يوسف بن محمّد بن علي السّكّاكي [ السّكّاكي ]
المحقق: الدكتور عبد الحميد الهنداوي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-1468-9
الصفحات: ٨٤٦
قبل : خ خ فع أيضا ، ويجري الحذف فيما كان عروضا ، والثرم والثلم جاريان في الصدري.
بيت المقبوض :
أفاد فجاد وساد فزاد ... |
|
وقاد فزاد وعاد فأفضل |
الأجزاء السبعة مقبوضة.
بيت الأثلم (١) :
لو لا خداش أخذنا جمالا ... |
|
ت سعد ولم نعطه ما عليها |
صدره : خ خ فعلن.
بيت الأثرم (٢) :
قلت سدادا لمن جاء يسري ... |
|
فأحسنت قولا وأحسنت رأيا |
صدره : خ خ فعل.
فصل : الخرم والخزم :
ولما تسمع من وقوع الخرم والخزم في الأشعار يلزمك في باب التقطيع متى أخذت فيه ، إذا لم يستقم لك على الأوزان التي وعيتها ، أن تعتبره بالنقصان الخزمي في الصدر وفي الابتداء تارة ، وبالزيادة الخزمية أخرى. والخزم يكون بحرف واحد فصاعدا إلى أربعة بحكم الاستقراء ، فإن استقام فذاك ؛ وإلا فإما أن لا يكون شعرا أصلا ، أو يكون وزنا خارجا عن الاستقراء.
__________________
(١) سبق تخريجه ، وورد مختلفا هكذا :
ولو لا خداش أخذت دوا ... |
|
ب سعد ولم أعطه ما عليها. |
(٢) السّداد : الإصابة في المنطق. لسان اللسان (١ / ٥٨٦).
فصل : باب المتداني (١)
وهذه الأوزان هي التي عليها مدار أشعار العرب بحكم الاستقراء ، لا تجد لهم وزنا يشذ عنها ، اللهم إلا نادرا ، وأكثر الاستقراءات كذلك لا تخلو عن شذوذ شيء منها ، ولعل جميعها. ثم لا تجد ذلك النادر ، بحرا كان أو عروضا أو ضربا أو زحافا ، إلا معلوم التفرع على المستقرئ ، أو ما ترى المتداني وهو خ خ فاعلن ثماني مرات كقولنا (٢) :
زارني زورة طيفها في الكرى ... |
|
فاعتراني لمن زارني ما اعترى |
كيف تجده ظاهر التفرع على المتقارب في دائرته ، وكذا ما يتبعه من الزحافات كالخبن في قوله (٣) :
أشجاك تشتّت شعب هواك ... |
|
فأنت له أرق وصبّ |
وكالقطع في قوله :
إنّ الدنيا قد غرتنا ... |
|
واستهوتنا واستلهتنا |
على قول من يعده شعرا ، ومن يسدس مثمنه متداني في قوله (٤) :
قف على دارسات الدمن ... |
|
بين أطلالها فابكين |
__________________
(١) المتداني : هو البحر المتدارك : الذي استدركه الأخفش على الخليل.
(٢) الطيف : المس والخيال ، والكرى : النوم والنعاس. ل اللسان (٢ / ١١٠ ، ٤٥٧).
(٣) أرق : من الأرق وهو السهر. لسان اللسان (١ / ٢٤) ، وصب : من الصبابة وهي الشوق لسان اللسان (٢ / ٤).
(٤) دارس الدمن : الدمن جمع دمنة وهي آثار البعير ، المعنى : الآثار والدور التي عفت واختفت. لسان اللسان (٢ / ٤٢٢).
والأطلال : جمع طلل : وهو ما شخص من آثار الديار لسان اللسان (٢ / ١٠١).
وغير ذلك مما ترى المتأخرين قد تعاطوها ، وسموها بأسام مفتقرين هدى الخليل ، إذا أنت طالعتها لم تخف عليك المداخل والمخارج هنالك.
ثم إذا مددت [بضبعك](١) استقامة طبع ، وخدمت أنواعا أخر ، اطلعت على أن هذا النوع ، أعني علم العروض نوع ، إذا أنت رددته إلى الاختصار احتمله ، وإذا أنت حاولت الإطناب فيه امتد ، وكاد أن لا يقف عند غاية ، لقبوله من التصرف فيه نقصانا وزيادة ما شاء الطبع المستقيم.
فإذ قد تلونا عليك ما اقتضانا الرأي تلاوته منه ، فحري أن نفي بما سبق به الوعد من الكلام في ترتيب الدوائر ، وترتيب البحور فيهن ، المستقرأة على النسق المذكور.
فروع بحور الشعر ولواحقها :
(اعلم) أن مبنى فروع الأصول في هذه الصناعة ، ولواحق سوابقها على النقصان لا على الزيادة ، وإن شئت أن تتحقق ذلك ، فعليك بفروع الأصول : كالمجزوء والمشطور ، والمنهوك والموحد ، ثم كالمضمر والمعضوب ، والموقوف ، وكالمخبون والمطوي ، والمقبوض والمكفوف ، وكالمشعث والمكسوف ، وكالمقصور والمقطوع ، وكالمخبول والمشكول ، وكالمحذوف والمقطوف ، والأحذ والأصلم والأبتر.
وإن اعترضك : المذال ، والمسبغ ، والمرفل ، فانظر أين تجد ذلك.
إن وجدته لا يجري إلا حيث يكون جزءا ساقطا ، فهو جار مجرى التعويض ، فلا تعده زيادة.
ترتيب الدوائر العروضية :
وإذا تحققت ذلك ، فنقول : تعين النقصان للفرع يستتبع تعين الأصالة للكمال ، وللأصل حق التقدم على الفرع ، فبحكم هذه الاعتبارات ناسب في هذا النوع تقديم
__________________
(١) من (غ) وقد تصحفت في (د) نطبعك وفي (ط): (لطبعك).
الأكمل فالأكمل ، فروعيت تلك المناسبة ، فلزم تقديم الدائرة المختلفة على ما سواها ؛ لكون بحورها أتم بحور عدد حروف ، لاشتمال كل بحر منها على ثمانية وأربعين حرفا. ولزم تأخير الدائرة المنفردة عن الكل ؛ لكون بحرها أنقص البحور عدد حروف ، لاشتماله على أربعين حرفا. ولزم توسط الدوائر الثلاث الباقية ؛ لاشتمال كل بحر من بحورهن على اثنين وأربعين حرفا. ثم لزم تقديم المؤتلفة منهن على أختيها ؛ لكون كل واحد من بحريها أتم من بحور أختيها عدد حركات ؛ لاشتمال كل واحد منهما على ثلاثين حركة ، واشتمال كل واحد من أولئك على أربع وعشرين. والسكون في هذا النوع معدود في جانب العدم ، فلا يوضع في مقابلة الحركة ، فاعرفه.
ثم ناسب إيلاء المجتلبة المؤتلفة لمزيد التناسب بينهما في : أن كل واحدة منهما تتمم أصل البيت بست دورات ، فترتيب الدوائر على ما ترى :
المختلفة ثم المؤتلفة ثم المجتلبة ثم المشبهة ثم المنفردة.
سبب تقديم بحر من بحور الدائرة الواحدة :
وأما تقديم ما يقدم من البحور في الدوائر : فالطويل ، نظرا إلى أركان الأفاعيل المبدوء بها ، وأعني بالأركان : الأسباب والأوتاد والفواصل. يقدم على أخويه ، لكون ركنه الأول ، وهو : خ خ فعو ، أتم من ركني أخويه ، وهما : خ خ فاو : مس. والهزج أيضا يقدم على أخويه لذلك.
وأما الكامل فإنما يؤخر عن الوافر ؛ لأن صحة إضماره يبرزه في معرض ما ركنه الأول سبب خفيف حكما ، وصحة إجراء الخبن عليه منبه على ذلك ، وكذا امتناعه عن الخرم امتناع ما أوله سبب خفيف ، على الرأي الصواب ، ولا يقف على هذا إلا النحوي المتقن ، حيث لا يبني على السكون الضمير في : غلامك ، أو : التصريفي الماهر ، حيث لا يجوز الإلحاق بالألف في حشو الكلمة ، أو صاحب الطبع المستقيم في باب الاستدلال أو غيره ، ممن يفهم باب قولنا : امتنع كذا لأدائه إلى الممتنع حكما ؛ وقولي : على الرأي الصواب ، احتراز عن رأي من يجوز الخرم في مخبون خ خ مستفعلن مستشهدا بقوله :
هل جديد على الأيام من باق ... |
|
أم هل لما لا يقيه الله من واق |
وأما تقديم السريع ؛ فلأن دائرته تضمنت وتدا مفروقا ، بخلاف سائر الدوائر ، وارتكاب المخالف لا يصار إليه إلا لعذر ، وأنه في السريع أكمل منه في غيره ؛ لأن أركان السريع ممتنع أن تؤلف ، على وجه من الوجوه ، تأليفا يخرج الوتد المفروق عن كونه مفروقا إلى كونه مجموعا ، أو سببا خفيفا ، بخلاف ما سواه ، فتأمله ، فيلزم تقديم السريع. وأما استدعاء المضارع فيها للتقدم ، بجهة أن ركنه الأول أتم ، فضعف للزوم النقصان له في الأجزاء حين لا يستعمل إلا مجزوءا مراقبا.
[خاتمة](١) :
وإذ قد وفينا بما كنا وعدنا ، فحري أن نختم الكلام في علم العروض بهذه الخاتمة ، وهي ما أقوله ، من : أن لك أن تتخذ الوافر أصلا وتفرع عليه جميع البحور على ما أذكره ، وهو : أن تقدر أصل الوافر مثمنا منبها على ذلك بنحو قول امرئ القيس (٢) :
خيال هاج لي شجنا ... |
|
فبتّ مكابدا حزنا |
عميد القلب مرتهنا ... |
|
بذكر اللهو والطّرب |
وتلحق مسدسه ، في غير المسمط ، بالمجزوء ، ومربعه : بالمشطور على خلاف ظاهر الصناعة. ثم تستخرج منه : الكامل مثمنا وتلحق مسدسه بالمجزوء ، ومربعه بالمشطور. ثم تستخرج من معضوب الوافر ، الهزج مثمنا ، وتجعله دائرة. وتستخرج منها : الرجز والرمل مثمنين ، ثم تستخرج من مثمن الهزج الطويل بوساطة حذف جزء : خ خ لن ، من
__________________
(١) في (د): (فصل).
(٢) البيتان لامرئ القيس.
هاج : بمعنى أهاج أي أثار وهيّج. شجنا : الهم والحزن مكابدا : كابد الأمر : قاساه. ل سان اللسان (٢ / ٤٣٩) ، وعميد القلب : قلب عميد : هدّه الشوق. لسان اللسان (٢ / ٢٢٣).
آخر مثل : خ خ مفاعي ، خ خ مفاعيلن. والمتقارب بحذف الأجزاء الثمانية ، وتجعل الطويل دائرة. وتستخرج منها : المديد والبسيط ، وبحرا ثالثا تزعمه مهجورا نصفه :
مفعولات مفعول مفعولات مفعول
ثم تجعله : أصلم فيبقي عندك :
مفعولات مفعو لمف عولا تمف
وهو بحر : المقتضب ، [فتديره](١) ، فتكون : الدائرة المشتبهة ، وتستخرج منها بحورها. وإن شئت استخرجت البحر الثالث هكذا :
مفاعيلن فعولن مفاعيلن فعولن
وإنه بحر مستعمل ، وإن كان الخليل أهمله ، يحكى عن امرئ القيس أشعارا بهذا الوزن ، منها (٢) :
ألا يا عين فابكي ... |
|
على فقدي [لملكي](٣) |
وإتلافي لمالي ... |
|
بلا حرف وجهد |
تخطيت بلادا ... |
|
وضيعت قلابا |
وقد كنت قديما ... |
|
أخا عز ومجد |
ثم خرمته أولا ، وحذفته آخرا فيبقى عندك :
فاعيلنف عولنمفا عيلنفعوا
__________________
(١) في (ط): (فتدبره).
(٢) الأبيات لامرئ القيس.
(٣) في (د): (الملكى).
ثم تديره دائرة ، فتكون عين الدائرة المشتبهة ، وهذا الطريق أليق بالصناعة ؛ لاشتماله على وتد مفروق واحد وهو : خ خ لنف ، من : فاعيلنف ، دون الطريق الأول ، فتأمله.
وإنما ذكرت الأول ، لكون التصرف هناك في موضع فحسب ، وهو جعله أصلم لا غير.
فصل : أبيات المهجور من البحور :
وتقدر من أبيات المهجور ، إن شئت (١) :
إن المرء في أكثر الأحوال مرتاع ... |
|
ليت المرء لم يدخل الدنيا فما ارتاع |
إنّ العيش عيش الصّبا إذ ليس عقل ... |
|
ينهي المرء عما إليه المرء نزّاع |
مكسوف العروض ، موقوف الضرب ، عند ترك التصريع. ومن أبياته :
ما للمرء في عيشه من راحة ... |
|
أنّى والليالي تريه ما ترى |
أصلم العروض والضرب.
وإن شئت قدرته من الثاني بوساطة الخرم والحذف ، وليكن هذا آخر كلامنا في هذا الفصل.
__________________
(١) مرتاع : أي فزع خائف. والصّبا : بكسر الصاد : هو الصّغر. ونزاع : شديد الميل والرجوع. لسان اللسان (٢ / ٦٠٨).
الفصل الثالث
في الكلام في القافية وما يتصل بذلك
اختلفوا في القافية ، فهي عند الخليل : من آخر حرف في البيت ، إلى أول ساكن يليه ، مع المتحرك الذي قبل الساكن ، مثل : خ خ تابا ، من (١) :
أقلّي اللوم عاذل والعتابا
وعند الأخفش آخر كلمة في البيت مثل : خ خ العتابا ، بكمالها. وعند أبي علي : قطرب (٢) وأبي العباس : ثعلب (٣) : الروي ، وستعرفه.
__________________
(١) البيت من الوافر وهو لجرير في ديوانه ص ٨١٣ ، وخزانة الأدب (١ / ٦٩ ، ٣٣٨) ، (٣ / ١٥١) والدرر (٥ / ١٧٦) ، (٦ / ٢٣٣ ، ٣٠٩) ، وشرح المفصل (٩ / ٢٩) وبلا نسبة في الإنصاف ص ٦٥٥ ، وجواهر الأدب (ص ١٣٩ ، ١٤١) وخزانة الأدب (٧ / ٤٣٢) ، (١١ / ٣٧٤) ، ولسان العرب (١٤ / ٢٤٤) (خنا) ونوادر أبي زيد ص ١٢٧ وتمام البيت :
... |
|
وقولى إن أصبت لقد أصابا |
عاذل : أي يا لائمى.
(٢) قطرب : هو محمد بن المستنير بن أحمد ، أبو علي النحوي ، المعروف ب : قطرب اللغوي البصري. لازم سيبويه وكان يدلج إليه ؛ وكان من أئمة عصره. وهو أول من وضع المثلث في اللغة ، كان يرى رأي المعتزلة النظامية. مات سنة ٢٠٦ ه. من تصانيفه : معاني القرآن ، اشتقاق العلل في النحو ، وغريب الحديث ينظر : (أبجد العلوم ٣ / ٤١ ـ ٤٢).
(٣) ثعلب : أحمد بن يحيى بن يزيد الشيباني ، أبو العباس. إمام الكوفيين في النحو واللغة. ولد سنة ٢٠٠ ه.
وبدأ النظر في العربية والشعر واللغة سنة ٢١٦ ه. كان : ثقة حجة صالحا مشهورا بالحفظ وصدق اللهجة ، والمعرفة بالعربية.
ثقل سمعه في آخر عمره ، وصم ، فصدمته دابة ومات سنة ٢٩١ ه. من تصانيفه : المصون ، اختلاف النحويين ، معاني القرآن ، ما تلحن فيه العامة ، الفصيح ... إلى غير ذلك.
ينظر : (أبجد العلوم ٣٠ / ٥٠ ـ ٥١).
وعن بعضهم إن القافية هي البيت ، وعن بعضهم هي القصيدة ، وحق هذا القول أن يكون من باب إطلاق اسم اللازم على الملزوم ، وباب تسمية المجموع بالبعض ، كقولهم : كلمة الحويدرة ، لقصيدته. وقول كل أحد : كلمة الشهادة ، لمجموع : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقوله علت كلمته : (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ)(١) والمراد بالكلمة : مجموع كلامهم ، (اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً)(٢) وقوله : (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ)(٣) والمراد بالكلمة : (إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ* وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ)(٤) وقوله : (وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا)(٥) والمراد بالكلمة : (أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ) والألزم أن لا [يصح](٦) قافية البيت ، أو قافية القصيدة ، لاستلزامه إضافة الشيء إلى نفسه.
وتسمى : قافية ؛ لمكان التناسب ، وهو : أنها تتبع نظم البيت ، مأخوذة من : قفوت أثره ، إذا اتبعته. والميل ، من هذه الأقوال ، إلى قول الخليل ؛ لوقوفه على أنواع علوم الأدب نقلا وتصرفا ، واستخراجا واختراعا ، ورعاية في جميع ذلك لما يجب رعايته ، أشد حد ما شق فيه أحد غباره ، اللهم قدس روحه ، وارحم السلف كلهم ، واكس الجميع حلل الرضوان ، واجمعنا وإياهم في دار الثواب.
أنواع القافية باعتبار الحركات :
وإذ قد اخترنا رأي الخليل في القافية ، وإنها على رأيه ، لا بد من اشتمالها على
__________________
(١) سورة الكهف ، الآية : ٥.
(٢) سورة الكهف ، الآية : ٤.
(٣) سورة الصافات ، الآية : ١٧١.
(٤) سورة الصافات ، الآيتان : ١٧٢ ـ ١٧٣.
(٥) سورة غافر (المؤمن) ، الآية : ٦.
(٦) في (غ) : يصخ.
ساكنين ، كما ترى ، فيستلزم لذلك خمسة أنواع :
أحدها : أن يكون ساكناها مجتمعين ، ويسمى المترادف ؛ أو يكون بينهما حرف واحد متحرك ، ويسمى : خ خ المتواتر ، أو حرفان متحركان ويسمى : خ خ المتدارك ، أو ثلاثة أحرف متحركات ويسمى : خ خ المتراكب ؛ أو أربعة ويسمى : خ خ المتكاوس ، ولا مزيد على الأربعة ، وكلامنا هاهنا مبني على عناية ، أذكرها في آخر الفصل.
المترادف :
وللمترادف : سبعة عشر موقعا. خ خ فاعلان : في خ خ فاعلاتن إذا قصر ، وفي خ خ مفعولات إذا طوي ووقف. وخ خ مستفعلان : مذالا لا غير ، ومضمرا مذالا. وخ خ مفاعلان : مخبونا مذالا ، وموقوصا مذالا وخ خ مفتعلان : مطويّا مذالا ، ومخذولا مذالا. وخ خ فعلتان. ومتفاعلان ، وخ خ فعلييان ، وخ خ فعلان ، وخ خ مفعولان ، وخ خ فعولان ، مقصور خ خ مفاعيلن في الضرب الرابع للطويل عند الأخفش ، ومخبونا موقوفا في غير ذلك ؛ وخ خ فعول.
المتواتر :
وللمتواتر : أحد وعشرون موقعا : خ خ مفاعيلن ، وخ خ فاعلاتن ، وخ خ فعلاتن ، وخ خ مفعول : مقطوعا لا غير ، ومضمرا مقطوعا ، ومكسوفا ، ومشعثا. وخ خ فعولن : سالما ومحذوفا ، ومخبونا مقطوعا ، ومقطوفا ومخبونا مكسوفا ، أو مخبونا مقصورا. وخ خ فعلن : مقطوعا وأبتر ، وأحذ مضمرا ، وأصلم. وخ خ فل : في نحو خ خ فعولن. خ خ فل وتن : في خ خ متفاعلاتن ، وفروعه الثلاثة : خ خ مستفعلاتن وخ خ مفاعلاتن وخ خ مفتعلاتن.
المتدارك :
وللمتدارك أحد عشر : خ خ متفاعلن ، وخ خ مستفعلن : سالما ومضمرا ، وخ خ مفاعلن : مخبونا ومقبوضا وموقوصا ومعقولا ، وخ خ فاعلن : سالما ومحذوفا ، وخ خ فعل في نحو : خ خ فعولن فعل. وخ خ فل في نحو : خ خ فعول فل ، على قول من يجوز قبض خ خ فعولن قبل خ خ فل.
المتراكب :
وللمتراكب ثمانية : خ خ مفاعلتن وخ خ مفتعلن : مطويا ومخزولا ، وخ خ فعلن للساكن قبله مخبونا لا غير ، ومخبونا محذوفا ، وأحذ ، ومخبونا مكسوفا ، وخ خ فعل ، في نحو : خ خ فعول فعل.
المتكاوس :
وللمتكاوس موقع واحد : خ خ فعلتن للساكن قبله.
فهذه ثمانية وخمسون موقعا لأنواع القافية الخمسة ، وعساك إذا فتشت عنها أن تعثر على مزيد.
أنواع القافية باعتبار الروي ، وما قبله وما بعده :
ثم إن القافية ، لاشتمالها على حرف الروي ، تتنوع باعتبار الروي ، وباعتبار ما قبله ، وباعتبار ما بعده.
أما تنوعها باعتبار الروي : فهي كونها : إما مقيدة ، أو مطلقة.
وأما تنوعها باعتبار ما قبل الروي فهي كونها : إما مردفة ، أو مؤسسة ، أو مجردة.
وأما تنوعها باعتبار ما بعد الروي ، ولا يلحقها هذا الاعتبار إلا في إطلاقها ، فهي كونها : إما موصولة من غير خروج ، أو مع خروج.
الروي :
والمراد بالروي : الحرف الآخر من حروف القافية ، إلا ما كان تنوينا ، أو بدلا من التنوين ، أو كان حرفا إشباعيّا مجلوبا لبيان الحركة ، مثل : المنزلا ، المنزلو ، المنزلي. أو قائما مقام الإشباعي في كونه مجلوبا لبيان الحركة ، وهو : الهاء ، مثل : كتابيه ، حسابيه ، أو مشابها للحرف الإشباعي : كألف ضمير الاثنين ، وكواو ضمير الجماعة مضموما ما قبلها ، وكياء ضمير المؤنث مكسورا ما قبلها ، مثل : لم يضربا ، لم يضربوا ، لم تضربي ؛ ويلحق الألف في مثل : أنتما وضربتما ومنكما ؛ والواو في مثل : أنتمو ، ضربتمو ، ومنكمو ، منهمو ، بألف : ضربا ، وواو : ضربوا. أو كان مشابها للقائم مقام الإشباعي ، كهاء التأنيث ، وهاء الضمير متحركا ما قبلهما دون الساكنة ، مثل : طلحة ، وحمزة.
ومثل : غلامه وضربه. فإن كل واحد من ذلك يسمى : وصلا لا رويّا ، وكثيرا ما تجري : الألف ، والواو ، والياء الأصول ، مثل : سرى يسرو ، ويسري ، والهاء الأصلي مثل : أشبه ، أعمه ، مجرى الحروف الإشباعية ، والقائمة مقامها ، وذلك أثناء القصائد على سبيل التوسع.
أسماء القافية :
والمراد بالقافية المقيدة : ما كان رويها ساكنا مثل (١) :
وقاتم الأعماق خاوي المخترق
وحركة ما قبل الروي المقيد تسمى توجيها.
وبالقافية المطلقة : ما كان رويها متحركا مثل (٢) :
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزلي
وحركة الروي تسمى مجرى.
والمراد بالقافية المردفة : ما كان قبل رويها ألفا مثل : عمادا ، أو : واوا ، أو ياء مدتين ، مثل : عمود ، عميد ؛ أو غير مدتين مثل : قول ، قيل. وتسمى كل من هذه
__________________
(١) البيت من الرجز وهو لرؤبة في ديوانه وعجز البيت :
........... |
|
مشتبه الأعلام لمّاع الخفق. |
قاتم الأعماق : أعماق الأرض : فواحيها. خاوى : خال ، المخترق : الممر ، لسان اللسان (١ / ٣٣٢).
وقاتم الأعماق : مخبر النواحي (٢ / ٣٥٦).
(٢) البيت من الطويل. وهو لامرئ القيس في ديوانه ص ٨ ، والأزهيّة (ص ٢٤٤ ، ٢٤٥) ، والجنى الداني (ص ٦٣ ، ٦٤) ، وخزانة الأدب (١ / ٣٣٢) ، (٣ / ٢٢٤) ، والدرر (٦ / ٧١) ولسان العرب (١٥ / ٤٢٨) ، وهمع الهوامع (٢ / ١٢٩). وبلا نسبة في الإنصاف (٢ / ٦٥٦) ، وهمع الهوامع (٢ / ١٣١) ولسان العرب (١٥ / ٢٠٥).
الحروف : ردفا ، وحركة ما قبل الردف : حذوا. والردف بالألف لا يجامعه الردف بغيرها ، بخلاف الواو والياء ، فإن الجمع بينهما غير معيب. والردف بالواو والياء المدتين لا يجامعه الردف بالواو والياء غير المدتين.
والمراد بالقافية المؤسسة : ما كان قبل رويها بحرف واحد ألف ، والروي ، وتلك الألف ، من كلمة واحدة مثل : عامدا. أما إذا كانتا في كلمتين كنت بالخيار ، إن شئت ألحقت ذلك بالتأسيس ، وإن شئت لم تلحقه ، اللهم إلا إذا نزلتا منزلة كلمة واحدة للوجوه المعلومة في ذلك في علم النحو ، فيكون الحكم للتأسيس ، وتسمى هذه الألف : التأسيس ، والفتحة قبلها : رسّا ، والحرف المتوسط بين هذه الألف وبين الروي تسمى : الدخيل ، وحركته : إشباعا.
والمراد بالقافية المجردة : ما لم يكن قبل رويها ردف ولا تأسيس.
والمراد بالقافية الموصولة من غير خروج : ما كان بعد رويها حرف واحد مما يسمى : وصلا ، مثل : منزلا ، منزلو ، منزلة ، بالهاء الساكنة المتحرك ما قبلها.
وبالقافية الموصولة مع الخروج : ما كان بعد رويها هاء متحركة مع حرف إشباعي ، مثل : منزلها ، منزلهو ، ومنزلهي. وذلك الحرف يسمى : خروجا ، وحركة هاء الوصل : نفاذا.
فهذه أنواع تسعة للقافية غير ما تقدمت : المجرد مثل : منزل ، والمردف مثل : عماد ، عمود ، عميد ، ومثل : قول ، قيل. والمؤسس مثل : عامد ، ثلاثيها مع التقييد ، وهو أن لا تجري الأواخر. ثم هذه الثلاثة مع الوصل بلا خروج ، وذلك بأن تجري الأواخر ، بأن تحركها ملحقا إما : ألفا أو واوا أو ياء مدتين ، أو هاء ساكنة مثل : منزلا ، منزلو ، منزلي ، منزله ، منزله ، في المجرد. ومثل : عمادا ، عماد ، وعمادي ، عماده في [المردف](١). وعلى هذا أخواته في الردف : كالعمود والعميد ، وكالقول والقيل ، ومثل : عامدا ، عامدو ،
__________________
(١) في (د ، غ): (الردف).
عامدي ، عامده في المؤسس ، ثم هذه الثلاثة موصولة مع الخروج مثل : منزلها ، منزلهو ، منزلهي في المجرد ، وعمادها ، وكذلك الأخوات : عمودها ، عميدها ، قولها ، قيلها ، وعمادهو ، وعمادهي ، في المردف ، ومثل : عامدها ، أو عامدهو ، أو عامدهي في المؤسس. ولا بد ، فيما ذكرنا أن القافية كذا ، من أن يكون محمولا على قافية الأشعار في المشهور ، وإلا لم يصح تسمية القافية قافية في مثل قولي (١) :
حتام تنكر قدري ، أيها الزمن ... |
|
بغيا وتوغر صدري ، أيها الزمن؟ |
أما يهمّك شيء غير غدرك بي ... |
|
ما ذا استفدت بغدري أيها الزمن؟ |
قل لي إلى كم أرى الأحداث ترشقني ... |
|
قد عيل صبري ، أتدري أيها الزمن؟ |
أرى بدورا لأقوام طلعن لهم ... |
|
ألا طلوع لبدري؟ أيها الزمن؟ |
__________________
(١) البيت وما بعده للسكاكي من نظمه.
فصل
عيوب القافية
و [إذا](١) وقفت على ما تلي عليك ، فاعلم أن الشعر ، لما كان المطلوب به الوزن ، وقد كان مرجع الوزن إلى رعاية التناسب في الصوت ؛ ومن المعلوم أن الأمور بخواتيمها ، ناسب لذلك رعاية مزيد التناسب في القوافي التي هي خواتيم أبيات القصيدة أو القطعة.
فعيب تحريك الروي المقيد ، أو هاء الوصل الساكنة ، متى أخلّ بالوزن ، مثل :
وقاتم الأعماق خاوي المخترقن
ومثل (٢) :
تنفش الخيل ما لا تغزلهو
وسمي الأول : غلوا ، والثاني تعديا.
وعيب اختلاف الوصل ، وسمي مثل : منزلو مع منزلي : إقواء.
ومثل : منزلا مع منزلو أو منزلي : إصرافا ، وهو أعيب.
السناد :
وصحة اجتماع الواو والياء في الردف ، دون الألف والواو أو الياء ، تنبهك على ذلك.
وعيب اختلاف التوجه ، مثل : حرم بضم الراء ، مع حرم أو حرم بغير ضمها عند
__________________
(١) في (د) : وإذ.
(٢) تنفش : نفشت الإبل تنفش وتنفش ونفشت تنفش : إذا تفرقت فرعت بالليل من غير علم راعيها.
بنظر : لسان اللسان (نفش).
التقييد ، وفي الأصحاب من لا يعده عيبا ؛ لكثرة وروده في الشعر ، والأقرب عده عيبا.
وكذلك عيب اختلاف الإشباع ، مثل : كامل ، بكسر الميم مع تكامل أو تكامل بغير كسرها.
وكذلك عيب الاختلاف : بالتجريد والردف ؛ مثل : تعصه مع توصه ، أو التأسيس ، مثل : منزل مع منازل ، وبالردف بالمد وغير المد ، مثل : قول ، بضم القاف مع : قول ، بفتحها. وهو اختلاف الحذو. وجمعت هذه العيوب تحت اسم : السناد.
ثم عيب أيضا اختلاف الرويين مثل : كرب ، بالباء مع : كرم ، بالميم. أو : كرخ ، بالخاء. وسمي هذا العيب في المتقاربي المخرجين كالباء والميم : إكفاء ، وفي المتباعديهما : [كالياء](١) والخاء ، إجازة بالراء والزاي ، وهو أعيب لكون التفاوت هاهنا أكبر.
ومن العيوب الإيطاء : وهو إعادة الكلمة التي فيها الروي إعادة بلفظها ومعناها في القصيدة ، نحو : خ خ رجل رجل. فإنه إيطاء بالاتفاق ، دون نحو : خ خ رجل الرجل ، ففي الأصحاب من لا يعده إيطاء ، لقوة اتصال حرف التعريف بما يدخل فيه ، ونزول المعرف لذلك منزلة المغاير للمنكر ، وعيب الإيطاء بتقارب المسافة بين كلمتي الإيطاء ؛ أما إذا طالت القصيدة وتباعدت المسافة بين الكلمتين ، فقلما يعاب ، لا سيما إذا استعملت إحدى كلمتي الإيطاء في فن من المعاني وأخراهما في فن آخر.
هذه العيوب ظاهرة الرجوع إلى القافية على ما ترى.
وفي العيوب عيب يسمى : إنفادا ؛ وهو : تغيير العروض تغييرا غير معتاد في موضعه.
مثل قوله (٢) :
__________________
(١) في (د) : كالباء.
(٢) البيت من الطويل ، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص ١٩١ ، والخصائص (١ / ٢٩٤) ، وله أو لأبي الأسود الدؤلى في خزانة الأدب (١ / ٢٧٧ ، ٢٧٨ ، ٢٨١ ، ٢٨٧) والدرر (١ / ٢١٧) وللنابغة أو لأبي الأسود أو لعبد الله بن همارق في شرح التصريح (١ / ٢٨٣) ولأبي الأسود الدؤلى في ملحق ديوانه ص ٤٠١ وتخليص الشواهد ص ٤٩٠ وبلا نسبة في شرح شذور الذهب ص ١٧٨ ، ولسان العرب ١٥ / ١٠٨ (عوى) وهمع الهوامع (١ / ٦٦). ويروى الشطر الأول رواية أخرى : جزى ربّه عنى عديّ ابن حاتم.
جزى الله عبسا عبس [بني](١) بغيض ... |
|
جزاء الكلاب العاويات وقد فعل |
أو مثل قوله (٢) :
أفبعد مقتل مالك بن زهير ... |
|
ترجو النساء عواقب الأطهار |
لك أن تنظمه في سلك عروض القافية نظرا إلى أن محل العروض محل صالح للقافية بوساطة التصريع.
وأما التضمين المعدود في العيوب ، وهو تعلق معنى آخر البيت بأول البيت الذي يليه ، على نحو قوله (٣) :
وسائل تميما بنا والرباب ... |
|
وسائل هوازن عنّا إذا ما |
لقيناهم كيف نعلو لهم ... |
|
ببيض تفلق بيضا وهاما |
فعلقه بالقافية على ما ترى.
وكما أن النقصان في رعاية التناسب على ما رأيت عد عيبا ، عدت الزيادة في رعايته فضيلة ، وكذا التزام الدخيل حرفا معينا عد فضيلة.
وسمي كل واحد منهما : إعناتا ، ولزوم ما لا يلزم.
واعلم أن لك في كثير من عيوب القافية أن تكسوها بهذا الطريق ما يبرزها في معرض الحسن ، مثل أن تشرع في اختلاف التوجيه ، فتضم ثم تكسر ثم تفتح ، أو أي
__________________
(١) في (د) : أن ، وفي (غ): (بن).
(٢) البيت من الكامل ، وهو للربيع بن زياد العبسى في لسان العرب (٥ / ١٨٥) (مهر) ، (١٥ / ٢٠٧) (قوا) ، وتاج العروس (قوا) ، وبلا نسبة في لسان العرب ٣ / ٣٦٣ (قعد) ، وتهذيب اللغة (١ / ٢٠٣) ، (٩ / ٣٦٨) ، ومقاييس اللغة (٥ / ٣٧).
(٣) البيتان من المتقارب. الرباب : أحياء سموا بذلك لتفرقهم ل اللسان (١ / ٤٥٨)
ببيض : السيوف.
وضع شئت غير ما ذكرت ، ثم تراعي ذلك الوضع إلى آخر القصيدة ، أو في اختلاف الإشباع أو غيرهما ، كما فعل الخليل ـ قدس الله روحه ـ بالتضمين ؛ حيث التزمه ، فانظر كيف ملح ذلك (١) :
يا ذا الذي في الحبّ يلحى أما ... |
|
والله لو حملت منه كما |
حملت من حبّ رخيم لما ... |
|
لمت على الحبّ فدعني وما |
أطلب إني لست أدري بما ... |
|
أحببت إلا أنني بينما |
أنا بباب القصر في بعض ما ... |
|
أطلب من قصرهم إذ رمى |
شبه غزال بسهام فما ... |
|
أخطأ سهماه ولكنّما |
عيناه سهمان له كلمّا ... |
|
أراد قتلي بهما سلّما |
وكما اتفق التزامه في اختلاف الوصل في القطعة التي يرويها الأصمعي عن أعرابي بالبادية كان يصلي ويقول ، وهي (٢) :
أتنعم أولاد المجوس وقد عصوا ... |
|
وتترك شيخا من سراة تميم |
فإن تكسني ربّي قميصا وجبّة ... |
|
أصلّي صلاتي كلّها وأصوم |
وإن دام كلّ العيش يا ربّ هكذا ... |
|
تركت صلاة الخمس غير ملوم |
أما تستحي يا ربّ قد قمت قائما ... |
|
أناجيك عريانا وأنت كريم |
[فانظر](٣) كيف كسر شوكة العيب.
__________________
(١) البيتان وما بعدهما من السريع ، وهي لعمر بن ربيعة في ديوانه. والبيت الأول منها بلا نسبة في لسان العرب (١٣ / ٢٥٨) ضمن.
(٢) الأبيات من الطويل.
(٣) في (د ، غ) : فانصف.
ولنكتف بهذا القدر من فصول فن النظم منتقلين عنها إلى الفن الثاني وإنه (خاتمة مفتاح العلوم) في إرشاد الضلال ، بدفع ما يطعنون به في كلام رب العزة ، علت كلمته ، من جهات جهالاتهم.
ونحن نقدم كلاما يكشف لك عن ضلالهم في مطاعنهم على سبيل الإطلاق ، ثم نتبعه الكلام المفصل بعون الله تعالى.
الخاتمة
في إرشاد الضلال
نقول لهؤلاء ، وإنا لنعرف مرمى غرضهم فيما يريشون من النبال ، يمنون ما دون نيله خرط القتاد ، بل ضرب أسداد على [أسداد](١) : (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ)(٢) ؛ قدروا معشر الضلال ، إذ عشش الجهل في نفوسكم ، وباض وفرخ الباطل في ضمائركم ، وعميتم أبصارا وبصائر ، فما اهتديتم ؛ تقديرا باطلا ، أن محمدا ، عليهالسلام ، ما كان نبيا ، وقدروا أن القرآن كلامه ، أفعميتم أن تدركوا ضوء النهار بين أيديكم ، أن قد كان أفصح العرب ، وأملكهم لزمام الفصاحة والبلاغة غير مدافع ولا منازع ، وكلام مثله [حري](٣) أن يجل عن الانتقاد ، فضلا أن يحدر لثامه عن الزيف لدى النقاد ، فالقرآن الذي زعمتموه كلامه ، أما كان يقتضي بالبيت أن يكون [أحرى](٤) كلام على الاستقامة : لفظا وإعرابا ، وفصاحة وبلاغة ، وسلامة عن كل مغمز ، وحقيقا بأن يكتب على الحدق بذوب الذهب ، فإذ قد جهلتم حقه هناك ، أما اقتضى ، لا أقل ، أن يلين شكيمتكم ، ليخلص منكم كفافا ، لا عليه ولا له ، ثم قدروا حيث أعماكم الخذلان ، وأمطاكم ظهر السفه ، أنه ما كان أفصح العرب ، وأنه كان كآحاد الأوساط ، قد تعمد ترويج كلامه ، أما كان لكم في أنه مروّج ـ والعياذ بالله ـ ، وازع يزعكم أن تجازفوا ، فالمروّج كما لا يخفى ، وإن صادف الشمل سكرى تدير عليهم الغباوة كؤوسها ، وجثثا تغرز في سنة من الغفلة رءوسها ، يحتاط فيما يتعمد رواجه عليهم ، لا يألو فيه تهذيبا وتنقيحا ، فكيف إذا صادفه مشتملا على أيقاظ متفطنين ، لا يبارون قوة ذكاء ، وإصابة حدس ، وحدّة ألمعية ، وصدق
__________________
(١) في (د) : أسدادير ، وفي (غ) : أسداس.
(٢) اقتباس من سورة الصف ، الآية : ٨.
(٣) في (د ، غ) : حر.
(٤) في (د) : أجرى.