يوسف بن محمّد بن علي السّكّاكي [ السّكّاكي ]
المحقق: الدكتور عبد الحميد الهنداوي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-1468-9
الصفحات: ٨٤٦
فصل
وحذف هذه الحروف ونصب الفعل إذ ذاك لمعمولها كثير ، وهو من بين المواضع مع إن وأن قياس ، وأما تقديم معمولها عليها فممتنع ، من شأنها أن لا تنفك عن الأفعال ، ظاهرة أو مقدرة ، وأن يحذف معها الألف عن ما الاستفهامية على الأعرف ، نحو : لمه فيمه كيمه (١).
حروف النصب :
والقسم الثاني : وهي الناصبة للأسماء ثمانية أحرف (٢) ، وهي ضربان : ضرب ينصب أينما وقع وهو ستة أحرف ، وهي : يا وأيا ، وهيا ، لنداء البعيد حقيقة ، كنحو : يا عبد الله ، إذا كان بعيدا عنك ، أو [تقديرا ؛ لتبعيدك](٣) نفسك عنه هضما كنحو : يا إله الخلق ، أو لما هو بمنزلة البعيد من نائم أو ساه تحقيقا ، أو بالنسبة إلى جد الأمر الذي ينادى له كنداء الله سبحانه لنبيه صلىاللهعليهوسلم : بيا وأي ، والهمزة ، لنداء القريب. وقد ينظم في جملته : يا ، ووا ، [للندبة](٤) خاصة ، ولا يندب غير المعروف ، وكثيرا ما يلحق آخر المندوب ألف وهاء بعدها للوقف كنحو : وازيداه ، واغلام عمراه ، وامن حفر بئر زمزماه ، أو آخر صفته ، عند يونس دون الخليل [رحمة الله عليهما](٥) ، كنحو : وازيد الظريفاه (٦) ؛ هذه الستة تنصب المنادى لفظا إذا كان نكرة نحو : يا رجلا ، أو مضافا
__________________
(١) المفصل ١٣٤ ، والمغنى ١ / ١٩٩ (كى في قولهم كيمه من حروف الجر بمعنى لمه).
(٢) المفصل : ١٤٤.
(٣) في (ط) (تقدير لتبعيدك) ، وفي (غ): (تقديرا لتبيدك).
(٤) تصحفت في (د) (للندية) بالياء المثناة التحتية.
(٥) من (غ).
(٦) في الكتاب (٢ / ٢٢٦) ، وأما يونس فيلحق الصفة فيقول : وازيد الظريفا واجمجمتى الشاميتيناه ، وزعم الخليل أن هذا خطأ ..
لفظا نحو : يا غلام زيد ، أو تقديرا فيمن يقول : يا غلام غلام زيد ، إذا كرر المنادي في حال الإضافة ، ولم ينو الافراد ، أو مضارعا للمضاف : وهو كل اسم غير مضاف تعلق به شيء هو من تمام معناه ، كنحو : يا ضاربا زيدا ، أو يا مضروبا غلامه ، ويا خيرا من زيد ، أو يا ثلاثة وثلاثين ؛ أو تقديرا ، نحو : يا لزيد في الاستغاثة ، على قول من يقول في اللام : إنها حرف جر ، لكن فتحت مع المنادى الواقع موقع الضمير ، فتحها مع نفس الضمير ، وكذا في يا للماء! إذا تعجبت ، ونحو : يا زيدا في الندبة ، ونحو : يا غلام ، مما هو مفرد مقصود ، أو يا غلام غلام زيد ، فيمن ينوي الإفراد فإنه يضم ، وكذا إذا كان من الأعلام المفردة نحو : يا زيد ويا هند ، إذا لم يكن موصوفا بابن مضاف إلى علم ، أو ابنة ، هي كذلك ، فإنه عند الوصف بذلك يفتح ، وأما نحو : يا الغلام ، مما يجمع فيه بين الضم وحرف التعريف ، فلا يجوز إلّا عند الكوفيين ، (١) والألف واللام في قولهم : يا الله ، ليستا حرف تعريف ، استدلالا بانتفاء اللازم ، وهو قطع الهمزة على انتفاء الملزوم ، وقد كان من حق الهمزة في اللهم ـ على قولنا ـ القطع ، لكن لقصور العوض عن بلوغ درجة المعوض عنه لم يقطع ، والضمة في هذا النوع لما استمرت بحيث لم تترك حال الاضطرار إلى التنوين ، كقوله :
سلام الله يا مطر عليها (٢).
بخلاف فتحة غير المنصرف أشبهت الحركة الإعرابية التي من شأنها الاستمرار في أنواعها ، فحملت التوابع مفردة سوى البدل ، ونحو : زيد وعمرو من المعطوفات تارة على اللفظ ، وأخرى على المحل في غير المبهم ، وفي المبهم أيضا. وهو (أي) واسم
__________________
(١) الإنصاف : (١ / ٣٣٥). ذهب الكوفيون إلى أنه يجوز نداء ما فيه الألف واللام نحو : يا الرجل ويا الغلام ....
(٢) البيت من الوافر هو للأحوص ، ديوانه ١٨٣ ، والإنصاف ٣١١. وتمامه :
وليس عليك يا مطر السّلام
والمطر المعروف ، ومطر الثانية اسم رجل.
الإشارة : لكن ما عدا الصفة فإنها عند غير المازني لا تكون إلا بالضم أو مضافة فعلى المحل ألبتة ، ووصف (أي) لا يجوز إلا بما فيه الألف واللام ، أو باسم الإشارة نحو : يا أيها الرجل ، (ويا أي هذا) ، ووصف اسم الإشارة لا يكون إلا بما فيه الألف واللام نحو : يا هذا الرجل ، ويا هؤلاء الرجال.
ومن شأن المنادى ، إذا أضيف إلى المتكلم ، أن يقال في الأغلب : يا غلامي ، وفي غيره : يا غلامي يا غلاما ، وقالوا : يا أبت ، ويا أمت معوضين تاء التأنيث بدليل انقلابها هاء في الوقف عن ضمير المتكلم ، وعاملوا : ابن أمي وابن عمي في النداء ، تارة معاملة غلامي ، وأخرى معاملة ابن غلامي.
فصل : ترخيم المنادى
واعلم أن الترخيم (١) عندنا من خصائص المنادى ، لا يجوز في غيره إلا لضرورة الشعر ، وأن حذف حرف النداء إنما يجوز في غير أسماء الإشارة ، وغير ما لا يمتنع عن لام التعريف ، إذا لم يكن مستغاثا ولا مندوبا ، ونحو : أطرق كرى.
وجاري لا تستنكري عذيري (٢).
من الشواذ. وأن حذف المنادى كنحو : يا بؤس لزيد ، وألا يا اسلمى (٣)
جائز.
وضرب لا ينصب أينما وقع ، بل ينصب في موضع ولا ينصب في آخر ، ويجوز فيه
__________________
(١) الترخيم في الكتاب (٢ / ٢٣٩) وعبارة سيبويه : والترخيم حذف أواخر الأسماء المفردة تخفيفا ، كما حذفوا غير ذلك من كلامهم تخفيفا وينظر الجمل (٢٢).
(٢) البيت من الرجز ، وهو للعجاج ، وقد ذكره سيبويه في الكتاب (٢ / ٢٣١ ـ ٢٤١). وقوله : وجارى ، يعنى يا جارية.
(٣) البيت من الطويل ، وهو لذى الرمة في الديوان (ص ٥٥٩) ، والإنصاف (١ / ١٠٠) ، والخصائص (٢ / ٢٧٨) وغيرهم ، وانظر المعجم المفصل في شواهد اللغة العربية (٣ / ٢٧٠).
الأمران في ثالث ، وهو حرفان : الواو بمعنى مع ، وإلا في الاستثناء (١). فإن الواو إذا تقدمها فعل أو معناه ولم يحسن حملها على العطف نصبت ، كنحو ما صنعت وأباك ، وما شأنك وعمرا ، واذا لم يتقدم ذلك لم تنصب نحو : كيف أنت وزيد ، فيمن لا يؤوله على : كيف تكون أنت ، وهم الأكثرون ، وعلى مذهب القليل جاء : ما أنا والسير في متلف ، وإذا تقدم مع حسن العطف جاز الأمران ، وإن افتر العطف عن الرجحان.
هذا كله عند من لا يقصر النصب بالواو على السماع ، ويسمى هذا المنصوب مفعولا معه. وإلا إذا تقدمها كلام عار عن النفي والنهي والاستفهام ، ويسمى موجبا ، وفيه المستثنى منه : ويسمى تامّا ، والموجب في الاستثناء لا يكون إلا كذلك ، ونصبت كنحو : جاءني القوم إلا زيدا ، وغير الموجب في هذا الباب إذا تنزل منزلة الموجب أخذ حكمه ، ولذلك تراهم في تثنية المستثنى قائلين : ما أتاني إلا عمرو ، إلّا زيدا ، أو إلا زيدا إلا عمرو بالنصب لغير المسند إليه ألبتة ، لتنزيل ما أتاني مع مرفوعه منزلة ، تركني القوم لا غير ، ولا يثنون الاستثناء إلّا على ما ترى من التقدير ، فإذا لم يتم لم تنصب ، بل كان حكم ما بعدها في الإعراب كحكمه قبل دخول إلّا ، كنحو : ما جاءني إلا زيد ، وما رأيت إلا زيدا ، وما مررت إلّا بزيد. وكذا ما جاء زيد إلّا راكبا ، فإذا تم في غير الموجب ، ولم يكن ما بعدها جملة مثلها في : ما مررت بأحد إلا زيد خير منه ، ونشدتك بالله ، أو أقسمت عليك ، أو عزمت عليك إلا فعلت كذا ، إذ مرادهم بما قبل إلّا ههنا النفي ، وهو ما أطلب منك ، جاز أن تنصب ، وأن تشرك المستثنى في إعراب المستثنى منه ، ويسمى هذا بدلا ، ويكون هو المختار كنحو : ما جاءني أحد إلا زيدا ، وإلّا زيد ، اللهم إلّا عند الانقطاع في اللغة الحجازية ، أو تقديم المستثنى على صفة المستثنى منه عند بعض ، أو تقديمه على نفس المستثنى منه عند الجمهور.
فالبدل يمتنع كنحو : ما جاءني أحد إلا حمارا ، وما جاءني أحد إلا زيدا ظريف ،
__________________
(١) الكتاب (٢ / ٣٠٩ ـ ٣٥٠) ، والمفصل (٣١).
واختيار سيبويه (١) هنا هو البدل ، وما جاءني إلا زيدا أحد.
ويراعى في البدل أن لا يكون الفاعل في المبدل منه يمتنع عمله في المبدل ، ولهذا كان البدل في نحو : ما جاءني من أحد إلا زيد ، ولا أحد عندك إلا عمرو ، بالرفع ، وفي : ما رأيت من أحد إلا زيد وليس زيد بشيء إلا شيئا حقيرا ، بالنصب ، وفي : ما زيد بشيء إلّا شيء حقير ، بالرفع.
__________________
(١) الكتاب : (٢ / ٣١١).
فصل
واعلم أن (إلا) (١) قد تستعمل بمعنى (غير) ، فتستحق إذ ذاك إعراب المتبوع مع امتناعها عنه ، فيعطى ما بعدها ، وعليه قول النبي صلىاللهعليهوسلم : " الناس كلهم موتى إلا العالمون (٢) ". كما يستعمل غير بمعنى إلّا ، فيستحق ما بعده إعراب مع بعد إلّا مع امتناعه عنه ، لانجراره بكونه مضافا إليه ، فيعطى غيرا ، فيكون حكمه في الإعراب حكم ما بعد إلّا سواء بسواء ، ولا يكون إلّا بمعنى غير إلّا ، والمتبوع مذكور حطّا لدرجتها.
__________________
(١) الجمل ٢١ ، والمفصل ١٢. واعلم أن إلا وغير ، يتقارضان ما لكل واحد منهما .....
(٢) وهذا حديث مفترى ملحون ، والصواب في الإعراب : العالمين والعاملين والمخلصين. اه. وأقول فيه ـ والكلام للعجلوني ـ : إن السيوطى نقل في النكت عن أبى حيان ، أن الإبدال في الاستثناء الموجب لغة لبعض العرب ، وخرج عليها قوله تعالى : (فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً) البقرة : ٢٤٩. اه. وعليه فالعالمون وما بعده بدل مما قبله. اه من كشف الخفاء ومزيل الإلباس للعجلونى ت ١١٦٢ ه (١ / ٣١٢) ط.
زاهد القدسى.
فصل
وههنا كلمات استثنائية (١) وهي : ليس ، ولا يكون ، وبله (٢) أيضا عند الأخفش [رحمة الله عليه](٣) ، وتنصب ما بعدها ألبتة وسوى وسواء ، ويجر ما بعدهما ألبتة ، ولا سيما ، ويرفع ما بعده تارة بوساطة أخذ ما موصولة ، ويجر أخرى بأخذ ما مزيدة ، وقد ينصب بوجه بعيد.
الحروف الجازمة :
والقسم الثالث : وهي الجازمة خمسة أحرف. وهي ضربان (٤) : ضرب يلزم المضارع ، وهي أربعة : (لم) (٥) وهي لنفي فعل ، تدخل على المضارع فتنفيه ، وتقلب معناه إلى المضي ؛ وأصله عند الفراء ، رحمهالله ، لا ، جعلت الألف ميما ؛ ويجوز [زيدا](٦) ألم أضرب ، ولما (٧) : وهي لنفي قد فعل ، تدخل على المضارع فتصنع صنيع (لم) مع إفادة الامتداد ، وأصله عند النحويين : لم ما. ويسكت عليه عند الدلالة دون لم فيقال : خ خ خرجت ولما
__________________
(١) الجمل ٢١ ، والمفصل ٣١ ـ ٣٢ : " وليس زيدا ، وهذه أفعال.
(٢) بله : في المغني (١ / ١٢٢ ـ ١٢٣) : بله على ثلاثة أوجه : اسم ل" دع" ، ومصدر بمعنى الترك ، واسم مرادف لكيف ، وما بعده منصوب على الأول ، ومخفوض على الثاني ، ومرفوع على الثالث.
واستعملت معربة مجرورة" بمن" خارجة عن المعاني الثلاثة ، وفسرها بعضهم بغير ، وهو ظاهر ، وبهذا يتقوى من يعدها من ألفاظ الاستثناء.
(٣) من (غ).
(٤) الجمل ٢٤ ، والمفصل ١١٢.
(٥) المغنى (١ / ٢٧٧).
(٦) في (ط): (زيد ألم).
(٧) المغني (١ / ٢٧٨).
ولا : للنهي ، ولام الأمر.
وضرب يجري مجرى اللازم للمضارع ، وهو إن للشرط والجزاء.
تقول : إن تضرب أضرب ، وإن ضربت ضربت ، وإن ضربت أضرب بالجزم تارة وأضرب بالرفع أخرى توصلا إليه ببعده عن الجازم ، مع فوات عمل ذلك في القريب منه ظاهرا ، وإن كان للضرورة ، و (إن) في الاستعمال تظهر مرة كما ذكرت ، وتضمر (١) أخرى ، وذلك في خمسة مواضع لدلالتها عليه : وهي ؛ ما بعد الأمر ، والنهي ، والاستفهام ، والتمني ، والعرض ؛ فيجزم الفعل فيها إذا لم يلزم شرط الإضمار ؛ وهو أن يكون المضمر من جنس المظهر ، تناف في الكلام ، وأما إذا لزم كنحو : لا تدن من الأسد يأكلك ، فلا ، وليس لأحد أن يظن بالنفي دلالة على الشرط في موضع الانعقاد [للتنافي](٢) بينهما بالجزم دائما ، من حيث لزوم عدم الشك النفي وثبوته الشرط ، ولذلك استقبحوا : إن احمرّ البسر (٣) كان كذا ، وإن طلعت الشمس آتك إلّا في يوم المغيم ؛ وبنوا صحة قولهم : إن مات فلان كان كذا ، على استلزامه الشك في أي وقت عين له هذا ، إذا ذكر الفعل فيها لمعنى الجزاء ، أما إذا ذكر على سبيل التعديد من حيث الظاهر ، ويسمى قطعا واستئنافا ، أو لإثبات معناه لمنكر فيها ، ويسمى صفة ، أو لمعرف ؛ ويسمى حالا ، فليس إلا الرفع. والمعطوف على المجزوم أو على ما هو في موضعه بالفاء أو بالواو أو بثم من نحو : إن تكرمني أكرمك فأخلع عليك ، وإن تشتمني فلأترك لك وأضربك ، أو ثم أضربك ، إن حمل على الابتداء على معنى : فأنا أخلع عليك وأنا أضربك ثم أنا أضربك ، رفع.
__________________
(١) المفصل : ١١٢.
(٢) في (ط): (للتنافي).
(٣) البسر : واحده بسرة ، التمر إذا لون ولم ينضج.
فصل
ومن شأنه استلزام الفاء في الجزاء ، إذا كان أمرا أو نهيا أو ماضيا ، لا في معنى الاستقبال ، أو جملة اسمية أو محمولة على الابتداء كما سبق آنفا ، أو بدل الفاء خ خ إذا اللهم إلّا في ضرورة الشعر مع ندرة ، كنحو :
من يفعل الحسنات الله يشكرها (١)
ومن شأنه أن يليه الفعل لا محالة ظاهرا أو تقديرا ، وأن لا يتقدم عليه شيء مما في حيزه ، ولهذا قالوا في : آتيك إن [تأتنى](٢) ، أن الجزاء محذوف ، وآتيك قبله كلام وارد على سبيل الإخبار ، وامتناعهم انجزامه منبه على ذلك قوي.
نواصب الفعل :
والقسم الرابع : [وهي الناصبة](٣) للفعل : أربعة عند سيبويه (٤) ومن تابعه [رحمهمالله](٥).
أحدها : (أن) وهو يفيد معنى المصدر ، ويخصص المضارع بالاستقبال ، وأنه في الاستعمال يظهر تارة ويضمر أخرى.
__________________
(١) الكتاب (٣ / ٦٥) ، نسبته إلى حسان بن ثابت ، والمغنى ، (١ / ٥٨ ، ١٠٢) ، نسبه لعبد الرحمن بن حسان ، وتمام البيت :
والشر بالشر عند الله سيان
ويروى : مثلان ، وليس في ديوان حسان.
(٢) في (ط): (أن تأتينى).
(٣) في (غ): (وهو الأمر في الناصبة للفعل).
(٤) الكتاب (٣ / ٥) والجمل (٣) والمفصل (١٠٩).
(٥) من (غ)
إما واجبا ، وذلك بعد خمسة أشياء : لام تأكيد النفي ، كما في قوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ)(١) وفاء جواب الأمر والنهي والنفي والاستفهام والتمني والعرض ، كنحو : ائتني فأكرمك ، ولا تشتمني فأشتمك ، وما تأتينا فتحدثنا ، بمعنى ما تأتينا فكيف تحدثنا ، أي لا إتيان ولا حديث ، كنحو :
ولا ترى الضب بها ينجحر (٢)
أي لا ضب ولا انجحار ، أو ما تأتينا للحديث ، أي منك إتيان ولكن لا حديث ، وأين بيتك فأزورك ، وليت لي مالا فأنفق ، ألا تنزل فتصيب خيرا.
وواو الجمع كنحو : لا تأكل السمك وتشرب اللبن ، وتسمى واو الصرف. أي تصرف إعراب الثاني عن الأول ، و (أو) بمعنى (إلا) أو إلى كنحو : لألزمنك أو تعطيني حقي ، وحتى كنحو : سرت حتى أدخلها.
وإما جائزا قياسيّا وذلك بعد لام الغرض كنحو : أتيتك لتكرمني ، مما إذا لم يكن هناك لا ، فإن كان وجب الإظهار ، كنحو : لئلا تكرمنى ، أو غير قياسي ، وذلك فيما عداه.
وإما حذفه ، كنحو قولهم :
تسمع بالمعيدي خير من أن تراه (٣) ،
__________________
(١) سورة الأنفال ، الآية : ٣٣.
(٢) البيت من الرجز ، وصدره : لا تفزع الأرنب أحوالها شرح الحماسة (١ / ٢٢) بلا عزو ، والخصائص (٣ / ١٦٥): (لا تفزا الذئب) و ٣٢١ (لا تفزع الضب) وفي الخزانة (٤ / ٢٧٣) نسبه لابن أحمر.
(٣) قال ابن منظور في لسان العرب ، فأما قولهم في المثل : تسمع بالمعيدى لا أن تراه ، فمخفف عن القياس اللازم في هذا الضرب ، ولهذا النادر في حد التحقير ذكرت الإضافة إليه مكبرا ، وإلا فمعدىّ على غير القياس ، وقيل فيه ، أن تسمع بالمعيدى خير من أن تراه ، وقيل فيه : تسمع بالمعيدى خير من أن تراه ؛ وقيل : المختار الأول. قال : وإن شئت قلت : لأن تسمع بالمعيدى خير من أن تراه ؛ وكان ـ ـ
فغير ممتنع ، وقد جاء ترك إعمالها في قوله :
أن تقرآن على أسماء ويحكما (١).
وفي قراءة مجاهد (٢) : (أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ)(٣).
فصل
ولاقتضاء (أن) مع المضارع الاستقبال إذا أريد الحال في موضع مما ذكر امتنع تقديره هناك ، ثم إذا ساغ الاستئناف والاشتراك ، أعني العطف على مرفوع ، كان الرفع والعطف أينما ساغ استلزم حكمه ، وهو الاشتراك في الإعراب كيف كان. فتأمل جميع ذلك.
والثاني والثالث ، من الأربعة : كي : للغرض ويقال : لكي ، وكيما ، ولكيما ، ويأتي في الشعر إظهار أن بعد ذلك. قال حميد (٤) :
__________________
الكسائى يرى التشديد في الدال فيقول : بالمعيدى ، ويقول : إنما هو تصغير رجل منسوب إلى معد ؛ يضرب مثلا لمن خير من مرآته ، وكان غير الكسائى يخفف الدال ويشدد ياء النسبة ، وقال ابن السّكيت : هو تصغير معدى إلا أنه إذا اجتمعت تشديدة الحرف وتشديدة ياء النسبة خففت ياء النسبة. اه (اللسان : معد).
(١) البيت من البسيط وهو في المفصل ١٤٧ ، والمغنى ٢٨ / والخزانة (٣ / ١٩٩) وعجزه :
منى السّلام وأن لا تشعرا أحدا
(٢) مجاهد بن جبر ، وقيل جبير ، القارئ ، مولى عبد الله بن السائب ، من كبار التابعين ، يكنى أبا الحجاج ، مات سنة ١٠٤ ه عرض القرآن ثلاثين عرضة على ابن عباس. انظر في ترجمته : معجم الأدباء ١٧ / ٧٧ ـ ٨٠ طبقات القراء ، وغيرهما.
(٣) سورة البقرة ، الآية : ٢٣٣ ، وفي المفصل (١٤٧) : وعن مجاهد : أن يتمّ الرضاعة بالرفع.
(٤) حميد بن ثور الهلالي ، شاعر مخضرم أدرك النبي صلىاللهعليهوسلم ، كان من فصحاء شعراء الإسلام ، كما ذكر الأصمعي. انظر : معجم الأدباء ١١ / ٨ ـ ١٣. الوافي بالوفيات ... وغيرهما.
فقالت :
أكلّ الناس أصبحت مانحا .... |
|
لسانك كيما أن تغرّ وتخدعا |
وقال الآخر (١) :
أردت لكيما أن تطير بقربتي .... |
|
فتتركها شنّا ببيداء بلقع |
ولا ينصب عند الخليل (٢) (كي) إلا بإضمار أن.
و (لن) : وهو لنفي سيفعل ، وأنه لتأكيد النفي في الاستقبال ، وقد أشير إلى أنه لنفي الأبد. وأصله عند الخليل (٣) : لا أن فخفف ، وعند الفراء (٤) : لا ، فجعل الألف نونا ، ويجوز فيه : زيدا لن أضرب.
والرابع : إذن : وهو جواب وجزاء ، وله ثلاثة أوجه : وجه ينصب فيه البتة ، وهو إذا كان جوابا مستأنفا داخلا على مستقبل غير معتمد على مبتدأ قبله ولا شرط ولا قسم ، كنحو : إذن أكرمك في جواب : أنا آتيك.
ووجه لا ينصب فيه البتة ، وهو أن يكون الفعل للحال ، أو معتمدا على شيء مما ذكر ، كنحو : أنا إذن أراعيك ، وإن تكرمني إذن أرض عنك ، وو الله إذن لا أرمي.
ووجه يجوز فيه الأمران : وهو أن يقع بعد واو العطف وفائه وبين الفعل ، وعند بعضهم : أن أصله إذ أن ، وفي الكوفيين (٥) من يقول : إنه اسم منوّن (٦).
__________________
(١) البيت من الطويل وهو في المغنى (١٩٩) بلا عزو ، والخزانة (٣ / ٥٨٥).
(٢) رأى الخليل وبحث كى في الكتاب (٣ / ٥) ، والإنصاف ، (٢ / ٥٧٠). فالكوفيون يرون أنها ناصبة فقط ، وذهب البصريون إلى أن الناصب للفعل أن مقدرة بعدها.
(٣) الكتاب (٣ / ٥).
(٤) الكتاب (٣ / ٥) ، وفي المغنى (٣٤١) ، لا يوافق على رأى الخليل في كونها لا أن ولا على رأى الفراء في كونها لا فأبدلت الألف نونا في لن ، وميما في لم.
(٥) المغنى (١ / ١٥) ، (في نوعها ، قال الجمهور هي حرف ، وقيل اسم ....)
(٦) بحث إذن في الكتاب ، (٣ / ١٢) ، وما بعدها.
ما ينصب ثم يرفع من الحروف :
والقسم الخامس : وهو ما ينصب ثم يرفع ، سبعة أحرف : ستة تسمى مشبهة بالأفعال ؛ لانعقاد الشبهة بينها وبين الماضية منها ، خصوصا بلزم الأسماء وانفتاح الأواخر ، وكونها على أكثر من حرفين يمد ذلك وهي : (إنّ) بالكسر ؛ لتحقيق مضمون الجملة (١)
و (أنّ) بالفتح ، وقيس وتميم يقولون (عن) للتحقيق مع قلب مضمون الجملة إلى معنى ما هو في حكم المفرد ، وهو الحاصل من إضافة مصدر منتزع من معنى خبر تلك الجملة إلى اسمها ، كنحو قولك في : بلغني أنّ زيدا منطلق ، بلغني انطلاق زيد.
ولتفاوت المكسور والمفتوح جملة ومفردا تفاوت [مواقعهما](٢) ، فاختص المكسور (٣) بالابتداء وبما بعد قال وما كان منه ، والمفتوح بمكان الفاعل والمفعول خارج باب قال ، والمجرور وبما بعد لو ولو لا وفتح في باب عملت بدون اللام ، وكسر فيه معها ، كنحو : [علمت](٤) أن زيدا فاضل ، وأن زيدا لفاضل.
وفيما سوى ذلك فتح وكسر بحسب اعتبار الجملة والمفرد ، ومن شأن المفتوح أن لا يصدر به البتة ، فلا يقال : إن زيدا منطلق حق ، بل يقدم الخبر خيفة أن يدخل على المفتوح المكسور فيتوالى حرفان لمعنى واحد مختلفان بظاهرهما ، محتملان اختلاف المعنى بخلاف إن زيدا منطلق ، مكسورتين ، فيورث وهم اختلافهما ظاهرا من حيث اعتقادك بالحروف.
__________________
(١) ينظر الكتاب (٣ / ١١٩) ، وما بعدها ، والجمل (١٨ ـ ١٩) ، والمفصل ، (١٣٤ ـ ١٣٥ ـ ١٣٦) ، والمغني ، (١ / ٣٦ ـ ٣٨ ـ ٣٩ ـ ٤٨).
(٢) في (ط): (مواقعها).
(٣) المفصل ، (١٣٩) ، (وتخفف ، فتهمل) ، وهو لم يستوف مواضع فتح وكسر همزة أن.
(٤) في (د): (عملت).
إن الغرض من وضعها الاختصار ، نظرا إلى كل واحد منها ، حيث ينوب عما لا يؤدي معناه إلا بطول ، وجمعهما على اختلافهما لمعنى واحد في الكلام بخلاف ذلك الغرض ، ولا ضرورة في ارتكابه ، وهذا ملخص كلام محصلي أصحابنا ههنا ، رحمهمالله تعالى.
فصل (١)
وقد يأتي المفتوح بمعنى لعل ، وأما المكسور بمعنى نعم ، فليس من الباب.
والثالث : من الستة (لكن) وهو للاستدراك (٢) ، يتوسط بين كلامين يتغايران نفيا وإيجابا ، إما لفظا ، نحو : جاءني زيد لكن عمرا لم يجىء ، أو بالعكس. وإما معنى ، كنحو : حضر زيد لكن عمرا غائب. وعند الفراء أنه مركب (٣).
والرابع : (كأن) (٤) وهو للتشبيه ، وعندهم أن الأصل في كأن زيدا الأسد ، أن زيدا كالأسد فقدم حرف التشبيه وفتح له المكسور.
فصل
وتخفف هذه الأربعة (٥) ، فيبطل عملها في الاستعمال الشائع ، لازما المكسور اللام ، إذ ذاك على وجه ، سيتضح لك ، ولا تمتنع عن الدخول على الفعل ، لكن يراعى في المكسور عندنا أن يكون الفعل من باب : كان أو علمت. وفي المفتوح أن يكون مع فعله قد أو سوف أو أختها السين أو حرف نفي.
__________________
(١) من (د).
(٢) الكتاب ، (١ / ٤٣٤ ، ٢ / ٨) ، والمفصل ، (١٣٥ ـ ١٣٦ ـ ١٣٧) ، والمغنى ، (١ / ٢٩٠).
(٣) رأى الفراء في المغنى ، (١ / ٢٩١) ، قال : أصلها لكن أن ، فطرحت الهمزة للتخفيف ونون لكن للساكنين.
(٤) الكتاب : (٣ / ١٥١) ، والمفصل ١٣٩.
(٥) المفصل : ١٣٩.
والخامس : (ليت) وهو للتمني (١).
والسادس : (لعل) (٢) وهو لتوقع مرجو أو مخوف ، وقد يشم معنى التمني. وهما يدخلان على أن يقال : ليت أن زيدا حاضر ، وكذا عند الأخفش (٣) : لعل أن زيدا قائم ، فأشبه لعل ليت ، وفيه لغات (٤) أخر : علّ وعن ولعن ، ولغن. وعند المبرد (٥) أن أصله علّ ، واللام لام الابتداء.
فصل
وتلحق أواخر هذه الستة (٦) (ما) كافة وملغاة ، إلا أن الإلغاء مع (كأن) و (ليت) و (لعل) أكثر ؛ لقوة قربها من معنى الفعل ، وهو السبب في أنها تعمل في الحال ، وفي اتصالها بضمير الحكاية تارة ، يقال : إنني إننا إلى الآخر ، وتارة يقال : إني إلى الآخر ، ولكن يقل : ليتي وأنا ، إلى الآخر ، دون (ليت ولعل) : فإنه لا يقال : ليتا ، ولعلا.
فصل
ويمتنع تقديم الخبر في هذا الباب على العامل البتة ، وعلى الاسم إذا لم يكن ظرفا ، أعني اسما معه حرف جر ظاهرا أو تقديرا ، فالظرف ، خبرا كان أو متعلقا بالخبر ، لا يمتنع كنحو : إن في يوم الجمعة القتال ، أو يوم الجمعة ؛ ونحو : إن في يوم الجمعة القتال حاصل ، أو يوم الجمعة ؛ هذا على المذهب الظاهر ، وأما حذفه فأوجب في قولهم : ليت شعري ، وجوز عند الدلالة فيما عداه.
__________________
(١) الكتاب (٢ / ١٤٨) ، والمفصل ، (١٣٩ ـ ١٤٠).
(٢) الكتاب (٢ / ١٤٨) ، والمفصل ، (١٤٠).
(٣) المفصل (١٤٠) ، وقد أجاز الأخفش أن زيدا قائم قاسها على ليت.
(٤) المفصل (١٤٠) ، وفيها لغات وعند أبي العباس أن أصلها علّ زيدت عليها لام الابتداء.
(٥) المقتضب (٣ / ٧٣) ، وفيه : وأصله عل واللام زائدة.
(٦) الكتاب (٣ / ١٢٩) ، والمفصل ، (١٣٥).
فصل
واعلم أن في المعطوف على اسم (إن) و (لكن) بعد مضي الجملة جواز الرفع ، وفي الصفة أيضا عند الزجاج (١).
وأما السابع فهو : (لا) (٢) لنفي الجنس ، وهو ملحق (بأن) إلحاق النقيض بالنقيض مع اشتراكهما في الاختصاص بالاسم ، وحق منصوبه ، إلا فيما ستعرف ، التنكر البتة ، والبناء أيضا ، إذا لم يكن مضافا ولا مضارعا له ، ولذلك اختلف في نحو قوله :
ألا رجلا جزاه الله خيرا (٣)
فحمل التنوين على ضرورة الشعر يونس (٤) ، وأخرجه الخليل (٥) عن الباب ، بحمله إياه على : ألا ترونني رجلا ، وأما قولهم : لا أبا لك ، فمضاف من وجه نظرا إلى المعنى ، وغير مضاف من وجه نظرا إلى اللفظ : فللأول أثبت الألف وللثاني جعل اسم لا ونظيره : لا غلامي لك ، ولا ناصري لك ، فإذا بطل الوجه الأول بتبديل اللام بحرف لا يلائم الإضافة ، أو بزيادة فصل كيف كان عند سيبويه ، وعند يونس (٦) غير ظرف ، لم يبق إلا الاستعمال الآخر : وهو لا أب ، ولا غلامين ، ولا ناصرين.
__________________
(١) هو إبراهيم بن السرى بن سهل النحوى ، توفى سنة ٣١١ ه (بغية الوعاة ١ / ٤١١)
(٢) بحث لا في الكتاب (٢ / ٢٧٤).
(٣) البيت من الوافر وهو في الكتاب (١ / ٣٠٨) بلا عزو ، والمغنى (١ / ٧٣) ، وفي خزانة الأدب (٣ / ٤٥) ، نسبته لعمرو بن قعاس المرادى ، الشاعر الأموى ، الخزانة (٣ / ٤٩) ، وتمامه :
يدل على محصلة تبيت
(٤) الكتاب (٢ / ٣٠٨) : وأما يونس فزعم أنه نون مضطرا ... ألا للتمنى
(٥) الكتاب (٢ / ٣٠٨) : وسألت الخليل عن قوله : ألا رجلا جزاه الله خيرا ، فزعم أنه ليس التمنى.
(٦) ينظر الكتاب ، (٢ / ٢٩٠).
فصل
وإذا وصف المبني (١) على نحو : لا رجل ظريف ، جاز فتح الوصف ، كما ترى ، ونصبه ورفعه ، أما إذا فصلت على نحو : لا رجل عندي ظريفا أو ظريف ، بطل البناء وحكم الوصف الزائد والمعطوف حكم المفصول ، وكذا حكم المكرر كنحو : لا ماء ماء بارد ، وقد جوز فيه ترك التنوين ، ومن شأن المنفي في هذا الباب ، إذ فصل بينه وبين لا ، أو عرف ، وجوب الرفع والتكرار مع حرف النفي عند سيبويه ، وإذا كرر مع حرف النفي لا لذلك جواز الرفع.
فصل
وقد حذف منفيه في قولهم (٢) : لا عليك. أي : لا بأس عليك ، وأما مرفوع الباب ، أعني الخبر ، فتميم على تركه البتة ، وأهل الحجاز على تركه إن شئت.
ما يرفع ثم ينصب من الحروف :
والقسم السادس : وهو ما يرفع ثم ينصب حرفان (٣) : (ما ولا) للنفي في لغة أهل الحجاز ، شبهوهما : بليس في النفي والدخول على الاسم والخبر ، فرفعوا بهما الاسم ونصبوا الخبر ، حيث لم يقدموا الخبر على الاسم ، ولا نقضوا النفي (بإلا أو بلكن) ؛ ولزيادة شبه (ما بليس) لكونه لنفي الحال أعملوه في المنكر ، والمعرف ، ولم يعملوا إلّا في المنكر.
وأدخلوا الباء في الخبر إذ نصبوا توكيدا للنفي ، فقالوا : ما زيد بقائم دون ما بقائم زيد ، وكذا دون ما زيد إلا بقائم ، هو الأعرف. وإلا فليس إدخال الباء على المرفوع
__________________
(١) الكتاب (٢ / ٣٠٩) ، والمفصل (٣٥ ـ ٣٦).
(٢) المفصل (٣٦).
(٣) الجمل (١٩) : المفصل (٣٦).
بممتنع برواية الإمام عبد القاهر (١) عن سيبويه.
فصل
وكثيرا ما يتبع (لا) هذا بالتاء الموقوف عليها عند طائفة بالتاء ، إجراء لها مجرى (ليست) ، وعند أخرى بالهاء ، إجراء لها مجرى : (ثمة وربة) ويقصر دخوله على حين فيقال : لات حين كذا (٢) ، بالنصب على حذف الاسم ، وعند الأخفش أنه (لا) النافي للجنس ، وفيه من يقول : إنه فعل ، وهو تعسف ، كقول من زعم التاء من حين كالحاء منه لغة فيه.
الحروف غير العاملة :
وغير العاملة ، وذكرها استطراد ، وإلا فهو وظيفة لغوية ، ضربان : مفردة ومركبة.
والمفردة ضربان : بسائط وغير بسائط ، وغير البسائط ؛ إما ثنائية أو ثلاثية أو رباعية ، والمركبة ضربان : ضرب يلزمه التركيب في معناه ، وضرب لا يلزمه ذلك ، فالحاصل منها إذن ستة أضرب : أربعة من المفردة وهي : بسائط ثنائية ثلاثية رباعية ، واثنان من المركبة : لازم التركيب ، غير لازم التركيب.
فالضرب الأول ثلاثة عشر حرفا : [ء ، ا ، ه ، ك ، ي ، ش ، ل ، ن ، ت ، س ، ف ، م ، و](٣).
فالهمزة للاستفهام (٤) ، ويتفرع منه معان بحسب المواقع ، وقرائن الأحوال ، كالأمر
__________________
(١) عبد القاهر الجرجانى : هو أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الجرجاني ، صاحب (دلائل الإعجاز) ، و (أسرار البلاغة) و (الجمل). عالم في اللغة والبلاغة توفى عام ٤٧١ ه (فوات الوفيات ١ / ٦١٢ ، ٦١٣).
(٢) ينظر بحثها في (الكتاب ١ / ٥٧ ، ٥٨).
(٣) في (غ): (ا ه ش ى س ف م ذ).
(٤) الهمزة للاستفهام (المغنى ٥ ـ ١٣ و ١٠ ـ ١٣) (التسوية ، الإنكار الإبطالى ، والإنكار التوبيخى ، والتقرير والتهكم والأمر والتعجب ، والاستبطاء ...).
في نحو : (أَأَسْلَمْتُمْ)(١).
والاستبطاء في نحو : (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا)(٢).
والتنبيه في نحو : (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً)(٣).
[والتحضيض](٤) في نحو : (أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً)(٥).
والتوبيخ في نحو : (أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي)(٦).
والوعيد في : (أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ. ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ)(٧).
والتقرير في نحو : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً)(٨).
والتسوية في نحو : (أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ)(٩).
والتعجب في نحو : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ)(١٠) ، وما شاكل ذلك ، وسيطلعك على أمثال هذه المعاني علم المعاني ، بإذن الله تعالى ، وتستعمل ظاهرة
__________________
(١) سورة آل عمران ، الآية : ٢٠.
(٢) سورة الحديد ، الآية : ١٦.
(٣) سورة الضحى ، الآية : ٧.
(٤) في (ط): (والتخصيص) بالصاد المهملة ، وهو تصحيف.
(٥) سورة التوبة ، الآية : ١٣.
(٦) سورة النمل ، الآية : ٨٤ ، وتسميته في المغنى إنكار توبيخى.
(٧) سورة المرسلات ، الآية : ١٦.
(٨) سورة العنكبوت ، الآية : ٦٧.
(٩) سورة البقرة ، الآية : ٦ ؛ وسورة يس ، الآية : ١٠.
(١٠) سورة الفرقان ، الآية : ٤٥.
مرة ، كما ترى ، ومقدرة أخرى كنحو قوله (١) :
بسبع رمين الجمر أم بثمان
وتدخل على الواو والفاء وثم نحو : (أَوَكُلَّما عاهَدُوا)(٢) ، (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ)(٣) ، (أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ)(٤) وتدخل على الاسم والفعل ، إلا أنها بالفعل أولى من حيث إن الاستفهام لما كان طلب فهم الشيء استدعى في المطلوب ، وهو فهم الشيء لا حصوله ، وهو الجهل به ؛ لامتناع طلب الحاصل ، فما كان سبب الجهل به ، وهو كعدم الاستمرار أمكن فيه ، كان باستفهام أو لا والفعل لتضمنه للزمان الذي هو أبدا في التجدد كذلك. ومن شأن الاستفهام لكونه أهم أن يصدر به الكلام ، وأن لا يتقدم عليه شيء مما في حيز ، وللخطاب في (ها) (٥) بمعنى : خذ ، إذا قيل : هأ ، هاؤما ، هاؤم.
والالف للعوض عن التنوين ونون التأكيد ونون إذن في الوقف ، وعندي أن قولهم :
بينا زيد قائم إذا كان كذا أو إذا أصله بين أوقات زيد قائم ، ثم بينا زيد قائم بالتنوين عوضا عن المضاف إليه ، ثم بينا بالالف باجراء الوصل مجرى الوقف لازما ، وفيه دليل على صحة مذهب الأصمعي (٦) في أن الصواب هو بينا زيد قائم كان كذا يطرح إذ
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو لعمر بن أبى ربيعة (ديوانه ٢٦٦) وصدره :
فو الله ، ما أدرى ، وإن كنت داريا
(٢) سورة البقرة ، الآية : ١٠٠.
(٣) سورة هود ، الآية : ١٧.
(٤) سورة يونس ، الآية : ٥١.
(٥) ها : بمعنى (خذ) اسم فعل ، ويجوز مد ألفها ، ويستعملان بكاف الخطاب وبدونها ، ويجوز في الممدود أن يستغنى عن الكاف بتعريف همزتها ، تصاريف الكاف ، فيقال : هاء للمذكر ، و (هاء) للمؤنث بالكسر ، و (هاؤما) و (هاؤن) و (هاوم) ومنه (هاؤم اقرأوا كتابيه). المغنى ١ / ٣٨٥).
(٦) الأصمعي : سنة ١٢٣ ـ ٢١٦ ه. أبو سعيد عبد الملك بن قريب الأصمعي ، نشأ بالبصرة ، وأخذ العربية والحديث عن أئمتها ، أكثر الخروج إلى البادية لمشافهة الأعراب ، فاجتمع له بذلك من النوادر ـ ـ