوع من أنواع الشرك. وهذه كانت رسالة الله من قبل التي نزلت على رجال من أهل القرى ، فلما ذا لا يسيرون في الأرض ليروا ماذا كانت نهاية أولئك السابقين وليعرفوا ان الدار الآخرة

٢٧٠

أفضل للمتقين. فلما ذا لا يعقلون والحقيقة واضحة.

لقد أرسل إليهم رجالا فبلغوا رسالات الله فلم يستجيبوا لهم حتى إذا بلغوا درجة اليأس ، وظنوا انهم قد كذبوا فعلا جاءهم نصر الله. فنجى ربنا من شاء بينما لم يقدر أحد على رد بأسه سبحانه عن المجرمين. ان هذه هي عبرة قصص السابقين التي يستوعبها أولوا الألباب والعقول ، وليس حديثا يمكن ان يفتري انما هو كلام حق يصدق الأحاديث السابقة وبفصل كل شيء ويهدي المؤمنين. ويفلح به المؤمنون.

بينات من الآيات :

البشر وطبيعته :

[١٠٣] مبدئيا يجب على كل إنسان ان يكون مؤمنا. إذ ان الله أودع فيه العقل وانزل له الهدى. اما عمليا فان قليلا من الناس يرتفعون الى مستوى الايمان ، كما ان قليلا منهم يستفيد من طاقة العلم ومن كنوز الارادة التي استفاد منها كبار العباقرة من أبناء آدم. من هنا لا يجوز لصاحب الرسالة ان يصطدم بسبب عدم ايمان أكثر الناس. بل عليه ان يشكر الله كثيرا لايمان من آمن منهم لأنه قد وفق ان يكون سببا لصعود طائفة من أبناء البشر الى هذه القمة السامقة برغم الصعاب.

(وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ)

[١٠٤] ولا يدل عدم ايمان الناس بالرسالة ان مصالحهم تضرب بالرسالة ، أو ان الرسول يطالبهم بأجر ، أو ان الرسالة قد هبطت لطائفة خاصة فقط. كلا ..

(وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ)

[١٠٥] كما لا يعني عدم إيمانهم قلة الآيات. لان الآيات كثيرة ومبثوثة في السماوات والأرض ولكنهم يعرضون عنها الى شهواتهم والى الضغوط القريبة.

٢٧١

(وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ)

[١٠٦] نعم ان الناس يتعرفون بفطرتهم على الله ، ولا ينكرون وجوده سبحانه وتعالى بصورة أو بأخرى. انما القضية التي جاءت رسالات السماء من أجل إصلاحها هي ان ايمانهم مشوب بالشرك. فهم يؤمنون بالله وبالهوى وبالطاغوت ، وبالتالي لا يخضعون كاملا لله سبحانه ، وهذا يساوي الكفر تماما. إذ ما فائدة الايمان الذي لا يعطيك القدرة على مقاومة الضغوط.

(وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ)

[١٠٧] يبقى ان نعرف ان عدم ايمانهم بالله ايمانا حقيقيا انما هو بسبب زعمهم بان الله لا يعاقبهم. لقد فرحوا بنعم الله عليهم. فلم يخشوا العذاب الذي يشملهم ويغشاهم. كما لم يخافوا الموت وما وراءه من ساعة القيامة. التي تأتيهم فجأة في الوقت الذي هم غافلون عنها.

(أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)

مهمة الرسول :

[١٠٨] الدعوة الإلهية. واضحة ويؤمن بها أصحابها على يقين. وهي ليست مادية أو شخصية أو مصلحية بل خالصة لله وحده.

(قُلْ هذِهِ سَبِيلِي)

هذه الآيات القرآنية تشكل سبيل الله.

(أَدْعُوا إِلَى اللهِ)

٢٧٢

لا الى نفسي أو وطني أو ارضي أو عشيرتي أو .. أو إلخ.

(عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي)

فنحن نرى بوضوح طريقنا ونمشي عليه. لا نشك فيه ولا نتردد قيد أنملة ولا نختار طريقنا على الهوى أو التقليد أو استجابة للضغوط.

منطق السماء :

(وَسُبْحانَ اللهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)

[١٠٩] ان المؤمنين على طريق معبد بسيرة السابقين ، فلقد بعث الله رجالا من الناس أنفسهم فأوحى إليهم كما اوحى الى النبي محمد (ص).

(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى)

اي من أهل المدن التي بعثوا إليهم.

(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا)

عليهم ـ لكي يفهموا الحقيقة ـ الا يكتفوا بالجلوس في بيوتهم والاكتفاء بأفكار السابقين أو ثقافة الوسط الاجتماعي بل عليهم ان يتحركوا ، ان يسيروا في الأرض وليكن سيرهم وبحثهم بهدف الوصول الى الحقيقة. لينظروا نهاية المجتمعات الهالكة.

(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)

فقد كانت عاقبتهم الدمار بسبب تكذيبهم بالرسالات أما الآخرة فانها ـ بالطبع ـ ليست من نصيب الكافرين.

٢٧٣

(وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ)

[١١٠] وهلاك الكفار والمكذبين لم يكن من دون سابقة إنذار ، بل لقد استنفذ الرسل كلما كان بوسعهم في سبيل دعوتهم ، وصبروا على أذاهم ، وبلغ بهم الأذى درجة اليأس.

(حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا)

جاء في التفاسير : اي تيقن الرسل ان قومهم كذبوهم تكذيبا عاما حتى انه لا يصلح واحد منهم .. ومن جهة فمعناه ظن الأمم ان الرسل كذبوهم فيما اخبروهم من نصر الله إياهم وإهلاك أعدائهم .. وروي عن ابن عباس قال : كانوا بشرا فضعفوا ويئسوا وظنوا انهم قد أخلفوا ثم تلا قوله تعالى : «حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ» .. قال الطبرسي وهذا بعيد وقد بينا ما فيه. المجمع ج ٢ ص ٢٧١

(فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ)

[١١١] إن المقتطفات من تاريخ الرسل. وقومهم يمكن ان تأخذنا الى ما ورائها من انظمة اجتماعية وتكشف عن طبيعة التحولات التاريخية. ولكن بشرط واحد وهو ان يكون الإنسان عاقلا. ويهتم بجوهر القضايا.

(لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ)

وبالتالي ليس العبرة التاريخية مما يمكن ان يفتري. لأنها اشارة الى حقائق خارجية يمكن لكل إنسان ان يعرفها لو استخدم عقله أو حتى شعوره. مثلا لو أشار أحد الى الشمس أو الى الجبال والبحار. وقال أفلا ترونها كيف انها جميلة ومنظمة. فهل يمكن أن يقال له بأنك كذاب؟! الشمس يراها الفرد بذاته ، ويشعر بجمالها ، ويعقل نظامها بمجرد التفكير فيها. وليس بما يقوله الآخرون ، وهكذا آيات القرآن

٢٧٤

أشارات واضحة الى ما في الكون ذاته من حقائق.

(ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ)

انما القرآن يفصل الحقائق التي يراها الفرد بأبهام.

(وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)

يعرفهم بحقيقة الأشياء ويوفر لهم النعم بهذه المعرفة.

وهكذا تنتهي سورة يوسف المليئة بالعبر التاريخية والتي كشفت خبيئة النفس البشرية بما تمتلك من عقل وإرادة وعلم تجلت عند يوسف. أو من حسد وكبر وحيلة تجلت عند اخوته.

٢٧٥
٢٧٦

سورة الرعد

٢٧٧
٢٧٨

بسم الله الرحمن الرحيم

فضل السورة

عن الرسول الأكرم (ص) قال :

«من قرأ سورة الرعد ، أعطي من الأجر عشر حسنات ، بعدد كل سحاب مضى ، وكل سحاب يكون الى القيامة ، وكان يوم القيامة من الموفين بعهد الله تعالى»

(م البيان ـ ص ـ ٢٧٣ ـ ج ـ ٦)

عن الامام الحسين (ع) قال :

«من أكثر قراءة الرعد لم يصبه الله بصاعقة أبدا وان كان مؤمنا أدخل الجنة بغير حساب وشفع في جميع من يعرفه من أهل بيته وإخوانه»

(م البيان ـ ص ـ ٢٧٣ ـ ج ـ ٦)

٢٧٩
٢٨٠